روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الثامن والستون 68 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الثامن والستون 68 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الثامن والستون

رواية امرأة العقاب الجزء الثامن والستون

رواية امرأة العقاب
رواية امرأة العقاب

رواية امرأة العقاب الحلقة الثامنة والستون

 

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل الثامن والستون _
توقفت جلنار بسيارتها أمام مقر شركة الشافعي ثم فتحت الباب ونزلت وقادت خطواتها القوية للداخل .. مرتدية نظارتها الشمسية الخاصة وعلى شفتيها ابتسامة تنضج بسعادة الانتصار ، فقد وصلت لها الأخبار في الصباح الباكر بأن خطتها الشيطانية نجحت وأنها تخلصت من تلك الدخيلة التي تحاول أخذ زوجها منها ! .
كانت تسير بالشركة وهي تعرف جيدًا وجهتها أين ستكون ، ملامح وجهها البريئة والناعمة باتت كلها خبث وبأس يليق بأنثى مثلها .. وصلت أخيرًا أمام الغرفة المقصودة وفتحت الباب دون أي مقدمات لتراها جالسة فوق مقعد مكتبها تدفن وجهها بين راحتي يديها وتبكي بصمت ومن حولها اشيائها الخاصة متجمعة مما يدل على أنها تستعد لمغادرة الشركة والعمل كله .
ابتسمت جلنار مستنكرة ثم أغلقت الباب خلفها وتقدمت نحوها لتقف أمام مكتبها وتنحنى قليلًا هامسة بنبرة تحمل الشماتة والسخرية :

 

 

_ زعلت أوي أوي لما عرفت باللي حصل .. واتمنيت إني لو كان بإيدي حاجة اقدر اساعدك بيها بس للأسف مفيش .. كان في وخلص !
رفعت مروة رأسها عن راحتي يديها ورميت جلنار بنظرة نارية تكاد تحرقها بأرضها من شدة الغضب وسرعان ما وثبت واقفة وقالت منفعلة :
_ انتي اللي عملتي كدا !!
أخفت جلنار ابتسامتها بصعوبة وتصنعت البراءة وهي نجيبها بعدم فهم مزيف :
_ عملت إيه ؟

 

 

مروة بعصبية وحرقة :
_ إنتي اللي خلتيهم ياخدوا ورق الصفقة الجديدة والفلوس ومفتاح الخزنة من مكتب عدنان بيه ويحطوهم عندي في المكتب عشان تطلعيني حرامية ويطردني من الشركة
فشلت في حجب ابتسامتها المتشفية والمتعالية بعد عباراتها .. مما أكد للأخرى حقيقة شكوكها أنها هي المتسببة في كل شيء فصاحت بها مستاءة ومتوعدة :
_ هقول لعدنان .. هقوله إنك انتي اللي ورا اللي حصل .. وهروح دلوقتي كمان واقوله
أنهت عباراتها واندفعت نحو باب الغرفة تنوي المغادرة وتنفيذ وعيدها بأن تكشف مخطط زوجته ضدها لكن صوت جلنار الممتلئ بالثقة والصلابة أضعف من شجاعتها بلحظتها وجعلها تتصلب بأرضها وبعد أن كانت حماستها تدفعها بكل قوة بات ترددها يتحكم بها :
_ وإنتي متخيلة إنه هيصدق الكلام الفارغ ده .. هتحطي نفسك في موقف انتي لا غنى عنه وهتقللي من كرامتك اكتر لأن عدنان مش بيرحم في شغله .. وطبيعي جدا يصدقني أنا
بقت الأخرى مكانها متسمرة بينما جلنار فتقدمت منها واستظارت لتصبح بمواجهتها وتقول بنظرة كلها غضب وشر :
_ أنا حذرتك وقولتلك ابعدي عن عدنان بالذوق بس إنتي مأدركتيش التحذير وتحدتيني
ثم سكتت للحظة وتابعت بعدها بلهجة تحمل التباهي :
_ اظن دلوقتي إنتي عرفتي مين جلنار الرازي .. أو خلينا نقول جلنار الشافعي

 

 

 

 

أنهت عباراتها واستدارت تهم بالانصراف لكنها توقفت والتفتت برأسها تقول في ابتسامة صفراء وهازئة :
_ good luck .. هتوحشينا أوي
ثم فتحت الباب وغادرت لتترك الأخرى تشتعل غيظًا .. ترغب بالانتقام ولكن ليس بوسعها فعل شيء سوى السير من التيار حتى تدعه يلقي بها أينما يريد .. فربما كان هذا هو عقاب محاولاتها للتقرب من رجل متزوج …..
***
فور خروجها من غرفة مروة وكانت بطريقها لمغادرة الشركة لكن الصوت الغليظ والمميز على أذنها جعلها تتجمد مكانها .. بالتأكيد كان صوته .. صوت ” عُقابها ” .
التفتت له بجسدها كاملًا وطالعته بثبات دون أي توتر على عكس نظراته الثاقبة الممتلئة بالشك والتي تقذف الخوف في القلوب .. لينهي الصمت بينهم وهو يمر من جوارها هامسًا بخشونة :
_ تعالي ورايا !
لم تتفوه بحرف واحد .. فقط سارت خلفه منصاعة خلف أوامره في طاعة تظهر نادرًا عليها !! ، وصلا لغرفة مكتبه الخاصة ودخل هو أولًا لتتبعه هي وتغلق الباب خلفها بهدوء .. فتسمع سؤاله المتوقع وهو يقول :
_ كنتي بتعملي إيه في مكتب مروة ؟!
ابتسمت وردت بكل بساطة وهي تقترب منه :
_ ولا حاجة لما جيت عرفت بآخر الأخبار واللي حصل فحبيت اروح أودعها
رأته حاجبه اليسار يرتفع في حركة تلقائية منه عندما يكون غير مقتنع أو الشك يتملكه .. لكنها لم تترك الفرصة له ليتأكد من شكوكه حيث بقت تقف أمامه بكل ثبات وشجاعة كأنها تؤكد له العكس ! .
عدنان بصوت رجولي :

 

 

 

_ جلنار إنتي في حاجة مخبياها عني ؟
هزت رأسها بالنفي وقالت بصوت طبيعي :
_ حاجة إيه ! .. هخبي عنك ايه يعني !
عدنان بنظرة دقيقة :
_ معرفش ، أنا بسألك !
_ لا مفيش متقلقش
القى عليها نظرة دون اقتناع وقال بهدوء :
_ كويس !!!
تابعته بعيناها وهي تراه يستدير ويسير مبتعدًا عنها ليجلس فوق مقعده ويبدأ في متابعة أعماله ، متجاهلًا وجودها عمدًا .. رغم خنقها إلا أنها لم تعلق وسارت بخطوات ناعمة نحو الأريكة لتجلس فوقها وتتأمله بنظراتها وهو يعمل .. على أمل أن يرفع نظره لمرة واحدة ويتطلع لها لكنه كان ماهرًا في التصرف بقسوة مما مزق قلبها ألمًا .
قررت أن تنهي الأجواء القاتلة بالصمت وسألته برقة :
_ مش هتسألني جيت ليه !!
ابتسم ورد بدهاء رجولي ومكر :
_ مش هسألك لأن واضح إن حد قالك على اللي حصل الصبح وجيتي عشان تفرحي فيها
استشاطت غيظًا ووثبت واقفة ثم اندفعت نحوه لتقف أمام مكتبه وتنحنى عليه صائحة بغضب امتزج بنظراتها المتأججة بنيران الغيرة :
_ ومفرحش ليه .. واحدة كانت كل هدفها إنها تقرب من جوزي وتحاول تخطفه مني وعيني عينك كانت بتتحداني .. يبقى افرح واشمت كمان فيها

 

 

 

 

لم يعلق وبقى ساكنًا يحاول الظهور بثبات حتى لا تخونه ابتسامته ، ليقول ببرود ماهر :
_ اقعدي ومش على اي حاجة تعصبي نفسك بالشكل ده .. مش أنا اللي هفكرك بكلام الدكتورة !
كادت أن تجيبه صائحة لكن فور أن تخللت رائحة عطره لأنفها .. أثارت معدتها بشكل سيء وجعلتها فورًا تهرول نحو الحمام .
لحق بها ووقف خلفها يمسك بشعرها ويحاوطها بذراعه هامسًا باهتمام وقلق :
_ جلنار هو الاستفراغ الكتير ده طبيعي .. نروح للدكتورة طيب
توقفت عن التقيؤ بعدما أفرغت معدتها وفتحت مياه الصنبور لكي تغسل وجهها لكنه أبعد يدها بلطف وراح هو يغسل لها وجهها برقة ثم اغلق المياه والتقط المنشفة الصغيرة ليناولها لها حتى تجفف مياه وجهها .. رغم ما فعله وتصرفه العاطفي والجميل إلا أنه لم يشفع له حيث صاحت به بعدما انتهت من تجفيف وجهها :
_ قولتلك مية مرة متحطش perfum ده
_ وأنا إيه عرفني إنك جاية الشركة النهارده !!
صمتت حين لم تجد الكلمات لتجيب عليه .. مرت نصف دقيقة تقريبًا حتى وجدها تقترب منه وتهمس بنظرات مشتعلة تحمل وعيد شيطاني :
_ متتوقعش مني اشوف واحدة بتحاول تقربلك وتاخدك مني واسكت .. لا يمكن اسمح يا عدنان .. واياك تدافع عن واحدة قدامي عشان هتندم
كان مدهوشًا من تحولها الغريب .. كأن زهرته الحمراء الرقيقة أصبحت زهرة صبار قاسية وشرسة ، لا يمكنه اخفاء أن ذلك التحول في ” رمانته ” أعجبه كثيرًا .. وغيرتها المختلفة التي تزداد شراسة تروقه أكثر ! .
تركته واندفعت لخارج الحمام .. ليظل هو مكانه ويطلق عنان ابتسامته أخيرًا وهو يهمس :

 

 

 

 

_ إنتي بقي يتخاف منك يا رمانتي !
***
داخل معرض آدم الشافعي ……
كان يجلس فوق مقعد الرسم خاصته وأمامه لوحته يمر بفرشته عليها في حركة دقيقة ومدروسة وكانت مهرة بجواره تتابعه مبتسمة بإعجاب وحب .. وهو بين كل لحظة والأخرى يلتفت لها وينظر لها بغرام ثم يعود ويكمل .
بعد وقت طويل من الصمت بينهم قطعته هي بهمستها الجميلة :
_ آدم
رد عليها في حنو دون أن يرفع فرشته عن اللوحة :
_ عيونه !
ابتسمت بالبداية كردة فعل تلقائية على كلمته .. لكن سرعان ما تلاشت الابتسامة وتنهدت بعمق ثم اردفت في توتر من ردة الفعل التي ستقابلها منه :
_ إنت مش ناوي ترجع لمامتك وتسامحها !
توقفت يده وانزل الفرشاة ببطء لا إردايًا ثم التفت لها برأسه وقال في غلظة وتحولت نبرته من الحنو والغرام لأخرى يملأها الغضب والخنق :
_ مهرة أنا قولتلك كذا مرة بلاش نتكلم في الموضوع ده
اجابته بقوة وضيق :
_ وبلاش ليه إنت هتفضل طول عمرك مش عايز تكلمها ولا تشوفها يعني

 

 

 

 

رمقها بنظرة منذرة وعينان بدأت تلوح بهم بشائر السخط الحقيقي :
_ مــهــرة
لم تكترث لتحذيراته وأكملت هي مستاءة منه :
_ إنت لو شفتها لما جات عندي كان وضعها وحالتها ازاي .. هتندم أوي وهتكره نفسك .. هي روحها فيك إنت وعدنان ومش قادرة تستحمل بعدكم عنها ، حتى لو هي غلطت متبقوش قاسيين عليها بالشكل ده ، خصوصًا أنها عرفت غلطها وندمت
غضن حاجبيه بدهشة وسألها :
_ جات عندك امتى وفين ؟
أخذت نفسًا عميقًا وردت بهدوء :
_ جات قبل الخطوبة في المكتبة .. كانت جاية تعتذر مني على معاملتها ليا وكل حاجة .. وبجد أنا وقتها حسيت بحبها وتعليقها بيكم وإنها مهتمش لكرامتها ولا كبريائها اللي معروفة بيهم طبعًا وجات واعتذرت مني بنفسها .. بس عشان ترضيك
شعر بتلك اللمعة الصغيرة في أعمق نقطة بقلبه تلين لها .. لكن فور تذكره لأفعالها الشنيعة يعود غضبه ونفوره منها مرة أخرى .. بينما مهرة ففسرت صمته بأن استسلم أخيرًا وثلوج قلبه ذابت وسيسامحها لكنها لم تكن تدري أن هناك طوفان سينفجر بها الآن ، حيث اقتربت منه أكثر وقالت باسمة برفق :
_ قوم بينا يلا نروح لها وقولها إنك سامحتها .. مهما كان غلطها صدقني ميستحقش إنك تخسر مامتك بسببه يا آدم .. كفاية أنها ندمانة
وهاهو الطوفان قد وصل حيث صاح بها بصوري جهوري نفضها مكانها :
_ مهما كان غلطها ! .. طبعا هي مقالتكيش على غلطها ولا عملت إيه ومتقدرش تقول أصلًا .. تصرفي أنا وعدنان معاها ده اقل عقاب ليها بعد كل المصايب والبلاوي اللي عملتها .. متفتحيش الموضوع ده تاني قدامي يامهرة والافضل متدخليش في الأمور العائلية
اتسعت عيناها في صدمة بعد آخر عباراتها ! .. وكأن تلك الجملة الأخيرة انطلقت كسهم مسموم واستقرت بيسار صدرها .. جعلت قسمات وجهها تتقوس وتتبدل كليًا من القوة والحنو إلى خجل وحزن ! .
أماءت برأسها في تفهم وقالت باسمة بمرارة :
_ عندك حق .. أنا آسفة

 

 

 

 

 

 

ثم هبت واقفة تهم بالمغادرة لكنه قبض على ذراعها كأنه أدرك فداحة خطأه الآن وقال بنظرة نادمة :
_ مهرة أنا مكنتش اقصد والله بـ…….
قاطعته وهي تسحب يده ببطء من قبضته وترد باسمة في طبيعية مزيفة :
_ أنا مش زعلانة يا آدم .. وأنت عندك حق أنا مكنش يصح اتدخل .. عمومًا أنا همشي عشان اتأخرت
استقام واقفًا ورد بأسف حقيقي يظهر في عيناه :
_ طيب استنى هوصلك
رفضت رفض قاطع واجابته بحزم :
_ لا ملوش لزمة .. أنا همشي وحدي خليك إنت كمل لوحتك
أنهت جملتها واندفعت مسرعة لخارج المعرض بينما هو فلحق بها شبه ركضًا وصاح عليها :
_ مهرة استنى
اجابتها بقوة وضيق بدأ يظهر في نبرة صوتها :
_ آدم قولتلك همشي وحدي .. والأفضل نتكلم بعدين لما تهدى
جملتها جعلته يتسمر مكانه وهو يتأفف ويلعن حماقته على ما تفوه به !! ……

 

 

 

 

 

***
نزلت هنا أولًا من السيارة قبل أمها واسرعت ركضًا نحو المنزل حيث توجد جدتها .. وكانت جلنار خلفها تسير بهدوء نحو الداخل .
فور دخولهم رحبت بهم الخادمة بكل حب وسعادة بينما الصغيرة فركضت مسرعة للأعلى حيث غرفة جدتها .. وبقت جلنار بالأسفل بعد أن جلست فوق الأريكة .. لتسمع صوت الخادم بعد ثواني وهي تقول :
_ اجيب لحضرتك إيه حاجة تسريبها ياجلنار هانم
نظرت لها جلنار وابتسمت بلطف ثم ردت :
_ شكرًا ياسماح .. بعدين أنا مش غريبة لو عايزة حاجة هقوم اجيبها بنفسي .. إنتي معاكي شغل روحي كمليه
سماح مبتسمة بود :
_ طيب استأذنك أنا بقى
ظلت جلنار مكانها تتجول بنظرها بين أرجاء المنزل بعد رحيل الخادمة وكأنها ترى المنزل للوهلة الأولى .. تشعر بطاقة غريبة تملأ المنزل .. ربما الحزن ، أو التفكك ، كأنه بيت مهجور لا يسكنه بشر !! .
استقامت واقفة من مقعدها لتتحرك ببطء نحو مكتب عدنان الخاص .. فتحت الباب برفق شديد ودخلت ، رائحته كانت تملأ الغرفة بأكملها .. لولا تيقنها من عدم وجوده لكانت شكت باختفائه بين أرجاء الغرفة !! .
أغلقت عيناها وتركت العنان لانفها وروحها في استنشاق رائحته .. الغريب أن تلك الرائحة لم تثير معدتها كالعادة بل أيقظت مشاعر الشوق بثناياها .. ولأول مرة منذ فراقهم يتملكها شعور الرغبة في معانقته والنوم بين ذراعيه .. اشتاقت له كثيرًا .. يبدو أنه لن يكون وحده من يعاني من الآم الشوق !! .
_ ارجعيله !
عبارة خرجت من صوت أنثوي من خلفها .. كانت ” أسمهان ” !!
استدارت جلنار بجسدها للخلف وابتسمت بمرارة ترد عليها في ألم :
_ المرة دي هو اللي مش عايزني
اردفت أسمهان دون تردد :

 

 

 

 

 

_ غباء
ضيقت عيناها بدهشة من أهانتها الصريحة كما ظنتها لكن سرعان ما تابعت وهي تقترب منها :
_ تبقى غبية بجد ياجلنار لو فكرتي كدا .. عدنان مستحيل يكون مش عايزك هو بس عايز يحس بتمسكك بيه وحبك ليه زي ما هو بيحبك .. هو حس كتير إنك بيعاه ومش عايزاه وده اللي مضايقه اكتر من موضوع فريدة
سكتت للحظة ثم أكملت بعينان لامعة بالدموع :
_ أنا كنت غبية وبسبب غروري وشري وحقدي خسرت ولادي .. بلاش إنتي كمان تبقى زي وتخسريه حافظي عليه ومتسبهوش هو محتاجك جدًا
تقدمت منها جلنار وقالت باسمة بلطف :
_ إنتي مخسرتهمش .. ده عقاب وحتى لو كان قاسي عليكي بس لازم تستحمليه .. اللي انتي عملتيه مش قليل واخطائك صعب إنه يتقبلها حد وخصوصًا عدنان وآدم
هتفت أسمهان باكية :
_ أنا مستعدة أعمل أي حاجة عشان يسامحوني
جلنار بصوت رخيم :
_ هما لما يحسوا بندمك بجد هيرجعولك ومسيرهم في يوم شوقهم وحبهم هيغلبهم
نظرت لها وطالعتها بحيرة ثم ردت :
_ طب وإنتي .. ازاي واقفة جمبي وبتواسيني ياجلنار رغم كل اللي عملته فيكي

 

 

 

ارتفعت لثغره بسمة واسعة ثم تمتمت بلطف ورقة تليق بتلك الزهرة الجميلة :
_ انتي كنتي بتكرهيني بسبب حبك لبابا وغيرتك من ماما الله يرحمها .. واحيانًا كنت بعذرك وبديكي الحق إنك تكرهيني لأن دي حاجة مش بإيدك .. لكن ده مش معناه اني سامحت في الأذية وخصوصًا في محاولتك لقتلي أنا وبنتي .. صعب أوي أسامح لكن اقدر أقولك إن ندمك الحقيقي اللي شيفاه قدامي ده خلاني أصفالك شوية
انخرطت أسمهان في نوبة بكاء عنيفة لم يوقفها سوى دخول هنا التي كانت تركض باتجاه أمها .. واسرعت أسمهان في تجفيف دموعها حتى لا تراها الصغيرة ! ….
***
بتمام الساعة الحادي عشر قبل منتصف الليل داخل مقر شركة الشافعي تحديدًا بغرفة الاجتماعات …….
كان يجلس عدنان بمفرده حول الطاولة الضخمة .. يجلس بمقصورتها في مكانه المخصص له .. وعيناه عالقة على اللاشيء أمامه بفراغ ، وعقله شارد في التفكير بزهرته وابنته .. لا يمكنه إيقاف صوته الداخلي الذي يصرخ بكلمة واحدة فقط ” شوق ” .. جزء منه غاضب وجزء يتألم من الفراق .. نصف يريدها أن تكون بين ذراعيه الليلة قبل غدًا ونصف ينتظر رؤية ضوء العشق والرغبة بعيناها .
ربما مر شهر فقط أو أكثر منذ فراقهم لكن الأيام مرت كالسنوات عليه وهو يقضى الليالي وحيدًا بالمنزل .. مفتقدًا لصوت خطوات صغيرة قلبه بالمنزل وصوت ضحكاتها .. مشتاقًا لرائحة ” رمانته ” ومشاهدته له بينما تتنقل أمامه كالفراشة الجميلة .
تعهد بإثبات عشقه الدفين ، لكن الظروف سبقته وحققت تعهده .. تلك الظروف التي قامت هي بصنعها حين اختارت النهاية بدلًا من البداية ! .
رفع كفيه ومسح على وجهه متأففًا بخنق ثم جذب مفاتيح سيارته وهاتفه واستقام واقفًا ليغادر الغرفة ومنها الشركة بأكملها ! .
استقل بسيارته وانطلق بها يشق الطرقات بسرعة شديدة .. وبينما كان ينوي الذهاب للمنزل توقف بمنتصف الطريق بعد تفكير لم يدم طويلًا وغير وجهة سيارته لتصبح وجهته الجديدة نحو منزل نشأت الرازي .
دقائق طويلة نسبيًا وتوقف بالسيارة أمام منزل نشأت ليفتح الباب وينزل ثم يقود خطواته للداخل .. وكالعادة بات الأمر طبيعيًا بالنسبة لبدرية ” الخادمة ” حيث اعتادت على زيارته المسائية هذا كل عدة أيام لكي يطمئن على ابنته وزوجته .. وبكل مرة تستقبل بنفس الحرارة والود وهو يبادلها الابتسامة العذبة .. لكن اليوم كان عابس الوجه ، مهموم ووجه شاحب كأنه لم يذق النوم أو الطعام منذ أيام ! .. حتى أنها طالعته باستغراب ولم تعقب فقط تابعته وهو يصعد الدرج للطابق الثاني حيث غرفة ابنته وزوجته .
تقدم عدنان من غرفة ابنته وفتح الباب بحذر شديد حتى لا يوقظها ثم دخل و اقترب من فراشها وجلس بجوارها على حافته .. لينحنى قليلًا عليها ويلثم شعرها وجبهتها بحنو .. ثم يمد أنامله يكررها بين خصلات شعرها برفق هامسًا :
_ البيت وحش أوي من غيرك ياقلب بابي .. أنا مبقتش قادر ارجع البيت كل ليلة وأنا عارف إن انتي وماما مش موجودين فيه
صمت للحظة ثم تابع بمرارة :
_ رغم إني بشوفكم كل يوم بس مشتقالكم لدرجة لا يمكن حد يتخيلها .. وحشتيني ياهنايا ، ياروح بابي
ثم مال عليها مجددًا وراح يلثم شعرها ووجنتها بعدة قبلات متتالية .. ابتعد بعد ثواني واستقرت في عيناه نظرة دافئة كلها حب أبوي نقي قبل أن يستقيم واقفًا ويغادر غرفتها بنفس الهدوء والحذر .

 

 

 

 

كانت وجهته الثانية معروفة وهي غرفة جلنار .. وصل أمام الباب وفتحه برفق ثم دخل واغلقه خلفه ليتقدم من فراشها في خطوات هادئة .. وقف لدقيقة كاملة يتأملها بصمت وعينان تنضج بالشوق والخزن ثم جلس على حافة الفراش وبعد تفكير عميق مد انامله مترددًا خشية من أن تشعر به وراح يتحسس برقة بشرة وجهها الناعمة وكذلك خصلات شعرها السوداء كسواء ذلك الليل .. حين يراها وهي نائمة هكذا بكل هدوء تبدو تمامًا كملاك جميل نائم عكس تلك المرأة الشرسة والعنيدة التي يراها بالصباح ! .. وأن كان يجب عليه الاعتراف فهو يعشقها بكلتا الحالتين !! ….
مال عليها ولثم جانب ثغرها بقبلة مطولة يصب بها بعضًا من شوقه لها .. قبلته كانت تتحدث بدلًا عنه وتعبر عن كل تخطبات نفسه التائهة في فراقها عنه ! .
رفع وجهه واستقرت عيناه على بطنها المرتفعة قليلًا فانتقل بشفتيه إليها ليطبع عدة قبلات متتالية فوقها وهو بيده يتحسسها برقة شديد .. ابتعد بعد دقائق حين شعر بتلك الدموع المتمردة ستخونه وتسقط ليهب واقفًا يهم بالرحيل لكن ملمس يدها الناعمة وهي تتعلق بيدها جعله يتصلب بأرضه .. يبدو أن أحدهم كان يتصنع النوم !! .. التفت برأسه لها ليجدها تعتدل في نومتها وتطالعه بعينان لامعة بالندم والأسف وتهمس :
_ خليك ياعدنان
طالت نظراته الصامتة والدقيقة لها قبل أن يستدير مجددًا ينوى الرحيل لكنها أسرعت هذه المرة ووثبت واقفة تلحق به وتقف حاجزًا بينه وبين الباب تمعنه من المغادر هاتفة بأسف ورجاء :
_ أنا آسفة !
بقى صامتًا دون أن يجيب يتصارع مع ذلك الصوت الذي يصرخ عليه بأن يقبل اعتذارها .. لكنه عناده وأبعدها برفق من أمام الباب هامسًا في خفوت :
_ تصبحي على خير
جملة مغايرة تمامًا عن اعتذارها وندمها وتلك اللمعة التي بعيناها وتصرخ بشوقها له .. ألم يرى الرغبة الجامحة بعينيها ؟!! .
تركته يرحل وهي مصدومة ودموعها تنهمر بصمت فوق وجنتيها .. لوهلة انتابها شعور باليأس وأنه لم يعد يريدها حقًا أو يحبها كالسابق لكن جملة أسمهان قذفت بذهنها وإعادتها لوعيها ” تبقى غبية بجد ياجلنار لو فكرتي كدا .. عدنان مستحيل يكون مش عايزك هو بس عايز يحس بتمسكك بيه وحبك ليه زي ما هو بيحبك .. هو حس كتير إنك بيعاه ومش عايزاه وده اللي مضايقه اكتر من موضوع فريدة ” .. ربما قد حان دورها هي لتثبت له حبها !!! .
***
بصباح اليوم التالي ……..

 

 

 

بعد تفكير طويل وعميق طوال الليل حسمت قرارها بأن اليوم سيكون هو بداية النهاية .. لكن لن تكون نهايتها هي بل النهاية التي أرادها هو منذ البداية ! .
وها هي تقف الآن باب منزلها .. اخرجت المفتاح ووضعته بالقفل ثم فتحت الباب ودخلت .. أخذت نفسًا عميقًا فور دخولها ، تعد نفسها لمعركة ليست هينة في محاولة نيل مسامحته واصلاح خطأها .
قادت خطواتها المتريثة للطابق العلوى من المنزل وهي تبتسم بحب وحماس امتزج ببعض الخوف .. وبيننا كانت منشغلة بالتفكير إذا بها فجأة تجد نفسها أمام باب غرفتهم .. تنفست الصعداء مطولًا ثم مدت يدها للمقبض وفتحت الباب برفق شديد لتدخل وكما توقعت كان مازال نائمًا في فراشهم ولم يستيقظ بعد .. علت شفتيها ابتسامة عريضة ومتشوقة لتتقدم منه

 

 

 

وتجلس بجوار رأسه في الفراش وتتمعن النظر به وهو نائم تتأمله مبتسمة بحب .. رغم أن لحيته وشاربه نموا وأصبحوا أكبر إلا أنهم لم يزيدوه سوى وسامة ورجولة .. لا تعرف ما المشاعر الشوق والحب الجامحة التي تسيطر عليها هذه ربما قد تكون بسبب هرومانات الحمل أو لا تدري ! .. لكنها وجدت نفسها دون أي تردد أو تفكير تدنو منه وتلثم وجنتيه بقبلات عميقة وحارة .. ولم تتدارك نفسها إلا حين رأته يفتح عيناه ويتطلعها بنظرة مذهولة .. بعدها فورًا وجدته يلتفت برأسه حوله وكأنه يتأكد أنه استيقظ ويعود وينظر لها مجددًا لتخرج من بين شفتيه الطف واغرب جملة على الأطلاق تخيلت أن تسمعها منه :
_ هو أنا لسا بحلم ولا إيه !!!
………………. نهاية الفصل …………..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *