روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الحادي والعشرون

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الحادي والعشرون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الحادية والعشرون

 

دلفت الى غرفتها بملامح جامدة ورغبة عارمة في البكاء تسيطر عليها ..
ألقت حقيبتها على السرير بقوة ثم جلست بدورها على السرير واضعة رأسها بين كفيها تضغط على عينيها بقوة كي لا تبكي …
تشعر بألم شديد وكأنه لا يكفيها ما مرت به حتى الآن ليأتي والدها ويعزز من آلامها بفعلته هذه ..
رفعت وجهها عاليا تكتم شهقاتها لكنها لم تستطع فهطلت دموعا بغزارة فوق وجنتيها وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة لتتحرر من سجنها ..
لا تعرف على من تبكي بالضبط ..؟! على والدتها وصدمتها بعدما تدرك زواج والدها بل وإنجابه بدل الصبي إثنين ..؟! أم عليها هي وأختها التي لن تتحمل صدمة كهذه في والدها ..؟!
لا تعرف حتى اذا ما كان عليها أن تشعر بالحزن على ما يحدث أم الخوف مما ينتظرهم جميعا …
الخوف على والدتها وما سيحدث بها عندما تعلم أم
الخوف من ردة فعل مريم المتطرفة والتي تدرك جيدا إن تصرفها سيكون مجنونا حادا لا يرحم ..
كيف ستجد حلا في كل هذا بل الأسوء كيف ستتصرف في أمور عليها الإنتباه لها جيدا ..؟! أمور تخص مستقبلها هي ومريم بعد وجود صبيين سيغيران مجرى حياتهما تماما …
كم تمنت لو بإمكانها أن تتحدث مع مريم .. أن تخبرها الحقيقة وتتشاركان حزنهما وهمومهما سويا … أن تتفقان على ما سيفعلانه وكيف سيواجهان تصرف والدها …
لكنها تخشى من ردة فعل أختها وما سيؤول على ردة فعلها لذا هي مضطرة لكتم السر داخلها والبحث عن حلول بمفردها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ..
نهضت من مكانها تكفكف دموعها بقوة ثم تسير داخل غرفتها ذهابا وإيابا بتفكير لا ينتهي …
ظلت على هذه الحال لمدة طويلة .. تفكر وتفكر وبعض الحلول بدأت بالبزوغ أمامها ..
حسمت أمرها أخيرا وحملت هاتفها تجري اتصالا مختصرا مع المحامي والذي رحب بها بحرارة فهو دوما ما إعتبرها بمثابة ابنة له حيث يعرفها منذ أن كانت طفلة صغيرة فهو يعمل مع والدها والمسؤول عن شؤون عمله القانونية منذ أكثر من عشرين عام ..
” عمي سالم لدي طلب بسيط منك وأريده أن يبقى سرا بيننا ..”
جاءها صوت سالم المرحب كعادته :-
” بالطبع يا ابنتي .. أخبريني ماذا تريدين ..”
صمتت قليلا ثم قالت :-
” أريد حصرا شاملا لأملاك والدي .. أريد معرفة جميع ما يمتلكه دون أن تنسى أي شيء مهما كان بسيطا .. ”
جاء صوت المحامي المتردد :-
” حسنا هذا أمر بسيط ولكن..؟!”
صمت قليلا ثم سأل :-
” هل هناك مشكلة ما ..؟!”
أطلقت تنهيدة متعبة قبل أن تجيب بجدية :-
” سأخبرك بكل شيء يا عمي عندما نلتقي في مكتبك بعدما تحصر كافة أملاكه .. لكن ارجوك لا تخبر أبي .. من فضلك يا عمي .. انا أثق بك كثيرا ولهذا سأخبرك بكل شيء لكن ليس الآن … سأفعل ذلك عندما نلتقي في مكتبك ان شاءالله ..”
جاءها صوت المحامي الحاسم :-
” يومان والثالث تجدين ما تطلبينه جاهزا لك .. سأنتظرك يوم الأربعاء التاسعة صباحا في مكتبي ..”
ردت بإمتنان :-
” أشكرك عمي .. أشكرك كثيرا ..”
أغلقت الهاتف وهي تتنهد بقليل من الراحة قبل أن تحمله مجددا وتجري اتصالا هذه المرة مع عمار الذي أجابها بصوت لا يخلو من الدهشة :-
” نعم ، ماذا تريدين .. ؟!”
أجابته بهدوء حازم :-
” سنلتقي بعد ساعة في الشركة عندك … ”
سمعته يهتف بصوت هازئ :-
” كأنك تأمرينني ..؟!”
ردت بفتور :-
” لدي موضوع هام معك .. أعلم إن موعد إغلاق الشركة بعد ساعة لكن انتظرني من فضلك فأنا يجب أن أتحدث معك بأمر هام للغاية .. ”
” حسنا .. سأنتظرك ..”
قالها عمار بجدية لتغلق الهاتف في وجهه ثم تسارع وتتجه نحو الحمام تأخذ دوشا سريعا شعرت إنها تحتاجه بقوة ..
خرجت بعد مدة ترتدي روب الإستحمام خاصتها لتسحب من الخزانة ملابس خروج مكونة من بنطال جينز متوسط الطول وتيشرت أخضر اللون سارعت ترتديهما قبل أن تجفف شعرها بسرعة وتسرحه سريعا..
تركت شعرها حرا وحملت حقيبتها سريعا بما تحتويه وخرجت تركض خارج المنزل على عجلة كي تلحق بالموعد المحدد وهي تخشى أن تتأخر عن موعدها فيغادر عمار الشركة كتصرف متوقع منه ..
وصلت الى الشركة أخيرا لتجدها خالية من جميع الموظفين فتوجهت نحو مكتب عمار الذي يبدو إنه سمح لسكرتيرته بالمغادرة أيضا ..
دلفت الى الداخل بسرعة لتجده ينظر في هاتفه بإهتمام قبل أن يرفع وجهه نحوها فيهتف بتجهم :-
” متأخرة اثنا عشر دقيقة عن موعدك .. ”
تقدمت نحوه بإباء ثم جلست أمامه واضعة قدما فوق الأخرى لتهتف بجدية :-
” أريد التحدث معك بشأن الشيكات الموجوده عندك والتي تحمل توقيع والدي .. كم ثمن تلك الشيكات …؟! ”
رد بنفس الجدية :-
” سبعة ملايين دولار ….”
أضاف يتأمل ملامحها التي بهتت لحظة :-
” ثروة كاملة .. لا تستغربي كثيرا فوالدك خسر أكثر من صفقة في السنوات الأخيرة ..”
” سأطلب منك شيئا ..”
قالتها فجأة ليرفع حاجبه قائلا :-
” ماذا تريدين ..؟!”
ردت بنبرتها الهادئة والقوية في آن واحد :-
” أخبره إن الشيكات باتت ملكا لك .. وأعطيه مهلة ثلاث شهور لأجل التسديد وإلا ستبلغ الشرطة عنه ..”
التوى فمه بإبتسامة قائلا :-
” هل تنتقمين من والدك ..؟!”
ردت بصرامة :-
” ليس إنتقاما بالمعنى الحرفي .. هناك شيء ما أسعى إليه وتصرفك هذا سيكون البداية ….”
” ولماذا سأنفذ كلامك ..؟! مالذي يجعلني أساعدك فيما تسعين إليه .،؟!”
سألته بتهكم مقصود :-
” هل تنوي أن تبقي الشيكات معك للأبد .. ؟!”
أضافت بلهجة قوية :-
” بكل الأحوال أنت تركتها عندك لغاية في نفسك .. لا تنسى إنك اتفقت معي إن الشيكات مقابل تأجيل الطلاق ..”
رد بقوة :-
” لم أقصد أن أتنازل عنها يا ليلى .. بالطبع لن أتنازل عن سبع ملايين دولار .. وقتها قصدي كان أن أمنح والدك الوقت المناسب للتسديد وفي المقابل سأسجنه دون تردد إذا أصريت على الطلاق …”
هتفت ببرود :-
” الأمر لا يفرق كثيرا .. الطلاق مؤجل حتى تقرر انت .. وما أريده منك لن يؤثر عليك ولا على حقك بالشيكات ابدا .. فقط أخبره إنك أصبحت تملك الحق في هذه الشيكات وهدده .. لا أريد شيئا ..”
” من حقي أن أفهم ما تنوين عليه …”
قالها بجمود لتهتف بضيق :-
” ليس من حقك .. هذا أمر عائلي بحت لا يخصك .. ”
” هل فكرت جديا بكيفية تسديد الشيكات ..؟!”
قالها فجأة لتصمت دون رد فيبتسم بسخرية ثم يقول :-
” والدك سيسجن بكل الأحوال اذا لم يسدد الشيكات .. ”
صمت قليلا ثم قال :-
” لكنني لن أفعلها .. على الاقل حاليا … ”
” أنت تخطط لشيء ما ..إحتفاظك بهذه الشيكات طوال المدة السابقة لغرض ما تخفيه داخلك ..”
ابتسم معجبا بذكائها فهي إلتقطت طرف الخيط ليقول بمكر يليق به :-
” ما رأيك أن أساعدك ..؟! أساعدك فيما تخططين له بل يمكنني حتى أن أساعدك في الإنتقام من والدك وزوجته … أتفهم إنك تخططين للحفاظ على أملاك والدك لكِ ولأختك وأنا بإمكاني أن أساعدك كثيرا بل بوجودي سيسهل عليك كل شيء ..”
” والمقابل ..؟!”
سألته بصوت متأهب ليجيب بجدية :-
” المقابل اتركيه للوقت المناسب … المهم إنني سأساعدك كثيرا بل لدي طرقي في تنفيذ ما يجول داخلك وبكل سهولة .. فقط ضعي يدك في يدي وحتى أمر الشيكات سنصل لحل مشترك قد يخفف عليكِ عبء تسديد المبلغ بل ربما سأتنازل عن المبلغ كله إذا حصلت على ما أريده ..”
انتفضت من مكانها تهتف بقوة و حدة :-
” لن أضع يدي في يد مجرم مثلك يا عمار .. لقد جئت لسبب محدد .. قمت به خيرا على خير .. رفضت القيام به فأنت حر .. ”
” لا تتغابي يا ليلى .. لا يوجد شخص يمكنه مساعدتك مثلي .. فكري جيدا .. راجعي نفسك ومتى ما قبلتي ستجدينني جاهزا لفتح صفحة جديدة معك ..”
رمقته بنفور مرددة :-
” صفحة جديدة معك انت ..؟! يا له من جنون .. هذا لن يحدث سوى في احلامك ..”
حملت حقيبتها وانطلقت خارج المكان ليتابعها بأنظاره حتى اختفت وإبتسامة خبيثة تعلو على شفتيه بينما يردد :-
” سنرى يا ليلى … مهما إمتنعتِ مصيرك تعودين إلي وتطلبين مساعدتي وحينها سأنال ما أريده بكل سهولة ..

 

 

في صباح اليوم التالي ..
لم تنم طوال الليل سوى سويعات قليلة فعقلها لا يزال يفكر منذ البارحة بعرض نضال والذي جاء في وقت غير مناسب اطلاقا فهي مشتتة بما فيه الكفاية ولا ينقصها أن يأتي شيئا كهذا ليضاعف حيرتها وتشتتها ..
كانت تجلس بنصف جلسة على سريرها تنظر الى السقف بتفكير .. تفكر في وضعها مع نديم الذي لم يتصل بها منذ يومين بشكل أثار تعجبها وهو الذي اتصل بها مرارا ليوم كامل بعد ما حدث بينهما في المطعم بل وإستمر في ارسال الرسائل لها لينقطع فجأة عنها بشكل مريب ..
تفكر من جهة أخرى بنضال وعرضه فتتذكر تلك الميزات التي أخبرها عنها والتي ستحصل عليها إذا ما وافقت على إكمال دراستها في كندا ..
لا تعرف لماذا هناك شعور داخلها غير مستساغ اتجاهه ..
تشعر به مريبا .. إهتمامه غريب ومريب جدا وهو الذي يتعامل ببرود مع والده وحنين بل ويتجاهل والدتها تماما فلماذا يهتم بها ويسعى لمساعدتها بل وتقديم عرض مهم لها كهذا لا يحصل عليه أيًا كان ..؟!
تذكرت صمت حنين الغريب وعدم تعليقها على عرضه حتى بعدما خرجتا من المطعم سويا بعدما أخبرت نضال إنها ستفكر في الأمر بجدية وستحتاج الى وقت لحسم قرارها لتتفاجئ بحنين تلتزم الصمت قبل أن تتحدث معها في مواضيع مختلفة متجاهلة هذا الموضوع مما جعلها هي الأخرى لا تتطرق إليه..
تنهدت بتعب من كل ما تعيشه وتمنت لو تعود أشهر قليلة الى الوراء حيث كل شيء كان بسيطا يسير على نحو هادئ وإن كان رتيب ..
نهضت من مكانها وقررت أن تتناول فطورها قبل أن تنظف المنزل ثم تتصل بمي تسألها عن أحوالها وآخر أخبارها فهي إنشغلت عنها في الفترة السابقة وتحديدا منذ مرض والدتها ..
جهزت فطورا بسيطا وتناولته سريعا ثم بدأت تنظف المنزل حيث انتهت من تنظيفه وترتيبه بعد حوالي ساعتين لتجري اتصالا مع مي إستمر لأكثر من نصف ساعة حيث تحدثتا عن الكثير من الأمور قبل أن تتفقا على اللقاء مساء الغد حيث فضلت حياة أن تخبرها عن أمر المنحة وتأخذ رأيها وجها لوجه ..
مرت ساعة أخرى قضتها في متابعة أحد الأفلام على التلفاز عندما رن هاتفها لتتفاجئ به يتصل بها أخيرا …
نظرت الى الهاتف بتردد قبل أن تحسم أمرها وتجيبه فتجاهله كما فعلت قبل يومين ليس حلا أبدا ..
شعرت بصوته يحمل القليل من الإرهاق وهو يسألها برتابة :-
” كيف حالك ..؟!”
ردت بخفوت :-
” بخير .. وانت ..؟!”
أجاب بجدية :-
” بخير … ”
أضاف بلهجة شعرت بها تحمل القليل من التهكم لكنها أنكرت ذلك :-
” يبدو إنك غضبك مني بدأ يخف أخيرا ..”
وقبل أن تجيب كان يتسائل بنبرة بدت لها غريبة :-
” ولكن كيف خف غضبك مني ..؟! هل الوقت ساعد في ذلك أم هناك من تسبب في تهدئة روحك الغاضبة ..؟!!”
سألته بدهشة :-
” ماذا تقصد ..؟!”
سمعته يتنهد بقوة قبل أن يهتف بجدية ::-
” أريد رؤيتك ولا ترفضي من فضلك ..”
ردت بحزم :-
” لن أرفض ..”
قال بسرعة :-
” اذا سنلتقي في المقهى القريب من الصيدلية التي تعملين بها ..”
” حسنا ..”
قالتها بهدوء قبل أن تغلق الهاتف وهي تنظر أمامها بتعجب من حديثه الذي بدا لها غير عفويا بالمرة ..
نهضت وكانها مقررة تبديل ملابسها والذهاب لرؤيته ..
وصلت الى المقهى بعد حوالي ساعة لتجده يجلس على احدى الطاولة المنعزلة يطرق على سطح الطاولة بإصابعه بحركة بدت لها تدل على توتره ..
تقدمت نحوه وجلست أمامه بعدما وضعت حقيبتها على الطاولة وهي تهتف :-
” مساء الخير .. ”
أجاب بجدية ::-
” مساء النور ..”
وجدته يتأملها بصمت للحظات قبل أن يقول :-
” هل ما زلت غاضبة مني ..؟!”
ردت بفتور :-
” ألا يحق لي ..؟!”
فوجئت به يخرج علبه سجائر من جيبه ثم يسحب احدى السيجارات ويشعلها ثم يبدأ في بتدخينها ..
” منذ متى وانت تدخن ..؟!”
رد بنبرة عادية :-
” منذ دخولي السجن .. أدخن على فترات متقطعة .. ”
هتفت بخفوت :-
” لا تفعل .. إنه ضار جدا ..”
منحها إبتسامة باهتة ورد بنبرة غريبة :-
” أنتِ تأمرين يا دكتورة ..”
عقدت حاجبيها تسأله :-
” ما هذه اللهجة .. ؟!”
سألها وهو ينفث دخان سيجارته :-
” ما بها لهجتي ..؟!”
” لهجتك غريبة بل أنت تبدو غريبا تماما يا نديم …”
قالتها بصدق ليطفئ سيجارته في المنفضة بعنف قبل أن يقول :-
” انا طبيعي للغاية ولا يوجد بي شيئا غريبا لكن يبدو إنك من بدأتِ تنتبهين الى أشياء لم تكن واضحة أمامك مسبقا ..”
سألته بصوت متحشرج :-
” ماذا تقصد ..؟!”
رد بجدية :-
” هل تذكرين حديثنا يوم قررت قطع علاقتي بك يا حياة ..؟! ذلك الحديث الذي جمعنا أمام باب المطعم حيث أخبرتك بوضوح إنني لست كما ترين .. إنني مختلف تماما عن الشخصية التي تتخيلنني عليها او ربما تتمنين أن تجديني عليها …. أخبرتك ما فعله السجن بي وما أصبحت عليه .. أخبرتك إنك ستتعبين وتعانين و الكثير .. الكثير يا حياة … لكنكِ لم تأبهِ بل تمسكتِ به … تمسكت بقوة منحتني الأمل مجددا بل جعلتني أشعر إنني وجدت فيكِ إمرأة حياتي .. المرأة التي ستضيء حياتي البائسة بنورها ..”
شحبت ملامحها وهي تسأله بصوت يحمل بين طياته بحة باكية :-
” لماذا تخبرني بهذا ..؟! مالذي تقصده من حديثك يا نديم ..؟! هل تقصد إنني لم أكن على قدر توقعاتك ..؟!”
” نعم ..”
قالها بقوة ونبرة حادة لتتجمد ملامحها تماما بينما أكمل هو بملامح متحفزة ونبرة قوية :-
” نعم يا حياة … هل تعلمين لماذا ..؟!”
منحته نظرة متسائلة بعينيها الدامعتين ليسترسل بنبرة جافة :-
” لإنك هربت من أول مطب … خاصمتني من أول خطأ غير مقصود .. فقط لإنني تفوهت بجملة جرحتك بها دون أن أنتبه لتقرري معاقبتي بل تجاهلي تماما .. منعتني حتى عن حقي بالتبرير والإعتذار .. اخترت التجاهل والهروب ونسيت إنني حذرتك مرارا مني ومن ظلامي … جملة بسيطة غير مقصودة كانت كافية لردم ما بنيته من آمال عليك … تصرفك يا حياة جعلني أدرك إنك لن تتحملي وضعي ولن تستوعبي مقدار الآلم داخلي … لن تستوعبي ما مررت به ولا تجربتي وما تركته من آثر داخلي لن يزول حتى آخر العمل .. ”
أضاف بلهجة مريرة متأملا إياها وهي تمسح عينيها بأطراف أناملها :-
” المشكلة إنني وثقت بك … ظننت إنني سأجد بك الملاذ الذي سيخفف من أعباء الماضي علي لأتفاجئ بتصرفك هذا في أول مشكلة حقيقية واجهتنا والأسوء إنني لا أجد المشكلة بهذا الحجم الكبير لتستحق ما فعلتيه .. لقد خذلتني الحياة يوما يا حياة وعندما ظننت إنني وجدت بك العوض خذلتني بدورك …”
أنهى كلماته ليتأمل ملامحها التي إحتقنت تماما وهو يدرك جيدا إنها تريد البكاء الآن أكثر من أي شيء

 

 

 

كانت تجلس على مكتبها وهي تحرك قلمها بحركة رتيبة على احدى الورقات البيضاء ..
تتذكر حديثها مع أخيها ورفضه القاطع لعلاقتها مع فراس ورغم إنها هي الأخرى كانت تنوي قطع أي تواصل لها معه لكن رفض نديم بذلك التعنت آلمها بشكل أزعجها ..
أطلقت تنهيدة قصيرة وهي تتأمل حقيبتها حيث يوجد الطقم الذي أهداه لها داخلها ..
لقد تواصلت معه من خلال رسالة قصيرة تخبره بضرورة مقابلته ظهر اليوم في نفس المطعم الذي تقابلا به قبل أيام قليلة وهاهي تنظر الى عقارب الساعة بشرود تنتظر حلول الوقت المنتظر لمغادرة الشركة والذهاب لرؤيته ..
جاء الوقت المنتظر أخيرا لتحمل حقيبتها وتسارع في الخروج من الشركة حيث ركبت سيارتها متجهة الى المطعم الذي سيلتقيان به ..
ركنت سيارتها في كراج المطعم ودلفت الى هناك لتجده يجلس على احدى الطاولات فشعرت قلبها يخفق فجأة بشكل غريب ..
تقدمت نحوه بخطوات مترددة ليشعر بقدومها فيرفع وجهه نحوها ويمنحها إبتسامة مرحبة أبرزت وسامته الرجولية المميزة ..
لم تستطع أن تبتسم فإكتفت بتحية باردة وهي تجلس أمامه …
اختفت إبتسامته تماما وهو يلاحظ جمودها الذي عادت إليه معه بعدما ظن إن تعارفهما المرة السابقة سيجعل علاقتهما تتطور تدريجيا ..
تابعها وهي تفتح حقيبتها وتخرج منه علبة عرفها جيدا ..
وضعت العلبة أمامه دون حديث ليرفع حاجبه متسائلا بدهشة :-
” ما معنى هذا الآن ..؟!”
هتفت بجدية :-
” هذه هديتك .. أعيدها لك فأنا لا يمكنني قبول هدية من شخص غريب لا أعرفه ..”
ألقى نظرة عابرة على العلبة ثم عاد ينظر إليها بعمق محاولا سبر أغوارها قبل أن يقول بصوت هادئ جاد :-
” ظننت إننا تعارفنا بعد الحديث المطول الذي جمعنا ذلك اليوم ..”
ردت ببرود مقصود :-
“ذلك مجرد حديث وانتهى .. واقعيا انت لا تمثل اي شيء في حياتي كي أقبل هدية منك وخاصة هدية ثمينة كهذه .. ”
” لكنك قبلتيها في البداية ..”
قالها بجدية لتجيب بثبات محاولة اخفاء حرجها :-
” كان تصرفا خاطئا مني وعندما راجعته أدركت إنه عليه تصحيحه .. ”
” لماذا لا تخبريني بصراحة عما يحدث .. ؟!”
ردت بجفاء :-
” أخبرتك .. لا يوجد اي قرابة بيننا تجعلني أقبل منك هذه الهدية ..”
ابتسم بهدوء قبل أن يقول بجدية لا تخلو من الجرئة :-
” كل هذا لإنني مطلق ولدي طفل ..”
اندهشت ملامحها من جرأته ليحافظ على إبتسامه وهو يكمل :-
” لا تنظري إلي هكذا .. كنت أدرك جيدا إن معرفتك لهذا الأمر ستغير مجرى الأمور ..”
تأملها بصمت وملامح جامدة فوجدته يسترسل بهدوء بعدما اختفت ابتسامه :-
” أتفهمك جيدا يا غالية ولا ألومك على أي تصرف او ردة فعل منك ..”
ابتسم بخفة وأضاف :-
” انت فتاة جميلة .. عزباء لم يسبق لك خوض تجربة الزواج .. من حقك أن تبحثي عن شريك حياة مثلك لم يسبق له الزواج بل ولديه طفل ايضا ..”
قررت غالية التحدث أخيرا فقالت بصوت جاد وصراحة مطلقة :-
” نعم ،ما تقوله صحيح .. هذا الأمر مرفوض بالنسبة لي .. ليس لي فقط بل لعائلتي أيضا ..”
أكملت بصوت هادئ لكن حازم :-
” علاقة كهذه لا تناسبني … ”
اومأ برأسه ثم قال بجدية :-
” ولكنني أريدك ..”
صمت متأملًا ملامحها المدهوشة ليضيف بثقة :-
” اريد الزواج منك يا غالية وانا أعلم جيدا إنني أكثر من يناسبك مثلما أعلم إن لا أحد في هذا الكون سيحبك ويهتم بك ويرعاكِ مثلي .. انا لست أنانيا كما تظنين .. انا فقط أدرك إنني سأعتني بك جيدا وسأحافظ عليكِ دائما وأبدًا .. صدقيني يا غالية .. ما ستجدينه معي ليس مضمونا أن تجديه مع آخر غيري حتى لو كان عازبا مثلك .. انا أحبك وأريدك … انت لا تدركين مكانتكِ عندي يا غالية .. أنتِ بالنسبة لي أغلى مما تتصورين … أغلى بكثير وانا أريد أن أكون الزوج الذي يسعدك ويحبك دائما وأبدا ..”
ابتلعت ريقها وقد سيطر التوتر على ملامحها وقد شعرت بكلماته تخترق قلبها تماما …

 

 

 

كلماته كانت تؤلمها بقوة وتمزق روحها دون رحمة ..
لا تصدق إنه يتحدث عنها هكذا ويرى إنها خذلته لهذه الدرجة …
إبتلعت غصتها داخل حلقها وحاولت التحكم بدموعها عندما قالت بصوت خرج متحشرجا :-
” أنت تظلمني كثيرا يا نديم ..”
أضافت بجدية :-
” تلك الجملة التي ترى إنها لا تستحق كل هذه الجلبة تخص أكثر موضوع حساس بالنسبة لي وانت تدرك ذلك .. ”
هتف بسرعة وغضب مكتوم :-
” ولماذا قلت تلك الجملة ..؟! هل تفوهت بها دون سبب ..؟! هل قلتها دون مناسبة ..؟! انا تحدثت بهذه الطريقة بسببك .. بسبب عنادك وتأجيلك لموضوع ترك منزل والدتك ..”
ردت تدافع عن نفسها :-
” أخبرتك إنني سأفعل .. سأغادر في أقرب وقت لكنك لم تنتظر فبدلا من أن تستوعب أسبابي قررت أن تقسو علي في حديثك ..”
أكملت وعيناها تذرفان دموع القهر :-
” كلامك جرحني يا نديم حتى لو كان بغير قصد وانا كل ما أردته هو الإنفراد بنفسي قليلا بعدها .. لم أرغب بالتواصل معك قبل أن أهدأ … أين اخطأت أخبرني ..؟! ألا يحق لي أن أنزعج منك ..؟! ألا يحق لي أن أعيش حزني قليلا بسببك ..؟! هل تجاهلي مكالماتك ليوم واحد أصبح تصرفا سيئا لدرجة الخذلان .. ؟!”
” كل شيء حدث بسبب إصرارك على عدم مغادرة منزل زوج والدتك .. عنادك هو من أغضبني يا حياة وانت ترفضين طلبي بتعنت غريب ..”
ردت بقوة :-
” لقد غادرته يا نديم .. غادرت منزل زوج والدتي منذ يومين .. غادرته لإنني كنت أنوي ذلك من الأساس … غادرته بعدما تشاجرت مع والدتي وتحدثت معها بطريقة قاسية فعدت بعلاقتي معها الى نقطة الصفر ..”
سيطر الجمود على ملامحه بعدما سمعه بينما أكملت هي بجدية :-
” هل ارتحت الآن ..؟! هل رضيت عني ..؟! لكن عليك أن تفهم إنني غادرت المنزل بسبب عدم شعوري بالراحة بعيدا عن منزل والدي وليس لأي سبب آخر ..”
سألها بسخرية :-
” هل من الصعب عليك أن تغادري لأجلي ..؟! هل يصعب عليك لهذه الدرجة تنفيذ شيء أردته منك ..؟”
أجابت بجدية :-
” عندما تطلب مني شيئا مقنعا سأسارع لتنفيذه … ”
” أخبرتك إن وجودك مع ذلك الشاب غير مقبول بالنسبة لي .. ألا ترين الأمر يستحق أن تنفذي طلبي ..؟
سألته بضيق :-
” انا لا أفهم سبب ضيقك لهذه الدرجة منه ..؟!”
” لإنه لا يعجبني … ”
قالها بجدية لتسأله بدهشة :-
” لماذا ..؟! مالذي فعله كي لا يعجبك ..؟!”
أجابها بضيق خفي :-
” لا أرتاح لوجوده أبدا ..”
” على العكس تماما .. أنا أرى إنه شاب محترم ..”
قاطعها بتهكم :-
” تعرفينه منذ يومين وقررتِ إنه شاب محترم وجيد وغيره .. ماذا بعد ..؟!”
سألته بتجهم :-
” ماذا تريد بالضبط ..؟!”
أجابها بحزم :-
” لا تتواصلي معه ..”
اعترضت بجدية :-
” لن أفعل .. هو لم يفعل شيئا يجعلني أقطع علاقتي به .. كما إن علاقتي به ليست عميقة الى هذا الحد .. ”
هتف بنفاذ صبر :-
” طالما هي كذلك ، لماذا ترفضين ما أطلبه منك ..؟!”
ردت بسخط :-
” لإن ما تطلبه غير مبرر ولا أجد سببا مقنعا له ..”
أشاح وجهه بضيق وأعصابه بلغت أوجها وهو يشعر بالحنق والغضب من ذلك الشاب الذي يرى في عينيه نظرات نحوها لا تعجبه إطلاقا ..
قالت حياة بهدوء وتروي :-
” نديم .. انا لا يجمعني به أي شيء .. أساسا لم أكن لأعرفه لولا إنه ابن زوج والدتي .. تعرفت عليه بفعل هذه القرابة وهو محترم حقا و ..”
توقفت عن حديثها وهي ترى عينيه المشتعلتين تنظران إليها بغضب شديد لتزم شفتيها بعبوس وهي مصرة داخلها على عدم تنفيذ ما يريده فالشاب لم يصدر منه أي تصرف سيء بل على العكس تماما يبدو لطيفا للغاية ويكفي إنه قدم لها فرصة العمل في أكبر شركات الأدوية في البلاد بل قدم لها عرض المنحة أيضا ..
وجدته يميل نحوها قليلا يهتف بصوت قوي متصلب :-
” لقد رأيتك معه ذلك اليوم … عندما هبطتِ من سيارته ولحقك هو .. رأيت نظراته يا حياة .. نظراته نحوك ليست عادية .. أنا لا أصدق إنك لم تلاحظي … أنت أذكى بكثير من ألا تلاحظي ما تحمله نظراتك نحوه ..”
سيطر الوجوم على ملامح وجهها لتهز رأسها نفيا محاولة الإنكار :-
” مستحيل … انت تفكر بشكل خاطئ .. ثانيا كيف ومتى رأيتني ..؟!”
ضحك مرددا بسخرية :-
” جئت لمنزل زوج والدتك لأجل التحدث معك ومصالحتك لأصل بنفس الوقت الذي وصلتما أنتما به فأتفاجئ بك تهبطين من سيارته بكل أريحية ثم يلحقك هو ويتحدث معك بشكل حميمي بل يبتسم لك بطريقة مليئة بالإهتمام والإعجاب فتبادلينه أنت إبتسامته تلك بأخرى خجول …”
” لهذا لم تحاول التواصل معي بعدها ..؟!”
سألته بعدم تصديق ليهز رأسه وهو يضيف :-
” غادرت المكان فورا وأنا بالكاد أسيطر على نفسي وأتجاهل غضبي مما رأيته …”
” نديم ارجوك .. نضال يدرك إننا بحكم المخطوبين ولا يمكن أن يفكر بي بهذه الطريقة ..”
صاح بصوت منفعل :-
” بل يفكر ..”
انتبه لصوته العالي فحاول التحكم بعلو صوته وهو يقول :-
” يفكر وكثيرا ايضا .. انا رجل مثله يا حياة .. انا أستطيع قراءة نظراته وحركاته معك .. لا تنسي ذلك … ”
ابتلعت ريقها بتوتر وشعرت بالتوجس من كلماته خاصة عندما تذكرت عرض المنحة الذي قدمه لها لتهمس بخفوت :-
” هل يعقل إن عرضه ذاك ليس بدافع الدعم والمساعدة كما ظننت ..”
سألها وقد سمع همسها :-
” تقصدين عرض العمل في شركة الأدوية ..”
تنحنت مقررة إخباره فهي قررت منذ البارحة أن تخبره بعرض المنحة فرغم كل شيء هو خطبها رسميا وهي وافقت ومن حقه ان يعلم بالعرض أيا كان قرارها بعده ..
غمغمت بصوت خافت مضطرب :-
” لقد عرض علي الحصول على منحة من الدولة للسفر الى كندا وإكمال دراستي هناك .. ”
توقفت عن إكمال حديثها وهي تلاحظ جمود نظراته بطريقة جعلتها تدرك إنها إختارت التوقيت الخطأ وإن صراحتها المعتادة لن تفيدها هذه المرة

تلك النيران المشتعلة داخل عينيه أنبأتها بردة فعل قاسية غير مستحبة قد تهدم كل شيء في لحظة تهور وهي التي باتت تدرك إن ردود أفعاله تبدو متطرفة أحيانا ..
سارعت تقبض على كف يده تمنحه نظرة خاصة وصوتها الهادئ يخترق مسامعه بحنو :-
” لا تغضب من فضلك … انا أخبرتك بهذا الأمر لإنك يجب أن تعلم ولإننا يجب أن نتحدث سويا ونتناقش بهدوء …”
بالكاد سيطر على إنفعاله المحتوم ولمسه يدها الناعمة مع دفء نبرتها منحه القليل من الهدوء الذي كان يحتاجه بقوة ..
أطلق تنهيدة عصبية واضحة قبل أن يردد بسخرية تحمل خلفها الكثير :-
” ماذا تتوقعين مني أن أقول ..؟! ماذا يجب أن يكون رأيي برأيك ..؟!”
أضاف وعيناه تلمعان بقوة :-
” لكن ما تقولينه يؤكد رأيي .. يؤكد وجهة نظري به … نضال هذا يخطط لشيء ما .. أنا واثق من هذا ..”
هتفت بصوت خافت لكنه مسموع :-
” في الحقيقة أنا أيضا بدأت أشك بتصرفاته .. إهتمامه غريب قليلا ..”
” بل غريب جدا ..”
قالها بتهكم لتنظر إليه بصمت دون حديث فيسألها :-
” أنت تدركين مدى أهمية عرضه هذا ، أليس كذلك ..؟!”
أومأت برأسها دون رد ليترسل بجدية :-
” وطالما إنك أخبرتني بالأمر فهذا يعني إنك لن ترفضي بل تدرسين العرض جيدا وربما توافقين ..”
قالت بتأني :-
” أنا أحاول أن أصل معك لقرار مناسب ..”
” معي أنا ..؟! هل تمزحين ..؟!”
قالها ساخرا لتسأله بحزن :-
” لماذا ..؟!”
رد بجدية :-
” الأمر لا يحتاج الى نقاش … ولا يحتاج الى تدخلي لإنه قرار يخصك وحدك … ”
” ولكننا سويا ..”
قالتها بتردد ليهتف بجمود :-
” من المفترض إننا كذلك ولكن بعد الآن قرارك سيحدد اذا ما سنبقى سويا أم لا ..”
” أنت تقصد ..؟!”
قاطعها بقوة :-
” الأمر لا يحتاج الى تفسير .. سفرك الى الخارج سيكون عائقا في وجه إرتباطنا .. ”
أضاف بلهجة أكثر هدوئا :-
” انا لن أجبرك على البقاء معي .. لست أنانيا لأقف في طريقك .. سأترك الخيار لك .. ”
” أنت تخيرني بينك وبين السفر إذا ..؟!”
سألته بإضطراب ليومأ برأسه وهو يقول بجدية :-
” بالطبع .. سفرك يعني إنهاء كل شيء بيننا .. كما أخبرتك منذ لحظات .. أنت يحق لك التفكير في مستقبلك وتفضيله على أي شيء وانا في المقابل يحق لي أيضا أن أقرر إنهاء كل شيء في حالة سفرك لإن علاقتنا حينها وكل طرف منا في بلد مختلف لا معنى لها ..”
هزت رأسها متفهمة تردد بخفوت :-
” معك حق ..”
تلاقت أعينهما بنظرات طويلة قبل أن يشيح نديم وجهه بعيدا وشعور مليء بالخيبة سيطر عليه فهو يبدو إنه فقدها بشكل أسرع مما يتصور ..
…………………………………………………………
كانت تقود سيارتها بملامح لا تخلو من الإنفعال وهي تتذكر كلماته بل ثقته بكونها ستتعاون معه ..
الحقير يظن إنها من الممكن أن تتفق مع مجرم مثله …
رنين هاتفها أيقظها من أفكارها العصيبة فجذبته تحمله لتتفاجئ بغالية تتصل بها ..
” اهلا غالية ..”
رحبت بها ليأتيها صوت غالية المتردد بعد رد التحية :-
” هل يمكننا التحدث قليلا يا ليلى .. ؟! يعني نلتقي في مكان ما ونتحدث … ”
” بالطبع .. هل تأتين الى المنزل عندنا أم تفضلين مكانا عاما ..؟!”
سمعت غالية تجيب بسرعة :-
” مكان عام سيكون أفضل بالطبع ..”
أضافت غالية :-
” سأرسل لك موقع المطعم الذي سأنتظرك به الآن ..”
” حسنا ستجديني عندك حالا ..”
قالتها ليلى ثم أغلقت الهاتف وهي تتنهد بتعب مفكرة إن لا مزاج لها للتعامل مع أحد حاليا لكن صوت غالية المتردد المضطرب قليلا على غير العادة جعلها تدرك إن هناك شيء هاما يخصها وعليه لم تستطع الرفض ..
أنبأها إهتزاز هاتفها بوصول الرسالة التي تحوي عنوان المطعم فسارعت تفتحها ثم تقود سيارتها متبعة المكان المحدد ..
وصلت أخيرا الى هناك لتجد غالية تنتظرها بملامح رغم صمتها بدت غير مرتاحة أبدا ..
حيتها لترحب غالية بها قبل أن تجلس أمامها فتشير غالية الى النادل الذي أخذ طلباتهما ثم انسحب لتسأل ليلى بسرعة وإهتمام :-
” ما سبب هذا الإتصال المفاجئ والرغبة في رؤيتي ..؟! ”
ردت غالية بصدق :-
” أحتاجك ليلى .. في الحقيقة أنا أحتاج شخصا أتحدث إليه وأخبره بما يحدث معي ولم أجد من هو أفضل منكِ ليفعل ذلك … ”
أضافت بتعب :-
” انا تعبت من التفكير وبحاجة لشخص ما يساعدني على الوصول الى القرار الصحيح .. انت اكثر شخص أثق به حاليا لذا سأخبرك بكل شيء ..”
” كلي آذان صاغية لك ..”
قالتها ليلى بجدية لتتنهد غالية بصمت ثم تقول بصوت هامس :-
” ذلك الشاب .. فراس .. هل تتذكرينه ..؟!”
تغضنت ملامح ليلى بتفكير قبل أن تقول :-
” الشاب الذي تغزل بك أمام المصعد و ..”
قاطعتها غالية :-
” نعم هو بنفسه .. ”
” ماذا حدث ..؟! هل إلتقيته مجددا ..؟!”
أومأت غالية برأسها ثم أخبرتها عن لقائاتهما المحدودة حيث أخبرتها عن زيارته لها في مكتبها وإعتذاره عن تصرفه الوقح ثم إرساله ذلك الطقم الماسي الثمين كهدية لها بمناسبة ميلادها وأخيرا لقاؤهما في المطعم ..
” إكتشفت إنه مطلق ولديه طفل أيضا ..”
قالتها غالية أخيرا تنهي حديثها لتتطلع ليلى إليها بصمت قبلما يقترب النادل منهما ويضع كوبي العصير أماميهما ..
ابتعد النادل أخيرا لتهتف ليلى بجدية :-
” حسنا هو مطلق ولديه طفل … وانتِ بالطبع تجدين في هذا مشكلة كبيرة ..”
قالت غالية بسرعة :-
” بالطبع … ”
أضافت بجدية :-
” وضعه كمطلق ولديه طفل لا يناسبني … ولا يناسب أمي ونديم … ”
” أنت تتحدثين وكأنه تقدم لخطبتك …!!”
قالتها ليلى بقليل من الإستغراب لتسمع غالية بجدية :-
” لقد عرض الزواج علي فعلا منذ ساعة حيث طلبت رؤيته لأعيد الهدية له كما أوصاني نديم وكي أقطع أي تواصل به .. ”
” وهو بالطبع أدرك السبب ..”
قالتها ليلى بسخرية لتومأ غالية برأسها ثم تقول :-
” أخبرني إنه يحبني ويريدني .. أنه أكثر من سيسعدني … وإن طلاقه وطفله لن يشكلا عائقا أمامنا ..،”
صمتت قليلا ثم سألت بحيرة :-
” أخبريني ما العمل يا ليلى ..؟! وما رأيك بكلامه وإصراره علي ..؟!”
” هل تحبينه ..؟!”
سألتها ليلى فجأة لتبهت ملامح غالية كليا للحظات قبل أن ترد بتلعثم :-
” الوصف الأقرب هو إنني معجبة به ..”
قالت ليلى بجدية :-
” طالما الأمر مجرد إعجاب ومشاعرك لم تصل الى مرحلة الحب بعد فإرفضيه .. مالذي يجبرك على التورط مع رجل في مثل وضعه طالما إنك لا تحبينه بالمعنى الحرفي ..؟!”
منحتها غالية نظرة غير مقتنعة فسألتها ليلى بجدية :-
” لماذا تنظرين إلي هكذا ..؟!”
سألتها غالية بجدية :-
” لو كنتِ مكاني ماذا ستفعلين ..؟!”
صمتت ليلى قليلا في سؤالها قبل أن تجيب بجدية :-
” سأتصرف حسب مشاعري .. اذا كان الأمر مجرد اعجاب برجل جذاب ووسيم ومميز فسأقطع أي تواصل لي معه وأنهي إعجابي هذا في مهده .. ”
” وإذا كنت تحبينه ..؟!”
سألته غالية بفضول وإهتمام شديد فتبتسم ليلى بهدوء ونجيب :-
” سأمنح نفسي الفرصة للتعرف عليه عن قرب .. سأكتشف طباعه وشخصيته ومدى قدرتي على الإرتباط برجل مثله وبالطبع سأحاول التعرف على طفله كي أرى مدى قبوله لي والأهم سأتأكد من عدم إمكانية رجوعه لطليقته وانتهاء كل شيء بينهما تماما … يعني لن أنسحب فورا دون أن أحاول لكن سأحاول بتأني دون إندفاع … ”
هزت غالية رأسها بتفهم بينما ابتسمت ليلى بخفوت وهي تردد داخلها :-
” يبدو إنك وقعتِ في الحب أخيرا يا غالية .. لكن هل يستحق فراس مشاعرك وحبك له ..؟!”
…………………………………………………………..
كانت تجلس على فراشها كعادتها داخل غرفتها الصغيرة تفكر في الحديث الذي جمعهما سويا .. تراجع كل ما دار بينهما وتذكر نفسها بكل كلمة قالها ..
لقد إتهمها بكل صراحة إنها خذلته والغريب إنها تشعر إنها بالفعل قامت بذلك ..
لقد حذرها منه .. حذرها وأخبرها بمخاوفه مما ينتظرها من شخصيته الجديدة بعد خروجه من ذلك السجن المظلم .. وهي بدورها أخبرته إنها لا تهتم وستكون معه .. عونا له .. وستتقبله ..
كلماته جرحتها نعم لكن كان عليها أن تتذكر تحذيراته لها وتنتبه على تصرفاتها وطريقة معالجتها للأمور بشكل أفضل ..
أغمضت عينيها بتعب وعقلها يوازن الأمور مجددا …
عرض نضال جاء في وقت عصيب غير مناسب على الإطلاق…
زفرت أنفاسها بتعب وهي تحاول أن تنظم هذا الكم من الأفكار المزدحمة داخل رأسها عندما سمعت صوت رنين جرس الباب فنهضت من مكانها تسارع لفتحه لتجد حنين أمامها تبتسم لها بخفة قبل أن تدلف الى الداخل بعدما حيتها ..
رحبت بها حياة وجلستا تتحدثان سويا لمدة من الزمن قبل أن تسمع حياة أختها تقول بتردد :-
” هناك شيء ما يجب أن نتحدث به .. ”
” بخصوص نضال ، أليس كذلك ..؟!”
سألتها حياة بجدية لتومأ حنين برأسها ثم تقول :-
” انا لا أشعر بالراحة إطلاقا ناحية تصرفاته .. ”
صمتت حياة ولم ترد بينما أضافت حنين تشرح وجهة نظرها :-
” بالتأكيد أنت لاحظت طبيعة علاقة نضال معنا جميعا .. نضال لا يتحدث مع والدتي نهائيا .. يعتبرها غير موجوده من الأساس .. وأنا فلم تجمعنا يوما سوى كلمات مقتضبة لا معنى لها ونظرات إزدراء وعدم قبول دوما ما يحاصرني بها فهو لا يتقبلني كأخت له منذ ولادتي .. أما عن والدي فالجفاء بينهما واضحا وهو متحفظ للغاية معه ..”
” لاحظت هذا يا حنين وعندما راجعت تصرفاته معي إستغربتها كثيرا … انا لا أفهم حتى الآن سبب تصرفاته ورغبته الواضحة في مساعدتي …”
هتفت حنين بسرعة وقد حمدت ربها إن أختها فهمت الأمر قبل أن تخبرها عنه :-
” الأمر برمته غير مريح .. أشعر إنه يخطط لشيء ما .. لا أدرك ماهيته لكنني متأكدة من ذلك .. انظري الي يا حياة .. هناك اشياء ليس من المفترض أن أقولها لكنني مجبرة على قولها .. ”
” أشياء ماذا ..؟!”
سألتها حياة بتوجس لترد حنين بجدية :-
“نضال طفولته كانت سيئة قليلا .. لقد طلق أبي والدته وطردها من المنزل عندما كان نضال في الخامسة من عمرها … سمعت إن الأمر يتعلق بالخيانة …”
جحظت عينا حياة بعدم تصديق بينما إسترسلت حنين بتردد :-
” حتى يقولون إنها كانت حاملا وأجهضت طفلها أيضا …”
صمت مطبق حل على الاثنين للحظات قبل أن تكمل حنين :-
” نضال بقي مع والدي الذي رفض أن يسمح لطليقته برؤية ولدها .. مرت الاعوام وتزوج والدي من والدتي … تزوجتها بعد اكثر من خمسة اعوام … حينها نضال كان يرفض التعامل مع الجميع .. حتى مع والدي .. الشخص الوحيد الذي يتفاعل معه هو مربيته … كان يكره والدي ويرفض أن ينظر في وجهه حتى .. وبعد حوالي عامين عادت والدة نضال في زيارة غير متوقعة وهي تحمل دليل براءتها .. الى الأن لم أعرف كيف تم إتهاهمها بل كيف تمت تبرئتها أيضا .. حينها ارادت من والدي ان تأخذ نضال معها لكنه رفض لإنها كانت قد تزوجت منذ مدة … ”
شعرت حياة بالشفقة لأجله لتكمل حنين بأسى :-
” أصبح نضال يرى والدته في زيارات محددة … وعلاقته مع والدي كما هي .. يتجنبه كمرض معدي ونفس الشيء معي ومع والدتي حتى بلغ التاسعة عشر من عمره وشاء القدر أن تتطلق والدته لنتفاجئ به يقرر السفر مع والدته الى كندا وإكمال دراسته هناك … رفض والدي لكن نضال وقف في وجهه وأخبره بوضوح إنه لن يستطيع منعه عن والدته بعد الآن فهو أصبح بالغا راشدا .. سافر نضال مع والدته وأخوته من والدته والغريب إن يوم سفره كانت المرة الاولى التي يسمح بها لوالدي بإحتضانه بعد سنوات حرم على والدي مجرد القرب منه .. طبعا اكمل دراسته هناك وأسس عمله وأصبح يأتي بزيارات متقطعة الى هنا غالبا بسبب العمل والباقي تعرفينه ..”
” مسكين .. لقد عانى كثيرا في طفولته ..”
قالتها حياة بحزن لتتنهد حنين بألم فتسمع حياة تسألها بجدية :-
” ولكن ما علاقة كل هذا بي ..؟! ما غايته من ذلك العرض اذا كان هناك غاية من الأساس …؟! ”
أضافت بجدية :-
” ربما لو كان لديه مشكلة خاصة مع والدتي ، كنت قلت إنه ينتقم منها من خلالي ..”
هتفت حنين بسرعة :-
” ماما لن تؤذي نضال بأي شيء … أساسا هي تزوجت والدي بعد سنوات من طلاقه لوالدته .. كما إنها دوما ما كانت تتجنبه كما يفعل هو ..”
” هل قلت إن نضال مقيم في كندا ..؟!”
سألتها حياة بريبة لتومأ حنين برأسها فتهتف حياة :-
” البعثة الى كندا .. الى حيث يسكن هو .. هل يعقل أن يكون كل هذا مجرد صدفة ..؟!”
” أي صدفة يا حياة .. ؟! عرض العمل في الشركة ثم عرض المنحة وكلها خلال أقل من أسبوع واحد … الأمر غير منطقي بتاتا والأهم مالذي يجعله يهتم بك انت تحديدا بهذا الشكل بينما لا يطيق أي أحد منا ..؟!”
تنهدت حنين بصوت مسموع ثم قالت :-
” انظري الي يا حياة .. انا أريد مصلحتك اكثر من اي شيء … لذا سأخبرك ما أشعر به .. انا أشعر إن نضال يريد جذبك نحوه بأي طريقة .. وإنه يريد إبعادك عن حياتك الحالية بأي شكل .. لا أعلم ماهي دوافعه ولا أجزم إنها سيئة لكن حقيقة ما يريده واضح لا خلاف عليه .. هو يريد أن ينتشلك من حياتك هذه ويأخذك بعيدا معه والله وحده يعلم ما غايته من كل هذا …”
انهت حنين كلماته ثم وقفت تتأمل ملامح أختها التي جمدت كليا وكلمات حنين تتردد داخل أذنها ..
……………………………………………………..
كان يجلس بجانب والدته يتناول الشاي بصمت مريب ..
والدته تتأمله عن قرب وتشعر بشيء ما غريب عليه ..
لقد فاجئها بزيارته الغير معتادة ورغبته في تناول كوبا من الشاي معها لتسارع في اعداد الشاي له بنفسها قبل أن تجلس بجانبه يتناولان الشاي بصمت غير محبب ..
” ألن تتحدث يا نديم ..؟!”
قالتها والدته تحاول قطع وصلة الصمت المزعجة ليضع نديم كوبه على الطاولة ويسأل :-
” ماذا سأقول يا أمي ..؟!”
ردت والدته بسرعة :-
” أخبرني عنك .. عن احوالك .. عن عملك وما قررت بشأنه .. وعن حياة وموعد خطبتكما ..؟!”
تجهمت ملامحه ما إن ذكرت سيرة حياة فوجد نفسه يهتف بغلظة :-
” لا أظن إن هناك خطبة ستتم من الأساس ..”
نظرت إليه بدهشة قبل ان تهتف بصوت مشحون :-
” لماذا لن تتم الخطبة ..؟! ماذا فعلت يا نديم ..؟! ألم أحذرك مسبقا ..؟! ألم أطلب منك ألا تكسر قلب الفتاة المسكينة مهما حدث ..؟!”
قاطعها نديم بسرعة :-
” على مهلك يا أمي .. انا لم أفعل أيا من هذا وعدم إتمام الخطبة لن يكون بسببي أبدا …”
” هل تراجعت هي إذا ..؟!”
سألته صباح بتعجب ليتنهد نديم بتعب واضح قبل ان يقول :-
” تلقت عرضا للحصول على منحة الى كندا .. تكمل دراستها هناك وبالتالي هذا الوضع لا يتناسب مع أمر خطبتنا ..”
” حقها …”
قالتها والدته بجدية ليتطلع اليها نديم بعدم تصديق فتهتف به :-
” لا تنظر إلي هكذا .. من حقها أن تفكر في مستقبلها وما سينتظرها هناك … خاصة إن علاقتكما بالنسبة لها ليست كما يفترض ان تكون ..”
” ماذا تعنين ..؟!”
سألها بملامح منزعجة لترد والدته بجدية :-
” يعني حياة تدرك جيدا إن علاقتكما سويا ليست علاقة عادية حيث خطوبة ثم زواج واستقرار .. أعلم إن هذا من المفترض أن يحدث لكن واقعيا هناك أكثر من حاجز بينكما .. حاجز هي غير واثقة إنها ستتخطاه .. وعدم تخطيها هذا الحاجز يعني هدم علاقتكما تماما وهذا أمر متوقع لذا من الغباء أن تضحي بمنحة مجانية لأجل علاقة ستخرج منها خاسرة بنسبة كبيرة ..”
” ولمَ حكمتِ فورا إنها ستخرج خاسرة ..؟! ”
سألها بغضب مكتوم لتبتسم صباح بهدوء ثم تقول :-
” أخبرتك .. الحواجز بينكما كثيرة ولا يمكن إزالتها بسهولة ..”
” أنت تدعمين قرارها اذا ..؟!”
سألها بعدم تصديق لتهتف بسرعة :-
” انا اتمنى أن تستمر معك .. أن تبقى معك وتصبح شريكة حياتك كما اتمنى .. لكنني لست أنانية يا نديم .. الفتاة ربما تستحق حياة أفضل .. حياة بها ضمان …”
” وانا لست أنانيا أيضا .. أخبرتها بوضوح إنه يحق لها إختيار ما تريد .. تستمر معي او تسافر في البعثة … ”
تأملت والدته ملامحه التي بدت غير مرتاحة تماما لتطلق تنهيدة صامتة ثم تقول :-
” وهل هذا سيريحك ..؟!”
هتف بمرارة :-
” لم يعد هناك شيء يريحني .. ”
” وهل كانت حياة ستفعل ..؟؟”
نظر إليها بإهتمام لتتسائل بجدية :-
” هل وجودها جانبك كما كنت تريد كان سيخفف عنك ويريحك حقا ..؟!”
نظر إليها للحظات قبل أن يجيب وهو يتحكم في غصته :-
” دائما وجودها معي كان له تأثيرا خاصا علي … شعور غريب من الهدوء والسكون يملأني وانا معها … ربما بسبب حديثها الذي دوما ما يدفعني للتفاؤل والإبتسام او دفء روحها ونعومتها التي تنعكس علي … هي الوحيدة من منحتني الأمل بالحياة بعدما فقدته تماما ..”
” اذا لا تتخلى عنها ..”
قالتها صباح بقوة وعزيمة ولأول مرة تشعر إن مكانة حياة عند إبنها مميزة بحق فهي لم تظن إن لها كل هذا التأثير عليها ..
” لا أستطيع أن أكون أنانيا معها .. لا أستطيع أن أمنعها عن فرصة كهذه .. ”
” انت لن تمنعها يا نديم .. على العكس انت ستدعمها .. ”
قالتها صباح بقوة ليعقد نديم حاجبيه متسائلا بتعجب :-
” كيف ..؟! ماذا تعنين ..؟؟”
صمتت صباح قليلا توزن كلامها قبل أن تقول بجدية :-
” إفهم كلامي جيدا قبل أن تنفعل وتغضب بتسرع كعادتك .. الفتاة جائتها فرصة مناسبة .. إكمال دراستها في كندا .. انت أيضًا حاول البدء من جديد .. تبحث عن عمل مناسب تجد فيه نفسك .. منذ خروجك من السجن وأنت تعزل نفسك عن أغلب من حولك .. منذ اول يوم واخترت البقاء في شقتي وكأنها أصبحت ملاذك الآن .. لماذا لا تدعم حياة في دراستها وتجعلها تقبل عرض المنحة وتسافر معها انت ايضا ..؟!”
انتفض من مكانه يهتف بعدم تصديق :-
” أسافر معها ..؟! ماذا سأفعل هناك ..؟! ما هذا الكلام يا أمي ..؟!”
نهضت والدته من مكانها وقالت بجدية وحزم :-
” لم أنتهِ من كلامي بعد .. سفرك بكل الأحوال مؤقتا .. سنة ، سنتان او ثلاثة بالكثير .. لكن سفرك هذا سيساعدك كثير .. من جهة ستعيش في بلاد جديدة مختلفة تماما عن هنا .. مكان جديد تماما وحياة جديد ولكن بوجود حياة معك .. حياة التي أثق جيدا إن وجودها هي فقط معك سيكون أكثر من كافيا لك .. ألا ترى إنها فرصة حقا يا نديم ..؟! ألا ترى إن الإبتعاد عن المكان هنا لفترة مؤقتة أفضل للجميع .. ؟! لك ولحياة و ل..”
صمتت قليلا ثم اضافت بجدية :-
” وليلى حتى .. ”
” ليلى ايضا ..؟!”
سألها بملامح باهتة فهتفت صباح بجدية :-
” نعم .. ربما وجودك في بلاد أخرى بعيده عن هنا ستخفف من وطأة مشاعركما .. هي ستفقد الأمل فيك وتبدأ حياتها مجددا .. وأنت سوف تناساها مع مرور الوقت وتعتاد على وجود حياة معك والتي ستعوضك عن كل شيء .. ”
صمتت قليلا ثم قالت بجدية :-
” فكر جديا يا نديم .. هل تتذكر الأيام الاولى بعد خروجك من السجن ..؟! هل تتذكر إنك أخبرتني برغبتك في الهجرة بعيدا والإستقرار في بلد آخر ..؟!”
” ولكنكِ رفضتِ حينها ..؟!”
قالها بألم لتهتف بجدية :-
” لإنني لم أنظر إلى إيجابيات الموضوع .. لم أستوعب إن بقائك في نفس الأماكن وبوجود نفس الأشخاص سوف يزيد من عذابك .. بينما في الخارج مكان جديد وحياة جديدة وناس جددد ..”
أضافت وهي تضع كفها على كتفه :-
” اذا وافقت على كلامي فيمكنك أن تخبر حياة ثم تتزوجان بسرعة وتسافران سويا هي تبدأ في دراستها وانت تبحث عن عمل يناسبك وأنا سأعطيك الأموال التي تريد من حقك من ميراث والدك ..”
” نتزوج بسرعة ..؟!”
رددها بدهشة لتومأ صباح وهي تقول بحسم :-
” بالطبع .. حياة ستسافر معك وهي زوجتك يا نديم ..”
وعند هذه النقطة تشوشت أفكاره تماما ..!!
………………………………………………………………
جلست أمامه بملامح هادئة لا تخلو من الحزم عندما قالت بصوت جاد قوي :-
” لقد فكرت في عرضك جيدا .. أنا آسفة حقا لكنني لا يمكنني قبول المنحة وأشكرك انت وصديقك على هذا العرض المهم ..”
” أنت ترفضين العرض ..؟!”
سألها بعدم تصديق لتهز رأسها دون رد فيبتسم بخفوت ثم يقول :-
” انا مندهش حقا …”
عقدت حاجبيها تسأله بحيرة :-
” لماذا ..؟! مالذي يدهشك ..؟! ”
رد بعدما ارتشف القليل من فنجانه :-
” مندهش لإنني رأيت بك شيئا لا يشبه ما أسمعه الآن منك ..”
هتفت تتسائل بعدم فهم :-
” تحدث بوضوح من فضلك ..”
التوى جانب فمه بإبتسامة وهو يقول :-
” انا دائما صريحا وواضحا يا حياة ..”
أضاف وعيناه تتعمقان النظر داخل عينيها :-
“رأيتك طموحة ، مثابرة وذكية .. ”
شدد على كلماته :-
” أذكى من أن ترفضي فرصة كهذه لأجل رجل لا أظن إنه يستحق تضحية كهذه ..”
هتفت بملامح حانقة ونبرة بها القليل من الحدة :-
” من قال إنني أرفض العرض لأجله ..؟! ومن أين علمت إنه لا يستحق ..؟!”
ابتسم بهدوء ورد :-
” ربما لإنني أرى جيدا ما تغفلين أنتِ عن رؤيته …”
سألته بتجهم :-
” ومالذي تراه انت ..؟!”
رد بهدوء وجدية :-
” أرى تمسكه بك بكل أنانية رغم كونه لا يستحقك ورغم كونك تستحقين الأفضل منه وهو يدرك ذلك جيدا … ”
أضاف متأملا ملامحها التي بهتت كليا :-
” أرى بعيني رغبته في تملكك بكل ما فيكِ بينما أثق تمام الثقة إن كل هذا التمسك والتملك يصب لصالحه وإنك بجواره لن تحصلي على أي شيء .. على العكس تماما ، أنت ستدفعين ثمن ارتباطك برجل له ماضي اسود وسبق أن عاش قصة حب طويلة مع أخرى غيرك .. قصة حب استمرت لسنوات لا أظن إنه سيتجاوزها يوما حتى بوجودك …”
سيطر الوجوم على ملامحها لثواني قبل ان تقول بجدية :-
” اولا انا لا اسمح لك أن تتحدث في أمور خاصة كهذه .. ثانيا أيا كان ما يجمعني به فهو شيء يخصنا وحدنا .. إن كنت تنظر الى الأمور من زاويتك انت فهذه ليست مشكلتي … ”
قاطعها وهو ينهض من مكانه يردد بحزم :-
” انت تدمرين مستقبلك لأجله .. لأجل من لا مستقبل له…”
وقفت بدورها تواجهه بقوة :-
” انا حرة في قراري ولا أحد سيخاف على مستقبلي بقدري .. ونديم ربما تدمر مستقبله في مجال الصيدلة بالفعل لكنني واثقة إنه سيجد مجالا مختلفا يبدع فيه ويثبت وجوده …”
ضحك مرددا بتهكم :-
” والله مهما نجح وأبدع سيظل سجينا سابقا بتهمة تلتصق به الى الابد .. ”
هتفت من بين أسنانها :-
” هو بريء .. بريء من تلك التهمة الشنيعة ..”
” حقا ..؟! هل انت واثقة من ذلك ..؟!”
سألها مستهزءا لتشمخ برأسها وهي تجيب :-
” أثق بذلك اكثر من اي شيء …”
” لو كان بريئا ما كان ليحاكم بكل تلك السنوات ..”
قالها نضال بجدية ليتفاجئ بها تهتف بثقة وأمل :-
” لا أحد يعلم مالذي سيحدث مستقبلا .. ربما يأتي يوم وتظهر الحقيقة ويعلم الجميع إن كل تلك السنوات التي عاشها في السجن بهتانا وظلما ..”
منحته إبتسامة هادئة لم تصل الى عينيها وهي تضيف :-
” يجب أن أرحل الآن فموعد عملي بدأ .. مع السلامة ..”
ثم سارت تخرج من المطعم لتأخذ نفسها عدة مرات ورغما عنها شعرت براحة شديدة تكسوها بعد قرارها عكس ما توقعت ..
رن هاتفها فأخرجت من حقيبتها لتتفاجئ بنديم يتصل بها ..
ردت بسرعة فيأتيها صوته :-
” هناك شيء مهم أريد أن أقوله لك .. ”
لكنها قررت أن تسبقه وتقول فيتحدثان سويا في نفس اللحظة :-
” انا رفضت عرض المنحة ..”
” انا موافق على دراستك في الخارج …”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *