روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و الثلاثون 38 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و الثلاثون 38 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثامن و الثلاثون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثامن و الثلاثون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثامنة و الثلاثون

~… أنتِ عمري …~
_ ولا كأني كنت أنا العروسة ولا…..
لم يمهلها كثيرّا ،فجذبها لصدره بضمة قوية خانقة للضلوع ، وهمس بجانب أذنها بابتسامة نابعة من قلبه وبمنتهى العشق قال :
_ عشر سنين يا مجرمة عشان اليوم ده يجي !
ارتجفت وهي تنظر له ولذراعيه التي تحتويها، تنظر لأرض عينيه التي ما زالت تُنبت الزهور بمحبة، وعلى وفاءها ما دامت على صبرها، بمحبة لم تزيدها السنوات إلا وفاء ويقين بأن المطر آتي.
تلعثمت وانعقدت الكلمات بحلقها بسعادة وبخجل شديد، كأنها العذراء التي لم يمسسها بشر واعتكفت بعيدًا عن الرجال من زمن طويل !
تنفس بعمق وهو يقترب ويقبّل جبينها بابتسامة كأنها طبعت على ملامحه، ثم نظر إليها بنظرة تخترق ثباتها … وقال بهمس:
_ مافيش أي مجال أني أضيع أهم وأحلى لحظة استنيتها سنين كتير من عمري، أستنيتها معاكي أنتي وبس يا ليلى.
قالت بعتاب لتخفي بعض من حيائها :
_ يعني جيهان مخدتش شوية من قلبك حتى طول السنين دي ؟!
أشتد نظرته دفء لعينيها، وأخذ الشوق ضياء عينيه وهو ينظر لها…وقال :
_ أنتي شايفة إيه ؟! …
عزفت عينيها وتهربت منه بابتسامة ترددت في الظهور، ولكن أشرقت بالنهاية، لم تستطع مقاومة مشاعرها أكثر من ذلك …. فقالت بصدق وهي تهبه أرق ابتسامتها :
_ شايفة اللي دايمًا كنت بتمنى أشوفه، شايفة اللي حاولت اموته جوايا عشان ما احسش أني خاينة … رغم كل اللي عمله فيا كنت بخاف ربنا وبحاول أنساك، بس معرفتش أنساك … ولا لحظة.
تأرجحت نظراته بين عينيها بنظرة كأنه نال الجائزة الكبرى.. فقال :
_ لما بعدتي زمان تخيلت أني هقدر أتجاوز الأمر ، شهر ، سنة .. بس هنساكي في الآخر …فات عشر سنين فراق ماشوفتكيش فيهم مرة واحدة حتى … وأنتي لسه زي ما أنتي جوايا … الفرق أنك كنتي بتكبري زي الطفلة اللي بتكبر سنة ورا سنة … واكتشفت أن الآخر ده مرحلة جديدة في عمري بحبك فيها أكتر…وبحتاجلك فيها أكتر وأكتر بكل لحظة.
تلون وجهها بحمرة شديدة كالدماء وهي تنظر له بسعادة طافت على روحها كطيف طير يحمل رسالة سلام…. فأضاف بهمس ناظرًا لعينيها عن قرب:
_ أنتي عملتي إيه عشان أفضل فاكرك عشر سنين ومعرفش أنساكي مهما حاولت ؟!
_كنت بقول يارب.
التهبت عينيها بدموع الفرحة بعدما قالت جملتها هذه.
فخطفها وجيه لصدره مجددًا بعناق شديد …. كأنها تحدثت مع قلبه حينما قالتها ! … استرسلت ليلى في دموعها للحظات وهو يشتد في احتوائه لها … فقالت بصوتٍ متهدج:
_ أيوة كنت بقول يارب من العذاب اللي عيشته كل لحظة ، من فرحتي اللي راحت غصب عني ، من احلامي اللي كنت أنت كل ما فيها وبين يوم ليلة لقيت نفسي متجوزة شخص تاني غصب عني! …. كنت بقول يارب رجعلي الأمان…فرجعتلي أنت.
همس بأذنها بعاطفة شديدة لأول مرة يظهرها لهذا الحد:
_ ورجعنا لبعض يا ليلى … صحيح كان الفراق مر وصعب بس رجعنا … ننسى بقا ونعيش أحلامنا بتاعت زمان.
سكنت للحظات على كتفه باطمئنان تام لسنوات كان يهجرها …ثم ابتعدت قليلا ونظرت لعينيه قائلة بألم:
_ خايفة …
وابتلعت ريقها ثم تابعت بضيق مؤلم:
_ خايفة من مرضي، وخايفة من نفسي …. صعب عليا أحس أن حد مشاركني فيك، ومقدرش أقولك طلقها لأني هبقى أنانية وظالمة…. واللي حصل النهاردة كان…
مرر وجيه يده على ذقنها بابتسامة وقال هامسا:
_ اللي حصل النهاردة أعذريها فيه، كنت متوقع يحصل اكتر منه كمان، جيهان في موقف صعب، بس أنا مش هعيش مرتين، ومستحيل كنت أسيبك بعد مالقيتك….رجوعك ليا كان رجوع اللي فات من عمري … تعويض عن كل يوم اتوجعت فيه في غيابك….رجعتيلي وأنتي معاكي قطتي الصغيرة…ريميه.

 

ورمقها بمكر قائلًا :
_ بس أنتي ناسية حاجة ..
تساءلت بحيرة ويبدو من نظراته أنه شيء سيربكها ربما:
_ ناسية إيه ؟
اقترب من عينيها بنظرات دافئة وهمس مع ابتسامة ماكرة:
_ ماسمعتش منك كلمة بحبك أبدًا …. ساعات بستغرب أزاي مع حكايتنا دي كلها ما أسمعش منك كلمة بحبك مرة واحدة حتى يا ظالمة!
ابتسمت وهي تضع يديها على صدره وقالت بملء فمها :
_ بحبك دي كلمة في أول سطر … بحبك دي بداية وأول خطوة في طريقنا …. بحبك دي قليلة أوي على أحساسي… بس بحبك.
همس لها مرةً أخرى بابتسامته المتسعة الخبيثة:
_ مافيش واحدة قابلتها في حياتي حسيت قدامها أن قلبي في خطر غيرك … بس برضو مافيش واحدة وقفت قدامي وحسيت قدامها أني أنا بكل عيوبي ومميزاتي غيرك …. أنا بحب كل حاجة فيا وأنتي معايا….
ارتمت على صدره برقة وهي تدفن ابتسامتها بصدره، ثم ابتعدت وقالت فجأة :
_ نفسي اصلي وراك …. اهو ده من ضمن أحلامي.
ربت على جانب وجهها وقال بحنان:
_ بس كده ! … ما هو ده العادي يعني اللي هيحصل! … روحي أتوضي.
ابتعدت ليلى عنه وجهزت ملابس للصلاة مناسبة ثم دلفت الحمام واغتسلت سريعا ثم توضأت …. وفعل مثلها وجيه وادوا صلاة ركعتين شكرًا لله …
وبعد الانتهاء ….
تلعثمت ليلى وفكرت سريعا حتى وجدت طعام العشاء على مائدة بالغرفة معد مسبقا …. فقالت متظاهرة بالجوع وهي بالأساس لا تشعر به بل معدتها بدأت تؤلمها من الحياء والارتباك…فأشارت للطعام:
_ إيه ده أكل !
كتم وجيه ابتسامته وقال بخبث:
_ تخيلي!
أزداد ارتباكها من نبرته ونظرته الماكرة وتوجهت للمائدة، فجذب يدها فانتفضت بحياء وظهر ذلك على وجهها، قال وجيه مبتسما بوضوح :
_ هتاكلي كده ؟!
قالت بارتباك وهي تبعد عينيها عنه :
_ وإيه يعني ؟! …في مشكلة !
قال وهو يتجول بنظرته على ردائها الفضفاض المحتشم :
_ لا طبعا … بس خدي راحتك شوية كده، ده بقى بيتك يعني! …
ومش عايز أصدمك ….أنا جوزك كمان!
تمايلت ابتسامة على ثغرها، فاتسعت ابتسامته على احمرار وجنتيها هذا….. ولكنها تحدته وهي تكتم ضحكة :
_ تعالى نتعشا بقا، ريحة الأكل تجنن.
تمتم بكلمات وهو يسير معها فقال وهو بين الغيظ والضحكة:
_ والله أنتي اللي تجنني !
تغاضت ليلى عن الجملة التي جعلتها تبتسم للحظة، ثم جلسا وبدأ يتشاركان الطعام في هدوء وألفة….
وتجنبت نظراته المسلطة عليها تمامًا، كأنه يخشى أن تهرب منه! …. ورجفتها العنيفة من الحياء أخفتها بأعجوبة.
نهض بعدما انتهى من طعامه وتوجه للحمام ليغسل يده…. تركت ليلى الطعام بضيق فقد اكلت وهي لا تشعر بأدني شهية

 

للطعام!
خرج وجيه وهو يجفف يديه وبعينه نظرة ماكرة كأنه يدبر شيء فقال:
_ فستان جيهان كان جميل أوي، اللي بيعجبني فيها أنها بتحب تبان أنثى قدامي…. لبسها جميل فعلًا.
اتسعت عين ليلى على آخرهما، وقد اختفى أي حياء بداخلها وتبدل بالغيظ والغضب ….وقالت بعصبية:
_ وكان عاجبك أوي اللي عملته قدام الناس !
لو أنا اللي عملت كده كنت عجبتك برضو !
اقترب لها بنظراته الخبيثة وسرقها اليه بخفة قائلا:
_ أنا عمري ما هسمحلك أصلا تعملي كده قدام حد غير لوحدنا، ثانيًا ده مش معناه أني عاجبني لبسها يكون كده برا البيت …. أنما في البيت براحتها أوي أوي …أوي يعني.
ابتعدت عنه بعصبية، ثم توجهت للخزانة وأخرجت منها رداء مناسب للنوم ترتديه… ثم رمته بنظرة شرسة غاضبة ودخلت الحمام…. مرر وجيه يده على شعر رأسه بضحكة حاول أن لا يعلو صوته فيها….
وانتظر لحظات حتى خرجت وهي ترتدي رداء نوم يصل لبعد ركبتيها بقليل…. ولكنها بدت جذابة لدرجة خطيرة….سلبت نظرات عينيه ولُب عقله بلحظة!
قالت بعصبية وكأنها تريد كسب رأيه وتفوقها الأنثوي على الأخرى …وهتفت بغيظ:
_ أنا برضو لبسي حلو على فكرة…. بقولك إيه، إيه رأيك؟
ابتسم لها بمكر وهو يقترب منها بتؤدة، فتنفس عميقا وقال:
_ خايف أقول قمر تزعلي أكتر !
اتسعت ابتسامته وهو ينظر لضيق عينيها ويبدو أنها اكتشفت خطته، فقالت بغيظ:
_ يعني أنت كنت بتضحك عليا ! … ماشي يا وجيه.
توجهت للخزانة مرة أخرى وأخذت “منامة قطنية” واسرعت كي لا يوقفها …. فرفع حاجبيه بدهشة من ما تفعله …..خرجت مرة أخرى من الحمام وهي ترتدي البجامة التي أظهرتها أكثر جاذبية وطفولية أيضا…..
وقف أمامها عاقدًا ذراعيه بثبات، ثم قال بتعجب:
_ ده جنان ده ؟!
تمايلت في مشيتها بدلال أمامه، وقالت بثقة عالية وهي تقف أمام المرآة وتتفحص مظهرها ويتمايل شعرها بغنج :
_ ماتفكرش تقارني بحد لو سمحت…. أنا لا أقارن!
ابتسم وهو يقترب إليها بنظرات ممزوجة بين المكر والشوق:
_ أنتي لوحدك ومحدش ينفع يبقى معاكي.
ابتسمت وهي تستدير له بضحكة طفولية وقالت باستحسان:
_ شاطر….
وعندما اقترب إليها قبّل رأسها في رقة وقال بصدق:
_ اكيد مقصدش أضايقك، بس صعب عليا لما اللي بتمناها ألاقيها بتبعد عني خصوصا لما يكون ليا الحق في القرب!
عادت شخصيتها الحنونة الدافئة لعينيها وقالت نفيًا بألم:
_ أبعد عنك ! …. أياك تقول كده تاني!
عينيه ذات العواصف قالت الكثير….. وأسدل الليل ستاره على لقائهما الذي نالوه بعد سنواتٍ من الهجر والفراق والعذاب.
كأن هذا مثلًا آخر لتعاقب الليل والنهار…. هناك ضوء للشمس سيشرق من جديد بعد الظلمة والوحدة واليأس.
******
في غرفة جيهان ….
أشتدت ظلمة الليل وزادت عذابها أكثر …. كلما سرحت بخيالها كلما التهب الغضب بداخلها ….
شهقت جيهان من البكاء وهي نائمة بوضع الحنين ولا زالت برداء السهرة .. فقالت بحسرة:
_ أنا ليه محدش حبني ؟! … ليه بحس أني تقيلة على الكل ؟! …. حتى وجيه اللي فكرت أني ممكن أخليــه يحبني وينسى ليلى ! … اللي شوفته في عنيه النهاردة يخليني اتقهر على نفسي !
أنا اللي ظلمت نفسي ؟ …. ولا هو اللي ظلمني ؟! …ولا الظروف اللي ظلمتني ؟ … مابقتش فاهمة حاجة !
اعتدلت وهي تبكي بقهر ومضت اتجاه الخزانة حتى اخرجت رداء نوم بشكل عشوائي لم تنظر له حتى ..!
توجهت للحمام وأخذت دشا دافئ سريعا وخرجت وهي ترتدي رداء نومها ….
كلما خطف ذهنها الشيطان لتدبير المكائد تضيق ذرعا وتختنق من الألم ….
اضجعت على جانبها وتمنت أن تغفو … وتمنت قبًلًا أن لا يربح الشيطان وينل من نفسها الأمارة بالسوء، ويجعلها تنعطف لاتجاه الكيد والشر…
فتنهدت جيهان بقهر وقالت بصدق:
_ يارب احميني من نفسي ، أنا مش عايزة أبقى وحشة، يارب أنا نفسي أفرح ….تعبت، تعبت…..
كررتها بشهقات متألمة حزينة …. حتى استسلمت للنوم بعد كثير من الدموع والمناجاة لرب العالمين.

 

******
تململت حميدة بفراشها وقد خلدت للنوم منذ أكثر من ساعة وبجانبها الصغيرة ريميه …. حتى فتحت حميدة عينيها تدريجيًا عندما انتبهت لرجفة بالفراش وصوت آنين !
التفت رأسها جانبًا حيث الصغيرة فوجدتها منكمشة بجسدها كأنها لا زالت برحم أمها وتبكي …
انتفضت حميدة من مكانها وقالت بخوف :
_ مالك يا حبيبتي بتعيطي كده ليــــه ؟!
أخذت الصغيرة لحظات حتى خرج صوتها ضعيف باكي، وقالت بكلمات متقطعة:
_ بابا صالح … كل يوم بحلم بيه وهو بيصرخ وبيناديني ..
قد علمت حميدة نبذة مختصرة عن زواجها ليلى السابق ، ولكن يبدو أن والد الصغيرة خلفه الكثير من الأسرار …. فأشفقت عليها حميدة وجذبتها لصدرها بضمة حنون وهمست برقة:
_ طب بطلي عياط … ده حلم بس متخافيش.
ولكن يبدو أن تلك الكلمات لم تكن كافية لتكف الصغيرة عن البكاء … ففكرت حميدة وقالت :
_ بقولك إيه يا ريمو، في جاتوه كتير فاضل من الحفلة، تعالي معايا نروح ناكل كده حتتين جاتوه ونشرب عصير وننبسط …
لم تجيب الصغيرة بالرفض أو القبول … فنهضت حميدة ولفت حجاب حول رأسها على جلباب بيتي مريح، ثم حملت الصغيرة وخرجت من الغرفة.
******
كانت الساعة تدق الثانية صباحا….
ويبدو أن هناك من سبقهم للمطبخ طمعا بالحلوى….
وقف يوسف يُعد “بسبوسة” سريعة ، وانتشرت رائحتها الشهية اللذيذة….. كان ينتقل بين أدوات المطبخ ويعد خليط من قطع الفاكهة بانتظار نضج الحلوى بالفرن الكهربائي…
دخلت حميدة المطبخ وحملقت فيه بدهشة وهو يصفر باستمتاع مما يفعله، بينما كتمت ضحكتها من نظراته للحلوى والفاكهة وكأن عينيه تتذوق أولًا.
ثم بدأ يدندن أغنية…
” يا صباح الخير ياللي معانا ياللي معانا، البسبوسة أهي هتطلع خلصانة ..خلصانـــــة، تراااام ترررام.
ضحكت حميدة بخفوت حتى استدار يوسف ليكتشف مصدر الصوت … فانفرجت شفتيه بابتسامة مشرقة وقال :
_ صباح الخير…
قالت ريميه بصوت خافت:

 

_ يوسف .. بياكل.
وهنا ضحكت حميدة بوضوح وقالت له :
_ حتى ريميه عرفت أنك بتحب الأكل !
اقترب لهما بابتسامة واسعة وحمل الصغيرة على يديه وقال بحماس:
_ وإيه يعني ، طب بذمتك يا ريمو مش الأكل معايا أحلى من أي حد ؟!
انتظرت الصغيرة لحظة ثم أومأت رأيها بالإيجاب، فهتف يوسف بانتصار:
_ فوزتي بصينية البسبوسة بحالـــها، تعالي بقا دوقي طعمها.
توجه للفرن الكهربائي وقد أجلس الصغيرة على رخامة جانبية، راقبت حميدة عمله المنظم وقالت:
_ شكلك شاطر في الحلويات ؟!
رد يوسف بفخر وهو يخرج صينية الحلوى من الفرن ويضعها أعلى البوتاجاز :
_ أعمل أحلى حلويات، بحبها فتعلمتها.
وضع الشربات البارد وسقى به الحلوى الساخنة، ثم تابع تقطبع قطع الفاكهة وتساءل :
_ انتوا بقا صاحيين بدري كده ليه ؟!
أجابت حميدة :
_ قولنا أنا وريمو نيجي ناكل حاجة حلوة …
نظر يوسف لها مبتسما بمحبة وقال:
_ طب أقعدي بقا ودقايق وهعملكم تشكيلة من الآخر.
اصطبغ وجه حميدة بحياء وقررت أن تتجاهل النظر له، حتى بعد دقائق قليلة وضع أمامها طبق كبير من الحلوى والفاكهة …ثم وقف امام الصغيرة الجالسة على الرخامة وبدأ يطعمها وهو يشاكسها ….
والغريب أن الصغيرة تستجيب له بسرعة عالية بعكس الجميع حتى أمها !
قال يوسف بضحكة وهو يوجه قطعة من المانجو الطازج لفم الصغيرة، وقال بمزاح وهو يبعد يديه ببطء:
_ هاكل أنا الحته دي.
قبضت الصغيرة على يديه فأرتفعت ضحكته، ثم وضعها بفمها بنظرات حنونة …. راقبتهما حميدة بابتسامة لم تفارقها وقالت دون أن تشعر:
_ هتبقى أب حنين أوي.
التفت له يوسف بابتسامة وعينيه تظهر ما يكنّه لها وقال:
_ وهبقى زوج أحن برضو.
تهربت عينين حميدة بارتباك شديد للبعيد وندمت أنها قالت ذلك … حتى عاد يوسف أطعام الصغيرة وهو يشاكسها ويضحكها …. حتى أنه أهمل أن يتذوق مما أعده بنفسه!
ومرت دقائق عليهم كانت تشاهدهما فيهم حميدة بضحكات واستمتاع من طفوليته مع ريميه.
حتى قررت العودة لغرفتها ومعها الصغيرة، فأشارت الصغيرة ومدت يدها كأنها تنبهه لشيء :
_ هستناك الصبح …
خرجت ضحكته صافية وهو يقول :
_ حاضر، أنا اللي هأكلك الصبح برضو.
هزت ريميه كفها الصغيرة بإشارة الوداع المؤقت وهي تبتسم …..وعادت حميدة وهي تحملها للغرفة وسرعان ما خلدوا للنوم بعد وجبة دسمة من السكريات والفاكهة.
******
وعند الفجر….
انتفضت فرحة من فراشها على صوت هاتفها الجوال، التقطت أنفاسها بصعوبة، ثم أخذت كوب ماء كان بجانبها على منضدة خشبية ملتصقة بالفراش، وبدأت ترشفه بقوة.
وضعت كوب الماء بمكانه وأخذت الهاتف الكائن بجانبه، نظرت للرقم الغريب بتعجب ! …
لم تعتاد أن يتصل بها أرقام غريبة وما حدث إلا نادرًا!
وكان الاتصال أنتهى فور استيقاظها! ، فتنفست بحدة وقررت الخلود للنوم مجددًا … ليعود صوت الهاتف المزعج من جديد !
وهنا قررت أن تجيب وقالت بحدة :

 

_ آلو ..؟
لم تسمع أي رد !، بل ما يتخلل إلى أذنيها صوت أنفاس متسارعة ! …. فكررت فرحة بقلق :
_ مين معايا ؟!
لم تتلقى رد أيضا وتلك الأنفاس تصلها بوضوح …. أغلقت فرحة الاتصال بريبة… من المتصل إذن ؟
لربما كانت معاكسة سخيفة أو مكالمة بالخطأ ….
تنفست بعمق وتمددت مجددًا لتخلد للنوم، ودقائق وكانت تاهت في سباتٍ عميق.
( برؤية ضبابية كانت ترى نفسها تقف من مرتفع جبل ارتفاعه شاهق مريب ! …. كأنه يعلو على السحاب !
ويد مجهولةً تأتي من الهاوية وتريد جذبها لتسقط …. واليد بها زهرة رائعة الجمال تسرق الأنظار….فتغاضت هي عن خطر السقوط وخطفها فقط تلك الزهرة الساحرة…
وعند الخطوة الأخيرة ما قبل السقوط جذبتها يد أخرى للخلف، بعيدًا عن حافة المرتفع …
استدارت للغريب وتشابكت عينيها مع عيناه الحادة كعينين الثعالب …. لم يتحدث، لم يبتسم، كان غاضب تمامًا منها….
فهتفت به :
_ كنت سيبني أخد الوردة ؟!
هزها بعنف وقال :
_ كلها شوك هتجرحك ! أنا خايف عليكي!
ملامحه الشرسة لا تدل على ما يقوله على الأطلاق ! …. حتى فجأة وجدته يجذبها لصدره بضمة غاضبة كعينيه، ضمة جعلتها تشعر أن لا شيء يستطيع أن ينل منها بعد الآن….)
وانتفضت فرحة مجددًا بفراشها وهي تتنفس بسرعة، وتاهت عينيها لذلك الحلم الغريب ! …. كان غريبًا بالحلم، لكنه بالواقع انسان غامض شغل تفكيرها طيلة الساعات الفائتة بغموضه !
ابتلعت ريقها وهي تستغفر وتحاول طرد ذلك الحلم من خاطرها……
حتى تفاجأت أن الساعة قد دقت السادسة صباحا منذ ربع ساعة!..
وثبت من الفراش بعجالة وقالت بتمتمة ومقت:
_ يعني هروح متأخرة كمان !
ركضت للحمام لتغتسل سريعا وتستعد للذهاب للعمل….
********
نهض يوسف من فراشه وهو يتثاءب بكسل وعلى كتفه منشفة بيضاء نظيفة….. اغتسل لدقائق وخرج وأرتدى ملابسه سريعاً ….القى نظرة على مظهره أمام المرآة ومشط شعره بهدوء…..ثم تخللت لأنفاسه رائحة يعشقها ….
قال وهو يبتسم بالتدريج :
_ فطير؟! ….دي ريحة فطير!
وضع المشط ونظر لنفسه بالمرآة في عبوس وقال:
_ اكيد بتهيألي ! ….
حتى اتسعت عينيه وكأنه تذكر أمر هام وقال :

 

_ عمي …. النهاردة صباحيته ، حميـــــــدة..
ركض من الغرفة وهبط درجات السلم بحركة سريعة رشيقة متوجها للمطبخ مباشرةً….. فاتسعت ابتسامته وهو يجد الفتيات الأربعة متجمعين وجالسين على الأرض ويبدو أنهن أنهوا وليمة من الفطير الفلاحي….
قال يوسف بابتسامة واسعة وشهية عالية تطرق معدته :
_ أنا بجد كان نفسي في الفطير ، انتوا عملتوا ده كله امتى ؟!
ابتسمت حميدة له بلطف وقالت :
_ ساعتين زمن وكنا مخلصين، مخدش معانا وقت الحمد لله، قرفتهم حلــــوة.
مد يوسف يديه بصينية كبيرة واسعة مرصوص عليها رقائق الفطير، ثم بدأ يتذوقها وهو يكاد يهتف من السعادة وقال:
_ أحلى فطير باكله من ايديكم يا بنات عمي، تسلم إيديكم.
ردت جميلة عليه بابتسامة صادقة:
_ بالهنا والشفا يا يوسف، بس استنى لما يبرد شوية عشان ما يوجعش بطنك وهو سخن.
نهض الفتيات من أرضية المطبخ وقالت حميدة للفتيات بحيرة:
_ هو عمي وعروسته هينزلوا يفطروا معانا ولا أطلعلهم الفطار ؟!
رد يوسف بتأكيد:
_ يفطروا معانا أزاي يعني دول عرسان !
طلعي ليهم الفطار أفضل ….
قالت حميدة له بتحذير:
_ اللي هيسألني هقوله يوسف اللي قالي !
أومأ يوسف رأسه بثقة وقال :
_ موافق.
قالت حميدة وهي تنفض جلبابها :
_ هروح أغير هدومي تكونوا جهزتوا الفطار يا بنات عشان أطلعه.
وافق الفتيات وبدأوا يجهزون الفطار على طريقتهن الريفية ….
حتى نظر يوسف للأطباق بعدما رتبوها وقال بابتسامة عريضة:
_ سمنة وجبنة فلاحي وعسل وقشطة ولبن! …. عمي هيطلع من أجازه الجواز زايد عشرين كيلو!
قالت سما بابتسامة:
_ وماله، ياكل ويتغذى ده غذا على أبوه مش الأكل الصناعي بتاعكوا ده !
ضحك يوسف وقال لجميلة بمرح :
_ عشان كده جميلة بتزق جاسر زقة واحدة بيبعد عنها أسبوع !… ده أتفطم على الشوكولاتة!
انخرط الفتيات الثلاث بالضحك على مزحة يوسف، حتى دلف جاسر للمطبخ وحاجبيه مرتفعان بتعجب وقال:
_ سمعت اسمي ، خير ؟!
هز يوسف رأسه بنفي وقال :
_ بتهيألك ..
نظر جاسر لجميلة التي ترتدي جلباب مترب، وأشار لها قائلا ليوسف:
_ هما جابوا شغالة جديدة !
زم يوسف شفتيه له ليصمت فردت جميلة بسخرية:
_ روح أغسل وشك عشان تفوق وتشوف كويس.
قال جاسر بابتسامة ماكرة وكأنه للتو اكتشف أنها هي ابنة عمه:
_ إيه ده جميلة ابنة العم ؟! …. يا مرحبا ….
ردت جميلة بسخريتها :
_ خسئت يا أعبط من في القبيلة.
أنخرط يوسف والفتيات بالضحك وخاصة بنظرات الغيظ بعين جاسر لها….
فرمقها بنظرة تهديد صريحة وقال :
_ أنا مش دايمًا هسكتلك، كون أنك بنت ده مش هيخليني اصبر كتير على طولة لسانك دي !

 

قالت بتعجب :
_ أنت اللي بتجر شكلي ولا أنا ؟! …. رد !
قال بتوعد :
_ عمري ما هعبرك تاني، أنتي اللي زيك ما يتقالوش صباح الخير حتى!
قالها وذهب من أمامهم بعصبية…..
أتت حميدة بعده وقد أرتدت جلباب بيتي نظيف ورتبت رقائق الفطير والأطباق بتنظيم، ثم رفعت الصينية على رأسها وصعدت الدرج.
قال جاسر وهو يجلس بمقعد في الردهة :
_ كمان شوية يجبوا معزتين ويربوهم في البيت !
ثم أشار لها من بعيد ليغيظها وهو يضع ساقا على ساق:
_ أعمليلي كوباية شاي بلبن يابت ياللي اسمك جميلة… يا بيوتيفول.
رمتها جميلة بنظرة مستخفة، ثم استدارت ترتب المطبخ مثلما كان.
*******
تسلل الضوء لجفونها فبدأت تفتح عينيها ببطء…. ولكنها فوجئت أنه يقف بجانب الفراش مبتسما بوجه يشع سعادة وابتسامة صافية.
نظرت له لدقائق كي تستوعب انها بالفعل أصبحت زوجته ولا أن يكون هذا حلما !
تنفس وجيه بعمق ويبدو أنه للتو خرج من الحمام فقد كان شعره مبللا بالماء …. جلس على أطراف الفراش عندما اعتدلت جالسة بنظرات يغمرها الحياء …
فنظر لأحمر خديها وبشرتها اللامعة وقال متأملًا فيها بعشق:
_ بعد ما صحيت قعدت ساعة أبصلك عشان اصدقك أن هنا ! …وأن ده كله مش حلم أو وهم ! ….
ابتسمت ليلى وهي تنظر للغطاء عليها، ثم نهضت ببطء وهي تخفي ابتسامتها وتدلى شعرها الأسود المتوسط الطول على كتفيها وهي تنهض.
فنهض وجيه معها واقترب إليها بلمحة، حتى قبّل جبينها برقة شديدة جعلت قشعريرة تسري بجسدها…. ونظر لعينيها بعد ذلك مبتسما بتسلية من حياءها:
_ صباحية مباركة ياليلى.
تخضب وجهها اكثر من الحياء وافلتت منه وركضت للحمام والابتسامة على وجهها ….
راقه حيائها وابتسامتها التي كافحت لتخفيها ولم تستطع ….كما تمناها دائمًا….
حتى انتبه لدق على باب غرفته فتقدم ليفتح الباب…..
ظهرت حميدة وعلى رأسها الصينية الثرية بأطباق الطعام ….نظر وجيه لها ببعض التعجب … ثم ابتسم وهي تقول بضحكة :
_ صباحية مباركة يا عمي.
رد مبتسما ابتسامة واسعة :
_ الله يبارك فيكي يا حميدة… عقبال يا حبيبتي.
كان إجابة حميدة زغرودة عالية دون سابق إنذار…..فوجئ وجيه ببادئ الأمر وود لو لم تفعل ذلك… ولكنه شعر بعد دقيقة أنه أحب ذلك الأمر …. وقالت حميدة بعد ذلك:
_ هنزل أنا بقا والضهر هطلعلكم الغدا برضو….
وذهبت بتلك الضحكة أيضا بعدما أعطته صينية الطعام….
دلف وجيه ووضع الطعام على المنضدة وغفل أن يعطيها طعام عشاء ليلة الأمس…..حتى خرجت ليلى بعد دقائق وهي تجفف شعرها بالمنشفة…
نظرت للطعام بتعجب وقالت بضحكة:
_ مش هقدر أفطر غير لبن وجبنة بالكتير…..
بينما كان هو هائمًا فيها وهي بحركة عفوية بسيطة تجفف شعرها بدلال أنثوي سرقت نظراته تمامًا…
********
بالقرية الريفية…
وقفت زوجة العمدة أمام فراش أبنها الصبي باكية….وتحسس العمدة بيده جبين الصبي نعناعة الذي يبصق حبيبات العرق من ارتفاع درجة الحرارة…. وقال بحزن:
_ من وقت البنات ما مشيوا وهو يفضل طول الليل على السطع يعيط وينزل بالشكل ده!
قالت زوجته بألم ورعب:
_ الواد لو فضل على كده هيروح مننا يا عمدة!، ده اللي حليتنا وجبناه بعد صبر…..أتصرف أن شاء الله ترجعهم هنا تاني.
قال العمدة بتنهيدة ثقيلة من الحزن:
_ أرجعهم أزاي بس ! …. ماينفعش حتى أفكر في كده ! …
جلست الأم على أطراف فراش أبنها وقالت منتحبة:
_ يبقى عليه العوض في أبني……يارب سلم يارب.
قال الرجل برجاء يرجوه من رب العالمين:
_ يارب دبرها واجبر بخاطرنا يارب.
******
بعدما وصلت فرحة للمشفى وتوجهت مباشرةً لقسم الأشعة حيث باشرت عملها بهدوء …. وجدت أحدى الممرضات أمامها وتخبرها قائلة:
_ بعد أذنك يا آنسة فرحة…. زايد عايز يشوفك ، هو اتعصب وفضل يكسر في كل شيء حواليه عشان رفضت أجيبه هنا …. لازم تيجي أرجوكي.
تنفست فرحة بعصبية وقالت لها :
_ أنا ماليش أي صلة بيه، ولو عندي وقت أزور حد فأخويا أولى باهتمامي ! ….
ضاقت الممرضة من رفضها ولكنها أنصرفت ….. شردت فرحة قليلا في ذلك الحلم الذي يقتحم فكرها رغما…..ثم نفضت أفكارها وعادت للعمل ….
عادت الممرضة لغرفة زايد الذي لم يشك للحظة أنها سترفض …..ولكن صدم بما قالته الممرضة :
_ رفضت تيجي ….ارجوك أهدى شوية !
ارتفع صدره هبوطا وصعودا من الأنفاس المتسارعة….. ولا يعرف كيف وثق لهذا الحد بمجيئها ….كيف وصل لتلك الدرجة من التعلق ! ..
أم أنها لامست شيء بداخله لم يره إلا فيها ! ….. شيء فيها كان يذكره بوالدته المنتحرة شنقا أمام عينيه !

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!