روايات

رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي 3 البارت الثاني والعشرون

رواية جعفر البلطجي 3 الجزء الثاني والعشرون

رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة الثانية والعشرون

توقف مكانه وهو يتشـ ـبث في يد الصغيرة وكأنها الدر’ع الحا’مي إليه، وبجواره بيلا وعلى الجهة الأخرى مها وسراج الذي كان ير’اقب ردّات فعل صديقه طوال الوقت، ليرى صديقه الذي عُرِفَ بالقو’ة والعنفو’ان الآن يقف ضعـ ـيفًا ومتخـ ـبطًا، أبتهـ ـج وجه “راضي” عندما رآه، إنه حقًا نسخة مصغرة مِن أخيه الحبيب الرا’حل “عدنان المحمدي”
يقف شا’مخًا كاللـ ـيث مثله، الوقار يليقُ بهِ وبشخصه، الجد’ية تعلم عنوانها على معالم وجهه جيدًا، كانوا جميعهم ينظرون إليه بتمعن وسعادةٍ غير عادية، خرجت “شـاهي” مِن بينهم وهي تنظر إليه بتمعن، شعرت برُ’جفة قلبها حينما تلاقت عينيها مع عينيه، تلك النظرة التي يطالعها بها هي تعلمها جيدًا، كانت تراها دومًا، وتعابير وجهه كانت غير عادية، وكأنها رأتها مِن قبل ولَكِنّ لا تتذكر جيدًا أين
ترك هو يد صغيرته ونز’ل درجتان السُلَّم ووقف مكانه يطالعها، قلبه يخبره أنها والدته، إنها هي حقًا، معالم وجهها متقاربة وبشـ ـدة مع معالم وجه شقيقته، وعلى ذِكرها ألتفت هو بنصف جسـ ـده ينظر إليها ليرى التشابه الكبير بينهما، وفورًا تعا’لت نبـ ـضات قلبه وألتفت ينظر إليها مرةٍ أخرى ليشعر أن حلقُه جـ ـف تمامًا
كان يخـ ـشى أن تكون قد تنا’ست أمره هو وشقيقته، فقد كان حقًا سيكون قد قُـ ـضي عليه حينها، ولَكِنّ ما يراه أمامه أنها ليست كذلك فهي الوحيدة التي تطا’لعه بهذه النظرات دونًا عنهم جميعًا
«”يـوسف”، “يـوسف”، أبني “يـوسف”» نطقت بها “شـاهي” عدة مرات وهي تؤكد إلى نفسها أنه هو حقًا وليست خيا’لات، بينما تصـ ـلب هو مكانه وأزد’ادت وتير’ة أنفاسه مع نطقها لأسمه ونظرة السعادة والأبتسامة التي ظهرت على محياها، صر’خ قلبها شو’قًا إليه، صر’خ قلبها حُبًّا إليه، صر’خ قلبها حز’نًا عليه، كانت تظن أنه ما’ت، كانت تظن أنها لن تراه مرةٍ أخرى، لقد أختفـ ـى تمامًا ولَم يعلم أحدٍ أنه مازال على قيـ ـد الحياة، فقـ ـدت الأمل، وأستودعت أمرها لربها
ولَكِنّ كان ربها غفورٌ بها وها هو ولدها الحبيب قد عاد إليها مرةٍ أخرى، نعم إنه ولدها هي تعلم هذا، لَم تتغير معالم وجهه كثيرًا، مازالت معالم وجهه محفو’رةٌ داخل عقـ ـلها، صوته الر’نان يصدح بأذنيها، ضحكاته الخا’طفة وخضراوتيه الصافية لا تُنسى، فر’قت ذراعيها في الهواء وهي تنظر إليه بـ عينان دامعتين والأبتسامة تعلـ ـو ثغرها
«تعالى يا “يـوسف”، تعالى يا حبيبي متخا’فش» نطقت بها “شـاهي” بنبرةٍ مهز’وزةٍ ومر’تجفة تطمئنه أنها لن تؤ’ذيه، لن تضـ ـره، فهي والدته، كيف لـ أمًّا أن تؤ’ذي ولدها وهي التي تصا’رع العالم أجمعه لأجله، تحار’ب البشر وشـ ـرهم لأجله هو، بينما كان هو ينظر إليها وبداخله صوتٍ قو’ي يد’فعه لـ التقدم ومعانقتها، حقًا لَم يتر’دد، وجد قدميه تقترب رو’يدًا رو’يدًا نحوها، وكأنه إنسانًا آلي مبرمجًا على الذهاب لمَن يأ’مره
كلما أقترب كلما زا’د آ’لمه، كلما أقترب كلما زا’د شو’قه إليها، أرتمـ ـى بأحضانها لتطـ ـبق هي سريعًا بذراعيها عليه تضمه بلهفةٍ شـ ـديدة داخل د’فء أحضانها وها هي أخيرًا تسمح لدموعها بالسقو’ط على صفحة وجهها والدلوف إلى نو’بة بكاء طو’يلة ومؤ’لمة، ها هي تضم ولدها الحبيب، هذا الطفل الصغير الذي كان العالم الوردي إليها، أخذته الحياة مِنها لمدة طو’يلة للغاية، خمسة وعشرون عامًا بدونه، ظنته ميـ ـتًا بعد أن فقـ ـدت الأمل في العثـ ـور عليه، أيقنت أنها فقـ ـدت حينها كل شيء، زوجها، وأولادها، لينقـ ـلب كل شيءٍ في لمح البصر وترأف الحياة لحالها وتُعيد إليها ولدها الذي سـ ـلبته مِنها شا’بًا كبيرًا تذوق جميع أنواع الأ’لم الجسـ ـدي والنفـ ـسي
أما هو فقد عانقها بقو’ةٍ بعد أن شعر بد’فء أحضانها الذي يعلمه عن ظهر قلب، هذا الد’فء المميز، د’فء المرأة التي كانت كل شيءٍ إليه، يعلم هذا الد’فء جيدًا فهو يستطيع تمييزه وسط د’فء أحضان النسـ ـاء جميعًا، فـ د’فئها ليس لهُ بديل، مميزًا مثلها، وعندما شعر بهذا الحنان والد’فء الذي كان يحظى بهِ وهو صغير بكى، لَم يتحـ ـمل وتخـ ـلّى عن كل ما عُرِفَ بهِ أمام الجميع وبكى كـ الطفل الصغير الذي عا’قبه والده وركض إليها يحـ ـتمي بها ويشـ ـكو إليها، د’فن وجهه في كتفها وبكى بحـ ـرقةٍ شـ ـديدةٍ
سمح لـ آ’هاته المكتو’مة منذ سنوات بالخروج، سمح لنفسه أن يبكي أمام الجميع كـ الطفل الصغير الذي عا’قبه والده وركض يشـ ـكو إلى والدته، كانت تبكي داخل أحضانه وهو يبكي داخل أحضانها وكلٌ مِنهما يوّد التأكد أنه مع الآخر وأنها ليست مجرد أحلامٌ وردية نحلُم أن نعيشها كل يوم، نعم الحياة قا’سية ويجب علينا تقبُل قسو’تها والتعايش معها
سقـ ـطت دموعهم جميعًا بسبب تأ’ثرهم الشـ ـديد بهذا المشهد المؤ’لم، الأم تر’فض تر’كه حتى لا يفا’رقها، والولد ير’فض الأبتعا’د عنها حتى لا يفقـ ـدها مرةٍ أخرى، آ’لمتهم قلوبهم وسقـ ـطت عبراتهم حز’نًا عليهما
«متخا’فش يا حبيبي مش هسيبك تاني، متخا’فش يا نور عيني انا موجودة مش هسمح لأي حدّ يبعـ ـدك عنّي تاني حتى لو فيها مو’تي، كفاية بقى فر’اق انا قلبي تعـ ـب» نطقت بها “شـاهي” بنبرةٍ با’كية تطمئنه عندما شعرت بهِ يتشـ ـبث بها ير’فض تركها، مسّدت على ظهره برفقٍ وحنو وهي تشكر ربها أنه أعاد إليها ولدها الحبيب إلى د’فء أحضانها، كانت كل يوم تبكي وتنتـ ـحب وتشـ ـكو إلى ربها، وها هو ربها يتقبل مِنها دعواتها المستمرة وإلحا’حها
أبعـ ـدته عن أحضانها تنظر إلى معالم وجهه البا’كية والتي لَم تتغيَّر كثيرًا، حاوطت وجهه بين كفيها تتأمله بـ عينيها البا’كية تملي شو’قها وحنينها في التمعن في معالم وجهه التي حُرِ’مَت مِنها، زرقاوتيها تخبره كَم تمنت هذه اللحظة التي كانت مستحـ ـيلة بالنسبة إليها تُعبر عن شو’قها إليه، أما عن خضراوتيه التي أكتستهما الحُـ ـمرة تخبرها كم تذ’وق قسو’ة الحياة ومعا’ناتها وآلآ’مها بدونها، مسـ ـحت دموعه بـ أطراف أصابعها بحنو وهي تبتسم إليه بسعادةٍ كبيرة
أمسك يدها يطبع عدة قْبّلات عليها وكأنه يتمنى نيل رضاها عليه، نظر إليها وكأنه يخبرها إن كانت راضيةٍ عنه أم لا، ولَكِنّ هل يجب أن يتلقىٰ إجابة وهي واضحة وضوح الشمس أمام عينيه، لثمت وجنته بـ قْبّلة حنونة تابعتها قولها:
«راضية عنك يا نور عيني، طول عُمري وانا راضية عنك يا “يـوسف” كل اللي كُنْت عايزاه بس حضنك ليا وحنيتك اللي الدنيا حر’متني مِنها عليا، دا كل اللي كُنْت عايزاه معقولة كان طلبي كبير أوي كدا؟»
سقـ ـطت دموعه مرةٍ أخرى تعبر عن أ’لمه الكا’من داخل قلبه ليضمها داخل أحضانه هذه المرة ممسّدًا على ظهرها ورأسها قائلًا بنبرةٍ با’كية:
«مِن اللحظة دي انا مش هحر’مك مِن حضني أبدًا يا أمي، خلاص مِن اللحظة دي انا كل اللي محتاجه هو إنك تفضلي معايا، مش عايز أسيبك تاني خلاص، انا كُنْت تا’يه ومش انا وانا بعيـ ـد عنك، ملقتش نفسي غير فـ حضنك»
ضمته “شـاهي” وربتت على ظهره بحنو وهي تضع رأسها على صدره تنعم بد’فء أحضانه، كانت تتمنى رؤية ولدها وهو يكبُر أمام عينيها، كانت تتمنى فقط رؤيته كـ أي أمٍّ ترى صغارها يكبرون أمامها، ولَكِنّ لا بأس أهم شيءٍ الآن أنه عاد إليها مجددًا
أبتعـ ـد عنها “جـعفر” وهو ينظر إليها مبتسمًا ثم ألتفت ينظر إلى شقيقته التي كانت تبكي منذ مدة بتأ’ثرٍ وعد’م تصديق، مَد يده نحوها وأشار إليها بـ عينيه البا’كية أن تتقدم مِنهُ، نظر إليها “سـراج” وربت على ذراعها برفقٍ حتى تتحرك، وبالفعل تقدمت مِنها بخطى سريعة حتى أرتمـ ـت داخل أحضانها وسمحت لنفسها بالبكاء مثلما تشاء تعانقها بقو’ةٍ وتبكي بـ حُر’قة
ضمتها “شـاهي” وشـ ـددت مِن عناقها إلى أبنتها الحبيبة التي كانت تتعـ ـلق بها منذ صغرها، كانت “مـها” لا تصدق أنها تحتضن والدتها، بعد مرور تلك السنوات الطو’يلة ها هي الآن داخل أحضانها تنعم بد’فئها وحنانها الذي سُـ ـلِبَ مِنها بالقو’ة
«كبرتي يا “مـها”، كبرتي يا ر’وح قلبي وبقيتي عرو’سة، كبرتوا وبقيتوا زي الورد، سبتـ ـكم وأنتوا لسه تلات وست سنين، بس خلاص انا مش هسيبكم تاني، مش هفر’ط فـ حـ ـقي فيكم تاني مهما حصل، انا مبقتش عايزه حاجه مِن الدنيا خلاص اللي عوزته خـ ـدته» نطقت بهذه العبارات “شـاهي” التي كانت سعيدة وبشـ ـدة برؤية ولديها أمامها مرةٍ أخرى أمام أعينها، نالت ما كانت تتمناه أخيرًا بعد هذه السنوات الطو’يلة
أبتعـ ـدت “مـها” عنها تنظر إليها بـ عينيها البا’كية لتبتسم إليها “شـاهي” وتقرر تلطـ ـيف الأجواء قائلةً بمزاحٍ:
«وبعدين مالك كدا شبهي أوي كدا ليه، لعلمك “شـاهي” واحدة بس مبتتكررش»
ضحكت “مـها” بخفةٍ ومعها “جـعفر” الذي أبتسم أبتسامةٍ صافية وهادئة وقد شاركوهم الآخرين بـ قهقهاتٍ خفيفة، أبتسمت “شـاهي” إليها ومسحت لها دموعها بحنوٍ، نظرت لهما قليلًا تتأمل معالم وجهيهما بشو’قٍ وحنو لترى نفسها في أبنتها، وترى زوجها وحبيبها “عـدنان” في ولدها الحبيب، فر’قت ذراعيها في الهواء وقالت بنبرةٍ مرحة:
«هات حضن ياض أنتَ وهي يلا، إيه متفتكروش إنكم كبرتوا عليا»
ضحكا الأثنين وعانقانها سويًا، لتضمهما “شـاهي” إلى أحضانها وهي تبتسم وها هي تشعر أن الحياة قد تلونت بالألو’ان مرةٍ أخرى بعد أن كان الأسـ ـود يلطـ ـخها، لثمت خديهما بـ قْبّلةٍ حنونة ثم أبتعـ ـدا عنها ينظران إليها، أمسكت “مـها” يد والدتها وهي تقول بنبرةٍ متحمسة:
«تعالي أعرّفك على “سـراج” هتحبيه أوي»
سارت معها “شـاهي” مستـ ـسلمةٍ إليها فقط كل ما يشغـ ـل تفكيرها أنها تُلـ ـبي طلباتهما كي تستطيع تعو’يضهما وإسعادهما، توقفت “مـها” التي كانت ممسكةٍ بيد والدتها أمام “سـراج” الذي كان متأ’ثرًا كثيرًا بهذه المقابلة التي لَم تكُن في الحُسبان
«ماما، دا “سـراج” جوزي وصاحب “جـعفر” الر’وح بالر’وح، ودي ماما يا “سـراج”» نطقت بها “مـها” بنبرةٍ مليئة بـ الحـ ـماس، نظرت “شـاهي” إلى وجه “سـراج” لا تُنكـ ـر أن معالم وجهه جا’دة بعض الشيء ولَكِنّها شعرت بالراحة تجاهه، أبتسمت إليه بسمةٍ بشوشة ومَدت يدها كي تصافحه قائلة:
«أزيك يا “سـراج”، أتشر’فت بمعرفتك»
مَد يده مصافحًا إياها قائلًا بأبتسامة بشوشة:
«الشـ ـرف ليا واللهِ يا طنط، انا مبسوط واللهِ بالمقابلة دي، متتصوريش الفرحة اللي إحنا فيها واللهِ، وجود حضرتك فَرَ’ق كتير أوي فـ حياة “جـعفر” و “مـها”»
«وانا كمان مبسوطة إني شوفتكم وحقيقي فرحتوا قلبي، بس إيه “جـعفر” اللي بتقولوها دي؟» نطقت بها “شـاهي” متسائلةٍ ليأتيها صوت “مـؤمن” الذي أجابها بنبرةٍ هادئة:
«دا أسم مستعـ ـار سمته لـ “يـوسف” عشان تد’اري وراه بلا’ويها كلها، بس هو بقى اللي مش مقتـ ـنع بيه ومصمـ ـم على “جـعفر”»
«يعني تتقـ ـبل يتقالك “جـعفر” اللي سمتهولك الغر’يبة وتر’فض “يـوسف” اللي أمك سمتهولك؟!» نطقت بها “شـاهي” تعا’تبه على أسلو’ب تفكيره ليبتسم إليها “جـعفر” ويتقدم مِنها بخطى هادئة قائلًا:
«مقدرش واللهِ يا ست الكل، كل الفكرة بس إني خدت على أسم “جـعفر” مش أكتر إنما، “يـوسف” مش عارف أتأقلم عليه، انا مِن صُغري وكل الناس بتناديني “جـعفر” فأتعودت عليه وشوفت نفسي فيه، دي كل الحكاية، بس لأجل عيونك الحلوين دول هحاول أعتـ ـمد “يـوسف”»
أبتسمت إليه “شـاهي” بحنوٍ ثم وضعت كفها الدا’فئ على ذراعه وتحدثت بنبرةٍ هادئة متفهمة قائلة:
«فهماك، بس برضوا هناديك “يـوسف”»
«وانا موافق يا أم “يـوسف”، تعالي بقى أعرَّفك على أُسرتي الصغيرة» أنهـ ـى حديثه وهو يُمسك بـ كفها ويتوجه بها تجاه زوجته وطفلتيه، وقف أمام زوجته وأشار نحوها موجهًا حديثه إلى والدته قائلًا:
«أحبّ أعرَّفك على اللي وقـ ـعتني ومحدش سَـ ـمَى عليا، “بـيلا” مراتي وأحلى حاجه فـ حياتي، دي اللي فضلت جنبي ومسا’بتنيش لحظة واحدة، أكتر واحدة بتخا’ف عليا ومتقبـ ـلش يتقال فـ حـ ـقي كلمة مش على هو’اها، دي اللي خـ ـلّت أبنك لسه بيعافـ ـر الدنيا لحد دلوقتي عشانها وعشان اللي بحبّهم، دي اللي شا’لت معايا كتير وأستحمـ ـلت معايا أصعـ ـب أيام حياتي، بأختـ ـصار كدا دي الـ “My Queen”»
رغم حز’نها ومتا’عبها، ألا أنها لَم تكُن تتو’قع أنها سترى ولدها الحبيب متزوجًا، كانت تظن أنها ستراه في حِلته السو’د’اء ليلة زفافه تقف بجواره وتساعده وتوثق هذه اللحظات السعيدة، ولَكِنّ كان للقدر رأيًا آخر في هذا، ضمتها “شـاهي” والأبتسامة لا تفا’رق ثغرها ترحب بها بحفا’وةٍ شـ ـديدةٍ وفرحة
أبتعدت عنها “شـاهي” لتنظر إليها قائلةً بنبرةٍ هادئة ومبتسمة:
«بسم الله ما شاء الله، زي القمر يا “بـيلا”، ذو’قك حلو يا “يـوسف”، وعايزه أقولك طالما “يـوسف” ابني قعد يمد’ح فيكي كدا كتير يبقى أنتِ عنده حاجه كبيرة أوي»
أبتسمت “بـيلا” إليها بسمةٍ صافية ثم نظرت إلى “جـعفر” الذي كان يحمـ ـل صغيرته على ذراعه ويلا’عبها، نظرت إليها مرةٍ أخرى وقالت بنبرةٍ هادئة:
«واللهِ يا طنط مش عارفه أقولك إيه، بس حضرتك ذو’ق جدًا وربنا يعلم انا حبّيتك قد إيه»
أبتسمت إليها “شـاهي” ومسّدت على ذراعها برفقٍ ونظرت إلى ولدها مرةٍ أخرى، نظر هو إليها وأبتسم لها وقال:
«أعرَّفك بقى على حبيبة قلبي والحتة الشـ ـمال عندي، “ليان” بنتي وأول فرحتي وسـ ـبب سعادتي»
يا إلهي لقد تفا’جئت أيضًا مفا’جئة أخرى، إنها جِدة، لقد تزوج ولدها وحبيبها وأنجـ ـب تلك الجميلة الرقيقة التي كانت نسـ ـخة مصغـ ـرة مِن والدها، مَدت “ليان” يدها الصغيرة إليها وهي تنظر إليها والأبتسامة تزين ثغرها تنتظر مصافحة الأخرى إليها، ترقرقت الدموع في ملقتي “شـاهي” التي شعرت أنها حُرِ’مَت مِن كل شيءٍ جميل، مَدت يدها تتلمـ ـس يد الصغيرة التي أتسعت أبتسامتها وقالت باللكنة الإنجليزية المتقـ ـنة:
«مرحبًا جَدتي سعدتُ لرؤيتكِ كثيرًا»
تفا’جؤا جميعهم مِن إتقا’ن هذه الصغيرة التي في عُمر الخامسة لـ اللكنة الإنجليزية، فـ إتقا’نها ولبا’قتها جعلتهم يندهشون وتتطر’ق الأسئلة رؤوسهم، تحدثت الصغيرة مرةٍ أخرى وهي تنظر إليها قائلة:
«أنتِ جميلة للغاية ولطيفة، لقد أحبّبتكِ كثيرًا يا جَدتي الجميلة»
نظرت “شـاهي” ومازالت إمارات التفا’جؤ والد’هشة تعلـ ـو معالم وجهها إلى ولدها الذي أبتسم إليها وقال بنبرةٍ هادئة:
«نسيت أقولك، المسكَّرة دي واخدة الجـ ـنسية الأمر’يكية، أصلها مولودة فـ أمر’يكا وقعدت هناك أربع سنين»
تفا’جئت “شـاهي” كثيرًا لتنظر إلى “حـفيدتها” اللطيفة التي كانت غاية في الجمال والرُقي، مَدت يدها نحوها تنتظر إجابة الصغيرة إليها والتي للحق لَم تستغـ ـرق الكثير مِن الوقت ولَـ ـبت لها مطلبها وذهبت إليها، ضمتها “شـاهي” داخل أحضانها مستمتعةً بلـ ـذة هذا العناق الحنون الذي كان كالسـ ـحر بالنسبة إليها
أبتسم “جـعفر” وهو يرى تأ’ثير عناق صغيرته على والدته التي كانت تضمها بحنوٍ وتحادثها ويبدو على معالم وجهها السعادة الكبيرة، ألتفت ينظر إلى “بـيلا” التي أبتسمت إليه ولَم تتحدث، ونظرت “شـاهي” إلى ولدها الحبيب وقالت بنبرةٍ هادئة مبتسمة:
«حضنها حلو أوي يا “يـوسف”، فيه حاجه بتخلّيني مش عايزه أبعـ ـدها عنّي، كأن حضنها سحـ ـر بجد»
أبتسم “جـعفر” أبتسامة هادئة ثم أشار تجاه صغيرته الأخرى قائلًا بنبرةٍ هادئة:
«ودي “لـين” فرحتي التانية يا دوبك شهر»
نظرت “شـاهي” إلى “لـين” الصغيرة التي كانت نائمة داخل أحضان والدتها لتعـ ـلو أبتسامتها الحنونة ونظرت إلى “جـعفر” مرةٍ أخرى وقالت:
«بسم الله ما شاء الله، بناتك طالعين زَّي القمر يا “يـوسف”، ربنا يحفظهم ويباركلك فيهم يا حبيبي وتشوفهم عرا’يس زَّي القمر، كدا بقى عندي حفيدتين زَّي القمر، “لـيان”، ولـين”»
أنهـ ـت حديثها ولثمت وجنة الصغيرة بـ قْبّلة حنونة، وبعد مرور عدة دقائق نظرت “شـاهي” إلى ولدها “يـوسف” وزوجته وأبنتها “مـها” وزوجها وقالت:
«تعالوا أعرفكم على العيلة»
تحركوا معها نحوهم ليقفوا أولًا أمام “راضـي” الذي أبتسم أبتسامة صافية إلى ابن أخيه الرا’حل الذي كان نسخة مصغـ ـرة مِنهُ، أشارت نحوه قائلة بأبتسامة:
«دا عمك “راضـي” الكبير بعد أبوك الله يرحمه، ميأ’سش وفضل يد’ور عليك كتير أوي وكل يوم كان بير’جع فيه كان بيبقى عندي أمل إنه راجع وأنتَ فـ إيده، بس ربنا مكانش لسه أراد، بس الحمد لله يعني رجعتلي فـ الآخر وكمان جيت لوحدك»
أبتسم “جـعفر” إلى عمه “راضـي” الذي فر’ق ذراعيه في الهواء إليه ليُلـ ـبي “جـعفر” مطلـ ـبه ويعانقه، طبـ ـق بذراعيه عليه وهو يربت على ظهره برفقٍ قائلًا بنبرةٍ متأ’ثرة:
«كُلك “عـدنان” يا “يـوسف”، شايف أخويا فيك، متتصورش يا ابني فضلت أد’ور عليك قد إيه على أمل إني ألاقيك، كُنْت خا’يف يكون جر’الك حاجه أنتَ وأختك، بس الحمد لله فـ الأول والآخر إنك رجعتلنا تاني»
ربت “جـعفر” على ظهر عمه برفقٍ وهو حقًا لا يجد الكلمات لقولها إليه فهو الآن متأ’ثرًا بـ الأجواء، أبتعـ ـد عنه بعد لحظات لتتقدم “مـها” تعانق عمها الذي كان سعيدًا برؤيتها وكم تأ’ثر بهذه اللحظة التي يرى بها أولاد شقيقه الرا’حل الذي كان كـ ظـ ـله
«دي بقى مرات عمك “وجـيدة”، سـ ـت زَّي السُكَّر تتحـ ـط على الجـ ـرح يطيب» نطقت بها “شـاهي” التي وقفت أمام “وجـيدة” تشير نحوها لترحب الأخرى بهما بأبتسامة واسعة وحفاوة كبيرة
«دا بقى “جـاد” أخو “مـؤمن” الصغير دا بقى واد شقـ ـي مِن الآخر وبتاع مغا’مرات واخد السرير منهـ ـج فـ حياته أول مرة شوفته سابه مِن نفسه كان الصبح كان رايح جاي زَّي النـ ـحلة يساعد العـ ـمال وكل دا ليه عشان “يـوسف” تعرف انا لو أعرف إنه هيسـ ـيب السرير عشانك ويجر’ي هنا وهنا كُنْت أتمنيتك تظـ ـهر مِن زمان» نطقت بها “شـاهي” التي نظرت إلى ابن شقيق زوجها بيأ’سٍ لتعـ ـلو الضحكات حولهم
«دا انا واضح إن شخصيتي مسمـ ـعة فـ كل حتة بقى، إني أخلّيك تقوم لوحدك كدا مِن غير ما أكون موجود دا يبقى إنجاز ليا، ما بالك بوجودي بقى» نطق بها “جـعفر” ممازحًا إياه ليبتسم إليه “جـاد” قائلًا:
«يا باشا بوجودك مِن غيره مسـ ـمع هو حدّ يقدر يقول غير كدا، بس قولي، انا بعشـ ـق الأكـ ـشن وجَو العفـ ـرتة والحاجات دي بتعيش الأجواء دي ولا حياتك هادية والكلام دا»
«حياة مين اللي هادية يا عم صلِّ على النبي انا مؤسس النادي» نطق بها “جـعفر” بجد’يةٍ تنـ ـفي هذا المرح الذي كان عليه منذ ثوانِ ليرى السعادة تتقا’فز مِن ملقتي “جـاد” الذي قال بحـ ـماسٍ شـ ـديد:
«حبيبي يا “چـو” بقولك إيه انا عا’زم نفسي عندك بكرا مليش فيه انا لازم أجيلك ونر’جع ذكريات الطفولة البا’ئسة اللي طا’رت مِننا دي»
«تعالى وملكش دعوة بس سيب الباقي عليا» نطق بها “جـعفر” الذي أبتسم أبتسامة خبـ ـيثة وغمـ ـز إليه بطـ ـرف عينه ليعانقه “جـاد” بسعادةٍ كبيرة قائلًا بنبرةٍ سعيدة أعـ ـربت عن حُبّه الشـ ـديد إليه:
«حبيبي يا “چـو”، حمدلله على سلامتك يا بطـ ـل الأبطـ ـال»
أبتسم “جـعفر” وعانقه مربتًا على ظهره برفقٍ وهو يتذكر عدة ذكريات قليلة با’هتة قد دا’همت عقـ ـله الآن جمعـ ـته مع هذا الشـ ـقي الو’سيم الذي أصبح الآن خا’طفًا للأنظار وقد أيقـ ـن “جـعفر” أنه إذا وضعه بجوار “بـشير” سيد’مران الكو’ن بأكمله
قامت “شـاهي” بتعريف ولدها وأبنتها على جميع أفراد الأسرة الذين كانوا يستقبلونهما بترحابٍ شـ ـديد وحُبّ، عدا البعض مِنهم والذي لاحظهم “جـعفر” حينها لتطـ ـرق هذه الجملة رأسه «عقا’رب العيلة»
وبعد مرور القليل مِن الوقت كانوا جميعهم يجتمعون على طاولة الطعام الكبـ ـيرة التي جمعتهم في جَوٍ أُسري لطيف ود’افئ ولأول مرة يشعر “جـعفر” بالراحة والسعادة، جلست “شـاهي” على يسار “راضـي” وبجوارها ولدها على اليمـ ـين وأبنتها على اليـ ـسار وهي في المنتصف بينهما، عاد “جـعفر” بـ رأسه قليلًا إلى الخلـ ـف ينظر إلى زوجته التي كانت تجلس بجوار شقيقته ليراها تهـ ـدهد صغيرتها
أعتدل في جلسته مرةٍ أخرى ونظر إلى صغيرته التي كانت تجلس على قدمه بعد أن رفـ ـضت الجلوس مع أطفال العائلة لتناول الطعام معهم وأصّـ ـرت على البقاء مع والدها، نظرت “مـها” إلى زوجها الذي كان يجلس مقابلًا لها بجو’ار الشبا’ب لتبتسم إليه فور أن نظر إليها ليبادلها هو أبتسامتها وقد رأى لـ ـمعة عينيها التي لَم يرها مِن قبل قد ظهرت الآن عندما أصبحت مع عائلتها
وضعت “شـاهي” قطعة دجاج كبـ ـيرة أمام ولدها وأبنتها ليُعلـ ـق “جـعفر” عليها قائلًا بأبتسامة:
«صلِّ على النبي بس يا ست الكل كدا الأول إيه كل دا»
«إيه يا حبيبي أكلك يلا عايزاك تاكل كدا وتشـ ـبع وتقولي رأيك حظك إني عاملة الفراخ والطبيخ عايزاك تد’وق بقى وتقولي إيه رأيك وفيه حما’م وبط لو بتحبّهم دول بقى مِن عمايل مرات عمك “وجـيدة” أصلها شاطرة فـ عمايلهم أما انا أخرى الفراخ» نطقت بها “شـاهي” مبتسمة إليه ثم نظرت بعد ذلك إلى أبنتها وحسـ ـتها على تناول الطعام ثم نظرت بعد ذلك إلى “بـيلا” وقالت:
«مبتاكليش ليه يا حبيبتي لا بُصي كدا “شـاهي” تز’عل وما أدراكِ بز’عل “شـاهي” منصحكيش عايزاكي تاكلي كدا وتقوليلي أنفـ ـع فـ المطبخ ولا لا، ولا يكُنْش “يـوسف” خـ ـد على أكلك فـ مش هيعرف ياكل مِن إيدي؟»
«مين قالك كدا بس يا ست الكل نَفَسك حلو أوي فـ الأكل دا انا كُنْت مشـ ـتاق واللهِ» نطق بها “جـعفر” الذي عاد يتناول طعام والدته الذي حُرِ’مَ مِنهُ بتلـ ـذذٍ، لتنظر هي إليه وتبتسم لهُ بحنوٍ مربتةً على ظهره قائلة بأبتسامة:
«بالهنا والشفا على قـ ـلبك يا “نور عيني”»
نظرت بعدها إلى “بـيلا” التي كانت تلتزم الصمت وشا’ردة لتقـ ـطع شـ ـرودها ذاك قائلة متسائلة:
«كُلي يا حبيبتي هو أكلي مش عاجبك ولا إيه؟»
أنتبهت إليها “بـيلا” لتبتسم إليها بخفةٍ قائلة بنبرةٍ هادئة:
«لا خالص كفاية ريحته بسم الله ما شاء الله»
«طب يا حبيبتي كُلي يلا سمي الله وكُلي، شوفي جوزك يلا يا “مـها” خلّيه ياكل مكسو’فين مِن إيه دا بيتكم يا حبايبي» نطقت بها “شـاهي” التي كانت تتحدث بتلقائية، نظر “جـعفر” مرةٍ أخرى إلى “بـيلا” التي عادت تشـ ـرد مرةٍ أخرى ورأى العبرات تلتمع دا’خل ملقتيها، وقبل أن ينهض ويذهب إليها سَمِعَها تعتذ’ر مِن الجميع وتنهض حاملةً أبنتها الصغيرة على ذراعها
«انا آسفة هردّ على المكالمة دي ضـ ـروري»
سمح إليها “راضـي” الذي أشار إلى “جـاد” قائلًا بنبرةٍ هادئة:
«خـ ـرجها يا “جـاد” بره فـ الجنينة عشان تعرف تاخد راحتها فـ الكلام»
نهض “جـاد” بالفعل وأشار إليها قائلًا بإ’حترام:
«أتفضلي»
تحركت خلفه “بـيلا” أسفل نظرات “جـعفر” الذي كان ينظر إليها وهو يشعر بالقلـ ـق عليها فهو لَم ينسـ ـى مـ ـرض “فـارس”، قا’طع شـ ـروده صوت والدته التي قالت:
«كمل أكلك يا “يـوسف” هتيجي تاني»
نظر إليها “جـعفر” وحاول تجـ ـنب هذه الأفكار السـ ـلبية التي بدأت تطر’ق رأسه وعاد يتناول طعامه مرةٍ أخرى، ولَكِنّ كان عقله منشغـ ـلٌ بها طوال الوقت حتى أنها تأ’خرت لمدة عشر دقائق وكذلك “جـاد” الذي لَم يعُد حتى الآن مِمَّ جعلهم يتعجبون
وقبل أن ينهض “جـعفر” ويذهب إليها لرؤية ما حد’ث رأى “جـاد” يعود إليهم مرةٍ أخرى موجهًا حديثه إليه قائلًا بنبرةٍ يلمؤ’ها القلـ ـق:
«”يـوسف” مراتك قاعدة عمالة تعيـ ـط بعد ما جتلها المكالمة دي ومش عارف إيه اللي حصل تعالى شوفها»
نهض “جـعفر” في الحال وتوجه إليها بعد أن جاوره “جـاد” لتنهض كذلك “شـاهي” تلحـ ـق بهما وهي متعجبة ومعها “مـها” و “سـراج” و “راضـي” وكذلك “وجـيدة” جميعهم يجهـ ـلون ما حد’ث عدا “سـراج” و “مـها” اللذان كانا يعلمان ما يحد’ث
أقترب مِنها “جـعفر” بخطى سر’يعة حتى تو’قف أمامها حيثُ كانت تضع كفيها على وجهها وتبكي وتستند بمر’فقيها على ركبتيها وبجوارها “لـين” التي أستيقظت مؤ’خرًا، جلس على طـ ـرف الطاولة أمامها وأمسك بيديها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
«في إيه يا “بـيلا” إيه اللي حصل، أهدي»
«ما’ت، “بابا” ما’ت يا “جـعفر”» نطقت بها “بـيلا” التي كانت تبكي بشكلٍ غير عادي وهي تلـ ـهث، صُد’م “جـعفر” الذي كان يخشـ ـى هذه اللحظة وكذلك حز’نت “مـها” كثيرًا عليها وبجوارها “سـراج” الذي تأ’ثر كثيرًا
ضمها “جـعفر” إلى أحضانه ممسّدًا على ظهرها برفقٍ ومو’اساة وهو يُحاول تهـ ـدأتها، نظرت “شـاهي” إلى “مـها” وقالت بنبرةٍ هادئة ومتسائلة:
«هو في إيه يا “مـها” هي مالها؟»
«”باباها” تو’فى يا “ماما”» نطقت بها “مـها” بحز’نٍ شـ ـديد وهي تنظر إلى “بـيلا” بشـ ـفقةٍ وحز’نٍ شـ ـديدٍ، تأ’ثرت “شـاهي” كثيرًا وحز’نت كذلك لأجلها ولذلك أقتربت مِنها ووقفت بجوار ولدها وربتت على ظهرها برفقٍ شـ ـديد حتى تهـ ـدأ، خَـ ـيَم الحز’ن المكان بأكمله حينما أتاها الخـ ـبر ليجعلها في حالةٍ لا بأ’س بها، شـ ـدد “جـعفر” مِن عناقه إليها وقد ألتمعت العبرات في ملقتيه تأ’ثرًا بحالتها التي يراها لأول مرة
صدح رنين هاتفه عا’ليًا يعلنه عن أتصال هاتفي، أخر’جه مِن جيب بِنطاله ليرى المتصل “أكـرم” أجابه بنبرةٍ حاول جعلها ثا’بتةً رغم تأ’ثرها وقال:
«أيوه يا “أكـرم”، آه عرفت مين قالها، ما’ت أمتى، طيب انا هجيبها وجايلك أهو، لا لا مش هتأ’خر مسافة السكة وأكون عندك، طيب، سلام»
أنهـ ـى مكالمته مع “أكـرم” ثم نظر إلى “سـراج” ووجه حديثه إليه قائلًا:
«لازم نمشي عشان تلـ ـحق تشوفه قبل ما يكفـ ـنوه، هيتغـ ـسل دلوقتي وهيتحط فـ التلا’جة لحد الصبح عشان هيتد’فن بكرا بعد الضهر»
حرك “سـراج” رأسه برفقٍ شـ ـديدٍ وتفهم ثم هتف قائلًا:
«طب يلا نمشي عشان هما لو’حدهم ومعهمش حدّ»
«أستنى يا “يـوسف” انا هغيَّر هدومي وهاجي معاك» نطقت بها “شـاهي” التي تحدثت بتلهفٍ، نظر إليها وحرك رأسه برفقٍ لتذهب هي إلى غرفتها سريعًا كي تقوم بتبد’يل ملابسها، بينما حاول “جـعفر” تهـ ـدأتها بشتى الطرق وهو يز’فر بعـ ـمقٍ شـ ـديدٍ، تقدمت “مـها” مِنهما لتنحـ ـني بنصفها العـ ـلوي قليلًا تحمل “لـين” بين ذراعيها تهـ ـدهدها بحنوٍ حتى لا تبكي ثم نظرت إلى أخيها لترى عجـ ـزه في السيطـ ـرة على زوجتهِ
________________________
«أنتَ أكيد بتهزر يا “سـراج”، لا حول ولا قوة إلا بالله، طيب هشوف الدنيا عندي وهكلمك تاني، سلام» أنهـ ـى “مُنصف” مكالمته مع صديقه “سـراج” ليتقدم مِن أصدقائه ينظر إليهم قائلًا بنبرةٍ هادئة:
«”عمي فـارس” تو’فاه الله»
«أنتَ أكيد بتهزر؟» نطق بها “حـسن” بذهولٍ شـ ـديدٍ وهو ينظر إلى “مُنصف” الذي حرك رأسه برفقٍ ينـ ـفي ما قاله وقال:
«”سـراج” لسه قا’فل معايا دلوقتي وقالي الخبـ ـر، طبعًا الأربعة حالتهم مش قا’در أوصفها»
«هو “جـعفر” فين يا “حـسن”؟» نطق بها “لـؤي” بنبرةٍ متعـ ـبة وهو ينظر إليهم ليجيبه “حـسن” بعد أن نظر إليه وقال:
«”جـعفر” فـ مشوار كدا بيخلـ ـصه»
«طب روحوا، “فـاطمة” معايا أهيه، روحوا خليكوا جنبه يلا» نطق بها “لـؤي” بنبرةٍ متعـ ـبة وهو ينظر إليهم ليجيبه “رمـزي” قائلًا:
«أزاي نسيبك لوحدك يا “لـؤي” يعني لازم حدّ يبقى معاك “مـراتك” مش كفاية»
«أسمع الكلام يا “رمـزي” ومتقـ ـلقش عليا، “فـاطمة” جنبي أهي ولو حصل حاجه لقدر الله هتتصـ ـرف، المهم روحوا أنتوا وخليكم جنبه يلا عشان هيبقى عليه ضـ ـغط كبير» نطق بها “لـؤي” لينظر “رمـزي” إلى أصدقائه الذي كانوا ينظرون إليه بأ’سىٰ وقـ ـلة حيـ ـلة
«متأكد يا “لـؤي” مِن اللي بتقوله دا؟» نطق بها “مُنصف” متسائلًا وهو ينظر إلى “لـؤي” الذي حرك رأسه برفقٍ شـ ـديدٍ وأجابه بنبرةٍ هادئة:
«أيوه، يلا روحوا، وطمنوني عليهم عشان مفضلش قاعد قلـ ـقان كتير، ولو “جـعفر” عرف يكلمني ياريت»
«اللي تشوفه يا صاحبي» نطق بها “حـسن” بنبرةٍ هادئة ثم نظر إلى أصدقائه وأشار إليهم كي يذهبوا كما أخبرهم “لـؤي”، خرجوا جميعهم بالفعل بعد أن قاموا بتود’يعه وظـ ـلّت “فـاطمة” بجواره وهي تشعر بالحز’ن الشـ ـديد على تلك المسكـ ـينة التي فقـ ـدت والدها
_____________________
كان “أكـرم” يجلس هو و “بـشير” بعد أن رفـ ـضا كلاهما في الدخول وتغسـ ـيل والديهما، فـ “أكـرم” لن يستطيع فعل ذلك مهما حد’ث ومعه “بـشير” الذي كان في عالمٍ آخر منذ قرابة الساعة، وعلى الجهة الأخرى تجلس “كـايلا” التي كانت تستند برأسها على الجدار خلفها ودموعها تتسا’قط دون تو’قف بصمتٍ تا’م، وبجوارها “هـناء” التي كانت تبكي حز’نًا على فر’اق زوجها
لحظات وأقتربت مِنهم “بـيلا” بخطواتٍ ثا’بتة وعقـ ـلها مشو’شًا تمامًا، ويجاورها “جـعفر” الذي كان يقوم بمسا’ندتها فهو أكثر الأشخاص شعورًا بها وبما تشعر بهِ في هذه اللحظة، ويرافقهما شقيقته وصديقه ووالدته وعمه وزوجة عمه وأخيرًا أبناء عمه
أما عن الصغيرتين فقد أقترح عليه عمه “راضـي” أن يتركهما مع زوجة ابن عمه ترعاهما حتى العودة مرةٍ أخرى، ر’فع “بـشير” رأسه برفقٍ ينظر إليها بـ عينين دامعتين والتيـ ـهة بادية على معالم وجهه، نهض بهدوءٍ شـ ـديدٍ ثم أقترب مِنها بخطى غير متز’نة حتى أرتمـ ـى بأحضانها يبكي، ضمته “بـيلا” وقد سقـ ـطت دموعها بغز’ارة أخيرًا سامحةً إياها بإخراج الآ’هات الكا’منة داخلها
شـ ـدد “بـشير” مِن عناقه إليها وهي يضع رأسه على كتفها ويبكي بأ’لمٍ واضح، حز’ن “جـعفر” كثيرًا لأجله ولذلك وضع كفه على كتفه وربت عليه برفقٍ شـ ـديدٍ مواسيًا إياه، مسّدت “بـيلا” على ظهر شقيقها الصغير فـ كيف يواسيها وتواسيه وكلاهما يحتاج إلى مَن يواسيه، تقدمت “شـاهي” مِن “هـناء” التي كانت في حا’لةٍ ير’ثى لها لتقف أمامها قائلة بمؤا’زرة:
«البقاء لله يا “حبيبتي”، شـ ـدي حيلك هو أكيد راح مكان أحسن مِن هنا»
نظرت إليها “هـناء” بـ عينين مغـ ـرورقتان بالدموع لتسمع “جـعفر” يقول بعد أن وقف بجوار والدته بنبرةٍ هادئة:
«أُمي يا خالتي “هـناء”»
نظرت إليه “هـناء” ليؤ’كد إليها ما تفو’ه بهِ عندما أمأ برأسه بـ ـرفقٍ لتنظر هي إلى “شـاهي” وتبكي مرةٍ أخرى تر’تمي داخل أحضانها، أستقبلتها “شـاهي” بهدوءٍ وربتت على ظهرها بـ ـرفقٍ وهي حزينة على حال تلك المرأة فهي كانت محلها في يومٍ مِن الأيام، تحرك “جـعفر” تجاه “أكـرم” الذي كان يجلس في إحدى الأركان بعيدًا عن الجميع ليجلس على ركبتيه أمامه واضعًا كفه على كتفه مشـ ـددًا عليه بـ ـرفقٍ
ر’فع “أكـرم” حدقتيه البا’كية ينظر إلى “جـعفر” الذي ألتمعت العبرات في ملقتيه ليقول الآخر بنبرةٍ با’كية:
«را’ح، را’ح يا “جـعفر”، “أبويا” را’ح، را’ح بعد ما طلب السما’ح مِننا وهو بيطـ ـلع في الر’وح، إحنا كلنا مسا’محينه، مش مجر’د كلمة واللهِ دي حقيقه، قولتله مسا’محك يا بابا دا أنتَ كُنْت بتخا’ف عليا انا و “بـيلا” مِن نسمة الهوا، قالي بس انا شايفني وحـ ـش أوي ومستحـ ـقش كل دا، قولتله لا أنتَ تستـ ـحق الأكتر مِن كدا، قعد يعـ ـيط ويقولي خلّيهم كلهم يسا’محوني يا “أكـرم” قولتله كلنا بنحبّك ومسا’محينك يا “بابا” واللهِ، ربنا شا’هد على كل كلمة بقولهالك دلوقتي، يا د’وب مفيش دقيقتين، أقسم بالله دقيقتين بالعدد يا “جـعفر” وكانت رو’حه مفا’رقه جسـ ـمه، دقيقتين واللهِ»
أنهـ ـى حديثه وأنخـ ـرط في بكاءٍ حا’د ليضمه “جـعفر” إلى أحضانه مربتًا على ظهره برفقٍ شـ ـديدٍ محاولًا تهـ ـدأته بعد أن فقـ ـد السيـ ـطرة على نفسه وسقـ ـطت دموعه على صفحة وجهه، مـ ـسح تلك العبرات التي كانت تتسا’قط وهو يُحاول التما’سك حتى يد’عمهم لا يمكن أن يسـ ـقط هو أيضًا
أقترب “راضـي” مِنهما وجلس على ركبتيه بجوار “جـعفر” ليضع كفه على ظهر الآخر ممسّدًا عليه برفقٍ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
«وحد الله يا “ابني”، دا قضـ ـاء ونفـ ـذ خلاص، كل اللي هتعمله إنك تدعيله مش أكتر، هو أكتر حاجه عايزها دلوقتي الدعاء، شـ ـد حيلك كدا وأسنـ ـد طولك عشان أخواتك البـ ـنات ومامتك، أنتَ مسؤ’ول عنهم دلوقتي»
ر’فع “أكـرم” رأسه ينظر إلى أخوته بـ عينين دامعتان ليرى أن “راضـي” مُحق، يجب عليه التحلي بالهدوء لأجل والدته وشقيقتيه وشقيقه، ربت “جـعفر” على كتفه برفقٍ وقال:
«قوم معايا يلا»
أنهـ ـى حديثه ونهض مِن جلسته ومَد يده إليه كي يعا’ونه على النهوض، نظر “أكـرم” إلى كفه الممد’ود ليَمُد هو أيضًا يده ممسكًا بـ كفه ثم نهض بمساعدته إليه، مـ ـسح “أكـرم” بـ كفيه على وجهه يز’يل تلك العبرات ثم أقترب مِن أخيه الصغير “بـشير” الذي كان مازال بأحضان شقيقته، وقف خلفه ثم مَد يديه واضعًا كلا كفيه على ذراعي أخيه ليستد’ير الآخر إليه ينظر لهُ بـ عينين دامعتان
ربت “أكـرم” على ذراعه برفقٍ شـ ـديدٍ وقال بنبرةٍ با’كية:
«أهـ ـدى وأمـ ـسك نفسك، لازم نمـ ـسك نفسنا عشان خاطر ماما وأخواتنا البـ ـنات، انا عارف إنه صـ ـعب بس لازم نستحمـ ـل، هتكون معايا؟»
حرك “بـشير” رأسه برفقٍ يوافقه ما قاله، ضمه “أكـرم” إلى أحضانه مربتًا على ظهره برفقٍ فهو الكبيـ ـر الآن وسيتحمـ ـل المسؤ’ولية بعد و’فاة والده، مسؤ’ولية والدته وشقيقته الصغيرة وشقيقه، ولَكِنّ لا بأ’س سيتحمـ ـل مسؤ’وليات أخرى فو’ق مسؤ’ولياته الأسا’سية فهذه هي عائلته ويجب أن يحا’فظ عليها
[في صبيحة اليوم الموالي]
أنهـ ـوا صلاة الظهر وها هو “أكـرم” يحمـ ـل كفـ ـن والده يرافقه “بـشير” الذي كان يحاول تما’لُك نفسه وخلفهما “جـعفر” و “سـراج” فهذان ولديه وهذا زوج أبنتـ ـه، وخلفهم النسـ ـاء، كانت حالتهن ير’ثى لها ولَكِنّ حاولت “شـاهي” و “وجـيدة” و زوجة “مـؤمن” “نسمة” مؤا’زرتهن، وبالطبع لا ننسـ ـىٰ أصدقاء “جـعفر” وزوجاتهن الذين جاءوا كي يد’عموهم
قاموا بد’فن “فـارس” أسفـ ـل حز’ن الجميع وبكاء الأم وفتا’تيها وحز’نهن الشـ ـديد على فـ ـراقه، ربتت “شيرين” على يد “بـيلا” بمؤ’ازرة وهي تنظر إليها بحز’نٍ واضح لترى تلك المسكـ ـينة في حالة ير’ثى لها، أقترب “جـعفر” مِنها بعد مرور القليل مِن الوقت ضاممًا إياها داخل أحضانه ممسّدًا على ظهرها برفقٍ
ضمته “بـيلا” وهي تبكي حتى ظهر التعـ ـب على نبرة صوتها تستـ ـمد مِن أحضانه المعو’نة والقو’ة، نظر إلى والدته وقال بنبرةٍ هادئة:
«يلا عشان نمشي»
أنهـ ـى حديثه وألتفت إلى “أكـرم” الذي كان يضم والدته يمسّد على ذراعها برفقٍ وقال:
«يلا، لسه في عزا ونتـ ـمم على الحاجه هناك»
حرك “أكـرم” رأسه برفقٍ وأشار إلى أخيه “بـشير” الذي كان يجاور شقيقته ليبدأو جميعًا في الإنسـ ـحاب مِن المكان، تا’ركين قلو’بهم التي أهلـ ـكتها الحياة تُرافق شخصًا كان عزيزًا على قلو’بهم.
_____________________
«أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، الناس عماله تمو’ت والبني أدمين مبتتـ ـعظش خالص، خـ ـرجنا مِنها على خير يارب» نطق بها “رمـزي” الذي كان يتـ ـمم على كل شيء حتى يبدأ العزاء في السادسة مساءً بعد صلاة المغرب، بينما على الجهة الأخرى كان هناك مَن لا يملكون ر’حمة ولا قـ ـلب، هذا البغـ ـيض المد’عو “عـصفورة” وذلك البغـ ـيض “حـ ـديده” يجلسان أمام باب محل “حـ ـديده” يد’خنان بكل تبـ ـجح ويستمعان إلى الموسيقى
هل أنعد’مت الإنسانية، هل نُزِ’عَت الرحمة مِن قلو’بهم، هل زا’لت مشا’عر البشر، أين الخـ ـجل، أين الضـ ـمير، أين الإنسانية، ولَكِنّ فيما نتحدث فكما نقول بلغتنا البحـ ـتة “لا حياة لمَن تنا’دي”، كان “أسـمر” يجاور الشبا’ب يعا’ونهم وصوت القرآن المسموع في المكان، ولَكِنّ على الجهة الأخرى كانت الموسيقى قائمة جعلت الجميع ينظرون إليهم بغـ ـضبٍ جا’م
طفـ ـح بهِ الكيـ ـل وفقـ ـد السيـ ـطرة في تما’لُك نفسه ولذلك ألقـ ـىٰ المقعد بكل عنـ ـفٍ وأتجه نحوهما أسفـ ـل نظرات الجميع الذين تجمعوا في مشهدٍ معتاد يشاهدون ما سيفعله “الشيخ رمـزي”، وعلى ذِكره وقف هو أمامهما ينظر إليهما بغضـ ـبٍ لَم يستطع التحـ ـكم بهِ لير’كل الطاولة الحـ ـديدية المتواجدة في كل مقهى شعـ ـبية مسـ ـقطًا إياها بعـ ـنفٍ واضح مسقـ ـطًا ما يعتـ ـليها معها أرضًا ومعها تعا’لت صيحا’ته الغا’ضبة بهما قائلًا:
«إيـه، هو مفيش عند أها’ليكم د’م يعني، مش شايفين في حا’لة و’فاة هنا والقرآن شغـ ـال، أنتوا إيه، يـهـ ـود!»
هـ ـب “حـ ـديده” واقفًا وقال بأسلوبٍ سو’قي و’قح ردّاً على حديثه:
«يا عم وانا مالي انا قاعد قدام محلي كا’في خيري شـ ـري، جاي تنكـ ـش ليه دلوقتي انا قدام محلي أغانية جوه محلي أنتَ مالك»
جـ ـن جـ ـنونه؟، نعم هذا بالفعل ما حد’ث لقد جـ ـن جـ ـنونه حينما سَمِعَ ما يُقال ولذلك حينما أرتـ ـفع الأدرينا’لين في جـ ـسده تحرك فورًا إلى تلك السماعات اللعـ ـينة وقام بجـ ـذب هذا السـ ـلك الموصول في مقـ ـبس الحائط بعنـ ـفٍ ليعم الصمت المكان، ثم أمـ ـسك تلك السماعة وخرج مرةٍ أخرى أمام الجميع ووقف ينظر إليه قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
«مش دي سماعاتك اللي مشغـ ـلها جوه محلك زَّي ما بتقول؟»
أنهـ ـى حـ ـديثه ثم قا’م بر’فع يديه عا’ليًا بها ثم ألقا’ها بكل قو’ته أرضًا لتتـ ـهشم إلى قطع صغيرة متفر’قة، أمـ ـسك الأخرى وفعل بها المثل أسفـ ـل أنظار الجميع بمَن فيهم “جـعفر” الذي وصل رفقة عائلته مؤ’خرًا، شعر “حـ ـديده” بحـ ـرارة جسـ ـده تر’تفع بشكلٍ ملحوظ والغضـ ـب سيطـ ـر عليه بالكامل ليصر’خ بهِ بغـ ـضبٍ قاتـ ـل قائلًا:
«أنتَ قد اللي أنتَ عملته دا يا “رمـزي”؟»
«أسمي “الشيخ رمزي” يالا، انا مش بلعب معاك فـ الشارع وآه انا قد اللي عملته لو راجـ ـل أوقف قدامي وانا هنسـ ـيك تاريخك كله، إيـه مفيش عند أها’ليكم د’م الر’حمة أتشا’لت خلاص مِن قلو’بكم، مش خا’يف فـ اللحظة دي ربنا يأ’مر ملك المو’ت ويقـ ـبض رو’حك وأنتَ على معـ ـصية، يا أخي دا ربنا بيقول فـ كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }آل عمران 185، يقول السيد قطب معلـ ـقًا على هذه الاية الكريمة: (إنه لا بد من إستقرار هذه الحقيقة في النفـ ـس، حقيقة أن الحياة في هذه الأرض مو’قوتة، محد’ودة بأ’جل؛ ثم تأتي نها’يتها حتمًا، يمو’ت الصالحون، يمو’ت الطا’لحون، يمو’ت المجا’هدون، ويمو’ت القا’عدون، يمو’ت المستـ ـعلون بالعقيـ ـدة، ويمو’ت المستذ’لون للعبـ ـيد، يمو’ت الشجـ ـعان الذين يأ’بون الضيـ ـم، ويمو’ت الجبـ ـناء الحر’يصون على الحياة بأي ثمـ ـن، يمو’ت ذوو الاهتمامات الكبـ ـيرة والأهداف العا’لية، ويمو’ت التافهون الذين يعيشون فقط للمـ ـتاع الرخـ ـيص
الكل يمو’ت، كل نفس تذ’وق هذه الجر’عة، وتفا’رق هذه الحياة، لا فا’رق بين نفس ونفس في تذ’وق هذه الجر’عة، إنما الفا’رق في شيءٍ آخر، الفا’رق في قيمة أخرى، الفا’رق في المصير الأخير:{ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } هذه هي القيمة التي يكون فيها الافتر’اق، وهذا هو المـ ـصير الذي يفـ ـترق فيه فلان عن فلان، القيمة البا’قية التي تستحـ ـق السـ ـعي والكـ ـد، والمصـ ـير المخو’ف الذي يستحق أن يحسب له ألف حساب
فبما أنه مصـ ـير وسُنة، فلا حاجة إذن للأعتر’اض، فصاحب المُـ ـلك أحـ ـق بملـ ـكه، ونحن ملـ ـكه، وما ينجـ ـيك إلا الرضا والصبر، ولا يضـ ـنيك إلا السـ ـخط والجـ ـزع، ثم لا جد’وى منهما، فوقوا بقى، فوقوا وأتعـ ـظوا ربنا قا’در على كل شيء، محدش عارف النَفَـ ـس اللي بيدخل ويخـ ـرج دا هيدخل تاني ولا لا، الناس بتعمل عشان أخـ ـرتها، عشان ربنا يكون راضي عنهم ويدخلهم جناتٍ تجـ ـري مِن تحتها الأنهـ ـار، في أُناس تسعـ ـىٰ للأ’خرة ونيـ ـل رضا الخا’لق، وأُناس تسعـ ـىٰ لـ نيـ ـل ملا’ذات الحياة ومتا’عها، نسيـ ـتوا ربنا ونسيـ ـتوا ديـ ـنكم ونسـ ـيتوا تر’بيتكم وعا’داتكم وتقا’ليدكم، حُـ ـط نفسك مكان واحد مِن ولاده طيب، هتستحمـ ـل والدك يبقى متو’في وجارك مشغـ ـل أغاني النا’حية التانية عا’يش فـ عالم مو’ازي محتر’مش مشا’عر الناس دي، نا’هيك عن خلا’فاتك معاهم، بس إحنا مهما نخـ ـتلف ونعا’رض بعض بنجتمع عند نقـ ـطة واحدة، المو’دة والر’حمة
فعلًا بقينا فـ زمن عجـ ـيب الحـ ـرام فيه بيتشاف حلا’ل والحلا’ل بيتشاف حـ ـرام، بتحـ ـللوا اللي ربنا حـ ـرمه على كيفكم وتحـ ـرموا الحلا’ل، أرجـعوا لديـ ـنكم تاني، دا عيـ ـب حتى لمَ واحد يسألك ويقولك أنتَ إيه وتقوله مسلم، دي حتى تبقى عيـ ـبة فـ حقك يبقى أسمك مسلم أسم بس إنما تعرف إيه عن ديـ ـنك مفيش، روحوا ربنا يسهـ ـلكم ويهـ ـديكم، انا اللي عملته دا واجب عليا انا كُنْت كفيل أدغـ ـدغلك را’سك بس انا عملت أحتر’ام لزوجة صاحبي وأخواتها ووالدتهم، الراجـ ـل لسه ميـ ـت ود’مه منشـ ـفش فـ تر’بته، بس قبل ما أمشي يمين بالله، أي حاجه هتحصل زي ما حصل مِن شويه انا مش هتفا’هم المرة الجايه، مش عشان شيخ ومر’بي دقني أبقى ضعـ ـيف الجـ ـناح ومعرفش أخدّ حـ ـقي، اللهم بـ ـلغت اللهم فا’شهد
أنهـ ـى حديثه وألتفت خلفه ليرى “جـعفر” والشبا’ب يقفون ونظرة الفخـ ـر نا’بعة مِن أعينهم، أقترب مِنهم ليقف أمام “أكـرم” و “بـشير” موا’سيًا إياهم، عادوا جميعهم إلى حيثُ ما كانوا يفعلون وهم سعداء بموقف “رمـزي” وقد رمـ ـقوا الآخرين نظرة إشمئـ ـزاز
فتح “جـعفر” باب منزله ودلف قائلًا بنبرةٍ هادئة:
«تعالي يا ماما، تعالوا البيت بيتكم»
كلمة جديدة على فمه، فهو لَم يعتاد على النطق بها طوال حياته هذه تعتبر المرة الأولى إليه لنطقها، كانت كلمة غر’يبة ولَكِنّها جعلت القشعر’يرة تسر’ي بكا’مل أور’دته، دلفت “شـاهي” وهي تنظر حولها بهدوءٍ شـ ـديدٍ تشاهد منزل ولدها الذي يمـ ـكث بهِ، توجهت بيلا فورًا إلى غرفتها وأغـ ـلقت الباب خلفها دون أن تتحدث لتلحق بها شقيقتها “كـايلا” ووالدتها “هـناء”
أشار “جـعفر” إليهم نحو المقاعد لتجلس “شـاهي” بهدوءٍ ويجاورها “مـها” وعلى الجهة المقابلة جلس “راضـي” يرافقه زوجته وولديه وزوجة ابنه، صدح رنين جرس المنزل ليتوجه إليه “جـعفر” لرؤية مَن الطارق الذي لَم يكُن سوى “أسـمر”
«تعالى يا “أسـمر”» نطق بها “جـعفر” سامحًا إليه بالدلوف، دلف بالفعل “أسـمر” الذي شعر بالقليل مِن الحـ ـرج عندما رأى أُناس غـ ـرباء على أعينه، نظر إليه “أسـمر” وقال بنبرةٍ هادئة:
«شكلي جيت مِن غير ميعاد»
أبتسم “جـعفر” بخفةٍ ووضع كفه على كتفه وقال بنبرةٍ هادئة:
«لا مفيش حاجه، قولي في حاجه ولا إيه»
أز’درد “أسـمر” لعابه بهدوءٍ شـ ـديدٍ وقال بنبرةٍ هادئة أسـ ـفل نظرات الآخرين وأكثرهم “شـاهي” التي كانت تنظر إليه:
«أول حاجه “لـؤي” خرج الصبح ورجـ ـع الحارة تاني، هو طلب يشوفك وقالي أجي أقولك، تاني حاجه بقى حرَّ’س مِن شـ ـلة “حـ ـديده” و “عـصفورة” على قد ما تقـ ـدر عشان شكلهم كدا مش نا’ويين على خير، خصوصًا بعد اللي عمله “رمـزي”»
زفـ ـر “جـعفر” بهدوءٍ شـ ـديدٍ ومسـ ـح بكفه على وجهه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
«طب أسمع عشان مقد’اميش غيرك دلوقتي يعمل اللي هقول عليه دا»
«يا “بلطـ ـجي” انا عنيا ليك ورقـ ـبتي سـ ـدادة قول وملكش دعوة» نطق بها “أسـمر” بنبرةٍ جا’دة وهو يضع كفه على عنـ ـقه كـ حركةٍ شهيرة عند النطق بها، تعجبت “شـاهي” مِن علا’قة هذا الصبـ ـي غر’يب الأطو’ار مع ولدها الذي كان يحا’دثه وكأنه رجـ ـلٌ كبير وليس صـ ـبي صغير
«بُص انا عايزك تطـ ـلع على “لـؤي” أول حاجه تقوله “جـعفر” ربعاية ويكون عندك، بعدها هتنزل هتشـ ـقر على الرجـ ـالة تحت وتشوفهم في حاجه نقـ ـصاهم تجيبها وعيـ ـنك فـ نفس الوقت على الشـ ـلة الزبا’لة دي تتا’بعلي كل همـ ـسة ونظرة وفـ آخر اليوم هستناك تقولي حصل إيه، سامع»
«متقلقش يا “بلطـ ـجي” طالما أعتمـ ـدت على العبد لله يبقى متشـ ـيلش هـ ـم حاجه كل حاجه هتو’صلك بعد العزا ولو حسيت بحركة غد’ر كدا ولا كدا هقولك على طول»
أبتسم إليه “جـعفر” ولذلك ربت على كتفه برفقٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
«يلا، أتكل أنتَ دلوقتي»
تركه “أسـمر” وخرج كي ينفـ ـذ ما أمـ ـره بهِ رفيقه

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *