رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الأربعون 40 بقلم فاطمة طه سلطان
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الأربعون 40 بقلم فاطمة طه سلطان
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم البارت الأربعون
رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الجزء الأربعون

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الحلقة الأربعون
أحببتك لدرجة انيّ هُنا وقلبي حُيث أنتِ.
#مقتبسة
شعورك بالحنين لا يكذب
إنه قلبك يُشير إلى ما لم يُغلق بعد..
#مقتبسة.
ضدّان شوقُك وافتعالُ كرامةٍ
نخفي الهوى والحبّ يعرف أهلهُ
#مقتبسة
”ثقبٌ ساخنٌ يئِنُّ
في صدري؛
موضِع قلبٍ تمزّق
واقتُلع”.
#مقتبسة
________________
بعد مرور شهرين.
انتهت من الامتحان الخاص بها اليوم وكان هذا هو الامتحان الأخير…
أخيرًا تحررت من السنة الدراسية الأولى في تلك الجامعة، وتلك الحياة التي كانت جديدة عليها كليًا….
ها هي في انتظار النتيجة على أي حال..
جلست في أحد الأماكن المخصصة للاستراحة في الجامعة في وهن؛ هي لم تنم حتى ولو ساعة منذ ليلة أمس..كعادتها طوال أيام الامتحانات..
في تلك الفترة حصدت كم مهول وجديد من الكتابعين رغم أنها لا تنشر يوميًا بسبب تلك الفترة “فترة الامتحانات”..
كانت تراقب وتنظر على من يسير أمامها بشرود كبير، تفكر فيه…
هي مازالت غاضبة جدًا لم يشفى جرحها في تلك المدة ولن يشفَ تقريبًا..
الجرح الأول لا ينسى وقد استطاع دياب جرحها ببراعة شديدة…
هي أحبته، نعم تعترف..
متى؟!
كيف؟!.
لا تعلم لكنها تحبه وكثيرًا لأول مرة في حياتها تجد شخصًا تكن له هذا الحب عوضًا عن العديد من الملذات في حياتها، المتعة والرفاهية التي كانت تعيش بها، فهي لم تجد حتى العلاقات شيء ضروري، بل حتى لم تفهم أو تعي ما معنى أن تحب شخصًا ما من دون سبب او إرادة منك يتغلغل بداخلك، كانت لا تفقه أي عن معنى الحب..
الآن هي تعي بكامل نضجها معنى أن تُحِب، وأن تُحَب، هو أحبها لكنه لم يمتلك الشجاعة في خوض علاقة معها أو أن يكون صريحًا بما يكفي……
كلاهما يراقب الأخر على مواقع التواصل الإجتماعي، حتى أن دياب الذي كان لا يقوم بمشاركة أي منشور أو صورة له أصبح متفاعلا يكون بتنزيل صور له؛ حالات، يشارك العديد من المنشورات التي تعبر عن حالته وحالتها في الوقت ذاته كأنه يخبرها بطريقة ما بأنه هنا..دون تواصل مباشر بينهما……
يشاركها وجدانه دون أن يتورط أحدهما في علاقة ليست منطقية حسب أي مقاييس خلقها المجتمع وحكمت بها الظروف..
مازالت تتذكر ذلك اليوم التي عادت فيه إلى المنزل..
….عودة إلى الماضي….
كانت تجلس في حجرتها بعدما عادت إلى المنزل في غياب والدها، عند عودتها كان يتواجد في عمله، عاد في المساء…
جلست معه على الطاولة تتناول الطعام برفقته والصمت كان حليفهما إلى أن قرر والدها يتحدث:
– رجعتي يعني من غير ما تعرفيني أو أنا اقولك ارجعي.
قالت ريناد بنبرة مُبهمة بعدما توقفت عن تناول الطعام:
-يمكن الدرس خلص، وخلاص اتعلمت بما فيه الكفاية ومحتاجة ارجع لبيتي وحياتي لو ده ميزعلكش ولا يضايقك في حاجة..
تمتم محمد بنبرة هادئة اكتسبها بعد مكالمة طويلة في الطريق بينه وبين بهية التي أخبرته بصراحة ما يحدث مع ابنته لأنها تعلم بأنه على قدر من التفهم الذي سوف يجعله يتقبل مشاعر ابنته البكر التي تختبر وجدانها ومشاعرها للمرة الأولى، وفي الوقت ذاته لا يضغط عليها من أجل أن تعود:
-ماشي يا ريناد بس ده مش معناه أن الدنيا رجعت زي الأول..
تحدثت ريناد بعد تنهيدة خرجت منها بعدما أخذت رشفة من الحساء الذي يتواجد أمامها:
-مفيش حاجة هترجع زي الأول أبدًا متقلقش…
صمت محمد مدركًا ما يصيبها…
ذلك اليوم كانت في حالة شاحبة ومتوترة إلى حدٍ كبير، تختبر نوع جديد من الألم واحترم والدها هذا ..
…عودة إلى الوقت الحالي…
ما جعلها تخرج من تلك الذكرى هو صوت هاتفها، التقطته لتجد أن المتصل هي بهية مما جعلها تجيب عليها على الفور:
-الو، ازيك يا قلبي عاملة إيه؟؟.
“الحمدلله يا حبيبتي، إيه اخبارك وعملتي إيه في الامتحان”
تسألها بهية كل يوم وتتصل بها بعد امتحانها مباشرة باهتمام وحنان كبير………
-الحمدلله كان كويس.
“الحمدلله، أنتِ عرفتي اللي حصل؟!”.
عقدت ريناد حاجبيها ولم تفهم شيء فعقبت:
-عرفت إيه بالظبط؟ إيه اللي حصل؟؟..
جاءها صوت بهية حزين نوعًا ما وسبب حديثها صدمة إلى ريناد:
-الست يسرا أم سلمى اتوفت امبارح ، وشوية هتكون الدفنة والعزاء هيكون بليل…
-لا إله الا الله، وده حصل ازاي؟.
ردت عليها بهية بحزن حقيقي:
-بيقولوا وهي في الشغل مع صحابها وقعت مرة واحدة ونقلوها المستشفى واكتشفوا هناك أنها ماتت، مكنتش بتشتكي من أي حاجة، ربنا يصبر بناتها بس ويعينهم…
تمتمت ريناد بنبرة حزينة بحق فمن قد يسمع عن وفاة شحص ولا يحزن على حال أهله:
-أمين يارب، أنا هروح البيت اغير هدومي واجيلك ان شاء الله….
______________
في احدى شركاته الخاصة بالتطوير العقاري كان يجلس في مكتبه وأمامه بعض الأوراق يقوم بقرأتها ولم يكن الأمر هام إلى تلك الدرجة ولكنه كان يأخذ وقته مما جعل المساعدة الخاصة به تهتف:
-أستاذ حمزة داخل على ساعة ونص قاعد برا هو من الساعة تسعة ونص هنا.
تذكره بالأمر وكأنه قد نسى..
ليس متعمدًا…
فهي لا تجد أي مبرر أخر يجعله ينتظره هذا الانتظار كله سوى بأن رب عملها قد نسى بأنها أخبرته منذ ساعة ونصف بأنه في الخارج…
تحدث زين بهدوء:
-مش قولتيله أني في meeting؟!.
هزت رأسها بإيجاب وهي تخبره بعدم استيعاب:
-ايوة قولتله بس…
رد عليها زين بثبات وهو يقاطعها:
-تمام اخرجي أنتِ دلوقتي ونص ساعة كده ابقي دخليه لو سألك قوليله أن لسه مخلصتش…
بعد مرور أكثر من نصف ساعة، ولج حمزة إلى المكتب الخاص بـ زين وهو عابس الوجه، بسبب تلك المدة الطويلة التي قضاها في انتظاره ولكن بالرغم من ضيقه إلا أنه قرر أن يصمد حتى النهاية لم يرحل ويستسلم، فهو منذ مدة ينتظر عودته من السفر…
نهض زين مصافحًا أياه والابتسامة تزين وجهه لكنه غمغم باعتذار بعدما صافحه ومازال محافظًا على ابتسامته:
-معلش اتأخرت عليك..
رد عليه حمزة مقتضبًا:
-ولا يهمك..
أشار له زين نحو المقعد بعدما عاد وجلس على مقعده مغمغمًا بترحاب:
-اقعد يا حمزة؛ تشرب إيه؟!
تحدث حمزة بنبرة مقتضبة وهو ينظر له بانزعاج شديد:
-أنا مش جاي أشرب يا زين أنا جاي اتكلم في اللي عملته مع ياسمين، اومال لو مكناش قرايب كنت عملت إيه؟ تطلقها كده من غير أهلها ومن غير ما تكلم حد وتروح بعدها مسافر ومترجعش إلا أمبارح.
رد عليه زين بهدوء شديد لا يفهم هو نفسه من أين يأتي به بعد الأحداث الأخيرة هو ليس بخير أبدًا لكنه يظهر ذلك ببراعة شديدة:
-أنا مطردهاش من البيت واخدت حقوقها كلها مظلمتهاش يعني خرجنا منها بالمعروف زي ما دخلنا بالمعروف زي ما بيقولوا، واحنا مش عيال صغيرة علشان ناخد رأي حد في قرار اخدناه..
قاطعه حمزة مستنكرًا:
-لما بيحصل مشكلة او خلاف بين الراجل ومراته وهما مش عارفين يحلوه لوحدهم المفروض بيجيبوا حد، بلاش أنا كنت جيبت خالتو على الأقل، مفيش طلاق بالساهل كده خصوصًا أنها باقية عليك وعلى بيتها.
تمتم زين بنبرة هادئة ومتماسكة رغم غضبه الشديد الذي يجعله على وشك أن ينهض ويلكمه لكمة لا ينهض من بعدها:
-ده النصيب يا حمزة، وده نصيبي معاها في تفاصيل خاصة كانت في علاقتنا مش مريحاني وأنا مش لازم أقولها ليك وأكيد لو الأمور كانت ينفع تتحل أو هو مجرد خلاف بسيط كنا جينا وقولنا وجبناكم لكن الموضوع ده يخصنا أحنا بس، وأنا آسف لو كنت ممشيتش حسب الأصول في نظرك…
تحدث حمزة بانفعال يحاول كبته قدر المستطاع:
-يعني ده أخر كلام عندك يا زين؟ أنا جيت علشان لسه باقي أن بيتكم ميتخربش ولأني مش مقتنع بكلامكم..
رد عليه زين رد مُبهم لم يعجبه لكنه أثار بداخله نوع طفيف من القلق بجانب غضبه الشديد من افساد زيجة كهذه كان من الممكن أن يحقق منها العديد من المنافع:
-كل حاجة في الأول والآخر قسمة ونصيب وسيب كل حاجة للوقت والظروف محدش عارف إيه اللي ممكن يحصل وربنا يعمل اللي فيه الخير..
______________
“بس يا جهاد”.
“بس يا جهاد بقا حرام عليكي”.
“اسكتي يا جهاد”.
“عيطي بس متصوتيش، بلاش تصوتي يا جهاد هنا اسكتي”.
كان هذا ما تقوله سلمى أثناء دفن والدتها في المقابر التي تعود إلى عائلتها…
كانت رؤيتها ضبابية منذ ليلة أمس منذ أن سمعت الخبر، الذي وقع على جهاد كالصاعقة فـ تصرخ منذ ليلة أمس…
بينما سلمى مازالت تشعر بالصدمة لم تعطِ أي ردة فعل حتى الآن، برغم أنها الوحيدة التي دخلت مع المرأة التي قامت بتغسيل والدتها وعاونتها في صمت رهيب..
كان نضال يحاول أن يُنهي جميع الإجراءات منذ ليلة أمس، ولم يتركها فكان يأتي بين الحين والآخر ويتحدث معها لكنها لا تتكلم، ولو عقبت على أي شيء تعقب على شيء مختلف تمامًا غير أمر والدتها….
صمتت جهاد بعد تعقيب شقيقتها وأخذت تبكي في أحضان انتصار التي تبكي هي الأخري متأثرة وتحاول مواساتها في الوقت ذاته…
سارت سلمى بعدما تم دفن والدتها، خالها لم يأتِ حتى الآن بسبب أمور عمله ومرض زوجته الشديد وهي طريحة الفراش منذ مدة وتتلقي العلاج لكنه أخبرهما بأنه سوف يحجز على أول طيارة ويأتِ في أقرب فرصة يطمئن بأن هناك شخص مع زوجته بعدما اتصل بشقيقها وطلب منها الاتيان…
كذلك سلامة الذي سوف يأتي فجر اليوم التالي…
كانت تتحدث مع ذاتها..
حتى بعد سيرها…
“اسكتي يا جهاد، اسكتي”..
كان هذا ما نطقت به قبل أن يصيح الجميع بأن سلمى قد سقطت مما جعل نضال يهرول ناحيتها ويحاول أن يرفعها أرضًا، بعدما تلطخت ملابسها بالأتربة، كما جاءت جهاد وخلفها زهران و انتصار، أما دياب أقترب لكنه ظل محافظًا على وقوفه بعيدًا وبمسافة مناسبة…
-سلمى، سلمى، سلمى ردي عليا…
تلك الكلمات خرجت من فم نضال وفي الوقت ذاته جاءت أحدى الفتيات وهي تحمل زجاجة مياة فأمسكها نضال ووضع بضعة قطرات يمسح بها وجهها، فتحت عيناها مما جعل جهاد تبكي بقوة وهي تسألها:
-سلمى أنتِ كويسة يا حبيبتي؟؟؟..
تمتمت سلمى بنبرة مكتومة وهي تحاول أن تنهض ليساعدها نضال:
-أيوة أنا كويسة متقلقيش…
هتف نضال مرتبكًا وخائفًا إلى أقصى حد عليها وهو يضع يده حول ذراعيها بعد نهوضها حتى لا تسقط، هي ليست قادرة على أن تتزن وكأن قدمها ما عادت تستطع حملها…
-سلمى تعالى نروح المستشفى..
غمغمت سلمى بإصرار واضح:
-لا أنا عايزة اروح البيت…
تمتم نضال بنبرة خائفة وكل ما يتواجد بها يدفعه إلى القلق:
-لا نروح المستشفى أنتِ شكلك مش كويسة.
هتفت سلمى بإصرار رهيب:
-لا أنا عايزة اروح البيت، أنا كويسة…
كادت جهاد أن تتحدث لكن قاطع زهران محاولة أي شخص للحديث:
-خدها البيت يا نضال تقعد ترتاح شوية وتأكل ليها لقمة ولو حصل حاجة ابقى وديها أو نجيبلها دكتور.
كان زهران خير من يُدرك الحالة التي تمر بها سلمى، ويشعر بها كما يشعر الجميع بأنها تمر بصدمةٍ…
لا يستطيع الطب في كل الأحوال مدواتها أو المستشفى على علاجها ففي بعض الأحيان هناك أوجاع تشفى منها بمفردك أو تتعايش معها، ليس كل شيء يستطيع الطب أو الناس مدواته، قد يخففوا منه فقط…
نظر نضال إلى سلمى مستجيبًا إلى مطلبها بعد حديث أبيه:
-ماشي يلا علشان أوصلك البيت..
سارت معه نحو السيارة بينما جهاد بقيت في مكانها تصافح من يصافحها ويحاول مواساتها، وجه زهران حديثه إلى وفاء التي كانت واقفة معهم:
-روحي معاهم يا بنتي وخدي المفتاح من جهاد، وأنا هخلص وأجيب مرات عمك وجهاد ونيجي وراكم…
-حاضر يا بابا.
قالتها وفاء ثم سارت خلفهما، فهي أعتادت على زهران بالفعل في مدة قصيرة حتى أن لسانها عقدته تم حلها بواسطة لُبها الذي بدأ يقتنع بأنه بالفعل والدها وتلك عائلتها التي سوف تقوم بتعويضها عن كل لحظة مرت في حياتها من دونهم….
بعد ساعة تقريبًا كان نضال ووفاء في الشقة الخاصة بالسيدة يسرا، تمتم نضال بنبرة هادئة قدر الإمكان رغم أنه يموت خوفًا عليها:
-هعملك حاجة تأكليها ادخلي غيري هدومك وخدي دش ولسه في وقت ممكن تنامي شوية كمان لغايت بليل..
جلست سلمى على الأريكة تحت نظرات الاثنان، تلك أريكة والدتها التي لطالما استمتعت وشاهدت التلفاز وهي تجلس فوقها، كما قامت بتمشيط خصلاتهما، حتى تقطيع الخضروات..
تلك الأريكة هي روح والدتها التي كانت تحب دومًا الجلوس عليها دون أي مقعد أو أريكة أخرى..
خلعت سلمى خِمارها الأسود بملامح باهتة وغير مفهومة، بقيت فقط بالجزء الذي ترديه أسفله مغمغمة بنبرة مرتجفة:
-اقفلوا المروحة..أنا سقعانة أوي…
كانت وفاء ضغطت على الزر عند دخولهما بحركة تلقائية منها لأن الطقس حار، هما في منتصف شهر يونيو الذي قارب على الانتهاء والصيف في شدة ذروته لكنها تشعر بالبرد!!!…
ذهب نضال وضغط على الزر فقام بإغلاق المروحة المُعلقة في السقف رغم سخونة الجو…
كررت سلمى الأمر:
-أنا سقعانة أوي…
هتفت وفاء بنبرة مترددة:
-أنا هدخل اجيبلها حاجة تتغطى بيها طيب…
ولجت وفاء إلى الحجرة وخرجت بعد دقيقين تألم فيهما نضال بما يكفي وهو يراها في تلك الحالة وكأنها في عالم منفصل عنهما تمامًا..
كانت وفاء تحمل بين يدها غطاء سميك وجدته في أحد الأركان لحسن الحظ لم تضطر لفتح الخزانة وهي غريبة عن المنزل وضعته عليها فأخذت سلمى تغطي نفسها بحركة تلقائية وهي تستلقى على الأريكة ثم أغلقت عيناها…
-سلمى…
قالها نضال يرغب في قول أي شيء لكنها لم تستجب له من الأساس هنا وضعت وفاء يدها على كتفه مغمغمة بألم وكأن ذكرى وفاة والدتها وحتى حبسها بعدها كل هذا يمر أمام عيناها:
-خلاص يا نضال سيبها أنا حاسة بيها، سيبها على راحتها بلاش نضغط عليها في أي حاجة خليها تنام شوية وتكون جهاد جت ونحضر ليهم أي لقمة يأكلوها…
تمتم نضال بخوف حقيقي ونبرة خافتة وهو ينظر لها:
-أنا خايف عليها سلمى من امبارح منطقتش، مدتش أي رد فعل؛ يمكن جهاد بتحاول تخرج اللي جواها سلمى ساكتة بشكل قالقني أوي يا وفاء..
-متقلقش مش هتفضل ساكتة كتير سيبها دلوقتي هي لسه مصدومة ووقوفها على أمها وهي بتتغسل ده شيء صعب جدًا أنا شخصيًا معرفتش أعمله….
_____________
….في المستشفى…
كانت إيناس تجلس أمام الحاسوب وهي ترتدي الملابس الخاصة بالعاملين في استقبال المستشفى التي تكن سترة من اللون الأزرق القاتم وأسفلها قميص أبيض وحجاب من اللون الرملي “البيج”، بنطال من نفس لون السترة، منذ شهر ونصف أصبحت منذ شهرين تعمل بشكل رسمي بعدما انتهت فترة تدريبها.
أقتربت منها شيرين بمقعدها المتحرك بعدما وجدت أن المرأة التي كانت تقف أمام صديقتها ذهبت بعدما انتهت إجراءاتها…
تحدثت شيرين بنبرة جادة للغاية:
-أنا خلاص هسقط من قلة الأكل النهاردة اليوم زحمة أوي، أيه هنأكل إيه؟؟؟..
تمتمت إيناس بنبرة هادئة وهي تنظر لها:
-مش عارفة أنا مش جعانة أوي، اطلبي أنتِ وهاجر والباقيين لأني الصبح فطرت أصلا قبل ما أنزل ومش جعانة..
هتفت شيرين بعدم استيعاب:
-أنا مش فاهمة يعني إيه انسان علشان فطر يبقى مش هيتغدى، أنا أصلا معرفش يعني إيه أنا مش جعان علشان ده شعور عمري ما حسيته أنا علطول جعانة..
ضحكت إيناس رغم ما يتواجد في خُلدها منذ الصباح، أسترسلت شيرين حديثها وهي تثرثر معها:
-المهم النهاردة الصبح كانت الدنيا زحمة لما جيتي ونسيت أسألك أنتِ لابسة أسود في أسود كده ليه؟..
تمتمت إيناس بنبرة حزينة نوعًا ما رغم أنها لم تكن تمتلك علاقة قوية معهم بل نادرًا ما كانت تراهم:
-واحدة جارتنا اتوفت وعقبال ما اخلص الشيفت وأوصل هيكون خلاص العزاء بدأ ولو طلعت بيتنا مش هقدر أنزل تاني، فهروح على طول بقا أقابل ماما هناك.
هتفت شيرين بأسف:
-ربنا يرحمها.
-يارب..
تمتمت شيرين بفضول:
-طب وجواد وجنى هتعملي إيه فيهم؟؟.
تحدثت إيناس وهي تفسر لها الوضع، شيرين أصبحت أكثر من مجرد زميلة عمل في حياتها بل بالفعل صديقة وأخت بكل ما تحمله الكلمة من معنى:
-واحدة جارتي ابنها في الحضانة معاهم هتاخدهم عندها البيت وأنا لما اروح العزاء واخلص دنيتي هروح اخدهم منها..
بمجرد أن عرف طليقها عمرو بأنها بدأت في الإجراءات الحكومية بأخذ الأطفال وهو رد الأطفال إليها هو يخشى تلك الأمور في كل الأحوال هو فقط يتحدث ويحاول اثبات نفسه فقط حينما لا تكن الأمور بشكل جادي ورسمي…
لكنها لم تتوقف بالرغم من أخذها أطفالها بل ظلت مستمرة في القضية الخاصة بنفقة أطفالها…..
لم تتوقف..
لأنها لا تريد التنازل في حق أطفالها أبدًا..
هي تنازلت في حقوقها في تلك الزيجة كثيرًا…
لكن أطفالها لن تسمح…
علاقتها بـ جواد…
كما هي تقريبًا لم يحدث أي تطور ملحوظ ولم تعرف هي أنه يساعدها بطريقة غير مباشرة…
فقط حينما يمر أمامها ويلقي عليهم التحية ترد مع الجميع، رغم شعورها بالارتباك من نظراته حتى ولو كانت عادية تربكها هذا الرجل غريب جدًا رُبما لأنه يمتلك هالة وجاذبية خاصة، أو رُبما لأن قلبها يشعر بأنه يمر كثيرًا من أجلها، كأنه يقصدها…
جزء بداخلها يشعر بهذا ورغم أنه محقًا في تلك النقطة إلا أن عقلها كان يرفض مجرد الاحتمال….
شيرين كانت ترغب كثيرًا في قول الأمر أمامها..
لكنها خشيت بسبب تحذيرات جواد..
لكن هل سوف تستمر كثيرًا وتكبح ذاتها ولسانها الثرثار؟!!!!!
_____________
أخرجت سامية من الخزانة بنطال أسود وكذلك كنزة سوداء وحجاب أسود، فهي تستعد من أجل الذهاب إلى العزاء الخاص بالسيدة يسرا..
خرجت من الحجرة لتجده يشرب سجائره بشراسة ويبدو عليه وعلى ملامجه الغضب الشديد منذ أن عاد من مقابلة ابن خالته “زين”.
جلست سامية بجواره مغمغمة بهدوء وكأنها تنتظر إجابة جديدة:
-مالك يا حمزة في إيه بس؟.
تحدث حمزة مستنكرًا سؤالها ويسخر منها:
-هيكون مالي يعني؟ ما أنا زي الفل أهو قدامك.
قالت سامية بنبرة مقتضبة:
-مش باين من ساعة ما رجعت من عنده وأنتَ مش كويس..
صاح حمزة مستنكرًا وهو ينظر لها غاضبًا إلى أقصى حد:
-طب ما أنتِ عارفة اهو كويس إيه اللي مضايقني ومخليني متعصب وفاهمة كل حاجة بس ليه نسكت، لازم أسئلة كتير ملهاش داعي وأنا على أخري أصلا.
نظرت له سامية بانزعاج شديد من طريقته الحادة والتي باتت أسلوب حياة مؤخرًا منذ طلاق شقيقته:
-عارفة أنك روحت و لما جيت قولت اللي حصل ما بينكم أنا مش بسأل على الفاضي بس أنا شايفة أنك مكبر الموضوع أوي بصراحة..
نظر لها حمزة نظرة كاد أن يقتلها بها وهو يردد جملتها:
-أنا مكبر الموضوع؟!!..
هزت رأسها بإيجاب ثم أسترسلت حديثها بشجاعة:
-ايوة مكبر الموضوع على الفاضي، أي جوازة احتمال فيها الطلاق، وأنتَ حالتك غريبة أوي بصراحة..
صاح حمزة ثم تحدث بنبرة متشنجة:
-بيت اختي اتخرب وتقوليلي مكبر الموضوع؟؟ أنتِ مستفزة جدًا وقاصدة تنرفزيني تقريبًا.
تمتمت سامية بتوضيح لوجهه نظرها:
-أنا مش مستفزة يا حمزة ولا قاصدة أعصبك بس أنا شايفة أنك مضايق أكتر من صحاب الشأن نفسهم، أنا كلمت أختك كذا مرة وفعلا أنا شايفاها أه مضايقة وده شيء طبيعي بس مش بالشكل اللي أنتَ فيه..
ابتلعت ريقها ثم أسترسلت حديثها :
-حتى جوزها رد فعله معاك طبيعي الاتنين انفصلوا بمنتهى الهدوء ومن غير مشاكل وهيتخطوا أكيد كل حاجة محتاجة وقت، ليه بقا كل اللي أنتَ فيه ده؟؟..
تمتم حمزة بنبرة غاضبة وهو ينظر لها بانفعال كبير:
-أنا زعلان على اختي وعلى بيتها وهي أكيد موجوعة وزعلانة بس مش عايزة تبين كده ومدام كلمتيها كذا مرة يستحسن تعقليها لأن موضوع تأجيلها الخلفة من راجل عايز يخلف اكيد ده سبب المشكلة الأساسية، عقليها تروح تصالح جوزها علشان يرجعها أحسن.
-وأنا مالي هو أنا وصية عليها كل واحد بيعمل اللي يريحه…
صاح حمزة بغضب كبير:
-خلاص يبقى اسكتي ونقطيني بسكاتك أحسن علشان أنا على أخري بجد..
هتفت سامية بانزعاج وهي تنهض من مكانها:
-ماشي أنا قايمة اخد دش وبعدين البس وانزل هتيجي معايا؟.
سألها حمزة بدهشةٍ:
-اجي معاكي فين وأنتِ رايحة فين أصلا؟..
-ما أنا قولتلك الصبح لما كلمتك، حماة سلامة ونضال اتوفت والنهاردة العزاء أنا مروحتش الصبح الدفنة بس أكيد لازم اروح العزاء، وأنتَ المفروض تيجي معايا دي الأصول..
تذكر ذلك الأمر وتلك المكالمة التي أتت له وهو يشعر بالغيظ الشديد أثناء انتظاره مقابلة زين وقتها لم يركز حتى فيما تقوله…
-ماشي امشي أنتِ وأنا هبقى أنام ساعة كده وهبقى اجي…
تمتمت سامية بتردد:
-ماشي بس اوعى متجيش علشان شكلي قدامهم ميبقاش وحش..
تحدث حمزة بنفاذ صبر:
-قولت جاي يا سامية مش لازم رغي كتير وبعدين أنا هاجي علشانك، لكن أنا ولا أعرف اللي ماتت ولا ليا علاقة بيها يعني…
____________
يجلس على السفرة يتناول الغداء برفقة شقيقته نسمة والسيدة منيرة، عادت شقيقته منذ مدة أخيرًا عادت تنير حياته من جديد بوجودها..
حياته من دونها لم تكن شيء أبدًا..
هناك رابطة تشكلت بينهما قوية جدًا أكثر مما سبق تشبه الرابطة التي كانت بينها وبين والده رحمه الله…
حياته تلك الفترة كانت غريبة…
اختفت رانيا لم يعد يراها عكس السابق وهذا شيء جيد جدًا بالنسبة إليه لكنه غريب نوعًا ما يبدو أن رانيا وجدت ورقة رابحة غيره؛ لكن هذا لا يهمه..
الشيء المهم والجيد أنها ابتعدت..
لكنه أصبح مشغولًا ومتوترًا…
أصبحت تشكل في حياته ووجدانه جزء كبير وهو ناضج بما يكفي حتى يستطيع تفسير مشاعره، لكنه فقط يشعر بالقلق والخوف من أن يخوض تجربة ثالثة، لكن إلى متى سوف يكبح نفسه ومشاعره؟!!
هو نفسه يدرك بأن هذا لن يستمر طويلًا..
هو يسأل عن أحوالها من المرأة التي هي صديقته ومديرتها المباشرة؛ يراقبها بطريقة جعلته أشبه بمراهق حقًا….
ولكنه يحاول التعامل بحذر قدر المُستطاع في النهاية هو لا يستطيع التأكد من كونه من الممكن أن يغامر ويدخل في علاقة مع أمرأة ثالثة ويستمع إلى حديث صديقه الذي يدعمه ويحاول تشجيعه على اتخاذ تلك الخطوة وأنه ليس برجل قد ترفضه أمرأة عاقلة؛ ولكن هو لا يظن بأنها تخطت تحربتها السابقة أيضًا…
تنهد تنهيدة مطولة والأفكار متزاحمة في عقله وحينما انتهى الغداء ذهب إلى المطبخ يحضر قهوة سريعة الذوبان بنفسه كالعادة قبل أن يرحل من أجل جدول عملياته، بينما شقيقته صعدت إلى حجرتها…
جاءت من خلفه منيرة مغمغمة والفتيات تقوم بترتيب المطبخ في الوقت ذاته:
-يعني كلنا موجودين وبتعمل لنفسك..
-عادي حاجة بسيطة، وبعدين أنا بحب أعمل الحاجة اللي عايز اشربها بنفسي، مش هاجي بعد العمر ده واتغير..
ابتسمت له منيرة ثم غمغمت بنبرة قلقة:
-هايدي جاية النهاردة نزلت إجازة وجاية تشوف نسمة، علشان كده نسمة طلعت علشان تجهز..
تمتم جواد بعدم فهم بعدما سكب القهوة في الكوب:
-إيه المشكلة؟ تيجي أي وقت ومدام نسمة عايزة تشوفها.
-أنا بس قولت اعرفك يعني…
هز رأسه بإيجاب ثم غمغم:
-أنا النهاردة بليل هتأخر محدش يستناني على العشاء، لو هايدي هنا خليها تتعشى مع نسمة لو كانت مشيت قبلها خلي نسمة تأكل وتنام بلاش تفضل صاحية مستنياني لأني مش هاجي قبل الفجر.
تمتمت منيرة بهدوء:
-حاضر يا ابني..
_____________
….في المساء….
تجلس جهاد في الغرفة بينما بدأت النساء في الاتيان من أجل تقديم واجب العزاء؛ والرجال كانوا في الأسفل في الصوان الكبير الذي أوقف الحركة في شارع خطاب من بدايته إلى نهايته..
الهاتف على أذنيها تتحدث مع زوجها سلامة الذي يبكي، نعم بكى من أجل حزنه على يسرا، وفي الوقت ذاته يبكي لأنه ليس بجوارها منذ ليلة أمس، يحاول مواساتها بأي طريقة ممكنة..
-حقك عليا يا جهاد؛ حقك عليا إني مش معاكي دلوقتي ولا جنبك..أنا مش مسامح نفسي..
مسحت دموعها وهي تخبره بنبرة هادئة وكان من الغريب جدًا بأنها رغم انهيارها هي المتماسكة نوعًا ما وواعية لما يحدث:
-محدش يعلم الغيب يا سلامة ولا كان حد عارف اللي هيحصل متقعدش تلوم نفسك ولا تضايق نفسك على الفاضي أنتَ ملكش ذنب كله نصيب.
هتف سلامة بتردد وانزعاج كبير من العجز الذي يشعر به فهو منذ أن تلقى الخبر أمس وهو يحاول السفر، رغم صعوبة الأمر إلا أنه استطاع بصعوبة أخذ خمسة أيام أجازة بسبب ما حدث بعد شجار دام بينه وبين مديره المباشر ليأتي شخصًا ما يحاول حل الشجار..
-لو كنت معاكي كان الوضع اختلف، ومتقلقيش يا حبيبتي أنا حضرت شنطتي وشوية ونازل رايح المطار وبإذن الله على الفجر هكون عندك..
ردت عليه جهاد بنبرة هادئة وهي تمسح دموعها التي لا تتوقف:
-تيجي بالسلامة، متشغلش بالك ولا تلوم نفسك.
ثم أسترسلت حديثها بخوف حقيقي يلازمها:
-أنا كل اللي خايفة عليه هو سلمى، سلمى مش بتتكلم مش بتطلع اللي جواها وكأنها في دنيا تانية أنا خايفة عليها أوي.
…في الخارج…
استيقظت سلمى منذ مدة ومازالت جالسة في عالم أخر يلقي الناس التحية عليها تهز رأسها فقط ومازال الغطاء فوقها، مازالت تشعر بالبرد..
جاءت انتصار وهي تحمل الأرز واللحم التي صنعته، أتت بكميات قليلة لكنها تتمنى أن تتناولها..
جلست بجوارها وهي تحمل الطعام في الصينية، بعدما رفضت سلمى النهوض والذهاب إلى الغرفة فأجبرت أن تأتي بالطعام إلى هنا…
-كُلي يا بنتي..
هزت رأسها نافية وهي تخبرها:
-مش جعانة.
تمتمت انتصار بأسف وحنان:
-كلي يا حبيبتي بس حتى لو معلقة واحدة أنتِ مكلتيش من امبارح يا بنتي كده مينفعش…
أقتربت منهما بهية التي كانت تقوم ريناد بتوجيهها فوقفت أمامها هاتفة بنبرة هادئة:
-كلي يا بنتي أي حاجة كده علشان خاطري.
قالت سلمى بنبرة ثابتة كأنها تخاطب ناس ليسوا أمامها:
-مش جعانة..
ثم نظرت على المكان الخالي لـ جهاد مغمغمة:
-هي جهاد فين؟؟..
تمتمت انتصار بنبرة عادية وهي تخبرها:
-في الاوضة جوا بتتكلم في التليفون مع سلامة..
سألتها سلمى باهتمام غريب في وضعها:
-كلت ولا لسه؟؟.
ردت عليها انتصار بنبرة مفسرة:
-وفاء هتودي ليها الأكل؛ كلي أنتِ بس..
نهضت سلمى بعدما أبعدت الغطاء عنها وحملت الصينية من انتصار ثم توجهت صوب غرفتهما وكان الباب مفتوحًا لترى جهاد وهي تبكي والهاتف على أذنيها فقالت سلمى بنبرة هادئة:
-كلي يا جهاد أنتِ حامل…
أنهت جهاد المكالمة بتلك الطريقة:
-سلام دلوقتي يا سلامة..
نهضت جهاد تحت أنظار انتصار وسلمى ثم اقتربت منها مغمغمة:
-أنا كلت من شوية يا سلمى، وهأكل تاني المهم تأكلي أنتِ مكلتيش حاجة من امبارح..
أردفت سلمى بهدوء:
-لا أنا مش عايزة أكل أنا هنام شوية كلي أنتِ بس…
كانت إيناس ووالدتها في الخارج يتحدثا مع بهية وريناد؛ وبسبب أن الوقت قد تأخر وفي الغد لديها موعد في الصباح:
-أنا هقوم امشي، أنتِ لسه قاعدة؟!.
تمتمت بهية بهدوء:
-اه هقعد شوية يمكن أعرف اتكلم مع سلمى شوية، روحي أنتِ لسه مشوارك بعيد، خلي بالك من نفسك ولما توصلي عرفيني..
هزت رأسها بإيجاب ثم وجهت التحية إلى حُسنية وإيناس:
-مع السلامة..
خرجت من فم إيناس أيضًا:
-مع السلامة.
هتفت حُسنية بتلقائية شديدة:
-الله يسلمك يا حبيبتي خلي بالك من نفسك وابقي تعالي اقعدي معانا اهو نشوفك وحشتينا يا بنتي والله اخدنا عليكي.
تمتمت ريناد بنبرة هادئة:
-ان شاء الله….
أنهت حديثها ثم غادرت…
خرجت من البناية ثم حاولت المرور في هذا الممر الضيق الموجود بجانب العزاء الخاص بالرجال…
ألتوت قدمها بسبب أحد الاحجار وخرج منها تأوهًا فحاولت الاعتدال والاستمرار في المشي وأثناء أخذها حقيبتها التي سقطت أرضًا فأستدارت رأسها مما جعلها تلمحه وهو يقف بجوار أحد الرجال…
كأن عينه قد لمحتها أيضًا….
هنا سارت بسرعة شديدة متوجهة صوب سيارتها التي لم تكن بعيدة كثيرًا بل في بداية الشارع التي يوازي شارع خطاب…
كان يسير خلفها يحاول النداء عليها لكنها لم تسمعه وحتى لو سمعته لن تتوقف….
توجهت صوب سيارتها ثم أغلقت الباب بسرعة شديدة……
فرمقته بنظرة أثناء محاولته المرور من الشارع للوصول لها، لكنها أدارت محرك السيارة وأنطلقت بسرعة رهيبة…..
هي لا تتحمل أكثر من ذلك مازالت تتذكر كلماته المستفزة، والتي جرحتها جرحًا عميقه وكأنه يرفض مشاعرهما، كأن مشاعره تجاهها خطيئة لا تغتفر….
بينما هو اشتاق لها بل جن جنونه بسبب شوقه لها وحبها الذي أتى في وقت لم يبحث عن الحب فيه ولا يوجد مكان له لكنه أتى…..
…عودة مرة أخرى إلى شقة السيدة يسرا…
جاءت زوجات أعمامها وبناتهم من أجل تقديم واجب العزاء كما أتى أعمامها، بينما والدها لم يأتِ كالعادة لا يعرف أحد أين مكانه..
متى عودته؟!.
مالت انتصار على ابنتها الجالسة بجوارها:
-جوزك جه ولا مجاش؟؟..
هتفت سامية بتوتر:
-يعني لسه نازل، هو في الطريق يعني..
أردفت انتصار بسخرية:
-وجاي على نفسه كده ليه، ده العزاء قرب يخلص؟؟..
…بالأسفل…
كان زهران يقف في أحد الأركان بعدما جاءه اتصال هاتفي من صديقه المقرب “جابر جبورة” الذي لم يأتِ بسبب ظروف طرأت لديه….
-الو.
جاءه صوت صديقه وهو يواسيه مباشرة:
“ايوة يا صاحب عمري، مش عارف أقولك إيه غير مضايقش نفسك أنا عارف أنها كانت حب عمرك وكنت خلاص ناوي تأخد خطوة لكن متزعلش نفسك، تماسك يا صديقي كل نفس ذائقة الموت.
________________
ذهب الجميع وانتهى عزاء اليوم الأول…
ما تبقى فقط العائلة، عائلة خطاب برفقة جهاد أما سلمى كانت نائمة في حجرتها؛ مستغرقة في النوم…
بينما نضال يجلس على أعصابه وخرج عن صمته مغمغمًا:
-وهو احنا هنفضل سايبينها كده؟.
تحدث زهران بنبرة عقلانية:
-كل واحد لازم تسيبه يعيش حزنه وتديله وقته، وهي لازم تاخد وقتها بالعكس محدش يضغط عليها وده أحسن وهي مع الوقت هتروق.
ثم أسترسل حديثه موجهًا أياه نحو جهاد:
-سلامة جاي على الفجر ان شاء الله؛ هنبقى نروح نجيبه من المطار، حقك عليه يا بنتي دي الظروف واحنا هنا معاكي…
ابتسمت جهاد ابتسامة باهتة مغمغمة بنبرة هادئة:
-أنا مقدرة كل ده، ربنا يهون يارب.
تمتم زهران موجهًا حديثه نحو نضال:
-يلا يا ابني نمشي بقا ونسيبهم يرتاحوا هما مع بعضهم ومرات عمك راحت البيت تعمل شوية حاجات وراجعة تاني هتبات هنا معاهم، قعدتنا ملهاش لازمة والوقت اتأخر، وهما شوية كده يصحوها يحاولوا تخليها تشرب أو تأكل أي حاجة..
تحدث نضال بنبرة مقتضبة:
-همشي ازاي يعني من غير ما أطمن على سلمى؟.
ردت عليه جهاد بنبرة مرهقة إلى أقصى حد:
-ادخل لو عايز تشوفها بس هي نايمة خالص بس ادخل شوفها علشان ترتاح…..
هز رأسه موافقًا ثم نهض حينما أشارت له ناحية الغرفة التي لم تكن بعيدة…..
توجه صوب الحجرة فتح الباب، الغرفة لم تكن مظلمة على أي حال، أقترب من الفراش الصغير ليجدها نائمة ومنكمشة على ذاتها أنفاسها مستقرة ومنتظمة..متدثرة بالغطاء ومتشبسة به…
خرج من الغرفة مرة أخرى على ما يبدو مثلما قال أبية لا يتواجد شيء يفعله تلك الليلة، و ياليته يستطع الجلوس بجوارها طوال الليل…
هو يتألم بالفعل.
اليوم يدرك إلى أي مرحلة وصلت سلمى في قلبه وفي حياته، أنه يشعر بحزنها وبها بشكل مُريب…..
هو ليس بخير إلى أن تكون سلمى بخير….
…. قبل حلول السادسة صباحًا…..
كان سلامة يقف ويقرع الجرس، فتحت له جهاد التي استيقظت منذ مدة حينما اتصل بها عند وصوله إلى مطار القاهرة…
بمجرد أن رأته بكت أكثر ثم احتضنته بقوة، بكت كأنها لم تبكِ منذ ليلتين ولم تتوقف دموعها…..
لم يكن يخطر في بالها أو يأتي في عقلها بأنها سوف تراه بعد تلك المدة وتراه في هذا الظرف…
صدقًا هي لا تعرف ما الذي يجب أن تقوله في تلك اللحظة وكذلك هو…
دخل معها الشقة وجلس على الأريكة وظلت بين أحضانه تبكي وهو يعطيها المساحة حتى تخرج مل ما يتواجد بها، لأول مرة يحضر سلامة وفاة شخص وهو ناضجًا بما يكفي كان صغيرًا وقت وفاة عمه ورضيعًا وقت وفاة والدته……
هذا ما استطاع قوله وهو يمرر يده على خصلاتها بحنان:
-كله هيعدي أن شاء الله، ربنا معانا، وأنا جنبك ومعاكي ربنا يرحمها يارب…
_____________
في اليوم التالي…
عند بوابة المستشفى كانت تهرول فهي تأخرت، لكنها توقفت حينما وجدته يقترب منها، أخر شخص تتمنى رؤيته…
تحديدًا هنا..
أقترب منها عمرو مغمغمًا بنبرة هادئة وابتسامة صافية:
-ازيك يا إيناس عاملة إيه؟؟..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم)