رواية زهرة الفصل الأول 1 بقلم ندى أشرف
رواية زهرة الفصل الأول 1 بقلم ندى أشرف
رواية زهرة البارت الأول
رواية زهرة الجزء الأول
رواية زهرة الحلقة الأولى
في إحدى المساكن الفخمه حيثُ تقف زهرة في شرفة غرفتها شاردة الذهن تتذكر ما حدث لها في ماضيها المؤلم، تتذكر وتبكِ بـ حُرقه، مستقبلة النسيم البارد الذي يهب عليها مواسياً، شعرها المتطاير أثر ذلك النسيم مداعباً وجنتيها.. تتذكر ماضيها المؤلم مع والديها…
٭٭٭
دلفت زهرة الى غرفة والدتها (سنية) التي تقطن في منزل بسيط وأسرة بسيطة لكنهم يعيشون بسعادة ورضى تملئ قلوبهم:
– ماما ماما أنا نجحت ياماما..
نظرت لها سنية غير مُصدقة الى ما تسمع فقالت:
– انتِ بتقولي إيه! قولي كدا تاني.
أجابت زهرة بابتسامة عريضة:
-انا نجحت ياماما والله نجحت جبت المجموع اللي كان نفسي فيه وهدخل كلية الطب!
اطلقت سنية العنان للزغرودة التي ملئت أرجاء المنزل لتُعبر عن فرحة طالما انتظرت حدوثها
سَمع عبد الحميد أصوات الزغاريد فدلف إليهم متعجبًا فتسائل بتعب:
– خير يا سنية إيه أصوات الزغاريد دي.. في إيه؟
اجابت سنية بفرحه:
– زهرة نجحت ياعبد الحميد وهتبقى دكتورة قد الدنيا..
لمعت عيني عبد الحميد فرحاً لتحقق حلم طال انتظاره فقال:
– أما انت كريم يارب، اللهم لك الحمد…
فاستطرد قوله قائلاً:
– أنا كمان عندي ليكم مفاجأه..
أجابت زهرة بشغف:
– قول يابابا فرحنا..
كذلك سنيه التي هتفت بتسرّع:
– ماتقول ياعبده كمل فرحتنا..
أجاب:
– المنشاوي بيه كان وعدني إنه هيديني مفتاح الشاليه بتاعهم نقضي كام يوم هناك، والنهارده بعتلي ولما روحتله اداني المفاتيح وقالي أجازة أسبوع واعتبريها حلاوة نجاحك يا زهرة مش كان نفسك تروحي مصيف من زمان؟
أجابت زهرة بسعادة:
– ربنا يخليك لينا يا بابا ويخليلنا المنشاوي بيه..
ثم هتفت في نفسها ” مش لو كنا في مستوى أحسن من كده مكناش احتاجنا لحاجة من حد غريب، يلا الحمد لله على كل حال وكتر ألف خيره..”
تسائلت سنية:
إيه يا زهرة روحتي فين سرحانة في إيه، فرحانة طبعا مش كده؟
أجابت زهرة:
– هاه..؟ آه طبعا فرحانة، فرحانة جداً كمان..
ردت سنية برضى:
-ربنا يفرحه زي مافرحنا، والله ياعبده منشاوي بيه ده جمايله كترت علينا اوي.
٭٭٭
“منشاوي بيه” صاحب أكبر شركات أدوية في مصر،
زوجتة “بدرية هانم” لديهم إبن وحيد “سليم المنشاوي”
شاب أنيق وغني، انطوائي، هادئ، متواضع ولا يهتم للطبقات الاجتماعية كوالده أما والدته بدرية فتهتم كثيراً باختلاف الطبقات والمستوى الاجتماعي لكل شخص.
له نفس المرحلة العمرية والدراسية لزهرة، كما وأنه مُقبل على كلية الطب بعد أن اجتاز المرحلة الثانوية بتفوق..
أما زهرة فهي فتاه جميلة قلباً وقالباً، إسم على مُسمى، كالزهرة تتميز ببشرتها الخمرية وعيونها الخضراء ذات الرسمة الجميلة المسحوبة للخلف.. جذابه وتجذب كل من ينظر إليها.. شعرها الأسود الطويل الناعم الذي يحسدنها عليه الكثيرات.. ووجهها الدائري وشفتيها التي تشبه حبة الفراولة.. جميله وكل من ينظر لها لا يمل منها أبداً، أعطاها الله الجمال والخِفة ورجاحة العقل والحكمة رغم قلة المال، مما زاد من تعبها في الحياة.
٭٭٭
انتهى عبد الحميد من حديثه مع زوجته وابنته العزيزة فدلف الى غرفته ليأخذ قسطاً من الراحة وهو في قمة سعادته بعد يوم عمل شاق، وبعد مرور ساعات كثيرة هتفت سنية في زهرة بعد إعدادها لطعام الغداء:
– يلا يا زهرة ادخلي صحي باباكي عشان نتغدى أنا خلاص خلصت، الغدا جاهز..
ردت بهدوء:
– حاضر يا ماما هاروح أصحيه..
أطرقت زهرة عدة طرقات على باب غرفة والدها قبل الدخول فلم يُجيب فدلفت قائلة بهدوء:
– بابا..؟ يلا ياحبيبي إصحى ماما خلصت الغدا.. تعالى اتغدى معانا وابقى نام تاني..
استفاق الأب من غفوته نظر لوجهها الجميل فقال:
– انا تعبان يابنتي مش قادر أقوم سيبيني أنام ولما أصحى إذا أذن لي ربنا هبقى آكل..
لم ترضى زهرة بما قال فأجابت معترضة:
– لأ مش هاينفع النهاردة بالذات بقى لازم تيجي تاكل معانا، وبعدين أنا مشبعتش منك طول الوقت كنت بذاكر وانت في شغلك ومش بشوفك كتير.. يلا يا بابا بقى عشان خاطري قوم.
أجاب بتعب وهو يحاول النهوض:
– خلاص يا بنتي قايم أهو، روحي انتي وانا جاي وراكي..
أجابت:
– حاضر.. ثم همت ذاهبة، أعطت له ظهرها وقبل أن تغادر الغرفة سمعت صوت إرتطام رأس والدها على الأرض مغشياً عليه..
ذهبت إليه مسرعه غير مصدقة لما حدث، ظلت تُحدثه وتنادي فيه بأن ينهض ولكنه لا يُجيب عليها.. حتى صرخت في أمها تناديها:
– ماما يا ماما الحقي بابا وقع على الأرض ومش بيرد عليا تعالي يا ماما بسرعه..
سمعت سنيه صوت زهرة وهي تصرخ بخوف فذهبت إليها مسرعة ولكن صُدمت من المنظر فجثت على ركبتيها تحتضن زوجها قائلة:
– عبده رد عليا ياعبده فيك إيه؟.. اوعى تتخلى عننا ملناش غيرك في الدنيا أرجوك قوم، رد عليا..
هتفت زهره من وسط دموعها قائلة في خوف:
– يا ماما اتصلي بالدكتور بسرعه عشان نتطمن عليه بالله عليكي..
حاولن إسناده وإعادته الى سريره، ثم اتصلت سنية بالطبيب وجلسن ينتظرنه وعبد الحميد على نفس الحال..
جبهته باردة وكذلك كلتا يديه، ساكناً لا يتحرك..
قطع الصمت والنحيب قدوم الطبيب فقصت عليه زهرة ما حدث فقال:
– طيب هوا فين خلوني أدخله بسرعه..
دلف الطبيب الى غرفة عبد الحميد وبدأ في الكشف عن حالته وبدأت تظهر عليه علامات مثيرة للقلق فتسائلت سنية في خوف:
– خير يا دكتور طمني.. هوا ماله مش بيرد علينا ليه..
أجابهم في أسى:
– احنا لازم ننقله للعناية المركزة حالته خطيرة يمكن في أمل في حياته، هوا للأسف بين الحياة والموت ولازم نتصرف بسرعة..
كان وقع الكلمات على سنية كالصاعقة شعرت وأنها فقدت زوجها وحبيبها وسندها الوحيد بالحياة فسقطت مغشياً عليها هي الأخرى..
***
*عودة الى الواقع*
استفاقت زهرة من شرودها على صوت “هنية” المساعدة في شئون المنزل:
– اتفضلي يا زهرة هانم القهوة بتاعت حضرتك.
مدت يدها قائلة:
– والله جت في وقتها يا هنية، تسلم إيدك..
قوليلي هيا هايا بتعمل إيه دلوقتي؟
أجابت:
– بنت حضرتك في أوضتها بتذاكر طلبت مني نسكافيه ورايحة أحضرهولها.. حضرتك تؤمريني بحاجه تاني؟
– لأ تسلمي يا هنية اتفضلي انتي..
٭٭٭
في غرفة هايا.. تجلس خلف المكتب فتاة لا تختلف كثيراً عن جمال والدتها بل وتفوقها جمالاً وذكاءً..
تحمل بين يديها العديد من المُذّكرات.
هايا:
– يا الله أنا تعبت إيه كل المذاكرة اللي ما بتخلصش دي، دائن إيه ومدين إيه أنا مش فاهمة أي حــاجه!
دلفت عليها هنية تحمل بين يديها النيسكافيه:
– مالك بس يا ست البنات بتكلمي نفسك ليه..!
أجابت بنفاذ صبر:
– تعبت والله يا هنية من المذاكرة وسنينها.. أنا كان إيه اللي خلاني أدخل حقوق بس ياربي.
وضعت المج أمامها ثم أجابت:
– انتي بتقولي إيه بس.. دا بكرة تنجحي وتتخرجي وتبقي أكبر وأحلى محامية في الدنيا.
ابتسمت لها ثم قالت:
– تسلميلي وتسلم إيدك على النيسكافيه..
ردت:
– بألف هنا يا هايا هانم، يلا أستأذن انا اسيبك تكملي مذاكرتك بقى وشوية كده أكون حضرت العشا واهو بالمرة تاخدي وقت ترتاحي فيه، وكمان تقعدي مع مامتك بدل ما هيا على طول قاعدة لواحدها سرحانة وبتفكر كده.
ردت بحنان:
– آه والله ياهنية معاكي حق، مش بلحق أشبع منها خالص بسبب المذاكرة.. خلاص اتفضلي انتي وانا هستناكي.
٭٭٭
في غرفة زهرة عادت تستغرق وقت أكثر في التفكير بماضيها وهي تستمتع بمذاق القهوة التي اعتادت على امتزاج طعم الماضي بمرارتها فيطفئ نار الاشتياق لكل تفاصيله التي تمنت لو تعيشها ليوم واحد فترى أحبائها الذين فقدتهم منذ زمنٍ بعيد…
٭٭٭
٭في الماضي٭
فتحت سنية عينيها بألم، كانت الرؤية لديها مشوشة قليلاً.. وضعت يدها على رأسها تدلكها قائلة:
– أنا كنت بحلم! كانت تشعر بنفسها على فراشها نائمة ثم حاولت الاعتدال في جلستها، اعتدلت بصعوبة وتعب، الرؤية وضحت، أخذت تمرر ناظريها من حولها تتفحص المكان فوجدت أنها ليست بغرفتها.. ما هذا المكان؟!
بدأت تشعر بالألم في رأسها في حين أن عقلها بدأ في استرجاع ما حدث وأنه واقع وليس حلم كما تمنت..
وها قد استنتج عقلها أين هي وفي آن واحد تقابلت عينيها بتلك العيني الضعيفة الخائفة التي تحدق بها وقد امتلئت بالدموع.. نظرت لها سنية على هذا الحال فأغمضت عينيها بألم ورجاء قائلة في نفسها لا يا إلهي لا تأخذه مني أرجوك.. هل مات عبد الحميد؟!
فتحت عيناها على صوت زهرة تبكي بحُرقة قائلة:
– بابا مات يا ماما.. بابا مات قبل ما يلحق يفرح بيا وبنجاحي..
ازداد نبض قلبها في خوف وفزع فقالت بجمود يأبى الإنهيار:
– لا مستحيل، إنتي أكيد بتهزري..
بتختبري حبي ليه صح؟ قولي إن باباكي عايش وانتي بتكذبي عليا يازهرة ماتعمليش فيا كدة يابنتي حرام عليكي..
اقتربت منها زهرة في ألم واحتضنتها قائلة من وسط دموعها:
– للأسف يا ماما دا اللي حصل.. بابا مات وسابنا لواحدنا في الدنيا وملحقش يفرح بيا، ملحقتش أتهنى بيه ولا أشبع منه..
بعد وقت من النحيب والبكاء انتبهت زهرة على صوت والدتها تقول في حزم:
– اتصلي بالمنشاوي بيه خليه يجي حالاً..
اومأت زهرة إيجاباً في صمت ثم أخرجت هاتفها، مسحت عن وجنتيها الدموع حاولت النظر به لكن تجمع الدموع بعينيها جعل رؤيتها مشوشة، أمسكت منديلاً وما تركت للدموع أثرا بعينيها ثم اتصلت على رقم الشركة تحاول الوصول إليه فأجابتها السكرتيرة:
– السلام عليكم
– وعليكم السلام ممكن توصليني بالمنشاوي بيه لو سمحتي
– حاضر يافندم بس أقوله مين؟
– قوليله زهرة بنت عبد الحميد، وقوليله إني عايزاه ضروري..
بعد قليل كان المنشاوي معها على المكالمة قائلاً:
– اهلا يازهرة.. ازيك؟.. خير في حاجه يابنتي؟
هتفت بصوت متهدج:
– انا مش كويسة خالص يا منشاوي بيه.. بابا اتوفى من شوية وماما تعبانة ومحتاجين حضرتك جنبنا في الظروف دي، انت عارف ان ملناش لا أهل ولا صاحب في الدنيا غير حضرتك..
اقشعر بدنه لما سمع وحزن بشدة فأجاب بأسى:
– لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، البقاء لله يا بنتي، طيب قوليلي العنوان فين بالظبط وانا جايلك حالا..
أخبرته بالعنوان فقال:
– مسافة السكة واكون عندك بإذن الله.. مع السلامة.
ترك كل ما بيده من أعمال مغادراً فلمحه إبنه سليم فقال:
– بابا، رايح فين كدة مستعجل خير!!
تسائل المنشاوي:
– انت خلصت شغلك؟
أجاب:
– آه لسة مخلص حالا، خير في إيه بس..
لم يُجيب لكنه سحبه من يده قائلاً:
– تعالى معايا وهفهمك في العربية..
بعد أن أغلقت زهرة الخط عادت الى والدتها تطمئن عليها..
وما إن رأتها سنية قالت في لهفة:
– زهرة.. أنا عايزة أشوف عبدالحميد وديني ليه أشوفه..
٭٭٭
بعد وقت قليل كان المنشاوي بيه قد وصل بصُحبة إبنه سليم الى المستشفى وطلب مقابلة الدكتور خالد الذي قام بنقله الى المستشفى، وصل إلى مكتبه ثم أذِن له دكتور خالد بالدخول بعد ان طرق على الباب مُرحباً به، ثم فهم منه أنه أقرب اصدقاء عبد الحميد ويريد معرفه ما حدث له وما سبب الموت..
دكتور خالد:
– انا اسف بس استاذ عبدالحميد كان واصل تعبان جداً وأمله في الحياة ضعيف حاولنا معاه لكن كان خلاص وقف نبض قلبه..
صمت قليلاً فاستطرد قوله:
– ماتنساش إنه كان عامل عملية قلب مفتوح لما جتله جلطة فالقلب من فترة، قلبه مكنش سليم ومش بيستحمل أي انفعالات، الله أعلم إيه حصل معاه وصله لكده لكن دي نهاية حتمية، هوا حالته كانت صعبة جداً.. البقاء لله يا منشاوي بيه.
ظل المنشاوي صامتاً وكذلك سليم الذي ظل يتمتم في نفسه ” إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اغفرله وارحمه واربط على قلب أهله”
قطع الصمت صوت منشاوي يُجيب:
– ونعم بالله، متشكر لحضرتك يا دكتور، شوف إجراءات الدفن وانا معاك في كل حاجه..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على : (رواية زهرة)