روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الواحد و الثلاثون 31 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الواحد و الثلاثون 31 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الواحد و الثلاثون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الواحد و الثلاثون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الواحدة و الثلاثون

~… هنا القاهرة 2 …~
الخذلان من الطرف الآخر بعد منح الاهتمام له كأننا وضعنا الورد بإيديهم ورمونا بالشوك ! .
أخذت جيهان طريقها في الممر بالطابق الثاني وهي لا تعرف إلى أين ستذهب تحديدًا … حتى انتبهت لصوت طفلة قريب منبعث من أحد الغرف …
فتتبعت اتجاه الصوت حتى وجدته بغرفة على بُعد مترًا من وقوفها … توجهت للغرفة وفتحتها لتتفاجئ بإبنة ليلى يبدو عليها التذمر والرفض لمحاولات مدبرة المنزل في أحتوائها.
وتعجبت … لمَ الصغيرة هنا ؟! … دخلت ببطء للغرفة حتى وقفت المرأة العجوز وقالت :
_ دكتور وجيه جاب البنت دي وكان معاه واحد تاني .
أنكمش ما بين حاجبيّ جيهان وتساءلت :
_ واحد تاني ؟! … ماتعرفيش مين ؟! ..
نفت المرأة معرفتها بالأمر … وأضافت :
_ دكتور وجيه دخله الأوضة اللي جنبنا دي يبات فيها ..
فهمت جيهان تلميح السيدة العجوز … وأن تحذر بوجود رجل غريب ، فألقت نظرة على الصغيرة التي تفتح جفن عيناها اليمنى بحالة قريبة للبكاء … وللحظة أرادت أن تربت عليها وتبتسم بوجهها … فالصغيرة تبدو مثل القطة الخائفة التي تبحث عن أمها .. ظهرت ابتسامة على محياها ، وعندما تذكرت أن أمها ليلى أختفت ابتسامتها وخرجت من الغرفة.
تركت جيهان الطابق الثاني بأكمله وهبطت لغرفة بالطابق الأرضي مطلة على المسبح … دخلت واغلقت الباب خلفها بعصبية … ثم توجهت للفراش الموجود بالغرفة والمواجه لباب الشرفة الزجاجي … جلست وضمت قدميها إلى صدرها في شرود … إذا كانت تشعر اتجاه طفلة بهذه المشاعر … فكيف عندما تأتي ليلى نفسها وتقيم كزوجة ؟! ..
شردت بعمق لدقائق حتى تفاجئت بوقوف وجيه باتجاه جانبي ينظر لها بصمت …. تطلعت فيه بعتاب ولوم حتى اقترب لها ورسم ابتسامة بسيطة وهو يجلس قبالتها … ثم قال بهدوء :
_ سرحانة لدرجة أنك محستيش بيا وأنا داخل ! …
نظرت له نظرة مليئة بالعتاب والعذاب وقالت :
_ ما اتفاجئتش كتير بوجودك …. لأني كنت بفكر فيك.
تنهد ببعض الضيق من نفسه ، فقد أتى إليها بعدما شعر ببعض تأنيب الضمير … فبحث عنها حتى أخبرته أحدى الخادمات الصغيرات بالمنزل أنها دخلت لهذه الغرفة …. فقال بإعتذار :
_ جيت اصالحك ، وكمان ماينفعش تطلعي باللبس ده برا اوضتنا يا جيهان ، جد ليلى هنا ، وغير كده ماينفعش تطلعي كده

 

تاني … احنا مش عايشين في البيت لوحدنا !
زفرت بضيق وأوضحت :
_ والدك وعارفة أنه مسافر ، وولاد أخواتك وبرضو عارفة أنهم مش موجودين حاليًا ، فخدت راحتي شوية بس دي مش طبيعتي وأنت عارف … أنما بقى اللي مكنتش أعرف بوجوده هو جد ليلى !! …. ممكن أعرف سبب وجوده هنا ؟!
أجاب وجيه عليها بإختصار :
_ بعد موضوع الخطف ، ريميه كانت بتصرخ لو بعدت وماسكة فيا ، أظن لو قولت لجدها أني هاخدها معايا مكنش هيوافق … فجيبته معايا … وليا طلب عندك ..
ضيقت جيهان عينيها وصمتت بفضول شديد أن تعرف ما يريد قوله ، فخرج وجيه من صمته وقال:
_ قريب جدًا أنا وليلى هنتجوز ، طبعا هتعيش هنا ، اللي بطلبه منك متدخليش ريميه بينا أحنا التلاته ، دي طفلة وكمان كفيفة واتعرضت لعنف كتير ، يعني أي تصرف منك فيه عصبية هيأثر عليها بالسلب … ده غير أن زعلها هيضايقني جدًا … ومش هحب أن ده يحصل.
قالت جيهان بتعجب ونبرتها تلومه :
_ ده تهديد مش طلب ! … أظاهر أن ليلى في مركز قوة اكتر بكتير مما كنت أتخيل !
ثم هزت رأسها بألم وقالت وهي تنظر لعينيه كأنها تريد اثبات شيء :
_ وبعدين مين اللي قالك أني هعامل البنت بعصبية ! ، أنا مش وحشة أوي كده يا وجيه ! …. أنت مش متخيل اد إيه أنا بحب الأطفال … وبحلم يكون عندي طفل ..
رفع جيه يده ومسح عينيها من الدموع بأطراف أصابعه ، ثم قال متفهما :
_ أنتِ قلبك طيب يا جيهان وأنا عارف ، بس الوضع اللي أنتِ فيه مش سهل وأنا مقدر ده … بس حابب أأكدلك تاني … أنا ماخونتكيش …. ولا عرفتها عليكِ ، والحقيقة أني عرفتك أنتِ عليها …
صمت للحظة ثم تابع :
_ وفي حاجة كمان، ليلى هتيجي هنا وهي المفروض هتدخل في مرحلة علاج نفسي مش سهلة أبدًا … مش هقولك اكيد ساعديها لأن ده اكبر من احتمالك ومش مفروض عليك أصلًا … بس ما تاخديش أهتمامي بيها على أني نسيتك واهملتك … وزي ما هراضيها لما تزعل … هيكون نفس المعاملة معاكِ.
ابتسمت جيهان بمرارة وقالت :
_ أنا عارفة يا وجيه أنك بتحاول ما تظلمش، بس مهما عدلت ما بينا …. هشوفك ظالم !
رد عليها وقد ضاق من كلماتها القاسية :
_ أنا مش هتحاسب على احساسك … لأن ده الطبيعي أنك تحسي كده، بس هتحاسب على أفعالي ونيتي اتجاهك … يلا قومي معايا نرجع أوضتنا.
نظرت جيهان ليده الممدودة لها ، ثم نظرت لعينيه بعمق وتمنت أن يكن قلبه من فعل ذلك …
*****
في الصباح الباكر … قبل الشروق بنصف ساعة تقريبًا …
وقفت سيارة أجرة أمام منزل عائلة الزيان … وترجل منها الأربع شباب وبدأ كلًا منهم ينزل حقيبته من سطح السيارة … وترتسم على وجههم الكآبة والتيهة … لم يكن هذا المفترض ان يشعروا به بعودتهم البيت الكبير للعائلة !!
يمكن أكثر من آخر دقيقة قد تركوا فيها البلدة الريفية …
رحب بهم البواب بحفاوة وبدأ يحمل حقائبهم ، حتى أنه أشار لأحد الخدم أن يعاونه …
القى يوسف على الشباب الثلاث نظرة عصبية ثم تركهم ودخل للمنزل …. وقف جاسر متنهدًا بحدة وعينيه على خطوات يوسف الغاضبة وقال :
_ أتمنى مايكونش رجعونا غلطة كبيرة هنندم عليها بعدين …
صر آسر على أسنانه بغضب شديد وقال :
_ لا ماتتمناش لأن هو فعلا غلطة في منتهى الغباء ، أنا حطيت نفسي مكانهم للحظة وحسيت أني عايز اضرب نفسي وأضربكم بالقلم … المشكلة أن جدي مش هيعديهالنا بالساهل !
انفجر رعد بصوتٍ عال وغضب :
_ ما هو السبب في اللي بيحصل ده ! … لولا تدخله مكنش هيحصل كل ده ولا سيبناهم و….
أنقطع حديثه بعدما افتضح أمر لهفته ، ظهر مدى شوقه إليها وعذابه المختبئ الذي يكافح كي يبقيه سرًا …. فقال جاسر بغيظ منه :
_ لولا أنك معقد ، ولولا أن جدي اتعود يجبرنا مكنش ده كله حصل ، أنا محبتش طريقته … ولا في دماغي اخطب أصلًا …بس للحقيقة أحنا اتصرفنا تصرف غبي … ومكنش قدامي للأسف حل غيره عشان ميحصلش كارثة أكبر.
قال آسر قبل أن يشتد الحوار بين جاسر ورعد :
_ طب هنتكلم هنا ولا إيه ؟! … ندخل وبعدين نتكلم براحتنا ..
تقدم الشباب الثلاث نحو المنزل والعصبية تبدو المسيطرة على سيمائهم …
*****
صعد يوسف للطابق الثاني وتوجه نحو غرفته مباشرةً … وسار في الممر إليها ، ولكن توقف عندما سمع صوت نقر خفيف على أحد الأبواب وتلاه صوت أنين ضعيف !!
ضم ما بين عينيه بتعجب وعبوس ثم اقترب بحذر …. كان يزداد صوت النقر كلما اقترب ، فوقف أمام الباب للحظة حتى حرك المقبض وفتح الباب بالتدريج …
كانت ريميه تقف ملتصقة بالباب ، فعند الفتح دفعها الباب للحائط فاصبحت بين الحائط والباب وهي تئن بخوف ودموع … وصوتها مخنوق بالرعب .
وقف يوسف باحثا بعينيه في الغرفة عن مصدر الصوت الذي يسمعه ولكنه لم يرى شيء !
قال باستغراب :
_ طب الصوت جاي منين ؟ … ومين اللي كان بيخبط ؟! ..
بدأ يسمع صوت ضعيف جدًا لأنفاس ، ثم انتبه جيدًا ليجد الصوت يقول برجفة واضحة :
_با..با ..وجيه.
التفت يوسف للباب وظل ينزل بنظرته حتى اتسعت عينيه دهشة عندما وجد جسد صغيرة ظهره للحائط ووجهه يلتصق بالباب وكأنه يختبأ به ! …. نزل على قدميه ونظر للصغيرة بدهشة … ثم قال :
_ أنتِ مين ؟!

 

رددت ريميه بصوت ضعيف يبك :
_ بابا وجيه فين ؟
دهش يوسف أكثر أنها تردد اسم عمه وتطلبه بهذا الأصرار ! ، ولكنه ابتسم لتحدثها وهي تلصق رأسها بالباب كأنها تختبأ … فقال :
_ اكيد نايم دلوقتي ، بس قوليلي … أنتِ خايفة كده ليه ؟! … واسمك إيه ؟
أصرت الصغيرة ببكاء على حضور وجيه ، فجذبها يوسف من يدها برفق لتقف أمامه … فوقفت الصغيرة بجسد هزيل مرتجف بقوة وعينيها الباكية اتجاهها للأرض … لململ يوسف بنظرة حنونة شعر الصغيرة المبعثر وقال :
_ طب هجيبلك عمي وجيه لو قولتيلي اسمك ايه ..
ابتلعت الصغيرة ريقها وفركت عينيها بقبضتها الرقيقة ثم رفعت رأسها اتجاه مصدر الصوت وقالت :
_ اسمي ريميه …
لاحظ يوسف شيء بعينيها ، هي لا تنظر له مباشرةً ، فقال بإعجاب ولم يدرك حالتها :
_ اسمك جميل أوي أوي… مين بقى اللي جابك هنا يا ريميه ؟
“جدو”
قالت ذلك الصغيرة وهي ترتجف وتضع أصبعها بفمها ، ثم قالت باكية وكأنها تتوسل :
_ عايزة بابا وجيه
رق قلب يوسف لبكائها وقال وهو ينظر لساعته :
_ الساعة لسه ٥ الصبح ، يعني غالبًا نايم دلوقتي … حتى بصي عشان تتأكدي الساعة كام ؟
كان يريد مشاكستها والمزاح معها ، فمد معصم يده بساعة اليد ، رفعت الصغيرة يدها الرقيقة ببطء وبحثت عن يد يوسف التي شعرت بحركتها …. وضيق يوسف عينيه واكتشف انها كفيفة … نظر لعينيها الجميلة الباكية وقال :
_ هجيبلك عمي وجيه … بس بطلي عياط.
دخلت مدبرة المنزل في هذه اللحظة للغرفة ، بعدما تركت الصغيرة نائمة وذهبت للأشراف على طعام الإفطار خاصةً أن هناك ضيف بالمنزل …. وقالت معتذرة :
_ كنت بعمل الفطار والله وكانت نايمة ، حمد الله على سلامتك يابني … أنا لسه عارفة من شوية أنكم وصلتوا.
رد يوسف على السيدة دون أن يرفع عينيه من على الصغيرة ، وقال :
_ الله يسلمك يا دادة … لو سمحتي صحي عمي وجيه عشان ريميه عايزاه …
قالت السيدة بحيرة :
_ بس ماينفعش اصحيه .. أنا ..
قاطعها يوسف بتصميم :
_ معلش صحيه … ريميه عايزاه وبتعيط …
نظرت السيدة للصغيرة بعطف وذهبت لتنفيذ الأمر … جلس يوسف على الأرض واجلس الصغيرة التي بدأت تهدأ … ثم أخذ يدها الرقيقة وربت عليها بحنان قائلًا :
_ مش أنتِ بتحبي عمي وجيه ؟
لم تكن الصغيرة تحب مناداة وجيه. بـ “العم” ولكنها هزت رأسها بالايجاب …. فرفع يوسف يديه ومسح عينيها برقة وقال :
_ يبقى هيزعل لو شافك بتعيطي ….
تجنب يوسف أن يسألها عن من تكن ، فمن غير المعقول أن طفلة بعمرها وبحالة الخوف الواضحة عليها ستجيبه إجابة واضحة …. مرر يده على رأسها بحنان وابتسامة لوجهها الصغير … ثم قال بمشاكسة :
_ عارفة اسمي إيه ؟
هزت رأسها بالنفي … فقال مبتسما :
_ اسمي يوسف …
ظن أنها ستردد اسمه ،بينما من قاله كان أحدًا آخر ..
“يوسف….”
التفت يوسف لصوت عمه وجيه ، فوجده يقف بملابس بيتيه من بنطال أسود رياضي وتيشرت أزرق قطني أنيق …. نظر وجيه له بنظرة غامضة … فقد علم أن الشباب عادوا قبل موعد انتهاء مدة القافلة … وأبيه قد سافر للبلدة الريفية بالأمس … وهم هنا اليوم ! ، الأمر واضح لا يحتاج لكثير من التفكير ..
نهضت يوسف ونظر لعمه بثبات … فقال وجيه له بحدة :
_ أنتوا سيبتوا جدكم في البلد وجيتوا؟!
ظهر الضيق والأسف على وجه يوسف ثم أجاب بصدق :
_ أنا كنت مضطر ياعمي … قبل ما تحكم عليا اسمعني الأول … صدقني أنا كنت رافض ارجع القاهرة دلوقتي …و
قاطعه وجيه بنبرة غاضبة :
_ اكيد مش هتروحوا المستشفى النهاردة … بعد الفطار تعالوا انتوا الاربعة على المكتب … أنا مش هحكم دلوقتي غير لما أعرف اللي حصل بالضبط … بس اللي غلط يتحمل نتيجة غلطه ، لأني مش هتساهل في أي شيء يزعل ابويا ويحطه في موقف وحش قدام الناس .
عبس وجه الصغيرة بضيق وهي تنتظر أن يلتفت لها وجيه ، فعندما وقعت عينيه عليها رقت نظرته واتجه لها …. ومرر يده على رأسها بابتسامة وقال :
_ صباح الخير يا ريمو …. النهاردة بقى هجيبلك هدوم حلوة كتيرة أوي … هتقعدي معايا هنا على طول.
اطرفت عينان الصغيرة وهي تضع أصبعها بفمها ويبدو أنها رحبت بما قاله ، ولاحظ وجيه أنها لم تعد مثل السابق ! ، كانت تبتسم بمجرد أن تسمع صوته ، وتضحك بسعادة عندما يلبي لها شيء أردته ! ، ولكنها الآن تستقبل تنفيذ رغباتها بصمت ، اللهم هزة رأس وعدة كلمات بسيطة تقولها بالكاد .

 

قال يوسف له بتعجب :
_ مين دي يا عمي ؟!
أجاب وجيه وهو يحملها على ذراعيه وينظر لها بابتسامة أبوية محبة :
_ دي بنتي … ريميه
حملق يوسف فيه بذهول ، ولم يستطع أن يفرق بين المزاح والجد … كاد أن يتحدث يوسف بتساؤل حتى قاطعه وجيه :
_ بعدين يا يوسف …. هفهمك بعدين .
*****
في أحدى غرف المنزل …
تجمع الشباب الثلاث حتى أتى يوسف بعدما بحث عنهم … ونظر لهم بضيق وقال :
_ عمي عايزنا بعد الفطار نروحله المكتب ، وأظن أحنا محتاجين وقوفه جانبنا قدام جدي … بعد اللي عملناه فأنا بجد خايف من ردة فعله.
تمرد رعد بغضب وهتف :
_ أنا ما غلطتش عشان احتاج حد يدافع عني ! … ده حقي أنا مش مسجون !
وقف جاسر وتحرك بالغرفة بخطوات بطيئة شاردًا بعض الشيء… ثم قال :
_ عمي وجيه ممكن يقلل فعلا من حدة الموقف ، بس ما أظنش يقف قدام جدي وخصوصا المرادي.
غضب رعد من ترقبهم لطلب السماح وصاح :
_ أنا خارج اتمشى شوية …. حاسس أني مخنوق.
يوسف بعصبية :
_ طب ولما عمي يسألني عليك ؟! … بقولك عايزنا نروحله المكتب ؟!
تنفس رعد بزفرة حارة غاضبة وأجاب :
_ وأنا مش تحت أمر حد ، كفاية بقى ٣٠ سنة من عمري !.
خرج رعد من الغرفة بعصبية ، فقال جاسر بضيق :
_ أنا مصدع ومش رايق للكلام والشرح ، هروح أوضتي أنام ومحدش يصحيني …
خرج جاسر من الغرفة وترك يوسف الواقف يأز غليانه وغضبه منهم …. فقال آسر :
_ بصراحة يا يوسف الكلام دلوقتي تقيل ومحدش رايقله ، بس أنا مش هسيبك ….
رد عليه يوسف بغيظ :
_ ما أنا اللي بشيل أي بلوة بتحصل في البيت ده ! ..

 

******
بمكتب وجيه بالمنزل ….
كان يرفع هاتفه نحو أذنه ويستمع لحديث والده الذي سيأتي بعد ساعتين بالكثير ويعود للقاهرة …. حتى قال وجيه براحة :
_ احسن مافي الموضوع أنك اتصالحت مع بنات مصطفى وراجعين معاك …. الحمد لله ، أنا كده قلبي ارتاح .
رد عليه الجد وهو بالسيارة خلال طريق السفر:
_ ماتكلمهمش وسيبهم خالص ، ماتحسسهمش أننا هنعاقبهم على اللي عملوه…
فهم وجيه ما يرمي إليه والده وقال :
_ فهمتك …. وهو ده الصح ، لو هعاتبهم فهيكون أنهم سافروا قبل ميعاد القافلة ماتنتهي … توصلوا بالسلامة يارب .
قال الجد رشدي وهو ينظر أمامه للطريق :
_ الله يسلمك يا حبيبي … هقفل أنا بقا دلوقتي … ساعتين بالكتير وهنكون عندك .
اغلق الجد الاتصال ونظر للمقعد الخلفي من السيارة المتكدس فيه الأم وبناتها الأربعة …. النائمات تقريبًا بعد ساعات كثير من السفر وبكاء في وداع عائلة العمدة البسيطة …
*****
وقف يوسف أمام عمه بالمكتب ومعه آسر ، وتفاجأ أن عمه لا يلقي عليهم اللوم اتجاه بنات العم ، ولا بعدم حضور رعد وجاسر! …ووضع علامة الاستفهام بهدوئه هذا …. فقال :
_ المفروض قبل ما تقرروا ترجعوا كنتوا اتصلتوا بيا عرفتوني ، وإلا كده هيتقال أنكم عشان ولاد أخواتي بتتعاملوا زي ما انتوا عايزين وتسافروا وترجعوا وقت ما تحبوا ! ….
قال يوسف بعدما شرح ما حدث كاملا :
_ ما هو اللي حصل كان السبب زي ما قولتلك كده بالضبط … رعد كان عصبي وجاسر قلق لتحصل خناقة والموضوع يكبر أكتر … خصوصا ان نعناعة سمع كل كلامنا.
رجع وجيه بظهره للكرسي ثم قال بهدوء ادهش آسر ويوسف :
_ اديتوا الحكاية أكبر من حجمها ، جدكم كان بس بيديلكم فرصة تشوفهم من غير ضغط لأنه عارفكم كويس …. أنما محدش كان هيتجبر على الجواز … أبدًا !!
رد يوسف بعصبية :
_قولت كده ومحدش صدقني ، لكن رعد اتجنن لما عرف وتصميمه يمشي من البيت خوفني … مكنش قدامي حل تاني للأسف …
قال وجيه بنفس الهدوء :
_ اعتبروا الموضوع ده كأنه مش موجود … يعني بعد اللي عملتوه طبعا انسوا حكاية الجواز من بنات عمكم… ودلوقتي نرجع تاني لروتينا اليومي … المستشفى والبيت …
حدقه يوسف بدهشة ، ثم نظر لآسر الذي تسمر في مكانه …. فقال يوسف بعصبية :
_ يعني إيه الكلام ده يا عمي ؟!
ابتسم وجيه وقال ببساطة :
_ أنت زعلان ليه ؟! …. مش كنتوا زعلانين من فكرة الجوازة دي ؟! … خلاص اعتبروها اتلغت من الاساس ..
نظر آسر لوجيه بنظرة عميقة غامضة ، ثم قال :
_ تمام … بعد اذنك يا عمي ، تعالى معايا يا يوسف .
رأى يوسف أن الجدال لا طائل منه ولا منفعة ، فخرج مع آسر الذي جذبه للحديقة …
رمقهم وجيه بابتسامة متسلية وقال بصوتٍ خافت :
_ اللي ماجبهوش الأهتمام … يجيبه التجاهل !
وفي الحديقة …
وقف يوسف بعصبية معلنا غضبه بكلمات منفعلة … فقال آسر بحيرة :
_ الخوف ليكون جدك بيلعب لعبة تانية ، بس لو ده حقيقي فلعبته المرادي أخطر بكتير …. وغالبًا هنخسرها كلنا .
لم يفهم يوسف مقصده فقال بريبة :

 

_ تقصد إيه ؟!
تنهد آسر بعمق وقال :
_ يعني زي ما خطط للقرب ، يخطط للبعد عشان يجيب رجلنا واحد ورا التاني … خصوصا أن رعد قاله أننا كنا بنفكر فيهم فعلا …. يعني من الآخر كده بعد ما كان هيجبرنا نتجوزهم … ممكن يحلف أن محدش فينا حتى يفكر يخطب واحدة فيهم …
ضرب يوسف بيده على جبهته بعصبية وقال :
_ تبقى مصيبة لو ده صحيح … أنا ذنبي إيه في كل ده ؟!
اغتاظ آسر منه وقال هاتفا:
_ يابني اتقل شوية بلاش الدلقة دي ؟! …
عبس وجه يوسف وقال بضيق شديد :
_ دي مش دلقة … دي واحدة حبيتها وكنت مستني اليوم اللي هخطبها فيه … ماليش علاقة بقرارتكم وتفكيركم المعقد السخيف ده !! … واحدة اكيد أنا دلوقتي سقطت من نظرها بسببكم ! …. أنا مش عارف اعمل إيه … بس لما يوصل جدي هعتذرله واسافر البلد اخطب حميدة … وكل واحد بقى يختار الحياة اللي عايز يعيشها … أنا اخترت وقررت خلاص .
ابتعد يوسف وخرج من المنزل بأكمله بعصبية واضحة … وراقبه آسر بحالة من الشرود … أن كان يشعر ما يشعر به يوسف … ولكنه لا يعترف بهذه البساطة لنفسه … ولن يتحمل فكرة الرفض مرة أخرى ….
صعد لغرفته وقرر أخذ قسطا من الراحة والخلود للنوم بعض الوقت ، قبل المواجهة الشرسة مع الجد عند وصوله.
*****
ومر تقريبًا أكثر من ساعة … وكان وجيه في انتظار وشوق وصول أبيه والفتيات للمنزل … ذلك الشيء الذي لم يخبر به أحدًا … وأيضا كي يذهب إلى ليلى بالمشفى ويطمئن على حالتها ….
دقت الساعة الثامنة صباحا … واعقبها عدة دقائق حتى وقفت سيارة الجد أمام المنزل ..
ترجل الجد رشدي من السيارة وقد أثر عليه الجلوس لساعات كثيرة بالسيارة وبدا عليه صعوبة الحركة .
وكان الفتيات في حالة صمت معتمة من الكآبة والتعاسة التي تملأ قلبهن مما حدث … فتاهت كل واحدة منهن في حزنها ، حتى أنهن تظاهرن بالغفوة خلال ساعات السفر كي يتجنبن الحديث ..
خرجوا من السيارة وساعدوا امهم وداد في الخروج حتى استطاعن ذلك بعد لحظات ..
ثم وقفن الأربعة فتيات ينظرن للمنزل الضخم في شرود ، كأنهن يقرأن صفحات من الماضي وبحديث والدهن عن حبه لهذا المكان … ورغم فخامة المكان والثراء الواضح عليه إلا أن لم يؤثر على حزنهن شيء …. فاقترب الجد إليهن وقال بحنان :
_ حمد الله على سلامتكم يا حبايبي … من النهاردة اعتبروني الفانوس السحري …. طلباتكم كلها مجابة.
وتابع بإضفاء المرح في حديثه :
_ أنا بلغت وجيه يخلي الخدم يحضرلكم أواضكم ، كل بنت منكم أوضة … حاجة كده مؤقته على ما اضبط كل شيء .
لم يكن في خيال الفتيات سوى أنهن سيكونوا قريبين من الشباب الأربعة …. قرب ربما سيسبب لهن مزيد من العذاب والحزن … فقالت وداد برضا:
_ كفاية وجودك جانبهم …
ربت الجد على يدها وقال :
_ هعوضهم عن اللي فات كله.
وبداخل المنزل …. استقبلهم وجيه بترحاب شديد وبجانبه زوجته جيهان التي كانت ترسم ابتسامة رسمية ليس أكثر … وضم والده اولا ثم رحب بحرارة بزوجة أخيه وداد …
وأخذ وجيه الفتيات بعناق دافئ لكلا منهن ، حتى أخذهن الأربعة تحت ذراعيه كأنه طير يطوقهن بجناحيه …. وقال :
_ أنا مبسوط جدًا جدًا أننا اتجمعنا وهنكون في بيت واحد أخيرًا ، نورتوا البيت ونورتوا حياتنا كلها …
علت ابتسامة صادقة من ثغر الفتيات متوجهة إلى العم وجيه … ولكن أنظارهن كانت تتجه يمينا ويسارا بحثا عن أي واحدًا من الشباب …. ولكن ما كان منهم سوى جاسر الذي صعد لغرفته واستغرق في نوم عميق منذ أن أتى …. والبقية خرجوا من المنزل واحدًا تلو الآخر …
قالت جيهان بعد كلمات الترحيب :
_ تعالوا بقا يا بنات اخد كل واحدة لأوضتها عشان تغيروا هدومكم قبل الغدا …
رفض الفتيات أمر الغداء استحياءً…. فقال الجد رشدي بمرح :
_ اطلعوا ارتاحوا شوية عشان هنتغدى واخدكم نتفسح ونعمل شوبينج بليل… من زمان ماجيبتش لبس بنفسي …. قططي حضروا بقا وهينقولي بنفسهم ..
نظرت وداد لبناتها بابتسامة … وشعرت أن الحزن المرتسم بأعينهن هو مجرد شعور وسيزول سريعا … فالترحاب والمحبة التي استقبلتهم بها العائلة شيء يدعو للراحة والسعادة الحقيقية ….
أخذت جيهان الفتيات وكانت غرفهن بالطابق الأرضي … بعيدًا عن غرف الشباب بالطابق الثاني …
نظرت جميلة للمنزل الكبير الضخم ذو المساحة الشاسعة ، صمم بتصميم المنازل القديمة التي يدخل في تأسيسها كثرة الغرف والأسقف العالية جدًا ….
ودخلت كل فتاة غرفتها ، مع حقيبتها الخاصة …
وبغرفة جميلة كان اللون الزيتوني الصافي الهادئ يسيطر على المكان والأثاث…. بدأت ترتب ملابسها في الخزانة الخاصة ، وسريعا ما انهت المهمة …. ثم انتقت جلباب بيتي مخملي الملمس من اللون الأزرق … ونظرت له بدقة وقالت :
_ بما أن مش هبقى على راحتي في البيت ده … فهلبس الجلابية دي …
أخذت الجلباب ودخلت حمام الغرفة لتأخذ دشا سريع … ثم خرجت وهي ترتديه وتجفف شعرها الأسود الطويل … تطاير شعرها بهواء صادر من باب زجاجي مطل على الحديقة … توجهت لتغلق ذلك الباب حتى لاحظ غرفة جانبية مضاءة ويظهر منها آلات رياضية … فقالت جميلة بابتسامة واسعة :

 

 

_ الله … ده شكله جيم ! …
ارتدت حجابها سريعا وخرجت من الغرفة إلى الحديقة ثم توجهت لتلك الغرفة ….
فتحت جميلة الباب الزجاجي لغرفة الرياضة الواسعة أكثر مما اعتقدت … وشهقت عندما وجدت الكثير من أنواع الآلات الرياضية …. فقالت بقفزة من السعادة المؤقته :
_ كان نفسي من زمان اروح جيم … أهو جالي لحد عندي ..
توجهت لجهاز المشي ” تريدميل” واحتارت كيف يعمل ، حتى وجدت أزرار عدة وبدأت المشاية تتحرك استعداد لاستخدامها البشري في حركة الساقين لمن يستخدمها …
نظرت جميلة لـ ” الشبشب” التي ترتديه بقدمها وقالت :
_ مش مهم … هجرب برضو …
وقفت جميلة عليه وبدأت تساير حركته في السير وهي تضحك بصوتٍ عالي …
ومع الوقت لم تنتبه انها ضغطت على زر السرعة بالخطأ … فبدأت سرعة السير تزداد، وبدأت جميلة تلهث من الركض ولم تستطع الابتعاد ..
كانت تتوسل أن يتوقف الجهاز فهي لم تعد تسيطر عليه …..
كان جاسر استيقظ وأخذ منشفة وزجاجة ماء، وتوجه لصالة الرياضة مباشرةً … ولم يخبره أحد بوصول الجد رشدي ومن معه ، وعند هبوطه للطابق الأرضي ما وجد مخلوق أمامه ….
كان يتثاءب بكسل وهو يدخل قاعة الرياضة وفتح زجاجة الماء وشرب منها بضع قطرات وهو يفتح باب الغرفة ….
توقف الماء بفمه وهو يرى شبح أزرق يركض على جهاز المشي ويستغيث … لم يكتشف أنها هي لأنها تواليه ظهرها ….
اسرع اليها وأوقف حركة الجهاز سريعا … ولكنه أبصق ما بفمه بصدمة بوجهها عندما رآها ووقف قبالتها …. سقطت جميلة جانبًا بحالة دوار شديد …. وقال جاسر بذهول :
_ تهيؤات دي ؟! … نهاركم مش فايت … أنا اتجننت ولا ايه ؟!
تألمت جميلة من الم قدمها وهنا فغر جاسر فاه وهو يحدق فيها بعدم تصديق …. فأنحنى ليتأكد أنها هي حتى دفعته بحدة بعيدًا عنها ….. اعتدل سريعا ووقف بعصبية وقال :
_ كده اتأكدت …. الحمورية دي ما تطلعش غير منك … حتى الجن مش أجن منك ! …
نهضت جميلة وهي تنظر له بشراسة :
_ أنت جاي هنا ليه ؟!
مطت شفتيه بسخرية وقال :
_ أنتِ اللي بتهببي إيه هنا ؟! ومين جابك ؟! ومين دخلك الجيم بتاعي ؟! …. وبعدين حد يجري على الجهاز بجلابية وشبشب يا هبلة!…. اكيد جيتي مع جدي صح ؟ …. يابنتي أنا كنت متأكد أنك مش هتقدري تنسيني….أنا مابتنسيش.
شهقت جميلة من حديثه ريثما اعقب قوله بابتسامة ماكرة وهو يضع المنشفة على كتفه العاري بثقة عالية … فهتفت صارخة :
_ انساك ؟! هو أنا اصلا فكراك ؟! ليه كنت عبايتي السودا ولا الروج السحري ؟
قال جاسر بابتسامته الخبيثة ليستفزها :
_ حلوة الجلابية الزرقا دي …. شبه حوض السمك ، بس حلوة للجيم حقيقي ومناسبة … اشغلك فرح العمدة على الكمبيوتر عشان تتمرني بمزاج ؟!

يتبع….

اترك رد