رواية سلانديرا الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم اسماعيل موسى
رواية سلانديرا الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم اسماعيل موسى
رواية سلانديرا البارت الحادي والعشرون
رواية سلانديرا الجزء الحادي والعشرون

رواية سلانديرا الحلقة الحادية والعشرون
كان خاطر يقف على قمة تل جليدي يشرف على مملكة البراري والصقيع، حيث ترتفع القلاع الجليدية وسط العواصف الثلجية، والرياح تصرخ بين الأبراج المتجمدة.
لم يكن وحده، بل كان هناك من يراقبه، عيونٌ تتابع حركاته بصمتٍ حذر، وجنودٌ يمسكون بأسلحتهم كما لو أن الأرض ذاتها قد همست لهم بالخطر القادم.
سبق خاطر الملك إيريديون إلى أرضه، لم يكن ذلك أمرًا طبيعيًا، فمنذ قرون، لم يسبق أحد بنات الريح، الجياد الشفافة التي تحمل ملك البراري والصقيع كالعاصفة.
لكن خاطر فعلها.
حين عبر بوابة المدينة، لم يعترضه أحد، لكنه شعر بالعيون تحيط به من كل اتجاه.
لا أحد يقتحم مملكة الجليد بهذه السهولة، إلا إن كان مدعوًا… أو كان ظلاً.
مستشار الملك… الساحر الأكبر
حين وصل الملك إيريديون إلى القصر، لم يستقبله خاطر، بل وقف بعيدًا، يراقب من الظلال. لم يكن يتوقع أن يلتقي الملك مباشرة، فإيريديون لم يكن يستقبل الغرباء بسهولة.
عوضًا عن ذلك، وقف في قاعة العرش الجليدية رادامير، الساحر الأكبر ومستشار الملك.
كان رجلاً طويلاً نحيلًا، بشرته شاحبة كالجليد، وعيناه تشعان بلونٍ أزرق متوهج، كأنهما شعلتان من نارٍ باردة.
وقف أمام خاطر دون أن ينطق في البداية، ثم ابتسم ابتسامة بطيئة وقال:
“تطلب الحديث مع ملكنا، رجل الظل؟”
صوته كان كهمس الريح بين الجبال، خافتًا لكنه يملأ القاعة.
“جئت لأتحدث معه.” قال خاطر بهدوء، لم يكن يخشى الساحر، لكنه لم يكن يستخف به أيضًا.
رادامير أمال رأسه قليلاً، كأنه يدرسه، ثم قال:
“في أرض البراري والصقيع، لا يتحدث إلى الملك سوى من يستحق الحديث.”
ثم التفت إلى الجمع المحيط وقال بصوت عالٍ:
“إن أراد هذا الغريب لقاء إيريديون، فعليه أن يثبت قوته.”
وأشار إلى الساحة الثلجية أمام القصر.
“يجب أن يهزم محاربينا. لا واحدًا… بل أربعة.”
المحاربون الأربعة
وقف خاطر في ساحة القتال، الثلوج تحت قدميه صلبة كالحجر، والهواء محمل بصقيعٍ كاد أن يجمد الأنفاس.
أول من تقدم نحوه كان غاريوس، المحارب الحديدي.
رجل ضخم الجثة، بشرته رمادية كالصخور، يحمل فأسًا عملاقًا يكاد يكون بحجم خاطر نفسه. كان صامتًا، لكن عيناه تتحدثان بلغة القوة، لا يعترف إلا بالسلاح، ولا يرى إلا القتال.
لم ينتظر طويلاً، هجم بفأسه بحركة خاطفة، قوة الضربة شطرت الأرض تحتها، لكن خاطر لم يكن هناك.
ظهر خلفه فجأة، حركة خفيفة، لمسة واحدة على معصمه، وسقط الفأس من يد غاريوس كما لو أن أصابعه تجمدت. قبل أن يستوعب المحارب ما حدث، وجه خاطر ضربة حادة إلى جانب عنقه، ليس بقوة جسدية، بل بضغط دقيق على نقطة حيوية.
سقط غاريوس على ركبتيه.
حاول النهوض، لكنه لم يستطع. لم يكن ميتًا، لكنه لم يعد قادرًا على القتال.
“أول واحد،” قال رادامير بصوتٍ بارد.
“التالي.”
تقدمت المحاربة الثانية، أنيارا، ابنة العواصف.
كانت سريعة كالبرق، تحمل سيفين منحنيين، شعرها الأبيض الطويل يتطاير حولها السحب، لم تمنحه فرصة للتحرك، هاجمته بعاصفة من الضربات، كل واحدة منها كانت تكفي لقتل رجلٍ عادي.
لكن خاطر لم يكن عادياً.
تحرك كما لو كان يعرف مسار سيوفها قبل أن تتحرك، تفادى كل ضربة بانسيابية، حتى بدت حركته كرقصة وسط العاصفة.
أنيارا استدارت بسرعة، سيوفها تقطع الهواء، لكنه كان قد اختفى.
ظهر خلفها… لم يفعل شيئًا سوى أن همس:
“لقد خسرتِ.”
شعرت بشيء بارد يضغط على رقبتها،لم يكن سيفًا، كان مجرد إصبعه، لكنها عرفت أنها لو تحركت، ستنتهي المعركة بلمسة واحدة.
أنزلت سيوفها.
“الثاني،” قال رادامير.
“التالي.”
هذه المرة، كان القادم فيجور، سيد الرماة.
لم يكن بحاجة للاقتراب، رفع يده، وانطلقت خمسة سهام في وقتٍ واحد نحو خاطر.
لكن قبل أن تصل… لم يكن هناك.
وقف فيجور مذهولًا، وهو يرى السهام تخترق الفراغ. قبل أن يتمكن من إطلاق سهم آخر، شعر بشيء بارد يضغط على معصمه.
كانت يد خاطر، والإبرة الصغيرة التي غرزها في جلده بالكاد مرئية.
توقف ذراعه عن الحركة. لم يعد قادرًا على إمساك قوسه.
ترك القوس يسقط.
“الثالث.”
الجموع كانت تهمس الآن.
“من يكون هذا الرجل؟”
“كيف يفعل هذا؟”
لكن رادامير لم يكن مندهشًا، بل ابتسم ابتسامة صغيرة، وهو يلتفت إلى آخر شخص.
“دوركِ، أستيريا.”
خرجت آخر محاربة إلى الساحة، لم تكن تحمل سلاحًا، لم تكن ترتدي درعًا، فقط عباءة زرقاء داكنة، وعينان باردتان كالجليد.
لكن حين مشت، شعرت الأرض كلها بها.
لم تكن تحتاج إلى السلاح.
كانت هي السلاح.
أستيريا لم تهاجم، فقط رفعت يدها، والهواء من حولها بدأ يتغير، الحرارة انخفضت، الصقيع تجمد في الهواء، وكأنها تسحب القوة من كل شيء حولها.
لكن خاطر لم يتحرك.
ظل واقفًا، يراقبها.
وفي اللحظة التي اقتربت منه، فعل شيئًا لم يتوقعه أحد.
أغلق عينيه.
تركت أستيريا العاصفة تنفجر حوله… لكنه لم يسقط.
وحين فتحت عينيها لترى النتيجة… وجدته أمامها، أقرب مما تخيلت، يحدق في عينيها مباشرة.
ولأول مرة في حياتها، شعرت بالخوف.
تراجعت خطوة.
ثم همست:
“أستسلم.”
رادامير ضحك.
“انتهى الأمر.”
التفت إلى خاطر، عيناه تلمعان بالدهشة للمرة الأولى.
“لقد كسبت حق الحديث مع الملك
—
وقف خاطر في قاعة العرش، حيث تدلت أعمدة الجليد العملاقة من السقف كأنها أسنان وحش متجمد. كان الهواء باردًا، لكن التوتر الذي يملأ المكان أشد برودة.
لم يكن الملك نفسه من استقبله، بل مستشاره العظيم، الساحر الكبير إلدارون، الذي بدا وكأنه جزء من القصر نفسه، بلحيته الطويلة البيضاء، وردائه الداكن المطرز برموز قديمة، وعينين لا تشبهان أعين البشر ولا الجن، بل كأنهما انعكاس للغيب نفسه.
“لقد أثبت قوتك،” قال إلدارون بصوت هادئ، لكنه يحمل رهبة لا تخفى. “لكن القوة وحدها لا تمنحك حق الحديث مع الملك.”
خاطر لم يتحرك. كان قد أرهقته المبارزات المتتالية، الدماء التي تلطخت بها سيفه لم تجف بعد، لكنه لم يكن هنا ليطالب بشيء لنفسه.
“لا أطلب أكثر مما هو ضروري،” قال بصوت ثابت، “أنا هنا من أجل زافيرا.”
سكنت القاعة للحظات، ثم ظهر الملك إيريديون أخيرًا.
كان رجلًا طويلًا، جسده أشبه بجبل جليدي، ووجهه حاد الملامح كأنه منحوت من صخر. شعره الفضي الطويل ينساب على كتفيه، وعيناه بلون السماء الملبدة بالثلوج لم تكن تحمل أي دفء. لكنه لم يكن متوحشًا، بل رجلًا اعتاد أن يُطاع.
وقف عند العرش، ينظر إلى خاطر كما لو كان شبحًا غريبًا، ثم قال بصوت هادئ، لكنه لا يقبل الجدل:
“أنت لست من أبناء أرضي. فلماذا أمنحك حمايتي؟”
خاطر التقى نظرة الملك دون خوف.
“لأنني سأقف بين زافيرا وبين شيفان إن لزم الأمر، حتى لو كان الثمن حياتي.”
كلماته لم تكن مجرد تصريح، بل وعد، تعهُّد غير مشروط.
لم يتغير وجه الملك، لكنه نظر إلى إلدارون للحظة قبل أن يقول:
“شيفان يريد أن يجعلها ملكته، وهذا يعني أنها ستمنحه الشرعيه
“إن تزوجها، ستُسحق روحها بالكامل،” قال خاطر بصوت منخفض، لكنه مشحون بالغضب.
“وما الذي يجعلك تعتقد أنها تحتاج إليك؟”
“لأنها ما زالت تقاوم.”
كانت هذه الكلمات الوحيدة التي قالها، لكنها كانت كافية.
لم يكن إيريديون رجلاً يعترف بالحب، لكنه فهم الشجاعة، وفهم الولاء الذي يتجاوز المنفعة الشخصية وكان يعرف ان شيفان خصمه وان عدو شيفان صديقه
بعد لحظة صمت طويلة، قال أخيرًا:
“لكنى لن أقاتل من أجلها.”
شعر خاطر بأن قلبه يسقط، لكن إيريديون لم يكن قد انتهى بعد.
“لكنني لن أقف في طريقك، سأمنحك ممرًا آمنًا إلى مملكتي إن احتجت إليه، لن يكون لشيفان سلطة هنا.”
لم يكن هذا التحالف الذي تمناه خاطر، لكنه كان كافيًا.
إن ساءت الأمور، إن وجد نفسه عاجزًا، إن اضطر لأخذ زافيرا والهرب… فسيكون لديه ملجأ.
“هذا يكفي.”
هزّ الملك رأسه مرة واحدة، ثم استدار ليغادر، لكنه توقف للحظة، دون أن ينظر إلى خاطر، وقال:
“إن كنت تنوي مواجهة شيفان، فلا تفعلها بمفردك.”
ثم خرج، تاركًا خاطرًا واقفًا وسط العاصفة الباردة التي لم تكن تأتي من الجدران الجليدية، بل من المستقبل الذي ينتظره.
لكنه لم يكن يهتم.
لأنه، مهما كلفه الأمر…
لن يدع شيفان يأخذ زافيرا.
فى طريقه إلى جناحه همس الملك ايريديون لساحره الأكبر
الدارون، راقبه ويسر له الأمور بطريقتك، اذا استطاع ان يخلصنا من شيفان بأى طريقه وبعد أن ينتهى اقتله وإذا احضر زافيرا إلى هنا فأنه قد احضر لى ملك الجان بأكملها على طبق من ذهب
دعه يعتقد انه انتصر على أقوى محاربينا كما يظن لا تمنحه سبب للشك
عودة خاطر إلى زافيرا
عاد خاطر إلى أرض مملكة بلاتين بروح معنوية مرتفعة، قلبه يخفق بشيء لم يشعر به منذ زمن… الأمل.
لأول مرة منذ وقت طويل، لم يكن وحيدًا في معركته.
لقد حصل على ما يكفي من الحماية ليضمن أنه، إن ساءت الأمور، لن تُترك زافيرا تحت رحمة شيفان.
وكان ذلك كافيًا ليشعر بأنه أقوى مما كان عليه قبل أن يغادر.
حين وصل إلى تخوم القصر، كان الليل قد بدأ يزحف ببطء، مغطّيًا الأرض بعباءته المخملية الداكنة.
لم يدخل مباشرة، بل أرسل مرسالًا صغيرًا برسالة مقتضبة إلى زافيرا، يعلمها أنه سيقابلها عند البحيرة.
لم يكن قد رآها منذ أيام، منذ لحظة تتويج شيفان ويمين الولاء الذي قدّمه الجميع… باستثناء ملك البراري والصقيع.
كان يدرك أنها كانت هناك، تجلس في صمت، تحيطها القيود غير المرئية التي صنعها شيفان حولها، كان يدرك أنها كانت ترى كل شيء… وتفهم كل شيء.
والآن، حان الوقت لتراها عيناها الحقيقة الوحيدة التي لم تتغير في حياتها.
حان الوقت لتراه.
عند البحيرة
كان القمر يعكس ضوءه الفضي على سطح المياه، فتبدت البحيرة كمرآة تمتد بلا نهاية، تحيطها الأشجار التي ترقص أغصانها مع نسيم الليل البارد.
وقف خاطر هناك، ينتظر.
لم يكن صبورًا بطبيعته، لكنه هذه الليلة لم يكن مستعجلاً. كان يعلم أنها ستأتي، كان يشعر بذلك.
وعندما خطت قدماها فوق العشب الرطب، شعر بها قبل أن يراها.
التفت ببطء، وقلبه يخفق بطريقة لم يعتدها.
كانت زافيرا واقفة عند حافة البحيرة، ترتدي ثوبًا قاتمًا، لكنه لم يكن بلون الحداد، بل كان لونًا يعكس الليل نفسه. شعرها منسدل، وعيناها…
عيناها لم تفارقه.
كانت تحدق به وكأنها تحاول التأكد أنه ليس وهمًا، أنه ليس خيالاً نسجه قلبها المتعب.
لكن عندما اقتربت، عندما أصبح بينهما خطوات قليلة فقط، همست بصوت بالكاد سُمع وسط هدير المياه الهادئ:
“أنت عدت.”
لم يقل خاطر شيئًا. لم يكن هناك شيء ليقال.
بدلاً من ذلك، رفع يده ببطء، ولمس بأصابعه أطراف شعرها، كما لو كان يريد أن يتأكد أنها حقيقية كما تريد أن تتأكد هي.
شعرت زافيرا بأنفاسه قريبة، بحرارته التي تناقض البرودة التي أحاطت بها منذ وقت طويل.
“لقد أتيتُ من أجلكِ.”
قالها كأنها وعد، كأنها تعويذة ستمنع أي شيء من المساس بها.
كانت تعلم أنه لا يكذب.
لكنها كانت تعلم أيضًا أن الأمور لم تنتهِ بعد.
ومع ذلك، في هذه اللحظة، عند هذه البحيرة، تحت هذا القمر، لم يكن هناك سوى خاطر وزافيرا… والحب الذي كان يتراقص في قلبه
وعين جن متواريه بين الأشجار تجلس بينهم
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سلانديرا)