روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الثامن و الثلاثون 38 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الثامن و الثلاثون 38 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الثامن و الثلاون

رواية في حي الزمالك الجزء الثامن و الثلاثون

رواية في حي الزمالك الحلقة الثامنة و الثلاثون

لِقَاء الْعَمَالِقَة 🦋✨🤎

في تمام الحادية عشر أنهت أفنان الإختبار واتجهت مباشرة إلى المنزل كي تساعد والدتها في تجهيز الغداء والتأكد من نظافة المنزل ولكن في طريقها استوقفها رسالة وصلت إلى هاتفها وكان محتواها كالتالي:

“هل تظنين حقًا أنه يُحبكِ وأنه يُخبركِ بكل شيء؟ إذًا عليكِ أن تسأليه عن محادثتنا ليلة أمس’Do you really think that he loves you and that he tells you everything? Then you should ask him about our conversation last night’.”

تعلقت عين أفنان بالهاتف لبضع ثوانٍ بينما يحاول عقلها استيعاب ما قد قرأته، رحيم قضى ليلته يتحدث إلى؟ إليها.. من تكون هي من الأساس؟ وتُشكك في مشاعر رحيم تجاهها؟!

على الفور هاتفت أفنان رحيم لكنه لم يجيب، حاولت أفنان مهاتفه مجددًا لكنه لم يُجيب كذلك في المحاولة الثالثة أجاب رحيم بصوتٍ ناعس:

“أفي.. Good morning ‘صباح الخير’.”

“صباح النور.”

“عارفة يا أفي، مفيش حاجة ألطف من أني اصحى من النوم على صوتك.”

تفوه رحيم بكلماتٍ معسولة وبنبرة تُذيب الحجر لكن توتر أفنان وغضبها من تلك الرسالة لم يجعلها تنتبه لما يقوله لذا تجاهلت حديثه وسألته الأسئلة الآتية بشك:

“كل ده نوم؟ كنت سهران ولا أيه؟”

“يعني.”

“يعني أيه يعني؟ يا اه يا لا.” علقت أفنان على حديثه بحنق واضح ليتعجب رحيم فمنذ بدء المحادثة لم يتفوه بحرفٍ واحد قد يُزعجها لذا سألها بقلق:

“أفي أنتِ كويسة؟ صوتك مش مضبوط.”

“مفيش.. أنا بس عايزة اعرف أنت نمت امبارح أمتى؟”

“بس كده؟ طيب يا ستي أنا نمت يعني nearly 3 AM ‘ما يقرب من الثالثة صباحًا’.”

“كنت بتخلص شغل ولا سهران مع أنس عادي؟”

“أنا مش فاهم سر الأسئلة الكتير دي.. عمتًا كان معايا مكالمة.. بنت كانت زميلتي في الجامعة، كانت بتسألني على حاجات ليها علاقة بال Master ‘ماچيستير’ هنا في مصر.”

“اه وهي زميلتك وبس؟” كانت رائحة الغيرة تفوح من حديث أفنان وقد أسعد ذلك رحيم لكن في الوقت ذاته شعر بالتوتر يتخلل قلبه ليُجيبها بتلعثم:

“لا.. قصدي حاليًا اه بس.. أنا مش فاهم حاجة، هو في أيه؟”

“ممكن تجاوب على أسئلتي من فضلك؟”

“طيب.. أيه رأيك نتقابل ونتكلم في الموضوع ده براحتنا؟”

“كلم بابا استأذنه، مع السلامة.”

زفر رحيم بضيق وهو يُعيد خصلات شعره نحو الخلف، لا يدري ما خطب أفنان لكن يبدو أن هناك شيء ما يُزعجها.. ولماذا قامت بفتح تحقيق معه بشأن سهره ليلة أمس بل ومن أين علمت ذلك من الأساس؟! فلقد غفت باكرًا ليلة أمس من أجل الإستيقاظ في موعد الإختبار.

بعد عشرة دقائق تقريبًا هاتف رحيم والدها وظل يقنعه لمدة لا بأس بها أن يصطحب أفنان للجلوس في أحدى المقاهي العامة وقد وافق والدها بعد أن وضع عدة شروط.

في الخامسة والنصف وبعد أن استيقظت أفنان من القيلولة أو الغيبوبة فلا قيلولة تستمر لخمسة ساعات والتي حصلت عليها بعد عودتها من الجامعة.

بدلت ثيابها سريعًا إلى ثياب أنيقة فابالرغم من غضبها إلا أنها ارادت أن تبدو بمظهر مُرتب يليق بزوجها المُستقبلي.

“أفنان أنتِ جهزتي؟”

“اه يا حبيبي خلاص هنزل أهو.”

“طب تعالي أتكلم معاكي شوية.”

“حاضر.”

“أنا مش هطول عليكي عشان متتأخريش على رحيم، بصي يا حبيبة بابا أنا عايز بس انبهك لحاجة صغيرة، أنتي ورحيم مخطوبين أو في حكم المخطوبين اه بس مش متجوزين.”

تفوه والدها لتنظر نحوه أفنان بتعابير وجه خالية قبل أن تُطالع والدها في بلاهة وهي تُردف:

“ايوا أنا ما أنا عارفة أكيد.. لا ثواني أنا مش فاهمة حاجة؟”

“يعني ميفعش مثلًا مثلًا أنه يمسك ايدك ولا يمشي قريب منك ولا الهبل اللي بيتعمل ده!” كان نبرة والدها تحوي في طياتها الغيرة والإستياء فقط من التفكير فيما يقوله، ضحكت أفنان ضحكة صغيرة قبل أن تقول بجدية:

“لا طبعًا يا بابا هو لو فكر يعمل كده هكسرله ايده عامًة.”

“وكمان ميصحش تسهروا تتكلموا لوقت متأخر ولا تعملولي فيها حليم وشادية أظن أنتي فهماني، كل سنة ولا سنة ونص وتتجوزوا إن شاء الله ابقوا حبوا في بعض براحتكوا.”

“تحت أمرك يا حبيبي.. حاجة تاني؟”

“لا سلامتك، اه أنا هعدي عليكي بالعربية أروحك.”

“تمام.”

في تمام السادسة والنصف كانت السيارة تنتظرها أسفل المنزل كي تصطحبها إلى المطعم حيث ينتظرها رحيم الذي أوشك دوامه على أن ينتهي، وصلت أفنان إلى المكان في خلال ساعة تقريبًا.. كان مطعم فاخرًا كالمعتاد، جاء رحيم وعلى وجهه ابتسامة مُشرقة حينما رأى أفنان في حين أنها قابلته بوجه متجهم.. عقد حاجبيه وهو يُردف:

“مساء الخير أفي، Why are you looking so mad ‘لماذا أنتِ غاضبة لهذه الدرجة’؟”

“مين البنت اللي كنت بتكلمها إمبارح؟ اسمها أيه؟ وتعرفها منين؟ وليه كلمتها أصلًا.. وليه هي بعتتلي Message ‘رسالة’ زي دي؟” سألته أفنان عدة أسئلة متتالية دون أن تترك ولو ثوانٍ بين السؤال والذي يليه.

“لحظة لحظة.. First of all calm down ‘قبل كل شيء.. اهدأي’، و بعدين ثواني.. Message ‘رسالة’ أيه؟”

حاول رحيم تهدأتها لكن في المُقابل أخذت أفنان تُحرك قدمها بحركات متتالية دلالة على التوتر، أخذت نفسًا عميق قبل أن تُردف:

“جاوب على أسئلتي أنا الأول.”

“حاضر، أنا مش هتضايق من أسلوبك الهجومي اللي بتتكلمي بيه عشان أنا مُقدر أنك غيرانة ولكن من فضلك افتكري إن لما أنس جيه قالي أنه شافك قاعدة مع نوح أنا متعصبتش وجيت كلمتك بهدوء.”

“أولًا أنا مش غيرانة أساسًا أنا بس بسأل.. ثانيًا بقى أنت وقتها مكنتش خطيبي ومكنش في علاقة تجمعنا فمكنش من حقك تغير.”

“مش مضبوط، الكلام ده كله مش مضبوط.. أنتِ غيرانة، It’s so obvious ‘إن الأمر واضح للغاية’ أصلًا، وبعدين أحنا اه مكناش مرتبطين بس I had feelings for you at the time ‘لكنني كنت أكن المشاعر تجاهكِ في ذلك الوقت’.”

“بقولك أيه متاخدنيش في دوكة وفهمني كل حاجة من طقطق لسلامو عليكوا.” قالت أفنان بغيظ شديد لينظر نحوها رحيم بثغرٍ مفتوح وقد ضيق عيناه تعبيرًا عن عدم فهمه لكل ما قالته تقريبًا عدى أن يُفهمها كل شيء..

“طيب البنت اللي كنت بكلمها اسمها ناتالي، وناتالي دي كانت زميلتي في الجامعة.. هي اتصلت بيا امبارح زي ما قولتلك عشان بتسألني على اجراءات تحضير ال Master ‘رسالة الماجستير’ في مصر، اللي أنا مش فاهمة بقى أنتِ عرفتي منين؟ كلمتيني ولاقيتيني مشغول؟ بس مش منطق لأنك المفتىض نمتي من بدري.”

“ثواني ثواني.. أنا حاسه أنك قاطع حتة كده في النص.. قولي علاقتك بيها أيه تاني كده؟ ومن غير كدب وتحوير.”

“حاضر.. طيب من غير عصبية ولا خناق.. She is my ex girlfriend ‘إنها خليلتي/حبيبتي السابقة’.”

“كنت مصاحبها!! سهران تتكلم مع واحدة كنت مصاحبها يا رحيم! لا لحظة واحدة كده عشان لو اللي في بالي طلع صح هيبقى سواد عليك.. هي دي اللي كنت حاضنها في الصورة؟!!”

صاحت أفنان بإنفعال شديد وهي تشعر بالنيران تحرق قلبها، لم تُدرك أفنان أين هي وبرفقة من كل ما تعرفه هو أنها غاضبة وبشدة، رمقها رحيم بحدة نسبيًا وهو يُردف بحنق:

“أفنان! وطي صوتك أحنا في مكان عام! You can’t talk to me in that tone ‘لا يمكنكُ التحدث إلي بهذه النبرة’!”

“ماشي أنا أسفة، فهمني بقى.” أعتذرت أفنان على الفور عن غير اقتناع وهي تعقد كلتا يديها أمام صدرها ليتنهد رحيم وهو يسألها:

“افهمك أيه؟ ,I told you everything, and now it’s your turn ‘لقد أخبرتكِ بكل شيء والآن حان دورك’.”

“في رسالة اتبعتتلي امبارح بليل.. بس أنا شوفتها وقت لما كلمتك، اتقالي فيها أنك كنت سهران تحب في التليفون مع واحدة وأنك مش بتحبني.” تمتمت أفنان بنبرة هادئة عكس التي كانت تتحدث بها قبل قليل وقد بدى أنها قد تٱثرت كثيرًا بما كُتب في تلك الرسالة، زفر رحيم في ضيق قبل أن يُردف بجدية:

“وريني ال Message من فضلك، عايز أشوف الرقم كمان.”

“تعرف الرقم؟”

“لا، اللي باعت ال Message مش ساذج للدرجة، بس أنا هعرف ده رقم مين.. عالعموم متشغليش بالك باللي اتكتب، ده كله مش صح.”

“مشغلش بالي ازاي يعني؟”

“أفي، حبيبي.. This is staged ‘هذا مرتب’ الأمر واضح جدًا، حد عايز يوقع بينا.. حد عارف أني كنت بكلم ناتالي امبارح.. حد عارف أني غالبًا مش حكيلك عنها.. حد زي ناتالي نفسها أو..”

“أو مين؟” استفسرت أفنان وقد عقدت حاجبيها ليزفر رحيم بضيق شديد قبل أن يهمس:

“مامي..”

“أمك؟! وهي هتعوز توقع بينا ليه؟ هي مش موافقة عالجوازة صح؟ أنا قلبي اتقبض برضوا من وقت ما عرفت أنها عايشة..” عادت أفنان لإنفعالها وقول كلمات غير مناسبة تمامًا، اضطربت معالم رحيم مجددًا وهو يُردف مستنكرًا:

“أفندم؟”

“قصدي يعني أنك لما جيت مع باباك وأنس بس افتكرت أنها بعد الشر يعني متوفية لكن لما عرفت أنها عايشة ومجتش قلقت.”

“هي كانت مسافرة أصلًا وقتها.”

“وهو ده السبب يعني؟ مش أنها مش موافقة مثلًا؟ ” سألت أفنان بغتة ليحمحم رحيم وهو يتحرك في مقعده بعدم راحة، يتحاشى النظر إلى عيناها فهو لن يقاوم رغبته في الإفصاح عن كل ما يدور في خاطره إن قام بعمل تواصل بصري معها.

“بص في عيني ورد عليا يا رحيم من فضلك.”

“أفي أنتِ عايزة تضايقي نفسك وخلاص؟” سألها رحيم بضيق لتجاوب على سؤاله بسؤال كذلك:

“أنتَ ليه مش صريح معايا؟”

“أنا صريح، الفكرة إن مش طول الوقت ينفع احكيلك كل حاجة.. أوقات بتبقى حاجات متهمكيش أصلًا.”

“متهمنيش ازاي يعني؟ وبعدين من المفترض أننا هنتجوز يعني هنبقى واحد.. يبقى تخبي عليا ليه؟”

“لا يا أفي مش هنبقى واحد، هنفضل اتنين عادي.. كل واحد هيفضل ليه شخصيته وأسراره وحاجات خاصة مش بيشاركها مع حد.”

“أنا أول مرة اعرف إن الجدال معاك مُرهق أوي بالشكل ده.” تحدثت أفنان بنبرة جادة وهي تزفر بضيق وكانت تنتظر أن يرد رحيم فعل على ما قالته لكنه بدلًا من ذلك ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يُخرج قلم من جيب معطفه و ‘note.. نوتة’ صغيرة ليدون فيها أرقام ما وما إن نظرت أفنان طويلًا حتى أدركت أنها ليست مجرد أرقام بل تاريخ.

“هو أنت سايبني أهاتي مع نفسي وبتكتب أيه؟”

“تاريخ النهاردة.. أول خناقة أو argument ‘جدال’ يعني من أول ما ارتبطنا.” تمتم رحيم مع ابتسامة جانبية جذابة كاشفًا عن أسنانه لتشرد أفنان في وجهه الذي كان شبيه باللوحات الزيتية فائقة الجمال.

“رحيم أنت.. أنت بتلغبطني..” نبست أفنان بصدق وبدون تفكير، فرحيم دائمًا ما يجعلها مشتتة، لُطفة المُبالغ فيه حتى أثناء تلك المواقف السيئة بينهم تجعلها تذوب في حُبه أكثر وأكثر..

قاطع شرودها في التفكير في الجالس أمامها صوت رنين هاتفه، على الفور انتفضت أفنان وهي تحاول اختلاس النظر نحو المتصل، حرك رحيم رأسه مرتين يمينًا ويسارًا بإستياء وهو يقلب الهاتف تجاهها لكي يسمح لها برؤية المتصل والذي استشفت أفنان أنه كان أنس فما كان رحيم ليُطلق اسم ‘My little bro ‘أخي الأصغر’ على شخصًا آخر غير أنس.

“ألو.. اه أنا مع أفي، ده صوت أروى؟ سلم عليها وقولها أني هاجي اطمن عليها لما اخلص مع أفي.. تمام مع السلامة.”

“نهارك أبيض! بتتغزل في بنت تانية عيني عينك؟! يا بجحتك يا رحيم.. يا نيلة بختك يا أفنان!!” بنبرة درامية ثرثرت أفنان بهذه الترهات وما كان على رحيم فعل شيء سوى أنه قام بحشر قطعة من الخُبز في فم أفنان لكي تصمت لبعض الوقت.

“بس بقى شوية!! دي أخت أنس، ضوأحنا متربين سوا وهي تعبانة شوية وأنا هروح المستشفى ازورها!”

“أيه ده بجد؟ ألف سلامة عليها.. أنا أسفة مكنتش أعرف..”

“حصل خير يا أفي حصل خير..”

بالإنتقال إلى مكان آخر.. داخل حجرة كبيرة ومُتطورة داخل أحدى كُبرى المستشفيات في مصر يجلس أنس على الأريكة في انتظار استيقاظ شقيقته من قيلولتها وفي الوقت ذاته كان أنس يعبث في الأوراق التي أمامه، كان يُحاول رسم تلك الملامح التي يتذكرها والتي قفزت إلى عقله بصورة لا إرادية.. حينما أدرك أنس لمن تنتمي تلك الملامح قام بتشويه الرسمة بصورة عشوائية بواسطة القلم، فلا يجب عليه الإنخراط وراء تلك المشاعر الهوجاء.. أجل لقد كان الأمر برمته رومانسيًا.. مقابلتهم بالقرب من النيل، ومن ثم إنقاذها له في المنزل أو بالآحرى سقوطه بين أحضانها..

أليس ذلك المشهد غاية في الرومانسية بل ويليق بأفلام السبعينيات؟ بالطبع مع فارق أن البطل هو الذي من المفترض أن يحمل البطلة وليس العكس ولكن على أي حال لقد أفسد كل ذلك خاتم الزواج الذهبي الأحمق الذي ترتديه حول إصباعها ويا تُرى لمن يعود ذلك الخاتم..

مهلًا.. لقد تذكر أنس لمن ينتمي وكاد أن يُفرغ ما في معدته من شدة التقزز.. نوح؟! هذا الملاك اللطيف ينوي الزواج من كتلة اللزاجة تلك؟!

هو لا ينكر أن نوح انسانًا ناجحًا على المستوى العملي لكنه يملك شخصية من أسوء الشخصيات التي قابلها أنس في حياته يومًا، وهو واثق أنه سيء جدًا في التعامل مع النساء وبشكل خاص فتاة كميرال.

“أنس.. أنت.. كويس؟”

“اه يا حبيبتي.. صباح الفل، معلش مخدتش بالي أنك صحيتي.” قال أنس بعد أن فاق من شروده وقد رسم ابتسم بلطف لتُبادله أروى الإبتسام وهي تُردف:

“ولا.. يهمك، شكلك مشغول.”

“لا.. يعني، في كام حاجة كده ساحلة دماغي.”

“بتحب؟” سألت أروى لتضطرب معالم أنس وهو يضحك ضحكة بلهاء مُستنكرًا ما قالته بينما يُردف بتلعثم:

“لا لا طبعًا، أحب أيه بس؟ هو أنا بتاع الكلام ده برضوا؟” ساد الصمت لثانية بعد تلك الجملة قبل أن يُضيف أنس:

“بصراحة أنا واقع جامد.” ضحكات لطيفة مُنهكة صدرت من أروى وهي تُغلق عيناها ببعض الآلم كردة فعل على جملة أنس، فلقد كانت تعلم أنه يكذب وكانت تنوي مصارحته بذلك لكنه عدل جملته من تلقاء نفسه دون أي جهدًا منها.

شرد أنس لثوانٍ في ضحكة شقيقته الرنانة التي أدخلت الدفء على قلبه بعد ليالي الزمهرير الطويلة، ابتسامة ملائكية زينت ثغرها وبالرغم من إمارات التعب والمرض التي ماتزال بادية عليها بنسبة إلا أنه كان يراها أجمل فتاة في هذا الكون بأكمله.

“احكيلي.. كل حاجة.”

“مفيش حاجة تتحكي، ولا أقولك.. أنا بحب بنت، أجمل بنت في الدنيا.. رقيقة وعينيها عسلي كده وشعرها طويل.. واسمها أروى.” تمتم أنس بلطف وهو يضحك لتبتسم أروى وهي تحاول أن تضربه بخفة لكن لا تقوى على ذلك، تنظر نحوه ببعض الغيظ وهي تُتمتم:

“أنا بتكلم بجد.”

“بعدين بعدين هبقى أحكيلك.”

“أنس.. هو.. مامي.. ليه مجتش تشوفني؟ ولا بابي كمان..” سألت أروى بغتة ولا يدري أنس لما خطر ذلك السؤال على رأسها؟ أو ربما لأنه من الطبيعي أن يكون الوالدين إلى جانب ابنتهما في ظروفًا كتلك.. هذا بالطبع إن كان الأم والأب أشخاصًا طبيعية سوية.. وكيف يكون والدهما شخصًا سوي وهو من تسبب في ذلك من الأساس؟!

لا يدري أنس مقدار ما تتذكره أروى عن يوم الحادث المؤسف.. ولا يدري كيف سيُخبرها بأمر رحيل والدهما عن الحياة؟! فمهما طال إخفاء الأمر سيصلها الخبر يومًا ما.. حتى أن هناك بعض الإجراءات الخاصة بالميراث ونقل الملكية مُعطلة لعدم قدرة أروى على الحضور وإنهاء الإجراءات بنفسها، فحالتها النفسية والجسدية لا تؤهلها لذلك.

“طب ثواني وجايلك، نبقى نشوف الموضوع ده.” غادر الحجرة وذهب للقاء الطبيب وبعضًا من أفراد الطاقم الطبي المسئول عنها قبل أن يعود وهو يُردف:

“حبيبي اجهزي بقى عشان هنبدأ تدريبات المشي تاني.” أمتعضت تعابير وجهها قليلًا، فإن تلك التدريبات مؤلمة كثيرًا وبحاجة إلى الكثير من الجهد لكن وجود شقيقها إلى جانبها يساعدها على تحمل الآلم بل ويقوم بتحميسها على المضي قدمًا.

بعد مرور ساعتين تقريبًا جاء رحيم ليقضي بعض الوقت برفقتهم في المستشفى، وفي أثناء رحيلهم تمتم رحيم:

“ما شاء الله أروى اتحسنت.”

“اه الحمدلله، بس لسه المشوار طويل يعني..”

“متقلقش كل حاجة بتعدي..”

“علينا، بتعدي علينا حرفيًا، مالك شكلك متضايق.”

“لا مفيش، مرهق بس.” تمتم رحيم وهو يُخرج علبة السجائر من أحدى جيوبة ويقوم بإشعال واحده ليرمقه أنس بسخرية وهو يُردف:

“الله! ما أنت بتشرب سجاير أهو، أومال لما كنت بسأل قبل كده كنت بتعملي حوار ليه؟”

“مش وقته سخافة.”

“هات دي كده.. أنت بتشربها وأنت مضغوط أو متوتر، قولي أيه اللي حصل أسهل.” قال أنس وهو يجذب لفافة التبغ من يد رحيم ويُدخنها هو بدلًا منه.

“أنا جعان، تعالى نرجع عالبيت عندك ونطلب حاجة ناكلها.” اقترح رحيم ووافق أنس على الفور واتجه كلاهما إلى منزل أنس الذي انتهى من توضيبه حديثًا بعدما حدث في السابق بسبب والده.

فور ذهابهم إلى المنزل، جلس رحيم في هدوء شديد بينما يسترجع أحداث اليوم وبما فيها شجاره مع أفنان أثناء تناولهم وجبة الغداء، وبالرغم من أن الحديث لم يشتد بينهم لمدة طويلة إلا أنه أدرك أنه ربما يوجد بعض الجوانب من شخصية أفنان التي لم يراها من قبل وكذلك الوضع نفسه عنده..

هو قد اعتاد على أفنان المنفعلة المتسرعة ولكن الوضع قد اختلف قليلًا الآن كما أنه لم يراها مستاءة إلى تلك الدرجة، الدرجة التي لا تجعلها تنتبه إلى من تتحدث وأين.. فهو لم يعد شخصًا غريبًا عنها يمكنها توبيخه طوال الوقت دون وعي منها.. هو أصبح شريك حياتها بشكلًا أو بآخر، كذلك لقد اخطأ حينما أجاب على مكالمة ناتالي فهي لم يعد لها وجود في حياته، لكنه لم تكن في نيته أي شيء سيء هو فقط يعتبرها مجرد مرحلة عابرة وصديقة قديمة ربما..

وبلا شك هو مُخطئ في إخفاء بعض الأمور عنها، لكنه اعتاد على أن إخفاء بعض الأمور قد يكون مفيدًا في معظم الحالات لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لأفنان لذا من الواجب عليه أن يُغير تلك الخصلة.

بعد تفكيرًا عميق توصل رحيم إلى أنه بالرغم من الخلاف الذي حدث اليوم والذي في الغالب قد يتكرر مجددًا فهو لا مشكلة عنده في محاولة الوصول إلى وجهة نظر مشتركة أو على الأقل إلا نقطة إلتقاء بدلًا من قضاء الوقت في الشعور بالإستياء والشجار.. فهو يُحب أفنان وعلى استعداد للتضحية بكل شيء يملك من أجلها وهو يأمل أن تفعل المثل.. فلقد تعب من تقديم الكثير من المشاعر، الإهتمام، التضحية والحب للجميع ومن ثم يحصل على لا شيء في المقابل.

“أيه يسطا؟ يا ابني أنت.. فقدت النطق ولا أيه؟” سأل أنس رحيم وهو يلوح بيده أمام وجهه فلقد كان يتحدث إلى رحيم منذ دقيقتين تقريبًا ولكن الآخر كان شارد تمامًا حتى أنه لم يُجيب على عبارة أنس بل سأله سؤالًا لا علاقة له بما كان يقوله أنس.

“أنس.. أنت شايف الإختلاف في العلاقة حاجة حلوة ولا وحشة؟”

“أيه السؤال المُريب ده؟! فوق يسطا أنت قاعد معايا مش مع أسامة منير.” سخر أنس من رحيم ليقذفه الأخير بزجاجة مياه بلاستيكية وهو يصيح بغيظ:

“تصدق أنا غلطان! غور يلا.”

“بص بص بتيجي عليا ازاي أكمني يتيم وأمي في مستشفى المجانين وأختي عيانة.” تفوه أنس بنبرة درامية وهو يُعيد خصلات شعره نحو الخلف لينظر نحوه رحيم بإزدراء وهو يُعلق ساخرًا:

“أيه ده أيه ده في أيه؟! أنت هتشحت عليا يا ابني!”

“بص بصراحة أنا الأول كنت شايف الإختلاف حاجة وحشة، ومن غير ذكاء يعني أنت بتسأل عشانك أنت وأفنان.. أنا في الأول كنت شايف أنك تاخد واحدة شبهك.. شبهنا وبعدين أدركت إن التماثل شيء مُمل حتى ولو كان مُبهر في الأول أننا شبه بعض لكن في الواقع إن الإختلافات دي عاملة زي البهارات كده للعلاقة، بتخلي دايمًا في تجديد ومُغامرة وخناق.. حتى الخناق أوقات بيكون ليه مُتعة مختلفة.”

“ولو فرضًا إن كلامك صح، مش هاجي برضوا بعد فترة وهزهق من الإختلافات اللي بينا وأحس أني مرهق.”

“بص هي العلاقات كلها تزهق وتقرف والواحد اصلًا مستحمل نفسه بالعافية، بس عمومًا يعني اللي أقصده إن يبقى اختلاف في بعض الحاجات مش اختلاف جذري وتام في كل حاجة يخليكوا بتتخانقوا كل ٣ ثواني.. قولي بقى اتخانقتوا ليه؟”

“في الواقع What Happens between me and Afnan stays between me and Afnan ‘ما يحدث بيني وبين أفنان يبقى بيني وبين أفنان’.”

قال رحيم بجدية مع ابتسامة صغيرة ليُبادله أنس الإبتسام وهو يُردف:

“عجبتني، بس خليني أتوقع برضوا.. حاجة ليها علاقة بالنس..”

“بالبنات يا أنس! اسمها بالبنات يا حبيبي.” قاطع رحيم أنس وهو يستخدم مصطلح أرقى بكثير مما كان أنس على وشك أن يستخدمه.

“تاء مربوطة، حاجة ليها علاقة بتاء مربوطة.”

“هو اه بس مش دي بس المشكلة، المشكلة أنها نوعًا ما عرفت أن مامي مكنتش موافقة عليها.. الموضوع كله ملغبط أنا مش فاهم حاجة، أنا محتاج أكلم ناتالي.”

“نعم يا أخويا؟ بقى بعد ما قريت الفاتحة وجايب شبكة ب almost ٨٠ ألف جنيه تقولي هتكلم ناتالي!”

“أنت مش فاهم حاجة يا بني آدم أنتَ، هعمل مكالمة وهاجي أشرحلك كل حاجة.”

“ها فاهمني بقى.”

“طيب ببساطة كده، ناتالي عرفت بطريقة ما أني هخطب أفنان وقررت تيجي تكلمني بأي حجة.. لما قفلت المكالمة معايا اتصلت بمامي تقولها أن هي ازاي مصدومة أني تخطيتها تمامًا وأني بحب واحدة غيرها، مامي اتفقت معاها أنها تبعت مسدچ لأفنان تقول فيها بقى أني مش بحبها وأني سهران أحب في واحدة في التليفون.”

“دماغ شيطاني بصحيح!”

“أنا تعبت من الدراما بصراحة، عايز ارتاح شوية.”

“لا انشف كده أحنا لسه في أول السكة وأنت كنت عارف أن ده هيحصل من الأول.”

“الجملة اللي أنت بتقولها دي هي آخر حاجة أنا محتاج اسمعها دلوقتي، صحيح.. أنت هتقول لأروى أمتى على كل حاجة؟ أنت مأجل الموضوع بقالك كتير وهي من حقها تعرف وعشان كمان تشوفوا الدنيا هتمشي ازاي.”

“حاضر.. يومين بس..”

في صباح اليوم التالي قام والد رحيم بالإتصال به وقد طلب منه الحضور على العشاء في المنزل لكي يتناولوا الغداء سويًا برفقة والدته، أبتلع رحيم الغصة التي في حلقه ووافق تجنبًا لحدوث أي جدال، وفي مساء ذلك اليوم وصل رحيم إلى المنزل في الموعد المحدد، كانت طاولة الطعام قد جُهزت بالفعل ووالديه جالسين بإنتظاره.

“مساء الخير.”

“أنتَ في الموعد الصحيح ‘You’re right on time’.” أردفت والدته بنبرة هادئة ليقترب منها رحيم ليُقبل يديها ومن ثم يذهب لتقبيل رأس والده قبل أن يذهب للجلوس في مقعده بينما يُعلق والده مع ابتسامة واسعة:

“رحيم متربي على الإلتزام من صغره.”

“الإلتزام بالمواعيد وخرق القوانين التانية.”

“في مقولة كده قرأتها حلوة أوي بتقول ‘القوانين خُلقت لتُخترق’.”

قال رحيم بنبرة واثقة ليقهقه والده بينما تُطالعه والدته بغيظ شديد، ساد الصمت لبرهة من الوقت فيما عدا صوت الملاعق والسكاكين قبل إن تُقرر والدة رحيم أن تكسر حواجز الصمت وتباغته بطلبها الغير متوقع:

“رحيم، أنا عايزة اقابل خطيبتك وعائلتها، مش معقول أكون بقالي شهر ونص في مصر ومقابلتهمش لسه.”

“مامي لو…”

“متقلقش، أنا بس عايزة أشوفهم، ونحدد ميعاد ال Engagement party ‘حفل الخطبة’، مش كده يا حامد؟”

“تمام، هشوفهم فاضيين أمتى ونروح نزورهم أو نتفق على مكان برا.”

“هنا، عايزاهم يزورونا هنا، it will be more comfortable than the restaurant ‘سيكون الأمر أكثر راحة من المطعم’.”

“مامي أنا فاهم حضرتك بتحاولي تعملي أيه كويس، عالعموم أنا معنديش مشكلة ابدًا وحضرتك لازم تكوني واثقة أني هتجوز أفنان بأي حال من الأحوال إن شاء الله فأي محاولات هتبقى useless ‘بدون جدوى’.”

“تفتكر.”

“لو حضرتك مش مقتنعة اسألي ناتالي كده.”

تعمد رحيم إلقاء تلك العبارة في وسط جدالهم لكي يُرسل إلى والدته رسالة غير مباشرة بأنه علم بأمر ناتالي والرسالة، تبدلت معالم وجه والدته على الفور قبل أن تُحمحم وهي تستقيم من مقعدها بينما تنبس بالآتي:

“يوم الجمعة مناسب، Tell them that we will be waiting for them ‘أخبرهم بأننا سنكوت بإنتظارهم.”

“أيه موضوع ناتالي ده؟ مش كانت سيرة البنت دي اتقفلت خالص؟”

“إيڤيلين هانم كان ليها رأي تاني يا حامد بيه، ولكن مش مشكلة أنا حليت الموضوع.”

بالعودة إلى منزل أفنان جلست الأسرة كلها تتناول الطعام برفقة نوح وأسرته، كانت تتخلل الثرثرة تناولهم للطعام مع بعض الضحكات العابرة بينما جلست أفنان شاردة تفكر في رحيم وما حدث، لقد كان واضحًا الإستياء والتيه على معالم وجهها.

“أيه يا أفنان هو النكد بدأ من دلوقتي؟ ده أنتوا لسه بدري عليكوا.” سألها نوح متعمدًا إثارة غيظها ليمتعض وجهها وهي تُعلق مستنكرة:

“أعوذ بالله نكد أيه؟ أنا دماغي مشغولة باللي هببته في الإمتحانات.”

“لا يا شيخة، هحاول أصدقك.”

“إن شاء الله عنك ما صدقت!” همست أفنان من بين أسنانها وهي تُحرك قدمها بعشوائية نحو الأعلى والأسفل، وضعت ميرال يدها على ركبة أفنان وهي تُردف:

“حرام عليكي اتوترت!!” كادت أفنان أن تتشاجر هي وشقيقتها لكن قاطع ما يحدث صوت رنين هاتف والدها والذي بالمصادفة كان إلى جانبه.

“مين يا أحمد؟”

“ده حامد، والد رحيم.”

“خير إن شاء الله، أنتي عارفة بيتصل ليه؟”

“لا مش عارفة رحيم مجابش سيرة لحاجة.”

قالت أفنان بتوتر لينظر نحوها نوح بإبتسامة ساخرة، مرت دقيقتين تقريبًا قبل أن يعود والدها ويجلس إلى مقعده وقد ارتسمت على وجهه ابتسامته الدافئة المعتادة وهو يُعلن الآتي:

“مفيش حاجة أنتوا قلقانين كده ليه؟ ده والدة رحيم رجعت من السفر وهما عازمينا عالغداء عندهم في البيت يوم الجمعة إن شاء الله.”

“عازمينا؟ في بيتهم؟!”

“اه فين المشكلة؟ مش ماما وبابا عزموهم مرتين تقريبًا عالعشاء الدور عليهم بقى.” تمتمت ميرال بسهولة، لم يُدرك أحدهم ما تُدركه أفنان وقد تعجب الجميع من تعبيرات وجهها والذي هربت منه الدماء فور سماعها لجملة والدها، فلا أحد منه يعلم أن والدته ترفض هذه الزيجة..

“العروسة شكلها مش مبسوطة..”

“ها؟ بتكلمني يا نوح؟”

“اه بكلمك، مش لسه بدري عالتوهان ده ولا أيه؟”

“يا نوح قولتلك مية مرة شوفلك دكتور تجميل.”

“وده ليه إن شاء الله؟”

“عشان مناخيرك دي اللي كل شوية ألاقيها في حياتي، حطها في وشك بقى.”

تجهم وجه الجميع وقد كان الإحراج واضحًا على معالم نوح، حمحمت والدته وحاولت تلطيف الأجواء والتطرق إلى موضوع آخر لذا وجهت حديثها لوالد أفنان وهي تسأله:

“طيب يا أحمد هنجيب الأجهزة أمتى؟”

“أيه وجه الإستعجال مش أحنا اتفقنا على سنتين؟”

“أصل نوح بيشطب حاجات في الشقة وممكن بعدها نبدأ نجيب الحاجة.. أنت عارف التجار بيغلوا جامد.”

“اه أنا عارف، بس أنتي عارفة أن خطوبة أفنان هتبقى قريب وهتحتاج مصريف.”

“اه في دي عندك حق، بس يعني أحنا ممكن نجيب حاجة حاجة على مهلنا يعني بس نبدأ.”

“بس يا عمو أنا عايز نقلل المدة تبقى سنة ونص بدل سنتين.. ولو في أي حاجة أنا عندي استعداد أشيل عن حضرتك المهم أن أنا وميرال نبقى في بيت واحد.”

“بعد إذن الحب، أنت يا نوح هتجيب منين؟ أنت أصلًا وراك هم كبير.. متستعجلش وتدبس نفسك في حاجة أنت مش قدها.”

علقت أفنان ساخرة، لقد كان حديثها منطقيًا لكن أسلوبها لم يكن الأفضل فلقد كان في حديثها سخرية واضحة من نوح والذي انتهز الفرصة لجلب رحيم إلى الحديث مجددًا وهو يُعلق:

“طبعًا ما أنتي خطيبك يقدر يشتري اللي هو عايزه من بكرة الصبح.”

“أعوذ بالله! أنت شاغل نفسك بخطيبي ليه؟ وبعدين رحيم مش حرامي واللي هيشتريه هيفرق معاه برضوا لأن زي ما أنت بتجيب أغلى وأحسن حاجة على حسب مرتبك هو هيعمل نفس الكلام فبرضوا هيتكلف جامد.”

“صحيح يا رانيا أحنا مشوفناش الشبكة قبل ما ياخدها.”

“البت أفنان معاها صورة، هو عمتًا جايب دبلة وخاتم.”

“بس؟ مش بتقولوا أنه مرتاح؟” سألت خالة أفنان بتعجب وكادت أفنان أن تُجيبها لولا أن سبقتها مريم وهي تقول:

“لا يا ماما ما أنا قولتلك ده خاتم ألماظ.”

“اه صحيح بسم الله ما شاء الله.”

مرت الأيام سريعة بالنسبة لأفنان وكلما اقترب وقت المقابلة كلما شعرت أفنان بإنقباضه في قلبها وآلم في معدتها وتقريبًا المرة الأخيرة التي شعرت فيها بالشعور ذاته كان وقت اختبارات الثانوية العامة وربما وقت اختبار نهاية التدريب.

جاء اليوم الموعود، ارتدى الجميع أفضل ثيابهم وكانوا يشعرون ببعض الحماس لكن أفنان.. كانت تشعر بأن قلبها على وشك مغادرة صدرها، كان من الواضح أن ذلك المكان الذي يقطن به رحيم هو مخصص للطبقة المخملية وأن كل شيء سيكون باهظ الثمن لدرجة لا تصدق، الأجواء كلها ستكون مُغلفة بالتوتر..

لم تكن أفنان من النوعية التي تهتم بالمظاهر والأموال ولكن بداخلها كانت واثقة أن والدته قد أصرت على ذهابهم لزيارة منزلهم كي تقوم بإيصال رسالة إلى أفنان بكم هي ضئيلة وعديمة القيمة هي وأسرتها مقارنة برحيم وعائلته..

كانت السيارة التي أرسلها رحيم من أجلهم تسير داخل شوارع فخمة لم تزورها أفنان من قبل في حي الزمالك، كانت القصور و ‘الڤلل’ تنتشر في المكان ومن حولها مئات الأشجار والمساحات الخضراء وأخيرًا توقفت السيارة أمام.. قصر؟! رحيم يسكن في قصر!!

“هولي شييت!!” تمتم أفنان وهي تصفع نفسها داخليًا بينما اقتربت منها ميرال لتهمس لها:

“هو خطيبك ساكن في القصر بتاع كرتون سندريلا ليه؟”

“إن شاء الله ده مكان غلط وهو مش ساكن هنا ولا حاجة..”

“لا هو، رحيم واقف عالباب أهو، ولابس بدلة هو أحنا هنتعشى في قاعة مؤتمرات ولا أيه؟” سألت ميرال ساخرة لتقهقه أفنان بصوتٍ منخفض بينما تُجيبها:

“هو ده لبس الأغنياء.”

“وطوا صوتكوا وبطلوا فضايح ها!” حذرت والدة أفنان ابنتيها لتنظر أفنان نحوها وتُشير إلى أنها ستغلق فمه.

“أحنا هندخل بعلبة الحلويات دي؟”

“مالها إن شاء الله أنتي عارفة مدفوع فيها كام دي؟ دي أغلى علبة حلويات اشتريناها في حياتنا أساسًا، على الله يطمر.” قالت أفنان بنبرة هجومية لتضربها ميرال بخفة وهي تسألها بإعتراض:

“يا بنتي هو أنتي داخلة حرب؟ أنتي رايحة تقابلي أهل خطيبك.”

“أنتي مش فاهمة حاجة.. هي حرب فعلًا.”

توقفت السيارة أخيرًا بعد أن قطعت مسافة لا بأس بها داخل الممر المؤدي إلى المنزل والذي انتشرت أنواع الأشجار والورود المُختلفة من حوله.

“تصدقي أنا عرفت رحيم ساكن فين.. حديقة الأزهر.”

“أيه يا بت الخفة دي؟”

“اتفضلوا.. نورتوا المكان.. أهلًا بحضرتك يا Uncle أهلًا بحضرتك يا Auntie.”

“مفيش أهلًا يا أفنان؟”

“كنت لسه هرحب بيكي أنتي وميرال والله.. اتفضلوا.”

“أهلًا أهلًا أستاذ أحمد، المكان نور.. اتفضلوا.”

“دادة خدي منهم الحاجة وشوفي يشربوا أيه.”

جاءت المُربية خاصة رحيم ونفذت ما طُلب منها، ذهبوا جميعهم ليجلسوا في ‘الصالون’، كان المكان غاية في الأناقة ولو أنه اتخذ طابع عتيق قليلًا وكأن المكان أشبه بمتحف أوربي، كانت الأرائك والمقاعد باللون الذهبي بالإضافة إلى نقوش رقيقة على القماش، جلست أفنان على أحدى المقاعد بينما جلس والديها وميرال على الأريكة.. جلس رحيم ووالده أمامهم ولكن لم يكن هناك وجودًا لوالدته.

“إيڤيلين نازلة حالًا.” أردف والد رحيم ببعض الرسمية لترتسم ابتسامة جانبية على فم أفنان، فما توقعته كان صحيحًا تمامًا والدته لن تستقبلهم مباشرة فهي ستنتظر لبعض الوقت لتقوم بدخول سينمائي درامي، مرت بضع دقائق من الترحيبات والعبارات المُبتذلة قبل أن يتخلل أذنهم صوت كعب حذاء أنثوي ورائحة عطر أنثوية اختلطت مع خاصة رحيم ووالده.

رفعت أفنان عيناها جهة الباب الذي أقتحمته امرأة في بداية عقدها الخامس، شقراء ترتدي ثوب باللون الأحمر القاتم كشف جزء بسيط من ساقيها الرشيقتين، بغرور تام وبخطوات واثقة اقتربت لتُمد يدها وتُسلم على والدة أفنان وشقيقتها أما عن والد أفنان فقد وضع يده أمام صدره بإحترام شديد كي يُعلمها بأنه لا يُسلم، في النهاية رفعت عيناها التي تُشبه خاصة رحيم لتمنح أفنان ابتسامة غير مُريحة بتاتًا قبل أن تقترب من أفنان لتضمها في عناقٍ جاف بارد وفي الوقت نفسه تهمس في أذنيها بنبرة وإن كانت تبدو ودودة إلى أن أفنان لم ترتاح لنبرتها بتاتًا.

“مرحبًا بكِ في عائلتنا ‘Welcome to our family’.”

“شكرًا..”

منحت أفنان ابتسامة صفراء ومن ثم ذهبت لتجلس، تضع قدمًا فوق الآخرى وتجلس بثقة وتحدٍ واضح.. توترت أفنان أكثر ولاحظ رحيم ذلك ولكن لم يدرِ ما العمل في ذلك الموقف.

“أنتِ بقى أفنان؟” سألت والدة رحيم بإستهزاء لترمقها والدة أفنان بحدة لكن ميرال تضع يدها أعلى يد والدتها كي تجعلها تهدأ.

“اه يا مامي هي دي أفنان مراتي المستقبلية ودي أختها الكبيرة ومامتها وباباها.”

“أهلًا وسهلًا.” رحبت بهم بنبرة زائفة وبلغة عربية شبه سليمة، قاطع الأجواء المتوترة قدوم أحدى الخدم والتي قامت بتقديم المشروبات لهم.

“طيب يا أستاذ أحمد طبعًا أحنا مأجلين موضوع الخطوبة ده مؤقتًا عشان الظرف بتاع والد أنس وكده لكن دلوقتي أظن مفيش داعي للتأجيل.”

“اه طبعًا.. بس برضوا مش لازم نستعجل أوي يعني أسبوعين تلاتة كده نرتب حالنا.”

“متشيلش هم أي حاجة، أحنا هنتكفل بكل حاجة ليها علاقة بالخطوبة والفرح متشغلش بالك.. أهم حاجة عروستنا وعريسنا يتفقوا ويشوفوا اللي هما عايزينه.”

تحدث والد رحيم بلطف شديد وبنبرة هادئة لكن زوجته أقتحمت حديثه بنبرة غير مُريحة وهي تسأل بسخرية قائلة:

“أيه يا حامد هو مش في مصر برضوا بتكون الحفلة دي عالعروسة؟”

“وهي دي الحاجة الوحيدة اللي عرفتيها من مصر ياختي.” همست أفنان من بين أسنانها وهي تبتسم ابتسامة زائفة قبل أن يعلق على حديثها والد أفنان مؤكدًا ما قالته:

“فعلًا الخطوبة عالعروسة، معندناش أي مشكلة طبعًا.”

“وناوين تعملو ال Engagement party ‘حفلة الخطبة’ فين بقى؟ أني Hotel ‘فندق’ يعني؟”

“مامي بتسأل حضرتك..” كاد رحيم أن يقوم بترجمة ما قالته والدته لكن والدة أفنان قاطعته وهي تتحدث بإبتسامة زائفة بعد أن وضعت أحدى قدميها فوق الآخر تمامًا كوالدة رحيم مُردفة:

“أنا بفهم إنجليزي يا حبيبي، ولا أحنا مش هنعمل ال engagement party ‘حفلة الخطبة’ في أوتيل يا مدام إيڤلين، بما إن الخطوبة علينا أحنا فأحنا هنعملها في المكان اللي نختاره واللي على أد إمكانيتنا.”

“والمكان اللي تختاروه ده اللي هو فين؟ في الحارة بتاعتكوا؟” سألت بإزدراء ليكسو الغضب تعابير وجه أفنان لكن والدتها تمنحها نظرة مُطمئنة قبل أن تُعلق بنبرة واثقة متعمدة إثارة غيظ المرأة التي أمامها:

“والله نعمله في الحارة ولا فوق السطوح أحنا حريين في اختيار المكان وساعة الليلة الكبيرة أنتوا كمان حريين في اختيار المكان واللي مش عاجبه ميجيش.”

“مامي متقصدش يا طنط.. عمومًا المكان اللي حضرتك هتختاريه أنتي و Uncle أحمد أحنا موافقين بيه.. ها نخلي الخطوبة أمتى؟” سأل رحيم لكن لم يُجيب أحد من جهة أفنان، حمحم والد رحيم ببعض الحرج وهو يقترح عليهم الآتي:

“الشهر الجاي مناسب؟”

“بعد ٣ أسابيع.. يوم ٢٣ في الشهر.. يوم عيدميلاد رحيم..”

قالت أفنان فجاءة مقاطعة حديثهم لينظر جميعهم نحوها، ابتسامة مشوبة بالدهشة ترتسم على ثغر رحيم وبريق يُزين خضراوتاه، هو لم يكن يدري أن أفنان تعرف تاريخ ميلاده ولم يتوقع أن تهتم لفعل شيء بهذه الرومانسية، حمحمت هي بإحراج حينما أدركت ما اقترفته.. تواصل بصري مع رحيم جعل الفرشات الحمقاء تُحلق بأجنحتها داخل معدتها.. كم كانت تسخر هي منزذلك التعبير قبل أن تُقابل رحيم لكن الآن باتت تعرف معنى ذلك الوصف المُبتذل الذي يتم استخدامه على الدوام في الروايات الرومانسية.

“أحنا معندناش مشكلة، يوم ميلاد رحيم يوم مميز جدًا بالنسبالنا وبكده هيبقى مميز أكتر كمان، أنا بقول نكمل كلامنا عالعشاء.. السفرة جاهزة اتفضلوا.” أعلن والد رحيم مع ابتسامة واسعة محاولًا أن يعمل على تلطيف الأجواء التي عكر صفوها زوجته العزيزة.

“مكنتش عارف أنك تعرفي ميعاد عيدميلادي.. مكنتش متوقع أنك هتركزي أصلًا في حاجة زي كده.”

“عيب عليك يا رحيم أنا عارفة كل حاجة.. أنا حافظة كل تفاصيلك وحركاتك من اللي شوفته معاك طول المدة اللي فاتت، وعلى فكرة مش معنى أني أبان جامدة ودايمًا بتريق عالحبيبة أني مش رومانسية.. لا أنا زيي زي كل البنات عادي عندي حتة دلع ورومانسية كده مدكناها للحبايب.”

جلس جميعهم ليتناولوا العشاء وسط بعض العبارات البسيطة التي تبادلها والد أفنان ووالد رحيم، كان رحيم يتأمل كل تحركات أفنان البسيطة.. ابتسامتها الصغيرة، أناملها المُرتجفة، ردة فعلها على ما يُقال.. كل تلك التفاصيل الصغيرة كانت تُدفء قلبه.. كانت تجعله يغرق أكثر وأكثر في بحر العشق الذي كان قد أقسم أن يبتعد عنه..

“مش بتاكل ليه يا رحيم؟”

“باكل أهو.. أنا بس مش مصدق أنك هنا.. في بيتنا وقاعدة معايا على ترابيزة واحدة قدامهم كلهم، مفيش حاجة نخبيها.”

“ولا أنا.. حقيقي الحاجة لما بتتعمل صح وبالإصول بيبقى أحساسها أحلى بكتير.”

“اتفق.”

بعد انتهاءهم من تناول الطعام استأذن رحيم في أن يأخذ أفنان وميرال في جولة حول المنزل، في الحديقة الأمامية والخلفية وربما سيتناولون الحلوى بالقرب من حمام السباحة، فور أن استقاموا من مقعدهم وقبل مغادرتهم للردهة لاحظت أفنان العديد من الصور الفوتوغرافية صورة تجمع والد ووالدة رحيم في زفافهم، صورة كبيرة لكل منهم بمفرده وصورة في المنتصف لرحيم في الغالب في يوم تخرجة من الجامعة، وأعلى الكومود الذهبي عدة صورة صغيرة داخل لرحيم.

“ده أنت وأنت صغير؟”

“أنتِ شايفة أيه؟” سألها بمراوغة وهو يُمسك بالصورة التي تقصدها بين يديه، تجذب الصورة من يده وهي تُردف:

“بلاش رخامة! شعرك باين في الصورة أفتح من دلوقتي.. شكلك كان أجنبي خالص، يا ترى أنا كنت بعمل أيه في الوقت ده من حياتي.”

“كنتِ زيجوت يا أفي! حبيبي أنا كان عندي في الصورة دي أربع سنين تقريبًا يعني أنتِ مكنتيش أتولدتِ أصلًا.” قال رحيم ساخرًا من حديثها وهو يضحك لتشاركه الضحك ومن ثم تنتقل لصورة آخرى لرحيم وهو في سن الثانية تقريبًا.

“يالهوي بتهزر! ده أنتَ؟! كان عندك خدود جميلة أوي.”

“يا أفي أنا معنديش أخوات والله فأي صورة بيبي هتبقى أنا، ما عدا دول.” أردف رحيم وهو يُشير إلى صورتين أحداهما لرحيم وأنس والآخرى لرحيم وأنس وأروى.

“ده أنس صح؟” صدر هذا السؤال من ميرال التي كانت تقف بالقرب منهم ليومئ رحيم بالإيجاب ثم يُضيف:

“واللي جنبه أروى أخته اللي قولتلك أنها تعبانة.”

“أيه ده هو أنس ليه أخت؟ مكنتش أعرف مشوفناهاش في العزاء.” تفوهت ميرال ببعض الدهشة لترمقها أفنان بسخرية وهي تُعلق على جملتها قائلة:

“ده على أساس أنه ابن أختك هتبقى عارفة عنه كل حاجة.”

“أصل.. هي كانت عاملة حادثة ومش بتتحرك لسه فمكنش ينفع تيجي.”

“ربنا يقومها بالسلامة.”

“عيلة مخلعة، ربنا يشفيهم والله هي تعبانة ومش بتتحرك وأنس كان بيفطس عندنا في البيت.”

“أيه يا أفنان أنتي بتدعيلهم ولا بتذليهم؟”

“مش قصدي بجد.”

“أفي.. أنا بعتذر جدًا عن الحوار اللي دار من شوية.. أنا هعتذر من مامتك وباباكي برضوا.. بجد حقك عليا، أنا كنت بحاول أخليكي تتجانبي مامي عشان كده بس صدقيني اللي حصل مش هيتكرر تاني.”

كان رحيم يتحدث بصدقٍ شديد ولو أن نبرته كان مشوبة بالحرج والتوتر.. كان يحك مؤخرة ععنقه كثيرًا أثناء تحدثه، وصل شعوره إلى أفنان والتي على الفور حاولت طمئنته وهي تقول بلطف:

“متعتذرش عن حاجة أنت مش السبب فيها.. أحنا لسه في أول السكة والطريق طويل وأنا كنت عارفة أن ده هيحصل من الأول، ده حتى كليشية أوي في كل الأفلام والمسلسلات.”

“صدقيني أنا عندي استعداد أقف في وش أي حد عشانك، المهم متزعليش بس.”

“مش زعلانة.”

مر ما تبقى من الزيارة في سلام تام تقريبًا، في أثناء توديع رحيم لأفنان وأسرتها اعتذر منهم مرارًا هو ووالده عما قيل في الداخل وقد كان والد أفنان مُهذبًا ومتسامحًا كثيرًا ليقبل اعتذراهم، وبمجرد أن تأكد رحيم من تحرك السيارة بسلام دلف إلى داخل المنزل بغضب شديد وكأنه أشبه بعاصفة على وشك أن تبتلع كل شيء بداخلها، كانت والدته تجلس في ثبات شديد بالداخل في انتظار قدومه.

“مامي! هو ده اللي حضرتك اتفقتِ عليه معايا أنا وبابي؟ بتحرجيني قدام الناس؟ بتحريجي الناس في بيتنا؟ ليه؟ ليه كل ده حرام عليكِ!”

“لما تتكلم معايا تتكلم معايا بأدب يا ولد.”

“أنا اتخنقت بجد! I am tired of this shit mum ‘لقد تعبت من هذا الهراء يا أمي’.”

“رحيم خلاص أنا هتصرف معاها.”

“لو هتعملي كده في الخطوبة يا مامي يبقى الأحسن إن حضرتك متجيش.”

بصق رحيم كلماته بقسوة لم يعهدها، صدمت كلماته والديه.. أخذ هاتفه ومفاتيح سيارته متجهًا نحو الخارج غير مباليًا بنداء والده، كان رحيم يشعر بقلبه على وشك مغادرة صدره من كثرة الضيق.. لم يرغب في حياته أن يتحدث إلى والدته بتلك الطريقة البشعة لكن لم يكن أمامه خيارًا آخر من وجهه نظره.. تحرك بالسيارة وصولًا إلى منزل أنس والذي قرر المكوث فيه حتى موعد الخطبة.

مر أسبوعان على تلك المُقابلة بين أسرة رحيم وأسرة أفنان وقد بدأ الجميع في الإستعداد من أجل خفلة الخطبة، وفي يوم من منتصف الأسبوع هاتف نوح ميرال يطلب منها أن تُقابله للذهاب لإحدى معارض الأثاث ليبدأو في اختيار بشكل مبدأي ما يُريدون.

“مش لسه بدري يا بنتي عالكلام ده؟ أنا مش فاهم نوح مستعجل ليه كده.”

“ما تسيبهم يا أحمد عايزين نفرح بيهم.”

“نفرح بيهم يا رانيا بس بالعقل، أنا قولتله أننا هنبقى مشغولين دلوقتي مع أفنان وهو أصلًا ظروفه مش أحسن حاجة.”

“لا ما أنا عرفت أن كان في قرشين كده في البنك من الفلوس اللي كان أبوه سايبهم ليه.”

“يا ستي ربنا يزيد ويبارك بس ليه يزنق نفسه برضوا؟ عالعموم انزلوا شوفوا العفش اللي أنتوا عايزينه وناخد فكرة عن الأسعار برضوا.”

“تمام يا بابا ربنا يخليك.”

في مغرب اليوم التالي قابل نوح ميرال واتجهوا نحو منطقة بها العديد من معارض الأثاث، كان الأمر مُرهق بعض الشيء لكن حماس ميرال جعل الأمر يسير بشكلًا جيد.

“نوح بس ده حلو أوي.”

“بس لونه فاتح أوي مش هيتبهدل مننا؟”

“اه صح..”

” طب بصي.. أيه رأيك في ده يا أفنان؟” سأل نوح بحماس شديد وهو يُشير إلى أحدى الآرائك، نظرت نحوه ميرال بجمود وهي تبتلع الغصة التي في حلقها ثم تُردف:

“أنا ميرال.. أنا ميرال يا نوح…”

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *