روايات

رواية أسد مشكى الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم رحمة نبيل

رواية أسد مشكى الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم رحمة نبيل

رواية أسد مشكى البارت السادس والثلاثون

رواية أسد مشكى الجزء السادس والثلاثون

أسد مشكى
أسد مشكى

رواية أسد مشكى الحلقة السادسة والثلاثون

” حرب نفوس ”
صلوا على نبي الرحمة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبر حصانه بوابة القلعة وهو ما يزال يتمسك بخصرها بشكل حريص خوفًا أن تفلت منه في لحظة وتسقط، بينما سلمى تنظر أمامها بهدوء شديد وبسمة صغيرة وكأنها لم تتسبب في إعلان حالة استنفار منذ بداية اليوم في القصر .
توقف أرسلان بحصانه في الساحة وهبط منه بغضب واضح على ملامحه، ينظر لها بملامح حانقة شرسة، ولم يكد ينطق بكلمة واحدة، حتى قالت ببسمة هادئة بشكل عجيب :
_ ساعدني رجاءً .
رمش أرسلان بعدم استيعاب للحظات قبل أن يمد يده دون وعي لها، لتتمسك هي بها وتهبط بكل حرص ورقي، وحينما استقرت ارضًا بمساعدته، نظرت له بامتنان تهز رأسها له :
_ شكرًا لك مولاي .
وهي كلمات فقط قبل أن ترفع طرق ثوبها وتتحرك تاركة إياه دون كلمة إضافية، تاركة إياه يراقبها بملامح متشنجة، تتهادى أمامه وكأن شيئًا لم يكن، وهو فقط يقف في منتصف الساحة يحدق في ظهرها يحاول إدراك ما حدث منذ ثواني .
بينما سلمى ابتسمت بسمة خبيثة وهي تتحرك صوب جناحها، وقد انتهى يومها الأول في الخارج، بينما أرسلان يحدق في ظهرها بشر مستطر بعدما استوعب ما فعلت منذ ثواني .
لم يظهر أيًا من داواخله أمام احدهم، بل حافظ على ملامحه المحايدة، يشير صوب أحد الرجال ليأخذ حصانه إلى الاسطبل ومن ثم بكل بساطة سار خلفها بخطوات ظهرت للبعض هادئة، لكنها كانت في داخلها تخفي غضبًا ونيرانًا، لو أخرجها لن تتمكن سلمى من التحكم بها ولو استخدمت جميع ما تعلمت طوال سنوات دراستها .
تحرك في الممرات لا يهتم بمن يحيطه أو بأحد ولا يبصر سوى غرفتها التي تلوح أمامه كراية حمراء، وصل وهو يمد يده بقوة ليفتح الباب، لكنها توقفت في الطريق يتنفس بصوت مرتفع، ومن ثم تماسك يتذكر أنه لا يستطيع اقتحام غرفتها بهذا الشكل، يطرق الباب بهدوء لا يظهر ما يضمره .
وحينما سمع صوتها يأذن له بالدخول وكأنها تعلم الطارق …وقد كان .
فتح الباب بعنف يغلقه خلفه بشكل مفزع، ومن ثم تقدم صوبها بخطوات تحطم الارض أسفله والنيران تخرج من أذنيه، ليتلاشى كل ذلك في ثواني وهو يبصرها تتوقف أمامه وهي تعطيه ظهرها تهمس برقة :
_ هل تساعدني في فك تلك الربطة في شعري، فهي تزعجني ولا استطيع فكها .
فجأة انمحت ملامح الغضب عن وجه أرسلان، واعتلى وجهه نظرات هدوء غريبة وعدم فهم، ونسي لثواني ما حدث يمد يده بهدوء ليفك ربطة شعرها والتي كانت معقودة بشكل غريب .
وهي أمامه تعطيه ظهرها تبتسم بسمة متوارية .
وارسلان محوّر كامل تركيزه في العقدة أمامه وكأنه يضع خطة لحرب ضروس، يضيق ما بين حاجبيه وهو يتساءل بجدية كبيرة :
_ من عقد الربطة بهذا الشكل الغريب ؟؟
_ لم أجد من يساعدني في عقدها فخرجت مني بهذا الشكل .
همهم وهو يولي كامل انتباهه للربطة لتميل سلمى برأسها عليه أكثر تهمس بصوت منحفض :
_ دعني أساعدك قليلًا .
رفع أرسلان عيونه لها بعدم فهم لثواني، ليُصدم فجأة من قربها منه، فابتسم بدون وعي والتمعت عيونه دون شعور :
_ تبارك الله …
وانقلب السحر على الساحر .
فبعدما قررت أن تستخدم سلمى سحرها ورقتها لتخمد نيران أرسلان، اشعل هو نيران شوقها وحبها المتواري له، شعرت بضربات قبلها تزداد وهي تراه يطيل النظر بها، قبل أن يهمس لها بجدية وبسمة غريبة :
_ سبحان من أحلّ لي تأملك سُليمى .
كل هذا ويأبى نطق كلمة بسيطة، يغازلها في سطور ويأبى فمه نطق كلمة، الرجل سيوصلها لمرحلة بعيدة من الجنون، ابتلعت ريقها تشرد به دون شعور بالزمن حولها، قبل أن تراه يبتعد عنها ببطء يرفع يده في الهواء، ثواني قبل أن تدرك ما يحدث وتنظر إلى يده تراه يمسك طرف عقدة شعرها يبتسم لها بسمة جانبية :
_ انتهينا من عقدة شعرك، والآن حان وقت عقدة حياتي .
_ أي واحدة بالتحديد، فحياتك ملغمة بالكثير منها أرسلان.
_ أكبرهن سلمى … أنتِ.
مالت سلمى برأسها ترفع حاجبها:
_ تصفني بعقدة ؟؟ هذا غير منصف لشخص قضي حياته في حل عقد الغير .
_ وتعجزين عن حل عقدتي .
_ كما لو أنك تسمح لي ؟!
تنفس أرسلان بصوت مرتفع وهو يمسح وجهه مغمضًا عيونه يحاول أن يتنفس بشكل طبيعي، ومن ثم فتح عيونه ينظر لها بجدية :
_ حسنًا سلمى، نحن لن ننتهي من هذا صحيح ؟؟ ما فعليته لا يُغتفر أن تقضي نصف يومك، بل يومك بأكمله في الخارج دون أي شعور بالمسؤولية لذلك الرجل الاخرق الذي كاد يحطم قصرًا ذلك شامخًا لقرون من الزمن .
تحركت سلمى في أرجاء المكان وهي تخلع معطفها تبعثر خصلاتها من الضفيرة التي كانت تقيدها، سالبة بذلك اهتمام أرسلان دون حتى أن تشعر بما تفعل :
_ ننتهي ؟! متى بدأنا لننتهي مولاي ؟! هل تعي أنك لم تتحرك من بعد نقطة الانطلاق حتى ؟! نا حدث اليوم كان… إلى ماذا تنظر الآن ؟!
توقفت سلمى عن التحدث بعدم فهم وهي تنظر له بتعجب من نظراته الشاردة تلك، تنظر لعيونه تحاول معرفة ما يدور داخل عقله .
بينما أرسلان سحب تركيزه بصعوبة من خصلاتها لوجهها ليركز عليها، لكن الأمر لم يكن أفضل حال مما سبقه، يحاول أن يتذكر سبب وجوده هنا من الأساس لتضربه ذكرى آخر ساعات جحيم قضاها قبل العثور عليها .
لتشتعل فجأة عيونه مرة أخرى بلا مقدمات :
_ أين كنتِ سلمى ؟!
رمشت سلمى تحاول أن تفهم معنى سؤاله المفاجئ وسببه .
_ ماذا ؟!
_ اليوم ..طوال اليوم أين كنتِ يا امرأة ؟؟ هل تحاولين دفعي للجنون لأنكِ نجحتي بالفعل .
رفعت سلمى إصبعها في وجهها وهي تردد ببسمة غير مصدقة :
_ أنت يا رجل هل تصدق نفسك ؟؟ من سيدفع من للجنون ؟! أنا جئت ووجدتك هكذا فلا ترمي التهم جزافًا و…
_ أفضل أن تحتفظي بكامل يدك جوارك اثناء الحديث سلمى .
نظرت له بعدم فهم ليرفع يده وهو ينزل إصبعها بضيق شديد وقد قبض عليه بلين ولطف يناقض ملامحه :
_ لا ترفعي إصبعك في وجهي مجددًا.
ابتسمت سلمى وهي تتراجع للخلف بصدمة :
_ أنت….هل أنت جاد ؟!
_ نعم، وصدقيني هذه أكثر ردة فعل هادئة لطيفة أصدرتها في حياتي تجاه شخص يرفع إصبعه في وجهي .
_ والله وسام شرف على صدري، الملك أرسلان لم يقطع إصبعي لأنني رفعته في وجهه اثناء الحديث، هل يجب أن أكون شاكرة لهذا التميز مولاي ؟؟
_ لا أريد شكرًا أريد سببًا لمغادرتك القصر .
ضمت سلمى يديها لصدرها وهي تردد بهدوء شديد :
_ لا سبب، أردت ففعلت .
_ هكذا إذن ؟؟
_ نعم، هل أنا في سجن ؟!
رفع أرسلان يديه في الهواء يستنكر كلماتها :
_ استغفر الله، سجن ماذا يا ابنتي، هل تسمين ما أفعله معك سجنًا، هذا جحود وظلم، السجن شيء آخر عزيزتي …
بعد دقائق لم تعلم سلمى عددها كانت تقف متسعة الأعين مصدومة وبقوة وهي ترى أرسلان يخرج المفتاح من مكانه بعدما اغلق القضبان عليها، ينظر لها بهدوء شديد يراقبها ببسمة صغيرة مشيرًا للسجن الصغير الذي وضعها به والذي كان يخصصه لعقاب الجنود حينما يخطئون وقد افرغه خصيصًا لأجلها.
_ هذا هو السجن، الآن نعم أنتِ في السجن .
شعرت سلمى أنها ما تزال تحلم وهي تنظر حولها بعدم فهم تحاول إدراك ما يفعل أرسلان، بينما الأخير سحب أحد المقاعد ووضعه أمام القضبان يجلس عليه واضعًا قدم فوق الأخرى مبتسمًا لها بسمة سعيدة لا تناسب الاجواء يضم يديه لصدره :
_ ولأزيدك شرفًا سأكون حارسك في هذا السجن …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ساعدني أرجوك فقط حاول مساعدتها لتفتح عيونها .
كان يتحدث بكلمات غير مفهومة وهو يشير صوب جسد فاطمة الفاقد للحياة أمامه وبأعين زائغة يرشد لها الطبيب الذي يقطن بنفس الحي .
_ من هذه ومن فعل بها هذا إلياس ؟!
توترت ملامح إلياس وهو يهمس بخوف شديد لفقدانها بعد كل ما حدث :
_ هذه ….قريبتي وزوجتي، تزوجنا في مشكى منذ يوم واحد وجئت بها هنا و….
صمت قبل أن ينهار باكيًا برعب :
_ فقط ساعدها أرجوك ساعدها لا أريد فقدانها.
أبصر الحكيم حالته المزرية، ومن ثم حدق بجسد فاطمة وهو يتحرك صوبها يحاول أن يفحصها بشكل حذر، يرفع يده ليفتح عيونها، يمد يده أسفل رأسها كي يموضعها بشكل مناسب للفحص، لكن فجأة شعر بشيء لزج أسفل قبضته، ضيق عيونه بعدم فهم يسحب يده بهدوء شديد قبل أن تتسع عيونه وقد ابصرها مضجرة بالدماء، وبالطبع ليست دماءه .
_ يا الله الفتاة تنزف من رأسها، ما الذي حدث لها يا بني ؟! الفتاة شاحبة شحوب الأموات .
سقط إلياس جوار فراشها وهو يتمسك بيدها، يناجيها بكلمات منخفضة ورعب جلي :
_ لا تكوني لئيمة بهذا الشكل فاطمة، ارجوكِ افيقي، نحن لم ….لم تمنحيني الفرصة لإثبات مقدار حبي لكِ حتى، أرجوكِ لا تفعلي بي هذا، لا تفعـــــــلــــي بــــــــي هــــــــذا .
كان يصرخ في نهاية جملته وهو يضغط على يدها بقوة جعلت الحكيم يستشعر خطبًا في المكان، يسحبه بعيدًا عنها بقلق :
_ ابتعد عنها، هل جننت ابتعد إلياس الفتاة لا تحتمل ما تفعله أنت الآن تماسك وأدعو الله أن ينجيها .
اقترب منها الحكيم بسرعة وبدأ يفحصها ويفحص تنفسها، تحت أعين إلياس الذي كان يراقب بأعين زائغة ونصف وعي، ليبتعد الرجل عنها في النهاية وهو ينظر لإلياس:
_ الفتاة حالتها الصحية سيئة للغاية لا يمكنني معالجتها هنا، نحتاج لنقلها إلى مستشفى الحي و…
انتفض جسد إلياس بقوة يأبى تنفيذ ما يقول هذا الرجل :
– لا لن يحدث ويأخذها أحدهم مني، هي …هي زوجتي و…و لن أسمح لأحدهم أن يسلبني إياها بأي شكل، سيتم …معالجتها هنا أمام عيوني، سواء استطعت ذلك أو لا فسأحضر لها أكبر أطباء المملكة، حتى لو اضطررت إلى اللجوء لأكبر أطباء البلاد..
ختم حديثه ينظر بإصرار للعجوز الذي هز رأسه بيأس وشرع يقنعه بضرورة إرسالها للمشفى لتجنب أي مخاطر عليها، بينما هو يرفض بإصرار وضراوة .
وهي ….في عالم آخر تصارع ماضيها وتتمسك بحاضرها وتفتش عن مستقبلها والذي كان يقبع في عيون باسمة حنون وقبضة يد لطيفة وكلمة واحدة تأسرها منه ….
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ فاطمة ..
تنهد بصوت مرتفع وهو يرفع عيونه للرجال أمامه يتدربون بقوة وجدية دون تواني، وهو يراقبهم بأعين مهتمة مدققة، وعقله معهم، لكن قلبه نفر الحياة دونها وهجره تاركًا جسدها خاويًا من أي نبض .
تنهد بصوت مرتفع يستمع لصوت جواره يهمس بجدية :
_ سيدي أنت بخير ؟!
رفع له المعتصم عيونه وقد كانت الإجابة على طرف لسانه بلا، لا محبوسة يتمنى الصراخ بها، لكن لا المكان ولا المكانة يسمحان له .
_ نعم، أنا كذلك تيم، ماذا هناك ؟!
_ لقد وصل وفد جديد للإنضمام إلى الجيش، هذا الوفد الثالث هذا الاسبوع .
ابتسم له المعتصم سعيدًا بما يحدث، فبعدما كان الجميع في البداية يأبى الانضمام للجيش، بدأت الحماس والرغبة في الدفاع عن البلاد واعلائها تملئ الصدور أجمعها..
_ جيد سأذهب لتفقدهم بنفسي .
وقد كان هذا ما نص عليه الإتفاق، فإما أن يكون الملك بنفسه حاضرًا لتفقد الدفعات الجديدة أو المعتصم، وذلك في إطار التنقيب عن الرجال المندسين بين الجيش .
تحرك المعتصم بجدية وخطوات هادئة مع تيم وهو يراقب المكان حوله عله يبصرها ولو طيفًا في المكان، يتعهد بإكمال بحثٍ لم ينتهي بعد التدريبات، فهذه كانت حياته منذ يوم، يعمل ويبحث، يبحث ومن ثم يعمل .
توقف في الساحة الأمامية للقصر يبصر عدد من الرجال ينتظرون، ليمرر المعتصم نظراته بينهم بهدوء قبل أن يمنحهم بسمة صغيرة مرحبة :
_ مرحبًا بكم يا رجال، أنرتم قصر مشكى وعما قريب بإذن الله جيش مشكى .
ختم حديثه يمرر عيونه بين الجميع وهو يتحدث بجدية :
_ سعيد لمعرفتي أنكم هنا بإرادتكم الحرة دون أي إجبار أو ضغوطات خارجية، فقط لحماية البلاد، ومن يرى عكس ذلك فباب القصر مفتوح له والملك سيتكفل له بعملٍ يقيه وأسرته شر الحاجة.
صمت وهو يدور بين الأعين يبحث بها عن متردد، فكم جاءهم رجل مجبر ليحصل على مرتب الجيش ويعين به أسرته، رغم عدم رغبته في الانضمام للجيش، ومنذ ذلك الحين أعلن أرسلان قراره أن من يكمل يكون لأجل البلاد، ومن ينسحب فهو متكفل به وعمله.
ابتسم حينما لم يجد بينهم مؤيدًا لكلماته، ومن ثم شرع يتحدث بما هو متفق عليه من البداية :
_ جيد إذن الجميع هنا بإرادة حرة وليس مقيدًا أو مجبرًا، الآن دعونا نقسمكم، من منكم يجيد أي نوع قتال فليتحرك إلى اليمين رجاءً.
ظل منتظرًا إلى أن تحرك رجلين فقط لليمين ليهز لهم المعتصم رأسه بتقدير، ومن ثم نظر للباقيين :
_ هذا يعني أن الباقيين لا يدركون في القتال شيئًا ؟!
هز الباقيين رؤوسهم ليمنحهم المعتصم بسمة صغيرة :
_ لا بأس فلا نطلب منكم في البداية الكثير، سوف يتولى القائد تيم تعريفكم على المحيط هنا و اخباركم جدول التدريبات ومن ثم يعود بكم لي لنبدأ أولى تدريبات اليوم، لكن قبل ذلك اطلب منكم رجاءً اللحاق بي .
ختم حديثه يتحرك بعيدًا عن ساحة القصر العامة صوب ساحة القتال الرئيسية حيث الجميع، والكل خلفت يسيرون التؤدة يراقبون الأجواء حولهم يفكرون في القادم وكيفية النجاة بين كل هؤلاء الرجال الأشداء، فقد ابصروا جنودًا كالآلات .
توقف بهم المعتصم في جزء شبه منعزل عن ساحة القتال وهو يشير لهم جميعًا بهدوء شديد :
_ اخلعوا ثيابكم العلوية رجاءً، سيتم فحص الجميع للتأكد من عدم وجود أي إصابات خطيرة قد تمنع وجوده معنا .
ختم حديثه وهو يشير جواره صوب رجل يضم يديه لصدره ذو عضلات قوية بارزه من ثوبه الأبيض العلوي والذي ابتسم للجميع معرفًا عن نفسه :
_ مرحبًا أنا زيان، طبيب القصر والجيش، تشرفت بكم .
ختم زيان كلماته وهو يشمر أكمامه بهدوء شديد يبتسم لهم، ومن ثم أشار لهم بعيونه صوب الثياب ليبدأ البعض بخلعها دون اهتمام، والمعتصم يراقب بهدوء شديد واهتمام أشد، يبصر تردد البعض وعدم اهتمام البعض بالأمر .
ابتسم المعتصم بسمة غريبة وهو يبصر عدد خمسة رجال يراقبون الجميع برفض، وتردد في خلع ثوبهم، نظر صوب زيان الذي تنفس بصوت هادئ وهو يتحرك صوبهم بهدوء شديد ليبدأ بفحصهم وهو ينظر صوب المعتصم الذي كان يتابع بهدوء قبل أن يتحرك جهة الخمسة رجال بهدوء شديد .
_ إذن كل شيء بخير معكم ؟!
رفع أحدهم نظره للمعتصم بتردد وقد كان يبدو شاب في بداية عقده الثالث :
_ نعم … أنا فقط …لا …لقد …هل يمكنني إجراء هذا الفحص في مكان آخر فهذا المكان ظاهر للجميع.
_ لا بأس بذلك بالطبع، هذه غرفة تبديل الملابس يمكنك إجراء الفحص بها، ومن ثم عليك الاعتياد في المستقبل فالحرارة هنا شديدة بعض الشيء وستجبرك دون طلب منا على التدرب دون ثوب علوي بما لا يظهر عورتك بالطبع .
ختم حديثه وهو يشير صوب تيم :
_ تيم ساعد اخوتك وارشدهم صوب الغرفة الخاصة بتدبيل الثياب .
وبالفعل قام تيم بإرشاد الرجال صوب غرفة تبديل الثياب لينتظروا زيان هناك، وقد بدأ الاخير يفحص الجميع بدقة بحثًا عن أي إصابات أو علامات قد ترشده لأي شيء غريب بهم .
وبعد دقائق طويلة انتهى ليتوجه صوب الغرفة مع المعتصم الذي تحدث بهدوء :
_ ثلاثة هذه المرة .
_ وكيف عرفت فخمسة رفضوا الأمر..
_ يمكنني التفريق بين التردد والخوف زيان، الشاب الذي تحدث كان مترددًا، وآخر كان كذلك، بينما هناك ثلاثة كانت أعينهم زائغة وكأنهم يبحثون لهم عن مخرج من هنا .
ختم حديثه وهو يفتح باب الغرفة ليتجمد جسده مما أبصر في هذه اللحظة وتحركت يده بهدوء صوب خنجره وقد احتدت نظراته بقوة :
_ تبًا لكم ……
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان موكب سفيد يستعد للرحيل تباعًا لدانيار الذي رحل سابقًا الجميع مع زوجته صوب سفيد ..
خرج سالار من القصر وهو يضم بين كفيه يد زوجته باهتمام شديد وقد كان حريصًا حتى على كل خطوة تخطوها .
_ سالار أنا بخير اقسم لك .
_ عساكِ دائمًا عزيزتي، لم أقل عكس ذلك .
_ لكن تعاملك معي بهذا الحرص يقول ذلك سالار .
نظر لها سالار بعدم فهم، لتشير بعيونها صوب يده التي تمسك يدها، ويده الآخرى التي تضم خصرها بقلق أن تذل اثناء مشيتها .
_ أنا فقط اساعدك في السير بشكل جيد، ماذا ألم أفعل ذلك سابقًا ؟؟
رفعت حاجبها بسخرية وهي تجيبه بهدوء :
_ لقد كنت تعلم سابقًا أنني أستطيع المشي وحدي .
نظر لها بصدمة قبل أن ترتسم بسمة بسيطة على وجهه وهو يعود لمسكها بنفس الطريقة متحركًا صوب الهودج الخاص بها :
_ إذن يمكننا البدء في ذلك منذ اليوم عزيزتي .
قلبت تبارك عيونها وهي تتحدث بهمس خافت :
_ أنت تفعل هذا لأجل طفلك سالار صحيح ؟؟ لا تفعل هذا لزوجتك .
وسالار المسكين والذي لم يكن يدري بعد ما سينتجه عقل تبارك وهرموناتها المستجدة على جسدها، أجابها بكل براءة ولطف :
_ لكِ ولطفلي ..
_ أنت لم تفعل هذا من قبل حينما كنت وحدي دون طفلك يا قائد، وتفعله الآن وأنا احمله، إذن فالمبرر الوحيد أنك تفعله لأجل طفلك .
توقف بها سالار جوار الموكب يبتسم بعدم فهم لها :
_ ماذا ؟؟ لا أفهم ما تقولينه لكنني …
_ أنت فقط تهتم لطفلك سالار أكثر من اهتمامك بي، أنا حتى لا أتذكر أنك اهتتمت بي يومًا مثل هذا الاهتمام.
كامت تتحدث وهي تبعد عيونها بحزن عن سالار الذي اتسعت عيونه بصدمة وقد أخذ يراجع عقله في كل اتهاماتها :
_ لم أفعل حقًا ؟!
_ يا ليتني كنت ابنتك أو حربًا لتهتم بي سالار، خسارة والله .
ختمت حديثها تتحرك صوب الموكب كي تصعد له وقد أنهت النقاش بينهما عند هذه النقطة، وهو يراقبها بصدمة .
وتبارك تحاول الصعود للموكب بصعوبة، لكنها لم تستطع ولم تكد تستدير صوبه لتطلب المساعدة حتى شعرت بيده تضم خصرها بلطف يعاونها لذلك، ومن ثم مد يده يخلع حقيبته التي يحملها فوق ظهره يضعها لها وهو يتحدث بجدية :
_ طعام ومياه لأجلك عزيزتي، لأجلك تبارك حسنًا .
قال جملته الأخيرة وهو يضغط على كلماته لتبتسم له تبارك بسمة صغيرة تمسك كفه تقبلها بحب :
_ أكثر ما يعجبني بك أن لا ” نكد ” تمكن يومًا من هز شعره بك .
_ وما علاقة مزاجك السييء بشعري تبارك ؟؟
_ معجب كما الجميع يا قائد.
اتسعت لها بسمة سالار وهو يمد يده لها يربت على وجنتها بحب غامزًا :
_ جيد الآن تعادلنا مولاتي، فكل عضو بي صريعًت لكِ .
هامت عيونها به، ليبعد يده عنها بهدوء ومن ثم اغلق الستار في انتظار وصول الملكة لتجاورها الهودج، يتحرك لبداية الموكب يتحدث بصوت مرتفع جهوري يناقض صوته الحنون الهامس منذ ثواني وكأنه تحول :
_ تجهزوا يا رجال .
ومن بعد هذه الكلمات ابتسم سالار دون شعور وهو ينظر حوله بسعادة كبيرة ووالله لو أقسم لهم أحدهم يومًا أن فرحته بطفله الأول ستنافس سعادته بفوز حرب كبيرة لظن أنه يبالغ، لكن أي مبالغة وهو ما يزال حتى الآن يشعر بنفس شعوره لحظة نطقت تبارك كلماتها معلنة بداية حياة جديدة نفخها الله برحمها .
ابتعد ببطء عنها وهو يحدق فيها بعدم فهم فتبارك لطالما كانت تهزي بالأمر طوال الوقت متمنية الحصول على خصلاته في أولادهم، لكن هذه المرة لفت انتباهه كلماتها :
_ شهور ؟!
_ نعم، لكنني لا أستطيع أن أجزم كم شهر تحديدًا، على أية حال هي شهور ونعلم كيف يبدو الصغير .
_ صغير ؟!
ابتسم دون وعي يردد بصوت خافت:
_ صغيري ؟!
هزت له تبارك رأسها وهو ما يزال في حالة من اللاوعي يهمس بسعادة يتخيل نفسه يحمل صغيرًا بين كفيه :
_ سيكون الأمر رائعًا .
نظر لكفوف يده :
_ أن تحمل يدي والتي اعتادت حمل السيوف نطفة صغيرة منكِ، لهو شعور جميل أتمنى تجربته، عسى الله أن يقر عيني به .
_ إن شاء الله سيحدث بعد شهور سالار .
رفع لها سالار عيونه بعدم فهم لتدرك تبارك في هذه اللحظة أن سالار لم يستوعب بعد الحقيقة التي تحاول إخباره بها :
_ سالار هل سمعت ما قلت ؟!
ابتسم لها سالار يربت على رأسها بحنان :
_ نعم عزيزتي سأدعو الله في كل صلاة أن يرزقنا بطفل يمتلك مثل شعري فقط لأجلك والله، عساه يكون قريبًا .
قلبت تبارك عيونها وهي تهمس بضيق وصوت خافت شبه مسموع :
_ امممم بدائي وهيتعبنا، شكلك ملكش في أم التلميحات .
تنفست بعمق وهي تنظر في وجهه مبتسمة بضيق تضرب كف بالآخر في حركة شعبية بعض الشيء:
_ أنا حامل يا سالار اتمنى تكون الرسالة وصلت .
رمش سالار بعدم استيعاب وهو ينظر لها محاولًا ترجمة كلماتها في عقله، وهي تراقبه بصدمة لتأخر احتفالاته بالخبر المترقب :
_ لا حول ولا قوة إلا بالله، ده كله وأنا بقولك بالكلام أمال لو طاوعت عقلي ولمحت ليك بالافعال هيحصل ايه؟!
وسالار فقط يراقبها دون كلمة، فقط أعين متسعة وفم فاغر :
_ يا جدع اديني ردة فعل لاغيني، اقولك حامل تقولي مش مصدق وداني، أرني الانبهار يارجل لقد قطــ….
فجأة توقفت عن الحديث وهي تبصر التماع عيون سالار بقوة وقد شعرت فجأة أن وجهه اشرق بشكل لم تبصره منذ يوم زفافهم حينما أبصرها بفستانها .
ردد كلمات غير مرتبة :
_ أنتِ ….تبارك أنتِ… تحملين… طفلي ؟!
ابتلع ريقه قبل أن ينفرج فمه عن بسمة واسعة يصيح بعدم تصديق يختطف تبارك بين ذراعيه بقوة :
_ يا ويلي تبارك سأصبح أبًا، أنا سأصبح أبًا …
وكما حملها فجأة تركها فجأة وهو يتحرك في المكان دون استقرار وبشكل غريب جعلها تنظر له بعدم فهم ليتحرك صوب المرحاض بلهفة شديدة، وهي تتابعه بعدم فهم :
_ إلى أين سالار ؟!
_ سأقيم الليل تبارك حمدًا لله على زحام نعمه، ىا أصدق سأصبح أبًا، سأصبح أبًا .
انتفض جسده انتفاضة غير محسوسة حينما سمع صوتًا جواره يردد بهدوء :
_ سيدي لقد تجهزنا للرحيل، فقط ننتظر الملك والملكة…
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ انتهيتِ كهرمان ؟!
رفعت كهرمان عيونها صوب إيفان الذي ابتسم لها بحب يتابعها بشغف كبير، لتتحرك صوبه وهي تقول بجدية وهدوء :
_ نعم إيفان، دعنا نتحرك فكم اشتقت لسفيد، رغم حزني لترك مشكى.
_ كم أنا سعيد أن سفيد تركت مكانًا بقلبك .
_ وطني كما مشكى إيفان.
ابتسم لها بحب وهو يمد لها يده لتضع كفها به، وهو مد كفه الآخر ينزل غطاء رأسها يتحرك بها للخارج، يسير بها في ممرات القصر وهي تناظر القصر حولها بأعين مشتاقة حتى قبل الفراق .
_ تعتقد أن مشكى ستعود لما كانت عليه إيفان؟!
أجابها إيفان بهدوء شديد وهو ينظر معها لربوع القصر الذي بدا وكأنه يستعيد رونقه السابق :
_ لا أعتقد، بل أنا متأكد عزيزتي، أخوكِ عنيد ذو رأس يابسة لن يرتاح له بال حتى يفعل كما فعل سابقًا بعدما تسلّم البلاد من بعد والدك .
ابتسمت له كهرمان قبل أن تتسع بسمتها أكثر بشكل غريب تهمس له بصوت وصل واضحًا :
_ غريبة هي الحياة إيفان، منذ أشهر طويلة كنت أسير بين هذه الممرات أتأمل المكان أتخيل أن أسير بها يومًا مع زوجي الذي سيتمكن من انتزاعي من بين مخالب أخي، وتخيلت وقتها أنني سأتزوج شخصًا يشبه أرسلان فلا يفل الحديد إلا الحديد، لكن أنظر إلى ما حدث ؟؟ تزوجت نسخة معادية لنسخة أخي.
ضحك إيفان بصوت مرتفع وهو يضم كفها بحنان يداعبه بإصبعه، وهو يميل عليها هامسًا :
_ أحيانًا لا يحتاج الحديد لحديد مثله ليُفل عزيزتي، ثم كنت على استعداد لقتال أخيكِ عقود، كي أعلن انتصارًا في النهاية، وافوز بمكافأة ثمينة، وما أثمن من أميرة مشكى .
رفعت له كهرمان رأسها بتكبر ذكره بكبرياء أرسلان، ورددت بمزاح معه :
_ وملكة سفيد..
ضحك إيفان وهو يقبل كفها بحنان :
_ يليق بكِ وأكثر عزيزتي .
ابتسمت له بحب وهي تهمس بجدية وصدق :
_ صدقني إيفان، لو كنت بشخصك قد تمثلت لي في جندي بسيط حتى، لحاربت كذلك لأجلك، لا يعنيني المكانة التي سأنالها لزواجي بك، بقدر ما يعنيني بقائي معك .
_ أتخيل لو كنت جنديًا، ربما كان سينتهي بي الأمر مختطفًا إياك من بين براثن أخيكِ .
_ لا أعتقد أن أخي كان سيمانع حتى لو كنت جندي .
سخر منها إيفان يدرك جيدًا أن أرسلان لم يكن ليمانع زواج شقيقته بجندي لأجل مكانته، بل كان سيمانع لأجل الممانعة فقط .
_ نعم كان سيقتله فقط .
_ أنت تظلم أخي كثيرًا .
_ بل أخوكِ يظلم بلاد بشعبها عزيزتي…..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يجلس أمام السجن بهدوء شديد وهو يمسح سيفه يعطي له كامل انتباهه، رغم عيونه التي كانت تخونه وتتحرك صوب تلك المرأة التي تتحرك في السجن أمامه بشكل غريب .
قبل أن تتوقف وهي تنظر له ثواني تقترب من القضبان تهمس بصوت غريب :
_ تعتقد أن قضبان السجن هذه ستكون رادعًا لي ؟؟ هل تمزح معي أرسلان ؟؟ أنا قضيت خلف القضبان أكثر مما قضيت في منزلي.
رفع لها أرسلان عيونه مبتسمًا :
_ لا بأس إذن بقضاء ساعات اضافية من حياتك خلفها.
استشاطت سلمى من طريقته في معاقبتها، ضربت القضبان بغضب شديد وهي تصرخ بغيظ منه :
_ أنت يا رجل مستفز و…أخرجني من هنا أرسلان وإلا لا تلومن إلا نفسك .
نظر لها بسخرية :
_ وإلا ماذا ؟؟ هل هددتني للتو سلمى ؟!
نظرت له دون رد، ثم تحركت بهدوء في المكان تراقبه بنظرات لم تخفى على أرسلان الذي انتفض جسده فجأة حينما أبصرها تخلع حجابها تحرر خصلاتها، ومن ثم فرشته ارضًا، وجلست عليه بهدوء شديد.
بينما هو نهض عن المقعد يقترب منها محذرًا :
_ ما الذي تفعلينه ؟؟ ارتدي حجابك سلمى .
_ الجو خانق هنا .
نظر أرسلان حوله بضيق شديد :
_ ليس كذلك، ارتدي حجابك فلا يمكنك خلعه خارج غرفتك .
نظرت له سلمى ببسمة صغيرة :
_ بلى يمكنني، للتو فعلت ألم ترى ؟! ثم ألم تفرغ لي السجن للحصول على خدمة عالية المستوى، إذن لا بأس.
مسح أرسلان وجهه ولم يكد يفتح فمه للتحدث حتى تكلمت سلمى بجدية كبيرة وهي تنظر له ببراءة :
_ آه منك يا أرسلان أعدت لي ذكريات عديدة جميلة بين جدران سجنك هذا .
نظر لها أرسلان بعدم فهم ولم يكد يعلق على كلماتها، حتى فجأة انتفض عن مكانه حينما خلعت معطفها تضعه جانبها وقد ظلت مرتدية ثوب بلا أكمام لكن الحمدلله كانت تغطي سرتها هذه المرة.
ألقت المعطف جوارها تحت أعين أرسلان الذي انتفض عن مقعده يتحرك صوبها بخطوات مهرولة صارخًا بصدمة وهو ينظر حوله :
_ ما الذي تفعلينه أنتِ، هل جننتي ؟! ارتدي هذا الـ…ارتديه سلمى .
استند على القضبان وهو يراقبها تستند بدورها على الجدار خلفها، تتنهد بحنين وتتحدث دون اهتمام باشتعال أرسلان في الخارج :
_ اه يا آرس من هذه الأيام، كنت أدخل السجن لتهتز الأرض من اسفلي، أدخل على المريض من هنا فتبدأ أقدامه بالارتعاش من هنا، أتدري في إحدى المرات حينما كنت أعالج أحد المسجونين فجأة نطق بغضب ..
_ أنتِ يا امرأة ارتدي معطفك هذا .
_ لا لم يقل هذا، بل قال أنه لولا أنني جميلة لكان تخلص مني و…
قاطعها أرسلان وهو يندفع صوب القضبان يمد يده وهو يصرخ بجنون وقد اشتعل جنونه وهو يتخيل أحدهم يجلس أمام زوجته ويغازلها بهذا الشكل :
_ أنـــــــتِ …أنــــتِ يا امرأة…سأقتلك، سأقتلــــــك…
نظرت له بهدوء وهي تبتسم بقلة حيلة :
_ تقتلني كيف من خلف القضبان ؟!
اخرج أرسلان المفتاح من جيبه وهو يفتح السجن ويندفع داخله بشكل جعل سلمى تتحرك بسرعة وهي تركض بعيدًا عن عيونه تهرول في أنحاء السجن وهي تصرخ وهو خلفها يصرخ بغضب بدوره، حتى أمسكها ولم يكد يفعل لها شيئًا حتى صُدم لها تعضه بقوة، ومن ثم استغلت صدمته تركض صوب باب السجن تخرج منه جاذبة الباب خلفها واغلقته بسرعة مبتسمة بسمة واسعة وهي تنزع المفاتيح من الباب .
_ آه منه الزمان مولاي، آه منه، والآن…
سحبت المقعد تجذبه أكثر للقضبان تجلس أمامه وهي تضع قدم فوق الأخرى، تنظر له بهدوء ومن ثم أبعدت خصلاتها للخلف:
_ والآن سيد أرسلان أخبرني ألا تغرنك حياة الهدوء بعيدًا عن الصراخ .
وعكس ما توقعت أسود وجه أرسلان بشكل مريب وهو يقترب من القضبان بخطوات رشيقة يقف خلفه وهو يميل برأسه لها مبتسمًا بسمة خطيرة وكأنه يجاريها:
_ وهل سألقاكِ في تلك الحياة الهادئة سيدتي ؟؟
ارتفع حاجب سلمى وهي تبتسم له بسمة مماثلة :
_في جميع حيواتك مولاي ستكون مضطرًا للتعامل مع امرأة تسمى سلمى.
_ ما تصفينه الآن سيدتي ليس اضطرارًا، وجودك حاجة سليمى .
اتسعت بسمتها وهي تضع قدمًا فوق الأخرى، تراقبه ببسمة وهو يتابعها برأس مرفوعة يقف بكل قوته داخل السجن دون أن تهتز له عضلة، وربما سيكون غريبًا، لكن في هذه اللحظة كان أرسلان مثير خلف القضبان بهذه الوقفة القوية والملامح الحادة .
تقسم أنه لو كان في عالمها كان سيكون رجل عصابات يُهاب، أو ربما رجل اعمال في غاية الذكاء .
ونعم كانت امرأة محظوظة لتحظى برجل مثل أرسلان، اقتربت من القضبان وكل خطوة تقربها أكثر منه حتى أصبحت أمامه:
_ لم تجب سؤالي بعد جلالة الملك، متى تكتفي من حياة الصخب هذه وتقرر الإنضمام لي في حياة هادئة؟؟
نظر لها أرسلان طويلًا ولم يجبها لتشعر أنها تنتظر مستحيلًا منه، تنفست بضيق وهي تبتعد عنه، لكن ما كادت تفعل حتى شعرت بيد أرسلان تقيدها جواره يجذب جسدها صوب القضبان يهمس لها بصوت خافت :
_ يمكنني التخلي عنه لأجلك سلمى، إن كان الصراخ يزعجك لهذه الدرجة سأكمل حياتي اهمس، لكن أبعد من رغبتك هذه لن احقق .
_ ليس فقط الصراخ أرسلان، بل كذلك الظلام الذي يبتلعك .
ابتسم لها بسمة غريبة وهو يميل على أذنها هامسًا :
_ ليس الظلام هو من يبتلعني عزيزتي، بل أنا من أجبر الظلام على أن يحيطني .
رفعت عيونها له وقد شعرت بالاختناق من جملته :
_ وهذه ليست حياة أتمناها أرسلان.
_ لكنها حياتك في النهاية، سواء قبلتي أو ابيتي سلمى .
_ لا شيء يُفرض عليّ جلالة الملك .
فجأة تركها أرسلان بشكل مفاجئ يحرك المفاتيح أمامها بهدوء يتحرك صوب الارضية يلتقط معطفها وحجابها، ومن بعدها توجه صوب الباب يفتح القضبان بكل بساطة، ومن ثم خرج منها، يقترب منها، ودون كلمة جعلها ترتدي المعطف ومن ثم رفع الحجاب يضعه فوق رأسها بشكل مرتب .
_ لا بأس احيانًا تفرض علينا الحياة ما لا نرتضيه .
ختم جملته يقبض على يدها بحنان مناقض لكلماته ومن ثم تحرك بها خارج المكان وهي تسير خلفه تنظر لظهره بإصرار أكبر تهمس بكلمات غير مسموعة :
_ لكنني من الحياة لم ارتضي بسواك أرسلان….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحركت خلف والدها وهي تخفي وجهها خلف الغطاء الخاص به، لتتوقف مع والدها أمامه، شبيه الغائب الحاضر في ذهنها .
نزار كبير رغم اختلاف الطباع، لكن تجمعهما الملامح .
_ سأشتاق لك أيها العجوز، عسى أن ننتهي من هذه لتعود سهراتنا الجميلة .
ابتسم له بارق وهو يتحرك ليضمه له بحب :
_ لنا لقاء قريب آزار.
ضمه آزار بحب شديد قبل أن يربت على ظهره بارق بجدية :
_ أسحب رجالك من بلادي آزار فقد عدت وانتهينا .
_ حدث قبل أن تطلب أخي.
ابتسم له بارق بسمة صغيرة وهو يبتعد عنه، لينظر آزار صوب توبة بأعين أخرى، يراقب الفتاة التي يدرك يقينًا أنها سلبت لبّ ابنه وجعلته مجنونًا هائمًا يبحث عنها في جميع الاوجه .
_ في النهاية أحسن الاختيار .
نظرت له توبة بعدم فهم ليبتسم لها آزار بهدوء :
_ سعيد لرؤيتك بخير يا ابنتي، كوني دائمًا ولنا لقاء قريب جدًا عساه يكون كما نتمنى جميعًا.
زفر بارق بضيق وهو يرفض عرض الأمر في الوقت الحالي على ابنته، لكن يبدو أن ابنته لم تهتم سوى للحديث الودي مع الملك آزار والذي قررت استغلاله اسوء استغلال وهي تهمس بجدية :
_ ملك آزار، بخصوص …بخصوص الأمير نزار .
نظر لها آزار باهتمام، لتحيد هي بنظرها سريعًا صوب والدها خجلة، ومن ثم نظرت ارضًا تفرك يديها :
_ لطالما كنت مثله الأعلى، ولطالما أحبك، كان على استعداد للتضحية بنفسه فداءً لنظرة فخر منك .
أبعد آزار عيونه عنها، بينما هي ابتسمت بسمة صغيرة تكمل همسها بنبرة خجلة :
_ هو يحبك فلا تقسو عليه رجاءً.
اخفى آزار بسمته وهو يسمع نبرتها التي فشلت في إخفاء نبرتها العاشقة بها، يهمس لنفسه :
_ واخيرًا سينال ولدي حبًا يستحقه، عساها تكون فرحة العمر صغيري.
تنهد بصوت مرتفع وهو ينظر لها بحب أبوي:
_ ليقدم الله الخير يا ابنتي .
نظر حوله يبصر موكب سفيد وقد تجهز وقد بدا أن الحميع يهجر مشكى، كلٌ لبلاده قبل التجمع مجددًا .
_ أين هو أرسلان ليس ظاهرًا في المكان، هل يترفع عن توديعنا، ذلك المتكبر .
_ والله أن شدة تواضعي معكم أيها العجوز هو ما جعلك تطمع في المزيد، ولولا أنني لم اتفرغ لنفذت لك وعدي بقتالٍ، لكن ساعتك لم تحن بعد .
رفع الجميع رؤوسهم صوب أرسلان الذي تحرك للساحة مع زوجته والتي كانت قد ارتدت فستان طويل تخفي وجهها خلف الغطاء .
اقترب أرسلان من الجميع مبتسمًا وهو يودعهم بأحضان لطيفة:
_ تصحبكم السلامة مولاي، عساني ألقاكم بالخير دائمًا .
ضمه آزار بحب شديد وهو يربت على كتفه بحنان يهمس داخل أذنه بصوت خافت :
_ كن بخير واعتني بزوجتك، وانتبه لها يا بني فقد اصبحت روحك معلقة بها، نصيحة من شخص عاش حياته متمردًا على الحياة قبل أن تأتي من تخضعه دون رغبته .
ختم حديثه يغمز له، ليتحرك أرسلان بعيونه صوب سلمى التي بدأت تودع تبارك التي نزلت من الهودج لتودعها بعدما رحلت دون الجلوس معها مرة واحدة حتى، وكهرمان التي أخذت توصيها صبرًا بأخيها، ليشرد بها دون شعور يبتسم، قبل أن يسمع صوتًا خلفه :
_ آه منه الحب يا أخي انظر ماذا فعل برجال أشداء، أنه لأمرٍ عسر ها ؟!
استدار أرسلان صوب سالار الذي اقترب منه يضمه لأحضانه، يربت عليه بقوة وحنان :
_ احفظ لسانك وأحسن التصرف اخي، فلن نجد في هذا العالم امرأة أخرى تتحملك .
رفع أرسلان حاجبه وكبت جملة في عقله ” ومن أخبرك أنني سأقبل بأي امرأة أخرى ؟؟” لكنه ترفع عن التحدث بهذه الكلمات أمام أحدهم، يبتسم له بسمة صغيرة قبل أن ينتقل لتوديع بارق، ومن ثم واخيرًا إيفان الذي أخذ يوصيه كما الجميع بأن يحسن التصرف .
زفر أرسلان بضيق :
_ ما بالكم جميعًا تتحدثون كما لو أنكم تتركون طفل صغير لا يحسن التصرف، ما بالكم أنتم ؟!
_ هذا لأننا نعلمك جيدًا أرسلان، ونعلم ما تفعله في الجميع حولك، لذت نوصيك أن تهدأ وتتعامل بتريث .
ابتسم أرسلان بسخرية وهو يتذكر ما فعلت به سلمى منذ ثواني، يسخر منهم وهو يردد بصوت خافت :
_ والله المفترض أن توصونها هي وليس أنا، لا ينقصني سوى أن اعامل كالصغار .
ابتسم سالار يتحدث بهدوء :
_ والله اكسبني التعامل معك خبرة ستعينني على تربية صغيري القادم .
التوى ثغر أرسلان بضيق ولم يكد يتحدث بكلمة حتى سمع الجميع جملة إيفان والذي التقط المعنى المبطن بها :
_ صغيرك القادم ؟؟؟
عند الفتيات :
_ آسفة عزيزتي المرة القادمة تكون زفافك إن شاء الله وحينها لكِ مني وعدًا بقضاء اسبوع كامل معكن .
ربتت عليها سلمى بحنان :
_ لا بأس تبارك، مبارك لكِ عزيزتي عسى أن ينشأ الصغير بعافية وسعادة حبيبتي .
تحدثت كهرمان وهي تمسك يد سلمى برجاء :
_ سلمى حبيبتي لن اوصيكِ أخي، تحمليه وصدقيني ستجدين خلف الصخور جوهرة لا تقدر بثمن .
ابتسمت لها سلمى تربت على كتفها :
_ لا تقلقي عزيزتي اعتدت نحت الصخور، واخوكِ صوان وليس صخرة، لكن لا بأس نحن أهل لها .
فجأة وقبل أن يتحدث أحدهم انتفضت الأجساد على صرخات الرجال المهللة لينظر الجميع لهم بعدم فهم، لكن تبارك لمحت احتفالهم بسالار لتبتسم بفهم
ثواني وارتفعت اصوات الاستعداد للتحرك وتوجهت النساء للموكب وبقيت سلمى واقفة عند البوابة تودعهن بنظرات لطيفة تشعر بالفراغ يبدأ في احتلال صدرها بعد رحيلهن وقد اعتادت وجودهن.
والآن هي وحدها بلا رفقة، وفاطمة مختفية ولا أحد يساعد …
وعلى ذكر فاطمة استدارت صوب أرسلان تنظر له باهتمام تتحدث بلا مقدمات :
_ أرسلان لقد اختفت فاطمة……..
ــــــــــــــــــــــــــ
يقف على باب الغرفة يراقب الرجال الثلاثة يرفعون خناجرهم على الإثنين الآخرين وامامهم تيم يظهر لهم خضوعًا مصطنعًا، كي لا يتسبب في أذية أحدهم.
كشفوا نفسهم حينما اشتد بهم الخوف، ومنذ متى كان الأمن رفيقهم، فهؤلاء من المرتدة والمنبوذين كُتب عليهم التشتت والخوف أبد الدهر .
أشار أحدهم بعيونه صوب يد المعتصم التي كانت على وشك استلال خنجره، ليرفع الأخير يده في الهواء مبتسمًا .
بينما تحدث أحد الرجال وهو يشير بحنجره محذرًا ونبرته خرجت مهتزة بشكل واضح وقد أعلنوا هزيمة مبكرة قبل حتى بدء المعركة، ألقوا الأسلحة قبل أن يحملوها :
_ ابتعدوا عن الباب الآن، دعوا لنا مساحة للذهاب من هنا، هيا ابتعدوا..
أبتعد المعتصم عن الباب بسرعة مشيرًا لزيان بالمثل، ومن ثم أشار لهم بهدوء ليخرجوا مبتسمًا بسخرية :
_ ومن اجبركم على المجئ منذ البداية ؟! أنتم من جئتمونا دون دعوة من طرفنا، لكن لا بأس، هيا يمكنك المغادرة.
سحب الرجل رهينته بين يديه أكثر وهو يتحرك به صوب الباب وعيونه تطلق مئات التحذيرات للمعتصم :
_ لا يتحركن أحدكم مقدار خطوة واحدة حتى نخرج نحن من هنا.
وصل للباب أخيرًا وقد كاد يتنفس الصعداء متحدثًا بجدية :
_ أنا احذركـــ….
وقبل إكمال جملته كان زيان يمد قدمه بهدوء ومازالت يده مرفوعة في الهواء، يراقبهم يتساقطون فوق بعضهم البعض بشكل مضحك وقد ارتسمت بسمة مستهزئة على شفتيه .
بينما المعتصم مال يسحب منهم السلاح، ومن ثم رفعه عليهم يتحدث بنبرة مخيفة وبأعين سوداوية :
_ والآن تحركوا امامي بلا كلمة واحدة .
نظر الرجال لبعضهم البعض بتردد وقد بلغ الخوف منهم مبلغه، ولم يكد أحدهم يتحدث بكلمة واحدة حتى انتفضت الأجساد على هدير المعتصم وهو يضرب أحدهم في خصره :
_ قولت تحركـــــــــوا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقف بعيدًا عن الأعين يراقب القاصي والداني لا يدع أي شخص يتخطى مجال الرؤية أمامه، يتابع الجميع بأعين دقيقة وبالأخص العزيز أصلان والذي كان سيد اهتمامه في هذه اللحظة.
يراقبه وهو يتمرن بقوة تمارين قاسية وبالمثل يفعل بجنوده حوله، وعقل نزار يكاد يتوقف محاولًا الوصول لخطته اللعينة التي تقبع في عقله .
لكن لا شيء، طوال الساعات السابقة لم يصل لشيء سوى أنه وبفضله فسيتعين على الممالك مواجهة مريض كأصلان بخطة لا يعلمون عنها شيئًا .
فجأة رفع أصلان عيونه وكأنه شعر أنه مراقب، لكن وعلى عكس المتوقع لم تهتز شعرة واحدة لنزار وكأنه لا يهتم إن أمسك به أصلان يراقبه أو لا .
اتسعت بسمة أصلان وهو يعتدل وقد كان جسده ممتلئًا بالعرق يجففه بهدوء ومن ثم تحدث بصوت وصل لنزار واضحًا :
_ لطالما عرفنا أن القتال لأصحابه والتخاذل لأصحابه، فالبعض لا يستطيعون شيء سوى خلط بعض الأعشاب وطحن بعض النباتات .
ارتفع حاجب نزار بسخرية وهو يتحدث بصوت ساخر يماثل سخرية أصلان يتحرك صوب الساحة يشمر أمامه بهدوء، ومن ثم حمل أحد السيوف يحرك بين أنامله بمهارة عالية :
_ قوى الجسد فانية يا عزيزي بمجرد ميكروب صغير قد يطيح بها، لكن قوى العقل باقية حتى تفنى روحك، فما بالك بمن امتلك كليهما ؟؟
جذب أصلان سيف بقوة من مكانه يطيل النظر بنزار الذي حرك إصبعه بخفة على السيف وكأنه يختبر مقدار حديته، ومن ثم رفع عيونه صوب أصلان فجأة:
_ ما رأيك إذن أن تجرب مبارزة يد طاحن النباتات ؟؟
رفع أصلان السيف في الهواء يتخذ وضعية القتال متحفزًا لكل حركة، وفي ثواني لم يدرك أحدهم ما يحدث حتى، أشتعل القتال بينهما وقد بدأت الأجساد تبتعد بريبة عن ساحة التدريب التي تحولت في ثواني لمعركة حامية بين نزار قائد جيوش آبى وربيب يد الملك آزار، واصلان القائد السابق لجيوش سبز وربيب يد أحد المزارعين .
أخذ الضربات تتقاذف من هذا لذاك والاعين تراقب باتساع وحماس شديد، حتى كادت تخرج من المحاجر .
حرك نزار السيف بين يديه بمهارة شديدة، قبل أن يهوى بضربة لولا انتباه أصلان لكانت جزت عنقه، لذا فقط أصابته ضربة في كتفه .
تراجع أصلان للخلف وهو ينظر للدماء التي تفجرت من ذراعه وقد اشتعلت عيونه، يبلل شفتيه بأعين تلتمع بالشر .
أما عن نزار فلم يضيع فرصته ليسخر منه يراقب جرحه باهتمام مصطنع :
_ اوه لست آسفًا، ذكرني أن اطحن لك بعض الاعشاب النافعة، فتلك اليد ماهرة في ذلك كما تعلم .
ختم كلماته وهو يحرك أصابعه في الهواء أمام وجه أصلان الذي ضغط على جرحه بقوة، قم رفع عيونه صوب نزار الذي حرك السيف بين أنامله بهدوء :
_ نكتفي بهذا القدر لليوم ؟!
فجأة أصابته ضربة جانبية تسببت في جرح سطحي في خصره، ليطلق ضحكة مرتفعة لا تتلائم مع ما يحدث يكمل بكل جدية :
_ حسنًا إن كنت تصر …..
ومن بعد تلك الكلمات هجم على أصلان بضربات قوية متتابعة، كان يردها الاخير بالمثل، لتشتعل المعركة بين الإثنين أكثر وأشد والجميع يتابع باعين متسعة مرتعبة مما يتنتهي عليه المعركة .
في الثانية التي وصل بها وليد ليراقب ما يحدث بصدمة كبيرة :
_ والله لن يهنأ لك بال حتى تتخلص من حياتك نزار ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يتحرك بين ممرات القصر بملامح واجمة جامدة مخيفة وبخطوات واسعة تحرك صوب قاعة القصر، وخلفه تحاول سلمى أن تتدارك خطواته وتلحق به، لكنه لم يكن يمنحها الفرصة حتى .
دخل القاعة بقوة وهو يتحدث لجنوده بقوة وصرامة:
_ ارسلوا للمعتصم …حــــالًا .
تحرك صوب عرشه يجلس عليه بهدوء، وسلمى وصلت وأخيرًا صوب القاعة تتنفس بصوت مرتفع وهي تحاول التقاط أنفاسها.
_ ما بك ؟! ما الذي اتفقنا عليه نحن ها ؟!
_ لم نتفق على شيء .
رفعت سلمى حاجبها بغيظ شديد وهي تهتف من أسفل أسنانها:
_ أرسلان بالله عليك، لا تصعبها علينا.
_ أنا لا افعل، بل أنتِ من تفعلين في الحقيقة، ما الصعب في تقبلي هكذا دون ارهاق نفسك بتغييري، أنا أوفر عليّ وعليكِ مجهودًا.
تنفست سلمى بصوت مرتفع وهي تغمض عيونها، ومن ثم فتحتها بهدوء شديد وهي تقف في منتصف القاعة تهتف بصوت هادئ وبسمة مسالمة:
_ لا مولاي، لن أفعل ولن اتقبلك هكذا، لن احشر نفسي في ظلامك، فلما لا تخرج أنت لنوري ؟!
أشار لها أرسلان بضيق :
_ على أي أساس تصنفين حياتي مظلمة وخاصتك مضيئة، لمَ ليس العكس ؟؟
نظرت له بصدمة من كلماته تبتسم بعدم تصديق وهي تقترب من العرش :
_ بالله عليك ما تقول ؟؟ هل تصدق نفسك حتى ؟! ماضي وحروب وسيوف ودماء وقتال من أين يأتيك النور حتى ؟!
وقف أرسلان مقابلها وكأنه يناطحها :
_ مجرمين وقتال ومعارك، من أين يأتيكِ النور حتى ؟!
نظرت له سلمى ثواني وهي تضيق عيونها بتحدي، قبل أن تهمس بصوت قوي :
_ سأثقب سقف منزلي لتدخل منه الشمس أرسلان، سأفتح به فتحة كبيرة ليخترق النور عتمتك.
_ لا بأس سيدتي يمكنني نزع السقف بأكمله لأجلك إن كان يمثل لكِ أزمة لهذه الدرجة .
صرخت سلمى بصوت مرتفع :
_ ها أنظر، أنظر إليك، دون تفكير لجأت للعنف .
_ أي عنف هذا أنا اساعدك في حل مشكلتك مع السقف .
نظرت له ببلاهة شديدة :
_ هذا ….هذا ما فهمته ؟؟ أنني أعاني مشاكل مع السقف ؟! حقًا أرسلان ؟!
هز لها أرسلان كتفه ببسمة صغيرة ولم يكد يتحدث كلمة حتى اقتحم الحارس المكان يتحدث بهدوء واحترام:
_ مولاي القائد المعتصم ليس بالقصر .
أبعد أرسلان عيونه عن سلمى يحدق في الجندي وهو يهمس ضاغطًا على أسنانه بغضب :
_ أين ذهب هذا المعتصم ؟؟؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يقف معهم بملامح جامدة غريبة لا تمت للمعتصم بأي صلة، يراقب ملامح حرس القصر جهة الجنوب بعدما تفرغ لتوه من التحقيق بالفعل مع كل حراس البوابات الأخرى.
_ إذن لا بد أن زوجتي العزيزة تمتلك مهارة الاختفاء، فلا واحد منكم جميعًا أبصرها تخرج من هنا، إذن لابد أنها تبخرت أو ماشابه .
نظر الحراس لبعضهم البعض وقد كان الجميع يراقب ملامح المعتصم الذي يتحدث ببساطة وبساطة كبيرة تجعلك تعتقد أنه ربما يمزح، لكنه لم يكن البتة.
فجأة انتفضت الاجساد حينما صرخ وقد فقد صوابه، يصرخ ويردد أنه لن يهتم ولتذهب للجحيم، لكنه يلحقها لذلك الجحيم إن كان سيجمعهما، يبحث عنها في جميع الطرقات الفارغة عله يصطدم بها صدفة .
_ هل أعمى الله أبصاركــــم ؟! هذه امـــــرأة… انـــسان وليست حشرة لتخرج من أسفل أقدامكم دون شعور، بالله عليـــــكم .
ختم حديثه وهو يطلق صرخة عاجزة، يعز عليه الجلوس هنا وهي الله وحده يعلم ما حدث معها، تنفس بصوت مرتفع وهو يميل مستندًا على ركبتيه يركز في الأرض أسفله وقد بدأ اليأس يتمكن منه ولولا وجوده على مرأى ومسمع من الجميع لسقط ارضًا يرثي نفسه وزوجته التي لم تحيا يومًا واحدًا سعيدًا منذ ولدتها أمها إلا يوم ولادتها نفسه .
_ آه يا فاطمة آه..
نظر له الحراس بشفقة وهم يعلمون شعور أن يقف المرء عاجزًا عن تأدية دوره في حماية من يخصه، أولم يحيوا هذا الشعور من قبل حينما سلبت البلاد من بين أيديهم دون أن يتمكنوا حتى من رفع إصبعًا ؟!
ابتلع المعتصم ريقه يحاول تمالك نفسه، ومن ثم استقام وهو ينظر لهم بجدية يحاول تنظيم أنفاسه بشكل يسمح له بإخراج كلمات متوازنة، ومن ثم مسح خصلاته وهو ينظر لهم متسائلًا وكأنه يدرس الأمور حوله :
_ العربات، هل خرجت أي عربات في ذلك الوقت ؟؟
نظر الجميع لبعضهم البعض، قبل أن يتحرك أحدهم وهو يردد بجدية وهدوء رغبة في المساعدة قد استطاعته:
_ سوف احضر الدفتر الخاص بالعربات .
نظر له المعتصم بأمل بدأ ينتعش داخل صدره ولم يكد الرجل ينتهي من جمع ما يريد المعتصم حتى وجد المعتصم أحد الرجال يهرول صوبه بسرعة :
_ سيدي أنت هنا ؟؟ الملك يبحث عنك في كل مكان .
نظر له المعتصم بأعين مخيفة بعض الشيء، ومن نظر للرجال يهتف بجدية :
_ حينما يعود رفيقكم دعوه يحضر لي كافة التفاصيل عن العربات لجميع البوابات وليس الجنوبية فقط رجاءً.
ختم حديثه وهو يتحرك بعيدًا عنهم، لكنه فجأة توقف ينظر لهم ثواني بتردد ومن ثم تحدث بجدية :
_ وأنا…. أعتذر إن تماديت في الحديث معكم .
تحرك بعد كلماته تلك صوب الملك وهو يفكر فيما سيفعل، عليه التصرف بذكاء وليس تهور، وأول تلك الخطوات ليصل لها هو معرفة كيف يمكن أن تخرج من القصر دون أن يشعر بها أحدهم ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
يجلس مبتسمًا باتساع لا يهتم بكثرة الضربات التي تلقاها أثناء المعركة الحامية التي خاضها ضد أصلان، طالما أنه أعطى أصلان ضعف ما نال هو من ضربات .
شعور عارم بالسعادة وهو يبصره يبصق دمائه أمامه وقد بدأت عيونه تشتد وتزداد قتامة، لكن نزار فقط نظر له بابتسامة متسعة ومن ثم ألقى سيفه يتحدث بهدوء :
_ مر عليّ علني أجد لك بعض الاعشاب لتخفف من جروحك، ولا تتعرض للشمس كثيرًا فهذا سيضر بجروحك .
ختم حديثه وهو يفرد ذراعيه بهدوء شديد في الهواء مبتسمًا بسما واسعة، ومن ثم استقام يتحرك بعيدًا عنه تاركًا أصلان يصارع ارضًا بحثًا عن سيفه كي ينهض وينقض عليه .
وها هو الآن يجلس في المنزل بجروح كثيرة أمام الوليد الذي كان يتابعه بملامح مصدومة مما فعل وقد بدأ الحنق يسيطر عليه :
_ ألا يمكنك على الأقل أن تدعي الطاعة والمسالمة .
_ لا، لا يمكنني .
نفخ الوليد وهو يتحرك صوبه متحدثًا بجدية:
_ اسمعني نزار المرة السابقة كدنا نموت بسبب ما فعلنا وهذه المرة أصلان لن يهمه شيئًا، وإن كان الأمر بيده لقتلنا بالفعل، لكنني أحرص على جعله يحتفظ بنا لأطول وقت ممكن .
رفع له نزار رأسه وهو يفكر في كلماته بجدية :
_ وما المقابل يا ترى ؟؟
نظر له أصلان بعدم فهم ليهمس له نزار بسخرية وغضب من تصرفات الوليد:
_ ما مقابل احتفاظه بنا أحياء حتى الآن يا ترى ؟!
زاغت عيون الوليد وهو يحاول الابتعاد بنظره عن نزار، وقد بدأ الاخير يشعر أنه لا يخفي خيرًا له، نهض يقترب منه هامسًا بتحذير .
_ وليد لا تحترف الحقارة يا أخي فتضل وتهوى أقدامك.
نفى الوليد ما يدور في رأس نزار يهتف بجدية :
_ صدقني لا أعلم ما يخطط له، لا أعلم سوى أنه..
سينفذ ما يخطط له منتصف هذا الشهر واليوم ….لقد دعا رجاله لأجتماع ضروري اليوم وخمنت أنه قد يكشف لهم الخطوة القادمة له .
التمعت عيون نزار بقوة بينما الوليد يتابعه يدرك أن نزار يتشبث في أي حبال قد توصله للبر، يتحين الفرص ليحصل على رضى الممالك ومن بها، يعتقد أنه بتسليمه للجميع سيصل لغفرانهم أو يكفر عن ذنبه السابق .
وأد الوليد التماع عيون نزار وهو يهتف بجدية :
_ وبالطبع نحن لسنا من المدعوين على هذا الإجتماع.
نظر له نزار ثواني قبل أن يردد بجدية وبسمة واسعة:
_ من ذكر شيء عن الدعوة يا الوليد ؟؟؟؟؟؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجلس في نافذة الغرفة التي يحتلها داخل منزل أنورين وهو يرتشف بعض المشروب الدافئ الذي حصل عليه بعدما رمته ابنة انورين بشر لو خرج وتمثل على أرض الواقع لكان نيرانًا تحرق .
ابتسم دون اهتمام يتابع الطرقات الشبه فارغة أمامه بأعين شاردة بشكل واضح، ولم يستفق سوى على صوت أنورين خلفه لتنقلب ملامحه بضيق شديد :
_ ليتلطف بي الله من هذا العجوز الممل .
رسم بسمة واسعة وهو يستدير صوب انورين ولم يكد يتحدث بكلمة حتى انتفض الإثنان بشكل مرعب على أصوات صراخ قوية في الخارج وصيحات مرعبة .
انتفض انورين يخرج من منزله ركضًا صوب الصوت، بينما هو جذب وشاح يخفي ما استطاع من وجهه وهو بتحرك خلفه بسرعة .
في اللحظة التي بدأ الجميع يخرج من دياره والأصوات تعلو والصرخات تزداد قوة .
ركضت ديلارا برعب وعثمان يتسند على كل جدار يقابله وقد انفض الجميع للخارج وبدأت أصوات الصرخات تعلو من جميع المنازل تقريبًا وأحدهم يردد في منتصف الساحة كلمات غير مفهومة، يحمل بين يديه امرأة فاقدة لكل معاني الحياة يصرخ بجنون وهيستيرية مرعبة :
_ ابنتي، قتل ابنتي، من تبقى لي في الحياة استكثروها عليّ، سمموها .
بدأت الأصوات تعلو من حوله والكثير يسقط ارضًا وكأن وباء انتشر فجأة بين الشعب، حتى أن البعض بدأ يبتعد عن المصابين برعب .
الزعر انتشر بين الشعب والكل يصرخ ويستغيث للمساعدة، ولا أحد بجيب خوف الاقتراب والإصابة بذات الوباء .
أنمار فقط يراقب ما يحدث بعدم فهم، يشعر بالريبة والتي تأكدت حينما سمع صوت ينطلق من بين الجموع الغفيرة:
_ كل هذا بسبب الغلال التي وزعها الملك على الجميع، أراد التخلص منا ليخفف من مسؤولياته، والله قلت أنه لا يفعل شيئًا لوجه الله، والده وتخلص منه لأجل الملك فما يضيره ببعض الفقراء مثلكم لن يمثلوا سوى المزيد من الأعباء على مملكته.
صمت لينطلق صوتًا جهورًا منه وهو يضيف على جملته السابقة بكل غضب :
_ لا عجب أن يستغل ضعفكم وصمتكم ويقتل المزيد منكم حتى يحصل على شهيد من كل بيت .
كان الرجل يتحدث بكل قهر وقد أحمر وجهه، بينما الجميع نظر له باستنكار رافضين تصديق ما يهزي به هذا الرجل، لكن البعض من أتباعه بدأ يسانده في كلماته ويشعلون الفتنة، والبعض ممن غلبهم الشيطان انقادوا خلفه وقد اشتعلت أعينهم بالقهر والحسرة يصرخون بالقصاص ممن كان سبب فقدانهم احبتهم.
وأنمار يراقب الرجل الذي اشعل الفتنة منذ البداية يحاول تذكر أين ابصره قبل أن تتضح له ملامحه ليهمس بصدمة :
_ حربيّ ؟؟
فجاة بدأت بسمة واسعة ترتسم على فمه وهو يراقب ما حوله وقد اندفع عدد لا بأس به من الشعب ورجال أصلان صوب القصر غاضبين مستنفرين .
بينما ظل الكثير ممن احتفظ بعقله يراقبون ما يحدث بعدم تصديق يحاولون قمع رؤوس الفتنة، لكن الفتنة كانت أشد وطأة، وكانت لها اليد العليا هذه المرة…..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ طلبتني مولاي ؟!
_ سيد المعتصم حمدًا لله أنك أنرت القاعة بطلتك، أرسلت القاصي والداني للبحث عنك، على حد علمي كانت زوجتك هي الضائعة ولست أنت.
رفع له المعتصم عيونه وقد اشتدت ملامحه شرًا يحاول الحديث بكلمة، لكن أرسلان رمقه بنظرات حادة يتحدث بنبرة ساخرة سوداوية وهو ينظر بطرف عيونه صوب سلمى التي كانت تراقب ما يحدث دون تدخل :
_ جلالة الملكة هلّا تركتينا بمفردنا رجاءً، فهناك كلمات لا أحبذ اطلاقها على مسامعك .
فتح المعتصم عيونه بصدمة كبيرة، ليس من جملة أرسلان التي أطلقها منذ ثواني، بل من سلمى التي تحركت صوبه تهمس له بكلمات جعلت وجه الأخير يشتد غضبًا بشكل مريب .
ومن ثم ابتعدت عنه تبتسم برقة لا تناسب ملامح أرسلان التي تبعت جملتها، أما عن أرسلان نظر لها بأعين أشد شراسة مما كان ينظر للمعتصم منذ ثواني يهمس لها بصوت وصلها هي دون غيرها :
_ أنتِ يا امرأة تحتاجين لجلسة تأديب مكثفة..
ابتسمت له سلمى وهي تضرب كتفه بخفة ممازحة، تنبث بجدية كبيرة:
_ موعدنا في السجن مولاي، اسمح لي بالرحيل .
رمقها أرسلان بسخرية لاذعة وهي تميل لتحمل طرف فستانها برقي، ومن ثم استقامت تتحرك للخارج قبل أن تتوقف بهدوء تستدير نصف استدارة وبنبرة جادة اردفت:
_ وتذكر ما قلته مولاي، اسمحا لي بالانصراف..
تحركت خارج القاعة تاركة المعتصم يراقب ما يحدث بعدم فهم وصدمة من صمت أرسلان أمام زوجته ووداعته الظاهرة هذه .
لكن بمجرد أن خرجت سلمى من مجال رؤية أرسلان حتى اشتدت ملامحه وعلت الجدية وجهه :
_ والآن سيد المعتصم شرفني بما لديك.
حاول المعتصم أن يستوعب ما يدور حوله ينظر صوب أرسلان الذي هبط عن مقعده يتحرك نحوه، والأخير يتابعه بترقب وكأنه ينتظر قدره .
وحينما توقف أمامه تحدث بجدية :
_ أتراني احمقًا يا المعتصم ؟؟
اتسعت عيون المعتصم بقوة وهو يسارع لنفي حديثه بكلمات متلهفة:
_ العفو مولاي، من يقول هذا ؟!
_ افعالك يالمعتصم، أن يختفي أحد أفراد شعبي ولا يتم إعلامي بالأمر لهو استهزاء بي.
_ أنا….
صمت المعتصم بعجز وقد احتار في التحدث بما يعلم فهل يخبره بشكه الأول أنها سارت خلف عقلها وربما لا يكون الأمر اختطاف، أو يكتم علة زوجته بينه وبين نفسه، وقد أبت نفسه بالفعل أن يتحدث فيما يخص حالتها مع أحدهم.
رفع عيونه له وقد اشتعلت بغضب شديد يحاول أن يتحدث بكلمات مرتبة لا تتسبب في إطاحة رأسه بغضبٍ من أرسلان.
_ مولاي الأمر وما فيه أنه…..
فجأة اقتحم أحد الجنود المكان وهو يتحدث بسرعة كبيرة معتذرًا :
_ مولاي أعتذر عن المقاطعة لكن هناك ما يجب أن تعلمه .
نظر له أرسلان بترقب وهو يحاول معرفة ما يريد، لكن فجأة سقطت الصاعقة أعلى رأسه حينما هتف الرجل بصوت مرتجف بعض الشيء :
_ هناك حشود من الشعب تقف أمام القصر تطالب بــ…بـ
_ بماذا يا بني تحدث .
كانت كلمات هادئة باردة لا تحمل أي ذرة مشاعر وهو يدرك أن القادم لن يسره بأي شكل من الاشكال وقد صدق حدسه حينما سمع الجندي يكمل بأعين ملتاعة :
_ رحيلك …..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أسد مشكى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *