رواية زهرة الفصل الثاني 2 بقلم ندى أشرف
رواية زهرة الفصل الثاني 2 بقلم ندى أشرف
رواية زهرة البارت الثاني
رواية زهرة الجزء الثاني
رواية زهرة الحلقة الثانية
نزل خبر الوفاة كالصاعقة على منشاوي بيه لم يكن مصدقاً لما قيل له لكنه تيقن بعد ما قاله الطبيب، ذهب في تجهم وهو يردد في نفسه” لا حول ولا قوة إلا بالله.. كان لسة معاية الصبح بيكلمني وكان كويس، كان فرحان بالأجازة وناوي يقضي وقت حلو مع أسرته، ربنا يرحمك ياعبد الحميد ويصبر زوجتك وبنتك على فراقك”
نظر سليم في وجه أبيه الشاحب والحزين فقال:
– بابا انت كويس؟
أجاب في تعب:
– انا بخير ياحبيبي مافيش حاجه، أنا بس شاغلني زهرة بنت عبدالحميد، البنت لسة صغيرة وملحقتش تتهنى على أبوها واتوفى، أكيد الخبر مش هيكون هين عليها..
فكر قليلا ثم أجاب:
– ربنا يصبرها ويقويها، ربنا معاها أهم من كل شيء في الدنيا
صمت لثوانٍ ثم قال:
– ونعم بالله..
طيب روح انت اتطمن عليهم كانت بتقول مامتها تعبانة بردو وشوف لو محتاجين أي حاجه، وأنا هاروح أخلص إجراءات الدفن وادفع مصاريف المستشفى، اهو نكسب وقت ونريحه، إكرام الميت دفنه.
أجاب:
– حاضر يا بابا ماتقلقش روح انت وربنا معاك..
ذهب كلاً منهما الى وجهته..
وقف سليم أمام باب الغرفة، أمسك المقبض بيده ثم تنهد.. شعر بالقلق والخوف يعتري قلبه فهو الآن أمام امرأة وفتاة لم يسبق له التحدث معهم من قبل وجاء ليساندهم ويقف إلى جانبهم، ترك المقبض ثم قال في نفسه “بسم الله” وبدأ يطرق على الباب بهدوء قائلا “السلام عليكم..” حتى جاءه صوت ناعم حنون يُجيب:
– وعليكم السلام..
فتحت له الباب لتكن أول نظرة بينهم، دائما ما يسمع عنها ولكنه لم يرها من قبل، كم توقع جمالها ولكن خانه خياله هذه المرة، فهي أجمل بكثير مما توقع.. ظل ينظر في عينيها رغماً عنه لا يستطيع المقاومة حتى قالت في غضب:
– انت بتخبط على الباب عشان تقف ساكت كده، لو سمحت إمشي إحنا فينا اللي مكفينا مش ناقصين..
ثم عادت تغلق الباب في وجهة حتى قال:
– انا سليم المنشاوي.. ممكن أدخل؟
توقفت ثم أعادت فتح الباب في حرج قائلة:
– سليم..؟ إبن المنشاوي بيه! انا.. انا اسفة جداً مكنتش أعرفك والله سامحني..
تسائلت سنية من خلفها في تعب:
– مين ده يازهرة
نظرت لها زهرة وقبل أن تنطق قال:
– أنا سليم يا طنط ابن المنشاوي..
دلف في هدوء وهو يقول:
– أنا آسف اني جيت على فجأة بس كنت حابب اتطمن على حضرتك و أعزيكم.. البقاء لله وربنا يرحم عم عبد الحميد، والله كان ونعم الأخلاق وأطيب وأحن واحد في الشركة وفراقه صعب علينا كلنا..
شعرت سنيه بغصة في قلبها، سوف يقوم بتعزيتها في زوجها الذي لم تستوعب بعد أنه توفى ولن تراه مرة أخرى، أصبحت كل الصفات التي تُقال عن المتوفي عندما تنطبق على زوجها تشعر بالصدمة من جديد كأن الخبر تجدد لتوه وأنه بالفعل قد مات..
هتفت قائلة وهي تبكي:
– ونعم بالله، ربنا يرحمه ويصبرني على فراقه.
نظر إلى زهرة فوجدها في حالة إنهيار لا يُرثى لها غير قادرة على السيطرة عل نفسها فهتف فيها قائلاً:
– انا عارف انك مؤمنه بالله يازهرة ومش هاتعترضي على قضاء ربنا وقدره.. بس هسألك سؤال، ممكن؟
صمتت تنتظر منه أن يُكمل حديثه فاستطرد قوله قائلاً:
– دلوقتي لو حد سلمك أمانة هتعملي إيه..؟
أجابت في حزن:
– هحافظ عليها وأصونها لحد ما أرجعاله..
– طيب لو صاحب الأمانة جه وقالك أنا عايز الأمانة بتاعتي هتديهاله بنفس راضية ولا هتزعلي أو تعترضي!
أجابت في عدم فهم:
– هديهاله طبعا أعترض ليه كل أمانة وصاحبها أولى بيها.. انت عايز تقول إيه!
– عايز أقول إن إحنا كلنا أمانة في الدنيا وكلنا لله وهيجي اليوم وربنا يسترد أمانته فينا.. ربنا بيقول:
” ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرينَالَّذينَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ قالوا إِنّا لِلَّهِ وَإِنّا إِلَيهِ راجِعونَأُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ المُهتَدونَ﴾ “
وضعت زهرة يدها على فمها تكتم شهقاتها وبكائها حزناً وقهراً على فراق والدها قائلة:
– أصل إنت مش مستوعب يعني تخيل معاية إحنا خلاص مصدقنا إني نجحت وهحققله حلمه إنه يشوفني دكتورة، كنا لسة هنحتفل مع بعض، كنا هنقضي وقت جميل مع بعض بس فجأة مشي ومش هشوفه تاني! هعيش موجوعه عليه طول عمري وأكمل الطريق لواحدي.. أنا راضية والله بس غصب عني..
لم يتحمل سليم عبراتها وكلماتها فقال:
– لا أوعي تقولي كده انتي مش لواحدك إحنا جنبكوا وعمرنا ما هنتخلى عنكوا، وقبل أي حاجه ربنا اللي أحسن من الدنيا بحالها معاكي وجنبك ويرعاكي.. بس أرجوكي إهدي عشان والدتك ماتتعبش من شوفتك كدة.. هيا مش هتستقوى غير بيكي..
هدأت قليلاً وأخذت تردد:
– الحمد لله على كل حاجة..
ظل سليم بجانبهم يواسيهم ويهدئ من روعهم كأن يقول لهم أنه لن يتركهم ومن ذلك الوقت سيكون جزءاً من حياتهم..
٭٭★٭٭
هنا استفاقت مدام زهرة من شرودها على تلك اللحظة من ذاكرتها وهي تبكِ بشده وكأن والدها قد توفى الآن، فاستغفرت ربها وقامت لتتوضئ وتصلي ركعتان لله تدعوا فيهم لوالدها المتوفي وزوجها الغائب منذ سنين حتى يرتاح قلبها..
ثم قررت أن لا تبكِ عليه مرة أخرى وأن تستبدل مشاعر الحزن تلك بأعمال صالحة تنفعه وترفع من درجاته في جنات النعيم فهي تعلم أن البكاء لن يفيد وأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :
” إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ” .
قضت تلك الليلة في الصلاة والدعاء حتى شعرت بالطمأنينه تملئ قلبها ثم نامت.
وفي صباح يومٍ جديد في حياة زهرة وابنتها هايا.. دلفت هايا الى غرفة والدتها لتوقظها قائلة:
– صباح الخير يا ماما، يلا ياحبيبتي إصحي كل ده نوم..
أجابت زهرة بهدوء:
– صباح الخير ياقلب ماما، هاقوم أهو حاضر.. هيا الساعة كام دلوقتي
أجابت:
– الساعه عشرة.. أنا عملتلك أجمل فطار بنفسي وحضرتلك القهوة كمان.
تعجبت زهرة ثم قالت بسعادة:
– معقولة هايا بحالها دخلت المطبخ وعملت فطار وكمان القهوة، أمال هنية راحت فين!
ضحكت ثم قالت:
– شوفتي بقى انتي غالية عندي قد إيه! هنية كانت موجودة أنا اللي كنت حابة أعمل بنفسي وخرجتها من المطبخ بالعافية..
– طب ومذاكرتك يابنتي
– تعبت والله ياماما من المذاكرة ليل نهار قلت اليوم ده أجازة شويه من المذاكرة واشبع بقى من مامتي حبيبتي.
شعرت زهرة بالسعادة والرضى على ابنتها وحيدتها فقالت:
– ربنا مايحرمني منك ابداً ويرضى عنك وينجحك دايماً يابنتي..
– ولا منك ياجمل أم في الدنيا، يلا قومي بقى…
ذهبت كلاً من زهرة وابنتها لتناول وجبة الفطور معاً ثم قطع الصمت صوت هايا تقول بتردد:
– ماما كنت عاوزه اتكلم معاكي في موضوع كدة شاغلني شوية..
أجابت:
– قولي ياحبيبتي موضوع إيه اللي شاغل بالك ده..
– بصراحه كدة ياماما في عريس عاوز يجي يتقدم
تسائلت في تعجب:
– عريس!
– أيوه ياماما وعاوز ياخد منك ميعاد عشان يقابلك..
صمتت تفكر في الأمر ثم قالت:
– طب إنتي فاضل كام يوم على امتحاناتك؟
– فاضل أسبوعين
أجابت بهدوء:
– طيب تمام خلصي امتحاناتك الأول وبعدها نشوف موضوع العريس ده.. وياريت بلاش تشغلي بالك دلوقتي بالكلام ده شهادتك أهم.
تعجبت هايا فقالت:
– يعني مسألتيش حتى مين العريس ده ولا عرفتي حاجه عنه!
ارتشفت زهرة رشفة من قهوتها ثم قالت بتعجب:
– انتي متأكدة إن القهوة دي انتي اللي عاملاها؟!
اجابت بخوف:
– إيه مالها؟ وحشة!
– أنا عمري ما دوقت قهوة بالجمال ده، تسلم إيدك يا ست البنات ياقمر انتي..
ابتسمت هايا في سعادة:
– تسلميلي يا ماما بألف هنا، بس مردتيش عليا..
تنهدت زهرة فاجابت:
– زي ما قولتلك يا هايا انا مش عايزاكي تنشغلي بالأمور دي وانتي داخلة على فترة صعبة من امتحاناتك، خلصي يا حبيبتي وأوعدك هعملك اللي انتي عايزاه طالما في مصلحتك، تمام كده؟
أجابت هايا بخيبة أمل:
– تمام يا ماما اللي تشوفيه…
قطع حديثهم دخول هنية تلقي عليهم السلام وتتمنى لهم صباح مليئ بالخيرات..
أجابت زهرة:
– صباح النور ياهنية، كنتي فين كدة!
– كُنت عند الجيران، الصبح الست أم أحمد اللي ساكنة جنبنا تعبت أوي وجوزها كان عاوز حد يقعد معاها لحد مايروح يجيب الدكتور ليها ولحُسن حظه لقاني في وشه وأنا بسقي الزرع في الجنينة برا، طلب مني فروحت على طول..
انقبض قلب هايا وظلت تتابع في صمت..
نطقت زهرة في حزن:
– لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يشفي عنها أم أحمد ست طيبة جداً وتستاهل كل خير..
تنهدت هايا براحة لهذا الرأي من والدتها على أم أحمد جارهم..
تسائلت زهرة:
– طيب طمنيني هيا عاملة إيه دلوقتي
– بقت أحسن الحمد لله الدكتور كتب لها على علاج، أخدت مسكن وراحت فالنوم، قمت استأذنت منهم انا وجيت..
– ربنا يجازيكي كل خير ياهنية طيب أنا عاوزاكي تعملي حسابهم معانا في الغداء النهاردة، وقبل مانتغدى احنا تروحي توديلهم الأكل وتيجي..
وانا آخر النهار كدة هزورها واتطمن عليها..
دا النبي موصي على سابع جار..
أجابت كلاً من هايا وهنية:
– عليه أفضل الصلاة والسلام.
ثم قالت هنية:
– حاضر من عنيا الاتنين، تؤمريني بحاجه تاني ياست زهرة؟
– لا يا هنية اتفضلي انتي شوفي وراكي إيه..
انتهوا من وجبة الفطور وطلبت هايا من والدتها الخروج مع صديقاتها لقضاء بعض من الوقت الممتع بعيداً عن أجواء المذاكرة وضغط الامتحانات فوافقت في سبيل إرضاء فتاتها وتشجعيها على مذاكرة ومجهود ونتيجة أفضل..
أما هي فقد خرجت تستنشق الهواء في ساحة منزلها حيثُ الخُضرة والأشجار والزهور الجميلة، جلست على المقعد الخشبي المتحرك وعادت تستكمل ذكريات ماضيها…
٭٭٭
بعد قضاء يوم متعب وصعب عادت زهرة ووالدتها الى المنزل بصحبة المنشاوي وابنه سليم، توجهت زهرة مباشرةً الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها..
نظرت لها سنية في صمت ثم قالت موجهة حديثها الى منشاوي:
– اتفضل يا منشاوي بيه، معلش البيت مش قد المقام..
أجاب:
– متقوليش كده يا أم زهرة البيت عالي مقامه بناسه، انا اسف بس أنا مضطر أمشي، البقاء لله يا ام زهرة ربنا يجعلها آخر الأحزان..
أجابت:
– ونعم بالله يااخويا معلش تعبناكم معانا..
أجاب في أسى:
– ولا تعب ولا حاجه احنا أهل، عبد الحميد كان أكتر من أخ ليا، يكفي احترامه وأخلاقة وكرم أصله، الله يرحمه يارب.. لو احتاجتوا اي حاجه مهما كانت متتردديش ثانية واحدة انك تكلميني..
– متحرمش منكم يارب
نطق سليم بإحراج:
– أمال فين زهره اختفت، حابب اتطمن عليها قبل ما نمشي..
– حاضر يابني ثواني اندهلك عليها،
ثم هتفت تناديها:
– زهره.. يا زهره تعالي يابنتي كلمي سليم.. ثم انشغلت في الحديث مع المنشاوي بشأن العزاء.
خرجت زهرة من غرفتها وجهها أحمر وعيناها مكسورتين حزناً ثم وقفت أمام سليم في صمت تنظر للأرض فاقترب منها وقال لها في هدوء:
– آنسة زهرة شدي حيلك، أنا اسف اني اتعرفت عليكي في ظروف زي دي، أوعدك ان انا وبابا هنكون جنبكوا دايما.. دا الكارت بتاعي تقدري تكلميني في أي وقت واعتبريني أخ صديق أي حاجه تحبيها، وبعدين إحنا من دلوقتي أهل فياريت ماتمانعيش..
مدت يدها تأخذ منه الكارت في صمت وبدون أي رد، فقال:
– طيب احنا ماشيين دلوقتي مش عاوزه أي حاجه يازهرة؟
أجابت في تعب وهي لازالت تنظر للأرض:
– متشكرة تعبناكم معانا..
– لا لا انا مش عايز أسمع الكلام ده نهائي، مافيش تعب ولا حاجه..
صمتت فتفهم عدم مقدرتها على الحديث فقال في هدوء:
– طيب استأذنك انا بقى همشي دلوقتي وان شاء الله نتقابل تاني..
اومأت قائلة:
– ان شاء الله.. مع السلامة.
٭٭٭
عاد المنشاوي وابنه الى الفيلا خاصتهم، ألقى السلام على الجالسين فردت كلاً من بدرية هانم زوجته وأختها سماح وابنتها فريدة:
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
تسائلت بدرية بتعجب:
– غريبة يعني إيه اللي أخركم النهارده كدة..
أجاب المنشاوي:
– هقولك يابدرية بس استني أستريح شويه حتى..
أما سليم فقال:
– عن إذنكم انا طالع اخد شاور وارتاح..
تعجبت بدرية وأختها من الحالة التي عاد بها زوجها وإبنها..
قالت فريدة إبنة سماح:
– شوفتي يا خالتو إبنك، حتى مهانش عليه يقولي إزيك..
ضحكت بدرية ثم قالت:
– معلش ياحبيبتي هو بس عشان راجع تعبان لكن أكيد هايجي يقعد معاكي ويكلمك..
تعجبت سماح فقالت في غيظ:
– وانتي مهتمة كده ليه يعني يقولك ازيك ولا مايقولش! ماتخلي عندك كرامة شوية..
ردت بدرية:
– الله! ما انتي عارفة فريدة من صغرها وهيا بتموت في سليم ومتعلقة بيه.. مش كدة يا فوفا؟
احمرت وجنتاها خجلاً ثم قالت في حرج:
– مش كدة إيه بس يا خالتو عادي كنت عايزة أسلم عليه بس مش أكتر.. يلا انا قايمة أشرب..
ذهبت فريدة هرباً من والدتها أما بدرية فضحكت ثم قالت:
– ربنا يفرحني بيهم وبنجاحهم يارب.. ثم ذهبت الى غرفتها خلف زوجها تطمئن عليه…
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على : (رواية زهرة)