روايات

رواية بحر ثائر 2 الفصل الثامن 8 بقلم آية العربي

رواية بحر ثائر 2 الفصل الثامن 8 بقلم آية العربي

رواية بحر ثائر 2 البارت الثامن

رواية بحر ثائر 2 الجزء الثامن

بحر ثائر 2
بحر ثائر 2

رواية بحر ثائر 2 الحلقة الثامنة

مالجرح من الغريب غريبٌ….
الجرح من الحبيب أغرب…
كيف يقوى المحب أن يجرح…
هل المحب بالجرح يفرح…
لو تسأليني…
كيف الحب بلا ألم..
لا حب بلا ألم سيدتي…
فهنا بالذات بقلبي أنت زرعت
العشق وبنفس الدرجة زرعت الألم…
هنا بقلبي….
زرعت الحب…. وزرعت الجرح…
هنا بقلبي جعلت الغيم تمطر والورد يزهر….
هنا بقلبي أغرقني المطر، و جرح قلبي الورد
فلا ورد بلا أشواك، ولا حب بلا معاناة…
( بقلم فيروزة)
❈-❈-❈
صباحًا
وقف في شرفة غرفته بملامح باردة تمامًا على عكس داخله ، تلقى للتو اتصالًا من خالد يخبره أنهما لم يصلا إلى شيء وأن ذلك التوماس لم يذهب إلى الفندق من الأساس بل ظل عند رحمة .
لقد وضعوا أجهزة تصنت في غرفة الفندق بصعوبة بالغة ، واستعمل كل وسائل الاستفزاز مع مارتينا كي تذهب إليه علهما يبوحان بخطتهما ولكن …. توماس لم يقع في فخه وكذلك إرتوا الذي حادثته ابنته و لم يجبها .
الآن بات الضغط عليه لا يحتمل فمن المؤكد ستحاول المخابرات البحث عن الخطة البديلة .
الخطة التي تستهدف زوجته ، هو يعلم جيدًا لماذا هي دون غيرها ، تحرياتهم صائبة فهو أيضًا يدرك بحسه المخابراتي أن حبها لبلدها عظيم ويثق بها ولكنه لا لم ولن يثق مقدار ذرة بذلك الخبيث ، كما أنه يعلم مدى شهوته لنساء العرب اللاتي أوقع منهن ضحايا كثيرات وآخرهن رحمة .
لم يعد يحتمل كأن جسده يُطهى على نار هادئة وقد وصلت النيران إلى ملامحه فبات وجهه محتقنًا يغلي غيرةً وغضبًا .
– ثائر ؟
نادته فجأة فالتفت يطالعها بهذه الملامح مما جعلها تشعر بالتوتر ولكنها تمالكت نفسها وسألته :
– إنت كويس ؟
أطفأ موقده بمهنية وتبدلت نظرته للهدوء يجيبها :
– كويس .
نظرت له بشك جعلها تزفر بهدوء وتسترسل بترقب :
– طيب أنا نسيت اقولك حاجة مهمة امبارح ، النهاردة قراءة فاتحة دينا ، هما عاملين حفلة بسيطة خالص لحد ما صالح وداغر يظبطوا أمورهم وبعد كدة هيعملوا خطوبة .
لا إراديًا تساءل بشكٍ :
– معقول تنسي حاجة مهمة زي دي ؟
هزت رأسها تجيبه بصدق :
– ماما قالتلي أول ما حددوا بس أنا اليومين اللي فاتوا ماكنتش مركزة للأسف ولسة فعلًا فاكرة دلوقتي لما بابا أمجد قال إنه هينزل الجمعة يصلي مع معاذ .
نظر في ساعة يده ليجدها العاشرة صباحًا ، عليه أن يلتقي بصقر وخالد قبل الصلاة لذا أومأ بتفهم ورفع رأسه ينظر لها ولتفاصيلها فوجدها ترتدي فستانًا محشتمًا وحجابًا منمقَا وتستعد بحماس للذهاب ، يخشى ذهابها ولكنه لم يعد يستطيع الرفض فقد أعطاها وعدًا لذا زفر وتحرك يخطو معها فاتجهت تلتقط حقيبتها ولحقت به نحو الخارج بعدما قررت تنفيذ ما فكرت فيه طوال ليلها .
❈-❈-❈
تعجبت من بقائه عندها ليلة أمس وتعجبت أكثر حينما رفضت إقامة علاقةً معه وتقبل ذلك لينام على الأريكة في الخارج .
يا له من غريب الأطوار ، هل ينوي إصلاح ما أفسده حقًا، هل فعل صغيرها كل هذا به ؟ هل كان يتمناه لهذا الحد ؟
اتجهت نحوه بعدما ثبتت صغيرها في الحاملة التي ترتكز على صدرها ، دنت منه توقظه بترقب ويدها تربت على صدره قائلة :
– توماس ؟ هيا استيقظ .
فتح عينيه يطالعها بتفحص ثم نظر لصغيره وزفر يعتدل ويمسح على وجهه ثم التفت ينظر حوله وتساءل :
– كم الوقت اللآن ؟
أجابته بتروٍ :
– إنها العاشرة ، هي لنذهب إلى مشيخة الأزهر كي تعلن إسلامك وننتهي سريعًا من هذه الاجراءات .
تجاهلها وتعلق في صغيره الذي يلوح بيديه ، وسبح عقله في المهمة التي أوكِل بها وذلك الشخص الذي سيساعده والذي لم يظهر حتى الآن ، والمهمة الأخرى والأهم بالنسبة له وهو معرفة خبايا ثائر وتدميره باستخدام سلاح نقطة ضعفه .
ابتسم لصغيره ابتسامة تخفي شرًا كبيرًا ينويه ونهض يقبل رأسه ثم تحرك نحو الحمام ليغتسل وأردف وهو يلوح بيده :
– فلنسرع إذًا .
❈-❈-❈
أخبرت طفليها أنها آتية ، ينتظرها مالك في الشرفة يتطلع على المارة بحماس ، سيحاول بشتى الطرق أن يجعلها تنام الليلة معه ومع شقيقته .
توقفت سيارة ثائر أمام المنزل فهلل الصغير وهو يترك الشرفة ويدلف :
– هااااااي ماما جت ، ماما جت .
هلل مع رؤية وتبعته نحو الخارج ليستقبلاها في الأسفل .
كانت تجلس أمامه تتلقى منه التعليمات حيث نطق بنبرة هادئة تخفي تحذيرًا شديدًا :
– ديما ماتنزليش من البيت ، أنا هخلص اللي ورايا وهاجي على بليل .
– تمام .
نطقتها وترجلت تخطو نحو صغيراها اللذان ظهرها يركضان نحوها ويعانقانها بحماسٍ وسعادة فباتت تبادلهما بسعادة أكبر كأنهما لم يروا بعضهم منذ سنوات ولكن هذه هي الأم فحتى إن ذهبت إلى التسوق تعود مشتاقة لصغارها .
توقعت أن يترجل ويرحب بهما ولكن لم تتوقع أبدًا أن يبتعد بسيارته ويغادر على الفور ، تملكتها الصدمة من تناقضه ، بالأمس كان مراعيًا لأبعد حد والآن هو غير آبهِ ؟ ما حال هذا الرجل ؟
تحركت مع صغيريها للأعلى وقد عادت الفكرة إلى عقلها ، لا تعلم عواقبها ولكنها تراها الأنسب بين كل هذه الفوضى .
❈-❈-❈
حاولت مجددًا الوصول إليه أو إلى والدها دون جدوى ، الآن فقط بدأت تستوعب أنهما يأخذان حذرهما ، لقد أعماها غضبها عن الخطة التي جاءت من أجلها .
لا، في الحقيقة هي جاءت كي تعيد ثائر إليها ، لقد خدعتهما بذريعة كشف حقيقة ثائر، هي تعلم حقيقته جيدًا ، هو مجرد رجلٍ نُبذ من بلده وحينما رأى منها وجهًا لعينًا بدأ يلهث خلفها طالبًا العفو والغفران ، هذه حقيقة الرجال كلما واليته ظهرك ركض نحوك بأقصى سرعة .
نعم لهذا السبب هو متمسك بتلك الفرعونية وبدأ ينبذها ، كلما حاولت إعادته بأي شكلٍ… ابتعد ، لذا عليها أن تجد خطة بديلة و ليتذكر من هي مارتينا إن كان قد نسي .
ابتسمت ابتسامتها التي يرقص فيها الانتصار وأردفت بخفوت :
– ستعود لي ثائر ، أنت من ستأتي وتتوسلني .
التقطت هاتفها مجددًا وطلبت رقمًا لم تكن تتوقع أن تهاتف صاحبته مرةً أخرى ولكن للضرورة أحكام .
أجابتها سها بتعجب واستنكار :
– مارتينا ؟
بوجهٍ ماكر أجابتها بالانجليزية وهي تفرد ظهرها على المقعد وتضع ساقًا فوق الأخرى :
– يبدو أنكِ تنتظرين اتصالي .
تأهبت ملامح سها ونظرت لولديها المنشغلان بهواتفهما ولكنها لم تخاطر لذا نهضت تخطو نحو غرفتها وأغلقت الباب تتساءل بترقب :
– لا ، ولكن تفاجأت ، هل هناك خطب ما ؟
نظرت أمامها لتتحول تعابير وجهها إلى حقدٍ صريح وكأنها لمحت ديما لذا نطقت بكرهٍ :
– نعم ، أردت أن أخبركِ أن ثائر قد عاد إلى مصر ، وتزوج من تلك الكاتبة ال**** .
صدمة خبر زواجه ألجمتها فسكتت لثوانٍ تستوعب وتتذكر رؤيتها لهما في دبي آنذاك ، إذا تزوجها ؟ إذا عاد إلى وطنه ؟ إذا هي من خسرت بعد كل تلك السنوات ؟
نادتها مارتينا فانتبهت تتساءل ببرود ينافي ثورة غضبها :
– وماذا علي أن أفعل ؟
ضحكت مارتينا ضحكة نزعت برود سها وألقته في الزاوية لتنطق بعدها بخبث :
– لا شيء سها ، فقد أردت أن أبلغكِ ربما باركتي له ، أو ربما حان وقت عودتك مثله ، هل ستظلين بعيدة عن وطنك أنتِ وزوجكِ الجبان ؟
هدرت أنفاسها ونطقت بانفعال واضح :
– توقفي مارتينا ، أنا ابتعدت عن وطني بإرادتي ، ولن أعود ، ابحثي عن حمقاء أخرى تنتقمي من خلالها .
بثباتٍ أجابتها :
– لا لن أبحث سها ، فقط عليكِ أن تفعلي شيئًا ما كي لا يتم نشر السبب الحقيقي وراء مغادرة ثائر للبلاد ، السبب الغير معلن عنه ، هل نسيتي اتهامكِ له ؟
شحبت ملامح سها ، إذا مارتينا تعلم ، ولكنها من المؤكد لن تفعل لذا تحلت بثباتٍ زائف وأجابتها :
– لا أعلم عمّا تتحدثين ، اذهبي وجدي بنفسك حلًا لمشكلتكِ ، أيعقل أن مارتينا إرتوا لا تستطيع إبعاد تلك الكاتبة عن ثائر ذو الفقار ؟ هل فقدتِ قدراتك ؟ يا للشفقة .
قالتها وأسرعت تغلق قبل أن تتمادى مارتينا ، رطمت الهاتف ونهضت تجول الغرفة ذهابًا وإيابًا وتحترق لا تصدق أن بعد كل تلك السنوات من معاناتها يعود ثائر لبلده ويتزوج من مصرية وينعم مع والديه وتتلوى هي هنا غلًا وقهرًا .
❈-❈-❈
اجتمع بهما في مكانهم المُأمن .
ثلاثتهم يشعرون بالضيق والغضب خاصة وأن ذلك التوماس قد سبقهم بخطوة .
يجلس ثائر يفكر للمرة التي لم يعد يحصيها عددًا لينتشله صقر مردفًا بغيظ مكبوت :
– إحنا لازم نلاقي حل غير التصنت ، لازم في أقرب وقت يكون الكلب ده في قبضتنا .
أومأ خالد بانفعال ونطق مشدوهًا :
– بالظبط يا صقر ، أنا ممكن أجيبه بطريقتي وأخليه يأترف بهاجات مأملهاش .
هز ثائر رأسه رافضًا ورفع نظره يتعمق في خالد وينطق بضيق :
– أكبر غلط ، توماس ملاكم محترف ، بيلعب من صغره في حلبات مفتوحة وبدون قيود ، متدرب على أعلى مستوى وحافظ كل نقط الضعف اللي ممكن حد يستخدمها على جسمه .
عقد صقر حاجبيه ونطق بضيق :
– يعني هنستسلم ؟ مافيش قدامنا وقت .
صوتًا صاخبًا صدر من المقعد الذي رطمه ثائر بعنفٍ في الجدار المعدني وهو يصرخ بغضب :
– عــــــارف ، وعارف إن الكلب ده فيه حد بيساعده من الخونة اللي جوة ، عمره ما هيعرف يوصل لأي معلومة غير بمساعدة من جوة الجهاز .
أجابه خالد بتأهب :
– هلو أوي كدة ، إهنا لو إرفنا اللي بيساءده هيبقى سهل ألينا نمسكه ، ولا إيه ؟
من قال أنه لا يفكر في هذا الأمر ، بالطبع يفكر في كل شيء ولو كانت الأفكار تُرى لكانت أفكاره عبارة عن منطاد يحترق بفعل نيران طيرانه .
امتدت يد خالد تربت على ساقه ويستطرد حينما لاحظ ضيقه :
– هون ألى هالك يا ثائر ، همايا دايما بيقول ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرْكِ الشَقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ).
لحظة روحانية هجمت عليهم فنثرت على عقولهم السكينة وهم يرددون الدعاء ليتنفس ثائر بقوة والتفت متعجبًا حينما قفز خالد يردف بانزعاج وهو ينظر في ساعة يده :
– يالا بسرئة اتأخرنا ألى الصلاة .
تحرك يغادر ونهض صقر وثائر يتبعانه ليجدانه يجيب على بهجت ويبرر وهو يستقل سيارته :
– أشر دقايق وهتلاقيني في المسجد يا همايا ، يالا سلام .
❈-❈-❈
بعد ساعتان
انتهين للتو من تنظيف وترتيب المنزل وما زالت العروس نائمة ، خرجت ديما من الحمام بعدما غسلت وجهها تنظر لوالدتها ووتساءل بانزعاج وتعجب :
– معقول يا ماما ؟ العصر هيأذن ودينا لسة نايمة ؟ حصلها إيه البنت دي ؟
بقلب أمٍ منفطر دافعت منال موضحة :
– لا يا ديما هي بس علشان نايمة الصبح بعد ما دوختنا ع الطقم اللي هتلبسه ، قالت عايزة فستان واخوكي أخدها واشترت فستان وبليل قالت انه مش حلو عليها وان داغر غصبها عليه ، مارضيش يزعلها وخدها وراحوا غيروه وبعد ما لبسته قالت انا غيرت رأيي هلبس طقم من عندي ، وقاست لنا الدولاب كله وفين وفين لما اقتنعت تلبس إيه وبعد كدة دخلت أوضتها بقى تجهز بقية حاجتها .
رفعت ديما حاجبيها باستنكار من أفعال شقيقتها المدللة ولكن ، هل يا ترى نجحت تلك الأفعال في الحصول على مستقبلٍ أكثر راحة وسعادة ؟ هل يجب أن يحب الإنسان نفسه أولًا ويريحها قبل أن يريح من حوله ؟
بين راحة النفس والأنانية شعرة رفيعة تخشى أن تقطعها دينا ، البحث عن راحتك النفسية لا يجب أن تكون على حساب تعاسة غيرك وإلا تحولت لأنانية .
شردت تفكر قليلًا ، تعلم أن شقيقتها لا تتسم بهذه الصفة الكريهة ولكنها ربما تفرط في البحث عن راحتها نسبةً لخوفها من تكرار تجربة والدتها وديما ، هذا ما توصلت إيه لذا زفرت ودعت ربها سرًا ألا تفرط دينا في البحث عن راحتها وأن يعطيها صالح الأمان الذي يبدد مخاوفها .
انتبهت ديما تنظر حولها لتجد منال قد اتجهت للمطبخ ، وصغيريها يلعبان بالبالونات لذا زفرت بقوة وتحركت نحو بسمة التي جلست لتوها في الشرفة تبحث عن أغراض معينة عبر الهاتف .
جلست مقابلها وعادت تنظر للداخل بحذر ثم عادت إليها تردف بخفوت :
– بسمة أنا كنت عايزاكي تيجي معايا مشوار مهم .
قطبت بسمة حاجبيها وتساءلت بترقب :
– دلوقتي يا ديما ؟ تمام بس فين ؟
تنهدت بعمق ثم تعمقت في نظرتها ونطقت بهدوء :
– أنا اخدت موعد عند دكتورة أعرفها ، قدامي ساعة وكنت عايزاكي معايا، بس من غير ما أي حد من هنا يعرف .
تعجبت بسمة لثوانٍ ولكنها قررت ألا تسأل الآن لذا أومأت ونهضت تردف :
– تمام ، أنا كمان محتاجة اشتري شوية حاجات علشان عايزة أعمل مفاجأة لداغر ، هروح أغير هدومي وارجعلك .
أومأت ديما وجلست تحاول تهدئة أنفاسها المتسارعة كأنها تركض في حلبة وتركض مخاوفها خلفها دون توقف ، التفتت بوجهها تعاود النظر نحو صغيريها اللذان يضحكان سويًا ، ستفعل أي شيء من أجلهما .
❈-❈-❈
في غرفتها كانت تتقلب وعلى وشك الاستيقاظ ليأتي رنين هاتفها ويوقظها لذا تململت والتقتطه تفتح الخط وتجيب دون معرفة هوية المتصل :
– ألـــــو ؟
نطق صالح بحرج وتوتر حيث يشعر أنه يفعل أمرًٍا سيئًا خاصة وأن داغر لا يعلم ولكنه أراد أن يسمع صوتها لذا قال :
– السلام عليكم يا آنسة دينا ، أنا قلت اسألك لو محتاجة أي إشي اجبلك اياه معي وانا جاي .
قفزت بشكلٍ عبثي تجلس على الفراش وتنظر للهاتف بصدمة لتجد اسمه على الشاشة لذا نظفت حلقها وعصرت عينيها بكفها تجيبه بنبرة ناعمة وتوتر :
– صالح ؟ أنا ـــــــــ لا شكرًا مش محتاجة أي حاجة ، إنت هتيجي إمتى ؟
لاحظ حشرجة صوتها فأردف معتذرًا بتعجب :
– أنا آسف شكلي صحيتك من النوم !
توسعت حدقتيها ونطقت بنفي واستنكار :
– لاء نوم إيه لحد دلوقتي ، معقول حد ينام للمغرب ؟
ابتسم عليها ونطق مصححًا بنبرة تحمل بعض المرح :
– العصر بعدو ما أذن يا دينا ، صح النوم .
شعرت بالخجل يغزو أطرافها فقضمت شفتيها ولم تجِبه لذا استرسل يغير الحديث حتى لا يخجلها :
– أنا راح أكون عندكم على الساعة 8 إن شاء الله ، داغر عارف بس قلت أبلغك بنفسي ، واسمع صوتك .
نطقها متنازلًا عن تحفظه لتشعر بسعادة كبيرة ، هل حقًا أراد أن يسمع صوتها ؟ نعم هي شعرت بذلك لذا نطقت بتورد وخفوت :
– شكرًا .
أغلقت معه بعدما ودعها وتنهدت بحرارة وهي تتماطأ بأريحية ثم قررت أن تنهض لترى ماذا هي بفاعلة .
❈-❈-❈
بعد قليل
توقفت سيارة بسمة أمام عيادة الطبيبة المنشودة .
صفت السيارة وترجلتا سويًا تتجهان نحو الداخل لتقف ديما عند الاستقبال وتسأل عن الحجز باسمها .
أخبرتها أن تتجه للطابق الثاني وهناك ستجد العيادة النسائية وتساعدها الموظفة وبالفعل صعدتا سويًا واتجهتا نحو مكتب الموظفة التي أخبرتهما أن تنتظرا خروج الحالة الموجودة في الداخل .
جلستا سويًا ، أخرجت بسمة هاتفها الذي يرن لتجيب على داغر بينما حاولت ديما تهدئة نبضات قلبها العنيفة ، تشعر أنها مراقبة من كل جهة ، هذه المرة الأولى التي تخفي عنه شيئًا ولهذا هي خائفة .
زفرت بقوة ثم حاولت أن تتحلى بالثقة فما تفعله هو المناسب .
دقائق ودلفتا إلى الطبيبة التي رحبت بهما ، جلست تزدرد ريقها ثم تحدثت بترقب :
– أنا كنت جاية علشان تركيب اللوب .
أومأت الطبيبة بتفهم وبدأت تسألها أسئلة روتينية لتفهم سبب طلبها ، انتهت بعد دقائق قليلة وأردفت وهي تشير لها نحو غرفة الفحص :
– اتفضلي معايا .
نهضت ديما ونهض توترها معها وهي تخطو وقلبها يخبرها بألا تفعل ولكن قضي الأمر ، دلفت وفحصتها الطبيبة بالسونار وحينما وجدت أمورها على ما يرام قررت أن تنفذ طلبها .
❈-❈-❈
عادتا الى الحارة ، لم يدُم الأمر كثيرًا وهذا ما جعلها تتنفس بارتياح بأن الأمر قد انتهى ونفذت ما تريده .
توقفت بسمة بالسيارة أمام المنزل وترجلت ديما أولًا وتحركت لتخطو ولكنها تجمدت حينما وجدت أمامها آخر شخصٍ تود رؤيته .
كمال الذي ترك زوجته في المعرض تباشر عملها وأوهمها أنه سيذهب لجمع الأموال المستحقة من بعض زبائنه ولكنه في الحقيقة لمحها تغادر مع بسمة حينما كان يعبر وقرر أن ينتظر عودتها ليتحدث معها .
زواجها صدمة لم يستوعبها بعد ، زواجها بمثابة سقوطه من فوق جبل النرجسية الذي كان يسكنه .
يريدها وحيدة بأي شكلٍ كان وحتى الضربات التي تلقاها من داغر لم توقفه فقد أتى هذه المرة ليمارس عليها حيلةً جديدة فعقله لا يستوعب أنها باتت ملك رجلٍ غيره وأن كل ما بها من مميزات انفردت بها أصبحت في قبضة رجلٍ آخر .
ازدردت ريقها وكادت أن تتجاهله ولكنه أسرع يعترض طريقها ويسد مدخل البناية فتوقفت أمامه تطالعه بقوة ونطقت بجمود وعيون محذرة :
– ابعد .
تلبس قناع المسكنة وحدق بها يردف بنبرة هادئة محاولًا إقناعها :
– ديما اسمعيني ، أنا المرة دي جاي اتكلم معاكي من غير ما أعمل أي شوشرة ، أنا وانتِ لازم نفكر صح علشان عيالنا وسيبك من أي حاجة تانية ، أنا مستعد اطلق زينة وانتِ اطلقي ونرجع لبعض وأنا أوعدك هتلاقي كمال تاني خالص قدامك ، أنا وانتِ اتعلمنا الدرس صح وأكيد كل واحد فينا عرف غلطته فين ، خلينا نرجع علشان خاطر ولادنا يتربوا وسطنا وماحدش غيرنا يربيهم لا جوزك ولا مراتي ، فكري يا ديما صدقيني ده أحسن حل ، فكري في اولادك وبس حرام عليكي تظلميهم .
وقفت تطالعه بذهول وجمود ، هل هذا المعتوه يسمع ما يقوله ؟ تجاورها بسمة تطالعه وتلتفت حولها لا تعلم ماذا تفعل ، هل تهاتف داغر الذي ذهب إلى موقع المصنع ؟
أم تطلب النجدة ؟ أم تتصدى له بنفسها أم تستنجد بأي رجلٍ من الحارة الذين اختفوا بشكلٍ مفاجئ .
توترت ورفعت أنظارها نحو الشرفة لترى أحدًا ربما وجدت منال أو دينا ولكن لا أحد فهذا وقت استراحة الجميع .
ولكن فجأة اخترق صمتهما صوت سيارته الغاضب حين توقف أمامهما وترجل يخطو نحو كمال لكي يهجم عليه مما أرعب كمال وكاد أن يفر قبل أن يصل إليه فهيأته كانت مظلمة مخيفة ولكن ثائر قرر ألا يفلته وقبض عليه يسدد له لكمة جعلته يترنح فبادر بأخرى وعاد يقبض عليه بقوة ، يلفه ويثني ذراعيه خلف ظهره ويعرضه أمامها محدقًا في عينيها بغضبٍ ظاهر وصاح يردف بغلظة :
– خدي حقك منه .
وقفت لا تستوعب ما حدث للتو ، تطالعه بذهول ، من أين ظهر ؟ وكيف علم ؟ وهل علم بما فعلته ؟
صياحه جلب انتباه المارة فتوقفوا يشاهدون ما يحدث مع كمال بتشفٍ وبعضهم برأفة بينما هو صاح مجددًا حينما وجدها متجمدة :
– ديـــــــما .
انتفضت عندما سمعت صوته وكأنها كانت في عالمٍ آخر نظرت له فأومأ لها فتقدمت خطوة حذرة تقف أمامهما لتجده يوميء لها ويشجعها على الانتقام والمواجهة ، لذا لفت نظرها لذلك المقيد بشكلٍ مهين وعلى ملامحه رُسمت كل معالم الألم والعجز والغضب والاستعطاف علها تفعل ، ولكنها وقفت تتعمق في عينيه تستعيد ذكرياتها معه وقد رأت ذلك بشكلٍ واضح في انعكاس نظراته .
تروي داخلها
( تذكرتُ كل لحظة إساءة ، كل لحظة خوف ، كل لحظة نقد ، كل لحظة استهانة ، تذكرت منه كل سيء ولم أتذكر حلوهُ قط
ليس لأنني سيئة بل لأن حلوهُ كان فخًا لي ليستدرجني مجددًا بعدما بعثرني ، كان يظنني أشبه القوالب المكعبة يقوم بتجميعي ثم يهدمني ليعيد بنائي بشكلٍ آخر ثم يهدمني مجددًا وهكذا .
تذكرت أنانيته المفرطة، كان لا يفكر سوى بنفسه فقط ، تذكرت استغلاله حينما كان يمتص طاقتي وصحتي لأجله هو ووالدته ، تذكرت وأنا أنظر في عينيه نظرته التي كان يرعبني بها حينما يغضب وكنت أخـــــــــاف ، تذكرت هداياه التي كان يشتريها لي ليس من أجل سعادتي فقد كان هذا الأمر آخر اهتمامته بل كان من أجل سعادته فقط ، فعلها دومًا كي أرضخ له ، تذكرت صوته الحاد الذي كان يخترق أذناي ولم يتركني إلا بعدما يتأكد من
انهـــــــياري ، تذكرت كيف أهان عائلتي وقلل من شأنهم كي يعلّي من شأنه، وكيف استقطب حالة والداي ليعايرني بها ، تذكرت كيف بدا أمامي بمظهر المحتوي لآلامي وهو في الحقيقة كالذئب يشتهي حزني ، كان يدمن خوفي وصمتي ،
تذكرت كيف لم يشترِ خاطري ولو بشق تمرة في الوقت الذي كنت اشتري رضاه ورضا والدته ، تذكرت كيف سلبني أبسط حقوقي وانتشل مني الحد الأقصى من الحقوق التي لم تكن له ، تذكرت حينما انتقد هيأتي ليعطي لنفسه الحق في النظر لغيري وكيف انتقد مشاعري ليتخذها ذريعة لعلاقة أخرى ، تذكرت كم المرات التي نمت بها وأنا أحتضن وسادتي تبللها دموعي وحين استيقظ أجد علامات الكتمان على جسدي ، تذكرت كم المرات التي سعيت كي يشعر بالراحة وسعى هو دومًا كي لا أرتاح ، تذكرت خيانته لي في بيتي ولم يرحم صغاري ولم يفكر بهما ، لقد سعى دومًا ليرهقني ويحبط عزيمتي ويقلل من هويتي ، ولم أنسَ ذلك اليوم حينما صاح بين الناس يشكو لهم كم أنني زوجة سيئة المعشر والمعاشرة
وكم هو رجلًا صبورًا تحملني وحينما لم يعد باستطاعته الصبر أكثر تزوج بأخرى وحينما لم أعد أتحمل فقدت وعيي ، أتذكر أنها لم تكن نهايتي بل كانت البداية ، الآن فقط يمكنني التعافي )
رفعت كفها أمام عينيها تلفه يمينًا ويسارًا وتفكر كم عدد الصفعات التي يستحقها هذا الناقص على ما فعله ؟ وحينما لم يسعفها العد ابتسمت وأنزلت يدها ونظرت في عيني ثائر بعيون غائمة تتعلق فيها دموعها التي أبت أن تسقط ثم رفعت رأسها بشموخٍ ونطقت :
– مايستاهلش .
هذا ما كان ينتظره منها ، هذه هي ديما التي أخذها لتخطو في مسارٍ جديد لذا نطق بتهديدٍ صريح وهو يكشر عن أنيابه والآخر لم يستطع التحرر :
– سمعت ؟ إنت مجرد هوا بالنسبالها ، فكر مرة تانية تقرب منها ، واحسنلك تصفي شغلك وتسيب الحارة وتسيب البلد كلها لإنك هتتعب من هنا ورايح لو فضلت هنا ، فاهم ؟
نطقها ودفعه بغضب ليسقط كمال أرضًا بين الناس الذين تجمعوا وبسمة المتحفزة ومنال التي تقف تشاهد ما يحدث بتوتر وحزن بعدما طلبت من دينا أن تخفي الصغار حتى لا يريا كل هذا .
تقدم منها حتى بات أمامها ونظر لها متعمقًا في مقلتيها ولم يخفِ غضبه منها لذا توترت ولم تنطق ولكنه نطق بنبرة آمرة :
– اطلعي فوق
كادت أن تسأله ولكن نظرة الصرامة والغضب في عينيه جعلتها توميء له وتحركت للأعلى وتبعتها بسمة ووقف هو مشدوهًا يتنفس مطولًا باحثًا عن الهدوء .
نهض كمال بمساعدة أحدهم وتحرك يغادر بخزي وخيبة ولم يعد يستطيع التوعد فعقله الآن يعمل على محاولة تقبل تلك الإهانة .
نظر له وهو يغادر ثم قرر أن يذهب ويجلس على المقهى الجانبية إلى أن يأتي داغر .
❈-❈-❈
في تمام الساعة الثامنة .
تجمعت العائلة في الصالة يتبادلون أطراف الحديث .
لم تخرج دينا من غرفتها بعد ، جلس ثائر يتحدث مع صالح بهدوء ويشرح له عن كتابٍ ما كان قد قرأه صالح منذ عامين وسأله عنه للتو .
تجاوره ديما تدعي انشغالها مع صغيريها بينما عقلها يفكر في أمره وعن سبب انزعاجه الذي تعتقد أنه يصيبه لمجرد رؤية كمال ، تقنع عقلها بهذا وتدعو أن يكون صحيحًا .
بينما داغر بين الفنية والأخرى يتطلع إلى بسمة التي تجملت بشكلٍ رائع وهذا أصابه بالضيق والغيرة ، عهدها أنيقة وجميلة ومرتبة ولكن هل عليها أن تبتسم وتخبر ثائر بإعجابها الشديد بكتبه ؟
زفر بانزعاج ونظر لوالدته يتساءل :
– أومال دينا فين يا ماما ؟
نظرت له منال بهدوء ونطقت بتروٍ :
– قوم يا داغر هاتها يمكن محرجة تخرج .
أومأ ونهض يتجه نحو غرفتها وطرق الباب فسمحت له فدلف يطالعها ليجدها قد انتهت وتقف تفرك كفيها بتوتر ، نظر لها بترقب وتساءل :
– ماخرجتيش ليه ؟
قضمت شفتيها تجيبه بوداعة لحظية :
– أنا مكسوفة .
ابتسم وتقدم منها ثم تكتف وأشار لها أن تتأبطه ففعلت فرفع رأسه وتحرك بها نحو الخارج بصمتٍ لكليهما ، ربما فعلت لأنها استمدت منه القوة .
خرجا سويًا فرفع صالح نظره ليراها فتعلقت عيناه عليها ، ابتسامتها وخجلها كانا طاغيان على ملامحها فجعلاها أكثر جمالًا ونقاءً ، ابتسمت ورفعت أنظارها تطالعهم واتجهت ترحب بزوج شقيقتها ثم تحركت تجلس على بعدٍ مناسب من صالح وترحب به والخجل جالسًا بينهما .
يشعر أن قلبه يقفز فرحًا ، أحبها ليس لحسن ملامحها فقط ولكن ربما رأى فيها الشغب الذي سينتصر على وحدته ، ربما تمتلك مفتاح منزله الضائع ، ربما ستمده بالفوضى التي ستصارع صمته وتنتصر .
يعلم جيدًا كيف سيتعامل معها ، يمتلك مفتاح شغفها للحياة وقادرٌ على ترويضها لذا التقط نفسًا قويًا ونظر لداغر الذي نطق بحماس :
– نقرأ الفاتحة بقى .
أومأ بسعادة ورفعوا أيديهم وبدأوا يقرؤون الفاتحة لثوانٍ حتى أمنوا وأطلقت منال زغرودة سعيدة ونهضت تحضر الحلوى ونهضت ديما تساعدها في إحضار المشروب بينما دس صالح يده في جيبه وأخرج علبة أنيقة ثم مدها لها يردف بنبرة رصينة وثقل :
– هاي حاجة بسيطة ، بتمنى تعجبك .
تناولتها وفتحتها لتبتسم حينما وجدت خاتمًا يجتاز اختبارات الأناقة لذا نطقت بفرحة لمعت في مقلتيها :
– متشكرة يا صالح ، حلو اوي اوي
ابتسم وطالب به مجددًا ليلبسها إياه فناولته له ليمسك بطرف أصابعها يلبسها إياه بتمهل فشعرت بمشاعر جديدة عليها .
ربما هو ملتزمٌ في حدوده ولكن هواه أجبره على إلباسها إياه بنفسه ، لقد تحدث مع داغر عن كتب كتابه بعد الخطبة ، لن يستطيع التعامل معها بأريحية دون ذلك لذا أبعد يديه وتنهد بقوة وتعهد أن يقربها من قلبه ومن طباعه شيئًا فشيئًا وبحبٍ كبير .
جاءتا منال وديما ووضعتا الضيافة على الطاولة لينهض ثائر فجأة وينطق بهدوء :
– عن اذنكوا ، إحنا هنروح بقى ، يالا يا ديما ، وهاتي الولاد معاكي .
نظرت له متعجبة وكادت أن تعترض ولكنه لف نظره إلى داغر يردف بترقب :
– ديما نفسها الولاد يناموا معاها ، خليهم معانا النهاردة .
شعر داغر بالحرج ولكنه أومأ بقبول فعاد ثائر ينظر إلى ديما وينطق بهدوء مبهم :
– يالا جهزيهم وهستناكوا تحت .
التفت بعدها قبل أن تتحدث ونظر إلى صالح ودينا يستطرد مباركًا مبتسمًا :
– ألف مبروك يا صالح ليك انت ودينا ، عقبال الفرح .
تحرك يغادر فاتجهت منال تودعه وتحاول تطييب خاطره من أثر ما حدث مع كمال فهي لاحظت تجهمه وانزعاجه طوال الوقت .
❈-❈-❈
ربما تدرب جيدًا على الثبات وألا يظهر غضبه لأحد ولكن ما فعلته تجاوز حدوده وهذا يؤلمه ، كان يهرب إليها من كل ما يزعجه فأين يهرب الآن ؟
توقف أمام سكن عائلته وأطرق رأسه يردف بهدوء ظاهري :
– اطلعوا يالا .
طوال الطريق لم يتحدث معها ، يخاطب الصغيران فقط حتى لا ينزعجا وبالفعل اندمجا معه في الحديث خاصة رؤية التي كثُرت أسألتها ليعطيها الأجوبة التي تجعلها تضحك وهذا يجعل الذنب يصفعها ، هل علم بشأن ما فعلته ؟ هو لم يسألها أين ذهبت فهل يعلم ؟ هل تخبره أم ترواغ وتخبره بشيء آخر ؟ أم أن غضبه هذا مما حدث مع كمال ؟
هي لم ترِد لصغيريها أن يناما هنا ، هذا سيشعرها بالحرج لذا حاولت التوضيح فقالت :
– بلاش بيات يا ثائر هما يقعدوا معايا شوية وهقول لداغر ييجي ياخدهم .
نطق مجددًا وهو على هيئته المتجهمة بنبرة صارمة :
– العيال هيباتوا معاكي النهاردة ، يالا انزلوا .
شعرت بالضيق وأيقنت أنها مُعاقبة وكادت أن تتحدث لولا ظهور أمجد الذي لوح لهم واتجه يفتح باب السيارة ويرحب بالطفلين وبهما ثم تساءل :
– إيه واقفين ليه كدة ؟
أجابه ثائر بملامح باردة :
– أنا ورايا مشوار يا بابا خد ديما والولاد واطلعوا .
نطقت بضيق من تجاهله وحزنه :
– بابا معلش لو سمحت خد مالك ورؤية معاك وأنا جاية وراكوا .
أومأ أمجد بتفهم وأخذ الصغيران وتحرك للداخل ليظل ثائر على حالته حيث ظن أنها ستخبره ولكنها قالت بكذبٍ :
– ثائر إنت أكيد مضايق علشان أنا خرجت صح ؟ أنا بس روحت مع بسمة لإنها كانت رايحة تشتري ــــــــــ .
– انزلي حالًا .
قاطعها ينطقها بقسوة حينما وجدها على وشك الكذب فشعرت بصدرها يضيق ذرعًا ولم تستطع إلا أن تترجل وستنتظره حتى يعود ولكن سؤالًا واحدًا تردد على عقلها ، هل علم السبب ؟
أغمضت عيناها للحظات وهي تخطو للداخل وهزت رأسها تندم على كذبها عليه ، هي أخطأت ولكنها تمتلك الأسباب ، عليها أن تتحدث معه بوضوح .
❈-❈-❈
دخلا المنزل بعدما حققت رحمة جزءًا من مبتغاها لذا فهي تعيش سعادة لا تعلم عواقبها .
تحمل صغيرها وتدلله وتعيش معه الانتصار الذي شاركها فيه ، لقد أعلن إسلامه وهذا دليل على حبه لها مهما أظهر عكس ذلك ، الآن فقط تشعر أنها قادرة على مواجهة الجميع حتى شقيقها الذي ابتعد عنها .
رفعت رأسها بتباهٍ والتفتت تنظر إلى توماس الذي اتجه يجلس على الأريكة ويطالعهما فابتسمت تردف :
– لا زلت لا أصدق بعد أنك فعلتها توماس ، هذه المرة سنتزوج ولن نبتعد عن بعضنا مجددًا ، سنعيش سويًا مع ابننا إلى الأبد .
بنظرة لم ولن تستطيع فهمها ابتسم وقبض على جانبي الأريكة يردف بمغزى :
– بالطبع عزيزتي ، هي اذهبي وأريحي الصغير ، يجب أن نتحدث قليلًا .
ابتسمت بتوتر ولكنها أومأت وتحركت حيث غرفتها لتنيم صغيرها وجلس يفكر قليلًا ، لقد علم اليوم أن هناك همزة وصل بينه وبين ثائر يمكنه الوصول إليه من خلالها ، جارة رحمة .
ضحك بانتشاء لا يصدق هذه الصدفة التي تشبه صيدًا ثمينًا حصل عليه للتو ليجد أن زواجه من رحمة يحمل مميزات عدة لذا سيبدأ خطته من الآن ، سيبدأ في استدراجها كالعادة .
❈-❈-❈
الثانية عشرة منتصف الليل
مازال الصغار مستيقظين تسرد لهم ديما بعض القصص ، ترويها لصغيريها بالعربية ثم تترجمها لمعاذ بالفرنسية فهو لم يتقن العربية بعد .
عقلها منشغلٌ به وقد قررت أنها ستخبره حينما يعود وتعتذر منه عن فعلتها ولكن ربما إن طرحت أسبابها سيتقبل ؟ من المؤكد سينزعج كثيرًا ولن يتقبل ما فعلته .
تنهدت مطولًا ورفعت رأسها بلهفة حينما فتح الباب ودلف يلقي السلام على الجميع ، رحبوا به فجلس يجاور والده ووالدته فأسرع معاذ يعانقه ففعل ونظر للصغيرين يردف بترقب وهو يفتح ذراعه لهما :
– تعالوا انتوا كمان .
أسرعت رؤية قبل مالك الذي تهمل بخطاه عانقانه وبادلهما بمحبة ثم ابتعدا فنظرت له علياء ولملامحه المجهدة لذا رفعت كفها تحتضن وجهه وتردف بحنان :
– مالك يا حبيبي ؟ إنت تعبان ؟
ابتسم وفرد ظهره لا يحب أن يبدو بمظهر المتعب لذا نطق مبتعدًا عن مرمى كفها :
– علياء هانم واهتمامها المفرط ، كل مافي الأمر إني عايز أنام بس .
مطت شفتيها بيأس فهو يخفي ما تعلمه تراه لتنهض ديما من جلستها وتنطق وهي تقصد المطبخ :
– هسخنلك الأكل تاكل الأول .
– لا مش هاكل .
نطقها بنبرة صلدة استهدفت قلبها فهي لن تحتمل هذه المعاملة منه لذا وقفت حزينة لثوانٍ لينهض بعدها قائلًا بثقل :
– الولاد أكيد نفسهم يناموا معاكي النهاردة ، خليكوا سوا وأنا هدخل أنام مع معاذ .
نطق معاذ بحماس وتلقائية :
– هل لي أن أنام أنا أيضًا مع مالك وأمي ديما ؟
أومأ ثائر بهدوء ونطق :
– حسنًا إذا سأحتل غرفتك لي وحدي .
قالها وغمز صغيره ثم استرسل قبل أن يخطو :
– يالا تصبحوا على خير .
تحرك يغادر وتركها خلفه تتلوى على صفيحٍ ساخن ، هل سينام بدونها ؟
لم يلَحظ ما به أحد سوى والده الذي حزن لأجله ودعى ربه أن يهون عليه .
❈-❈-❈
عاد داغر إلى منزله بعد يومٍ شاق ، أوصل صالح وجلس معه قليلًا يتحدثان عن العمل فهذا الوقت هو الأهم بالنسبة لكليهما .
تحرك يصعد منزلهم فقد قرر الخلود للنوم على الفور ، وقف أمام الباب ينوي فتحه ولكنه تفاجأ ببسمة تطل من الدرج العلوي وتناديه قائلة :
– داغر .
تعجب والتفت يميل ويطالعها بملامح وجهٍ مستفسرة فتابعت :
– تعالى بسرعة شوف حصل إيه .
قالتها واختفت تركض فتبعها مذعورًا وخطر على عقله سيناريوهات عدة سيئة ، تمنى ألا تسوء ليلته ، دلف شقته يبحث عنها وينظر حوله باحثًا بذعر ليجد أن الأمور على ما يرام ولكن أين ذهبت ؟
ناداها بقلقٍ :
– انتِ فين يا بسمة ؟
فجأة صدحت موسيقى ناعمة من غرفتهما فاتجه يخطو في الردهة ليصل إليها وحينما دلف توسعت حدقتاه حينما وجدها تقف عند طاولة أعدتها بشكلٍ أنيق ووضعت عليها ورودًا وشموعًا وكوبين من العصير مع أكلة مجهزة لم يدرك ماهيتها بعد حيث تم تغطيتها بالكامل .
مقعدان أنيقان احتضن ظهرها قماش الستان الناعم على هيئة عقدة وورود حمراء منثورة على الأرض التي تم تنظيفها من أثر التشطيب ، ناهيك عن الموسيقى التي جعلت من قلبه فتاتًا انفجر للتو من قوة المشاعر .
ولم يكن المتسبب في هذا الانفجار هذا المشهد ، بل كانت هي بهيأتها وابتسامتها وعينيها التي تشرح الكثير دون أن تتفوه شفتيها بشيء .
خطا بتهملٍ شديد نحوها كأنه يخشى أن يكون هذا أحد أحلامه ، وصل إليها وتساءل بترجٍ :
– دي حقيقة صح ؟ أنا لسة مادخلتش بيتنا ونمت ، ولا أكون نمت ع السلم وأنا مش داري ، لو طلع حلم هزعل أوي .
اقتربت منه خطوة فباتت ملتصقة بيه تردف بنبرة ناعمة أخاذة :
– طيب اعمل إيه علشان تتأكد إنه مش حلم ؟
تهاوى قلبه من قربها ونظرتها وكل ما يحدث ، هل حقًا فعلت بسمة كل هذا ؟ ولأجله؟ يشعر أنه على حافة فقدان الوعي لذا مد يده يحاوط خصرها فتعلقت برقبته ومالت تضع رأسها على قلبه وتستطرد بنبرة مهزوزة من كثرة المشاعر حيث تسمع جيدًا قلبه الصاخب :
– ممكن ترقص معايا ؟ علشان تتأكد إنه مش حلم .
هذا يؤكد له أن حلم ، بدأت تتمايل على الأنغام ويتبعها مشدوهًا بكل شيء ، أنفاسه تلهث من فرط المفاجأة ، يشعر بها بين يديه ويشعر بأنفاسها التي تلفح صدره ، يستمع إلى الموسيقى ويرى الشموع ولكن عقله عاجز عن تصديق كل هذا لذا أبعدها عنه مسافة قليلة جدًا فرفعت رأسها تنظر في مقلتيه .
نظرتها كانت صريحة وحقيقية لذا تساءل :
– إنتِ عملتي كل ده علشاني ؟
ابتسمت تجيبه بمغزى مبطن :
– علشاننا ، أنا بحب اللحظات المترتبة ، كنت متحمسة أشوف ردة فعلك أوي .
ابتسمت ابتسامة نبعت من قلبه وأجابها بتفهم وأدرك مغزاها :
– إنتِ صح ، الرومانسية ليها أصول بردو ، أنا اللي كنت فاهم غلط .
ملست على عنقه تتدلل وتردف بسعادة جعلتها ملكة على عرش قلبه :
– توء ، أنت مش فاهم غلط ، انت بتحبني .
ابتسم يوميء مؤكدًا بثقة :
– لأبعد حد ، بحبك جدا جدا .
صرخت السعادة من تعابير وجهها ونطقت بقلبٍ يقرع الطبول وهي تتمايل معه :
– وأنا كمان بحبك جدًا ، بحب احتواءك ليا وتفهمك لأي حاجة بعملها ، بحب حنيتك عليا ، حتى زعلك مني بحبه ، وببقى عايزة أصالحك على فكرة بس بطريقتي .
نطق بسحرٍ استحوذ عليه من أفعالها وهمساتها :
– دانا طلعت غشيم أوي ، هي دي الطريقة التمام .
ضحكت عليه ونطقت بحبٍ وعبث جديد عليها :
– الحياة أحيانًا بتتطلب شوية غشومية صغننين .
هل هذا تصريح بشيءٍ ما أم أنه قرأ عينيها بشكلٍ خاطيء؟ ليتأكد من ذلك عليه خوض التجربة لذا انحنى يقبلها بترقب ليجد أصابعها تتلاعب بخصلاته ، إذًا هو قارئ جيد وعاشق ممتاز .
قبلة حملت طباع كلٍ منهما واستمرت لوقتٍ غير معلوم ولكنها كانت كافية لتؤكد لهما أن علاقتهما تحتاج إلى القليل من الفوضى بعد الترتيب .
ابتعد عنها يطالعها ليجدها متوردة تغلق عينيها فابتسم وأردف بمشاعر تتدفق كالشلال حينما انتهى مقطع الموسيقى :
– طب إيه ؟
رسم لنفسه حدودًا لن يتخطاها ليؤكد لها محبته وقيمتها في قلبه لذا ابتسمت تطالعه وتهمس بخفوت :
– يالا نتعشى .
أومأ وتحرك معها يجلسان على الطاولة ثم قبل يدها قبل أن يتركها لها وامتدت يده يرفع الغطاء عن الوجبة التي ابتاعتها لهذه الليلة السعيدة
❈-❈-❈
الثانية صباحًا
غفا الجميع وهي لم تغفُ ، ضميرها يلتهمها على كذبها عليه ، عقلها يركض بلا هوادة ، تعلم أنها لن تغفو إلا إذا أخبرته .
لقد ارتكبت خطأً فادحًا وستحاول تصليح الأمر بأي وسيلة ، من المؤكد أنه علم ما فعلته بطريقةٍ ما لذا هو غاضب ومعه كل الحق ، هذا يعني أنها لا تريد أن تنجب منه ، أنها لا تحبه ولكن هذا ليس صحيحًا هي فعلتها من أجل صغيريها فقط ولتنتظر ليمر هذا الوقت بسلام ، نعم ستخبره بهذا .
نظرت للصغار الذين يحتلون السرير وحمدت ربها أنه يتسع لهم جميعًا ، ترجلت منه وتحركت صوب المرآة تنظر لهيأتها ، خصلاتها مجمعة على شكل جديلة كما طلبت منها رؤية ، عينيها بهما الكثير ومنامتها الهافان تنساب على جسدها بنعومة مهلكة .
خشت أن يكون أمجد مستيقظًا لذا استلت مئزرها وارتدته وخطت خارج غرفتها تتجه نحو غرفة معاذ .
دلفت وأغلقت خلفها ونظرت لتراه ينام على فراش صغيره ، اقتربت منه بحذر حتى وقفت أمامه تطالعه بتفحص ، تعلم أن نومه خفيف لذا توترت وانحنت تناديه بهمس :
– ثائر ؟
سمع صوتها فاستيقظ يطالعها فابتسمت له ابتسامة لم يبادلها بل نطق مستفسرًا :
– جاية ليه ؟
تنهدت بثقل وازدردت ريقها تردف :
– عايزة أقولك حاجة .
زفر بتجهم واعتدل يجلس على الفراش ويمسح على وجهه بكفيه ليزيح النعاس ثم عاد يطالعها وينتظر حديثها بصمتٍ .
جلست أمامه وتوترت وهي تنظر في عينيه التي تتهمها ثم مدت يدها تضعها على كفه علها تؤثر عليه وأردفت بحزن موضحة :
– أنا أسفة ، أنا عملت حاجة غلط .
– قصدك إنك خالفتي آمري وخرجتي ؟
كان أشبه باستجواب وبطريقة استخدمها ليرى هل ستخفي وتكذب أم لا ولكنها لم تخالف توقعاته حينما أردفت بتوتر :
– وحاجة كمان ، أنا ركبت لوب .
برغم ثقلها عليها إلا أنها شعرت بالراحة حينما قالت وهو أيضًا ولكنه لم يظهر ذلك ، لقد علم أنها فعلت ، علم حينما أخبره مراقبها أنها خرجت فأسرع خلفها وحينما وجدها تخرج من المركز الطبي تعجب وتساءل ولكنه لم يمهل نفسه وعلم بطرقه ماذا كانت تفعل .
حينما لم يتعجب ولم يعطِ ردة فعلٍ كانت تنتظرها نطقت وهي تبعد يدها عنه :
– إنت كنت تعرف ؟
نطق بتجهم :
– وهعرف منين ؟
تعجبت منه وتساءلت :
– طيب مش هتقول حاجة ؟
ظهر الجمود على ملامحه ونطق مهيمنًا :
– مش معنى إني قولتلك اتدلعي عليا يبقى تستخدمي ده غلط ، اتنين مش هتهاون فيهم أبدًا مهما كان أول حاجة تخالفي أوامري وتاني حاجة تكذبي عليا ، فهمتِ ؟
برغم القسوة في كلماته إلا أنها تعلم أنه محق وهذا ما قالته حينما أومأت تردف :
– إنت معاك حق ، أنا غلطانة بس صدقني يا ثائر أنا عملت ده لإن وضعنا دلوقتي مش مستقر وخوفت يحصل حمل و ــــــــــ .
– وأنا موافقك الرأي ده ، ماينفعش خالص يحصل حمل دلوقتي .
نطقها قبل أن تكمل لتشعر بصدمة كأنه سكب فوقها لوحًا من الثلج ، تقولها هي ولكن لا يقولها هو لذا تساءلت باستنكار :
– يعني إيه ؟
هز كتفيه يردف باستفزاز متعمد كعقاب على ما فعلته :
– يعني لو كنتِ قولتي إنك عايزة تاخدي وسيلة كنت هوافق لإن أنا زيك شايف إن الوقت مش مناسب خالص لكدة .
أومأت بتفهم ولكنها حزنت كثيرًا لذا نطقت مستفهمة بابتسامة متألمة تخفي بها ما تشعر به فهو حتى لم يفصح عن موعد استقرارهم :
– صح ، أصلًا مالوش لزوم موضوع الخلفة ده ، ولا إيه ؟
أومأ يردف بثباتٍ مزيف :
– معاكِ حق .
صُدمت من تصريحه فهي التي لامت نفسها على ما فعلته وهو بالأساس لا يريد الإنجاب منها ؟ ألا يريد لحبهما أن يثمر ؟ ماذا يفعل هذا الرجل لم تعد تفهمه ؟
نهضت بعدها تخطو ليردف بجدية قبل أن تغادر الغرفة :
– تاني مرة أوعي تكذبي عليا يا ديما أو تعملي حاجة من ورايا .
سمعته وغادرت تعود لغرفتها وتعلم أنها لن تنام ولن تهدأ أفكارها مجددًا
وهو كذلك ، لم يعد ينام جيدًا منذ أن عاد ، كان يتمنى لو أنه يرتاح قليلًا ويعيش معها حياةً طبيعية ، كان الأشد رغبةً في الإنجاب منها ، تمنى لو ينجب فتاة يسميها ديما ثائر ولكن أمنيته حرة وهو سجين المهام .

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية بحر ثائر 2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *