Uncategorized

رواية البوص الفصل السابع 7 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية البوص الفصل السابع 7 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل السابع 7 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل السابع 7 بقلم يمنى عبد المنعم

الغضب
تنجرف مشاعرنا إلى عالم مجهول أحياناً كثيرة سواء كانت كراهية أو حب… فالحب مثل الموت لا نملك السيطرة عليه، وذلك عندما يكون تحت تأثير القلب فقط.
أما الكراهية فهي لانعكاس أشياء كثيرة بداخلنا تحدث دون أن نقوى على السيطرة عليها.
وهنا يقل الشغف بالحب ويتحول إلى عدو نحاربه بكل قوتنا كي ننسى معاناته الماضية.
وتصبح الكراهية هي الدافع والمحرك الحقيقي وراء كل تصرفاتنا في الحياة سواء مع من كنا نحبهم أو ظننا أننا أحببناهم يوماً ما من الأيام.
وهذا ما ينطبق على فتحي فقد تحول حبه لسهر إلى كراهية يتمادى بها رغماً عنه، حدجها بنظراتٍ قاتمة ثم تركها نائمة وقد أغلق عليها بالمفتاح كالعادة.
قابل أحد الرجال بالخارج طالباً منه عدة أشياء كأطعمة متنوعة وخلافه من أجلها…. حدجه نفس الرجل الذي يقيم معه في نفس المكان قائلاً باهتمام: الدكتور هييجي بكره بردو يشوفها.
زفر فتحي بحرارة قائلاً: مفيش مشاكل أهم حاجه يجيب نتيجة معاها، طالما البوص سابها في عهدتنا.
اومأ الرجل برأسه قائلاً بتفكير: طب تفتكر إن البوص هيسكت، إذا متعالجتش زي ما قال.
تأمله بكثيراً من الصمت ثم أولاه ظهره قائلاً بغموض: مفتكرش إن هيديها الفرصة إنها متتعالجش.
ابتسم الرجل هذه المرة قائلاً بإعجاب: سليم الأنصاري لما يحط حاجه ولا حد في دماغه يبقى وقعته سوده، جابه لنفسه ساعتها معاه.
تنهد هامساً بضيق: وهيه أو غيرها يستاهلوا اللي هيعملوا فيهم، طالما هما اللي بيتحدوه.
شحب وجهها وهي تستمع إلى كلماته تريد أن تعبر عن ما بداخلها من كلمات منافيه لما يتفوه به…. لكن مع الأسف فهي أظهرت له وللجميع بأنها خرساء حتى لا يكون عقابه قاسياً عليها.
هزت ملك رأسها سريعاً علها تنفي كلماته المتهمة لها…. لم يتحمل هو ذلك فهذا من وجهة نظره كذباً وافتراء، وأكثر ما يبغضه هو أن يكذب عليه أحد…. فهو لا يحبه، مع قوة شخصيته التي لا تحتمل أبداً.
ومن وجهة نظره أيضاً أن أي شخص لا يستطيع أن يستغفله، لهذا يساوره الشك بالجميع… حتى مع رجاله المخلصين له.
وهذا ما جعله ناجح في مجاله إلى الآن في هذا العالم الغريب بالنسبة لها التي وجدت نفسها به بين عشيةً وضحاها… وزاده كل هذا ثورة داخلية ضدها.
بوغتت به يقبض بقوة مفرطة بقبضته العنيفة على شعرها قائلاً بنبرة تهديدية:- واضح كده يا قطة، انتِ مش عارفه بتتعاملي مع مين…. بس أنا بقى هعلمك وبمزاج عالي أوي كمان، مين هوه البوص.
شهقت ملك من الألم والفزع الذي تملكها ودموعها تنهمر بكثرة… تحاول سحب شعرها من قبضته دون جدوى.
قال لها متشفياً: إنتِ لسه شفتي حاجه دي دي البداية بس…!!! هزت رأسها بالنفي تدافع عن نفسها قائلاً بغلظة: مش أنا اللي يضحك عليه فاهمة.
ودون أن يُمهلها الوقت الكثير جذبها من شعرها، إلى غرفة خاصة بما يسمونها للعقاب أو لعذاب من يخطىء أو يكذب بحقه… ولن يأبى سليم لصوت نحيبها والألم التي تتجرعه منه الآن.
أزاحها أمامه في غرفة ما بالقبو بأسفل الفيلا، تشبه السجن بأبوابه الحديدية الضخمة التي أصدرت صريراً عالياً عندما قام بفتحه… ثم ألقاها أرضاً بمنتهى الهمجية من جانبه… شعرت خلالها بأن عظامها كادت أن تنكسر كلها في لحظات وجيزة.
صارخةً بألم فانحنى نحوها هاتفاً بها بخشونة: اصرخي براحتك هنا محدش هيقدر يهوب ناحيتك هنا وينقذك مني فاهمة.
بكى قلبها لهذا الظلم المجحف في حقها، التي تجنيه الآن من صنع يدها، شاعرة بخوفٍ هائل يتملكها، تركها مبتعداً عنها قليلاً.
حملقت به بهلع وهي ترى أمامها حبال معلقةً بالسقف، يقوم بسحبها لمستواها… وأيضاً هناك بالقرب من الحبال، برميل كبير من الحديد مملوء بمياه غزيرة.
اتسعت مقلتيها على آخرهما وهرب الدم من وجنتيها بفزع شديد… وهي تهب من على الأرض، تحاول الفرار من هذا المكان الموحش.
فجذبها سليم بقوة ناحية البرميل… هنا تعالت صيحات الخوف بداخلها وتفوهت به شفتيها، تحاول أن تترجاه.
لكن دون فائدة تذكر… تمسك بها سليم من شعرها من الخلف، وأسقط وجهها بالكامل للماء البارد… ارتفع صوت انفاسها المختنقة داخل المياه فرفعه… متأملاً إياها بقسوة.
قائلاً بتحدي: منا قلتلك مش أن اللي يتلعب معاه، ثم أنزل برأسها مرةً أخرى بالبرميل وامتزجت شهقاتها من المياه مع دموعها الغزيرة.
فرفعه مرةً أخرى، أخذت ملك نفساً عميقاً وبشدة بعد أن ظنت أنها ستفارق الحياة،حدقت به تترجاه ببصرها ويتركها لحال سبيلها.
لكنه هز رأسه بالنفي شامتاً بها، فشرعت في البكاء مرةً أخرى، وجاء ليضع رأسها بالمياه قاطعه صوت هاتفه.
ففتحه باليد الأخرى قائلاً بضيق:- أيوه يا ابراهيم في جديد، فقال له بارتباك: أدهم الصاوي راح واتخانق مع عمار، والحلقه ضاقت عليه ومتكتف.
ابتسم البوص بمكر غاضب قائلاً بتهديد: ولسه يا أدهم يا صاوي على العموم خلي عينك عليه.
أغلق الهاتف ثم ذم شفتيه بحدة ملتفتاً إلى ملك قائلاً لها باستهزاء ساخر: شفتي ده بقى جزاة اللي يقف في طريقي ويتحداني يا حلوة.
ارتعبت من نظراته لها وحاولت الفرار من كفه القوي، لكن محال أن تفر من قبضته، ودون مقدمات وجدت وجهها في المياه فتعالت شهقاتها.
المذعورة والتي تستغيث به، فقد شعرت بالأختناق داخل صدرها حتى أحست بأن رئتيها قاربت على الأنفجار، ثم رفع رأسها والمياه تسيل من على وجهها إلى ثيابها والأرض.
ترجته ببصرها مرات عديدة هذه المرة، فضحك ساخراً بها بجانب شفتيه مستخفاً بنظراتها المتوسلة إليه بأن يبتعد عنها وكفى ما يفعله بها.
قربَ وجهه من وجهها الشاحب، شاعرةً بأنفاسه القوية تزيد من هروب الدم من وجنتيها قائلاً بغضب: قوليلي مين اللي بعتك عمار ولا أدهم الصاوي.
ودون تردد كي يتركها دون عذابها هذا….. فأشارت له بتلقائية إلى أنها تابعة لأحدهما عله يصفح عنها.
عقد سليم حاجبيه بحدة هاتفاً بها بانفعال: تبع مين فيهم عمار، فأسرعت بهز رأسها بالنفي، فضيق عينيه بقوة غاضبة مستطرداً بغلظة: أدهم الصاوي مش كده.
اومأت برأسها بقوة سريعة على أنه هو التي تقصده، اشتعلت عيونه كالجمر من ثورته الداخلية عليها قائلاً بخشونة: متأكده ولا يكون وراكِ مصيبة أكبر من كده.
هزت رأسها بالرفض… قطب جبينه بعصبية وهويشدد بقبضته القوية على شعرها قائلاً بنبرة هادرة مهددة: يبقى استلقي وعدك مني يا حلوة، وإذا طلعتي كدابة مرة تانية هتشوفي مني اللي عمرك ما شفتيه.
جلس سليم بعد مرور بعض الوقت بالليل… داخل مكتبه يراجع بعض أعماله مع ذراعه الأيمن إبراهيم.
وما لبث أن طرقت الخادمة باب مكتبه ففتحه إبراهيم فاستأذنت بالدخول، ولجت أمامه قائلة باحترام: في واحد بيقول ان اسمه فتحي عايز يقابل حضرتك.
أشار لها بالخروج ثم أشار لإبراهيم بيده ففهم ما عليه، سارع بمغادرة الغرفة، واستقبال فتحي.
أدخله هو ورجل آخر كان بصحبته إلى حجرة الصالون الفاخرة… لم ينبس أي أحد منهم بحرف واحد… كأن صاحب المكان بحضوره الطاغي حتي إذا كان غير موجود به، فإنه يُلقي بظلال هيبته داخل الغرفة… فيحترمه الجميع رغماً عنهم.
أتى البوص فنهض الجميع من أماكنهم واقفون أمامه، فأشار لهم بالجلوس قائلاً لفتحي بجدية: عملت إللي قلتلك عليه يا فتحي.
اومأ برأسه قائلاً : كل حاجه جاهزة زي ما حضرتك طلبت، تراجع سليم بظهره إلى الوراء واضعاً قدم فوق الأخرى، وهو ينفث سيجاره الغليظ في الهواء.
قائلاً بغموض ماكر: تمام ابتدي يا شيخ صالح بكتب الكتاب بسرعة علشان العريس مستعجل أوي.
ظلت ملك تبكي طوال الليل في هذا القبو المخيف والظالم لها والذي يضيء بمصباح قديم ضوئه شحيح…. يكاد يحترق مع إطفاءه مرة وإشعاله مرةً أخرى مع نفسه هكذا طوال الوقت.
فقد غادرها سليم بعد أن توعدها بالمزيد من العذاب والقسوة في معاملتها مرة ثانية، أخذ ينتفض جسدها من أثر البرد القارس الذي يقسو على جسدها الرقيق، تناولت من على فراش مهترئ قديم غطاء بالي موجود فوقه.
تدثرت به جيداً لكثرة شعورها بالبرودة التي تسري بجسدها بالكامل، والتي تنخر داخل عظامها دون رحمة.
قائلة بوهن:- تعبانة أوي يارب وأديني وقعت نفسي بكدبة كبيرة… أنا مش أدها، يمكن يرحمني من اللي انا فيه وبردو مفيش فايدة والله أعلم كدبتي دي هتوديني على فين بعد كده.
جلست تلوم نفسها كثيراً على وضع نفسها بمشكلةً أكبر مما هي فيه، مما أصابها بالتعاسة الشديدة بداخلها.
تأملت المكان حولها بنظراتها الزائغة… فالبرغم من اتساع المكان إلا أنه موحش لا يناسبها أبداً.
فقد وجدت غير هذا السرير القديم إثنان من المقاعد الخشبية وبعض من أسلحة العقاب المنوعة الذي يستخدمها سليم لمن يعارض أوامره.
تنهدت بأسى مما هي فيه وجسدها يرتجف تحت الغطاء القديم…. وقد حاولت النوم دون فائدة تذكر فتعبها الداخلي أرهقها بشدة، وأثر على عدم انتظام نومها طوال الليل.
إلى أن غفت قليلاً في الصباح الباكر… بعد أن أصبحت سجينة القبو مع مرور بعض الوقت استمعت إلى صوت شخص ما يبكي ويئن خلف هذا الجدار بالقرب منها… عقدت حاجبيها بدهشة حتى خُيل إليها أنها من المؤكد أنها تهيؤات تتخيلها من أثر ما تعانيه من وهن.
لكن صوت هذا البكاء إرتفع أكثر من ذي قبل مرةً أخرى بإلحاح شديد…. نهضت ببطء وتردد من مكانها خائفة، وقلبها يختلج بين جنبات صدرها بقوة قائلة لنفسها بهلع: يا ترى صوت مين ده.
اقتربت بخطى ثقيلة صوب الحائط التي تفصلهما عن بعضهما البعض…. ووضعت أذنها تصتنت إلى هذا الصوت علها تعرف من أين يصدر.
لكن فجأة توقف هذا الصوت مما جعل قلبها يرتجف كورقة شجر في مهب الريح، هامسة لنفسها بذعر: إيه الصوت ده… وجي منين بالظبط وليه سكت مرة واحده كده.
في تمام الساعة الثامنة صباحاً صدح رنين هاتف فريدة المتواصل بجوارها… أمسكته بسرعة فكانت إحدى صديقتها المقربين، تنهدت وأغلقته بيأس شديد…
تمددت مرةً ثانية بالفراش… تحدق أمامها بالفراغ فمنذ الأمس لم تغادر الغرفة كعادتها أو تذهب إلى كليتها وذلك تحت رغبته هو، أغمضت عيونها خشية من الدخول في نوبة بكاء مرةً أخرى.
استمعت إلى صوت عربته وهي ترحل تاركة خلفها قلبها الموجوع، نهضت من فراشها بعد انصرافه، يملأ الحزن محياها الرقيق.
أطرقت بوجهها وانسالت عبراتها دون مقدمات، تريد أن يشعر بها فها هو يزيد من قسوته عليها، أرادت دائماً العيش بقربه لكن ليس بهذه الطريقة الغليظة.
دخل عاصي مكتبه عابس الوجه، أسرع وراءه مدير مكتبه قائلاً له: بشمهندس عاصي… جلس خلف مكتبه قائلاً بجمود: اتكلم يا نبيل ساكت ليه.
ابتلع ريقه قائلاً بتروي: في ميعاد بكرة لاجتماعك مع أهم عميلة عندنا بالمكتب…. تأفف وهو يحدق بالتصميمات أمامه قائلاً: وامتى الميعاد بالظبط.
ناوله أوراق خاصة بهذه العميلة مجيباً بهدوء: إن شاء بكرة الساعة عشرة الصبح.
أخذ منه الأوراق قائلاً بجفاء: تمام اتفضل انت على شغلك، انصرف نبيل من أمامه مندهشاً من تصرفات عاصي الجامدة هذه.
زفر وهو يحدق بالأوراق أمامه شارد الذهن بهذه الظروف الذي يمر به رغماً عنه هذه الأيام، مسنداً بظهره إلى المقعد قائلاً لنفسه بحدة: لأمتى هتعاني يا عاصي من وانت صغير شايل حمل أكبر من سنك وقوتك، لكن دلوقتي الوضع اتغير والطفلة اللي ربيتها كبرت خلاص، ومش هتعرف تسيطر عليها زي الأول.
ما أن تفوه بهذه العبارة حتى قبض بيده بتلقائية على الأوراق بين كفيه حتى كادت أن تتمزق…. ناسياً أنها أوراق مهمة.
مستطرداً بغضب: لأ يا فريدة لأ مهما كبرتي، عُمرك ما هتكبري عليا أنا، هتفضلي فريدة الصغيرة بنظري اللي كانت بتعيط في حضني علشان أحميها… ومش هسمحلك تعارضيني في يوم من الأيام وهوريكِ.
في المساء عاد عاصي بعد انتهاء يوم شاق بعمله وبحثه الدائم والمستمر عن شقيقته الصغرى ملك.
لم يجد أحداً باستقباله كالعادة، رمق ساعة هاتفه فوجدها مرت منتصف الليل، فالوقت إذن متأخر والجميع نائم بكل تأكيد، زفر بضيق ثم صعد مباشرةً إلى غرفته.
خلال مروره أمام باب غرفة فريدة، توقف متنهداً بضيق ثم انصرف من أمامها متجهاً نحو حجرته.
تمدد بفراشه شاعراً بمزيد من المشاعر المختلفة بداخله، لم يرد أن يشرد بذهنه كثيراً ليريح عقله، لكن صورة فريدة عادت إليه من جديد، فلم يرها اليوم منذ أن غضب عليها بالأمس.
هذه هي المرة الأولى الذي يمر عليه يوم كامل دون رؤيتها منذ أن قام بربايتها هنا ورعايتها…. بعد موت والديها بهذا الحادث المفجع، الذي أثر كثيراً على نفسيتها.
أغمض عيونه محاولاً النوم ليريح عقله بعد عناءه طوال اليوم في البحث عن شقيقته الوحيدة، في المستشفيات والشوارع المختلفة وأي مكان من الممكن أن تحبه وتذهب إليه.
أما فريدة فلم تنم جيداً فقد كانت مستيقظة عند وصول عاصي إلى المنزل، لقد كانت قلقة عليه بالرغم من حزنها بسببه.
إلا أنها لم تنم إلا عندما استمعت إلى صوت صرير سيارته فأسرعت بغلق الضوء حينئذٍ حتى لا يتحدث إليها بغضب مرةً أخرى لاستيقاظها كل هذا الوقت.
أجبرت نفسها على النوم للذهاب غداً لكليتها…. فلم تذهب كما أمرها عاصي منذ اختفاء ملك، الذي تعشقه رغماً عنها بالرغم من قسوته الكثيرة عليها منذ أن بدأت تكبر…
وتترعرع أمامه لهذا شعرت أنه يزداد حرصاً عليها كلما مرت بهم الأيام ولم تقوى على رفض أي أمر له.
فهو دائما فارس أحلامها التي كانت تحلم به منذ الصغر حتى وهو يلاعبها كانت أحياناً تحدق به بهيام.
حتى أنه كان أحياناً كثيرة يلاحظ ذلك…. فيسخر من نظراتها الوالهه تلك قائلاً بلهجة صارمة:- لما ابقى معاكِ متبصيليش كده…
فكانت تهرب منه وتختبأ خلف ظهر ملك كي تنشغل معها باللعب بعيداً عنه… وعن ترقبه لكل تصرفاتها أمامه.
أشرق الصباح بأشعة شمسه التي تنير الدنيا من جديد، استيقظ سليم على صوت منبهه، فتح عينيه بضيق، متذكراً تلك اللئيمة التي اقتحمت حصونه فجأة.
نهض من فراشه شاعراً بالسخط الغاضب، يتوعد بداخله لأدهم الصاوي الذي جعل هذه الفتاة الحمقاء…. تدخل حياته بطرق مدبرة من أجل أن يعرف عنه الكثير….. لكن لا ليس هو من يفعل به ذلك ويصمت.
هبط بالأسفل لتناول وجبة فطوره قبل أن يذهب لعمله من جديد، بعد أن أصبح جاهزاً.
وضعت الخادمة له الطعام فوق المائدة، قال لها بهدوء: ابقي جهزي فطار تاني بسرعة وهاتيه دلوقتي لملك.
اومأت برأسها بالموافقة مغادرةً المكان بسرعة تعد ما طلبه منها، تناول سليم فطوره على عجل ثم ارتشف قهوته سريعاً.
قام سليم من مقعده عندما أتت خادمته بصينيةً مملؤةً بالطعام، أخذها منها وانصرف سريعاً من أمامها… كل هذا يحدث وهي تندهش لكن لن تجرؤ أن تستفسر عن الذي يحدث أمامها.
شعرت ملك بأن صوت أقدام ثابتة تقترب من باب القبو، فانزوت على الأرض في زواية ما بالقبو… تضم ركبتيها إلى صدرها تحبس صوت أنفاسها الخائفة من صاحب هذه الأقدام…..
وزادها رهبةً أن المصباح المعلق به قد احترق ولم يعد يشتعل، فأصبح المكان مظلم حتى في الصباح.
فتح سليم باب القبو والذي ما هو إلا عبارة عن سجن بابه من حديد كباب السجن المتعارف عليه.
حملق بها بغموض تام… ثم اقترب من تلك التي تقبع في الظلام… تثني ركبتيها إلى صدرها وتضمهم بذراعيها التي ترتجفان من كثرة تحديقه بها.
جسدها ينتفض أكثر من صوت هذه الخطوات المهددة الذي يخطوها نحوها وتقترب منها بثقة… قائلة لنفسها بذعر: أكيد هوا يا ملك… مفيش غيره.
انحنى نحوها متفحصاً لقسمات وجهها على ضوءٍ شحيح آتٍ من كشاف صغير بيده، يتمعن بمحياها الشاحب من كثرة هلعها منه.
قائلاً بسخريةً لاذعة:- ها حلو العقاب ده يا ملوكه مش كده…. هوا كده مصير اللي يكسر كلمة للبوص… ويكدب عليه.
جهزت فريدة نفسها مبكراً للذهاب لكليتها في الصباح، للحاق بمحاضراتها المهمة قبل أن تلتقي بعاصي على الأفطار ويمنعها عن كليتها كما يفعل هذه الأيام.
أسرعت بأخذ محتويات حقيبتها وأدواتها الدراسية الخاصة بكليتها، أغلقت الباب وراءها وهرولت نحو الدرج هرباً منه.
انتهى عاصي من عمله في مكتبه داخل منزله قبل ذهابه لعمله…. عندما انتبه إلى صوت سقوط شيء ما…. بقوة على الأرض محدثاً صوتاً أليماً بضعف.
ضيق حاجبيه بتساؤل… وأسرع خارج المكتب ليستكشف حقيقة الأمر، شاهد فريدة واقعة على الأرض تتألم بشدة… أسرع نحوها بقلق هاتفاً بها:- مالك يا فريدة إيه اللي حصل….؟
أغمضت عيونها من الخوف منه قائلة بصوتٍ مرتجف:- أنا…أنا… كويسه مفيش حاجه.
رمقها بغيظ غاضب وانحنى اتجاهها وجاء ليسندها إليه وينهضها من الأرض، زحفت للوراء بذعر… متذكرة ما حدث معها أول أمس منه متأثرة به إلى الآن.
اتسعت عيونه بغضب حاد، مستوعباً ما تقوم به…. لهذا صرخ بها فجأة قائلاً بلهجة مخيفة:- فريددددة تحبي أوريكِ الوش التاني.
لمعت عبراتها بتلقائية التي تحبسها داخل مقلتيها…. حتى لا تنهمر على وجنتيها.
قائلة بنبرة مرتعشة:- لأ…لأ… خلاص متشكرة… أنا هقوم لوحدي…. وبالفعل قاومت آلامها وهبت واقفة ببطء.
كان بصره الحاد يتابعها بسخط…. مقترباً منها فكادت أن تسقط على الأرض مرةً أخرى…. لولا أن عاصي لحق بها هذه المرة وأسندها إليه.
هاتفاً بها بضيق:- هوه أنا هاكلك لما أساعدك ولا إيه، اختلج قلبها بقوة من اقترابه منها بهذا الشكل…. وأجلسها على أريكةً وجلس بجوارها.
قائلاً بتساؤل: قوليلي إيه اللي حصل بالظبط…؟
اضطربت من نظراته لها هكذا فهمست بوهن:- أصل وقعت من على السلم وأنا نازله.
تنهد بنفاذ صبر قائلاً بحنق: قلتلك كذا مرة تنزلي بهدوء أنتِ ليه مش بتسمعي كلامي.
دافعت عن نفسها بسرعة قائلة بلهفة: منا كنت نازلة بهدوء بس كعب جزمتي السبب.
رمق قدميها التي تؤلمها وتتحسسها بيدها… فهتف بها بحدة:- وانتِ ليه تلبسي كعب عالي أوي كده.
أشاحت ببصرها بتوتر حتى لا تواجه نظراته المتفحصة لعينيها قائلة بخفوت: منا من زمان وأنا بلبسه يا أبيه…. ومعظم البنات بتلبسه مش لوحدي يعني.
زفر بحدة هاتفاً بها بجمود: تاني مرة تلبسي حاجه تناسبك… يالا علشان أوديكي للدكتور.
هزت رأسها سريعاً باعتراض، تحاول الهرب من قربه قائلة بتردد:- لا لا مش محتاجه أنا شوية وهبقى كويسه.
زفر بحرارة ثم هب واقفاً قائلاً بخشونة:- أنا لما أقول كلمة تتسمع من أول مرة سامعه.
ودون أن يُمهلها الوقت الكافي للتفكير أمسكها من يديها ليساعدها على الوقوف أمامه متابعاً بهدوء ظاهري: قادرة تمشي من نفسك ولا أساعدك….
هزت رأسها سريعاً بالموافقة وهي تسحب يديها من قبضتيه القوية قائلة بارتباك: آه ولو مقدرتش هنادي على دادة….
قاطعها بغضب صائحاً بها بسخط: دادة إيه وأنا موجود إنتِ هتستعبطي يا فريدة…!!!
جذبها من كفيها بسرعة مرةً أخرى فارتطمت بصدره رغماً عنها… فارتجف جسدها وتسارعت دقات قلبها بعنف… لمجرد هذه اللمسة الخفيفة.
تلاقت عيونهم هذه المرة بشيء مختلف رغم غضبه الشديد منها، انتفضت شفتيها وهو يحدجها بنظراتٍ لم تفهمها ثم انتبه عاصي لنفسه قائلاً بجمود: يالا بينا بسرعة قبل ما الألم يزيد عليكِ.
انتفض جسد ملك وهي تحدق به بهلع من هذا التهديد المبطن، ووضعت ذراعها أمام وجهها تتحامى به.
جذبها إليه بغتةً من شعرها قائلاً بغلظة غامضة: لأ فوقي كده يا قطة مش أنا اللي يتلعب معاه، وواضح كده اللي رماكِ في طريقي معرفكيش أنا مين ولا مدى خطورتي على اللي يقع تحت إيدي.
أغمضت عيونها من الألم مكان كفه التي تقبض على شعرها، حابسةً آهات الألم بداخلها، واليد الأخرى تضع أمامها الطعام مردفاً بغضب: في عشر دقايق تكوني كلتي وإلا إنتِ عارفه ممكن أعمل فيكِ إيه تاني.
هزت رأسها بالموافقة سريعاً…. ترك شعرها بقسوة وعينيه تتأمل ملامح وجهها التي شحبت وذبلت خلال يومين.
قائلاً لنفسه بتوعد: ولسه ياما هتشوفي مني أيام سودة يا ملوكه، نهض من جوارها يترقب تصرفاتها البطيئة في سحب صينية الطعام أمامها.
اجبرت ملك نفسها على تناول الوجبة خوفاً من تعرضها لنفس عذاب الليلة الماضية من جديد.
تمشى بقامته الطويلة أمامها وأمسك بهاتفه قائلاً بلهجة آمره: عايزك تشوفلي أدهم الصاوي في شغله ولا لأ وتبلغني ضروري.
أجابه ابراهيم قائلاً: حاضر خمس دقايق بس وهعرف، أغلق الهاتف عائداً ببصره إلى ملك التي قد انتهت من الطعام.
ابتسم سليم في نفسه بسخرية قائلاً لها بعبث: مكنتش أعرف ان القطط الضالة بتسمع الكلام أوي كده وبالسرعة دي.
ضمت ركبتيها أكثر إلى صدرها بذعر من اقترابه منها من جديد، قائلاً بنعومةٍ خبيثة: شكل القطة الضالة كانت جعانة لأن واضح كده اللي كان بيربيها كان مجوعها علشان تسعر أول ما تلاقي الفار علشان تاكله.
صمت برهةً وهو ينحني أمام وجهها مردفاً بمكر عابث: لكن يا خسارة مجاش في بالها إن الفار اللي جات تصطاده طلع وحش يقدر أوي في لحظة يمحيها من على وش الأرض.
توترت أعصاب فريدة عندما أخبرها بالذهاب إلى الطبيب قائلة بتردد: لا لأ مفيش لزوم أنا بقيت كويسة، وهروح الكلية عن إذنك.
هنا انفلتت أعصابه للغاية ونفذ صبره عليها وبرقت عيناه بشراسة على محياها… ندمت على معارضته من جديد، متابعة بذعر:- أنا …أنا موافقة… موافقة أروح عند الدكتور.
هز رأسه بتوعد دون أن يتفوه بحرف واحد… جاذباً إياها من يدها كي يذهبوا حالاً إلى الطبيب.
أثناء جلسوها برفقته في السيارة، لم تنتبه إلى تعليماته بشأن الحجاب ودعت ربها كي لا يلاحظ ذلك وينسى الأمر حتى لا ينفجر بوجهها مرةً أخرى.
لم يُحدثها عاصي كأنه يدبر لها أمراً ما برأسه، مما زاد من رهبتها منه، فحصها الطبيب قائلاً: كويس ان الورم خفيف ولو مكسورة كانت ورمت أكتر وعلشان أطمنك أكتر من كده نعملها أشعة.
اومأ عاصي رأسه بالموافقة وعينيه على فريدة التى لم تقوى على مجابهة نظراته لها.
مر الوقت سريعاً وعاد عاصي بها إلى المنزل، فتح لها باب عربته وقبل أن يساعدها هبطت على الفور غير آبه لوجعها التي تشعر به، فكادت تسقط أرضاً لولا أن وجود عاصي بقربها.
جعلها تستند إلى صدره كي لا تقع، أمسكها بحدة من خصرها قائلاً بقسوة: هوه فيه إيه بالظبط ما تتعدلي يا فريدة مش قابلة مساعدتي ليه.
سرت رعدة خفيفة من قسوته بداخلها قائلة بتوتر: أبداً مفيش يا أبيه أنا كويسه وأقدر اعتمد على نفسي.
زادته كلماتها سخط عليها فاكفهر وجهه بشدة من معارضتها له، دب الرعب في اوصالها، هامسة لنفسها: بسرعة يا فريدة امشي من قدامه شكله مش هيسكت.
وبالفعل انتزعت نفسها منه ذراعه وأسرعت بالولوج إلى الداخل، وقابلتها مربيتها زينب…. والتي كادت أن تناديها لتساعدها لولا وقوف عاصي بالخلف منعها بنظراته الآمرة.
مما جعل فريدة تفهم أنه وراءها بالفعل من جمود زينب في مكانها دون حراك وتأملها له بقلق.
قائلاً بلهجة آمرة حادة: إدخلي المطبخ يا دادة زينب وجهزيلها الأكل، وسبيها هيه هتطلع بنفسها فوق.
فوجىء أدهم الصاوي باقتحام رجال البوص مكتبه يشهرون أسلحتهم باتجاه موظفي شركته، وقبل أن يتفوه بكلماته الغاضبة، كان سليم يقف أمامه بهيبته التي طغت على المكان حوله قائلاً بدهاء ساخر: مفاجأة حلوه مش كده.
دخل فتحي حجرة سهر ببطء بعد الظهيرة… ظناً منه أنها لا تزال نائمة.
اتسعت عيونه الواسعة فجأةً بغضب صادم… عندما وجدها تجلس على الفراش بطريقة تبدو غير طبيعية أبداً.
ترتدي فستان قصير عند الركبتين مكشوف الذراعين واضعة على وجهها الكثير من أدوات التجميل مثل فتيات الليل بالضبط…. ناثرة شعرها حول وجهها.
والتي أمسكت بخصلة منه بدلال تلفه حول إصبعها ببطء قائلة بسخرية لاذعة:- أهلاً بالحارس المخلص…!!!
يتبع..
لقراءة الفصل الثامن : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية المؤامرة للكاتبة منة محسن

اترك رد

error: Content is protected !!