رواية سلانديرا الفصل الأربعون 40 بقلم اسماعيل موسى
رواية سلانديرا الفصل الأربعون 40 بقلم اسماعيل موسى
رواية سلانديرا البارت الأربعون
رواية سلانديرا الجزء الأربعون

رواية سلانديرا الحلقة الأربعون
في ظلال الأرض المنسية، وبين الأنفاق المهجورة التي حفرتها أيادٍ بشرية هاربة من بطش الجان، بدأ خاطر ينسج خطته.
**
كان أول من التف حوله هم الأطفال البدلاء — أولئك الذين وُضعوا مكانهم صغار الجان في المهد، ونُزعوا من عائلاتهم في سن مبكرة. عانوا من العزلة والغرابة حتى بين بني جنسهم. بعضهم كبر في العتمة، وبعضهم علّم نفسه القتال لينجو.
علّمهم خاطر الصمت، ثم الخطو بخفة، ثم فنون البقاء.
**
ثم جاء مصاصو الدماء من الجان، أولئك الذين رفضهم المجتمع الجني، لا لأنهم أشرار، بل لأن طبيعتهم أرعبت الساسة والملوك. لم يكونوا قَتَلة، بل محرومين من دفء الولاء والانتماء. وجدوا في خاطر قناعة لا يسكنها الخوف، فرأوه زعيمًا مختلفًا.
استدعاهم واحدًا تلو الآخر، وعرض عليهم خيارًا: لا قتل، بل حماية. لا عبث، بل مقاومة منظمة.
**
أخطر إضافة كانت فرقة “الظل المكسور” — قطاع طرق من الجان عاشوا في حواف العوالم، بلا ولاء لشيفان أو لخصومه. أغراهم خاطر ليس بالذهب، بل بوعد الانتقام ممن خذلهم ونفاهم. كان يعرف كيف يخاطب الحقد في صدورهم دون أن يحرّض على فوضى.
كوّن منهم وحدة خاصة: فرق اقتحام، تخترق بلا أثر، وتضرب بلا رحمة، وتنسحب قبل أن يُدرك أحد من أين جاءت.
**
في عمق النفق، تحت الأرض، رُسمت خرائط على جدران الحجر، ورُسمت معها خطة. كانوا قليلين، لكن كل واحد منهم كان يحمل جرحًا، أو سرًا، أو قدرة لا يعرفها أحد.
وخاطر؟ لم يكن ملكًا، ولا نبيًا، لكنه كان شيئًا آخر:
رجل لم يعد يهرب.
**
كانت المهمة الأولى بسيطة في ظاهرها… لكنها مصيرية.
الهدف: استعادة “مفتاح الضباب” — قطعة أثرية من العصور الأولى، أخفاها أحد حكماء الجان في برج مغمور قرب “وادي الظلال”، وهو الوادي الذي يستخدمه شيفان الآن كمركز مراقبة وتحكم في حدود مملكته.
من يمتلك المفتاح، يستطيع أن يعبر بين أراضي الجان دون أن ترصده عيون السحر، ولا حتى كاشفات العرش.
**
قسم خاطر رجاله إلى ثلاث فرق:
الظل المكسور: مهمتهم التسلل إلى البرج عبر الجبال، كسر الحراس، وتعطيل نظام التنبيه.
مصاصو الدماء: سيهاجمون من الجهة الشرقية للوادي، كتمويه. سريعون، يهاجمون ويختفون قبل أن يُفهم ما حدث.
الأطفال البدلاء: يقودهم خاطر بنفسه. كانوا يعرفون الممرات السرية بين الجذور، بين الريح والحجر، وكانوا الأقدر على التسلل دون أن يُشعر بهم.
**
في الليلة الموعودة، انطلقت المجموعات.
الهواء كان مشبعًا بالقلق.
البرج بدا هادئًا من بعيد، لكن خاطر كان يعرف أن هدوءه كاذب، مثل ابتسامة خائن.
**
بدأ مصاصو الدماء الهجوم: سريع، فوضوي، صاخب. ظهرت ألسنة النيران في الجانب الشرقي.
تحرك “الظل المكسور” في اللحظة ذاتها من الغرب، يزحفون كالدخان. وبينما العيون كلها على الطرفين… زحف خاطر وأطفاله من تحت الأرض.
**
كان نفقًا ضيقًا، لا يدخل إليه إلا من تربّى على الزحف. كل خطوة محسوبة.
وفجأة… توقّف خاطر.
أشار بيده. الهواء تغيّر. سحر.
همس: “كمين…”
تقدّمت فتاة صغيرة من الأطفال. اسمها ماريا، عمرها لا يتجاوز العشر سنوات. وضعت أذنها على الجدار، ثم قالت:
“فيه فخ فوقنا… صخرة معقودة بسحر نوم. لو اتحركنا غلط، هننام للأبد.”
ابتسم خاطر رغم التوتر. “حسنًا، ماريا. دلّينا.”
**
بقيادة ماريا، عبروا من ثغرة ضيقة بين جذوع حجرية ملتوية، وخرجوا مباشرة أسفل البرج.
كان الحراس منشغلين بالفوضى. تسلل خاطر وحده إلى الداخل، قلبه ينبض كما لم ينبض من قبل.
كانت الغرفة الأخيرة محروسة بسحر قديم. لكنه ما إن لمس الجدار… حتى أضاءت الزجاجة المعلّقة في عنقه.
ضوءها اخترق الظلام، والجدار ارتجف كأنه يعرفه.
فتح ببطء… وفي الداخل، وسط دائرة من الرماد، كان المفتاح.
**
.
وفي اللحظة نفسها، انسحب مصاصو الدماء، وتراجع “الظل المكسور”، وكلهم سالمون، أو في أسوأ الأحوال… مجروحون فقط.
**
ليلاً، حين عادوا للنفق تحت الأرض، استقبلتهم زافيرا. لم تسأل كيف، ولا كم من الوقت استغرقوا.
فقط نظرت في عيني خاطر.
“خطوت أول خطوة؟”
ردّ، وعيناه على المفتاح:
“وأشعلت أول شرارة.”
*
شيفان لم يكن بحاجة إلى عيون سحرية ليعرف ما حدث.
حين سرق خاطر مفتاح الضباب، ارتجّ قلب الأرض تحت عرشه، وتصدّعت إحدى الدوائر السبعة التي تحمي سلطانه.
جلس على عرشه العظمي، عيناه نصف مغمضتين، يستمع إلى الصمت.
لكن في رأسه، كان الطنين لا يتوقف.
خاطر…
الاسم لم يختفِ، رغم أنه محاه من سجلات الجان، وجعل من يلفظه يُعاقب بالنفي.
لكن هذا الاسم عاد. ورفقة الاسم، رائحة الخيانة.
**
في غرفة المرايا، وقف أمامه الدارون، مستشاره الرمادي.
“أمرني يا سيدي. هل نرسل الكواسر؟ أم تُفعّل لعنة الإهلاك؟”
هزّ شيفان رأسه.
“خاطر ليس مجرد عدو. هو ظل قديم… ويعرفنا أكثر مما نعرفه.”
ثم نهض من عرشه، وبحركة واحدة، انطفأت كل المرايا ما عدا واحدة.
في المرآة الباقية، ظهرت صورة ليارا…
جالسة بين مجموعة من الأطفال، تضحك بخجل وهي تمسك دمية خشبية.
زمّ شيفان شفتيه.
“أرسلوا أوراس. لا نريد قتلهم… ليس بعد. نريدهم أن يخافوا.”
**
أوراس، هو خادم العرش الصامت.
كائن غريب، لا يُرى إلا من زاوية العين، ولا يسمع إلا حين يغادر.
يتنكر في هيئة ظل، أو ريح، أو حتى لعبة مكسورة في ركن غرفة.
أوراس لا يهاجم.
بل يُربك. يهمس. يزرع الخوف.
**
في نفس الليلة، استيقظت زافيرا مذعورة.
ليارا لم تكن في فراشها.
نهض خاطر كالصاعقة. ركض في أرجاء الكهف، ينادي باسمها، لكن ليارا ظهرت فجأة من بين الصخور… تمشي ببطء، وفي يدها دمية خشبية غريبة الملامح.
كيف وصلت لك اللعبه ؟” سألها خاطر، وعيناه تحدقان في الدمية.
ردت ليارا، بصوت خافت غير صوتها المعتاد:
“هو أعطاني إياها… قال لي إنو هو صاحبي، وإنو بابا لازم يوقف لعب.”
تبادلت زافيرا وخاطر نظرة مرعبة.
كان اسم “أوراس” لا يُنطق، لكنهم عرفوا أنه بدأ يلعب لعبته.
**
في اليوم التالي، بدأ الأطفال يعانون من كوابيس.
البعض رأى جدران النفق تنهار عليهم.
البعض استيقظوا ودماؤهم تنزف من أنوفهم.
مصاصو الدماء أصبحوا يتشاجرون فيما بينهم بلا سبب واضح.
حتى الصخور في سقف النفق، بدأت تُصدر طنينًا يشبه الهمس.
خاطر فهم الرسالة جيدًا:
“أنا أراكم. وأنا قادم.”
**
قال خاطر، وهو يرسم دوائر الحماية بدمه:
“شيفان لن يرسل جيشًا. سيرسل الخوف أولاً.
عندما عاد أوراس إلى غرفة العظام، لم ينحنِ.
فهو لا يتحدث، ولا يركع.
لكنه ترك أثرًا: الدمية الخشبية، وقد انقسمت من الداخل، وانسكب منها رمل أسود لا يشبه شيئًا في عالم الجان.
وقف شيفان أمامها، يحدق فيها طويلاً.
“خائف… لكنه لم ينكسر.”
قالها ببرود، ثم التفت نحو الدارون.
“خاطر أقام تحت الأرض، أليس كذلك؟ مع الأطفال والبشر ومصاصي الدماء؟”
أومأ الدارون.
“ومكانهم… بعيد عن سيطرة عيوننا؟”
“نعم، يا مولاي. النفق في منطقة مطرودة، سُحرت قديمًا لتكون مأوى للمنفيين.”
ابتسم شيفان.
“ممتاز… سنحوله إلى قبر.”
**
أصدر شيفان ثلاثة أوامر متزامنة:
1. نشر ضباب النوم الأسود عبر أودية الريح — ضباب لا تراه العيون، يسرق الإرادة بهدوء، ويجعل من يستنشقه غير قادر على التمييز بين الخيال والحقيقة. لا يقتل… لكنه يفتح الباب.
2. تحريك وحدات “الظلال المعكوسة” — مقاتلين جن لا يعكسون على الماء، لا أسماء لهم، لا يُشتمّ لهم أثر. يتسللون داخل الجحور، ويُفتّتون الحماية من الداخل. هؤلاء لا يحاربون بوضوح، بل يوسوسون، يُغوون، ويكسرون الثقة.
3. إرسال رسالة إلى قائد مجموعة “المرفوضين” — جان منفي يدعى نيرسول، كان في السابق من قادة جيش الملك إيريديون، وأقسم أن ينتقم من كل من خانه.
قالت الرسالة:
“خاطر لم يحارب وحده… لكنه سيُدفن وحده. خذ سيفك، وخذ ثأرك. وسنغفر ما سبق.”
**
في نفس الوقت، جلس شيفان في مجلسه، وأمر المرايا أن تُغلق.
قال شيفان
“لن أقتل خاطر… سأجعله يطلب الموت. وسأجعله يقتل من أجل النجاة.”
ثم أضاف، ببطء:
“أما زافيرا … فستكون لي.”
**
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سلانديرا)