روايات

رواية يناديها عائش الفصل الحادي عشر 11 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الحادي عشر 11 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الحادي عشر

رواية يناديها عائش الجزء الحادي عشر

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الحادي عشر

دع الأيّام تفعل ما تشاء وطب نفساً بما حكم القضاء
….

بعد أن أدت هاجر صلاة العصر بخشوعٍ تام، واقفه أمام مولاها وحبيبها، وذهنها خالي تمامًا من التفكير في كبد ومشقات الدُنىٰ، لا يعنيها سوى شيئًا واحداً فقط وهو “رضا الله والجهاد في إرضاءه”
تهيئت للجلوس مكانها على سجادة الصلاه وتلك عادتها اليوميه بعد كل فرض تؤديه،تجلس تناجي الله كما لو أنها تراه،تناجيه بتضرع وقلب عبدٍ أنهكه المرض وأذلته الأحزان،تناجيه بقلبٍ متعلق بحسن الظن بجلالته.
ضمت كفيها وأطبقت عينيها تتنفس ببطء وسكينه،ثم رفعت كفيها قليلاً وأخفضت وجهها بإستحياء من جلوسها بين يدي مالك المُلك لتبدأ دعاءها بصوتٍ يكاد أن يكون مسموع، يشوبه الإنكسار والحزن
— الحمد والشكر لك يارب والصلاة والسلام على آخر الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا محمد خير خلق الله آجمعين،ياارب اشفيني شفاءًا لايغادر سقما،اللهم لاتجعل مرضي عبئًا على أهلي،اللهم لاتحملهم مالاطاقة لهم به،ياارب اهدي سيف أخويا ورده لباب التوبه قبل فوات الآوان،يارب ريح قلب بدر أخويا واجمعه بعائشه بنت عمي في الحلال،يارب ارحم بابا ونور قبره،يارب ارزق ماما زياره لبيتك الحرام،يارب..
سكتت لوهله تستجمع شتات نفسها،فقد كانت على وشك الإنفجار في البكاء،استطاعت حبس دموعهها بمهاره ثم دعت قائله

— يارب لو مليش نصيب في زياد،ارزقه واحده أحسن مني تحبه ويحبها وتألف بين قلوبهم الموده والرحمه يارب،يارب فرح قلب زياد ونور طريقه يارب
إنتهت من دعاءها،ولم تستطِع كتمان ضعفها أكثر من ذلك،فهطلت الدموع تغرق وجنتيها كما يهطل الغيث من سماءٍ ملبده بالغيوم.
كورت نفسها لتنام على سجادة الصلاه، وظلت لدقائق تبكي في صمت،وكأن آلام وأحزان البشر أجمع تكتلن في قلبها،وابتدأ المرض الخبيث مفعوله في خرق جسدها كالسيوف ببطء،فاإذداد الألم أضعافا،ولكن الألم النفسي وماتستشعره في كل ثانيه تتذكر بها حبيب طفولتها”زياد” هو الطاغي على الألم الجسدي.
مسحت دموعهها بوهن بعد دقائق،وارتسمت نصف ابتسامه رقيقه على شفتيها المنتفخه إثر إرتجافها أثناء البكاء،وهي تسترجع بزاكرتها ثاني أجمل أيام حياتها بعد أولها وهو ختامها لكتاب الله.
لم تنسى أبدًا تلك اللحظه التي قامت فيها زوجة عمها والدة زياد بتلبيسها خاتم الخطبه بديلاً عن زياد؛لأنه مازال لايجوز لها كي يمسس جسدها بأي شكلٍ كان.
لم تنسى أيضاً نظراته الحالمه والهائمه بها بعشقٍ واضح في مقلتيه وكأنها إحدى إنتصاراته.
أما هي أرغمت نفسها على عدم مبادلته النظرات حتى لا تقع أسيره لعينيه الرمادتين الفاتنه،فأخفضت رأسها في الحال خوفاً من الله وخجلاً من تحديق زياد بها.
تنهدت ببطء وحزن حين تردد في قلبها وعقلها معاً،تلك الجمله التي قالها لها أمام أخيها بدر دون أن يخجل، واحتلت وتينها بجداره

“خلاص ياصغيرتي،بقيتي بتاعتي”
صغيرتي!.
نعم،تلك الكلمه التي أطربت مسامعها وجعلت وجنتاها تشتعلان خجلاً وعشقاً،فصارَ كأنما نُثر بقايا ورودٍ حُمر عليها،فتلونَ به،ولم تكن تلك أول مرّةٍ يقول لها زياد “صغيرتي” فقد كانت تلك الكلمه مخصصه لهاجر فقط منذ أن كانت طفله،يحملها على ظهره ويركض بها مثل الخيل،متسابقاً مع ابن عمه “بدر الشباب” وهو يحمل عائشه أيضًا على ظهره عندما كانت في عُمر الرابعه،ومنذ أن كانت الفتاتان صغيرتان،تعاهدا الشابين على مصونتهم كما تصان قطع الألماس،حتى يكبرانِ ويتقدمان للزواج منهما.
ضحكت بخفه حين تذكرت غيرة بدر أخيها عليها من زياد كلما قال لها “صغيرتي” فيأتيه الرد سريعاً من بدر بلكمه على ظهره ونهره قائلا
“احفظ لسانك وبطل سهوكه،ليك بيت يلمك لما تكتبوا كتابكم ”
يا هاجر الغدا جاهز،يلا ياحبيبتي عشان تتغدي ونروح للدكتور
كان هذا صوت والدتها الذي أخرجها من شرودها فيما مضى زمنيًا ولم يمضي من زاكرتها.
كفكفت هاجر دموعهها سريعًاثم أجابت
— حاضر ياماما،جايه أهو

قامت هاجر بعد أن مسحت على وجهها بهدوء تستغفر وتسبح الله ثم خرجت من غرفتها لتعود لهيئتها المرحه التي تصطنعها أمام عائلتها دائمًا حتى لا تزيد الهم والحزن عليهم.
قالت باسمه وهي تساعد والدتها في وضع الصحون على مائدة الطعام
— ياماما مش كنتي تسيبيني أصوم الأيام الحلوه دي،ده أنا بستناها كل سنه بفارغ الصبر وتيجي ياست مفيده ياقمر انتي تفطريني غصب عني،لأ وكمان متصوميش عشان خاطر ماافطرش لوحدي!
أجابتها والدتها ضاحكه
— هو أنا عندي يعني كام هاجر،وبعدين ربك رحيم بعباده،بكره تخفي ياحبيبتي ولو حبيتي تصومي كل يوم محدش هيمنعك،بس جسمك الضعيف ده مش هيستحمل تاخدي العلاج ده كله على لحم بطنك
ابتسمت بحُب وهي تتطلع لوالدتها التي ورغم آلام الظهر التي أصابتها مؤخرًا،إلا وأنها لم تشتكي يومًا وتدعي دائمًا أن جسدها على مايرام كليًا،وتقصد قول ذلك حتى لاتقلق أبناءها عليها،وتستطيع مراعتهم جيدًا.
ارتمت هاجر في أحضان والدتها فجأةً،ثم انخرطت في البكاء رغمًا عنها،فأصابت مفيده الدهشه للحظات قبل أن تضمها إليها وتربت على ظهرها بحنو وهي تقول
— في إيه ياهاجر،بتعيطي ليه يابنتي
لم تتلقَ جوابًا، فعاودت القول بحزن جليًا على ملامحها
— طب بس ياضنايا،بس يابنتي،متعيطيش،متوجعيش قلبي عليكي ياهاجر أكتر ماهو موجوع
ابتعدت هاجر عن أحضان والدتها قليلا ثم همست باكيه

— أنا أسفه ياماما،بس غصب عني بحس باليأس وإن طاقتي خلصت،خايفه ياماما،خايفه افقد ثقتي بنفسي وبربنا،أنا عندي الموت أهون من إن أزعل ربنا مني ياماما،بس غصب عني تعبت،مبقتش قادره أقاوم أي حاجه تاني ياماما،أنا أسفه إني مشيلاكم فوق طاقتكم،سامحوني بالله عليكم
لم تستطيع والدتها تمالك نفسها أمام ضعف إبنتها وإنهيارها بتلك الطريقه المؤلمه،فشاركتها البكاء وهي تهمهم بوهن
— إخص عليكي ياهاجر،بقا إنتي مشيلانا فوق طاقتنا! ده إنتي حته مننا يابنتي،إن مكناش إحنا نشيلك ونتعب عشان نشوف ضحكتك اللي منوره حياتنا مين يعمل كده! طب ده بدر أخوكي عنده الدنيا دي كلها في كفه وإنتي لوحدك في كفه ،متقوليش كده تاني وتوجعي قلبي يابنتي
أومأت هاجر وهي تجاهد أن تحبس باقي دموعهها كي لا تُتعب والدتها أكثر من ذلك،فهي تدرك جيداً أن عائلتها تُحبها ولكن لاتستطيع إنكار أنهم مرّوا بعُسر مادي لعامٍ كامل بسببها حين إكتشفوا هذا المرض اللعين الذي شق طريقه لجسدها الهزيل بقوه،وحينها لم تكن حالتهم الماديه تسمح لهم بالذهاب لأكثر من مشفى وإجراء لأكثر من عمليه لها،ويعد مرضها هذا سببًا من الأسباب التي جعلت بدر يستمر في عمله بالورشه متغاضيًا عن التعليم أو إستكمال دراسته ،وأيضًا سيف الإسلام شقيقها الذي يُكبرها بعامٍ واحد ليس له ذنب بأن يُحرم من مطالبه وإحتياجاته الخاصه،خصوصًا وأنها تعلم أن تكاليف جامعة الطب تحتاج لمبلغ مالي يعادل المبلغ الذي ينفق على علاجها سنويًا،هي لاتقصد جلب الوجل والهم لعائلتها ولكن المرض ليس من شأن أي أحدًا منا.

قالت مفيده بإبتسامه جميله راضيه
— عارفه ياهاجر،أبوكي الله يرحمه كنا في مره مزنوقين في قرشين كده والحاله كانت متسرش لا عدو ولا حبيب،الله يرحمه مكنش بيكشر ولا يحزن أبدًا،كنت أقوله ياحج ألا أنا مشفتكش في مره قاعد زعلان عشان ممعكش فلوس ولا بتشتكي لربنا من الفقر ودايمًا حامده وشاكره على كل حاجه،مع إن في ناس مبتقدرش تصبر على البلاء وبتيأس بسرعه.
عارفه رد قالي إيه ياهاجر، الله يرحمه كان عنده صبر وايمانه بربنا كبير أوي،
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام عن جزاء الصابرين: (إنّ قوماً يأتون يوم القيامة يتخلّلون رقاب الناس حتّى يضربوا باب الجنة قبل الحساب. فيقول لهم: لم تستحقّون الدخول إلى الجنّة قبل الحساب؟فيقولون: كنّا من الصّابرين في الدنيا.
الحديث ده عمري مهنساه أبدًا،عارفه كل إما الدنيا تشتد عليا وأحس باليأس،افتكر الحديث ده وإن اللي بيصبر أخرته جنه،ويابخته اللي مكتوبله الجنه ونعيمها يابنتي
عادت هاجر لترسم ابتسامتها الرقيقه،ثم قبْلت يد والدتها لتهمس
— استغفر الله العظيم،ربنا يسامحني ويصبرني
آجابت والدتها بحنوٍ وهي تشير للطعام
— يارب ياحبيبتي،اقعدي خلصي أكلك كله يلا
أومأت مبتسمه، ثم شرعت في أكل طعامها بتلذذ بعد أن بسملت بهمس تحت أعين والدتها الحزينه لأجل فقدان إبنتها الوحيده ريعان شبابها.

قالت هاجر شاكره والدتها
— تسلم إيدك يافوفا ياقمر إنتي،الأكل يجنن
ضحكت مفيده بخفه وقالت
— بألف هنا يابنتي،مطرح مايسري يملي
إنتهى إثنتيهم من تناول الطعام، وقامت هاجر بغسل الصحون ومع كل صحن تقوم بغسله تُذكر اسم الله وتسبحه، تلك عادتها اليوميه عند عمل أي شيء.
انتهت من غسيل الآواني والصحون، ثم اتجهت لتجلس أمام والدتها كي تقوم بعمل شعرها الأحمر الطويل جديله، الذي بدا خِفته واضحه إثر جرعات الكيماوي، ثم تسامرا قليلاً في بعض المواضيع العامه حتى دوى آذان المغرب،فقامت على الفور اثنتيهم لتلبية النداء وتأدية صلاة الفريضه،
ثم اتجهت كل واحده منهم لإرتداء ملابس الخروج،وتكونت ملابس هاجر من خِماراً بني اللون متناسق مع بشرتها البيضاء وفستانًا واسع باللون البني مختلط بالأبيض،وارتدت والدتها ملابس بسيطه مكونه من عبائه سوداء وخماراً رصاصي اللون.
هاتي معاكي ياهاجر صينية الكيكه اللي أنا عملاها لعمك محمود وعائشه من الفرن
قالتها مفيده وهي تنحني لترتدي حذائها.

آتت هاجر بالصينيه دون أن تسأل والدتها عن سبب قيامها بعمل الكيك لهم،فتلك عادة والدتها الأسبوعيه،تقوم بعمل كل أسبوع صينيه من الحلويات وتعطيها لأحد أبناءها يُعطيها لعمه،وفي غالب الأوقات تقوم بالطهي لعائشه ووالدها وتعطي الطعام لبدر ليعطيه لعمه،نظرًا لعدم معرفة عائشه طرق طهي الأطعمه.
اتجهت هاجر ووالدتها لبيت عائشه المجاور لبيتهم،وما إن اقترب اثنتيهم من باب البيت،حتى ارتسمت علامات الدهشه على وجوههم من أصوات الموسيقى الصاخبه القادمه من الداخل.
نظرت هاجر لوالدتها بدهشه،ثم أردفت قائله
–عائشه بنت عمي أول مره تعلي صوت الأغاني كده!هو فيه إيه؟
بادلتها والدتها نظرات الدهشه دون أن تجيب،لحظات وفُتح الباب،لتظهر عائشه أمامهم مرتديه عبائه مخصصه للرقص الشرقي،بالكاد تصل لبعد رُكبتيها بقليل،وتلف حول خصرها وشاح مطرز ومخصص للرقص.
هتفت عائشه بلهجه فرحه
— انتوا هتفضلوا واقفين كده،تعالوا ادخلوا هو أبيه بدر مقالقوش ولا إيه ؟
تبادلت هاجر ووالدتها نظرات الدهشه ثانية،ثم أردفت مفيده بتساؤل
–يقولنا على إيه؟

قالت عائشه وهي تتجه لتطفئ صوت الموسيقى الصاخبه
— إن خطوبتي بكره
صاحت هاجر بسعاده
— بجد.!!
أخيراً ياشوشو، والله ووقعتي ياجميل
صمتت لوهله تغمز لوالدتها بفرح؛ فلم تفهم مفيده المغزى من وراء تلك الغمزات، فقالت متسائله
— خطوبة مين !! هو في إيه !؟
هتفت هاجر سريعًا
— أبيـه بدر ابنك ياست الكل زينة الشباب،شكلوا كده كان عاملهلنا مفاجأه ومخبي علينا إنه هيخطب حب طفولته ست الحسن والجمال عائشه
جحذت عين عائشه بدهشه وكذلك مفيده،فكانت نظرات عائشه تعبر عن الصدمه والدهشه الشديده المصحوبه بالغضب والغيظ.

لماذا يريد الجميع تزويجها من بدر ؟
ألا يعنيهم حرية إختيار شريك حياتها بنفسها؟
هي فقط تعتبره ابن عمها،وفي مقام والدها أيضًا،نظرا لرعايته لها ولتوليته تربيتها منذ نعومة أظافرها.
نعم،فهي لم تعرف شعور الإحتواء والحب من قِبل أبويها،لم تعِش تلك الأجواء المليئه بالدفء الأسري،نظرًا لإنشغال والدها عنها قبل أن يصيبه هذا المرض الآثم.
ولا تتذكر بتاتًا أن قامت والدتها بإحتضانها كما تفعل الأمهات مع أطفالهن،لم تتذكر يومًا أنها تلقت رعايه كامله من أبويها منذ أن كانت طفله،كل ماتتذكره هو أن والدتها كانت تأتي في ساعات متأخره من الليل،تعطيها بعض قطع الحلوى ثم تذهب للنوم،لتختفي في الصباح ككل يوم مع والدها.
لم تجد ملاذًا أمنًا يحميها ويحتويها سوى بدر ابن عمها،الذي أصبح بمثابة الأب والأم لها.
تتذكر جيدًا حين كان يقضي ساعات الليل بجانبها يعطيها في أدويه، ويطعمها حتى تشفى من بعض الوعكات الصحيه التي يصاب بها الاطفال بعمر السابعه، لم تنظر له يومًا على أنه سيصبح زوجًا لها، فقط هو ابن عمها ومدللها لا أكثر ولا أقل من ذلك.

لماذا إذن يريد الجميع تزويجها من ذلك الذي يكبرها ب ثلاثه عشره عامًا !؟
هل هو الحب! لا لا مستحيل هو يحبها فقط مثل ما يحب سيف وهاجر أشقائه، نعم هذا هو ما تعتقده عائشه.
أخرج عائشه من شرودها صوت مفيده قائله
–هو بجد بدر قال لأبوكِ إنه بيحبك وعاوز يتجوزك؟
إذدادت دهشه عائشه مردفه
– بيحبني ! أبـيه بدر بيحبني وعاوز يتجوزني !؟
شعرت هاجر بأن هناك خطب ما،وعلى مايبدو أنها تفهمت حديث عائشه بشكل خاطئ،فأردفت متسائله
— ثواني..عائشه..هو انتي بتتكلمي عن خطوبتك من مين !؟
كانت عائشه في شرود تام فيما قالته زوجة عمها بخصوص بدر،بدأت الأحداث السابقه كلها تُترجم في ذهنها بشكل واضح،إذن بدر يغار عليها حقًا !
سبب تعصب بدر الدائم من أمير هو أنه مغرم بفتاته الصغيره ! ماذا لو صدق قول زوجة عمها وكان بدر يُحبها حقًا! ماذا سيكون رد فعلها هي.! ماذا عن أمير !لم تشعر يومًا أنه يغار عليها مثل بدر !
ولم يقدم لها أي نصائح بخصوص ملابسها الغير محتشمه بخلاف بدر الذي كان يحاول يوميًا أن يرسخ في ذهنها أن ماترتديه وماتفعله لا يمد للإسلام بأي صله! وأن ماتفعله من حماقة الشباب متنافيًا تمامًا مع أخلاقيات الإسلام الصحيحه. !
لوحت هاجر أمامها لتخرجها من شرودها هاتفه
— روحتي فيين !مين اللي واخد قلبك كده يابت ومخليكي عامله فرح في أوضتك
ابتسمت عائشه بفتور ثم ألقت نظره سريعه على ملابس هاجر المحتشمه،كأنها تقول لنفسها مالذي يدفعها لإخفاء جمالها وراء هذا الرداء الرهط !

قطبت عائشه حاجبيها بإستنكار مردفه في نفسها
— إيه القرف اللي هي لابساه ده.! بقى بدر عاوزني ألبس الخيمه والقرف اللي هي لابساه ده ! ده في أحلامه! تلاقي زياد سابها عشان دافنه نفسها في الخمار بتاع العواجيز ده
تحدثت عائشه بصوت واضح وهي تأخذ صينية الكيك من هاجر
— شكراً ياجوجو،شكراً ياطنط مفيده،على العموم قراية فتحتي بكره على الشخص اللي كنت بتمناه دايمًا،الوحيد اللي حبيته وحبني،وأبـيه بدر المفروض كان عرفكم
قالت مفيده بإيماءة رأس وابتسامه فاتره
— ربنا يسعدك ياعائشه،متقلقيش يابنتي أنا وهاجر هنجيلك من الصبح ولو عاوزه هاجر تبات معاكي انهارده مفيش مشكله،بس عندها جلسة كيماوي كمان شويه لو جينا بدري هخليها تجيلك
فكرت عائشه قليلا ثم أردفت
— اممم ماشي ياطنط خليها تيجي
ابتسمت لها زوجة عمها تودعها برسميه بعد أن وصتها ترسل تحيتها لوالدها نظرًا لأنها محرم عليها أن تصافحه أو تتواجد معه في مكان واحد دون محرم معها.
ثم سحبت مفيده هاجر من يدها والتي شردت الآخيره في عدة أمور متشابكه،جعلت الظنون تُقرع في رأسها كما يقرع المرء على الطبول.

أغلقت عائشه الباب وراءهم ومن ثَم دلفت لداخل غرفتها،فسمعت والدها يناديها بصوت منخفض من الإعياء
— عائشه..عائشه هاتيلي كوباية مايه أخد العلاج ولو في أي حاجه عندك تتاكل هاتيها يابنتي الله يرضى عنك
خرجت عائشه وهي تتأفف بضجر،ثم أعطت له بعض الخبز والجبن مع كوب من الماء وقالت بملل
— أووف… أنا زهقت منك..أنا مش شغاله خدامه عندك عشان كل شويه تناديلي…دي بقت عيشه تقرف
فرت دمعه من عين والدها متمتمًا بحزن
— بكره أموت وأوحشك ياعائشه،محدش بيحس بقيمتك اللي بيحبوه غير لما يروحوا منه ياعائشه
رمقته عائشه ببرود قائله
— هو أنا شفت منك حب انت وماما اللي مش فاكرلها حاجه حلوه دي عشان اترحم عليها حتى
أطرق محمود رأسه بحزن شديد،فهي لها كل الحق فيما تقوله،لم يرعوها حق رعايه حتى تكِن لهم أيّ إحترام أو حب.
تذكر أول مره التقى فيها بزوجته الراحله سُهير، حين كان يرقص في أحد الملاهي الليليه بثماله ويلقى بالمال على رأسها وهي ترقص أمام جموع الناس الذين غُيبت عقولهم إثر إحتساء الخمر بكثره.
تنهّد محمود بندم وحزن قائلاً
— سامحني يارب.. ربنا يرحمك ويسامحك ياسهير.. استغفر الله وأتوب إليه

خرجت هاجر ووالدتها من بيت عائشه متجهين للطبيب المختص بمتابعتها.
أثناء مرور هاجر من أمام بيت زياد، فوجئت به يخرج من بيته منكسرًا حزينًا، تأملته للحظات بدون وعي منها لتجده واقف أمامهم ينظر لها مبتسمًا ويقول
— السلام عليكم، ازيك ياهاجر، ازيك ياعمتي
انتبهت هاجر لوجوده فأشاحت بوجهها عنه ثم ردت التحيه بجمود لتجذب والدتها التي تفاجئت هي الآخرى من ردة فعل ابنتها.
تنهّد زياد بحزن على حالتهم،فاليوم من المفترض أن يكون عقد قرانهم، ولكن النصيب بيد الله وحده
التفتت هاجر وراءها خلسة تترقب خطواته وقد بدأت الظنون تساورها من أمر ما.
ما لبثت أن تبعته بعينيها رغمًا عنها للحظات حتى فوجئت باتجاهه نحو بيت عائشه،توقفت هاجر مكانها تنظر له ببلاهه ولم تعي نظرات والدتها المتعجبه منها،لحظات ورجح ظنها وبالفعل دلف زياد لبيت عائشه !
—————————-

ٳن الله يعلم القلب النقيّ، ويسمع الصوت الخفي، فإذا قلت يا رب فإما أن يلبي لك النداء أو يدفع عنك البلاء أو يكتب لك أجرًا في الخفاء
……..

ظلت روان تبتسم بسعاده شديده،فإحدى أمنياتها تتحقق الأن،أخيرًا وجدت من سيساعدها للتقرب من الله،أخيرًا وجدت يد العون مُدت لها،وكان الله رحيمًا بها،فوضع هدايتها على يد روميساء تلك الفتاه التي رغم صغر سنها،إلا وأنها تركت مفاتن الحياه وتعلقت بحبل الله،ومن يتعلق بحبل الله ويقع !
لحظات وتحول وجه روان للعبوس هامسه
— أنا عاوزه أقضي الليله معاك تحكيلي عن دينا أكتر بس المغرب أذن وبابا هيزعقلي لو إتأخرت
قالت روميساء مازحه وهي تتجه للمطبخ
–أختااه،لا تقلقي..حد يكشر وأنا في حياته،إنك تسودين وجهي وهذا غير لائق،الغي رحلتشي
ضحكت روان بتعجب،فهي لم تكن على علم بأن روميساء تمتلك حس فكاهي رغم تدينها هذا،من قال بأن القريب من الله لايضحك أبدًا،بل لايشقى عبدُ يقول ربي الله ليس لي سواه.
خرجت روميساء من المطبخ وهي تُنادي على أشقاءها ووالدتها كي يستعدوا لكسر صومهم،فاليوم هو أول يوم من العشر الأوائل من ذي الحجه.
علمت روان أنهم صائمين ولكنها تعجبت من صومهم في غير رمضان،ظنت لوهله أنهن يصومن الإثنين والخميس كما يفعل بعض المتدينين،ولكن اليوم هو الأحد!
أعطت روميساء كوب العصير لروان قائله بتبسم
— اشربي يارورو بألف هنا

ابتسمت روان بخجل ثم همست في أذن روميساء
— أنا مبصومش اتنين وخميس زيكم
أدركت روميساء أن روان تجهل الأيام التي يحب الله أن يصوم عباده فيها، فأرادت ممازحتها حتى تذهب عنها شعور الخجل
— ايه ده! شوفتي احنا شبه بعض في حجات كتير ازاي،أنا كمان بنسى كتير،خصوصا بقا الأيام والتواريخ مقولقيش ياااه ده أنا يبنتي قربت أنسى نفسي..اشربي اشربي ياكش يطمر فيكي وتعزميني في مره على كوباية عصير قصب
تحررت روان من خجلها وظلت تضحك بسعاده،شاركتها روميساء الضحك وكذلك أشقاءها الذين شاركوا روميساء في جعل روان تشعر بجو من الألفه والمحبه وسطهم؛وكأنهن يثبتن لها أن الله يقبل العبد حتى لو جاء بجبال من الذنوب،فكيف لهن أن يرفضوا مصادقتها وهي لاتعرف إلا القليل فقط عن دينها!
كل منا يخطئ ولكن هناك فرق بين التائب وبين المستمر في خطأه.
تهيئت روان للذهاب،فأوقفتها والدة روميساء بتصميم
— والله ماانتي ماشيه غير إما تفطري معانا،إنتي من انهارده تعتبري نفسك واحده من بناتي،ومتخافيش من أبوكِ،بصي اديني رقم مرات ابوكي اكلمها
ترددت روان بخجل قائله
— بس ياطنط ..

قاطعتها والدة روميساء بحزم
— مفيش بس،البيت بيتك ياروان،متتحرجيش يابنتي خدي راحتك ومتشليش هم أبوكي خالص،أنا هعرف مراته تقوله وتطمنه عليكي
كادت روان أن تبكي حين قالت لها والدة روميساء ذلك،هي تعلم جيدًا أن والدها لايهمها أن تبيت حتى في مفترق الطرق،ومن الممكن أنه قد نسى وجودها في المنزل منذ أن خرجت صباحًا،أرادت روان أن تظهر بصوره جيده أمام عائلة روميساء،فلجأت للكذب والإدعاء بأن والدها سيقلق عليها مثل باقي الأباء حين يغيبوا أبناءهم عن المنزل قليلا.
جلست روان معهم على مائدة الطعام وهي تحاول جاهده حبس دموعهها،فلاحظت روميساء ذلك،أرادت أن تمازحها فقالت
— بت ياروان،دوقي الملوخيه دي كده وقولي رأيك في عمايلي
نظرت لها شقيقتها حفصه شرزًا وقالت
— على أساس انك انتي اللي عملتيها
قالت روميساء وهي تحتسي الملوخيه بتلذذ

— ياعسل لولا شهقتي مكنتش بقت ملوخيه،كانت هتبقى كوسه وكان زمانك قاعده تحت بير السلم بتاكليها لوحدك دلوقت
ضحك الجميع على مرح روميساء بينما روان قالت متسائله بتعجب
— شهقتي عليها إزاي !
أجابت روميساء بتلقائيه
— وقفت جنب حفصه وهي بتعملها وفضلت اعمل كدهو “هيه”
أخرجت روميساء شهقه قويه جعلتهم جميعًا ينخرطون في الضحك من بينهم روان،فأتاهم صوت والدتها تقول بتحذير
— وبعدين،مش قولنا الضحك على الأكل ميصحش وغلط
تأملتهم روان وهي تبتسم بخفه،كم تتمنى أن يكون لها عائله مثلهم،ولكنها لم تعش يومًا واحد جيدًا على الإطلاق،وذلك بسبب المشاجرات الدائمه بين والديها حتى تطلقَ،وتركاها دون رعايه ولم يكلف نفسهم حتى بأن يعلماها كيفية الصلاه،ولم يربياها على قراءة القرءان وطاعة الله،لذا نشأت روان في عائله فاسده أفسدتها حياتها معهم،ولكن هي مازالت تتنفس،إذن مازال باب التوبه مفتوح !

اثناء تناول طعامهم،قالت شهد شقيقة روميساء الصغرى
— ماما انا نسيت أسمي قبل الأكل
انتبهت روان لما قالته،فهي أيضًا لم تُبسمل قبل أن تشرع في تناول الطعام
انتهزت روميساء الفرصه وارادت أن تبدأ تعليم روان درس جديد فقالت باسمه
— عن عائشه رضي الله عنها قالت،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره«
رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
أومأت شهد وذكرت اسم الله وكذلك فعلت روان،فتبسمت روميساء بخفوت ثم عادت لتتناول طعامها.
——————

من صبر ظفر
…….
بعد أن أدى بدر صلاة المغرب وكسر صيامه بثلاث تمرات يلي كل تمره رشفة ماء،تهيأ للذهاب للإفطار في بيته،ما إن خطى بقدماه خارج المسجد،حتى أتاه صوت رنين هاتفه بإسم سيف الإسلام.
انشرح صدره في الحال وعلا وجهه علامات الغبطه،فقد اشتاق له كثيرًا على الرغم بأنه لم يغب عن المنزل إلا يومًا واحدًا،ولكنه يحبه حبًا جمًا،فهو لايعده مجرد أخ،بل يحسبه أمانةً من أبيه عنده،بداخله كان يقسم أنه لو غاب أكثر من ذلك لقلب الأرض عليه حتى يجده.
أجاب بدر على الفور وهو يبتسم بحبور وسعاده
— سيف،وحشتني ياحبيب أخوك
لحظات وتحول وجه بدر من الغبطه للدهشه حين أتاه الرد من صوت أجش يقول
— شرفنا في القسم ياسطا بدر،أخوك محجوز عندنا
ابتلع بدر ريقه بخوف على شقيقه من أن يكون قد أصابه شيء أو تسبب في حدوث كارثه كُبرى،لم يبعد القسم كثيرًا عن المسجد،لذا أسرع بدر في خطواته تجاه قسم الشرطه وبداخله يدعو ألا يصيب شقيقه مكروه.
..

وصل بدر للقسم ودلف لغرفة الضابط وهو يلهث بصعوبه.
تخشب جسد سيف مكانه فور أن رأى أخيه يدلف لعندهم وعلى محياه ترتسم سيمات الحزن
وقع بصر بدر على أخيه يقف بجانب شابين يبدو على وجههم الثمل،أما الراقصه فقد زج بها الضابط للحجز.
وقف قلب بدر فور أن رأى سيف أمامه، لا يكاد يصدق أن هذا الذي واقف أمامه هو شقيقه وفلذ كبده، الذي رباه مثلما يكون ابنه، جاهد كثيراً بعد وفاة والده كي يجعل أشقاءه يكملون دراستهم متغاضيًا هو عن اكمال تعليمه وعن حلمه الذي كان يكبر معه يومًا تلو الأخر في أن يصير مهندسًا،فتوُفيّ والده ومات حلمه معه.
لم يستوعب ذهنه وتصدق عيناه بعد وجود شقيقه بقسم الشرطه!
ظل بدر ينظر له في صمت تام،وكل مشاعر الحزن في العالم تجمعت في أطيان قلبه وأخذت تفتت بأوردته كما تُفتت المطرقه بالأحجار.
اندفع سيف نحو بدر وهتف متشكيًا
— بدر أنا مليش دعوه،أنا معملتش حاجه،والله اسألهم هما مسكوني وأنا واقف برا الشقه مكنتش بعمل حاجه،حتى شوف سجل المكالمات في الوقت ده كنت بكلم هاجر أختك
تحمحم الضابط قائلا
–ازيك يابدر

التفت له بدر لتتحول معالم وجهه للدهشه،فهذا الذي واقف أمامه يرتدي زي الشُرطه ويجلس بمكتب فخم قليلا ويبدو عليه أن ذي مكانه مرموقه في عمله،هو كريم صديق طفولته هو وابن عمه زياد!
تحولت ملامح بدر للخجل،ليس من نفسه،ولكن من شقيقه سيف الذي دائمًا ينعته كما تلقبه عائش “الميكانيكي” فعندما سيعلم سيف برابط الصداقه الذي بينهم وأن بدر هو الوحيد بين أصدقاءه لم يكمل تعليمه،حتمًا سينال كم هائل من سخرية واستهزاء شقيقه به.
نفض بدر تلك الوساوس عن رأسه ثم مد يده يصافح كريم مبتسمًا
— الحمدلله،في زحام من النعم،انت أخبارك ايه ياكريم،مبارك عليك تحقيق حلمك
ضحك كريم بدوره وقال
— ههه متقولش كده،الفضل كله يرجعلك يابدر،مش هنكر انك الوحيد اللي وقفت جنبي وساعدتني احقق حلمي وهدفي
قال بدر بإيماءة رأس

— الفضل يرجع لربنا في كل حاجه،المهم انك بخير ياصاحبي
التفت سيف نحوهم وقال بنبره سافره
— صاحبك.! وانت بدل متساعده عشان يبقى احسن منك ويشرف عيلته، مساعدتش نفسك ليه ورفعت راسنا احنا كمان،انا لو دخلت السجن هيبقى بسببك،عارف ليه،عشان مجرد ذكر اسمك بيجبلي العار يسطا،،يسطا بدر
غاضت بسمته الدائمه للحظه،قبل أن يقول بلهجه عابره
— خليني أنا جايبلكم العار وان شغلانتي انت بتستعر منها،طيب انت دكتور وليك مقامك،ايه اللي يدخل دكتور زيك السجن!
هتف سيف مغتاظًا من قول أخيه الجاف
— انت شمتاان فيااا،بدل ماطلعني من هنااا جااي تشمت فيااا،هي دي اخلاقك يابدر الشبااب،انا نفسي الناس تشوفك على حقيقتك،هيعرفوا انك واحد واطي وحقير وبتاع مظاهر
رمقه بدر بدهشه من سبّ شقيقه له بأفظع الشتائم،التفت الاثنين نحو الضابط كريم الذي صاح بغضب وهو يشير لسيف
— انت يااعسكرري،خد الوااد ده دخله الحجز

يتبع …..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا 

لقراءة جميع فصول الرواية اضغط على ( رواية يناديها عائش )

اترك رد

error: Content is protected !!