روايات

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الحادي عشر 11 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الحادي عشر 11 بقلم شمس محمد

رواية صدفة لم تكن عابرة البارت الحادي عشر

رواية صدفة لم تكن عابرة الجزء الحادي عشر

صدفة لم تكن عابرة

رواية صدفة لم تكن عابرة الحلقة الحادية عشر

“ها قد نِلنا ما أردناه، وأصبح لنا ما وددناه”
*************************
وصل “رائف” لبيته بحالٍ يُرثىٰ له، لم يؤلمه الحريق ولم تؤلمه النيران بقدر ما ألمه معرفة من تسبب في ذلك، الأمر يشبه أن اليد التي من المُفترض أن تمتد نحو جرحك تُهديء نيرانه، هي نفسها التي امتدت تضغط على ذلك الجرح تُزيد من وجعه و ترفع ألمه، لم يشعر بنفسه سوىٰ وهو يقف على بابها يطرقه دون أن يعي لذلك، فُتِحَ له الباب لتطل هي منه ترتدي حجابها، وحينما وجدته أمامها سألته بدهشةٍ من وقوفه أمامه بتلك الهيئة، ملامحه التي ظهر عليها الانكسار، وعينيه الحمراوتين بعدما كانت ترى فيهما الصفاء و براءةٌ تُشبه براءة الأطفال، فقالت بنبرةٍ غلفها الخوف:
“مالك يا رائف ؟؟ أنتَ عامل كدا ليه ؟؟ مش كنت كويس؟؟”
ضغط على جفونه حتى لا يبكي أو يظهر ضعفه أمامها ثم فتح عيناه يقول بصوتٍ متحشرجٍ:
“موافقة نكتب الكتاب بعد بكرة؟؟”
اتسعت عينيها ببلاهةٍ زفرغ فاهها، فأضاف هو بغلبٍ وصوتٍ منكسر:
“أنا عاوزك يا منة….محتاجك معايا، عاوز أقوى بيكِ أنتِ، موافقة ؟؟؟؟”
لم تتوقع عرضه عليها في ذلك الوقت بتلك الطريقة، نعم هي تحبه وهو أيضًا يحبها، لكن تصل الأمور لعقد قران بتلك السرعة ؟؟ دون أن يعرفان بعضهما جيدًا ؟؟ بماذا تنطق وماذا تقول ؟؟ بينما هو حينما طال صمتها ابتسم بوجعٍ ثم قال:
“كنت متأكد إن دا ردك عليا، تصبحي على خير يا منة”
قال حديثه بمرارة الخذلان الذي تذوقه بل تجرعه بالكامل أيضًا، بينما هي وقفت كمن سُكب عليها دلو المياه الباردة في ليالي قارصة البرودة، ولكن هل الخذلان الذي تذوقه هو و صدمتها من حديثه في كفتين متساويتين أم أن هناك منهما من خسر الأخر بسبب طريقته ؟؟.

 

قبل أن يختفي أثره تمامًا خطت بخطواتٍ واسعة وهي تقول بنبرةٍ جامدة:
“اســـتنىٰ عندك يا رائف !!”
كان صوتها مُتهدجًا أقرب للبكاء، فيما توقف هو عن التحرك ولم يلتفت حتى لها، بينما هي وقفت مقابلةً له تقول بصوتٍ باكٍ:
“هو أنتَ ليه كل حاجة تحصل تتخلىٰ عني ؟؟ ليه بتتلكك علشان تسيبني يا رائف ؟؟”
كانت تتحدث بنبرةٍ باكية وهي تعاتبه، بينما هو رفع رأسه والعبرات تلمع في مقلتيه وما إن أبصر الدموع على وجهها، حينها قال بصوتٍ متحشرجٍ:
“يعلم ربنا اللي خلاني مشوفش غيرك أنتِ، أني مش عاوز غيرك يا منة، أنا لو عليا عاوزك دلوقتي قبل بكرة، موافقة يا منة نكتب الكتاب بعد بكرة وتكوني ليا، أنا محتاجك معايا، الأيام مش بتعدي من غيرك وأنا مش بخير عاوزك معايا، أنا تعبت يا منة تعبت أوي”
ازدادت الدموع و سالت على وجهها، فابتسم بتهكمٍ وهو يقول:
“حتى دلوقتي مزعلك مني ومخليكي تعيطي، مش عاوزك تعيطي بسببي”
مسحت دموعها ثم قالت بصوتٍ مختنقٍ نتيجة البكاء:
“أنا مش بعيط بسببك، دي دموع الفرح على فكرة”
بدا الاستنكار على ملامح وجهه من جملتها الأخيرة، فيما قالت هي بنبرةٍ هادئة:
“بكرة الصبح تقول لبابا ولو وافق ننزل نجيب الفستان سوا، ولا هتنكد عليا كمان من غير فستان حتى ؟؟”
رفع اصبعيه يفرك عنياه، ثم رفع رأسه لها يقول بنبرةٍ هادئة لا تخلو من التحشرج:
“مقدرش والله، اليوم دا هيبقى اليوم اللي ربنا جبر فيه بخاطري أخيرًا، وأنا طول عمري مكسور الخاطر يا منة”
حركت رأسها موافقةً بقلة حيلة وعينيها ثابتتين عليه بينما هو تنهد بعمقٍ ثم قال:
“ادخلي نامي علشان كدا غلط، يلا ومعلش بقى تعبتك معايا”

 

سألته بلهفةٍ قبل أن يستأنف حركته نحو الأعلى:
“هو إيه اللي حصل وصلك لكدا ؟؟ مالك يا رائف؟؟ باين إنك مش كويس، احكيلي طيب”
نظر لها بانكسارٍ ثم أردف بنبرةٍ خافتة:
“مش هعرف أقولك حاجة دلوقتي علشان لو قولت هضعف، لما تكوني ليا و يحقلي ألمسك و أقرب براحتي هقولك على كل حاجة، تصبحي على خير”
نظرت في أثره بتعجبٍ، بينما هو هرب من أمامها يود الاختلاء بنفسه، يريد أن يشعر بالأمان، حاله يشبه من يسير عاريًا في الظلام وسط البرودة يود أن يجد المأوىٰ لنفسه، ولولا التعقل لكان أتخذ من عناقها ملاذًا أمنًا له، لكن فقط المسألة ترجع لعدة ساعات وستصبح له بعدها بالكامل.
ارتمى في غرفته على المقعد، ثم ارجع رأسه للخلف يشعر بالألم و التعب، لقد لاحق الكثير من المعاناة، فإلىٰ أي وقتٍ سيبقى حاله هكذا ؟؟.
*************************
جلس “ماجد” يفكر في كيفية الهروب من ذلك المأذق الذي وُضع به، لقد أدخل نفسه في تلك الدوامة حتى يحصل على مبتغاه، وفي نهاية المطاف سيخسر كل ذلك ؟؟ بالطبع لا؛ لقد عرف دومًا بالانتصار، لذلك عليه أن يترأف قليلًا حتى يصل لما أراده، تنهد بعمقٍ تاركًا التفكير لحين إشعارٍ أخر.
*************************

 

في اليوم التالي جلس “رائف” مع “خليل” و معه أيضًا “رامز” شقيقه الكبير، فتحدث أخيه بأدبٍ:
“أنا عارف طبعًا أنه صعب أوي يا عمي في يوم وليلة كدا رائف يطلب بكتب كتاب كدا بس الحقيقة يعني الظروف مش مضمونة وأنا أضمن إن رائف يحطها في عينيه، قولت إيه ؟”
رد عليه “خليل” بعدما عبر ببصره على الأوجه بأكملها تقريبًا ليقول:
“منة كلمتني وقالتلي إنها موافقة، وبصراحة أنا كمان موافق على الأقل لما يكونوا سوا أو حتى يبدأوا يجهزوا للفرح يكون كل حاجة بشرع ربنا، زي ما أنا مخلي مصعب كدا يراعي ربنا في خطيبته، اتمنى رائف يراعي ربنا في بنتي”
تحدث “رائف” بلهفةٍ:
“في عيني والله العظيم، بس قولي إنك موافق علشان بكرة نكتب الكتاب، موافق يا عمي؟؟”
ابتسم “خليل” وكذلك “مصعب”، فيما نطق الأول موجزًا بكلمةٍ واحدة:
“على بركة الله، نقول مبروك”
تنهد “رائف” بارتياحٍ وها قد ظل للحلم خطوةً واحدة، ليحقق ما يريده، لذلك ابتسم بسعادةٍ حينما وجدها تخرج من الداخل تمسك صينية التقديم وعليها العصائر، فيما قال “رامز” بهدوء:
“ألف مبروك يا آنسة منة، ربنا يتمم فرحتكم بخير إن شاء الله”
تحدث “رائف” بعدما أخيرًا حرك بصره من عليها لينظر لوالدها:
“بعد إذن حضرتك يا عمي، بكرة كمان هلبسها شبكتها، هي موجودة بس لو عاوزة تغير حاجة فيها أنا موافق”
سألته “هنية” باندفاعٍ:
“الشبكة دي ذوق مين يعني ؟؟”
حاول التحكم في نفسه وهو يجاوبها مُتشدقًا:
“ذوقي أنا، خير إن شاء الله”
ابتسمت تثير غيظه بقولها:

 

“لأ خلاص طالما ذوقك يبقى حلو، كفاية إنك مختار بنتي يعني، أكيد فَهيم”
لم يمنع نفسه من الابتسام لها، لذلك حرك رأسه موافقًا بقلة حيلة، بينما “مُصعب” سأل بنبرةٍ تبدو مقررةً:
“ها يعني خلاص اعتمد التجهيزات لبكرة ؟؟ أخر كلام؟”
رد عليه “خليل” مؤكدًا:
“إن شاء الله أخر كلام، بكرة في المسجد هنكتب الكتاب، ونيجي هنا يلبسها شبكتها و يحتفلوا سوا مع بعض”
تنهد “رائف” ثم نظر لـ “مصعب” نظرة فهمها الأخر فحرك رأسه مومئًا له دون أن ينتبه لهما أيًا من البقية، بينما “مـنة” على الرغم من العُجالةِ بالموضوع إلا أنها كانت تشعر براحةٍ غريبة، فيكفيها أنها ستكون معه هو، لذلك كانت تراقبه مبتسمة وهو يجلس بجوار أخيه حتى قاما سويًا ومعهما “مصعب” مر أخيه بجوارها ومر أخيها أيضًا، بينما هو حينما مر من جوارها مال على أذنها يقول بنبرةٍ خافتة أقرب للهمس:
“ابقي داري فرحتك و حبك ليا شوية، مش معقول كدا وشك منور من ساعة ما وافقوا، عيب”
رفعت رأسها نحوه بسرعةٍ وقبل أن تنطق نافيةً حديثه، طالع عيناها بعينيه ثم قال بصدقٍ:
“عيونك مبيكدبوش يا مـنة”
أخفضت رأسها سريعًا بينما هو اعتدل ثم طالع والدها يعتذر له بنظراته، فيما حرك “خليل” رأسه بقلة حيلة حتى تحرك الأخر من أمامه، بينما هي ما إن أدركت ما يصير حولها تدرج وجهها بحمرة الخجل من الموقف بأكمله ومن احراجه لها أمام والدها.
*************************
في شقة “كرم” كان “فكري” جالسًا ينتظر المكالمة الهاتفية وعينيه تنظر بتوعدٍ أمامه ينتظر المكالمة الهاتفية، وقد حدث ما يريد وارتفع صوت هاتفه، حينها ضغط على زر الإيجاب و رد بإيجازٍ على المتصل:
“استناني في المكان اللي اتفقنا عليه يا ماجد، وعاوز الفلوس تكون معاك، طالما رائف وصلي و ضربني يبقى مش هسكت، وكدا منك ليه بقى”

 

زفر “ماجد” بضجرٍ ثم أبعد الهاتف يَسبهُ بنبرةٍ خافتة، ثم أعاد الهاتف من جديد على أذنه يقول بنبرةٍ جامدة:
“عرفت خلاص مش عاوز رغي، أنزل أنتَ وأنا هجيلك لحد عندك، بس قبلها عندي مشوار مهم”
أغلق “ماجد” في وجهه دون أن ينتظر رده، بينما “فكري” ألقى هاتفه على المنضدة بجواره، فتفاجأ بالباب يُفتح كما الإعصار و طل منه “باسل” بوجهٍ مُكفهر، فرفع بصره له، حينها اقترب منه “باسل” يسأله بنبرةٍ جامدة:
“أنتَ اللي اتفقت مع ماجد تحرق محل ابن عمتك ؟؟ أنتَ اللي عملتها”
زفر “فكري” بضجرٍ ثم رد عليه:
“باسل الله يرضىٰ عليك مش ناقصاك هي، الموضوع خلص خلاص، ضعفت قدام زن ماجد عليا، بعدين مالك محموق ليه مش أنتَ برضه كنت هتلعب في دماغه لحد ما تشاركه في المحل؟”
رد عليه بنبرة أقرب للانفعال:
“كنت هشاركه مش هخرب بيته، قولت يبقى معايا ونبقى قصاد بعض وأهو برضه ابن عمتي ومسير الدنيا بينا تصفىٰ، إنما كدا يا فكري ؟؟؟ كل حاجة بتحلها بالعنف ؟ فاكر برضه لما روحنا نتكلم معاه ولقيتك جايبله صحابك ؟؟ وخليت شكلنا زفت قدام الكل علشان داخلين ببلطجية على ابن خالنا ؟؟ يا اخي ملعون ابو شيطانك اللي بيسوقك كدا”
خرج من الغرفة كما دخلها بغضبٍ بينما “فكري” ظل كما هو ضائعًا لم يدري ماذا يفعل، لايدري ما الصواب وما الخطأ، لكنه لازال ضائعًا، فياليت ما مر من الزمن يعود.
*************************
وصل “ماجد” لنفس المكان الذي حدده له “فكري” بعدما اتفقا أن يكون هو موضع المقابلة، وصل متأفأفًا، ينظر حوله بضجرٍ ثم دلف المدخل الذي سبق وأخبره به “فكري”.
وقف في مكانٍ يشبه شقة تحت الانشاء أو ما شابه ذلك، وبعد دخوله قد أُغلِقَ الباب من خلفه فالتفت ينظر بنظراتٍ ثاقبة، لكنه لم يجد أحدًا خلفه، لذلك عاد إدراجه أن يعود حيث أتى، فوصله صوتٌ يعلمه جيدًا أتيًا من خلفه يقول بتهكمٍ:
“على فين يا أستاذ ماجد؟؟ ولا تحب أقولك يا معلم ماجد؟؟”

 

التفت “ماجد” بلهفةٍ فسأله “رائف” بسخريةٍ:
“إيه مزعلاك يا معلم ؟؟ معلش يا حبيبي، ماهو اللي يحرق ويخطط كدا يبقى معلم، يحرق محل أكل عيش الناس من غير ما يحس بالنار وهي بتحرق قلوبهم، بس أنا برضه هلعب معاك”
ابتسم له “فكري” وهو يقول بنبرةٍ باردة:
“مش هتعرف تعمل حاجة يا رائف، خلاص الموضوع فات وخلص، أنا جايب هنا قرشين حلوين لابن خالك خُدهم أنتَ أولىٰ بيه من الغريب، وسيب منة بقى للي يقدرها، على ما أظن إنك مش قد الجواز دلوقتي”
ابتسم له “رائف” ثم قال بنفس طريقته التهكمية:
“مش قد الجواز دلوقتي ليه ؟؟ تحت الانشاء لسه ؟؟”
اقترب منه “ماجد” يقول بنفس البرود بحديثٍ يقطر منه الخبث:
“لأ بس مش معاك اللي يخليك تكمل في الجواز، لا فلوس ولا شغل حاليًا، وممكن يبقى مصيرك زي مصير المحل كدا، صدقني الاضرار حواليك كتير تخليك ترجع عن قرارك وتسيبهالي أنا هقدر أسعدها”
كان حديثه يرسل له التهديد دون أن يُفصح عن ذلك صراحةً، بينما “رائف” قد وصل لذروة الغضب خاصةً حينما ذكرها بتلك الطريقة، فقد اندفع نحوه يمسك في تلابيبه وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
“دا عند أمك يا حيلة أمك”

 

فور انتهاء جملته لكمه في وجهه ثم الصقه بالحائط يضرب رأسه به بغلٍ يحرق صدره كما رأىٰ باب رزقه يحترق أمامه، بينما “ماجد” حاول دفعه حتى نجح في ذلك وسقط “رائف” أرضًا، حينها اقترب منه “ماجد” وقد أوشك على ضربه بالمقعد، لكنه تفاجأ بكفٍ أخر يُمنع حركة يده، وحينما نظر جهة صاحب ذلك الكف وجد “مصعب” يقول بسخريةٍ تهكمية:
“هو الدكر اللي في بيتكم كان فين و أنتَ بتتربىٰ ؟؟”
قبل أن يدرك “ماجد” وجوده أو ما يصير حوله تفاجأ بـ “مصعب” يلكمه في وجهه حتى أطرحه أرضًا ثم أمسك المقعد الموجود يضربه به على جسده، وقد وقف “رائف” بعدما تحامل على نفسه و اقترب من “مصعب” يدفعه بعيدًا عنه، ثم ضربه في وجهه عدة لكماتٍ متتالية، حتى آثار الأخر استفزازه بقوله:
“اضرب يا رائف، برضه مش هتعرف تعمل حاجة، اسألها كدا كام مرة كنت ابصلها بس اخليها تسكت ومتفتحش بوقها ولا حتى لما أطلب حاجة كانت بتنفذها غصب عنها، سيبني كدا وأنا اوريك مقامك”
اخفض “رائف” جسده على جسد الأخر يقول بنبرةٍ أقرب للهمس كما فحيح الأفعىٰ:
“طول عمرك عِرة والدليل إنك أهو بتتشطر على واحدة ست وفخور بنفسك رغم إنك تربية و***، بس تقول إيه ؟؟ ربنا وعدك بـ شر تربية الرجالة الناقصة”
رفع جسده من جديد ثم أمسك رأسه يضربها بالأرض حتى شارف الأخر على الاغماء، بينما “مصعب” جلس على ركبتيه امامه ثم سحبه من فروة رأسه يقول بنبرةٍ أعربت عن الغل الكامن في قلبه تجاه ذلك الحقير:
“صدقني أنا أكتر واحد مغلول منك، كل مرة كانت بترجع معيطة بسببك وكل مرة حست فيها أنها قليلة وكل مرة اتسببت فيها أنها تزعل حلفت لأخد حساب كل دا، ربنا يكفيك شر حمقة التوأم لبعض، وبكرة بقى كتب كتابها على رائف في نفس الوقت اللي هترحل فيه على النيابة”
اتسعت عينيه فور حديث “مصعب” الذي وصله بينما أضاف الأخر باستفزازٍ:
“أصل عقبال ما نباركلك على التأبيدة الكبيرة كدا الليلة دي هتشرف في الحجز إن شاء الله، بس مش قبل ما اصفي حسابي”

 

صفعه بالقلم على وجهه ثم قال بنبرةٍ جامدة:
“دا القلم اللي كنت هتضربهولها، ودا القلم اللي كان المفروض اضربهولك من أول مرة زعلتها فيها، ودا علشان تتعلم الأدب”
كل جملة قالها تبعها صفعة على وجه “ماجد” وحتى الآن لم يُصاب بأية جروح تظهر على وجهه أو حتى تجعله يتألم، بينما “رائف” حتى يشعر باخماد النيران بداخله، أمسك زجاجة ملقاة على الأرض ثم ضربه بها على رأسه حتى فقد الوعي تمامًا وحينما تأكد “رائف” من ذلك ألقى الزجاجة بعيدًا ثم بصق عليه وهو يتشدق بنذقٍ:
“داهية تحرق اللي خلفك”
تحرك “مصعب” نحو الباب يفتحه وقد كان ينتظره “رامز” في الخارج برفقة “معاذ” الذي سأله بلهفةٍ:
“ها يا مصعب ؟؟ تمام؟؟”
حرك رأسه موافقًا فدلف “رامز” نحو أخيه يطمئن عليه بينما “رائف” شعر بمشاعر غريبة عليه حيث بدا كما الطالب في أول أيام دراسته يَهاب الجميع حتى يجد والدته أمامه، لذلك ركض نحو شقيقه يرتمي عليه، بينما “رامز” ابتسم بحبٍ ثم ربت على ظهره وهو يقول:
“هتفضل طول عمرك زي العيل الصغير كدا يا رائف، تعمل المصيبة وترجع تترمي في حضني، مش عارف لحد أمتى هفضل احضنك كدا”
رد عليه “رائف” بضياعٍ وهو يشدد مسكته له:
“لحد أخر يوم في عمري يا رامز، متعملش زي أبوك وتسيبني وتمشي، أنا مليش غيرك”
ربت “رامز” على خصلاته ثم قال يمازحه بعدما ابتعد عنه يطالعه:
“ياض بطل كئابة بقى، دا منظر واحد هيبقى عريس بكرة ويكتب كتابه يعني ؟؟ يلا يا وش الفقر خلينا نشوف ورانا إيه”
حرك رأسه موافقًا، بينما “معاذ” قد دلف لهم وهو يقول بثباتٍ:
“عملت اللي قولتلك عليه؟؟ كل دا أنا هسلمه مع التقرير بتاع المحل، علشان حقك ميضيعش يا رائف”
حرك رأسه موافقًا فتنهد “معاذ” بينما “رامز” سأله مندفعًا:
“طب وفكري يا معاذ ؟؟ هيحصل إيه؟؟”

 

حرك كتفيه ثم قال بحيرةٍ:
“والله دا شغل تحقيقات يا رامز، لو ماجد جاب سيرته يبقى كدا هيدخل في الموضوع لو مقالش و رائف كمان مقالش كدا فكري برة الليلة، يلا بس علشان منتأخرش، صاحبي مستنينا”
تحركوا من المكان بعدما أخذوا “ماجد” معهم حتى ينقله إلى رفيقه الذي سيتولىٰ سير التحقيقات و العمل على القضية، بينما “رائف” عاد إلى بيته فها هو قد حصل على حقه وناله برضا تام، والآن هو على موعد مع فرحته.
*************************
انتهى ذلك اليوم على تلك النهاية المعلومة وهي أن “معاذ” تولىٰ التعامل في الإجراءات القانونية برفقة صديق عمره، بينما “مصعب” عاد مع “رائف” ثم قاموا بسرد كامل الحكاية على الجميع وقد تعجبت “منـة” من الحديث الذي يُقال أمامها حتى بكت دون أن تشعر، فسألها “مصعب” بتعجبٍ:
“بتعيطي ليه يا مـنة؟؟ أنا كويس و رائف كويس وأنتِ كمان كويسة، مستحيل كنت أوافق على علاقة زي دي، أكيد كنت هرفضها وكنت برضه هسلمك لرائف، لاني اكتر واحد كنت عارف أنه بيحبك”
ردت عليه بنبرةٍ باكية:
“أنا بعيط على اللي كان ممكن يحصلي لو كملت في علاقة زي دي، طلع مؤذي أوي، حقك عليا يا رائف كل دا كان بسببي، ياريتني ما فكرت أوافق عليه حتى”
تحرك من مقعده ثم سحب منديلًا ورقيًا يمده لها ثم قال بصوتٍ رخيم:
“مش عاوزك تتأسفي ولا تعتذري على حاجة مش بايدك يا منة، كل دا نصيب ومكتوب ليا وليكِ علشان ربنا يقرب الطرق ما بيننا، أوعي تعيطي حتى لو كان بسببي أنا”
رفعت رأسها تطالعه ويا الله كم كان الفرق بينهما واضحًا ؟؟ شتان بينهما حيث كان الأول هو السبب في بكائها و الأخر يخشى عليها من الدموع حتىٰ، ابتسمت له وابتسم هو الأخر ثم مد كفه لها بالمناديل الورقية حتى اخذتها منه، بينما قال هو يشاكسها بقوله:

 

“بعدين المفروض طنط هنية هي اللي تعتذر أنها وثقت في حمار زي دا، أنا عارف كانت بتحبه على إيه ؟؟”
ضحك الجالسون على حديثه، بينما “هـنية” قالت بضجرٍ:
“خلاص يا حبيبي خلاص يا بابا مش هنفضل نرغي كتير، حصل خير لحد كدا ربنا يعوض عليك ويسعدك إن شاء الله”
نظر لـ “منة” يقول بنبرةٍ هادئة. وكأنه يرد على حديث والدتها:
“بكرة هيعوضني إن شاء الله”
*************************
في اليوم التالي كانت “منة” تنظر من نافذة المسجد على مصلى الرجال بالاسفل حيث جلس والدها يضع كفه في كف “رائف” حتى يتم عقد القران.
_”بـــارك الله لَكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير”
أنهى المأذون عقد القران في المسجد بتلك الجملة لتنتشر الهمهمات والهماسات تبارك للعروسين في احترامٍ لبيت الله و وقوفهم به، بينما “رائف” رفع رأسه لأعلىٰ حيث مكان وقوفها لتتصل نظراتهما ببعضهما فلم ينتبه أيًا منهما إلى من حوله بل غاص في نظرات الأخر وكل منهما يفكر في الركض نحو الأخر والارتماء بين ذراعيه.
استمرت المباركات بين الرجال وكذلك النساء، بينما “مالك” ركض نحو “منة” يحتضنها ويبارك لها بحبٍ شديد وبجواره والدته التي قالت بقلة حيلة:
“مستحملش حتى يخلص الجلسة ويجيلك، أول ما صدق جري علطول علشان يكون معاكِ ألف مبروك يا حبيبتي”
ارتفعت “منة” بعدما كانت في نفس مستوى الصغير ثم قالت بوجهٍ مبتسمٍ:
“الله يبارك فيكِ يا حبيبتي، ربنا يباركلك فيه يا دنيا وتشوفيه أحسن واحد كمان”
أتت “ميادة” تبارك لها فردت عليها “منة” بودٍ:
“عقبالك يا رب يا ميادة، ربنا يكرمك إن شاء الله ويفرحك”
أتت “إنعام” لهن وهي تقول بحماسٍ:

 

“مـنة أنا فرحانة أوي وعاوزة ازغرط يلا نروح علشان خاطري، نفسي أوي ازغرطلك، يلا”
ابتسمت لها “منة” وهي تقول بيأسٍ:
“نفسي تهدي وتبطلي شقاوة بقى، بس بجد ربنا يباركلي في وجودك طلعت عينك معايا من امبارح”
احتضنتها “إنعام” وهي تقول بتأثرٍ وبنبرةٍ أقرب للبكاء:
“لو متعبتش علشانك هتعب علشان مين يعني ؟؟ أنتِ أختي الكبيرة وطول عمرك حبيبتي”
ابتسمت “مـنة” ثم ربت على ذراعها وهي تسألها بمرحٍ ساخرٍ:
“أنتِ كدا بتثبتيني يعني؟؟ طب أبقى عمتو الحرباية إزاي يعني دلوقتي ؟؟”
ردت عليها ببلاهةٍ وبضحكةٍ واسعة قالت:
“بسيطة اخلفهم أنا وربيهم أنتِ الحرابيق دول”
أتت “رنا” شقيقة “رائف” تقترب من العروس تبارك لها بقولها:
“ألف مبروك يا عروسة، والله الواد رائف دا محظوظ خد الجمال دا كله لحسابه، ربنا يسعدكم وعقبال الليلة الكبيرة”
اقتربت منها “منة” تحتضنها ثم رحبت بها وبعد مرور دقائق قليلة رحلت النساء بعدما تم الطلب منهن.
عاد الجميع إلى البيت وفي الأسفل كان “رائف” يقف بجوار “مصعب” و “باسل” و “كرم” معهم ثم اقترب من “رائف” يبارك له ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“أنا ماكنتش أعرف حاجة عن اللي فكـ….”
أوقفه “رائف” بقوله:

 

“أنا مليش دعوة ومش عاوز اسمع حاجة منك، وحقي وصلني بزيادة وكفاية أني مجبتش سيرة ابنك في حاجة بس لو ماجد عمل كدا أنا مليش فيه، أظن كدا عداني العيب، عن اذنك علشان أعديك أنتَ كمان”
تحرك من أمام خاله يقف بجوار “مصعب” يهمس في أذنه بطلبه، فتحرك الأخر من امامه، بينما “باسل” أخرج هاتفه يطلب رقم شقيقه فوصله الرد من الأخر وقبل أن ينطق، تحدث “باسل” بنبرةٍ جامدة:
“لو مجيتش يا فكري أنا بنفسي هروح أبلغ عنك وأحمد ربنا إن سيرتك لحد دلوقتي مجاتش، تيجي وتقف معانا بدل ما أموتك أنا واخلص منك، مفهوم ؟؟”
رد عليه بقلة حيلة:
“أقسم بالله لبست ونازل يا باسل خلاص، قولتلك جاي ياعم، دقايق وهكون عندك”
أغلق الهاتف مع أخيه ثم اقترب من ابنه يحمله وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
“عقبال ما أشوفك عريس أنتَ كمان كدا وافرح بيك يا حبيب بابا، ويخليك ليا و ميوجعش قلبي عليك”
رد عليه “مالك” بنبرةٍ ضاحكة:
“عاوز اتجوز واحدة زي ميس منة”
قبله “باسل” على وجنته ثم قال بسخريةٍ:
“هي ميس منة بقت تارجت ولا إيه ؟؟ كله عاوز زي ميس منة”
في الأعلى اقترب “مصعب” من شقيقته يمسك كفها ويأخذها حيث غرفته، بينما هي قبل أن تنطق بتعجبٍ تفاجئت بـ “رائف” يقف في الغرفة ثم قال بثباتٍ:
“تسلم يا مصعب نردهالك في ليلتك إن شاء الله، اتكل بقى علشان عاوز مراتي في كلمتين”
غمز له “مصعب” ثم قال يحذره:
“أنا واقف برة لو فكرت تقل أدبك هقل منك عادي”

 

خرج “مصعب” بينما هي التفتت بخجلٍ تهرب من نظراته حتى تفاجئت به يقف خلفها ويضمها إليه وكفيه يحيطان خصرها، فاقشعر بدنها من قربه بتلك الطريقة التي تعرفها للمرةِ الأولىٰ، بينما هو حرك رأسه ثم قبل وجنتها ثم وضع وجنته بجوار وجنتها وهو يقول بنبرةٍ خافتة:
“كان نفسي أقول إن المعركة كانت صعبة بس حاربت بأخر نفس علشانك، بس غصب عني أنا طفحت الكوتة في المعركة دي”
حاولت التحدث لكن صوتها فر بعيدًا عنها وبقيت جامدة كما هي ، أما هو فكان كما الطير الذي يختبر الحرية للمرة الأولى، حتى تحرك يقف مقابلًا لها يروي عطشه لها، يمرر بصره عليها وهي تخفض رأسها للأسفل بخجلٍ، يكفيه التعقل ويكفيه كل ما ذاقه من الحرمان لذلك خطفها بين ذراعيه يشدد مسكته لها وقال بشوقٍ جارفٍ ظهر في نبرته:
“أنا لو وقعت مسجون في حبك مش عاوز حاجة تحررني، مـنة أنا بحبك”
تبدو وكأنها تسمعها منه للمرة الأولى لذلك حركت رأسها نحوه تطالعه بعينين دامعتين، فتنهد هو بعمقٍ ثم ضمها إليه من جديد يضع رأسها على صدره ثم قال بصوتٍ متحشرجٍ:
“من أول يوم فكرت فيه إن كل حاجة ضاعت مني كان نفسي أكون معاكي وبحكيلك كل حاجة، كان نفسي تكوني ليا برضاكِ، مش عاوز منك تحبيني بس كفاية إنك تكوني معايا”
حركت رأسها نفيًا ثم قالت بلهفةٍ تمحي بها ظنونه تجاه حبها:
“بــس أنـا بحـبك يا رائـف”
نظر لها بدهشةٍ من اعترافها _الغير متوقع _ في تلك اللحظة بتلك السهولة وقبل أن ينطق هو الأخر فُتِح باب الغرفة ودلف “مُصعب” يقول بلهفةٍ:
“فكري عمل حادثة وهو جاي على هنا على الطريق برة يا رائف”

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صدفة لم تكن عابرة)

اترك رد

error: Content is protected !!