رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل العشرون 20 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل العشرون 20 بقلم سارة علي
رواية حبيسة قلبه المظلم البارت العشرون
رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء العشرون
رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة العشرون
غادر المكان بسرعة وملامحه تنطق بالكثير…
إختار المغادرة أفضل من التحدث معها بعدما رآه حيث لا يثق بردة فعله وقتها خاصة مع ذلك الغضب الذي سيطر عليه كليا وهو يراها تقف قبالته وتبتسم له بإرتباك خجول بينما الأخير يتأملها بعينين مشعتين بهما شيئا خاصا إستطاع تمييزه بسهولة ..
ضغط على مقود سيارته بعصبية وتشتت لينتبه على رنين هاتفه أخيرا والذي أخرجه من حالته تلك ليجذبه فيرى والدته تتصل به …
أجاب على الهاتف مجبرا رغم عدم رغبته في التحدث مع أحدهم عندما جاء صوت والدته يسأله عن أحواله بإهتمام ولهفة ..
أجابها يخبرها إنه بخير قبل أن يسمعها تطلب منه القدوم الى الفيلا ..
أراد الرفض فلا رغبة له في رؤية أحد الآن .. هو يحتاج الى الإنفراد بنفسه قليلا وموازنة الأمور داخل عقله …
هم بالرفض لكن سمع والدته تضيف بنبرة تحمل قلقا واضحا :-
” غالية ليست على ما يرام يا نديم .. أريدك أن تأتي وتتحدث معها فأنت أقرب إليها مني .. ”
صمت قليلا قبل أن يسأل وقد إنتقل القلق إليه :-
” هل حدث شيء ما لا أعلمه ..؟! ”
ردت والدته بجدية :-
” تعال وتحدث معها بنفسك وهي ستخبرك بكل شيء .. ”
أضافت بتنبيه :-
” لكن لا تجعلها تدرك إنني من طلبت منك ذلك ..”
” حسنا سآتي ..”
قالها بصوت لا يخلو من التعب قبل أن يودعها ويغلق هاتفه مغيرا وجهته حيث الفيلا الخاصة بعائلته ..
……………………………………………………………
تجلس على سريرها كالعادة تلقي نظرة بين لحظة وأخرى نحو هاتفها فهو إتصل بها عدة مرات طوال اليوم وهي بدورها تجاهلت كافة إتصالاته مقررة التمسك بقرارها الذي أخذته ..
حملت هاتفها تفتحه وتقلب فيه دون إهتمام حقيقي قبل أن تفتح حسابه على الفيسبوك وتتأمل صورته للحظات فيرف قلبها لا إراديا نحوه لكنها تنهر نفسها فورا …
تحاول إقناع نفسها إن الأمر لا يستحق كل هذا التهويل فهي كانت منذ أيام لا تطيق ذكره حتى فمالذي تغير ليؤثر بها هكذا وبهذا الشكل أم إنها من كانت تصطنع كرهه ومن داخلها كانت تنجذب إليه بشدة …؟!
نهرت نفسها بقوة فهو رغم كل شيء لا يناسبها وهي شعرت بذلك منذ أول لقاء فكلامه الجريء وصراحته الفجة لم تعجبها بتاتا فهي رغم تحررها الفكري بل المظهري أيضا لكنها دوما ما كانت تضع حدودا صارمة مع الرجال حولها لذا فهو لم يلقِ إستحسانها منذ البداية وجاء موضوع طلاقه وطفله ليزيد الطين بله ..
أخذت تقلب في حسابه بفضول فلم تجد سوى بضع صور توقفت عند إحداهن حيث كانت تجمعه بطفله يبتسم له بوجه صافي وحبه الشديد لإبنه واضح داخل عينيه …
أغلقت الهاتف بسرعة تنهر نفسها مجددا على دخولها حسابه والتقليب به .. لقد اتخذت قرارها وعليها الإلتزام به وأما عنه ومحاولاته للتوصل معها فستعرف كيف تقطع هذا التواصل تدريجيا ….
سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فنهضت من مكانها لتتجه نحو الباب وتفتحه فتجد نديم أمامها ..
قفزت تحتضنه بسعادة وهي التي لم تره منذ يوم ميلادها قبل أن تبتعد عنه بعد لحظات تسأله بقليل من الإستغراب :-
” أليس غريبا وجودك هنا وفي هذا الوقت ..؟!”
ابتسم بخفة وقال :-
” جئت لأراكما أنتِ ووالدتي خاصة إن عمار ليس موجودا هنا هذه الأيام ..”
عقدت حاجبيها تسأله بتعجب :-
” كيف علمت بعدم قدومه هنا ..؟! هو بالفعل لم يأتي الى هنا سوى مرتين بعد حادثة ليلى حيث يدخل غرفته لدقائق ثم يغادر بعدها ..”
رد بسرعة :-
” أمي أخبرتني بذلك ..”
أضاف يسألها :-
” هل ستتركيني واقفا عند الباب ..؟! ألن تطلبي مني الدخول ..؟!”
قالت بسرعة وهي تضرب على جبينها بيدها :-
” بالطبع تفضل ..”
ضحك وهو يدلف الى الغرفة مغلقا الباب خلفه قبل ان يجلس على الكنبة الموضوعة جانبا فتجلس هي بدورها جانبه تسأله :-
” اذا كيف حالك ..؟! وكيف حال حياة ..؟! لم أتواصل معها بعد عيدالميلاد حيث إنشغلت ببعض الأمور لكنني سأتصل بها غدا ..”
رد بإقتضاب :-
” بخير .. ”
سألته بحماس :-
” متى ستقيمان حفل خطبتكما ..؟! هل ستطلبها من والدتها أم..”
قاطعها بسرعة وعاد الضيق يغزوه مجددا :-
” اتركينا من حياة الآن .. ”
ثم أضاف بنبرة جعلها طبيعية كي لا تشك غالية بشيء :-
” هي الآن مشغولة في وضع والدتها الصحي لذا سنؤجل كل شيء حتى يستقر وضعها وتطمئن هي عليها ..”
ابتسمت قائلة :-
” شافاها الله وعافاها ..”
أضافت بجدية :-
” وما أخبار عملك ..؟! هل بدأت بتنفيذ المشروع ..؟!”
قاطعها مجددا :-
” اتركينا مني الآن .. أريد التحدث معك ..”
” يبدو إن مجيئك الى هنا ليس عفويا كما توقعت ..”
قالتها بخفة ليبتسم وهو يقول :-
” ذكائك دوما ما يثير إعجابي يا شقيقتي ..”
ضحكت بعفوية ثم قالت ؛-
” ماما من طلبت منك المجيء لأجلي ، أليس كذلك ..؟!”
تنهد وقال :-
” هي لم تقل شيئا سوى إنك لست على ما يرام.. ”
أكمل يتسائل بهدوء :-
” ماذا يحدث معك اذا يا غالية ..؟؟”
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
” ليس شيئا مهما يا نديم .. مجرد شاب يحاول التقرب مني ..”
” من هو ..؟!”
سألها بهدوء محاولا السيطرة من ضيقه من فكرة أن يتقرب شاب من أخته لكنه يدرك إن غالية لم تعد صغيرة كما إنه يثق بحكمتها ورزانتها لذا فلا داعي للخوف لكن رغما عنه يغضب قليلا من الفكرة او ربما يغار على شقيقته وحيدته ..
” شاب عادي يا نديم .. اسمه فراس ولديه أعمال مشتركة مع شركتنا .. ”
صمتت قليلا ثم قالت بصراحة فهي لا تحب الكذب عموما خاصة مع شقيقها الذي تجمعها به علاقة وطيدة :-
” حاول أن يتحدث معي أكثر من مرة بل أرسل لي هدية يوم ميلادي .. ”
سألها وقد تغضن جبينه بضيق واضح :-
” هل أخذتيها ..؟!”
إبتلعت ريقها وهي تومأ برأسها لينتفض من مكانه مرددا بعصبية :-
” كيف تأخذينها ..؟! كيف تأخذين هدية من شخص غريب ..؟! كيف تتصرفين هكذا يا غالية ..؟!”
نهضت غالية من مكانه محاولة تهدئته وقد فاجئتها ردة فعله التي لا تشبه بتاتا شخصيته العاقلة الرزينة المتفهمة دائما لتقول بصوت متهدج متوتر قليلا :-
” اهدأ يا نديم .. انا كنت سأعيدها له ..”
قاطعها بغضب :-
” عيدميلادك منذ ثلاثة ايام يا غالية .. ماذا تنتظرين كي تعيديها له ..؟!”
أضاف وهو يحاول السيطرة على غضبه بعدما رأى إضطراب ملامحها :-
” افهمي يا غالية .. إنه أمر غير مقبول أن تقبلي هدية من شخص لا يجمعك به أي رابط .. ”
ابتلعت غالية غصتها وقالت :-
” معك حق .. لقد أخطأت وسوف أصحح خطئي ..”
تنفس بقوة ثم قال :-
” ماذا حدث بعدما أرسل لك الهدية … ؟!”
ردت بصوت خافت متحشرج :-
” إلتقيت به في أحد المطاعم .. تحدثنا قليلا و …”
صمتت ليسألها بنفاذ صبر :-
” وماذا ..؟!”
ردت بنفس الخفوت :-
” وجدت إنه لا يناسبني … ”
سألها بملامح هائجة وعينين مشتعلتين :-
” هل ضايقك ..؟! هل تصرف بطريقة غير لائقة معك ..؟!”
أجابت بسرعة ونفي :-
” كلا أبدا .. على العكس تماما .. كان محترما في حديثه لكن ..”
توقفت مجددا تنظر الى ملامح أخيها المترقبة لتضيف بتجهم :-
” مطلق ولديه طفل ..”
تجهمت ملامح نديم تماما بعدما قالته ليهتف بسرعة ودون تفكير :-
” مرفوض .. إياك أن تفكري مجرد التفكير به .. أعيدي له هديته وإقطعي علاقتك تماما به … لا أنا ولا أمي سنقبل به .. هل فهمت يا غالية …؟!”
كانت يتحدث بلهجة شعرت بها قاسية ووملامح وجهه الأخرى كانت باردة حانقة بشكل جديد عليه وهي التي كانت تنتظر ردة فعل مختلفة منه فهو لطالما عرف كيف يحتويها ويساندها في كل شيء …
أومأت برأسها تكتم دموعها ورغم إنها قررت مسبقا قطع أي مجال للتواصل معه لكن سماعها لرفض أخيها القاطع آلمها بشكل غريب ..
” كنت سأفعل ذلك أساسا ..”
هز رأسه متفهما قبل أن يقول بقوة :-
” لا تكرريها يا غالية .. لا يصح أن تقبلي أي هدية من شخص لا تعرفينه ولا يجمعك به أي شيء .. ”
هزت رأسها موافقة ثم رفعت بصرها نحوه لتجد ملامحه محافظة على جمودها قبل أن يهتف بجدية :-
” لا أعلم لماذا أشعر إن هناك شيء داخلك تأثر به ولكن تأثرك به خطأ شديد عليك إصلاحه بسرعة .. مطلق ولديه طفل يا غالية .. الفكرة لوحدها مزعجة ولا أظن إنك مستعدة لتعيشي ما عاشته والدتي بوجود طفل آخر لزوجها من إمرأه غيرها .. لا انا ولا والدتي سنقبل أن تعيشي نفس الوضع وتصبحين نسخة جديدة من والدتي … أنت تدركين جيدا ما عاناه الجميع بل عايشتي كل هذه المعاناة والتي ما زالت مستمرة لذا أنفذي بجلدك كما يقولون وإختاري رجلا لم تسبقك أخرى إليه قبلك ولا يمتلك طفلا من إمرأة سواك ..”
ألقى كلماته الأخيرة على مسامعها وغادر لتغمض عينيها عينيها بوجع ثم تفتحها وهي تفكر إن ما قاله نديم صحيحا للغاية وإن قاله بطريقة قاسية قليلا لكن الحقيقة مهما كانت قاسية ستظل أفضل بكثير …
ومن جديد تتأكد إن قرارها هو الصحيح وبالتالي لا رجعة لها عنه ..
…………………………………………………………
تسير داخل صالة الجلوس ذهابا وإيابا وعيناها لا تفارقان تلك المرأة التي تقف في نهاية المكان وفي ملامحها حزن شديد مخلوط بالرجاء …
توقفت مريم تتطلع الى المرأة بتفكير للحظات قبل ان تتقدم نحوها وصوت كعب حذائها العالي يصدح في المكان …
تأملتها خديجة وفستانها المفتوح أثار إستنكارها لكنها لم تظهر ذلك بالطبع بينما وقفت مريم أمامها تصطنع إبتسامة وهي تسأل بلطف كاذب :-
” تلك الفتاة .. ”
أكملت تدعي النسيان :-
” ماذا كان اسمها ..؟!”
ردت خديجة بخفوت :-
” جيلان ..”
هتفت مريم بسرعة :-
” آه نعم جيلان .. ما علاقتها بعمار ..؟!”
صمتت خديجة تتأملها مفكرة بما يجب أن تقوله وفكرة إن عمار لا يخبر أحدا عن وجود أخته سيطرت عليها وبالتالي هي لا تستطيع أن تتفوه بشيء قد لا يرضيه …
” دعيه هو من يخبرك ..”
قالتها خديجة بهدوء لتضغط مريم فمها بقوة تمنع نفسها من قول شيء غير لطيف عندما فتحت الباب وخرج عمار من الغرفة يخبر خديجة :-
” هي نامت الآن … ابقى معها حتى الصباح .. انا سأغادر الآن وأعود خلال ساعات .. قبل الفجر ستجديني هنا ومع هذا اذا حدث اي شيء اتصلي بي .. غدا ستأتي الأخصائية النفسية باكرا فكوني جاهزة لإستقبالها ..”
هزت خديجة رأسها بتفهم ثم إستأذنته ودلفت الى جيلان بينما إستدار هو أخيرا نحو مريم ليجدها ترمقه بنظرات مستهجنة قبل أن تقول بنبرة هجومية :-
” من تلك الفتاة وماذا فعلت بها كي تصل الى هذه الحالة يا عمار ..؟!”
لكنه اكتفى بأمرها :-
” إتبعيني يا مريم ..”
اخوك يسبقها بخطوات عندما صاحت بعناد :-
” لن أتحرك خطوة واحدة قبل أن تخبرني من تلك الفتاة وماذا حدث معها ..؟! أنت المسؤول عن وضعها هذا.. انا متأكدة من ذلك ..”
وقف لفترة في مكانه موليا ظهرها له محاولا ضبط أعصابه لكنها تقدمت نحوه ووقفت جانبه تصرخ به :-
” الفتاة تبدو في أسوء حالة ممكنة .. تتصرف كالمجانين .. وضعها مؤلم .. مالذي فعلته بها بالضبط ..؟! لأي درجة ألمتها ..؟! هل كنت تعذبها ..؟؟ هل غررت بها ..؟! إغتصبتها ..؟! ”
أضافت وهي تقبض على ذراعه بقوة تصيح بها بكره أعمى :-
” إنها ما زالت في طور الطفولة .. طفلة كهذه كيف وصلت لهذه الحالة ..؟! كيف أصبحت هكذا ..؟! ماذا فعلت بها يا عمار ..؟! بأي طريقة أذيتها ..؟!”
توقفت عن حديثها وهي تراه يحرر ذراعه من قبضتها ثم يقبض بدورها على رقبتها دافعا جسدها نحو الخلف حيث إرتطم جسدها النحيل بالحائط ..
لحظات وحرر رقبتها من سجن كفيه ليتحدث وهو يثبتها على الحائط خلفه بذراعيه :-
” أهملتها .. عاملتها بقسوة .. تركتها وحيدة في عالم موحش كهذا حتى جاء من إستغل وحدتها وضياعها … جاء من إغتصبها بكل وحشية فقتل كل شيء بها وجعلها بالشكل الذي رأيتيه الآن … مجرد حطام أجاهد لتجميعه .. أفعل المستحيل كي أنقذها من ذلك الظلام الذي وقعت فيه وأنا أدرك جيدا إنها لن تتحمل ما حدث بسبب عمرها الصغير وبرائتها الفطرية ..”
زفر نفسه بقوة ثم قال أخيرا بألم تراه لأول مرة على وجه ذلك الرجل الذي عرفته ظالما متجبرا لا يهزمه شيء :-
” إنها أختي يا مريم .. جيلان أختي … هل أدركت من تكون هي وماذا حدث معها وكيف أصبحت هكذا ..؟!”
ابتعد عنها بعدها يوليها ظهره مجددا ويمسح على وجهه يكفيه بينما همست هي بصوت غير مسموع وعدم تصديق :-
” أخته ..”
لحظات قليلة واستدار نحوها نصف استدارة يخبرها بصوت آمر والجمود عاد يكسو ملامحه :-
” إتبعيني هيا كي أوصلك الى منزلك ..”
أضاف بعدها بصوته القوي :-
” ولا تفتحي فمك بكلمة واحدة طوال الطريق لإنني لا أرغب بسماع أي شيء في الوقت الحالي ..”
………………………………………………………
في صباح اليوم التالي ..
خرجت من مقر الشركة بملامح فرحة وهي تشعر إن عملها في هذه الشركة سيضيف لها الكثير ..
تثق بذاتها وقدرتها على إثبات وجودها حتى تصبح موظفة دائمة فهي تعلم جيدا إنها تمتلك كافة المؤهلات لذلك …
دائما ما كانت تطمح للتفوق في مجال دراستها وتحقق ذاتها رغم الظروف الصعبة المحيطة بها لكنها كانت مصرة على إثبات وجودها وساعدها ذكائها في ذلك فإجتهدت طوال سنوات دراستها في المدرسة لتحصل على معدل عالي جدا في الثانوية يؤهلها لدخول كلية الطب لكنها اختارت الصيدلة بدلا عنها فهي من وجهة نظرها تحمل مستقبلا أفضل ويمكنها التقدم بها والنجاح بسرعة أكبر وهاهي اليوم تخطو اولى خطواتها الحقيقية …
إنتبهت لرنين هاتفها فأخرجته من حقيبتها لتجد نضال يتصل بها ..
أجابته فورا :-
” مرحبا نضال ..”
جاءها صوته الرجولي الرخيم يقول :-
” اهلا حياة ..؟! أخبريني .. كيف كانت مقابلتك وكيف وجدتِ الشركة …؟!”
ابتسمت بخفة تجيبه :-
” المقابلة جيدة للغاية والشركة أفخم بكثير مما توقعت .. ”
قال نضال بجدية :-
” لقد حدثني سامر بعد خروجك .. هو معجب بملفك جدا .. لم تخبريني إنك الأولى على دفعتك في العامين السابقين … فوجئت عندما أخبرني بذلك ..”
تنحنت تجيبه :-
” أخبرتك إنني متفوقة في مجال دراستي حتى إنني لا أحتاج الى توصية .. ألا تتذكر ..؟!”
رد عليها بهدوء :-
” بلى أتذكر ..”
صمت للحظة ثم قال :-
” لكن أنت تكوني من المتفوقين شيئا وأن تكوني الأولى على دفعتك شيئا آخر ..”
” ماذا تقصد ..؟!”
سألته وهي تشعر بوجود شيء ما خلف حديثه فسمعته يقول بجدية :-
” سأخبرك بما أقصده عندما ألتقيك مساءا .. ”
ردت بجدية :-
” انا غادرت المنزل صباح اليوم ..”
شعرت بالإنزعاج في نبرته وهو يقول :-
” بهذه السرعة …”
ثم أضاف بلهجة جادة :-
” على العموم سنتحدث لاحقا فهناك شيء مهم سأخبرك إياه ..”
ودعها بعدها لتغلق الهاتف وهي تنظر إليه بإستغراب وشعور الإرتباك بسببه يداهمها مجددا ..
وفي تلك اللحظة تذكرت نديم وتمنت لو كان هو من يتصل بها ويطمئن عليها فتخبره بسعادة عما حدث وربما يتحدثان سويا عن مستقبلها وما ينتظرها …
شعرت بغصة شديدة تحكم قلبها فحاولت أن تسيطر على إرتجافة قلبها بألم صريح لتشير الى احدى سيارات الأجرة مقررة العودة الى منزلها عازمة على إزاحة نديم من أفكارها حاليا رغم إدراكها جيدا صعوبة ذلك ..
……………………………………………………..
دلفت الى غرفة أختها بعدما طرقت على باب الغرفة أكثر من مرة …
أغلقت الباب خلفها وتقدمت الى الداخل لتجد مريم تجلس على سريرها والغطاء يغطي النصف السفلي من جسدها .. ترتدي بيجامتها الخفيفة المكونة من شورت قصير وتيشرت ذو حمالات رفيعة وتضع السماعات في أذنها .. ورغم إن عيناها مفتوحتان لكنها بدت شاردة في ملكوت آخر ويبدو إن صوت الموسيقى الصاخب جعلها لا تشعر بدخولها الى غرفتها من الأساس ..
اقتربت منها وجلست جانبها لتشعر بها أخيرا فتزيل سماعاتها بسرعة وهي تبتسم بخفة متأملة مظهر ليلى الأنيق ورغم إن ليلى دائما ما كانت أنيقة للغاية بل هي تحرص دائما على انتقاء كل ما هو أنيق ومميز وبالتالي طلتها هذه شيء معتاد بالنسبة لها لكن ما جذبها حقا ملامحها التي استعادت جزءا من حيويتها بشكل أسعد قلبها وجعل الأمل يعود داخلها بأن تتجاوز ليلى محنتها تلك أخيرا ..
” صباح الخير ..”
قالتها ليلى بإبتسامة صادقة لترد مريم تحيتها وتضيف متسائلة :-
” ما سر كل هذه الأناقة ..؟! هل لديك موعدا هاما ..؟!”
ابتسمت ليلى وردت بهدوء :-
” شيئا كهذا … ربما لا تعلمين بعد لكنني باشرت عملي في الشركة البارحة ..”
هتفت مريم بتعجب :-
” ستعملين في الشركة ..؟! غريب ..”
أومأت ليلى برأسها وهي تهتف بخفة :-
” هو غريب قليلا خاصة إن مجالي دراستي مختلف تماما إضافة إلى إنني لم أرغب يوما في العمل في مجال التجارة ..”
صمتت لوهلة ثم قالت :-
” لكنني غيرت رأيي وأحببت أن أشارك والدي في إدارة الشركة …”
إسترسلت بنبرة مقصودة :-
” وأنتِ بالطبع ستنضمين إلينا بعد تخرجك .. ”
ابتسمت مريم وقالت بحماس :-
” ربما سأتدرب في الأشهر القادمة من العطلة … ”
” سيكون رائع ..”
قالتها ليلى تدعمها في قرارها مفكرة إن عليها التوغل في الشركة وعلى مريم أيضا فعل ذلك بعد إكتشافها لوجود أخ يشاركهما في كل شيء ..
هتفت مريم بتردد :-
” ولكن ما سبب هذا التغيير ..؟! هل حدث شيء لا أعرفه ..؟!”
حركت ليلى كتفيها تردد ببساطة :-
” أدركت إن لا شيء يستحق ما كنت أفعله وأدركت إنني خسرت سنوات من عمري هباء دون أن أحرز أي تقدم ولو بسيط في حياتي ..”
عقدت مريم حاجبيها تسألها بحيرة :-
” ولم الآن بالذات أدركت هذا ..؟! مالذي تغير ..؟!”
زفرت ليلى نفسها ثم قالت :-
” ليس مهما يا مريم كل ما تسألين عنه .. المهم إنني أدركت وإستوعبت وهذا بحد ذاته يكفيني حاليا ..”
” انا سعيدة لأجلك حقا يا ليلى … ربما كنت أقسو أحيانا عليكِ في حديثي لكنني كنت أريد مصلحتك .. كنت أريدك أن تخرجي من تلك الشرنقة التي سجنتي بها نفسك ..”
ابتسمت ليلى رغم ألمها لتلك الذكريات ثم قالت وهي تربت على كف مريم :-
” لم أنزعج منك يوما يا مريم .. انا أتفهم جيدا سبب ذلك وأعلم إن غايتك الوحيدة هي مصلحتي وأتفهم أيضا طبعك الحاد قليلا.. ”
” إذا متى ستتطلقين من ذلك الوغد ..؟!”
قالتها مريم بحماس لتختفي إبتسامة ليلى بشكل أثار قلق مريم التي سمعت أختها تجيب أخيرا بهدوء وثبات :-
” لن أتطلق منه يا مريم .. الآن فقط. طبعا … لكنني سأتطلق في المستقبل القريب وفي الوقت الذي أحدده أنا ..”
تجهمت ملامح مريم وهي تستمع الى ما تقوله أختها لتسألها فجأة وبوجوم :-
” هل تراجعت عن دعوة الطلاق ..؟!”
اكتفت ليلى بإيماءة من رأسها لتزم مريم شفتيها بعبوس قبل أن تهم بقول شيء ما لكن ليلى سبقتها وهي تقول بجدية :-
” هذه المرة لم أتراجع لأجله وليس خوفا من عمار أيضا .. هذه المرة تراجعت لأجلي .. لأجل مصلحتي … ”
” انا لا أفهم أي شيء ..”
هدرت بها مريم بعبوس لتقول ليلى بثقة :-
” ستفهمين كل شيء وحينها ستدركين إن تصرفي هو الصحيح …”
أضافت بترجي :-
” فقط كوني جانبي يا مريم فأنا أحتاج دعمك هذه الفترة أكثر من أي شيء ..”
سارعت مريم تقول :-
” بالطبع سأكون معك .. انا دائما جانبك يا ليلى .. انت اختي الوحيدة ..، ليس لي سواك ولستِ لكِ سواي …”
سيطر الضيق على ملامح ليلى للحظات من حديث مريم وهي تتذكر أمر أخيها السري لتهتف بإبتسامة مريرة :-
” نعم نحن فقط لا غير .. ”
أضافت تدعي التفكير :-
” هل تعلمين ..؟! ربما لو كان لدينا أخ سيكون الوضع مختلف قليلا ..”
عقدت مريم حاجبيها تردد بنبرة مستهجنة :-
” كيف سيختلف ..؟! ”
قالت ليلى عن قصد تحاول إكتشاف ردة فعل مريم رغما إن داخلها تدرك ردة فعلها جيدا :-
” يعني ألا يقولون وجود الأخ نعمة .. يعني الأخ سندا لأخواته و ..”
قاطعتها مريم بتهكم :-
” ما هذا الكلام القديم يا ليلى ..؟! انت بالطبع تمزحين .. لا أظن إنك تفكرين حقا بهذه الطريقة المتخلفة .. ”
ابتسمت ليلى بتوتر وقالت :-
” انا فقط أفكر إن وجود أخ معنا ربما كان أفضل لنا حيث يقف بجوارنا ويحمينا ..”
قاطعتها مريم بعنفوان :-
” لا طبعا .. الأمر لا يفرق أبدا .. انا وانتِ ندعم بعضنا دائما ولسنا بحاجة لأي شخص .. واذا كنت ترين نفسك بحاجة لأخ حقا فإعتبريني أخوكِ وستجديني دوما سندك لك بل سأقتل من يحاول الإقتراب منك او إيذائك ..”
ضحكت ليلى رغم دموعها التي تراكمت داخل عينيها تأثرت لتعانق مريم بخفة وهي تقول :-
” أنت حقا وجودك نعمة في حياتي … ”
بادلتها مريم عناقها ثم ابتعدت عنها لتسمع ليلى تقول بتأني:-
” انا فقط أحيانا أفكر قليلا .. مالذي يجعل والدي يكتفي بنا دون أن يحصل على صبي يحمل إسمه ويرث إسم عائلته .. ؟! أنت تعلمين إن الرجال يريدون الصبي دائما مهما أحبوا بناتهم .. فكيف اذا كان الرجل كوالدي بمكانته وثروته وفوق هذا وحيد عائلته ..؟!”
مطت مريم شفتيها تردد :-
” نصيبه يا ليلى .. أراد الله أن تخسر والدتي رحمها أثناء حملها الثالث بل وخسرت الصبي الذي كانت تحمله أيضا .. ووالدك بدوره تقبل هذا فجميعنا ندرك مدى حبه لها ..”
ابتسمت ليلى بسخرية لم تنتبه مريم لها والتي أكملت بشرود :-
” رغم إختلافي معه في أغلب الأمور إلا إنني لا أستطيع أن أنكر إعجابي الشديد نحوه في هذه النقطة … هو يحب والدتي كثيرا ويساندها كثيرا خاصة أمام أخواته اللاتي يتفنن في تذكيرها دوما بعدم قدرتها على إنجاب الصبي الذي سيرث إسم جدك المبجل .. ”
صمتت ليلى ولم تعلق فكل ما دار في بالها في تلك اللحظة ردة فعل مريم عندما تعلم الحقيقة والتي تدرك جيدا إنها ستكون مخيفة للغاية ..!!
…………………………………………………………………
كان يعمل على بعضا من ملفات العمل عندما رن هاتفه فسارع يجيب على المتصل والتي لم تكن سوى الطبيبة النفسية التي أرسلها لجيلان صباح اليوم ..
سيطر الوجوم على ملامحه وهو يسمع حديث الطبيبة التي أخبرته عن إلتزام جيلان الصمت وعدم رغبتها في قول أي شيء لتحترم هي بالتالي رغبتها وتنسحب مقررة المحاولة معها مرة أخرى بعد يومين ..
” ما العمل اذا يا دكتورة ..؟!”
قالها عمار بصوت قلق ليأتيه صوت الطبيبة الجاد :-
” نحن ما زلنا في البداية يا سيد عمار .. لم تمر سوى أيام معدودة على الحادثة .. أنت يجب أن تدرك إن الأمر ليس سهلا وإن ما يحدث معها وتصرفاتها طبيعية للغاية ..”
تنهدت ثم أضافت :-
” سيد عمار .. جيلان مرت بتجربة بشعة جدا لفتاة في سنها بل إنها تجربة بشعة لأي فتاة في أي عمر كان .. هي ستحتاج الى علاج طويل وصبر كبير لكن كن واثقا إنها ستشفى .. نعم شفائها سيأخذ وقتا طويلا لكن تأكد إنني سأعالجها بإذن الله .. فقط الصبر يا سيد عمار .. هي تحتاج لعلاج طويل وربما يصل لسنوات .. لكن لا تقلق مع مرور الوقت سأعرف كيف أحصل على إستجابات ولو بسيطة منها وتدريجيا ستتفاعل معي … نعم شفائها تماما قد يستغرق سنوات لكن خلال هذه السنوات ستتحسن اوضاعها تدريجيا وبعد كل فترة ستجدها في حال أفضل من السابق ..”
” إطمئنيت قليلا بعد كلامك هذا يا دكتورة ..”
ردت عليه بسرعة :-
” إطمئن سيد عمار وثق بي وأنا أعدك إن حالتها ستتحسن مع مرور الوقت .. على الأقل اليوم كانت هادئة صامتة وإن لم تتجاوب معي .. انا أيضا سأكتب لك مهدئات تحتاجها قليلا هذه الفترة …”
” حسنا انا أعتمد عليك يا دكتورة وكلي ثقة بك ..”
قالها بجدية قبل أن ينهي المكالمة وهو يتنهد بقليل من الراحة وكلام الطبيبة أراحه كثيرا فهذه الطبيبة تعتبر الأفضل في البلاد وقد عالجت حالات ميؤوس منها كما أخبره أحد اصدقائه …
قرر أن يعود ويضع تركيزه أمام أحد الملفات عندما فوجئ بليلى تقتحم الباب والسكرتيرة تتبعها محاولة منعها ..
استدارت ليلى نحوها تصيح بها بحدة :-
” ألا تفهمين ..؟! أنا زوجته ويحق لي الدخول الى مكتبه دون إذن منك ..”
نظرت السكرتيرة الى عمار لتستدير ليلى نحوه برأس مرفوع وملامح ثابتة فيشير عمار الى السكرتيرة :-
” اخرجي انت الآن ..”
خرجت السكرتيرة فورا بينما نهض عمار من مكانه متقدما نحوها حتى وقف قبالها على بعد مسافة قصيرة يسألها بسخرية :-
” هل لي أن أعرف سبب تشريف المدام مكتبي المتواضع .. ؟!”
وقبل أن تجيب أضاف بجدية :-
” اذا كان موضوع الطلاق سبب مجيئك فأخبرتك مسبقا إنني لن أطلق حتى ..”
ردت بسرعة وثبات :-
” لا أريد الطلاق …”
تعجب مما تقوله لكنه نحى تعجبه جانبا وسأل ببديهية :-
” لماذا أتيت اذا ..؟!”
ابتسمت بهدوء قبل أن تجيب بسلاسة :-
” أتيت لأخبرك إنني تراجعت عن دعوى الطلاق … كما إنني سأسافر معك الى روما كممثلة عن شركة والدي لأجل الصفقة التي إتفقتما عليها ..”
ضحك هازئا مرددا بخفة :-
” ومن سيقبل بهذا ..؟!”
تفاجئ بها تتقدم أكثر منه .. تقف أمامه وتواجهه حيث العين بالعين ونبرتها ثابتة حازمة لا تقبل جدالا :-
” ستقبل يا عمار .. ستقبل إجبارا عنك .. من الآن فصاعدا الأمور ستسير كما أريد أنا وأنت بدورك ستتقبل هذا …”
هناك شيء ما تغير بها ..
ليس شيئا واحدا بل أشياء ..
كانت تبدو إمرأة أخرى ..
قد يبدو الشكل نفسه لكن الروح مختلفة ..
ونظرة العين تنبأ بشيء ما قادم .. شيء لا يمكن أن يستهين به .. هو أذكى من أن يستهين به ..
بدأت اللعبة إذا وعليه أن يشرع كافة أسلحته ضدها …
التوى فمه بإبتسامة جانبية وهو يقول :-
” ثقتك الكبيرة مثيرة للإعجاب حقا ..”
شملها كاملا بنظراته متأملًا فستانها الأسود الأنيق والذي يصل الى منتصف ساقيها ذو أكمام مربعة تغطي النصف العلوي من ذراعيها وترتدي من الأسفل حذاء أنيق للغاية لونه مائل للكريمي ذو كعب عالي رفيع بينما قلادة طويلة قليلا ناعمة من نفس اللون الكريمي تزين رقبتها …
شعرها الأشقر مصففا بعناية وملامحها الجذابة تضع عليها القليل من مستحضرات التجميل …
بدت طلتها مميزة تجمع بين الرقي والجاذبية …
هتف أخيرا وهو ينتهي من تفحصها :-
” بل إن كل شيء فيكِ يثير الإعجاب ..”
تنهدت مرددة بعدم مبالاة :-
” سنسافر سويا الى روما .. ”
سألها بهدوء :-
” ما سبب ما تفعلينه ..؟! تراجعك عن الطلاق ورغبتك في السفر معي ..؟! ”
أضاف بنبرة ماكرة :-
” هل هي محاولة منك لإثارة غيرته .. ؟!”
رمقته بنظرات باردة ثم ردت :-
” شيء لا يخصك .. انا حرة فيما أفعله .. والتراجع عن دعوة الطلاق يصب في صالحك أيضا على ما أظن …”
” كما تريدين .. انا فقط أتمنى حقا ألا يكون تصرفك هذا بدافع إثارة غيرته لإنني بصراحك أحزن كثيرا وأنا أراك لا تهتمين بشيء سواه ولا يشغل بالك غيره ..”
كزت على أسنانها قبل أن تخبره بقوة :-
” لا تتدخل فيما لا يعنيك .. أخبرتك مسبقا إن هذا الأمر برمته لا يخصك ..”
” ألستِ زوجي ويحق لي الإهتمام بك وتنبيهك عندما تحاولين إيذاء نفسك ..”
قالها بعبث لترميه بنظرات كارهة قبل أن تطلق تنهيدة مسموعة ثم تقول :-
” اريد عنوان منزل والدي الثاني …”
أضافت قبل أن يتحدث هو :-
” أنا متأكدة إنك تعلم عنوان منزله … أريده من فضلك .. ”
تأملها قليلا ثم اتجه نحو مكتبه يحمل هاتفه يبحث عن عنوان المنزل فيه حيث حفظه في هاتفه ..
عاد نحوه ورفع شاشة الهاتف أمامه لتسحبه بسرعة تقرأ العنوان تحفظه عن ظهر قلب ..
أعادت له الهاتف وهمت بالتحرك خارجا عندما فوجئت به يهتف بها :-
” حاولي ضبط أعصابك يا ليلى …لا تتصرفي بتطرف ولا تسمحي لإنفعالك أن يسيطر عليك .. كوني أقوى منها وتصرفي بطريقة تحافظين من خلالها على مكانتك ومكانة والدتك .. حاولي التصرف بطريقة ذكية بلا تهور قد يقلل منك أمامها .. ”
رمقته بنظرات متعجبة مما يقوله ليبتسم بخفة وهو يقول :-
” لا تستغربي حديثي .. تذكري إنني مررت بوضع مشابه لوضعك بل عايشته لسنوات .. أعلم مقدار صعوبة ما تشعرينه مثلما أعلم مقدار خوفك من تلك المواجهة .. فقط تحلى بالقوة والشجاعة الكافية فالمواجهة ليست سهلة ابدا ..”
إبتلعت ريقها بضعف أخفته بقوة ثم سارعت تخرج من المكان تاركة إياه يتابعها وهناك شعور ضئيل من الشفقة تكون داخله نحوها سرعان ما قتله في مهده وهو يهز رأسه بخفة مقررا العودة الى عمله ..
…………………………………………………………….
أمام الفيلا الخاصة بزوجة والدتها وقفت ليلى تتأمل الفيلا من داخل سيارتها ..
تتطلع الى الفيلا من الخارج متأملة فخامتها وهي التي تقع في إحدى أرقى مناطق البلاد لكن على الطرف الآخر من العاصمة مما يجعل المسافة بين الفيلا خاصتهم وهذه بعيدة للغاية ..
أغمضت عينيها للحظات قبل أن تفتحها وتحسم أمرها حيث فتحت باب السيارة وهبطت منها متقدمة الى الداخل ليسمح الحارس لها بالدخول بعدما أخبرته إنها تريد رؤية الهانم صاحبة الفيلا ..
دلفت الى الداخل تتأمل الحديقة الواسعة حيث بدت الفيلا توازي الفيلا خاصتهم من ناحية الفخامة والرقي لكن يبدو إنها أصغر حجما من خاصتهم ..
فتحت الخادمة لها الباب لتلج الى الداخل حيث تقدمت خلفها نحو صالة الجلوس لتتأمل ذلك الصبي الصغير وهو يركض نحو الخادمة يطلب منها شيئا ما لم تنتبه عن ماهيته وهي تتأمله بشعره الأشقر وعيناه الزرقاوان وقد بدا شبيها بوالدها بل بمريم أيضا التي لطالما شبهها الجميع بوالدها ..
إبتلعت غصتها داخل حلقها وهي ترى الطفل يتأملها بنظرات متسائلة قبل ان يذهب مع الخادمة لتشعر بالغضب يملؤها في تلك اللحظة وفكرة إن هذا الطفل الصغير أخيها بدت غير مقبولة بالنسبة لها ..
” مساء الخير ..”
سمعت صوت أنثوي يقتحم المكان لتلتفت بسرعة نحوها فتتجمد مكانها للحظات تستوعب ما تراه …
تلك المرآة تعرفها جيدا .. كيف لا وهي ابنة خال أبيها التي دوما ما كانت تراها في المناسبات بل وتزور منزلهم دائما مع أفراد عائلة والدها عندما تدعوهم والدتها في أغلب المناسبات الخاصة بهم ..
تلك المرأة التي كانت تبدو لطيفة للغاية بل إن والدتها تمدحها دائما وتخبرها إنها طيبة بل والأسوأ كانت تتعاطف معها بعد طلاقها مرتين …
” أنتِ ..؟!”
قالتها ليلى بعدم تصديق بينما تغضن جبين المرأة للحظات قبل أن تحاول رسم إبتسامة على وجهها مرحبة بإبنة زوجها الكبرى :-
” اهلا ليلى .. كيف حالك ..؟!”
لكن ليلى هتفت بعدم تصديق :-
” انت هي زوجته .. ”
هزت رأسها وهي تجيب بهدوء :-
” نعم انا زوجته وأم طفله …”
” لا أصدق .. لأي درجة أنتِ حقيرة ووضيعة .. ؟!”
قالتها ليلى بملامح مشمئزة لتصيح بها الأخرى :-
” لا أسمح لك .. لا تتجاوزي حدودك معي يا ليلى .. انا زوجة والدك وأم أخيك .. لا تنسي هذا …”
ضحكت ليلى بسخرية ثم قالت :-
” وتملكين الجرأة لتتحدثي أيضا …”
” لم أرتكب ذنبا لأخجل ..”
توقفت عن حديثها وهي تستمع الى رنين جرس الباب يتبعه دخول والدها الذي يبدو إن هناك من أخبركم بقدومها ..
وقف والدها في المنتصف ينقل بصره بين الاثنتين لتبدأ ليلى الحديث تشير إليها بقوة لا تخلو من السخرية :-
” هذه يا بابا .. هذه من تزوجتها على أمي .. هذه من إخترتها زوجة لك وأم لطفلك … ”
ضحكت تضيف :-
” أليست هذه ابنة خالك المسكينة …؟! البريئة التي تطلقت مرتين دون ذنب ..؟! ابنة خالك التي كانت تأتي لمنزلها وتستقبلها والدتي أفضل إستقبال ..؟؟ كيف إستطعت فعلها يا بابا ..؟! كيف تزوجت بها ..؟!”
هتفت زوجة والدها بقوة :-
” اسمعيني جيدا .. والدك لم يفعل شيئا خطئا .. هو من حقه أن يحصل على الصبي الذي يريده ..”
هتفت ليلى بجدية :-
” من الجيد إنك تعلمين جيدا إن زواجه منك بدافع الحصول على صبي ليس إلا … إذا أنت تدركين إنك مجرد وعاء يحمل الصبي الذي يريده لا أكثر .. ”
” انا لا أسمح لك .. على الأقل أفضل من والدتك التي عجزت أن تمنحه صبيا واحدا حتى ..”
” سهام اصمتي … ”
قالها والدها بنبرة حازمة لكن ليلى أوقفته بإشارة من يدها وقالت :-
” دقيقة من فضلك يا بابا .. تلك التي عجزت عن منحه صبيا واحدا لو قطعت نفسك إربا إربا ولو أصبحت خادمة أسفل قدميه لن تصلي الى مكانتها … تلك التي تسخرين منها هي زوجته الاولى وحبيبته وأم ابنتيه .. تلك التي تتحدثين عنها بهذا الشكل كونت عائلة ناجحة لسنوات وكانت نعم الزوجة التي يفتخر بها زوجها دائما وأبدا بينما كنت تنتقلين أنت من زيجة فاشلة لأخرى فأصبحت تبحثين عن أي رجل يقبل بمطلقة مثلك لكنك لم تجدي أم تظنين إني لا أعرف تاريخك الأسود في محاولاتك للحصول على زوج يقبل بك .. تلك التي تتحدثين عنها هي الزوجة الاولى والوحيدة أمام الجميع .. أما انت فكما قلت منذ لحظات .. انت مجرد وعاء لا اكثر .. ولو كان والدي يحترمك حقا لما تزوجك وأنجب منك سرا دون أن يتجرأ ويخبر والدتي بالحقيقة لإنه يعلم جيدا إنها لن تبقى على ذمته لحظة واحدة وهو بدوره لا يتحمل خسارتها .. لإن والدتي لا تقبل برجل تشاركها به أخرى مثلك انت يا هانم … والدي يحبها لدرجة اختار أن تعيشان انت وابنك الذي تتباهين فيه في الظلام فقط كي لا يخسرها .. ”
تأملت ليلى ملامح زوجة أبيها التي تشنجت تماما لتسمعها تقول بثقة :-
” عماتك يعلمن بزواجنا … ”
وبالرغم من ألمها مما سمعته إلا إنها لم تظهر ذلك خاصة وهي كانت تتوقع معرفة عماتها بالأمر لذا إبتسمت ببرود وقالت :-
” أعلم .. ولكن ماذا عن البقية ..؟! بقية أفراد العائلة ..؟! الأصدقاء ..؟! العامة …؟! لا أحد يعلم سوى عماتي وبالتأكيد أخوانك … لكن أمام الجميع وفي مجتمعنا والدتي هي الزوجة الوحيدة … ”
” ليلى من فضلك ..”
قالها والدها برجاء لترمقه بنظرات كارهة جعلت قلبه ينتفض بين أضلعه من نظرات لأول مرة يراها من ابنته الكبرى بينما أكملت ليلى بقوة وثبات :-
” اقسم لك يا سهام إنك لن تهنئي لحظة واحدة في حياتك بعد الآن .. ”
أشارت الى والدها تصيف عن قصد :-
” هذا الرجل والدي وسيظل والدي وإن كنت تظنين بإنجابك الصبي ستأخذينه منا فأنت مخطئة .. هو والدي وانا وأختي لن نتنازل عن حقنا فيه مهما حدث اما حق والدتي فسوف أسترده منك عاجلا ليس آجلا ..”
” أم ولديه ..”
قالتها سهام بقوة وشموخ مستفز لتهتف ليلى بعدم فهم :-
” عفوا ..؟!”
فترى سهام وهي تضع كفها على بطنها التي انتبهت لأول مرة على إنتفاخها الضئيل :-
” انا حامل مجددا .. الطبيبة أخبرتني إنه صبي … ستحصلين على أخ ثاني قريبا يا ليلى .. ”
تجمدت ملامح ليلى بعدم تصديق لما تسمعه ..
هناك أخ ثاني سيأتي على الطريق …
زوجة والدها تحمل ذكرا آخرا ..
الوضع يتقدم نحو الأسوأ .. وماذا عن والدته ..؟! ما وضعها في كل هذا ..؟!
…………………………………………………………
نظرت حياة الى هاتفها بشرود بعدما إنتهت من مكالمتها مع نضال الذي اتصل بها يطلب رؤيتها للتحدث معها في أمر مهم جدا …
لم تفهم ما يريده منها وسبب إصراره على رؤيتها ووجدت نفسها حائرة بين القبول او الرفض وهو يطلب منها أن يلتقيها في أحد الأماكن العامة …
تنهدت بصمت وهي تتذكر قبولها عرضه وإتفاقها على مقابلته في مطعم اختارته بنفسها مضطرة لذلك بسبب شعورها بالخجل من أن ترفض طلبه لكنها الآن تشعر بالندم على القبول فهي لا تحبذ مقابلته لوحديهما دون علم نديم الذي رغم ما حدث بينهما تشعر بضرورة إخباره …
أساسا خروجهما سويا البارحة وذهابهما الى البحر كان تصرفا خاطئا أنبت نفسها عليه كثيرا لكنها بالفعل كانت منهارة لدرجة لم تنتبه لما تفعله ..
زفرت أنفاسها بضيق مفكرة فيما ستفعله وكيف ستتصرف ..
فكرت ولمعت فكرة في ذهنها سارعت لتنفيذها …
بعد حوالي ساعة دلفت حياة مع حنين الى المطعم حيث ينتظرها نضال والدي تعجب عندما رأى أخته مع حياة فهتفت حياة بسرعة بعدما ألقت التحية :-
“‘جلبت حنين معي لإننا متفقين منذ البارحة أن نذهب مساء اليوم الى المول القريب من هنا للتسوق ..”
هز نضال رأسه رغم إدراكه إنها تقصدت جلب حنين معها لعدم رغبتها برؤيته لوحدها ورغم ضيقه من وجود حنين لكن إعجابه بها وبتصرفها زاد كثيرا ..
جلستا الفتاتان أمامه عندما أشار للنادل حيث دون الأخير طلباتهما …
هتفت حياة تسأله :-
” إذا ما هو الشيء الذي أردت رؤيتي لأجله ..؟!”
ابتسم بهدوء ثم قال :-
” هناك عرض رائع يقدمه سامر صديقي لك ..”
عقدت حياة حاجبيها بتعجب بينما حنين تراقب ما يحدث بعدم رضا ..
هتف نضال بجدية يشرح لها مقصده :-
” سامر ليس مجرد مديرا للشركة فقط .. هو أيضا أحد المسؤولين الأساسيين في قسم البعثات في وزارة التعليم .. عندما رأى درجاتك وتفوقك بل وتحدث معك ورأى كم تتمتعين بثقة واضحة وذكاء أدركه بفطنته وجد بك المؤهلات المناسبة لإرسالك في بعثة الى الخارج ..”
” بعثة الى الخارج ..؟!”
هتفت بها حياة بعدم تصديق ليومأ نضال برأسه وهو يبتسم بهدوء بينما سألت حنين بجدية :-
” أين يعني ..؟! في أي بلد ..؟!”
أجاب نضال بجدية :-
” كندا … هناك حيث ستكمل سنتها الأخيرة في إحدى أعرق الجامعات على حساب الدولة وبعدها يمكنها أن تقدم على الدراسات العليا .. ”
صمتت حياة وقد سكنت ملامحها تماما بينما تأملت حنين أخيها بقلق مرددة بصوت غير مسموع :-
” كندا .. البلد الذي تسكن فيه أنت يا نضال .. هل هذه مجرد صدفة .. ؟!”
هتفت حنين أخيرا بنبرة ذات مغزى :-
” غريب سامر هذا .. من مقابلة واحدة قرر أن يرسلها في بعثة كهذه لا يحصل عليها سوى القليل جدا جدا ..”
هتف نضال بجدية وعيناه تتأملان حياة الساهمة :-
” أين الغريب في ذلك يا حنين ..؟! هو وجدها تستحق .. ”
هتف بعدها مشيرا الى حياة التي إنتبهت إلى ما يقوله :-
” إنها فرصة لا تقدر بثمن .. فرصة لن تأتيك سوى مرة واحدة يا حياة … هناك في كندا ستجدين كل ما هو أفضل … أنت بالطبع تدركين مدى التطور هناك … ”
صمتت حياة ولم تعرف ماذا تقول ..
ما يقوله نضال لم تتوقع أن يحدث في أبعد أحلامها ..
بعثة الى كندا هي حلم يتمناه الأغلبية ..
هناك حيث سيكون مستقبلها مضمون بل حياتها بالكامل مضمونة ..
هناك حيث ستثبت نفسها وتتألق في مجال دراستها وربما تصل الى مراتب عالية تعلم جيدا مدى صعوبة نيلها في بلادها المتأخرة علميا بمراحل عن كندا …
هل تفعلها وتوافق ..؟! هل تترك كل شيء خلفها وتسافر هناك حيث بداية جديدة ومختلفة كما قال نضال ..؟! وماذا عن نديم ..؟! هل ستتركه هو الآخر ..؟!
ابتسمت بسخرية مريرة وهي تهمس لنفسها بألم :-
” تتحدثين وكأن تركك له سيؤثر به لهذه الدرجة .. أفيقي يا حياة .. انت مجرد دواء … دواء يوجد له مئة بديل .. دواء لجروحه التي تسببت بها أخرى .. أخرى هي من قتله تركها له وليست ترككِ أنتِ له من سيفعل ..!!”
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية حبيسة قلبه المظلم)