روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الثالث و الثلاثون 33 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الثالث و الثلاثون 33 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الثالث و الثلاون

رواية في حي الزمالك الجزء الثالث و الثلاثون

رواية في حي الزمالك الحلقة الثالثة و الثلاثون

سَعَادَة غَيْر مَسْبُوقَة 🤎🦋✨

“أنس أنت كويس؟”

“أنا هرجع مصر وفريد ده أنا مش هرحمه!”

كان الشرار يتطاير من أعين أنس وهو يتفوه بكلماته تلك، نبرته كانت حادة مليئة بالحقد والكراهية.. ازدرد رحيم ما فيه فمه ببطء وهو يُراقب تعابير وجه أنس المُرعبة ولأول مرة يشعر رحيم بأنه لا يعرف أنس..

“ممكن تفهمني حصل أيه؟”

“مفيش وقت للكلام، ومحدش هيقدر يوقفني المرة دي! مش هعمل خاطر لأي حد يا رحيم، فريد ده زودها أوي وجه وقت الحساب وهو حسابه تقيل معايا.”

“استنى هنا مش هسيبك تروح في حتة لوحدك من غير ما تفهمني!” صاح رحيم وهو يحاول جذب ذراع أنس لمنعه من الخروج لكنه تفاجئ بأنس يدفعه بعيدًا حتى كاد رحيم أن يسقط أرضًا لولا أن أستوعب أنس ما قد فعله ومد يده على الفور ليلحق برحيم.

“رحيم أنا أسف! أنت كويس؟”

“أنا كويس، بس أنت مش كويس، في أيه؟!”

“فريد أتهجم على بيتي! كسر البيت وكان هيحرقه عشان كان فاكر أني فيه! عمرك شوفت أب.. لا.. عمرك شوفت بني آدم طبيعي بيعمل كده؟!”

بنبرة أقرب للصراخ بصق أنس كلماته بينما صدره يعلو ويهبط بقوة قبل أن يقترب من زجاج المرآة الكبيرة ويلكمه بيده فيتناثر الزجاج في كل مكان بينما تتساقط قطرات الدماء الدافئة من يد أنس ومعها دموعه، أقترب منه رحيم ليعانقه، حاول أنس أن يفلت منه لكن رحيم شدد على العناق.

“أنا هحبسه! وحياة أغلى حاجة عندي لأحبسه!”

“هنحبسه وهيتعاقب وهنعمل كل اللي أنت عايزة بس الأمور مبتتحلش بالشكل ده! على الأقل يا أخي عشان أروى!” حاول رحيم تهدأته وقد نجح قليلًا حيث أرتخت معالم وجه أنس نسبيًا وهو يُعقب على حديث رحيم قائلًا:

“ما هو عشان أروى يا رحيم ولا أنت نسيت اللي حصل؟!!”

“منستش يا أنس.. بس أنت لو سافرت دلوقتي مين هيفضل مع أروى؟ ماهو أكيد أنا مش هسيبك تسافر لوحدك يعني!”

“هناخدها معانا.”

“مش بمزاجنا لما الدكتور يسمحلنا بالسفر وكمان..” أردف رحيم لكن أنس قاطعة على الفور وهو يقول:

“أنا هروحله بكرة وهسأله لو ينفع ناخد أروى معانا.”

“طيب ممكن أقول حاجة وتسمعها من غير ما تتعصب؟” سأل رحيم بهدوء لينظر نحوه أنس بنصف تركيز، يأخذ رحيم نفس عميق قبل أن يتمتم متسائلًا:

“أفرض رجعنا مصر وخدنا أروى معانا هتبقى متطمن عليها هناك وفريد ممكن يوصلها في أي وقت؟”

“ده على اعتبار أن فريد هيبقى حر طليق طبعًا مش في السجن أو جثة هامدة.” تفوه أنس ساخرًا لينظر نحوه رحيم بإمتعاض ثم يُعقب على حديثه بحدة:

“أنس فوق! أنت مش هتضيع نفسك عشان واحد زي ده! قولتلك هنعمل فيه اللي أنت عايزه بس بالقانون من غير ما تودي نفسك في داهية!”

“أنا خارج.” جاء رد أنس باردًا مقتضبًا للغاية ليتنهد رحيم وهو يسأله:

“رايح فين؟”

“أبعد عني يا رحيم أنا محتاج أبقى لوحدي.”

دفع أنس رحيم مجددًا ليبعتد رحيم عنه سامحًا له بالمغادرة، سار أنس بخطواتٍ سريعة بينما تبعه رحيم بخطوات بطيئة وهو يراقبه في صمت، فهو يدري كم أن صاحبه عنيد وهو لن يقدر على منعه من المغادرة لكنه من داخله يدعو الله ألا يرتكب الآخر فعلًا أحمق.

“ألو، عايزك تروح بيت دكتور أنس وتفرغلي الكاميرات بتاعت الڤيلا بكل هدوء كده ولو عرفت تجيب نسخة من تسجيلات كاميرات المراقبة اللي حوالين البيت كمان، عايز كل حاجة ممكن تثبت حادثة الإعتداء على بيته وياريت تعرفني كل تحركات فريد ومراتة.”

أنهى رحيم المكالمة قبل أن ينهض من على الأريكة ويُبدل ثيابه قبل أن يتجه نحو الخارج، أما عن أنس فقد ذهب ليفعل ما أعتاد على فعله في الشهور الماضية، تناول المشروبات الكحولية.. توجه أنس إلى أحدى الحانات الشهيرة وبدأ في احتساء كل ما وقعت يده عليه ونظرًا لأن أنس قد أكثر من الشرب في الآونة الأخيرة فلم يصل إلى مرحلة الثمالة سريعًا.

بعد حوالي ثلاثون دقيقة قابل أنس أحدى أصدقائه القدامى في تلك الحانة والذي قام بدعوته إلى منزله للحصول على المزيد من ‘المرح’ هناك، لم تكن حالة أنس تسمح له بالرفض أو الموافقة بل أخذه صديقه هذا دون أن ينبس الآخر بحرفٍ واحد.

كان منزل صديقه الكبير قد امتلأ بعددٍ لا بأس به من البشر، فتيان وشبابًا من سن السادسة عشرة وحتى الثلاثون وفتيات من سن الخامسة عشرة وحتى الخمسة والعشرون، العديد من المشروبات الكحولية والسجائر المحشوة وبعض الحبوب مجهولة الهوية، كان المكان أشبه بمجمع لكل ما هو مُحرم وضار بل وما يعاقب عليه القانون كذلك.

جلس أنس على أحدى الآرائك في الحديقة الخلفية وفي يده زجاجة خمر، يراقب ما يحدث من حوله بأعين زائغة وعقلًا شارد، عيناه لا ترى سوى خيالات لوالديه وشقيقته، وأذنه لا تسمع سوى صراخ أروى في ذلك اليوم؛ يوم الحادث…

أصبح عقله كمسجل الموسيقى المُعطل لا يفعل شيء سوى إعادة الأحداث مرارًا وتكرارًا دون توقف! شعر أنس بآلم لا يُحتمل في رأسه، ضغط على رأسه بكلتا يديه بكل ما أوتي من قوة بينما أنهمرت الدموع من عيناه لا إراديًا.

استقام من مقعده وبقي يتحرك بتخبط بينما ازدادت حالته سوءًا وقل إدراكه بما حوله حتى أخترق أذنه صوتٍ عالٍ صدح في المكان، صوتٍ لم يُبشر بالخير، أنوار زرقاء اختلط بالحمرة أنعكست على المنزل… إنها الشرطة!!! وقف أنس بصعوبة وهو يرى الجميع يهرولون والأجساد تتخبط ببعضها البعض وهو لا يقوى على الحراك أو الكلام، حينما عاد عقله للإستيعاب كان حينما شعر بجسده يُجذب بقوة بواسطة رحيم!

“أتحرك يا أنس مفيش وقت!”

سحبه رحيم نحو الخارج رغمًا عنه قبل أن يُلقيه كالدمية داخل السيارة، دلف رحيم إلى السيارة من الجهه الآخرى ليقود السيارة على السرعة المسموح بها وإن كانت تحركاته عنيفة بعض الشيء، كان رحيم غاضبًا، بل كلمة غضب لا يمكنها وصف ما شعر به رحيم في تلك اللحظة أو كم الشرار الذي تطاير من عيناه وهو يقود لكن لم يكن متجهًا نحو المنزل، بل إلى الشاطئ.

كان الصمت سائدًا في المكان، لا شيء سوى صوت الرياح الباردة التي أخذت تضرب السيارة لتحركها، توقف رحيم أمام المكان المنشود قبل أن يغادر السيارة ويتجه نحو الجهة الآخرى ويقوم بفتح الباب بقوة قبل أن يجذب أنس بعنف من خصلات شعره الطويلة نحو الخارج، تآوه أنس بشدة بينما لم يُبالي رحيم وأكمل سحبه حتى وصلوا إلى الرمال وبالقرب من المياه وحينها ألقى رحيم أنس على الرمال بلا مُبالة.

حاول أنس أن يستجمع قواه ويستقيم وقد نجح في ذلك بالرغم من كونه يسير مترنحًا، أقترب من رحيم بأعين باكية وهو يُردف:

“رحيم أنا…” وقبل أن يُكمل أنس جملته قابلته قبضة رحيم ليسقط الآخر أرضًا بقوة بينما تعابير الصدمة بادية على وجهه، وضع يده يتحسس موضع اللكمة كرد فعل تلقائي بينما عاد رحيم إلى موضعه الثابت عدا أن خصلات شعره تبعثرت أثر حركته تلك.

“أنت بتضربني يا.. رحيم؟ حتى أنت..”

“حتى أنا أيه؟ حتى أنا أيه رد عليا؟! أنت مُدرك أنت كنت فين وبتعمل أيه؟ طب مدرك كان أيه اللي بيحصل حواليك واللي كان ممكن يحصلك؟!!”

صاح رحيم بعدة تساؤلات غاضبة وهو يجذب أنس بقوة من ثيابه لينظر نحوه أنس بأعين مُحمرة وهو يهمس بتيه:

“أنا مش.. مش عارف حاجة!”

“أنا قولت كده برضوا.” تمتم رحيم بهدوء وساد الصمت لثوانٍ بينما يحك ذقنه بيده ويعيد خصلاته المبعثرة نحو الخلف بعصبيه قبل أن يصيح بنبرة حازمة:

“قوم.. قوم معايا!” جذبه رحيم من أذنيه كما تجذب الأم طفلها المُذنب، أقترب رحيم من المياه الباردة قبل أن يدفع أنس نحوها فيسقط وتبتل ثيابها ووجهه، يشهق أنس من برودة المياه.

“فوقت؟ خلاص بقيت مدرك أنت فين؟”

“رحيم أنا أسف..”

“أسف؟ رجعت تشرب تاني بعد ما وعدتني أنا وأروى أنك تبطل القرف ده وتقولي أسف؟ رايح بيت في مخدرات وقاصرات وكان فرق ثواني ويتقبض عليك وتروح في داهية وتقولي أسف؟ يا أخي حرام عليك بقى!”

وبخه رحيم بقسوة لم يعتادها أنس منه وحتى رحيم نفسه قد تعجب من ردة فعله العنيفة تلك لكن في مثل هذه المواقف التعامل بلين ولطف ليس هو الحل المناسب بل أحيانًا يجب أن نقسو على من نُحب من أجل مصلحتهم كما يفعل رحيم في الوقت الحالي…

“أنت هتحاسبني ولا أيه؟ أنا حر على فكرة!! هو عشان قولتلك أسف هتبقى فاكر بقى إن ليك سلطة عليا؟! فوق أنا مش شغال عندك! كفاية نرجسية بقى وتسلط يا دكتور!”

هنا تلقى أنس صفعة على وجهه ساعدته على استرداد المزيد من وعيه، كان ثغره يكاد يصل إلى الأرض من شدة الصدمة، لم يتوقع أن يفعل رحيم ذلك مجددًا، رحيم الذي لم يرتفع صوته قط يُعنف أحدهم وليس أي شخص بل أنس!

“آخر كلمتين عندي يا أنس ومفيش بعدهم، أنت لو الزفت اللي بتشربه ده دخل بوقك تاني أنت لا صاحبي ولا أعرفك أنت سامع!!”

“أنت مش حاسس بيا ومش فاهم أنا بمر بإيه! أنت زيك زيهم باصص عليا من برا ومش هتقول عني غير واحد صايع وإنسان زبالة! عمرك ما هتحس بالوجع اللي في قلبي ولا هتشوف الطفل اللي اتدفن جوايا قبل آوانة!”

بصق أنس كلماته بنبرة يفوح منها الحزن والخذلان، كانت دموعه تنهمر بقوة كما لم تفعل من قبل، كان جسده يرتجف نتيجة لبكاءه ولكون الجو باردٍ للغاية، نظر نحوه رحيم بنظرات هادئة قبل أن ينبس بالآتي:

“أنت مش الوحيد اللي عنده مشاكل يا أنس.”

“لا! متتكلمش عن حاجة أنت ممرتش بيها! أنت أبوك عمره ما ضربك يا رحيم! أبوك عمره ما كان مُدمن وبيعنفك أنت وأمك وأختك! أبوك محاولش يقتلك يا رحيم!”

صاح أنس بإستياء حتى كادت أحباله الصوتيه أن تتقطع، انتهى من جملته ليأخذ نفس عميق قبل أن يُكمل بنبرة مُنكسرة:

“أنت عمرك ما عشت سنين في الرعب والخوف والقلق من كل حاجة وأي حاجة.. متجيش تلومني دلوقتي عاللي أنا بقيت فيه.. روح لومه هو عاللي عمله فيا!!!”

“لو كل واحد راح يشرب ويحاول ينهي حياته بالطريقة دي عشان أتعرض ل trauma ‘صدمة’ عمر ما هيبقى في بشر طبيعين عالكوكب يا أنس، اللي أنت فيه ده مش هو الصح واللي بتعمله ده مش هو الحل!!”

“أنا مش إنسان طبيعي ومبسوط كده بنفسي! سيبني بقى وروح شوف حياتك ملكش دعوة بيا!”

“أنس أنت أخويا وصاحبي الوحيد، وأنا مش هقدر أشوفك في الوضع وأفضل ساكت!” أردف رحيم بنبرة صادقة وهو ينظر نحو رفيقة بتأثر شديد، لم تؤثر جملة رحيم في أنس سوى أنها جعلته أكثر حساسية.

“أنا تعبت.. أنا بكرهه! أنا عايزه يموت يا رحيم ‘ Maybe this will help relief the pain in here ‘ربما سيساعد ذلك على تخفيف الآلم هنا’…”

تفوه أنس بصعوبة بالغة بينما جثى على ركبتيه وهو يضرب صدره بقوة حيث يقع قلبه، نظر نحوه رحيم بآلم وأعين دامعة وهو لا يدري ماذا يفعل لكي ينقذ صديقه الوحيد من الضياع والهلاك الذي يشعر به! هل حقًا سجن أو موت والد أنس سيخلصه من ذلك العذاب؟! لا يدري لكنه سيحاول فعل أي شيء يجعل وضع صديقه أفضل.

“أنس أحنا هنرجع مصر بكرة ومعانا أروى وقبل ما شروق اليوم اللي بعده ما يجي، فريد هيكون في السجن.”

أعلن رحيم بهدوء وحزم قبل أن يجثو على قدميه ويقترب من أنس ليضمه إلى صدره بقوة فيجهش الأخير بالبكاء داخل أحضان صديقه فهذا هو المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالأمان، حينما يكون إلى جانب رحيم.

في مساء يوم الجمعة كان رحيم قد وصل إلى مصر وبرفقته أنس، أروى وطاقم طبي على أعلى مستوى لمتابعة حالة أروى التي بدأت تتحسن بالفعل لكن لحسن الحظ أنها لم تكن مدركة لما يحدث وأنها لم ترى بوضوح أعين أنس المنتخفة أو وجهه الشاحب.

“أنا هسيب Body guards ‘حراس’ في المستشفى مع أروى ومعاك أنت كمان، وعلى فكرة أنا كلمتلك المحامي بتاعنا عشان نشوف هنعمل أيه في موضوع القضية ده.”

أعلن رحيم وهو ينظر إلى هاتفه حيث كان يراسل المُحامي ليسأله عن الخطوات التي يجب عليهم إتباعها بشأن قضية والد أنس، نظر نحوه أنس بإرهاق وشرود وهو يهمس:

“أروى هتفرح أوي لما تعرف أنه اتسجن.”

“أكيد.”

“رحيم هو أنت كنت عايز ترجع مصر ليه؟” سأله أنس لينتبه له رحيم ويُغلق الهاتف ويضعه في أحدى جيوبه قبل أن يُجيبه كاذبًا:

“حاجة مش مهمة.. خلينا في موضوع uncle فريد الأول.”

“لا أكيد حاجة مهمة اللي كانت هتخليك عايز ترجع أو عايزنا نرجع.” راوغة رحيم لبضع دقائق لكن مع إصرار أنس لم يكن أمام رحيم حلًا سوى إخباره بالحقيقة.

“أفنان هتتجوز، أنا مش فاهم تفاصيل.. هي ميا بس قالتلي كده..”

“تتجوز ازاي يعني؟! هي مالها جرحها بيلم بسرعة كده ليه؟!”

“مش عارف اعمل أيه.. وهي أصلًا عملالي بلوك في كل حتة يعني حتى مش هعرف أكلمها.”

“أنا هقولك هنعمل أيه.. تعالى معايا عالعربية.” أردف أنس ليوافقه رحيم على الفور.

“حاضر.”

“رحيم بقولك أيه هو أنت عرفت مكاني منين؟”

“ال Location ‘الموقع’ بتاعك بيظهر عندي عالموبايل.”

“تمام، بتراقبني يعني.”

“حاجة زي كده، أبعد أنا هسوق.”

داخل غرفة أفنان، وقفت هي تنظر نحو إنعكاسها في المرآة وهي تتنهد بضيق، كانت قد بدأت في ارتداء ثيابها وتبقى الوشاح فقط، اقتحمت ميرال الحجرة بحماس وهي تُردف:

“أفنان ماما بتقولك اجهزي عشان الناس على وصول.”

“خلاص جهزت فاضلي الطرحة بس.”

“ماشي وابتسمي كده للحياة يا أفنان ده أنتي عروسة.”

“عروسة في عينك! أنا مش عروسة ولا زفت.. أنا مش هبقى عروسة غير لحد واحد بس ولو مجاش الحد ده فأنا هفضل قاعدة على قلبكوا مدى الحياة.”

تفوهت أفنان بحنق وهي تنظر نحو ميرال قبل أن تُنهي كلماته بتلك الجملة بنبرة هادئة وواثقة، نظرت نحوها ميرال بدهشة شديدة فأفنان لم تتحدث عنها هي ورحيم بتلك الطريقة من قبل بل كانت تتهرب من ذكر اسمه من الإساس طوال الأيام الماضية ومنذ ما حدث في خطبة ميرال.

“هتبقي عروسة لحد واحد؟ يعني بتتكلمي عن الجواز منه أهو أومال ليه لما كنت بقول الجملة دي زمان كنتي بتمسكي في خناقي؟ هو جد جديد ولا أيه؟”

“لا، محصلش حاجة جديدة.”

أجابت أفنان بإختصار وهي تقوم بضبط وشاحها بالمرآة بينما تبتسم ابتسامة جانبية صغيرة حينما تذكرت الحديث الذي دار بينها وبين والدها حينما أخبرته بمقابلتها بميا ليُخبرها هو بدوره أنه يتوقع أن يأتي رحيم ليزورهم في المنزل عما قريب، لكن في الوقت الحالي قد عقد اتفاقًا مع والدها أن تُقابل ذلك الشاب الذي سيأتي للتقدم لخطبتها اليوم وأن تعامله هو وأهله بُلطف ففي النهاية هم ضيوفًا في بيتهم بالإضافة إلا أنهم أقرباء والدتها من بعيد.

“وريني القمر يا أفنان، بسم الله ما شاء الله عندي عروستين زي القمر.”

“حبيبي يا بابا ربنا يخليك.”

“يلا خليكوا هنا وأنا ورانيا ونوح هنبقى برا وشوية وهخلي رانيا تيجي تيجبكوا عشان تسلموا.”

“نوح؟ يادي العكننة، ونوح يجي ليه بقى إن شاء الله؟!”

“جيه عشان ابن خالتك وفي مقام أخوكي وخطيب أختك، كل ده مش عاجبك يا ست أفنان؟!!” أجابتها والدتها بإستنكار والتي جاءت من اللامكان لينتفض ثلاثتهم ثم يُبسملوا جميعًا.

“لازم يحشر نفسه في كل حاجة أو أنتوا اللي بتحشروه مش عارفة، ماما جرس الباب.”

“متحرجنيش يا أفنان أبوس أيديك.” قالت والدتها لتنظر نحوها أفنان بإبتسامة ساخرة وهي تُعقب على حديثها هامسة:

“متقلقيش يا ماما أنا والسيطرة تحت الأمور.”

أغلقت والدتهم الباب بعد خروجها وبعد دقيقة سمعت أفنان صوت باب المنزل وهو يُفتح ثم يُغلق قبل أن تسمع أفنان جمل ترحيبية متبادلة من الطرفين، كان حديثهم يدور بهدوء ونظرًا لإبتعاد حجرة أفنان وشقيقتها عن منطقة الجلوس فلم تستطع أفنان سماع نصف الحديث الذي كان يدور في الخارج، بعد بضع دقايق فوجئت أفنان بباب الحجرة وهو يُفتح حتى كادت أن تسقط هي أرضًا لإستنادها على الباب في محاولة لإستراق السمع.

“ميرال هتخرج تسلم وأنتي بعدها.”

“حاضر يا ماما أما نشوف آخرتها.”

“وأدي أفنان عروستنا وآخر العنقود.” قالت والدتها وهي تقوم بتقديم أفنان للجالسين مع ابتسامة كبيرة.

“عنقود أيه أحنا اتنين بس أصلًا!” همست أفنان ساخرة بينما ترسم على ثغرها ابتسامة مُزيفة وهي تُرحب بالضيوف.

كان قد حضر الشاب برفقة والديه وشقيقته والذي كان اسمه حسام، هذا ما عرفته أفنان حينما قاموا بتعريفها به، حسام تخرج في كلية الهندسة منذ ثلاثة سنوات تقريبًا ويعمل في أحدى الشركات وله أخت واحدة وتصغره بخمسة أعوام، وبعيدًا عن كون بال أفنان منشغلًا برحيم ففي ظروفًا آخرى كانت أفنان سترفض هذا الشاب على أي حال فهو لديه أختًا وحيدة وتصغره! هذه لعنة مجسدة بلا شك ومن نظرات الفتاة الحادة استطاعت أفنان أن تستشف أنها شديدة الغيرة على شقيقها.

“أخبارك أيه يا عروسة ابني؟”

“الحمدلله يا طنط ربنا يخليكي.”

“طيب عشان نكون على نور يا أستاذ أحمد، أنا حسام ابني عنده شقة ملك في العمارة بتاعتنا في الهرم، الشقة كبيرة ٣ أوض وحمام ومطبخ.. أحنا مجهزين أوضتين منهم وجايبين كمان جزء من الأجهزء الكهربائية واللي تأمروا بيه مش هنختلف عليه.”

بدأ والده في إعلامهم بإمكانيات ابنه بينما لم تنتبه أفنان للحديث كثيرًا حيث كانت تتأمل الشاب، كان متوسط القامة ويميل إلى القصر وليس فارع الطول كرحيم، كانت خصلات شعره المموج تميل إلى الأشقر وليست سوداء كخاصة رحيم، لم يُطلق العنان للحيته وكان واضحًا أنه قد أزالها اليوم أو بالأمس لكن رحيم كان يمتلك لحية كثيفة ناعمة، حمحمت أفنان تحاول إخراج نفسها من شرودها فهي لم تُدرك كم أنها تعقمت بتفكيرها بشأن رحيم بل ومقارنة ذلك الشاب به عن غير عمد..

“ما شاء الله ربنا يزيد ويبارك، بس خلينا بس نشوف الولاد بينهم قبول ولا لا والحاجات التانية دي هنتفق عليها كلها.”

“إن شاء الله هنتفق ما أحنا مش هنلاقي أغلى من بنتكوا ولا أعز من أبننا يعني.”

“وأنتي يا أفنان بقى ارتبطتي قبل كده؟” سألها حسام بغتة لتنظر نحوه ببغض التعجب من سؤاله بل ومن صيغته الصريحة لتُجيبه ساخرة:

“لا، أمتى يا ابني أنا لسه في الكلية وكليتي مش بتديني وقت أعمل حاجة زي كده.”

“خلاص هانت بقى يا عروسة كلها سنة ولا اتنين وتخلصي الكلية دي خالص وتفضي لحسام بقى.” علقت والدته بضحكة مصطنعة لتعقد أفنان حاجبيها على الفور وهي تُردف مستنكرة:

“لا مش فاهمة.”

“ماما تقصد أن بعد التخرج مش هيكون في دماغك حاجة غير بيتنا وولادنا في المستقبل إن شاء الله.”

“ما شاء الله ده أحنا بنط مراحل مرة واحدة، وبعدين لو حصل نصيب يعني هيكون وقتي مقسوم بين البيت والشغل أكيد مش هاجي على حاجة فيهم على حساب التانية.”

“الشغل؟”

“اه الشغل ولا في اعتراض يا باشمهندس؟”

“بصراحة اه، أنا محبش أن مراتي تشتغل، أنا الحمدلله مرتبي كويس وحتى لو كان نقص في الماديات في بداية حياتنا فبابا هيساعد معانا.”

تحدث الشاب بثقة شديدة وهو يعتدل في جلسته بينما طالعته أفنان بإزدراء ونظرات حارقة، تنتبه ميرال لها لذا تدعس على قدمها بخفة لتنبهها، ابتسمت أفنان ابتسامة متكلفة قبل أن تأخذ نفس عميق ثم تُعلق على حديثة بنبرة هادئة بينما كلماتها كانت أشبه بالطلقات النارية:

“لا أنت فاهم غلط خالص يا باشمهندس، أنا مش هشتغل عشان محتاجة فلوس أو عشان أساعد بيها في البيت، أنا هشتغل عشان أنا تعبت في الدراسة السنين دي كلها ودخلت مجال بحبه ومش هضحي بكل ده وأقعد في البيت ولو أنت فاكر إن الشغل عشان الفلوس بس فأنا قاعدة هنا في بيت أبويا معززة مكرمة واكلة شاربة نايمة ومع ذلك بنزل تدريب وهشتغل part time ‘نصف دوام’ الترم الجاي إن شاء الله.”

“خلاص يا ستي تشتغلي لحد أما ربنا يكرمنا ونخلف أظن وقتها مش هيبقى في أعتراض بقى إنك تقعدي في البيت.”

“باشمهندس حسام، رأيك أيه في موضوع الماچستير والدكتورة؟ يعني لو قررت أني أحضر ماچستير بس أو الإتنين يعني.” سألته أفنان بمراوغة وقد توقعت بالفعل إجابته لكنها أرادت أن تُثبت لوالديها كم أنه شخصًا متعجرف وغير مناسب لها بتاتًا.

“بصراحة أنا شايف أنه تضيع وقت ومجهود وفلوس عالفاضي طالما أنتي مش جايلك تعيين أصلًا وبعدين بصراحة أنا شايف أن مجال الصيدلة ملهوش شغل أوي ولا ليه دور فعال يعني.”

“ده أنت لُقطة!” همست أفنان ساخرة، وقبل أن تُعلق على حديثه موبخة إياه سبقها نوح وهو يُعقب على حديث حسام بحدة:

“بس أفنان شاطرة جدًا في الكلية وتقديراتها عالية ومش بعيد إنها تتعين وأنا بصفتي أخوها الكبير وجوز أختها قريبًا إن شاء الله وكمان أنا معيد عندها في الكلية وشايف إن مفيش حاجة تستاهل أنها تضيع كل ده عشانه.”

نظر الكُل بدهشة نحو نوح وكانت دهشة أفنات تفوقهم جميعًا فنوح الذي لم يفوت فرصة لإغاظة أفنان والشجار معها بل وجرح كرامتها يُدافع عنها الآن أمام الجميع؟!! ابتسمت أفنان بنصر قبل أن تُعطي نوح نظرة جانبيه ذات مغزى وكأنها تصفع كفه بكفها ‘High five’.

“كلامك طبعًا يُحترم يا دكتور نوح وربنا يجعل اللي فيه الصالح، ما تقوم كده يا حسام تقف مع أفنان في البلكونة تتكلموا شوية.”

قاطع حديثه صوت رنين هاتف أفنان لتتوتر الأخيرة وهي تستوعب لتوها أنها لم تترك هاتفها في الغرفة، كان رقمًا مجهولًا لذا أغلقت أفنان المكالمة ولكن لم تمر بضع ثوانٍ قبل أن يصدح رنين الهاتف مجددًا ومجددًا، ترمقها والدتها بحدة ليزداد توتر أفنان وتحمحم قبل أن تعتذر منهم بآدب مُردفة:

“معلش يا جماعة عن إذنكوا، في مكالمة ضرورية من الكلية.” تححجت أفنان واستقامت من موضعها دون انتظار رد أحدٍ منهم.

“ألو؟ ين معايا؟”

“أنا يا أفي، مش عارفة صوتي؟” سألها رحيم بنبرة مُستاءة غير معتادة منه لتتفوه الآخرى بإسمه بدهشة شديدة.

“رحيم؟!!!”

“مستغربة أوي؟ ولا نسيتيني ولا أيه؟”

“أيه الأوڤر ده هنساك في كام يوم يعني؟ بقولك أيه أنا لازم اقفل دلوقتي الناس برا ومش هينفع أطول.”

قالت محاولة الهروب من التحدث إليه وإنهاء المكالمة باقصى سرعة لكن جاءها رده سريع وحاد وهو يسألها مستنكرًا:

“والله خايفة على شعوره أوي كده؟ وشعوري مش فارق معاك؟!!”

“أفنان ماما بتستحلفلك وبتقولك انجزي!” أردفت ميرال بتوجس والتي جاءت من خلف أفنان لتنظر نحوها بذعر وهي تنبس:

“حاضر حاضر!!”

“يا رحيم أديك سامع أنا لازم أقفل بجد!”

“أفنان أنتي لو مشرحتيش موضوع خطوبتك ده دلوقتي حالًا أنا هركب عربيتي وأجيلك! وأنس عارف العنوان By the way ‘بالمناسبة’.”

أفصح رحيم عن ما يجول في خاطره لتفتع أفنان عيناها على مصرعيها وهي تتحدث بإنفعال لكنها خفضت صوتها قدر الإمكان وهي تقول:

“يخرب عقلك يا رحيم! أنت أتجننت تيجي فين؟!!”

“أفنان أنتي بجد هتتجوزي حد تاني؟ جاوبيني من فضلك!”

“حد تاني مين؟ وهو مين الأولاني أصلًا؟ رحيم أبوس إيدك مش عايزة فضايح لو سمحت أوعى تيجي! أنا هكلمك أفهمك كل حاجة لما يمشوا بس أقفل دلوقتي من فضلك.”

“ماشي يا أفي، قدامك لحد الساعة عشرة.”

“أنا أسفة جدًا يا جماعة بس كان في حاجة ضروري تبع الكلية.”

“أهو لسه متخطبناش والكلية وخداكي مني من أولها.” علق الشاب قاصدًا أن يُلطف الأجواء أو أن يكون مُضحكًا لكن الأمر جاء بنتيجة عكسية حيث نظرت نحوه أفنان بإبتسامة صفراء أقرب إلى الإزدراء.

نصف ساعة آخرى مملة انقضت في تلك الجلسة السخيفة، لم تجلس أفنان وحدها مع حسام وقد كان ذلك من حسن حظها وبمجرد أن غادروا زفرت أفنان براحة شديدة قبل أن تجلس على الأريكة بإريحية ويعود الجميع للجلوس مجددًا.

“ها أيه رأيكوا؟” سأل والد أفنان وهو يضحك فهو يعلم رأي أفنان بالفعل لكن باغته نوح وهو يُردف:

“أنا شايفة مش مناسب خالص بصراحة.”

“ما تخليك محضر خير يا روحي.” عقبت ميرال على حديث نوح وقبل أن يُدافع عن نفسه سبقته أفنان وهي تدافع عنه مُضيفة:

“تصدقي نوح لأول مرة بيتكلم صح، أنا بصراحة مش حاسة الموضوع خالص.”

“طب نقرأ فاتحة وتقعدوا مع بعض مرة أو اتنين ولو مفيش قبول خلاص.”

“لا يا ماما مش عايزة، أنتوا ضغطوا عليا أقابلهم وأديني قابلتهم وبعدين ده عبيط ده عايزني بعد المرمطة السنين دي كلها في التعليم وبعد سحلة الكلية دي أني أقعد في البيت!! بجد دماغه مسوحاه ده أنتوا تحمدوا ربنا أني مقومتش قسمته اتنين.”

“يعني هو مقتدر ماديًا وعايز يريحك تقومي تعترضي؟ وبعدين أنتي عملتي كام حركة قليلة الذوق جدًا وحوار التليفون ده!”

“اه أعترض عشان ده مش قراره هو ولا حاجة تخصه أساسًا، أنا يوم ما هرتبط بشخص يا ماما هرتبط بواحد يشجعني أطور من نفسي ويساعدني، وموضوع التليفون ده أنا ذنبي أيه؟ مكالمة ضروري وجاتلي.”

“طبعًا لازم يكون بيشجعك وبيساعدك ويا سلام بقى لو يبقى عنده شركة أدوية، مش كده؟” سألها نوح بدون مقدمات لترمقه بحدة ثم تبتسم بخبث وهي تسأله بجدية:

“أيه ده يا نوح؟”

“أيه في أيه؟” سأل بفزع وهو يلتفت حوله بينما نظرت نحوه هي بجدية قبل أن تُردف:

“مفيش لاصلي استغربت لما لاقيت مناخيرك فوشك أصلها على طول في حياتي.”

سخرت منه أفنان قبل أن تستقيم من موضعها وتتجه نحو المطبخ لتبحث عن شيئًا لتأكله وفي طريقها إلى هناك سمعت حديث والديها بالمصادفة وقد كان حديثهم كالآتي:

“ها أيه رأيك في العريس يا أحمد؟”

“هتكلم مع أفنان بس الجواب باين من عنوانه.”

“قصدك أيه؟”

“قصدي أنه مش مناسب ليها وأصلًا مش وقتوا موضوع جواز أفنان ده أنتي شايفة الظروف ضيقة ازاي وبعدين ميرال لسه محتاجة مصاريف كتير.”

“بقولك يا أحمد العريس جاهز وعمتًا هما مش هيختلفوا معانا في تقسيمه حاجة يعني اللي هنقدر عليه هنجيبه ونوح لسه قدامه شوية هو وميرال، ومش معنى أن أفنان اختلفت معاه في نقطة ولا اتنين أنهم مش هينفعوا لبعض.”

“طيب يا رانيا لما نخلص بس جهاز أختها نبقى نتكلم في الموضوع ده، أنا هخرج أقعد مع نوح وميرال عشان ميبقوش لوحدهم.”

“بابا تليفونك بيرن!” صاحت أفنان وهي تنادي والدها الذي ترك هاتفه فوق الثلاجة.

“طب شوفي مين.”

“مش عارفة رقم غريب.” أردفت بصياح ايضًا وهي تتجه نحو حجرة والديها لتعطي والدها هاتفه.

“خلاص قفل.”

“موبايلك أنتي بقى بيرن.” نبهها والدها إلى هاتفها المُضيء الذي في يدها لتنظر نحو الرقم لثوانٍ ثم تُعلق ببلاهة:

“سبحان الله ده نفس الرقم الغريب!”

“لا والله؟”

“اه!”

“طب ردي طيب.” نبس والدها لتنظر نحوه بأطراف متجمدة وملامح متوترة قبل أن تُجيب على الهاتف ليأتيها صوت رحيم للمرة الثانية وفي هذه المرة يُردف بجدية شديدة:

“أفنان من فضلك هاتي Uncle أكلمه.”

“أونكل مين؟” سألته بغباءٍ واضح ليضحك هو على الجانب الآخر بضحكته الساحرة تلك قبل أن يُجيبها بنبرة جادة:

“أيه يا أفنان ركزي مالك؟ Uncle أحمد، Your dad ‘أباكِ’.”

“أونكل أحمد ده اللي هو أبويا؟”

“خلاص لو مش عايزاه يتكلم من تليفونك قوليله يرد على تليفونه هو.”

“أنت.. عايز.. تكلم.. أبويا أنا؟” سألت أفنان بإستنكار وعقلها لا يستطيع ترجمة ما يطلبه رحيم منها وقبل أن يتفوه بحرفٍ واحد كانت قد سقطت هي فاقدة للوعي ليرتطم كلًا من الهاتف وجسدها بالأرض، جاء صوت رحيم ملهوفًا من داخل الهاتف قبل أن يُغلق الخط.

“أفنان! أفنان أنتي كويسة؟ يا ميرال هاتي برفان بسرعة!!” صاح والدها وهو يُحرك وجهها بلطف محاولًا جعلها تسترد وعيها، هرولت ميرال نحوه وهي تحمل العطر قبل أن تساعد والدها في حملها على السرير، لم يستغرق الأمر وقتٍ طويل حتى فتحت أفنان عيناها لتُقابل نظرات القلق على وجه الجميع عدا نوح الذي كان في الخارج بالطبع.

“أنتي كويسة؟”

“ها؟ اه.. أنا أصلي.. مكلتش خالص من الصبح!”

“بابا تليفونك بيرن.”

“متردش!”

“مردش؟” سألها والدها بدهشة لتومئ له بنعم على الفور.

“هو في أيه يا بت أنتي شكلك عاملة مصيبة.” وبختها والدتها بشك لينظر نحوها زوجها ثم يقول:

“رانيا خدي ميرال واستنوا برا الأوضة لو سمحتوا.”

“في أيه بقى ممكن افهم؟ وموضوع مكالمة الكلية دي مش داخلة دماغي.”

“يا بابا بصراحة رحيم كلمني بس والله العظيم من رقم غريب ومكنتش أعرف أن هو أصلًا.” بدأت في سرد ما حدث لينظر نحوها والدها ببعض الشك ثم يتمتم:

“وبعدين؟”

“وبعدين ولما عرفت إن هو وكنت عايزه اقفل فضل يقولي هو أنتي بجد هتتخطبي لحد تاني ولو مفهتمنيش أنا هاجيلك تحت البيت دلوقتي فأنا قولتله هكلمك تاني عشان ميجيش ويعمل فضايح ودلوقتي هو أتصل بيا تاني وعايز يكلمك!”

“ماشي خليه يكلمني أما نشوف آخرتها معاه.” تفوه والدها وهو يزفر بضيق لتنظر نحوه أفنان بتوتر ثم تسأله:

“بجد؟ يعني بجد حضرتك موافق أنه يكلمك؟”

“اه موافق كلميه وخليه يكلمني بس بشرط.”

“اشرط زي ما أنت عايز يا أحلى حجوج في الدنيا.” علقت وهي تنهال على والدها وتُقبل وجنتيه ليقول من بين ضحكاته:

“هتخرجي برا ومش هتقعدي معايا وأنا بتكلم وهتخرجي تتعاملي عادي ومتقوليش لحد فيهم حاجة لحد أما أجيلك ماشي؟”

“حاضر.” تمتمت أفنان بسعادة شديدة وعلى الفور قامت بمهاتفه رحيم والذي أجاب على الفور.

‘ألو..’

‘أفنان أنتي كويسة؟ أنا جايلك حالًا.’

‘لا لا تيجي فين؟!! متجيش أنا كويسة.. أنا بس أغم عليا وفوقوني.’

‘تاني يا أفنان؟ هو أنا بعملك هبوط في الدورة الدموية ولا أيه؟’

‘ما علينا من اللي بتقوله، أنت كنت عايز تكلم بابا صح؟’

‘اه من فضلك.’

‘طيب هو معاك.. أتكلم عربي ها!’ نبهته أفنان وهي تضحك بتوتر لينظر نحوها والدها بسخرية وهو يسألها:

“ليه هو بيتكلم أيه؟”

“نص كلامه إنجليزي يا بابا تحس أنه خواجة كده.”

“ما شاء الله على مجايبك، هاتي التليفون وأتكلي على الله بقى.” سخر منها والدها بتعابيره الهادئة المعتادة لتبتسم هي بتوتر وتُتمتم:

“حاضر..” انتظر والدها لثوانٍ حتى تغادر الحجرة قبل أن يضع الهاتف على أذنه وهو يُرحب بالآخر.

‘أهلًا يا ابني، رحيم مش كده؟’

‘اه يا Uncle أنا رحيم.. أنا مش عارف أفنان حكت لحضرتك أيه عني بس أنا عايز أخد من حضرتك ميعاد وأجي أقابلك Face to face ‘وجهًا لوجه’ ونتكلم في كل حاجة.’

تحدث رحيم دفعة واحدة وقد حاول أن تكون نبرتة ثابتة على عكس التوتر الذي عصب بكيانه كاملًا، مرت ثوانٍ قليلة قبل أن يأتيه رد والد أفنان وقد مرت تلك الثواني كأعوام بالنسبة إليه.. لكن جاءه رد والدها لطيفًا لينًا وهو يُردف:

‘مفيش مشكلة طبعًا تنور في أي وقت يا ابني، بس أنا محتاج أعرف هل هتكون مجرد زيارة ولا ليها مُسمى؟’

‘هيكون ليها مُسمى طبعًا.. أنا جاي لحضرتك عشان أطلب أيد أفنان..’ تفوه رحيم بنبرة جادة لا تخلو من السعادة الواضحة ومشوبة بالتوتر والقلق.

بعد عشرة دقائق تقريبًا غادر والدها الحجرة، كانوا جميعهم يثرثرون بينما كانت أفنان هادئة على غير العادة تنتظر خروج والدها على أحر من جمر وبمجرد أن فعل نظرت نحوه بلهفة وكادت أن تستقيم من مجلسها لولا أن منحها والدها نظرة بأن تجلس في موضعها كما هي، أقترب منهم والدهم ونظر نحوهم بنظرة جادة قبل أن يفتح فمه مناديًا على زوجته بجدية:

“رانيا..” ألتفت جميعهم نحوه منتظرين ما سيأتي بعد ذلك، لم تكن نظرته ولا نبرته تلك مُبشرة بالخير، أطلق تنهيدة طويلة قبل أن يُردف:

“ودي السجاجيد تتغسل تاني وابعتي هاتي طبق حلويات، أفنان جايلها عريس تاني.”

تسارعت نبضات قلب وكأنها خيولًا تركض في حلبة سباق، استقامت من موضعها تنظر نحو والدها بعدم تصديق قبل أن تبتسم ابتسامة واسعة بينما لمعت عيناها وتراقصت فرحًا في محجريهما، نظر جميعهم نحو والدها بإندهاش لا يقوى عقلهم على إستيعاب ما يحدث لتقطاعهم أفنان وقد أطلقت زغرودة عالية اهتزت لها جدران المنزل!

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك رد

error: Content is protected !!