روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت الرابع والعشرون

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الرابع والعشرون

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الرابعة والعشرون

حجز أكرم لنفسه غرفة بالمشفى الخاص التابع لوجيه الزيان .. تحدٍ واضح لكلاهما هذه المرة … وكأنه يخبره أنه اتى لعنده ويفعل ما يستطيع !.
نظر ليده الملفوفة بالشاش الأبيض ثم نظر للباب وقرر الذهاب لمكتبها .. فهو قد سأل بمراوغة احدى الممرضات وعرف منها أن جيهان لا زالت بالمشفى وبمكتبها خصيصا .. وأن وجيه خرج منذ ساعات وقد أنهى جميع مهامه الطبية لهذا اليوم بالمشفى .. إذن الفرصة سانحة لمقابلتها.
توجه أكرم نحو نافذة الغرفة الزجاجية المُطلة على الشارع الرئيسي و شرد لبعض الوقت .. حتى لمح جيهان وهي تخرج من المشفى وتجلس بسيارتها .. ففتح زجاج النافذة وقابله الاصوات المزعجة للطريق .. وانتبهت لنظراته جيهان عندما قررت أن تنظر جانبا للمبنى ..
ونظرا لبعضهما لبعض الوقت ولدهشته لاحظ أنها خرجت من السيارة وعادت للمشفى من جديد.
فابتسم بسخرية وعاد لداخل الغرفة …
وبينما كانت جيهان تستشيط غضبا من نفسها ومنه وتخطو ذهابا وايابا داخل مكتبها .. اقتحم هو المكتب وأغلق الباب عليهما ..
استدارت لتجده أمامها يسد باب المكتب الذي أغلقه منذ ثوانٍ، ابتلعت جيهان ريقها الذي جف تقريبًا وندمت أنها عادت مرة أخرى للمشفى وعرضت نفسها لظنونه ولهذا الموقف التي لا تعرف لأي حد سينتهي .. تظاهرت بالثبات والقوة وهي تصيح بوجهه بعصبية :
_ أحنا مش في القصر المهجور بتاعك عشان تدي لنفسك الحق تدخل وتخرج زي ما أنت عايز ! .
كان يملأ الغرفة بوجوده وتلك العينان الحادتان تنظر لها بشراسة ومكر بآنً واحد ، وحقا اعترفت لنفسها أنها لا تعرف للراحة عنوانا بوجوده ، دائما حضوره يجعلها مرتبكة وقلقة وسعيدة بذات الوقت !
وعادت تصيح بوجهه وهي تشير له بتهديد :
_ أبعد عني .. أنا قولتلك كتير أني مش عايزة أشوفك تاني ، يبقى ليه بتجري ورايا في كل مكان !
واهتزت أوصالها بذعر عندما تحرك أكرم وجهتها بقامته الطويلة وشخصيته المسيطرة وعينيه الشرستان .. عادت للخلف بخوف حتى التصق ظهرها بالحائط وحينها اقترب أكرم منها واقتحم المسافة بينهما وهو يهمس بصوته أمامها وينظر لعمق عينيها بتهديد :
_ أنا وعدتك أني مش هسيبك في حالك وهردلك اللي عملتيه ، بس عايز أقولك حاجة مالهاش اي علاقة بكرهي ليكي ..
لم تستطع جيهان غير أن ترتجف وتحاول الهرب من هذا المأزق ، واعترف بابتسامة شديدة الخبث تسحبت ببطء على شفتيه امتزج بها شيء من الأشتياق والعشق الذي التمع رغما عنه:
_ الفترة الوحيدة اللي أحب أنها تتكرر في حياتي حتى لو الف مرة هي أيام القصر الجنوبي .. لما رجعت في يوم ولقيتك في قصري وفضلتي تهربي مني كل ما تشوفيني ..
وأشتدت قسمات وجهه بالتحدي والغضب عندما أضاف :
_ ولحد دلوقتي لسه بتهربي مني .. بس أن كنت سيبتك مرة تعمليها ، فـ المرادي القرار ليا لوحدي .. الحكاية ما خلصتش يا جيهان ، حكايتنا اللي بجد لسه هتبتدي ..
استطاعت جيهان أن تنطق بصعوبة من عنف تأثيره عليها وقالت بصوت حاولت أن يبدو قويا ولكنه ظهر ضعيفا مهتزا :
_ وأنا هقولهالك للمرة المليون وواحد .. سيبني في حالي وأبعد عني.
ضيق اكرم عينيه بتوعد وهز رأسه رافضا وقال :
_ أنتي اللي بدأتي .. غلطتي ولازم تدفعي التمن.
صاحت بوجهه وقد تملك منها الغضب :
_ غلطت في ايه ؟! .. وتمن ايه اللي هتدفعه ؟
ضرب أكرم بيده الملفوف بالشاش الحائط خلفها في غضب شديد ، فأغمضت عينيها بذعر للحظة ، فصاح فيها كاذبا :
_ علاقتي بيكي اللي بقت على كل لسان بسبب كلامك للصحافة ، ده مابقاش حد من معارفي غير وفاكر اني غرقان في حبك وأنتي اللي هربتي مني وسبتيني .
نظرت له بذهول ولأنفاسه المتصارعة وعينيه التي تنظر لها بعنف وحزن غامض يلتمع فيها !، فقالت بعدما أخذت نفسا عميقا :
_ هرفع قضية على الصحفي اللي نزل الخبر ده وهكذب في كل الجرايد والسوشيال .. وأظن ده اكتر من كافي عشان يثبتلك أني ما اتكلمتش مع اي صحفي وهما اللي ألفوا الأخبار دي وعملوا منها تريند زي أخبار كتير أوي وطلعت في الأخر إشاعات وكذب .
احتد الغضب بعينيه ورفض اقتراحها قائلا :
_ كل ده بالنسبالي مش كفاية … ما هو هيبقى خلاص وصلتي لهدفك ولفتي نظر طليقك ليكي ورجعتيه على حساب سمعة انسان !
لم تصدق جيهان ما يقوله ، فقالت بذهول :
_ تقصد وجيه ؟! ..
هتف بوجهها بغليان :
_ آه هو .. هو اللي ما فكرتيش لحظة في شكلي قدام الناس وسمعتي واستخدمتي ارخص طريقة عشان ترجعيه ليكي ..
سخرت جيهان بعصبية وقالت :
_ لا وأنت اللي سمعتك كانت ناصعة البياض ! .. أنت ناسي أنك كنت هربان اصلًا من الناس ! .. ولا مش فاكر انك اساسا كنت كل يوم مع واحدة قبل ما تقرف من كل اللي عملته وتسيبه وتعيش في قصرك المهجور ! .. ده غير أني مش هسمحلك تتكلم عني أو تتكلم عن الدكتور وجيه بالشكل الحقير ده تاني !
ضغط أكرم على أسنانه وكاد يسحقها من شدة الغضب وهو يطالع جيهان ، بينما اكدت جيهان وقالت ليتقد غضبه اكثر :
_ أنت لو كنت تتمنى أن أيام القصر الجنوبي تتكرر لما أتقابلنا ، أنا بقا نفسي احذف الجزء ده من حياتي للأبد وأنساه .. مش عايزة أفتكر أن المشكلة اللي وقعت فيها خلتني أقع في مشكلة أكبر يوم ما قعدت في قصرك وعرفتك ..
هدر صوته واشتعلت عينيه بعنف وهو يردد :
_ أنا بكرهك ..بكرهك.
تقبلت جيهان بكل كبرياء كلمته وقالت بتحد:
_ اكرهني براحتك .. بس ابعد عني وسيبني في حالي و..
وتوقفت جيهان عن الحديث عندما لاحظت أن الشاش الابيض الملفوف على جرح يده أصبح غارقا بالدماء ، وذلك يشير أن الجرح ينزف من جديد .. فقالت بقلق حقيقي :
_ ايدك بتنزف يا أكرم ..
لم يهتم أكرم بجرح يده وهددها قائلًا :
_ بكرهك .. بس لا هبعد عنك ولا هسيبك في حالك ، والايام بيننا.
لم تكترث بما قاله وابتعدت عنه خطوات وبلحظاتٍ بسيطة كانت أخرج صندوق للأسعافات الأولية ، وأخذت يده المصابة وبدأت تزيل الشاش الغارق بالدماء ، والعجيب بالأمر أنه تركها تفعل ما تشاء وتضمد جرحه ، وبعد دقائق قليلة كانت انتهت من تطهير الجرح وتغطيته من جديد ، وتفاجأت بعينيه الغارقة بوجهها في شرود وحزن وعتاب صارخ يضج بالأسئلة .. وحينها قالت جيهان بتوتر وهي تهرب من نظراته :
_ خلي بالك عشان الجرح ما ينزفش مرة تانية .. وأظن مش جرح بسيط زي ده يخليك تتحجز في المستشفى !
و رد عليها بتصميم وإصرار قائلًا كأنه عزم على شيء :
_ مش جرح ايدي اللي خلاني أبقى هنا ..
ابتلعت ريقها وسألته :
_ مش فاهمة ..
نظر أكرم لعمق عينيها وهمس لها بإصرار مجنون :
_ يوم ما هرجع القصر الجنوبي مش هرجع لوحدي يا جيهان.
وارتجفت جيهان من نظراته المتحدية الشرسة وظلت متجمدة بلا حراك حتى خرج أكرم من مكتبها وتركها هكذا ..
جلست جيهان على اقرب مقعد وشعرت بوهن مفاجئ بساقيها وهي ترتجف ، وظلت صامتة وتتردد جملته بعقلها لمراتٍ ومرات وتحاول جاهدة أن تستوعبها .. وشعرت بالخوف لمَ يفكر به هذا المجنون !.
**********************
ظلا فرحة وزايد يتحدثان أمام غرفة ممدوح بالمشفى وقد ارتاح بعض الشيء عندما طمأنه الطبيب بآخر التطورات بالساعات الماضية وأن حالة والده قد تحسنت بالفعل، حتى ظهر فجأة ذلك الأفعى هيثم ، وحينما لاحظ نقاشهما الهادئ وابتسامة فرحة لزايد وأصابعهما المتشابكة زفر بغضب وحقد شديد .. وحينها خرجت نوران مع أبنها فادي وأخبرته بأن وقت الزيارة أنتهى .. فوقف هيثم قائلًا بعصبية :
_ طب تعالي اوصلك .. الجو هنا خنيق أوي.
نظرت نوران جانبا لزايد وفرحة بنظرة تحتقرهما وأجابت :
_ والله عندك حق ..
وأرادت فرحة رد الصاع لها فقالت لزايد وكأنها تحدثه :
_ حاسة أني مرهقة جدًا يا زوزي .. رجعني على الفيلا بتاعتنا والصبح بدري هنكون هنا بإذن الله.
رفع زايد حاجبه لها وردد بتعجب :
_زوزي ! ..
فغرت نوران فاها ثم قالت بعصبية :
_ الفيلا بتاعتكوا ! …
هزت فرحة رأسها بابتسامة وقالت بهدوء مستفز :
_ آه .. ما هي أي حاجة ملك جوزي فهي ملكي أنا كمان ! .. بعد أذنك بقا يا حماتشي ..
وقصدت نطق الكلمة الأخيرة بتلك الطريقة وهي تسحب زايد من يده ليذهب معها .. وابتسم زايد من كل قلبه بسبب تصرفاتها الطفولية رغم صعوبة ما يمر به .. حتى قال بضحكة بسيطة وهما يدخلان المصعد :
_ يا مجنونة ! ..
ضحكت فرحة بملء فمها وقالت :
_ الولية كانت هتتشل .. لا ولسه ..
وعندما تحرك المصعد بهما عاد لوجهه ذلك الشرود والعبوس مرةً أخرى ، فلمست فرحة أصابعه وقالت بلطف وهمس :
_ صدقني هيبقى كويس .. أطمن.
ضغط زايد على أصابعها بتمسك ورفق وظل شاردًا حتى خرجا من المشفى بكامله وتوجها للمنزل .
**********************
وفي تلك الساعات الليلة ..
قد تأكدت سمر أن زيارات الطبيب لأمجد قد انتهت لهذا اليوم .. فأغلقت باب الغرفة من الداخل بعدما اتفقت مع زملائها الممرضات أنها ستعتني بتمريض أمجد وحدها .. فإذن لن يأتي أحد حتى الصباح ..
اقتربت منه ببطء حتى لا تزعجه وتأكدت أن نومه هادئ ومفعول المسكنات يبدو واضحا .. فتمددت على السرير الفارغ المجاور للسرير الطبي لأمجد والخاص بأي مرافق للمريض … واستندت على الوسادة وعينيها ثابتةً عليه .. ورغما قد غلبها النوم وغرقت بغفوة عميقة.
وعندما دقت الساعة الرابعة فجرًا .. تململت سمر في الفراش بارياحية وكأنها لم تغفو لشهورا طويلة ، وفتحت عينيها ببطء وهي تشعر بكسل شديد ، وصدمها عينان أمجد الناظران لها … وانتفضت سمر من الفراش واسرعت لسريره وهي تنتفض وتلمس خده وتسأله بخوف وقلق شديد
_ أنت كويس ! … أنا مش عارفة أزاي نمت بالشكل ده.
ظل أمجد ناظرا لها بصمت ، حتى اكتشفت سمر أنها لا ترتدي حجابها ! … ويبدو أنه انسدل عن رأسها أثناء غفوتها دون أن تشعر .
ارتبكت وتوترت وهي تتحاشى النظر اليه وذهبت لفراشها لتأخذ حجابها ، وبعد لحظات كانت ترتديه مرة أخرى وقالت له بعدما ابعد عينيه عنها ونظر للبعيد بجهة أخرى شاردًا :
_ أنا أسفة .. والله نمت غصب عني ، بس هفضل صاحية ومش هغمض عيني لحظة تاني.
خرج أمجد من شروده ونظر لها بصمت للحظات ثم قال ببطء :
_ لأ نامي .. ولو احتجت حاجة.. هصحيكي.
رفضت سمر ذلك الاقتراح وقالت بتصميم :
_ لأ هفضل صاحية .. ده شغلي ، أنا مش جاية هنا عشان أنام ..
أغمض امجد عينيه ويبدو أن ردها أستفزه .. فأقتربت سمر منه وهمست له قائلة بابتسامة رقيقة :
_ وهقعد جانبك كمان ..
اطرف أمجد عيناه بغرابة من تلك الفتاة الممرضة ، وحاول أن يصرف ذهنه عنها ويعود لتفكيره المشوش وعالمه المظلم الذي لا يتذكر منه أي شيء .. وبعد مرور ساعة انتبهت سمر لصوت يناديها بينما غرقت بغفوة من جديد …
_ يا أنسة !!
فتحت عينيها واستوعبت أنها غفت من جديد ، فنظرت له بنظرات طفولية معتذرة وقالت وهي تنهض وتقف :
_ معلش والله معلش .. هروح اغسل وشي واعملي قهوة تقيلة عشان افوق .. وأجيلك يا أمجد ..
وركضت وخرجت من الغرفة تحت نظراته ،وعندما خرجت ابتسم أمجد لردة فعلها الطفولية رغما عنه .. بها شيء محبب لقلبه تلك الفتاة لم يدرك ما هو تحديدًا ! ..
********************
وسهرت جيهان تلك الساعات بمكتبها بالمشفى ، وعند الساعة السابعة صباحا قررت الانصراف والعودة لمنزلها ..
وعندما كادت أن تدخل سيارتها بعدما دفعت حقيبة يدها على المقعد وجدت يد اكرم الغليظة تجذبها بالقوة لسيارته .. فهتفت به صارخة ليبتعد عنها ، ولكنه لم يكترث لصراخها ودفعها بعصبية داخل سيارته .. ثم وبلحظات خاطفة جلس بمقعد القيادة وحرك سيارته لتختفي من أمام المشفى بدقائق قليلة ..
صرخت جيهان وهي تطرق بيديها امامها وتقول :
_ أنت واخدني على فين !! … نزلني وإلا هوديك في ستين داهية !
ظل أكرم يقود سيارته بسرعة جنونية غير مكترثا بكل ما تفعل … بينما رمقت جيهان مؤشر السرعة وشعرت بالهلع خصيصا بهذا الأزدحام وقالت :
_ يا مجنون وقف العربية هنموت !!
وظل أكرم على نفس السرعة حتى صاحت جيهان فيه للمرة التي لم تعرف عددها :
_ أنت واخدني على فين ! .. بقولك نزلني !
وأخيرا نظر لها اكرم نظرة جانبية سريعة ثم قال بتريث مستفز :
_ على القصر الجنوبي ..
شهقت جيهان من الصدمة ، وهزت رأسها برفض تام ومع جميع صيحاتها وصراخها استسلمت للأمر الواقع حتى تجد حلًا للخلاص منه ..
***********************
استيقظت سمر للمرة الثالثة على صوت أمجد … وعندما فتحت عيناها تثاءبت بكسل شديد ، حتى استوعبت أنها غفت مرةً أخرى ، فنظرت بذعر لأمجد لتجده ينظر لها بثبات.. وقال بنظرات متسلية :
_ صباح الخير.
ثم اتسعت ابتسامته لتصبح ضحكة عندما نظر لها ووجدها تكاد أن تبك من فرط الاحراج …

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *