روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الثامن والثلاثون

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الثامن والثلاثون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الثامنة والثلاثون

في صباح اليوم التالي
كانت تجلس على طاولة الإفطار ترتشف قهوتها بصمت تام .. لم تنم طوال الليل وعقلها يفكر في ردة فعل زوجها عندما يعلم بما حدث البارحة في غيابه ووجود تلك الفتاة في القصر ..
عقلها كان لا يكف عن التفكير طوال الليل بعدما غادرت المكان حيث جناحها لتنفرد به تماما فيأتي زوجها ويخبرها بما حدث وطلاق جيلان ومهند الذي كان المفترض أن يسعدها فالفتاة حقا بريئة ولا تستحق هذه الزيجة لكن ما حدث قبلها لم يسمح لها بالتفكير بأي شيء سوى بردة فعل زوجها بعدما يعلم ما حدث ..
ألا يكفي إن تلك الفتاة ستصبح زوجة إبنها بل وستنجب حفيدا لهم ..؟!
لا تعلم كيف يمكنها أن تتقبل هذا بل كيف سيتقبل زوجها هذا ..؟!
أفاقت من أفكارها على صوت توليب وهي تلقي تحية الصباح قبل أن تجلس في مكانها يتبعها فيصل الذي تسائل :-
” أين البقية ..؟! ألم يستيقظوا بعد ..؟!”
ردت زهرة :-
” والدك تركته نائما فقد عاد متأخرا جدا البارحة .. راغب وهمسة لم يستيقظا بعد .. راجي غادر فجر اليوم فلديه مناوبة … ومهند لا أعلم عنه شيئا …”
هتفت توليب بصوت مرهق :-
” أساسا انا أشعر بالتعب حقا .. لم أنم سوى ساعات قليلة ولولا إنه لدي موعد هام ما كنت لأستيقظ أبدا …”
” جميعنا لم ننم حتى الفجر .. ..”
قالها فيصل بجدية لتسأله توليب :-
” ولماذا إستيقظت إذا ..؟!”
رد ببساطة :-
” لدي موعد مع أصدقائي ..”
منحته توليب نظرة ذات مغزى تجاهلها وهو يشير الى الخادمة أن تصب له القهوة ..
تقدم بعد لحظات راغب ملقيا تحية الصباح ليجلس في مكانه على الطرف الأيسر جانب كرسي أبيه مقابلا لكرسي والدته لتسأله والدته بإهتمام :-
” همسة لم تستيقظ بعد ، أليس كذلك ..؟!”
رد راغب بجدية :-
” تركتها نائمة .. تعلمين البارحة لم ننم حتى وقت متأخر ..”
رمقته بنظراتها وهي تتسائل بخفوت :-
” ماذا ستفعل الآن …؟!”
تبادل راغب النظرات معها ورد بعدما أطلق تنهيدة طويلة :-
” سأتحدث مع والدي بعد الفطور ..”
” انا لا أريد تلك الفتاة هنا يا راغب ..”
قالها زهرة بصرامة ليرد راغب بجدية :-
” تحمليها يا أمي .. جميعنا مجبورون على ذلك …”
سأل فيصل بتردد :-
” هل هي حقا حامل من مهند ..؟! يعني ألا يمكن أن تكون كاذبة ..؟!”
رد راغب ببرود:-
” شيء كهذا لا يمكن الكذب فيه يا فيصل.. هي ليست غبية أبدا لتكذب بشيء كهذا ..”
هتفت زهرة بملامح عصبية :-
” يعني ماذا ..؟! ستتزوج أخيك وتنجب طفلا منه أيضا … يا إلهي لا أصدق .. والله سأصاب بالجنون .. لا يمكنني تحمل هذا ..”
” ماما اهدئي ..”
قالتها توليب محاولة تهدئتها لتهتف زهرة بإنفعال :
” كيف سأهدأ وتلك الفتاة ستصبح فردا من عائلتنا بل وتنجب حفيدا لنا ..؟! فتاة كهذه كيف يمكن أن تنتمي لنا …؟!”
قال فيصل بسرعة :-
” لقد جاء أبي .. لا تتحدثي الآن من فضلك ..”
صمتت زهرة على مضض وهي تسحب فنجانها وترتشف منه مجددا بينما دلف عابد ملقيا تحية الصباح متأملا ملامح زوجته المتشنجة ..
جلس بإسترخاء على مقعده وأشار للخادمة أن تصب له القهوة قبل أن يصرفها ويبدأ في إرتشاف قهوته ..
لحظات قليلة وأشار الى راغب يتسائل :-
” أين مهند يا راغب ..؟!”
رد راغب وهو ينظر الى والدته :-
” لا أعلم .. في جناحه بالتأكيد ..”
هتف عابد ببرود قبل أن يرتشف من قهوته مجددا :-
” مع تلك الفتاة ، أليس كذلك ..؟!”
تطلع كلا من توليب وفيصل بدهشة بينما سيطر الجمود على ملامح راغب اما زهرة فتأملته بعدم استيعاب ليبتسم مرددا بتهكم :-
” أزيلوا تلك الدهشة عن وجوهكم … ألم تتعلموا بعد ألا يوجد شيء يمكن إخفائه عني …؟؟”
” جيد إنك تعلم .. لقد وفرت علي الكثير ..”
قالها راغب بجدية لتهتف زهرة بتجهم :-
” بما إنك تعلم يا عابد فدعني أتحدث بصراحة إذا .. تلك الفتاة لا مكان لها هنا .. انا لا يمكنني تقبل فتاة مثلها في القصر .. ”
رد عابد بجدية :-
“تلك الفتاة تحمل حفيدك …”
” أساسا هذا يثير جنوني أكثر …”
قالتها زهرة بغضب ليقول عابد بهدوء مريب :-
” كل شيء سيتم حله ، لا تقلقي …”
سألته زهرة بعدم إقتناع :-
” كيف يعني ..؟! ماذا ستفعل بتلك الفتاة والطفل الذي تحمله ..؟!”
رد عابد بغموض :-
” سأفعل ما يتطلبه المنطق .. انت فقط اطمئني .. طوال حياتي لم أسمح لأحد أن يسيء لسمعة العائلة ولن أسمح بذلك مهما حدث … في النهاية لن تأتي فتاة كهذه لا تساوي شيئا وتدمر ما بنيته لسنوات .. ”
ضغطت زهرة على شفتيها بقوة بينما أشار عابد لهم وهو ينهض من مكانه :-
” لا تتدخلوا في هذا الأمر .. تلك الفتاة ستبقى حاليا هنا .. لا تتسببوا في مشاكل معها نحن في غنى عنها .. اتركوا الأمر لي وتصرفوا بشكل طبيعي ..”
أكمل وهو يشير الى راغب :-
” سأنتظرك في مكتبي لنغادر سويا الى الشركة … هناك أمور كثيرة يجب أن نتحدث بها …”
نهض راغب من مكانه قائلا بسرعة :-
” إنتهيت من فطوري أساسا .. لنغادر الآن ..”
تحرك عابد خارج المكان يتبعه راغب ترافقهما نظرات زهرة الغير راضية أبدا عما يحدث ..
…………………………………………………………
تقدمت نحو طاولة الإفطار لتجد والدها يترأس الطاولة وبجواره أختها بينما والدتها ليست موجوده ..
” صباح الخير .
قالتها مبتسمة وهي تسحب كرسيا لها على الجانب الآخر بجانب والدها ليرد كلاهما تحيتها عندما تسائلت :-
” ألم تستيقظ ماما بعد ..؟!”
رد أحمد بجدية :-
” أظن إنها تتعمد عدم الإستيقاظ ..”
سألت مريم بإستغراب :-
” لماذا ..؟! هل حدث شيء ما ..؟!”
رد والدها بخفوت :-
” إختلاف في الآراء ليس إلا ..”
نظرت مريم نحو أختها بتسائل فأوضحت ليلى بإختصار :-
” الأمر يخص سهام وما فعلته .. يعني بابا لديه وجهة نظر وماما لديها وجهة نظر مختلفة تماما ..”
سألت مريم والدها :-
” وما هي وجهة نظرك يا بابا ..؟!”
رد أحمد بجدية :-
” انا طلقت سهام وهي أصبحت خارج حياتي وبما إنها تخلت عن طفلها فسيقى ابني معي ولن أقبل أن تساومني على إستعادة الطفل مقابل أي شيء كان ..”
” هذا أفضل قرار يمكن إتخاذه تجاه واحدة مثلها ..”
قالتها مريم بتأكيد لترد ليلى بهدوء :-
” في خضم كل هذا لا تنسوا إن هناك طفل يحتاج والدته وطفل آخر سيأتي بعد عدة أشهر .. الأمر لا يتوقف عند سهام فقط بل هناك طفلين في الوسط يجب التفكير بهما جيدا قبل أي خطوة نتخذها …”
ردت مريم ببرود :-
” على أساس إنها تهتم حقا لأمر طفليها .. لو كانت تهتم ما كانت لتترك طفلها مهما حدث …”
قالت ليلى بجدية :-
” لا أحد يعلم كيف تفكر ولكن من الخطأ أن نستعجل في إتخاذ قرارات قد تضر أشخاصا لا ذنب لهم فيما يحدث …”
تجهمت ملامح مريم بينما قال أحمد بهدوء :
” لا تقلقي من هذه الناحية يا ليلى .. لن أفعل ذلك أبدا .. من الآن فصاعدا لن أقوم بأي تصرف يؤذيكِ انت أو أخوانك … الجميع سيكون بخير وتأكدي إن قراري في وضع سهام وعبد الرحمن والطفل القادم سيكون لصالح الجميع …!”
ابتسمت له بصمت عندما رن هاتفها بإسمه فنظرت الى الشاشة قبل أن تنهض من مكانها قائلة :-
” يجب أن أغادر الآن … ”
هتف والدها يتسائل :-
” ألن تتناولي فطورك اولا …؟!”
ردت بجدية :-
” سأتناوله في الخارج وأذهب بعدها الى الشركة…”
تحركت نحو الخارج بعدما ودعتهما لتجده في إنتظارها لتتقدم نحوه مبتسمة بهدوء لتلقي التحية عليه فيسألها :-
” هل أنت جاهزة للمغادرة ..؟!”
هزت رأسها وهي تجيب :-
” نعم جاهزة ..”
هتف وهو يشير نحو سيارته :-
” اركبي إذا ..”
قالت بسرعة :-
” لقد غيرت رأيي .. سأتبعك بسيارتي لإن علي الذهاب الى الشركة بعدها ..”
” سأوصلك الى الشركة إذا ..”
قاطعته مبتسمة :-
” وماذا بعدما أنهي عملي ..؟! لأذهب بسيارتي أفضل ..”
قال مستسلما :-
” حسنا كما تريدين ….”
قالت وهي تخرج هاتفها من حقيبتها :-
” سأرسل لك موقع المطعم وأعتذر حقا لإنني جلبتك الى هنا بدلا من ذهابك الى المطعم مباشرة لكنني قررت فجأة وقبل قليل الذهاب الى الشركة ..”
” لا عليك يا ليلى …”
قالها مبتسما لتبادله إيتسامته وهي ترسل له الموقع قبل أن تتجه نحو سيارتها بينما يركب هو سيارته وينتظر تحرك سيارتها كي يتحرك بسيارته هو الآخر ..
بعد حوالي نصف ساعة جلست ليلى على الكرسي المقابل له ليتقدم النادل نحوهما ويضع أمامهما قائمة الطعام …
قالن ليلى بسرعة :-
” هنا يعدون فطور تركي رائع .. يمكننا تجريبه ..”
رد بنفس الإبتسامة :
” لنجربه إذا …”
أشارت ليلى الى النادل فتقدم نحوها لتطلب منه أن يعد مائدة الفطور التركي التي إعتادت على تناولها هنا ..
غادر النادل لتنظر نحو زاهر مجددا وتقول :
” أشكرك جدا لإنك لبيت دعوتي على الفطور ..”
ابتسم مرددا بجدية :-
” وأنا بدوري أشكرك على الدعوة …”
أكمل يتسائل :-
” ولكن بالتأكيد هناك شيء ما خلف هذه الدعوة ..”
ظهر التردد على ملامحها فسألها مجددا:-
” ماذا هناك يا ليلى .. ؟! هل هناك مشكلة ما ..؟! أخبريني ..”
ردت ليلى بسرعة :-
” أبدا ، ليست هناك اي مشكلة ..أريد التحدث معك قليلا ولكن دعنا ننتهي من تناول الطعام أولا ..”
” حسنا .. كما تحبين ..”
قالها بجدية لتبتسم له بإمتنان ليأتي النادل بعد لحظات ويبدأ في إعداد المائدة ..
انتهى النادل من تجهيز المائدة ليهتف زاهر بإعجاب :-
” المائدة منظرها رائع والطعام يبدو شهيا للغاية ..”
قالت ليلى مؤكدة حديثه :-
” نعم جدا .. تناوله هيا وأعطني رأيك ….”
بدأ كلاهما يتناولا الطعام حيث بعض أنواع الأكلات التركية الخاصة بوجبة الفطور فوجد زاهر الطعام لذيذا حقا ..
تأمل زاهر ليلى وهي تضع قطعة صغيرة من الخبز في ذلك الطبق الذي يحوي على ما يبدو شيئا أصفرا لا يعلم طبيعته لكنه يبدو شهيا خاصة عندما حملت ليلى القطعة بشوكتها بعدما ذابت كليا في الكتلة الصفراء لترفعها بتأني فترتفع معها الآكلة الذائبة التي لا يعرف مكوناتها بعد فتسارع ليلى لقطع لقمتها وتناولها بتلذذ ..
مضغت ليلى لقمتها ثم قالت وهي تشير له :-
” تذوقها .. إنها لذيذة للغاية …”
أكملت وهي تكرر نفس الفعل مجددا لكن وضعت اللقمة في طبقه هذه المرة :-
” تناولها وأعطني رأيك …”
ابتسم وهو يتناولها بالفعل ليشعر بطعم الجبن قليلا مع الزبد ولكنه لم يشعر بنفس اللذة التي كانت تبدو عليها فظهر ذلك على وجهه لتسأله بإحباط :-
” ألم تعجبك ..؟!”
رد بسرعة وهو يمسح فمه بالمنديل :-
” ليس تماما .. طعمها عاديا … يعني لا بأس بها ..”
سألها بعدها :-
” هل هي آكلة مشهورة ..؟!”
ردت بسرعة :-
” مشهورة جدا وخاصة في منطقة الشمال التركي .. إسمها موهلاما …”
ردد ضاحكا :-
” موهلاما ..”
ضحكت وهي تردد :-
” نعم اسم غريب قليلا ولديها اسم آخر كويماك …”
ابتسم مرددا وهو يرفع بيالة الشاي :-
” إسمها غريب حقا .. ”
أضاف بعدما إرتشف القليل من الشاي :-
” ولكن يبدو إنك تحبيها كثيرا ..”
قالت بسرعة :-
” كثيرا .. إنها آكلتي المفضلة .. في الحقيقة أنا أحب الطعام التركي عموما … ”
ابتسم مرددا :-
” ربما لإن أصولك تركية ..”
ضحكت قائلة بجدية :-
” من قال هذا ..؟!”
هتف بتذكر :-
” سمعت أبي يقول هذا ذات مرة .. عمي أحمد لديه أصول تركية ..”
ردت بجدية :-
” أظن هذا الكلام غير الصحيح .. البعض يقول إن إصول عائلتنا تعود الى تركيا وإن أجدادنا كانوا أتراك وأمور كهذه لكن لا يوجد شيء مؤكد …”
” عندما أنظر الى عائلتكم يزداد شكوكي بشأن هذا ..”
ضحكت تتسائل بخفة :-
” وما بهم عائلتي ..؟!”
هتف بجدية :-
” يعني الشقار المنتشر في عائلتكم .. ليس في عائلتك فقط بل اغلب أفراد عائلة أبيك .. حتى الغير شقر يمتلكون بياضا ناصعا ..”
اومأت برأسها موافقا :-
” نعم … البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الملونة صفة مكتسبة في جميع أفراد عائلة سليمان ..”
هتف بنبرة ذات مغزى :-
” والعيون العسلية أيضا ..”
ابتسمت تتسائل بخفة :-
” وما بها العيون العسلية ..؟!”
رد بجدية :
” جذابة جدا جدا .. وحلوة جدا جدا كالعسل تماما ..”
توردت وجنتيها فكحت بخفة وهي تحمل بيالة الشاي خاصتها ترتشف منها فقرر أن يغير الموضوع ليتحدث في أمور مختلفة فتبادلت الأحاديث معه حيث تحدثا في الكثير من الأمور وغرقا في الضحك عدة مرات حتى تناست ليلى سبب دعوته على الفطور وما أرادت قوله ..
……………………………………………………………..
جلست هايدي بجانب أختها تتأمل شرودها المستمر فتهتف بجدية :-
” حسنا يا نانسي .. لقد جاء الطعام .. هيا لنتناوله …”
التفتت نانسي نحوها بعدما أفاقت من شرودها وقالت :-
” هايدي اتصلي بعمي … أريد أن يخبرني بقراره .. ”
قالت هايدي بجدية :-
” انتظري قليلا … هو سيخبرنا بنفسه .. وعمي بالطبع سيوافق لإنه لا يمكن أن يقف ضد رغبتك ..”
أضافت بجدية :-
” ولكن المهم أنت.. عليك أن تتخذي قرارا سريعا بشأن الطفلين … ”
نظرت نانسي لها للحظات ثم سألتها:-
” لو كنت مكاني ماذا ستفعلين ..؟!”
نهضت هايدي من مكانها وأجابت بعدما عقدت ذراعيها أمام صدرها :-
” كنت سأجهض بالطبع .. لكن هذا لا يعني أن تفعلي مثلي .. انت تختلفين عني يا نانسي .. شخصيتك تختلف عن شخصيتي .. نعم انا كنت أشجعك على الإجهاض لكن عندما فكرت وجدت إنه من الأفضل أن تحددي قرارك بنفسك ولهذا توقفت عن محاولة إقناعك بالتخلص من الحمل .. انا فقط لا أريدك أن تتخذي قرارا تندمين عليه …عليك أن تتذكري دائما إن هناك مسؤولية طفلين ستتعلق بك إذا لم تجهضِ .. عليك أن تتأكدي من مقدرتك على تحمل مسؤوليتهما حتى لو رفض والدهما تحمل المسؤولية معك .. إذا وجدتِ نفسكِ قادرة على هذا فإحتفظي بهما ولكن في المقابل إذا كنتِ لستِ متأكدة من ذلك فلا تنجبي طفلين وتتسببين في تعاستهما طوال حياتهما بسبب عدم قدرتك على رعايتهما جيدا وتحمل مسؤوليتهما كاملة …”
همست بتردد :
” ربما علي أن أسأل صلاح …!!”
قالت هايدي بجدية :-
” برأيي هذا سيكون افضل .. يجب أن يكون لديه علم بهذا ..”
نهضت نانسي من مكانها تهتف بقلق :-
” وماذا لو رفض ..؟!”
قالت هايدي ي بسرعة :-
” غالبا سيرفض وسيطلب منك إجهاضهما ..”
تسائلت نانسي بفزع :-
” وهل سيجبرني على الإجهاض ..؟!”
ردت هايدي بجدية :-
” توقعي منه أي شيء …”
ظهر التوتر على ملامح نانسي فتسائلت هايدي وهي تقترب منها وتقبض على كفيها :
” هل تريدين الطفلين يا نانسي ..؟! هل تريدين الإحتفاظ بهما ..؟! ”
إبتلعت نانسي ريقها وهتفت بتحشرج :-
” لا أعلم .. ولكن فكرة قتلهما وهما داخل رحمي تفزعني … ”
أكملت بعينين محتقنتين :-
” الأمر ليس سهلا بل هو أصعب ما يكون … ”
أضاف بصوت مبحوح :-
” أشعر إنني لن أسامح نفسي أبدا إذا قتلتهما .. وفي نفس الوقت أخاف أن أندم فيما بعد على إنجابهما .. سأموت يا هايدي .. تعبت حقا .. تعبت من وضعي هذا وعجزي عن إتخاذ قرار ..”
احتضنتها هايدي تردد برفق :
” حسنا يا نانسي … تمهلي قليلا .. ما زال أمامك بضعة أيام .. ”
أردفت وهي تنظر الى عينيها بقوة :
” يمكنك الإحتفاظ بهما إذا تأكدتِ من رغبتكِ بذلك ..”
سألها نانسي بتردد :
” وماذا عن صلاح ..؟!”
اجابت هايدي بسرعة :-
” ليس مهما قراره .. انت تتوقعين أن يرفض الطفلين .. لا نريد منه شيئا سوى إسمه فقط ..”
أضافت بتهمل :-
” ولكن عليكِ أن تكوني مستعدة لمستقبلك مع طفلين دون وجود أب يهتم بهما … يعني ستكونين أنت الأب والأم حينها ..”
تسائلت نانسي بألم :-
” ألا يمكن أن يقبل بوجودهما …؟! يعني يكون أب لهما .. في النهاية هما من صلبه .. إبنيه .. يعني من غير المعقول أن يرفضهما .. أليس كذلك يا هايدي ..؟! ”
هزت هايدي رأسها دون رد لتأخذ نانسي نفسها ثم تهتف بها :-
” اتصلي بعمي يا هايدي من فضلك …”
” حسنا .. سأتصل به لأعرف قراره ثم تتناولين الطعام بعدها ..”
هزت نانسي رأسها وهي تقول بترجي :-
” فقط اتصلي به …”
………………………………………………………………
حمل أشرف هاتفه فوجد هايدي تتصل به ليجيبها مرحبا بها قبل أن يقول :-
” كنت سأتصل بك اليوم يا هايدي ..”
هتفت هايدي بسرعة :-
” حقا يا عمي .. ”
رد أشرف بجدية :-
” نعم ، كنت سأخبرك إنني وافقت على طلب صلاح بالزواج من أختك وسأبلغه هو أيضا موافقتي اليوم ..”
هتفت هايدي بفرحة بالغة :-
” حقا ..؟! شكرا كثيرا يا عمي …
رد أشرف مبتسما :-
” على ماذا يا إبنتي ..؟! انا لا يمكنني الوقوف أمام رغبة أي واحدة منكما طالما رغبتكما تلك لا شيء سيء فيها ..”
قالت هايدي بسرعة :-
” وماذا عن ماما ..؟!”
رد أشرف بجدية :-
” سأذهب لرؤيتها الآن وأتحدث معها وأحاول إقناعها ..”
تسائلت هايدي مجددا بقلق :-
” وماذا لو أصرت على قرارها بالرفض ..؟!”
تنهد أشرف وقال :-
” حينها سنضطر الى إتمام الخطبة دونها ….”
” حسنا ..”
قالتها هايدي بخفوت ليطمأنها أشرف :-
” لا تقلقي .. كل شيء سيكون بخير ..”
ودعها بعدها وأغلق الهاتف معها ليخرج من غرفته ومن الفيلا بأكملها متجها الى منزل أخيه الذي لم يدخله منذ مدة طويلة ..
كان يشعر بالضيق وهو مضطر لرؤية زوجة أخيه الراحل والتي لم يتفق معها يوما لكنه مضطر لذلك ..!
وقف امام باب الفيلا بعد مدة لتفتح له الخادمة الباب فيبتسم لها وهو يخبرها :-
” أخبري تهاني هانم إن أشرف مختار يريد مقابلتها ..”
سارت به الخادمة نحو صالة الضيوف ثم إستأذنته لتنادي تهاني بعدما سألته عما يفضل تناوله ..
جلس في مكانه يتأمل الفيلا التي لم تتغير كثيرا منذ وفاة أخيه والذي بعد وفاته تغيرت الكثير من الأشياء …
زفر أنفاسه ببطء مفكرا إن كل شيء بسبب تهاني التي لطالما حاولت تدمير علاقته بأخيه ولكن أخيه رحمة الله عليه كان يقف لها دائما بالمرصاد وعندما توفي أخيه سارعت لقطع العلاقات بينه وبين أبناء أخيه وقد نجحت في ذلك عندما أصبح تواصله مع إبنتي أخيه شبه معدوم ولا يلتقيهما إلا نادرا بينما بقي كرم إبن أخيه الوحيد الذي يتواصل معه رغم سفره منذ سنوات للدراسة في الخارج …
ولكن الآن بدأ يتغير كل شيء وها هما إبنتي أخيه لجئتا إليه وسيدركان إنه مهما مهما حدث سيظل عمهما الذي يسعى دائما لحمايتهما ورعايتهما فهما إبنتي أخيه الراحل .. أخيه الوحيد ..!!
أفاق من أفكاره على صوت تهاني تلقي التحية بإقتضاب فتأمل ملامحها الحادة كعادتها وهو ينهض من مكانه يرد تحيتها ..
جلست قباله بملامح جامدة فهتف بجدية :-
” جئت للتحدث معك يا زوجة أخي بشأن موضوع خطبة نانسي ..”
قالت تهاني بتجهم خفيف :-
” وما علاقتك أنت بالأمر ..؟!”
رد بجدية :-
” كيف يعني ما علاقتي أنا …؟! أنا عمها أم نسيت هذا …؟؟”
ضحكت مرددة بتهكم :-
” إذا عندما تعسرت عليها الأمور كليا لجأت إليك …”
أضافت بعدها بصوت هامس لكنه مسموع :-
” سأريها ماذا سأفعل بها .. تظن إنها تتحداني بهذه الطريقة …”
قال أشرف بصوت قوي لا يخلو من الحدة :-
” ماذا ستفعلين بها يا تهاني ..؟! هل ستضربيها ..؟! أم تحبسيها وتمنعيها من رؤيتي ..؟؟ الفتاة لم تفعل شيئا خاطئا .. لقد أتت الى عمها … عمها أخو والدها الراحل ..”
قالت بسخرية :-
” كف عن هذه الخطابات المملة بالله عليك …”
هتف بتحذير :-
” كفي انت عن تصرفاتك تلك يا تهاني ..نانسي وهايدي كبرتا وبدأتا تستوعبان كل شيء بوضوح .. هما لم تعدان تلك الفتاتين اللتين تتحكمين بهما وتملئين عقلهما وقلبها كلاما كاذبا وحقدا نحوي …”
” مالذي تقوله انت ..؟! وثانيا انت كيف تتحدث معي هكذا ..؟! انظر الي انا والدتهما و …”
قاطعها بحزم :-
” أعلم إنك والدتهما لكن ليس دائما الأمهات هن الصح … أحيانا يكونن الأمهات لعنة في حياة أبنائهن ..”
انتفضت من مكانها تصيح :-
” هل تقصد إنتي لعنة في حياة إبنتي ..؟! هل جننت ..؟!”
نهض بدوره من مكانه وقال بقوة وهيمنة :-
” انا أقول هذا بناء على تصرفاتك التي لا داعي لذكرها مجددا .. اسمعي يا تهاني .. رغم كل أفعالك ما زلت أضع حدودا للتعامل معك لأجل خاطر أخي الراحل وخاطر أبناء أخي لهذا تعقلي وإجلسي ودعينا نتحدث ..”
” عم سنتحدث ..؟! انا لست موافقة على هذه الخطبة .. هذا قراري وانتهي ..”
” لماذا ..؟! لماذل ترفضين هذه الخطبة ..؟! هل لديك سبب مقنع ..؟!”
ردت بتعنت :-
” انا حرة .. انا أرفض هذا الشاب … ابنتي لن تتزوجه .. لا أحد يمكنه إجباري على شيء لا أريده ..”
” ولكن إبنتك تريده يا تهاني ..”
قالها بجدية لترد بلا مبالاة :-
” فلتذهب الى الجحيم .. قراري هو الذي سينفذ …”
ضحك مرددا بإستخفاف :-
” يبدو إنك لم تفهمي بعد .. نانسي جائت وتركت القرار لي وانا عندما رأيت رغبتها في ذلك الشاب وافقت وهي بدورها تتمنى موافقتك لكنها لن تتراجع عن الزيجة إذا لم تحصل عليها .. هذا كلامها هي وليس كلامي …”
” انت تفعل ذلك عن قصد .. تحرضها ضدي ..”
قالتها بعينين مشتعلتين ليرد بثبات :-
” إفهمي يا إمرأة .. ابنتك هي من جاءت بنفسها إلي وطلبت مني مقابلة الشاب …. ”
” وانت لم تصدق ووافقت فورا مي تكسبها وتجعلها في صفك ضدي ..”
قالتها بغضب ليرد بقوة :-
” هذه التصرفات تصدر من أمثالك يا تهاني … ممن يحاولون أذية من حولهم دون مبرر .. انا لا يمكنني إستغلال إبنة أخي فقط لإغاضتك وإزعاجك كما تدعين ..”
تسائلت بعصبية :-
” لماذا اذا وافقت ..؟! لماذا وافقت عليه ..؟!”
رد بجدية :-
” لإن إبنتك تريده ومقتنعة به تماما ..”
صاحت بصوت أكثز علوا :-
” انه شاب مستهتر لا مستقبل لديه .. لو كانت ابنتك مكان ابنتي هل كنت ستوافق عليه ..؟!”
رد بصدق:-
” كنت سأتحدث معها كما فعلت مع نانسي وأتحدث معه ايضا وإذا وجدتها مصرة على قرارها وهو بدوره يحبها ويريدها وينوي التغير لأجلها سأمنحهما الفرصة وأوافق ..”
” كلام أهوج .. انظر الي يا أشرف .. انا لن أوافق على هذه الزيجة أبدا ..”
قالتها بتحدي ليرد أشرف بجدية :-
” ولكنني وافقت وأخبرت صلاح بذلك وسيأتي هو وعائلته غدا للتقدم رسميا لخطبة الفتاة .. أتمنى أن تأتي يا تهاني ..”
صاحت بنبرة مجنونة :-
” ستزوج ابنتي دون موافقتي يا أشرف ..؟!”
رد بلا مبالاة :-
” أتيت بنفسي وحاولت إقناعك لكنكِ ترفضين بتعنت دون سبب واضح ولهذا إعذريني انا مضطر لإتمام الخطبة دونك … ”
” لا يمكنك فعل هذا .. ولا تنسي إن لديها أخ أيضا يجب أن يمنح موافقته ..”
رد أشرف وهو يبتسم بهدوء :-
” رغم إن القرار يخص نانسي لوحدها لكنني تحدثت مع كرم وأخبرته وهو بارك هذه الخطبة بل وأخبرني إنه سيتواجد في الزفاف أيضا ..”
اتجه نحو الباب بعدها قبل أن يتوقف مكانه ثم يستدير نحوها مرددا بجدية :-
” فكري جيدا فيما قلته وحاولي أن تتواجدي غدا لأجل إبنتك يا تهاني ..”
تركها ورحل وهي تكاد تنفجر من الغضب وقد جاءت موافقة ابنها كالصاعقة فوق رأسها وهو الذي كان الأمل الوحيد المتبقى لها …
……………………………………………………….
فتحت باب الشقة لتجده أمامها يتأملها بملامح تنطق بمدى غضبه فشعرت بالقلق يكسوها وهي تهتف بتوتر ظهر رغما عنها :-
” فراس ..؟! ماذا هناك ..؟!”
رد ببرود مخيف :-
” قولي مرحبا أولا ، تفضل يمكنك الدخول .. أم ستتركيني واقفا هنا عند الباب يا أم ولدي ..؟!
ردت بتردد :-
” انا لوحدي و ..”
لكنه دفعها بلا مبالاة وهو يردد :-
” لا تخافي .. لن آكلك لإنك وحدك ..”
استدار نحوها يخبرها بقوة :-
” أغلقي الباب وتعالي .. علينا أن نتحدث …”
هزت رأسها وهي تدفع الباب تاركة فتحة لا تكاد ترى منه قبل أن تتقدم نحوه فيجذبها من ذراعها ويجلسها على الكرسي خلفها ثم يجلس هو الكنبة قبالها يسألها بحدة :-
” أخبريني بكل شيء .. متى وكيف خططتم لكل هذا ..؟!”
سألت بخوف :-
” عم تتحدث يا فراس …؟! ”
تقدم نحوها أكثر حتى قبض على ذراعها بعنف فشهقت بفزع ليتحدث من بين أسنانه :-
” انا لست غبيا يا هذه .. أخبريني ما حدث بينكما بالضبط … علام اتفقت مع غالية ..؟!”
أكمل وعيناه تقدحان شررا :-
” أنا أعلم إنك إتفقتِ معها من الباطن وربما أنتِ من حرضتها على ذلك فهي لم تكن لتفعل ذلك لوحدها .. انت السبب الخفي لكل ما حدث .. ولكن ليكن بعلمك لا انت ولا هي تستطيعان إجباري على ما لا أريده … ”
انتفضت من مكانها مبتعدة عنه تردد بغضب مكتوم :-
” انا لا أفهم عم تتحدث ولست مسؤولة عما يحدث بينك وبين خطيبتك … حسنا ..؟!”
نهض بدوره مرددا :-
” بل تفهمين جيدا ومسؤولة ايضا .. تظنين إنك ستلوين ذراعي بهذه الطريقة .. لكنكِ مخطئة .. لا انت ولا هي ولا عشرة منكما يمكنهما الوقوف في وجههي وإجباري على ما لا أريده … ”
سمعا كلاهما صوت طرقات على باب الشقة فإندفعت عهد مسرعة وفتحت الباب لتجد فادي أمامها يتسائل بإستغراب :-
” لماذا الباب غير مغلق بالكامل ..؟!”
أضاف وهو يدلف الى الداخل :-
” جئت لرؤية تميم ورؤيتك ..”
ثم توقف مكانه متفاجئا بوجود فراس فهتف مندهشا :-
” انت هنا يا فراس …”
رد فراس بوجوم :-
” نعم وسأغادر حالا …”
تحرك نحو الباب ليوقفه فادي متسائلا بإستغراب :
” ماذا حدث ..؟! لماذا تذهب بهذه السرعة …؟!”
رد وهو يثبت عينيه فوق عهد الواقفة بجانب الباب :-
” لم آت لأجلس أساسا .. أردت أن أخبر عهد بما عندي وأغادر …”
نطقت عهد أخيرا :-
” أخبرتك إنني لا أعلم أي عما تتحدث ..”
رد فراس بقوة :-
” كاذبة … انت كاذبة يا عهد وأنا سأكون أكبر غبي إن صدقتك ..”
التفت فادي نحو عهد يتسائل بضيق :-
” هل يمكنني أن أعلم ما يحدث هنا بالضبط ..؟!”
قالت عهد وهي تتقدم نحوهما :-
” انا مثلك تماما لا أعلم أي شيء .. يبدو إن هناك مشكلة بينه وبين خطيبته ويتهمني إنني السبب عنها …”
” فراس انت بالتأكيد مخطئ .. عهد بالتأكيد لن تتسبب بمشكلة بينك وبين خطيبتك ..”
قالها فادي بجدية ليرد فراس بغلظة :
” لم تعد خطيبتي .. نحن إنفصلنا ..”
” ماذا ..؟!”
هتف بها فادي بدهشة ليضيف فراس متهكما :-
” ابنة الخولي تركتني .. فسخت الخطبة بعدما حققت ما تريد بمساعدة تلك التي تقف جانبك وتدعي بكل براءة إن لا دخل لها فيما حدث ..”
” ولكنني بالفعل ..”
قاطعها فراس بصرامة :-
” إصمتي تماما .. انا أعرف كيف أتصرف معكِ ومعها .. أعرف جيدا ..”
أنهى كلماته بتهديد واضح واندفع خارج المكان ليهتف فادي مسرعا وهو يلحقه :-
” سأتبعه وأفهم ما يحدث معه …”
ثم ركض خارج الشقة وهو ينادي على أخيه الذي توقف مكانه في غضب ليتقدم فادي نحوه ويقف أمامه متسائلا :-
” ماذا يحدث يا فراس ..؟! مالذي فعلته خطيبتك …؟! ولماذا تتهم عهد بالتواطئ معها ..؟!”
” لإن هذه هي الحقيقة ..”
قالها فراس بغضب ليهتف فادي :-
” أخبرني ما خدث .. دعني أفهم .. قبل ليلة كنتما سويا تحتفلان بعيدميلادك .. ماذا حدث لتفسخ غالية الخطبة وو…”
قاطعه بصوت عصبي :-
” ما حدث إنني أصبحت لعبة بين يدي هاتين المخادعتين … بين خطيبتي ومن كانت زوجتي وأم إبني ..”
” كيف يعني ..؟!”
أغمض فراس عينيه بنفاذ صبر ثم فتحها وقال :-
” دعني الآن يا فادي من فضلك ..”
لكن فادي أوقفه مرددا بحزم :-
” لن تتحرك خطوة واحدة دون أن تخبرني بما حدث .. انا متأكد إن هناك مصيبة ما حدثت معك ولن أتركك دون أن أن أعرف ما هي ..”
” ما بالك يا فادي ..؟! لا تنسى إني أخوك الكبير … انت لا يمكنك أن تجبرني على ما لا أريد ..”
رد فادي بهيمنة :-
” بل يمكنني مثلما يمكنني الذهاب حالا الى خطيبتك المصون ومعرفة منها كل شيء ..”
تجهمت ملامح فراس بعدم رضا ليقول فادي بحزم :-
” والآن تعال معي الى شركتك حيث سنتحدث في مكتبك عما حدث ..”
……………………………………………………
انتفض فادي من مكانه ما إن أنهى فراس حديثه صارخا بغضب بدا كالجحيم :-
” أيها اللعين .. كيف تفعل شيئا كهذا ..؟! هل انت غبي ..؟! ”
نهض فراس بدوره صائحا بتحذير :-
” الزم حدودك ولا تتجاوزها معي يا فادي ولا تنسى إنني أخوك الكبير ..”
قال فادي بعينين مشتعلتين غضبا :-
” أخي الكبير المحترم .. الذي لا يتوقف عن علاقاته المشبوهة حتى وقع في يد فتاة صورت له فيديو فاضح .. ”
نطق فراس من بين أسنانه :-
” فادي يكفي ..”
ردد فادي بإصرار :-
” أليست هذه الحقيقة ..؟! هل قلت شيء خطأ ..؟! بسبب نزواتك الحقيرة حدث كل هذا وها أنت بل نحن جميعا مهددين بفضيحة كبيرة مثل هذه ..”
” انظر إلي .. انا لم أخبرك بما حدث لتبدأ في تأنيبي ..”
قاطعه فادي بحدة :-
” بل أنت من يجب أن ينظر إلي بل ويسمعني جيدا .. ألن تتوقف عن نزواتك وعبثك الذي لا ينتهي و علاقاتك القذرة … ؟! ألا ترى ماذا فعلت بك نزواتك .. ؟! بسبب ما تفعله خسرت الكثير وما زلت تخسر ..”
هتف فراس بصوت متصلب :-
” يكفي …!!”
لكن فادي لم يسمعه وهو يسترسل بنفس النبرة :-
” خسرت زوجتك التي كانت تحبك بحق .. خسرت إحترامك أمام جميع من يدرك حقيقتك … حتى إبنك خسرته ..”
ضرب فراس على المكتب بقوة يصرخ بصوت مرعب :-
” قلت يكفي …”
تقدم فادي نحوه يجذبه من ياقة قميصه مرددا بصوت قوي :-
” انت من يكفي .. انت من يكفي يا فراس .. في السابق كنت تدمر نفسك .. لطالما حذرتك وانت لم تسمع .. لكن الآن الموضوع لم يعد يخصك وحدك بل يخصنا جميعا .. سمعتنا جميعا سوف تتدمر بسببك … بسبب نزوة من نزواتك الحقيرة….”
قال فراس بملامح مشدودة غضبا :-
” نعم بسبب نزوة من نزواتي الحقيرة .. في النهاية انا القذر الوحيد بينكم وأنت القديس هنا .. ”
قاطعه فادي بنفور :-
” انا لست قديسا ولن أكون .. لكنني على الأقل لا أرمي نفسي كل يوم بين أحضان عاهرة لا أعرف إسمها حتى … ”
” نعم ، أساسا قلتها منذ قليل .. انا القذر الوحيد بينكم …”
قالها فراس بتهكم ليرد فادي ببرود :-
” قذارتك تخصك وحدك .. لكن انا ولوجين ووالدتي لن نسمح لك أن تؤذينا بسبب أفعالك تلك … ”
أكمل وعيناه تنطقان قوة :-
” اتصل بغالية تلك وتحدث معها …”
” لا أريد … ”
قالها فراس ببرود ليتسائل فادي بغضب مكتوم :-
” ماذا يعني لا تريد ..؟! الفتاة معها فيديو يخصك .. فيديو فاضح .. ”
” سأتصرف معها بنفسي ..”
قالها فراس ببرود أغاظ فادي الذي ردد هازئا :-
” حقا … ؟! وماذا ستفعل ..؟! كيف ستأخذ الفيديو منها ..؟! هل سوف تهددها ..؟؟ أم ترسل عصابة وتخطفها ..؟؟”
رد فراس بنفس البرود :-
” كل شيء ممكن …”
قال فادي بتحذير :-
” لا تجن .. هيا اتصل بها وحاول أن تتفاوض معها …”
نظر له فراس برفض لكن فادي أشار له بقوة :-
” ماذا تنتظر …؟! لا يوجد حل آخر أمامك .. أي تصرف آخر كي يؤدي بك الى الجحيم .. حاول أن تتفاوض معها وإذا إضطررت تنازل عن تميم …”
هتف فراس بعدم تصديق :-
” هل تطلب مني التنازل عن إبني …؟!”
رد فادي بسخرية :-
” على أساس إنك تركت لنا حلا غير هذا …”
زفر فراس أنفاسه بضيق قبل أن يخرج هاتفه ويتصل بها ليطلب منه فادي أن يجعله يسمع المكالمة كي يسجلها في هاتفه الذي أخرجه وبدأ يسجل بالفعل عندما جاء صوتها يردد :-
” اهلا فراس بك … توقعت أن تتصل بهذه السرعة …”
أشار له فادي أن يتحدث ليقول فراس :-
” يجب أن نتحدث يا غالية …”
ردت غالية ببساطة :-
” عم سنتحدث بالضبط ..؟! الأمر لا يحتاج الى حديث .. الفيديو عندي .. إذا تنازلت عن حضانة الطفل لعهد فلن أنشره وإذا لم تفعل فسيتم نشره في كافة المواقع …”
قاطعها فراس يتسائل بغضب مكتوم :-
” هذا إبتزاز يا غالية ..؟!”
صدحت ضحكتها الناعمة وهي تردد :
” إبتزاز من النوع الجيد .. انا لا أطلب منك مقابلا مشينا يا فراس .. ”
تسائل فراس بأعصاب بدأت تفلت :-
” وما علاقتك انت بكل هذا .. ؟؟ ما علاقتك بعهد وابني ..؟؟”
ردت غالية بجدية :-
” هذا ما عندي … إذا تنازلت عن حضانة الطفل فلن يتم نشر الفيديو أبدا ..،”
” لحظة ، هل تعنين إنك لن تعيدين لي الفيديو اذا ما تم نشره …؟؟”
تسائل بوجوم لترد بخفة :-
” الفيديو سيبقى معي حتى بعدما تتنازل لإنني لا أضمن كيف سيكون إنتقامك مني بعدها .. طالما الفيديو معي فأنا في أمان ولا يمكن أن تلمس شعري واحدة مني ..”
هم بشتمها قائلا :-
” انت حقا …”
قاطعته بتحذير :-
” إياك أن تتجاوز حدودك يا فراس .. انتظر قرارك في أسرع وقت مع السلامة ..”
اغلقت الهاتف في وجهه ليغلق فادي هاتفه بدوره بعدما حفظ التسجيل فيتبادل النظرات مع أخيه وكلا منهما له أفكاره …
………………………………………………………..

هبطت من غرفتها أخيرا وهي ترتدي ملابس شديدة الإناقة إستعدادا للخروج مع مجموعة من صديقاتها للترفيه …!!
وجدت والدتها تتناول قهوتها في صالة الجلوس وهي تتابع أحد البرامج لتلقي التحية بإبتسامة صادقة وهي تتقدم نحوها وتقبلها من وجنتها لتبتسم صباح بدورها وهي تتأملها مرددة :-
” اهلا حبيبتي .. ما كل هذا الجمال …؟!”
ضحكت غالية مرددة بثقة :-
” انا دائما جميلة حتى لو إرتديت شوال بطاطا كما يقولون …”
” انت جميلة وجذابة وفاتنة وكل شيء …”
قالتها صباح وهي تربت على كفها لتهتف غالية بجدية رغم إنها ما زالت تحتفظ بإبتسامتها :-
” لقد فسخت خطبتي ..”
اختفت إبتسامة صباح كليا وهي تردد بعدم إستيعاب :-
” ماذا ..؟!”
ابتسمت غالية بخفة وهي تردد :-
” فسخت الخطبة .. ”
” لماذا ..؟!”
سألتها صباح وقد أفاقت من دهشتها أخيرا لترد غالية بنفس الجدية :-
” لم نتفق … ”
رددت صباح :-
” هكذا فقط ..؟!”
قالت غالية موضحة :-
” هذا سببا أكثر من كافي بالنسبة لي ..”
قالت صباح بحيرة رغم فرحتها بخبر إنفصالها عن ذلك الشاب :-
” حسنا ولكن انا لا أفهم .. لماذا وافقت على الخطبة من الأساس ثم فسختها بهذه السرعة …؟!”
” يا ماما .. الخطبة هي فترة تعارف لأي إثنين وانا بالفعل تعرفت على فراس وفهمت إنه لا يناسبني وأنهيت الأمر بهدوء …”
سألتها صباح بشك :-
” هل انت متأكدة إنه لا يوجد سببا آخر يا غالية ..؟!”
قالت غالية وهي تبتسم بهدوء :-
” صدقيني هذا هو السبب الوحيد يا ماما …”
هزت صباح رأسها بتفهم ثم ربتت على كتفها تقول بدعم :-
” لا تحزني حبيبتي .. خطبة وانتهت .. لا بأس …”
ضحكت غالية وهي تردد :-
” انا لست حزينة من الأساس .. على العكس تماما انا سعيدة .. سعيدة للغاية …”
” سعيدة .. للغاية ..!!”
كررتها صباح بعدم استيعاب لتهتف غالية بجدية :-
” نعم سعيدة ومرتاحة وأشعر بكافة المشاعر الإيجابية … ”
” غريب أمرك يا غالية .. يعني عادة الفتيات ينزعجن ويحزن قليلا في هذه الحالات ..”
ضحكت غالية وقالت :-
” هؤلاء الفتيات الآخريات أما أنا فلا أحزن على شيء كهذا لإنني من ربحت عندما تخلصت من زيجة كانت ستفشل في جميع الأحوال …”
أضافت بعدها وهي تنظر الى. ساعتها :-
” حسنا سأتأخر على موعدي .. دعيني أذهب … أراك مساءا ..
سألتها والدتها :
” إلى أين ستذهبين ..؟!”
ردت غالية بجدية :-
” سأذهب مع مجموعة من صديقاتي الى مطعم جديد يقولون إنه رائع لذا سنذهب لتجربته .. هيا أراك مساءا ..”
قالتها بعدما قبلتها من وجنتها تاركة والدتها تتابعها وهي تغادر بحماس غير مستوعبة ما يحدث حتى الآن ..
اتجهت غالية نحو الكراج وشغلت سيارتها لتركبها وتتحرك خارج الفيلا عندما وجدته يقف خارج الفيلا بجانب سيارته وما إن رآها حتى إعتدل في جلسته وأخذ ينظر لها بقوة …
تجهمت ملامحها وأوقفت سيارتها وسارعت تهبط منها وهي تتجه نحوه تتسائل بضيق :-
” ماذا تفعل هنا ..؟!”
رد يتسائل بقوة :-
” ألم أحذرك مسبقا ألا تقتربي من عائلتي …؟!”
عقدت ذراعيها أمام صدرها تتسائل بإستفزاز مقصود :-
” حقا ..؟! وماذا فعلت ومتى أساسا إقتربت من عائلتك ..؟!”
تقدم نحوها خطوتين يردد من بين أسنانه :-
” غالية .. انت تدركين جيدا ما أعنيه .. كيف تجرأت على فعل هذا …؟! ”
هتفت بتهكم :-
” من الواضح إن أخيك أخبرك بما حدث …”
” نعم ، أخبرني بتصرفك الدنيء والذي لا يليق بفتاة محترمة ..”
قاطعته بحدة :
” إياك أن تتجاور حدودك .. انا محترمة غصبا عنك وعن أخيك …”
أضافت ببرود وهي تعاود عقد ذراعيها أمام صدرها :-
” وثانيا إذا كان هناك من يستحق محاسبته فهو أخيك المحترم .. ماذا كنت تتوقع مني بعدما إتضح لي إنه يخونني بعد فترة قصيرة من خطبتنا …؟! ”
تأملها بملامح جامدة للحظات قبل أن يتسائل بنبرة ذات مغزى :-
” أخبريني يا غالية … تصرف كالذي قمت به انت .. هل يليق بفتاة محترمة حقا …؟!”
ردت بجدية :-
” تصرفي كان لدوافع محددة وأهمها كشف حقيقة أخيك … ”
” وما علاقة هذا إذا بموضوع حضانة تميم …؟!”
سألها متهكما لترد ببرود :-
” والله فكرت في أكثر شيء يكسر أخيك فوجدت إن هذا أكثر شيء سوف يؤذيه بل ويلقنه درسا قويا أيضا كي لا يتلاعب من خلاله ببنات الناس إضافة الى ذلك فسأقوم بعمل خيري حيث سأعيد طفل مسكين الى أحضان والدته التى حرم منها لسنوات…”
” نشكرك على خدماتك العظيمة يا غالية …”
قالها بسخرية قبل أن يهتف بقوة :
” ولكن لا تتدخلي في أمورنا العائلية فنحن نعرف كيف نحل مشاكلنا بيننا .. ”
رددت بإستهزاء :-
” نعم وأكبر دليل تصرفات أخيك وعلاقاته المشبوهة وفوق هذا إستغلاله ابنه الوحيد كورقة ضغط على طليقته …”
ردد فادي بتصلب :-
” لا تتدخلي فيما لا يعنيك .. والآن هاتي الفيديو فورا .. هيا ..”
ضحكت مرردة بخفة :-
” يا لك من مضحك .. هكذا بكل بساطة …”
رد ببرود :-
” نعم ، هكذا يا غالية وبكل بساطة …”
” وإذا قلت لا ..؟!”
سألته بنعومة مستفزة ..
” أنت تعبثين مع الشخص الخطأ ..”
قالها بملامح مهيبة وقد شعرت في تلك اللحظة إنه تحول الى نسخة من أخيه ولا تعرف لماذا شعرت بذلك رغم إختلاف ملامحهما لكن ربما نزعة الشر التي إرتسمت على ملامحه في تلك اللحظة كانت تشبه شر أخيه ..
” انا لا أعبث .. أساسا العبث ليس من صفاتي .. انا فقط أخطط وأنفذ وأنال …”
اقترب منها خطوتين أخريتين حتى بات قريبا للغاية منها وقال بصوت متسلط قوي :-
” أنت تدركين جيدا إنني يمكنني حبسك بتهمة الإبتزاز ..؟! ”
ردت والبرود يسيطر على ملامحها :-
” جيد ولكن حينها عليك أن تحبس أخيك المحترم بتهمة الزنا …”
رد عليها مستهزئا :-
” حقا ..؟! هل تظنين إن القانون سيحاسب أخي لكونه أقام علاقة غير شرعية مع بائعة هوى بكامل إرادتها ..؟!”
ردت بصوت قوي حازم :-
” لن أمنحك الفيديو مهما حاولت …”
هتف وقد بديت عينيه في تلك اللحظة تتحدانها أن ترفض :-
” هاتي الفيديو وإلا قسما بربي سأريك وجها آخرا لم تعهديه … انا لا أسمح لأي شخص أن يقترب من عائلتي وانت بتصرفك تجاوزت كل الخطوط الحمراء لذا تراجعي فورا عن تصرفك الدنيء وإلا ..”
وصمته كان وراءه الكثير من الحكايا …
نطقت أخيرا وهي ما زالت ثابتة في مكانها :-
” ليتنازل أخيك اولا عن حضانة الطفل وسنتحدث بعدها بشأن الفيديو …”
أضافت :-
” وانت لا يمكنك أن تهددني… لا انت ولا عشرة أمثالك يمكنهم أن يهزوا شعرة واحدة مني ولا تنسى يا حضرة الضابط إن الفيديو الذي معي سيدمر سمعة عائلتك بالكامل .. يعني رقبتك انت وأخيك وكل عائلتك بيدي لذا تمهل قليلا ولا تتحدث بطريقة تندم عليها فيما بعد …”
منحته نظرة مليئة بالقوة والغرور وهي تنسحب بخطواتها متجهة نحو سيارتها لتركبها فتنظر إليه من مرآة السيارة تمنحه إبتسامة باردة قابلها بملامح جامدة تماما قبل أن تشغل سيارتها وتحركها بأقصى سارعا …!
……………………………………………………….
جلس في صالة الجلوس يتناول الشاي مع زوجته وحنين ونضال عندما هتفت حنين تتسائل بفضول :-
” برأيك لن تأتي حقا يا بابا ..؟!”
رد أشرف بتجهم :-
” لا أظن .. ”
همست حنين :-
” إنها إمرأة صعبة حقا …”
قال أشرف بجدية :-
” انا فعلت ما يتوجب علي فعله … هي حرة فيما ستفعله … ”
قالت أحلام بجدية :-
” ولكن يجب أن تتواجد في يوم كهذا بجانب إبنتها ..”
قال أشرف :-
” أساسا إذا تحدثنا بناء على الأصول فالخطبة يجب أن تتم في منزل والد الفتاة وبحضور والدتها وانا وكبار العائلة لكن ماذا نفعل ..؟؟ هذا ما أرادته تهاني هانم …”
سألت أحلام بجدية :-
” هل أخبرت كبار عائلتك ..؟!”
اومأ برأسه وهو يجيب :-
” تحدثت مع عمي وأبناء عمومي .. سيأتون جميعا …”
تسائلت حنين بجدية :-
” بابا ، هل ذلك الشاب سيء الى هذا الحد لترفضه زوجة عمي لهذه الدرجة ..؟؟”
تنهد أشرف وقال :-
” هو ليس سيء لكنه يبدو غير مناسبا للزواج كونه لا يعمل وما زال لا يتحمل مسؤولية وأشياء من هذه القبيل .. لكنني تحدثت معه وأخبرني إنه بدأ يتغير لأجل نانسي وإنه يحبها حقا والأهم من ذلك إن نانسي تحبه أيضا …”
” ولكن ماذا لو لم يفِ بوعده وإستمر بنمط حياته هذا ..؟!”
سألته حنين بإهتمام ليرد أشرف :-
” حنين ابنتي .. هذا شيء في علم الغيب … صلاح لا يبدو سيئا وكلامه معي يدل على ذلك وانا أساسا وافقت بناء على رغبة ابنة عمك … ”
هتف نضال بجدية :-
” برأيي إن الأمر سار بسرعة قليلا .. يعني نانسي ما زالت صغيرة وهو ايضا .. ليستقر في حياته وعمله لفترة ويثبت تغييره على الأقل كي نطمئن على الفتاة معه ..”
التفت أشرف نحو ابنه يقول :-
” إفهم يا نضال .. الفتاة تريده .. هذا ما جعلني أوافق … أن تتزوج أمامي وبموافقتي أفضل من أن تتصرف لوحدها ..”
قالت حنين بعدم تصديق :-
” بالطبع لن تفعل نانسي ذلك .. يعني مستحيل أن تتزوج دون موافقتك انت ووالدتها ..”
قال أشرف بعقلانية :-
” لا يوجد ضمان يا ابنتي .. نحن في زمن كل شيء متوقع فيه ..،نانسي فتاة أحبت شابا وتريده بشدة وهي بالغة راشدة .. يعني يمكنها أن تتزوجه دون الرجوع إلينا ولا أحد يستطيع منعها او محاسبتها مهما حدث لإنها شرعا و قانونا لم تفعل شيء خطأ لذا الأفضل أن تتزوج بموافقتي وتبقى أمام عيني وتحت رعايتي وفي حمايتي بدلا من أن تتصرف بطريقة تسيء لنا ولها مستقبلا ….”
سألته أحلام :-
” هل سيتزوجان فورا أم هناك فترة خطبة ..؟!”
رد أشرف بجدية :-
” لا أعلم .. غدا سنتحدث في هذه الأمور …”
” لا تستعجلوا يا أشرف .. برأيي أن تكون هناك فترة خطبة في البداية ..”
قالتها أحلام بجدية وهي تضيف بتنهيدة :-
” على الأقل تتعرف عليه جيدا وتتأكد من حسن أخلاقه ونيته ..”
” ما بالكم تتحدثون جميعا بنفس الطريقة ..؟! حتى أنت يا أحلام تفكرين بنفس طريقة تهاني …!!”
قالها أشرف بعدم تصديق لترد أحلام بجدية :-
” والله لو كنت مكانها ما كنت لأزوج إبنتي لشاب ليس مضمونا يا أشرف .. شاب لست واثقة من قدرته على تحمل المسؤولية …”
قاطعها أشرف مرددا وهو مصدوما من تفكير زوجته :-
” ما هذا الكلام ..؟! على أساس إن كل شاب يعمل ومسؤول عن نفسه يصلح للزواج .. أخبريني كم شاب ينتمي لعائلة محترمة ومتعلما ويعمل بجدية ويبدو قمة في الأخلاق والإحترام لم يفلح في زواجه وتسبب بتعاسة زوجته …؟! نحن لا يمكن أن نحكم على نجاح زيجة من عدمها بناء على ما نراه خارجيا …”
” ولكن الحذر واجب …”
قالتها أحلام بإصرار ليسألها نضال ببرود :-
” غريب أمرك يا زوجة أبي … تتحدثين عن الحذر في إختيار الزوج بكل هذا الإصرار الغريب ومع هذا سمحت لإبنك أن تتزوج من سجين سابق .. ربما كان عليك أن تطبقي نصائحك أولا على إبنتك ..”
” نضال …”
صاح به أشرف بحزم بينما أوقفته أحلام وهي تقول :-
” ومن أخبرك إني موافقة على هذه الزيجة يا نضال .. ؟! هل تظن إنني سعيدة بزواج ابنتي منه ..؟!”
هتف أشرف بضيق:
” ما هذا الكلام يا أحلام …؟!”
قالت أحلام بقوة :-
” انا لم أوافق أبدا على هذه الزيجة وانت تعلم يا أشرف لكن حياة كانت مصرة لذا كنت مجبورة على الموافقة خاصة بسبب طبيعة علاقتنا وانا لم أرغب أن أخسرها بعدما سامحتني أخيرا …”
” ولماذا لا توافقين يا أحلام ..؟! ما به الشاب لترفضيه بهذا التعنت ..؟!”
رد نضال نيابة عنها :-
” خريج سجون يا أبي …”
نظر أشرف نحوه قائلا عن قصد :-
” المهم إن حياة تحبه وتريده ومقتنعة به تماما ..”
” نعم … ابنتي معمية بحبه للأسف …”
قالتها أحلام بحنق وهي تضيف :-
” عاطفتها تحكمت بها للأسف ..”
رد أشرف بقوة :-
” لو كنت تعرفين إبنتك جيدا ما كنت لتقولي هذا .. حياة ليست من هذا النوع .. رغم معرفتي القصيرة بها لكنني أدركت كم هي فتاة ذكية وواعية وتتصرف بتعقل وحكمة …”
قال نضال ببرود :
” برأيي إن زوجة أبي معها حق … يعني مهما كانت حياة واعية وذكية لكن في هذا الأمر تحديدا عواطفها من تحكمت بها لإنها لو كانت إتخذت قرارها بعد تحكيم عقلها ما كانت لتربط مصيرها بمصيررجل سجن مسبقا بتهمة مشينة كهذه .. حتى لو لم تفكر بنفسها كان عليها أن تفكر بمصير أطفالها منه والذين ستلتصق بهم تهمة والدهم الى الابد ..”
منحه أشرف نظرات نارية ليهتف نضال بتحدي :-
” لماذا تنظر إلي هكذا يا أبي ..؟! هل قلت شيئا خاطئا …؟!”
قال أشرف وهو بالكاد يتحكم بغضبه :-
” اتركوا الفتاة وشأنها .. دعوها تعيش مع زوجها بسلام .. عندما تشتكي لكم تحدثوا حينها ..”
قالت أحلام :-
” وهل سأنتظر حتى تشتكي …؟!”
تسائل أشرف بملل :
” ماذا جرى يا أحلام ..؟! أليست الفتاة بخير ..؟!”
ردت أحلام بجدية :-
” ونعم لكنني سأرتاح أكثر عندما أراها .. سأسافر قريبا لها …”
” حقا ..؟!”
هتفت بها حنين بدهشة فهزت أحلام رأسها وقالت :-
” نعم وانت ستأتين معي ..”
ابتسمت حنين بحماس بينما قال أشرف :-
” جيد إذهبي لها في إجازة منتصف العام ..”
قاطعته أحلام :-
” بل سأذهب بعد حوالي شهر …”
هتف أشرف بعدم تصديق :
” بهذه السرعة … الفتاة ما زالت عروس جديدة .. يعني من غير اللائق أن تذهبي عندهما بهذه السرعة …”
” والله المهم أن أطمئن على إبنتي وما زال هناك أمامي شهر كامل …”
زفر أشرف أنفاسه بضيق بينما قال نضال بجدية :-
” صحيح يا أبي … هناك شيء هام أريد إخبارك به …”
” ماذا هناك ..؟!”
سأله والده بإهتمام ليرد نضال بجدية :-
” لقد إتخذت قراري .. سوف أستقر هنا بشكل نهائي .. لا عودة الى كندا بعد الآن …”
” حقا …؟!”
قالها أشرف بسعادة وهو يتسائل مجددا :-
” يعني ستبقى هنا معي بعد الآن ..”
ابتسم نضال مرددا :-
” نعم سأبقى دائما … لم أكن أعلم إن هذا الخبر سيفرحك لهذا الحد …”
قال أشرف بصدق :-
” لطالما تمنيت أن يحدث هذا ولكنني لم أشأ أن أضغط عليك … الحمد لله لقد تحقق ما أردته لسنوات وسوف تستقر جانبي .”
ابتسم له نضال بينما رن هاتف أشرف ليخرجه فيقول :-
” هذا كرم يتصل بي …”
خفق قلب حنين بقوة ما إن نطق والدها إسم ابن عمها وهو يجيب عليه لتلتفت حنين نحو والدتها تسألها :-
” هل كرم يعلم بأمر الخطبة ..؟!”
ردت والدتها بجدية :-
” نعم ووافق أيضا ..”
سألتها بلهفة :-
” هل سيأتي ويحضر الخطبة ..؟!”
ردت والدتها وهي تهم بالنهوض :-
” كلا لكنه سيحضر الزفاف .. لقد أكد هذا لوالدك …”
ابتسمت لا إراديا وهي تشعر بالفرحة تملأ قلبها فإبن العم الغائب وحبيب طفولتها سيعود وتراه أخيرا ..
…………………………………………………………
كانت تتحدث معه الهاتف تقول :-
” ستبدأ منى الأسبوع القادم جلسات العلاج النفسي مع جيلان ..”
جاءها صوت عمار المرهق قليلا :-
” جيد …”
” هل انت بخير ..؟!”
سألته بقلق ليرد بنبرة بدت حزينة رغم سخريتها :-
” كيف سأكون بخير بعدما حدث ..؟!”
قالت محاولة التخفيف عنه :-
” لا بأس يا عمار .. لا تغضب منها .. جيلان صغيرة وتصرفت على فطرتها .. ”
قال بصدق :-
” انا لست غاضبا منها انا غاضب من نفسي .. انا خسرت جيلان يا شيرين .. خسرت أختي الوحيدة ..”
قاطعته بجدية :-
” لن تخسرها يا عمار .. جيلان الآن تعيش فترة مضطربة للغاية .. صدقني عندما تبدأ جلسات العلاج سوف تتحسن نفسيتها تدريجيا وحينها يمكنك التحدث معها وإخبارها كم إنك تحبها وتخاف عليها ..”
أطلق تنهيدة مرهقة وقال :-
” سأفعل أي شيء كي أكسب محبتها وثقتها مجددا ..”
” هي تحبك يا عمار .. صدقني .. هي فقط تتصرف نتيجة ما تعرضت له ..”
” هل تظنين إنها ما زالت تحبني ولم تكرهني بعد ..؟؟”
ردت بتأكيد :-
” بالطبع يا عمار .. هي لا يمكنها أن تكرهك … صدقني …”
قال بصدق :-
” ليتك كنت معي يا شيرين ..”
ردت بنفس الصدق :-
” انا معك أساسا يا عمار ..”
قال عمار بخفوت :-
” أقصد أن تكونين هنا جانبي …”
أضاف بجدية :-
” أنت تفهمين ما أعنيه …”
قالت بنبرة مترددة :-
” أفهم يا عمار ..”
تسائل بإهتمام :-
” إذا متى سيحدث هذا ..؟! متى سوف تفاتحين عائلتك بهذا الأمر ..؟!”
ردت بجدية :-
” في أقرب وقت يا عمار .. ”
قال بهدوء :-
” اتمنى ذلك …”
ودعته بعدها وأخذت تنظر أمامها بشرود عندما نهضت من مكانها وخرجت من غرفتها حيث هبطت الى الطابق السفلي لتجد أخيها وزوجته مع إبنيهما فألقت التحية وهي تجلس معهما لتتبادل النظر مع منى التي شعرت بوجود شيء فنطقت بتردد :-
” وليد … ”
نظر لها وليد بإهتمام لتهتف بجدية :-
” أريد إخبارك بشيء مهم .. قرار إتخذته …”
نظر لها وليد بهدوء لتهتف بثبات :-
” انا سأتزوج عمار الخولي …”
انتفض وليد من مكانه يصيح بعصبية :-
” ماذا تقولين انت ..؟! هل جننت ..؟!”
سارعت منى تنهض من مكانها وتجذب طفلها تتجه به الى الطابق العلوي بينما تقدمت والدتهما تتسائل بقلق :-
” ماذا حدث ..؟! لماذا صوتك عالي يا وليد ..؟؟”
رد وليد بغلظة :-
” إسألي إبنتك …”
نظرت والدتها نحوها وتسائلت :-
” ماذا حدث يا شيرين …؟!”
نهضت شيرين من مكانها تقول بجدية :-
” أخبرته إنني سأتزوج عمار الخولي … ”
رأت الصدمة في عيني والدتها فقالت :
” ما بالكما لا أفهم ..؟! أين الخطأ فيما قلته ..؟! أليس من حقي أن أتزوج الرجل الذي أريده ..؟!”
قال وليد بقوة :-
” بإمكانك أن تتزوجي الرجل الذي تريدنه بالطبع لكن يجب أن يكون رجلا محترما وجيدا ..”
نظرت له تردد :-
” انت لا تعرفه حتى تحكم عليه ..”
قال وليد ساخرا :-
” يكفي ما سمعته عنه حتى الآن ..”
” زوجي الأول كان يبدو مثاليا ومحترما لدرجة إنك وافقت عليه دون تردد وشجعتني على المضي في زيجتي منه .. ماذا حدث فيما بعد ..؟! تبين إن كل هذا الإحترام والمثالية ليست حقيقية ولا وجود لها من الأساس .. كان غطاءا ليس إلا .. ربما نفس الشيء مع عمار ويكون عكس ما يظهر أمامنا …”
قال وليد بعدم تصديق :-
” وهل سأجازف بك وأمنحك له عسى ولعل يظهر إنه عكس ما نعرفه عنه ..؟!”
” انا مسؤولة عن قراري يا وليد ..؟؟”
قالتها شيرين بقوة ليرد وليد بتحدي :-
” وهذا القرار مرفوض … وأي قرار سيؤذيك فهو مرفوض …”
نظرت إليه بصمت للحظات قبل أن تهتف :-
” يبدو إنك لم تفهم بعد .. انا لا أخذ رأيك … أنا أبلغك بقراري …”
اندفعت خارج المكان بعصبية لتتوقف مكانها وهي تسمعه يهتف بصوت قوي غاضب :-
” إفعلي ما تشائين .. انا لا يمكنني منعك .. لكن تأكدي إنني لست موافقا على هذه الزيجة يا شيرين وإذا تزوجتِ من ذلك الحقير فسوف تنسين إن لديك أخ إسمه وليد ..!!”
اعتصرت قبضتي يديها بقوة وغشت الدموع عينيها فسارعت ترتقي درجات السلم بعصبية وبكاء ..
……………………………………………………..
كانت تجلس على سريرها تنظر الى ملزمتها بإهتمام عندما دلف نديم الى غرفتها قائلا :-
” ألا تنوين الخروج والجلوس معي ..؟!”
رفعت وجهها نحوه تبتسم وهي تقول :-
” سأفعل .. فقط ربع ساعة أنتهي من المحاضرة الأخيرة وآتي عندك …”
ابتسم مرددا :-
” جيد ، أنتظرك ….”
خرح بعدها لتعاود النظر الى الصفحة المتبقية من المحاضرة وهي تخبر نفسها :-
” هيا يا حياة .. ركزي جيدا وسوف تحفظين بسرعة كعادتك ..”
ثم صبت جم تركيزها على الصفحة لتنتهي منها أخيرا فأغلقت المحاضرة وهي تأخذ نفسها براحة فتتأمل الساعة لتجد إنه مرت حوالي نصف ساعة بعد خروج نديم ..
نهضت مسرعة وخرجت من غرفتها وهي تقول :-
” آسفة لإنني تأخرت ولكن المادة كانت صعبة …”
توقفت وهي ترى المائدة التي أعدها وما تحويه من أطعمه بينما تقدم نديم نحوها وهو يحمل طبقا من الفواكه ويقول :-
” لا بأس .. المهم إنك أتيت .. ”
ابتسمت وهي تتسائل :-
” ما هذا يا نديم ..؟!”
وضع طبق الفاكهة يسألها بدوره :-
” ما رأيك …؟! هل أعجبك ما أعددته ..؟!”
قالت وهي تبتسم :-
” يعني مائدة متكاملة .. طعام عشاء وحلويات وفواكه وبوشار وشيبس والكثير ..”
رد مبتسما :-
” قلت لنغير الاجواء قليلا … ”
ابتسمت تردد بصدق :-
” انت رائع ..”
ضحك وقال :-
” ليس بقدر روعتك ..”
ثم جذبها من كفها وقال :-
” تعالي نتناول طعام العشاء اولا ثم بعدها نختار فيلما نشاهده سويا …”
” هيا …”
جلست جانبه وبدئا يتناولا طعام العشاء سويا وهما يتبادلان الأحاديث …
بعدما إنتهيا من تناول الطعام قال نديم وهو ينهض من مكانه ويمد يده نحوها :-
” هيا تعالي لنختر فيلما نراه …”
وضعت كفها داخل كفه ونهضت عندما رن هاتفها فوجدت ماذي تتصل بها لتقول :-
” دقيقة .. سأرد عليها وأعود ..”
هز رأسه بتفهم وهو يتجه ليقلب في الأفلام التي إشتراها بينما أجابت حياة على الإتصال ليأتيها صوت ماذي المتحمس :-
” حياة ، كيف حالك ..؟! اشتقت إليك كثيرا ..”
ردت حياة وهي تبتسم :-
” وانا أيضا اشتقت لك .. انت كيف حالك ..؟! ”
ردت ماذي :-
” انا بخير .. كنت خارج البلاد لبضعة أيام وعدت صباح اليوم ..”
” حقا .. الحمد لله على سلامتك ..”
ردت ماذي تشكرها :-
” أشكرك يا حياة …”
ثم قالت بعدها :-
“حسنا يا حياة … انا اتصلت بك لأدعوكِ على حفل عيدملادي الأسبوع القادم ..”
قالت حياة بسرعة :-
” كل عام وانت بخير .. ”
” شكرا حبيبتي .. ”
قالتها ماذي وهي تضيف :-
” ستأتين ، أليس كذلك ..؟! سأحزن حقا إذا لم تلبي دعوتي ..”
قالت حياة بتردد :-
” سأحاول ان شاءالله …”
هتفت ماذي بتذمر :-
” ماذا يعني ستحاولين ..؟! انت ستأتين بالطبع .. ألسنا صديقتين يا حياة ..؟! ظننت إننا أصبحنا كذلك بعدما فتحت قلبي لك وتحدثنا سويا كثيرا …”
ردت حياة بسرعة :-
” لماذا تتحدثين هكذا يا ماذي ..؟؟ نحن بالطبع صديقتان ..”
قالت ماذي بجدية :-
” إذا ستأتين الى حفل العيد ميلاد…”
قالت حياة بخفوت :-
” ان شاءالله ..”
ودعتها حياك بعدها ثم عادت الى صالة الجلوس ليشير نديم إليها وهو يتفحص الأفلام :-
” تعالي وإختاري فيلما على ذوقك …”
تقدمت نحوه وأخذت الأفلام تقلب فيهم عندما سألها :-
” من كانت تتصل بك ..؟!”
ردت بجدية :-
” ماذي …”
صاح بلا وعي :-
” نعم .. ماذي ..!!”
نظرت له بتأهب وقالت :-
” نعم يا نديم .. ماذي التي جلبتها ..”
” أعلم إنها الفتاة التي جلبتها الى هنا ولكن لماذا تتصل بك ومن أين حصلت على رقمك أساسا ..؟!”
ردت حياة بتردد :-
” انا منحتها رقمي ..”
صاح مجددا :-
” ماذا تقولين انت ..؟! لماذا تمنحيها رقمك أساسا …؟!”
قالت حياة بجدية :-
” اهدأ يا نديم .. الفتاة ليست سيئة … ”
قاطعها بحنق :-
” بعد كل ما أخبرتك عنها ..”
” نديم … صدقني هي ليست سيئة .. هي فقط لديها ماضي تعاني بسببه …”
قالتها بجدية ليزفر أنفاسه وهو يسألها بضيق :-
” وماذا كانت تريد منك الهانم …؟!”
ردت بخفوت :-
” تدعو كلينا على حفلة عيدميلادها …”
” اللعنة.. هذه إعتبرت نفسها صديقة لنا حقا ..”
قالها بعصبية لتهتف حياة :-
” وأين المشكلة في هذا يا نديم ..؟!”
” لا تثيري جنوني يا حياة .. تلك الفتاة لا أرتاح لها بتاتا …”
زمت شفتيها بعبوس ليزفر أنفاسها مجددا قبل أن يقول على مضض :-
” حسنا ، دعينا نختار فيلم ونشاهده .. لن نسمح لفتاة كهذه أن تخرب سهرتنا ..”
وضعت حياة الأفلام على الطاولة وقالت :-
” إختر انت ..”
اتجهت تجلس على الكنبة ليتأملها صمتها فيتجه ويجلس جانبها مرددا:-
” هل تضايقت مني ..؟! صدقيني انا أتصرف هكذا خوفا عليك …”
نظرت إليه وقالت بخفوت :-
” حتى لو .. عليك أن تثق بي قليلا والأهم ألا تحكم على الأشخاص بدون معرفتهم عن قرب …”
” حسنا لا تتضايقي .. لنكمل سهرتنا كما بدئناها ..”
قالها برجاء لتبتسم وهي تقول :-
” حسنا ولكنني حقا لا أعرف أي فيلم أختار ..”
نظر الى قائمة الأفلام بحيرة لتهتف بجدية :-
” ما رأيك أن نشاهد فيلم رومانسي حزين ..؟!”
” أي فيلم ..؟!”
سألها بإهتمام لترد بخفة :-
” انت بالتأكيد شاهدته مثلي فأنا شاهدته مرارا لكنني أحبه .. فيلم Me before you ”
رد نديم بجدية :-
” سمعت عنه كثيرا لكننه لم أشاهده مسبقا ..”
” حقا لم تشاهده …؟!”
سألته بدهشة ليومأ برأسه فتقول بحماس :-
” انه فيلم رائع ومقتبس من رواية تحمل نفس الإسم .. قرأت الرواية عدة مرات وشاهدت الفيلم عدة مرات كذلك …”
” طالما يعجبك الى هذا الحد دعينا نراه ..”
قالها بجدية فقالت :
” ربما لا يعجبك فهو حزين قليلا ..”
قال مبتسما :-
” كل شيء يعجبك يعجبني يا حياة ..”
ابتسمت وهي تنهض من مكانها وتحمل هاتفها لتربطه بالتلفاز العريض كي تفتح الفيلم …
بعد مدة من الزمن كانت حياة تجلس بجانبها تشاهد أخداث الفيلم بتركيز شديد وإندماج ورغما عنه إندمج نديم كذلك في الفيلم الذي إنتهى أخيرا لتمسح حياة وجهها بسرعة تخفي آثار التأثر وهي تتسائل :-
” ما رأيك …؟!”
رد بجدية وهو ينظر الى عينيها الحمراوين وقد فهم إنها تأثرت بالفيلم :-
” رائع ..”
ابتسمت مرددة :-
” أحبه كثيرا ..”
” نعم ولكن نهايته حزينة جدا ..”
قالها بجدية لتهز رأسها موافقة وهي تردد :-
” وهذا ما أجمل ما فيه ..”
” كيف يعني ..؟!”
سألها مدهوشا لترد :-
” يعني ربما يبدو شيئا غريبا لكنني أحب هذا النوع من النهايات … النهايات التي تنتهي بهذه الطريقة ربما لإن جميع قصص الحب الخالدة كانت نهايتها مأساوية …”
ابتسم يتسائل :-
” غريب أمرك … ”
قالت موضحة :-
” انظر الى هذا الفيلم مثلا .. لو كانت نهايته سعيدة ما كان ليبقى في ذاكرة المشاهدين لهذه الدرجة … لا أعلم ولكن النهايات الحزينة تخلد الى الأبد وتبقى محفورة في الذاكرة …”
” برأيي إن نهاية الفيلم كانت منطقية.. يعني أساسا لم يكن هناك هناك أمل أن ينتهي الفيلم بسعادة …”
أضاف مكملا :-
” في النتيجة ما فعله البطل وإختيار الموت الرحيم هو منطقي جدا لوضعه …”
همست مبتسمة :-
” هو لم يفعل ذلك فقط لأجله .. فعل ذلك لأجلها هي … كي لا تربط حياتها به وتتعذب معه الى الأبد.. عندما أفكر بهذه الطريقة أشعر بمدى حبه لها .. فكرة أن يضحي شخص بحياته لأجل شخص آخر تبدو فكرة ثمينة حقا ونادرة في زمننا هذا …”
صمتت قليلا يتأملها قبل ان يهمس :-
” من الواضح إنك متأثرة جدا بأحداث هذا الفيلم ..؟؟”
ردت وهي تنظر اليه :-
” أحب التفاصيل التي فيه .. تضحيتها بالكثير لأجل البقاء جانبه ورعايته .. إهتمامه هو بأبسط التفاصيل التي تحبها ..، لا أعلم ولكن أحب هذه الأشياء والأهم يبدو لي إن من يعيش هكذا تجربة فهو شخص محظوظ …”
ضحك وهو يردد غير مصدقا :-
” محظوظ ..؟! هل تريدين تجربة هذا إذا ..؟؟ يعني مثلا أضحي لأجلك وأموت لأجلك فترثيني أنت وتعيشين على أطلال حبي …”
” لا تكن سخيفا يا نديم ..”
زجرته بضيق ليهتف يسألها بجدية ظهرت على ملامحه :-
” حقا يا حياة ..؟! هل يمكن أن تضحي بحياتك أمامي ..؟! يعني لو كانت هناك رصاصة قادمة نحونا وانا وانت نقف بجانب بعضنا ، هل سوف تسارعين وتقفين أمامي لتصيبك الرصاصة بدلا مني …؟!”
تأملته بصمت للحظات وعيناها تتخيلان الموقف رغما عنها فتهمس بعينين شاردتين في تخيل تفاصيل الموقف :-
” عادة هذا يكون رد فعل لا إرادي .. يعني انا مثلا إذا تعرضت لموقف كهذا فلن أتردد لحظة واحدة في محاولة إنقاذك … انا احبك وبالتالي سأفعل أي شيء لحمايتك .. بالنسبة لي الحب يتلخص هنا .. لذا جوابي على سؤالك هو نعم .. سأقف أمامك وأخذ الرصاصة بدلا عنك ..”
ابتسم لها قبل أن يقول بصدق :-
” لن تلحقي أن تقفي أمامي أساسا لإنني قبلها سأكون دفعتك بعيدا عن المكان لأبقى وحدي في مواجهة الرصاصة …”
نظرت له بصمت للحطات قبل ان تضحك وهي تقول :-
” ما بالنا نتسابق على الموت ..؟!”
ابتسم مرددا :-
” انت من تريدين نهاية حزينة يا حياة .. ”
تأملته بطرف عينيها ليقول مبتسما بهدوء :-
” عديني فقط ألا تنسيني بعدها …”
نظرت له مصدومة مما يقوله فتهمس بعدم استيعاب :-
” ما هذا الكلام ..؟! انت بخير ولن يصيبك شيء …”
ربت على جانب وجهها وقال مبتسما :-
” لا تقلقي .. يبدو إنني تأثرت بالفيلم قليلا ..”
اضاف وهو ينهض من مكانه :-
” دعيني أفتح لك فيلما آخر لكن على ذوقي هذه المرة .. فيلما كوميديا …”
تابعته وهو يبحث عن الفيلم في هاتفه بينما شردت رغما عنها في كلماته ولا تعلم لماذا تأثرت بها كثيرا ..؟!
……………………………………………………….
دلفت الى الفيلا التي تسكن فيها لترحب بها الخادمة فتسألها ماذي :-
” ستيلا هانم هنا ..؟!”
ردت الخادمة :-
” نعم .. نائمة في غرفتها منذ عدة ساعات ..”
هزت رأسها بتفهم ثم اتجهت نحو الطابق العلوي ورمت حقيبتها على سريرها بإهمال قبل أن تخلع قميصها وتهم بخلع بنطالها ولكن رنين هاتفها أوقفها فسارعت تخرج هاتفها من حقيبتها لتنفرج ملامحها وهي ترى الهاتف يضيء بإسمه ..
” ميرو ..”
قالتها بسعادة ليأتي صوته المنزعج يؤنبها :-
” توقفي عن قول هذا الإسم يا ماذي ..!!”
صحكت تتسائل ببراءة :-
” ما به اسم ميرو .. ؟!” الخطأ مني لإنني أدلعك ”
هتف بضيق :-
” اسم يليق بشاب تافه وسخيف مثله ..”
ضحكت بخفة وهي تقول :-
” انا لإني أحبك أحب تدليعك …”
رد بجدية :-
“إختاري طريقة أخرى لذلك من فضلك ..”
أضاف ممازحا :-
” اسمي عمار فلا تناديني سواه من فضلك ..”
زمت شفتيها ترددد :-
” كما تريد ..”
تسائل بإهتمام :-
” إدا كيف الأحوال عندك ..؟!”
ردت تصطنع الصيق :-
” جيد إنك تذكرت .. لم تتصل بي منذ فترة .. ظننت إنك نسيتني ونسيت ما أردته مني ..”
رد بسرعة :-
” كنت مشغولا للغاية الفترة السابقة يا ماذي … ”
سألته بغيرة :-
” مشغول بإمرأة ..؟!”
ضحك مرددا :-
” أكثر من إمرأة …”
” وماذا عني …؟!”
سألته ببحة جذابة ليتسائل مدعيا عدم الفهم :-
” ماذا بك انت ..؟!”
ردت :-
” متى ستشعر بي ..؟!”
قال بخفة :-
” ماذا قلنا يا ماذي ..؟!”
زفرت أنفاسها وهي تردد :-
” حسنا ، نحن أصدقاء فقط لا غير ..”
ابتسم مرددا :-
” نعم رغم إنك صغيرة جدا على أن تكوني صديقتك ..”
أضاف يتسائل بإهتمام :-
” المهم أخبريني .. ماذا حدث معك بعدما أرسلت المعلومات … هل توصلت لشيء …؟!”
ردت بسرعة :-
” كم أنت قديم يا رجل .. انا لم أتوصل الى شيء فقط .. انا تعرفت على أخيك بل وبت في منزله أيضا ..”
نهض من مكانه يردد بعدم تصديق :-
” تمزحين ..؟!!”
قالت وهي تضحك بحماس :-
” والله ..”
” بهذه السرعة .. كيف فعلتها يا فتاة ..؟!”
سألها مدهوشة لترد بثقة :-
” انا ماذي يا بك …”
سألها :-
” ماذا حدث ..؟! أخبريني ..”
” تعرفت عليه وعلى زوجته وقضيت يوما كاملا في شقتهما …”
” رائع يا ماذي ..”
أكملت بتفاخر :-
” وسارعت لتوطيد علاقتي بزوجته فهو صعب للغاية لذا قررت الدخول عن طريق زوجته ..”
سأل بإهتمام :-
” هل حدث شيئا مهما حتى الآن ..؟! ”
قالت بسعادة كمن حصل على جائزة :-
” خذ الكبيرة .. ينامان في غرفتين منفصلتين ..”
” تمزحين ..!!”
قالها بعدم تصديق لتهتف موضحة :-
” نعم … إستغليت إنشغال زوجته وبحثت في الغرف .. كلاهما يعيش في غرفة منفصلة عن الآخر .. ”
” يا لك من ماكرة ..”
قالها بسعادة إنتقلت إليها وهي تقول :-
” انت لم تر شيئا بعد ..”
قال بسرعة :-
” أريد أن أرى .. أريد أن أرى الكثير يا ماذي … كنت أعلم إنكِ لن تخيبي ظني بك ..”
قالت بثقة :-
” عيب يا باشا … صدقني أفعل كل هذا لأجل عيونك…”
” أعلم يا حلوتي ..”
قالها مبتسما وهو يتسائل بحماس :-
” إذا ما الخطو القادمة ..؟!”
قالت بجدية :-
” الخطوة القادمة قيد التنفيذ .. أنت إجلس مكانك مسترخيا يا حضرة الباشا وقريبا سأزف لك بشرى طلاق أخيك من زوجته …”

فتحت عينيها على صوت رنين هاتفها فإعتدلت على الفور تتأمل الهاتف الذي أعاده لها من كان يحمل لقب زوجها بعدما طلقها ..
منذ ذلك اليوم وتشعر بشعور غريب من الإستقرار ..
لا تعلم إذا ما كان سبب ذلك الشعور هو احتواء عمها الذي كانت تحتاجه منذ وقت طويل أم طلاقها من ذلك الرجل الذي لا تحب أن تذكر إسمه حتى ..
عمها عابد قدم لها ما عجز الجميع عن تقديمه .. حتى والدها لم يهتم بها هكذا…
تأملت اسم أخيها الذي يضيء شاشة الهاتف فشعرت بتردد شديد .. هل تجيبه أم تتجاهله كما فعلت خلال اليومين السابقين ..؟!
همت بالضغط على زر الرفض لكنها تراجعت وهي تأخذ نفسا عميقا ثم تجيب على إتصاله ليأتيها صوته المتلهف :-
” جيلان صغيرتي .. كيف حالك ..؟!”
أخذت نفسا عميقا ثم أجابت :-
” انا بخير .. ”
سألها معاتبا:-
” لماذا تتجاهلين إتصالاتي يا جيلان .. لا تدركين حجم قلقي عليكِ …”
ردت بجدية وقد حاولت أن تتناسى ما فعلت فمهما حدث يظل هو أخيها الذي تحبه كثيرا :-
” انا بخير يا عمار .. فقط لم أكن أرغب بالتحدث مع أي شخص ..”
أكملت بعدما أطلقت تنهيدة مسموعة :-
” كنت بحاجة للإنفراد بنفسي بعيدا عن الجميع …”
” وكيف أصبحتِ الآن ..؟! هل تشعرين بشكل أفضل ..؟!”
سألها بإهتمام شديد لترد محاولة طمأنته :-
” انا بخير .. لا تقلق .. لقد تجاوزت الكثير أساسا …”
كانت المرة الأولى التي يسمعها تتحدث بهذه النبرة المختلفة ..
نبرة هادئة تحمل ثقة لا بأس بها ..
ثقة جديدة عليها وهدوء مختلف ..
هدوء يحمل بين طياته رغبة بالنهوض …
وكأن هناك قوة وليدة من داخلها ظهرت خلال نبرة صوتها …
وعلى عكس ما توقع فقد شعر براحة بعدما سمع نبرتها تلك وكلماتها وكأنها تخبره ألا يقلق .. لقد عادت جيلان القديمة أو ستعود قريبا .. ليس مهما .. المهم أن تعود أخته الى سابق عهدها .. أن ترمم ما تحطم بها والذي كان هو سببا أساسيا له ..!!
” كل ما يهمني أن تكوني بخير …”
قالها بصدق ليعم الصمت للحظات وملامحها تدل على عدم إقتناعها بما يقوله ..
همس بإسمها مستغربا صمتها المفاجئ لتسأله بتردد :-
” ألم تنزعج مني بعدما أوكلت وصايتي لعمي عابد ..؟!”
رد بسرعة وكأنه كان ينتظر سؤالها :-
” أبدا .. أنا أتفهمك يا جيلان .. للأسف انا لم أكن على قدر المسؤولية ولهذا تصرفك كان في محله ولكن ارجوكِ سامحيني على جميع أخطائي في حقك … رغم كل شيء أنا غايتي الأولى والأخيرة كانت حمايتك والحفاظ عليك وعلى ثروتك …”
إبتلعت ريقها تهتف بصوت مبحوح :-
” أشكرك لتفهمك هذا ..”
نطق بصعوبة :-
” جيلان ، انا دائما موجود ومهما حدث سأبقى أخوك الوحيد .. لا تنسي هذا من فضلك ..”
همست بنبرة يسيطر عليها الحزن :-
” المهم ألا تنسى أنت ذلك …”
رد على الفور :-
” لم أنسَ ذلك يوما ولن أنسى ..”
ابتسمت بصمت ثم ودعته وأغلقت الهاتف تتأمله بسكون قبل أن تسمع صوت طرقات على باب جناحها فتتجه لفتح الباب لتجد الخادمة تبتسم لها وهي تخبرها :-
” عابد بك ينتظرك في الأسفل مع بقية العائلة لتناول الفطور …”
ابتسمت جيلان وهي تهتف بهدوء :-
” حسنا .. ”
أغلقت الباب بعدها وتوجهت نحو خزانة ملابسها تبحث عن شيئا مناسبا ترتديه …
وأخيرا إختارت فستانا زهريا بسيطا رقيقا للغاية فقررت إرتدائه ليمنحها مظهرا شديد البراءة والطفولية ..!
رفعت شعرها على شيكل ذيل حصان طويل ثم وضعت القليل من عطرها برائحة الفراولة وغادرت جناحها ..
سارت بهدوء متجهة الى الطابق السفلي حيث غرفة الطعام لتدلف الى الداخل وهي تلقي التحية ليرد الجميع تحيتها وقد إرتسمت الإبتسامة لا إراديا على وجوههم عندما رأوها بهذه الحالة المختلفة عن العادة بشكل ملحوظ …
اتجهت وأخذت مكانها الى جانب فيصل الذي همس لها :-
” تبدين اليوم جميلة للغاية يا جيلان ..”
توردت وجنتاها وهي تشكره بخفوت عندما سألها راغب بإهتمام والذي لم يرها منذ ذلك اليوم في المكتب :-
” كيف حالك جيلان ..؟! أتمنى أن تكوني أفضل الآن ..؟!”
ردت وهي تبتسم بلطف :-
” بخير .. أشكرك ..”
هتف عابد بجدية :-
” الدراسة ستبدأ بعد إسبوعين .. ”
أكمل وهو ينظر إليها :-
” هذه سنتك الأخيرة ويجب أن تبدئي دروسك الخصوصية بأسرع وقت …”
أكمل يسألها :-
” إذا لا يمكنك اللحاق الآن فيمكننا تأجيل إمتحاناتك للصيف ..؟!”
قاطعته بسرعة :-
” كلا يا عمي ، يمكنني اللحاق .. لا داعي للتأجيل ..”
قال عابد :-
” جيد .. إختاري الإستاذة الذين تريدنهم كي يتم الإتفاق معهم ..”
قالت زهرة بجدية :-
” إترك هذا الأمر لي يا عابد .. سنبحث انا وجيلان عن أفضل الأساتذة ونتفق معهم ..”
منحت جيلان إبتسامة صادقة لتبادلها جيلان إبتسامتها بينما قالت توليب فجأة :-
” طالما إن دراسة جيلان ستبدأ بعد إسبوعين ، لم لا نخرج الأيام القادمة لغرض الترفيه قليلا قبل الدراسة …”
هتف عابد مشجعا :-
” فكرة رائعة ..! ما رأيك يا جيلان ..؟!”
ردت جيلان وهي تبتسم بهدوء :-
” إنها فكرة رائعة حقا ..”
قالت توليب بحماس :-
” لننهي فطورنا ونستعد للخروج اليوم .. ”
أشارت الى همسة :-
” تعالي انت والأولاد أيضا … ”
ردت همسة مبتسمة :-
” حسنا ، فكرة جيدة …”
سأل عابد زوجته :-
” ما رأيك أن تذهبي معهم يا زهرة ..؟!”
ابتسمت زهرة وهي تجيب :-
” حسنا سأذهب ..”
قال فيصل مصطنعا الضيق :-
” ليتني أستطيع المجيء لكنني للأسف مرتبط بعدة مواعيد ..”
ضحكت توليب مرددة بخفة :-
” مواعيد مهمة بالطبع ..”
رمقها فيصل بإبتسامة باردة بينما قال عابد وهو ينهض من مكانه :-
” إذا النساء سيغادرن وفيصل لديه مواعيد مهمة وراجي في المشفى ..!!”
أشار الى راغب :-
” لم يتبقَ سوانا .. سنتناول طعامنا في احد المطاعم .. أخبروا الخدم أن يجهزوا الطعام فقط لمهند وتلك الفتاة ..”
هم بالتوجه خارج المكان عندما سمع جيلان تهتف به :-
” هل يمكنني التحدث معك قليلا يا عمي ..؟!”
أجاب على الفور :-
” بالطبع ابنتي ..”
نهضت من مكانها واتجهت نحوه تسير جانبه عندما قالت :-
” هل يمكنني تبديل جناحي ..؟!”
سألها :-
” يمكنك بالطبع ولكن لماذا ..؟!”
قالت بجدية :-
” يعني ذلك سيكون أفضل لي ..”
سألها بقوة :-
” هل طلب أحدهم منك هذا ..؟!”
ردت بسرعة :-
” أبدا .. انا أردت ذلك .. يعني هذا جناح مهند و …”
” جيلان .. مهند سيأخذ جناحا آخر ..”
قالت جيلان بتردد :-
” ولكن يا عمي انا لست مرتاحة في هذا الجناح .. يعني لدي ذكريات ليست لطيفة به …”
ابتسم بتفهم وقال :-
” حسنا يا عزيزتي .. طالما تريدين ذلك سيحدث … سأخبر زهرة أن تجهز لك جناحا جديدا يليق بك .. سيكون الجناح جاهزا الليلة بإذن الله ..”
إبتسمت تشكره ممتنة :-
” أشكرك حقا …”
ربت على كتفها بأبوة مرددا :-
” على الرحب والسعة يا صغيرتي ..”
غادر بعدها لتتسع إبتسامتها وقد شعرت بإن عمها عوضها عن حنان أبيها ورعايته التي إفتقدتها منذ وقت طويل بل تشعر إنه يحنو عليها أكثر من والدها الراحل حتى ..
أفاقت على صوت غليظ أجفلها:-
” إنها المرة الأولى التي أراك فيها تبتسمين هكذا .. يبدو إنه تأثير الطلاق عليكِ …”
إستدارت نحوه بملامح مشدودة ليقترب منها أكثر مرددا :-
” ماذا حدث …؟! هل رأيت عفريتا ..؟!”
حاولت التحدث بلا مبالاة فقالت :-
” ماذا تريد ..؟!”
ابتسم بخفة مرددا :-
” أريد سلامتك ..”
قالت وهي تهم بالتحرك :-
” فقط إبتعد عني وسأكون سالمة ..”
قبض على ذراعها يوقفها قائلا بتحذير :-
” انا بالفعل إبتعدت عنك ولكن بمزاجي ..”
أضاف وعيناه تتمعنان النظر إلى عينيها الخضراوين :-
” ويمكنني إعادتك الى عصمتي حالا فأنت ما زلتِ في أشهر العدة …”
أنهى كلماته وتركها على الفور مغادرا المكان لتتشنج ملامحها مجددا وشعور الخوف تملك منها لا إراديا ..
مسحت على وجهها محاولة السيطرة على مشاعرها المنتفضة عندما سارت عائدة الى جناحها لتراها في وجهها تخرج من جناحها ..
تجاهلتها متجهة نحو جناحها عندما سمعت صوتها ينادي عليها …
إستدارت نحوها تنظر لها بصمت لتسير تقى نحوها وهي تبتسم ملأ فمها …
سألتها ببرود وهي تقف أمامها :-
” كيف حالك ..؟! ”
ردت جيلان بخفوت :-
” بخير …”
عادت تسألها مصطنعة الأسف :-
” علمت بما حدث .. الحمد لله على سلامتك … كيف يمكنك فعل هذا يا جيلان … ؟! الروح عزيزة يا صغيرة …”
تجمدت ملامح جيلان عندما أكملت تقى تهمس لها بأذنها :-
” لكن مع هذا أشكرك على فعلتك هذه فلولاها ما كان مهند يستطيع التخلص منك …”
ابتعدت عنها تبتسم لها بشماتة لتتجه جيلان نحو جناحها تدلف داخله وتغلق بابه خلفها بقوة لتضحك بصوت عالي وعيناها تشع إنتصارا ..!!

بعد مدة من الزمن ..
أخذت جيلان تساعد الخادمة في تجميع ملابسها والتي عادت تخبرها مجددا :-
” إرتاحي انتِ يا هانم وأنا سأرتب كل شيء …”
لكن جيلان إعترضت :-
” دعيني أساعدك من فضلك …”
ثم إستمرت في عملها معها عندما كانت تحمل أغراضها وتضعها داخل حقائب كبيرة يتم نقلها الى جناح آخر عندما سمعت صوت طرقات على باب جناحها يتبعها دخول توليب التي تسائلت بإستغراب :-
” ماذا تفعلين يا جيلان ..؟! ألم تتجهزِ للخروج بعد …؟!”
رفعت جيلان وجهها نحوها تجيبها :-
” لقد نسيت الأمر تماما … إنشغلت بجمع أغراضي …”
” أين ستذهبين ..؟!”
سألتها توليب بقلق وهي تتقدم نحوها لتبتسم جيلان وهي تجيب :-
” طلبت من عمي الإنتقال الى جناح آخر ..”
سألتها توليب بإستغراب :-
” لماذا ..؟!”
ردت جيلان بخفوت :-
” سأرتاح أكثر ..”
ابتسمت توليب مرددة بلطف :-
” كما تشائين … ولكن غيري ملابسك بسرعة لنغادر ودعي ضحى تكمل ترتيب ملابسك وتنقلها مع خادمة أخرى الى جناحك الجديد …”
ردت جيلان بنفس الإبتسامة اللطيفة وهي تومأ برأسها :-
” حسنا سأفعل …”
غادرت توليب بعدها لتخبر جيلان الخادمة :-
” سأغير ملابسي يا ضحى … أنهي ما تبقى من عمل …”
” بالطبع يا هانم …”
قالتها ضحى بجدية لتحمل جيلان فستانا بسيطا مناسب للخروج وتتجه الى الحمام لترتديه …
خرجت من الحمام وهي ترتدي الفستان عندما فكت شعرها وسرحته بعناية قبل أن تتركه منسدلا فوق ظهرها وتكتفي برفعه من الجانبين …
وضعت عطرها المفضل ثم إرتدت قلادة صغيرة ومنحت نفسها إبتسامة هادئة وقررت المغادرة …
هبطت درجات السلم عندما وجدت احدى الخادمات تتقدم نحوها وهي تحمل صندوقا صغيرا تخبرها وهي تمد الصندوق نحوها :-
” لقد وصل هذا الصندوق لك يا هانم ..”
أخذت جيلان الصندوق وهي تردد بعدم إستيعاب :-
” لي أنا ..!!”
” نعم لكِ …”
قالتها الخادمة بتأكيد لتومأ جيلان رأسها بتفهم وهي تنظر الى الصندوق بإستغراب قبل أن تحمله وتتجه به الى جناحها …
دلفت الى الجناح واتجهت نحو سريرها حيث وضعت الصندوق على السرير وجلست أمامه متجاهلة نظرات الخادمة المتسائلة …
فتحت الصندوق لتجد العديد من الأغراض عندما إمتدت يدها تسحب علبة مخملية زرقاء فتحتها لتجد بها طقما ماسيا من الزمرد جعلها تجفل للحظات وهي تتذكر ذلك الطقم الذي أهداه والدها لوالدتها يوم زفافهما …
تأملت الطقم بألم ظهر في خضار عينيها عندما رفعت وجهها بتأثر تأخذ نفسا عميقا عندما همست تشير الى الخادمة :-
” هل يمكنك أن تتركيني لوحدي قليلا …؟!”
هزت الخادمة رأسها بتفهم وغادرت بينما عادت جيلان تنظر الى الطقم وقد تشكلت الدموع مجددا داخل عينيها …
وضعت العلبة جانبا ثم سحبت القطعة الأخرى والتي كانت شالا لوالدتها ترتديه فأخذت تلمسه بأنامل مرتجفة قبل أن تضعه فوق أنفها فتشعر برائحة والدتها ما زالت عالقة به …
جذبت بعدها صورة والدتها وهي تبتسم بسعادة وقد بدت في عمر قريب من عمرها …
تساقطت دموعها هذه المرة بغزارة وهي تتأمل إبتسامة والدتها الرزينة ونظرتها التي بدت مزيجا من القوة والثقة والطموح …
وأخيرا حملت تلك الورقة التي كانت عبارة عن شيك بمبلغ ضخم وهو مؤخر صداقها فتأملت الشيك والدموع الحارة ما زال تغطي وجنتيها عندما مسحت دموعها بقوة وهي تأخذ نفسا عميقا عدة مرات …
بعد لحظات نهضت من مكانها وأعادت العلبة والصورة داخل الصندوق لكنها حملت الشال وكذلك الشيك …
جذبت حقيبتها الصغيرة ووضعت به الشيك ثم حملت الشال ولفته حول رقبتها بسرعة لتغادر بعدها المكان على عجلة …
خرجت الى الحديقة ومنها الى كراج القصر لتطلب من السائق أن يوصلها الى مكان ما …
نفذ السائق لها أوامرها بعدما أوصاه عابد مسبقا أن يوصل جيلان الى المكان الذي تريده على أن يبقى معها ويتابعها ولا يغفل عنها أبدا …
وأخيرا أوقف السائق سيارته أمام المقبرة لتهبط منها وتتجه بسرعة الى داخل المقبرة التي تزورها للمرة الأولى فهي لم تزر والدتها طوال حياتها حيث دائما ما كانت تخشى المقابر بشدة …
سارت بخطوات متعثرة قليلا بسبب خوفها من المكان وهي تبحث عن قبر والدتها عندما شهقت بفزع وهي تسمع صوتا يتسائل خلفها :-
” هل تحتاجين مساعدة…؟!”
إلتفتت نحوه تتأمله فوجدته شابا يبدو في بداية العشرينات وسيم الطلعة يضيف بجدية :-
” أعتذر ، لم أكن أريد إفزاعك …”
ردت بخفوت :-
” لا عليك ….”
” إذا ، تبحثين عن قبر من هنا …؟!”
ردت بصوت خافت :-
” قبر والدتي …”
نظر إليها بأسف فهي ما زالت صغيرة للغاية على فقدانها لوالدتها عندما سألها مهتما من جديد :-
” ما إسمها ..؟!”
ردت بنفس الخفوت :-
” ديانا .. ديانا عمار عدنان … انا لا أعرف مكان القبر ..”
أكملت بخجل :-
” لم آتِ هنا من قبل …”
ابتسم لها بهدوء وهو يردد :-
” تعالي معي .. نسأل حارس المقبرة عن مكان القبر ..”
سارت خلفه بتردد عندما قابلا حارس المقبرة الذي أخذ يدلهما على مكان القبر …
وصلا الى هناك أخيرا لتتأمل جيلان القبر بقلب خافق وعينين مدمعنين ورهبة شديدة …
كانت المرة الأولى التي ترى فيها قبر والدتها فوقفت متصنمة مكانها للحظات بقلب مرتجف بشدة عندما تقدمت بخطوات مترددة نحو القبر تتأمل إسم والدتها المحفور فوقه فتتساقط الدموع من عينيها مجددا حتى أغشتها تماما …
ظلت تبكي بصمت لأكثر من عشر دقائق عندما فتحت حقيبتها تبحث عن منديل تمسح به دموعها ولحسن حظها وجدت بضعة مناديل ورقية فسارعت تجفف دموعها قبل أن تتنفس بعمق ثم تقرأ الفاتحة بشفاه مرتجفة وهي تكتم بكائها داخلها بقوة ….
أنهت قراءة سورة الفاتحة وأخذت تنظر الى قبر والدتها تمنحها وعدا ظهر من العدم فجأة …
وعدا بأن تصبح أقوى وألا تسمح لأي شيء أن يهزمها ..
لمست الشال المحيط برقبتها بأطراف أناملها قبل أن تمنح قبر والدتها نظرة أخيرة وتهم بالمغادرة لتنتبه الى نفس الشاب يقف امام قبر إحداهن يتأمله بصمت وسكون غريب …
وقفت تنتظره لفترة فهي تريد شكره عندما إستدار أخيرا ليتأملها بقليل من الدهشة قبل أن يسير نحوها فتبادر القول :-
” أردت أن أشكرك على ما فعلته معي ..”
ابتسم بهدوء مرددا :-
” لا داعي للشكر … لم أقم سوى بواجبي …”
ابتسمت ممتنة وهي تهم بالتحرك بعدما ألقت نظرة على القبر الذي كان يقف أمامه فوجدته قبر لفتاة إسمها ياسمين وقد تبين من تاريخ وفاتها إنها توفيت في العشرين من عمرها فشعرت بقبضة قوية مؤلمة داخل قلبها وهي تسير خارج المكان ..
ركبت السيارة مجددا وطلبت من السائق أن يعيدها الى القصر ..
وفي طريق العودة أخرجت الشيك من حقيبتها وأخذت تتأمله بصمت عندما وصلت الى القصر لتهبط من السيارة وتتجه الى داخل القصر فتجد زوجة عمها وتوليب تتسقبلانهاو تتسائلان بقلق عن سبب خروجها المفاجئ لكنها فاجئتهما عندما تسائلت بدورها :-
” أين مهند …؟! ”
تبادلت زهرة النظرات مع ابنتها عندما صدح صوت عمها يسألها :-
” ماذا تريدين من مهند يا ابنتي ..؟!”
نظرت جيلان الى عمها تجيبه :-
” أريده في شيء هام …”
نادى عابد على الخادمة يطلب منها أن تنادي مهند بينما نظرت له زهرة بقلق فمنحها نظرة مطمأنة …
جلست جيلان على الكنبة وهي ما زالت تحمل الشيك داخل كفها عندما تقدم مهند الى الداخل متعجبا من طلب والده لرؤيته فسأله :-
” نعم بابا … لمَ طلبت رؤيتي ..؟!”
رد والده وهو يشير الى جيلان :-
” جيلان من أرادت رؤيتك ..”
نظر مهند الى جيلان للحظات فوجدها تتطلع اليه بهدوء غريب عندما سألها ببرود :-
” نعم ، ماذا تريدين ..؟!”
نهضت من مكانها وتقدمت نحوه ومدت الشيك له لينظر الى الشيك بإستغراب يتسائل من جديد:-
” ما هذا الآن ..؟!”
ردت بجدية :-
” مؤخر صداقي .. لا أريده ..”
هتف بسخط :-
” وماذا أفعل به أنا …؟!”
ردت بنفس الجدية :-
” إعتبره مقابل لزواجك مني وتورطك بذلك رغما عنك .. هذه الأموال لك … ”
أكملت وهي تقرب الشيك أكثر منه :-
” من الآن فصاعدا لا دين بيننا … انت تنازلت وتزوجتني وأنا أوفيتك حقك كاملا … هل المبلغ كافي أم …”
قاطعها بحدة وقوة :-
” خذي أموالك فأنا لست بحاجة لها ..”
ردت بصدق :-
” انا لا أتبرع بأموالي لك … أنا أمنحك حقك …”
أكملت وهي تقبض على كفه تفتحه وتضع الشيك فيه :-
” هذا حق تنازلك وزواجك ومنح إسمك لواحدة مثلي يا ابن عمي …”
ثم تركته وتحركت خارج المكان تاركة الجميع يطالع آثرها بعدم تصديق بينما عابد يبتسم بخفوت دون أن يلاحظه أحد …
إعتصر مهند الشيك داخل كفه بقوة قبل أن يتجه نحو سلة المهملات ويرميه داخله مغادرا المكان بغضب شديد ..

دلف الى الجناح الذي يمكث فيه معها بملامح شديدة الوجوم وقد غاضته تصرفات جيلان لأقصى حد…
ما إن وجدته يدلف الى الجناح حتى نهضت من مكانها تتقدم نحوه تسأله :-
” ماذا أراد والدك منك ..؟!”
رد بتجهم :-
” لا تتدخلي فيما لا يعنيك …”
هتفت بضيق :-
” لماذا تتصرف معي بهذه الطريقة يا مهند .. ؟! لا تنسي إنني سأصبح أم إبنك قريبا و ..”
قاطعها يصرخ بها :-
” اخرسي … كفي عن تكرار نفس الإسطوانة المملة .. ألم تفهمي بعد إن كل هذا لا يهمني …؟! لو أصبح لديك بدل الطفل عشرة مني فلن أهتم ..”
” ماذا تعني …؟!”
سألته بصوت مختنق ليرد بقوة ونظرات مخيفة :-
” يعني انتِ من إخترتِ أن تتحديني وتنجبي مني طفلا دون إرادتي وأنت وحدكِ ستتحملين نتاج هذا …”
عادت تسأله بصوت مبحوح ورغبة عارمة في البكاء سيطرت عليها :-
” هل يزعجك وجود طفل لك مني لهذه الدرجة …؟!”
صاح بعصبية :-
” نعم يزعجني … انا لم أكن أريد الإنجاب منك وأنت تعلمين هذا جيدا ..”
صاحت بدورها وقد تساقطت دموعها على وجنتيها بغزارة :-
” لماذا…؟! على أساس إنك تحبني …؟! أليس من المفترض أن ترغب بالحصول على طفل مني …؟! ماذا عن حبك يا مهند ..؟! ماذا عن تمسكك بي ..؟! أين ذهب كلامك ووعودك …؟!”
رد ببرود مؤلم :-
” إنتهت .. كلامي وكافة وعودي إنتهت تماما … أنا لم أعد أريدك يا تقى .. لذا إذا تبقى لكِ القليل من الكرامة فإجهضي هذا الطفل بأسرع وقت …”
همست باكية :-
” تريد التخلص مني بهذه السرعة …!!”
رد بقوة وتأكيد :
” أسرع مما تتخيلين ..”
صاحت وهي تتقدم نحوه تضربه على صدره :-
” لماذا فعلت بي هذا إذا …؟! لماذا إرتبطت بي ..؟! لماذا قلت إنك تحبني ..؟! لماذا وعدتني بالكثيرر..؟!”
كانت تضربه على صدره وهي تصرخ به بقوة ودموعها تتساقط بقوة أكبرها بينما تسأله بإنفعال مجنون عن سبب خداعه لها ووعده الكاذب وهي التي أحبته بجنون وفعلت كل شيء لإرضاءه …
” يكفي …”
صرخ بها أخيرا وهو يقبض على كفيها مضيفا بصرامة :-
” انا لم أحبك يوما … انت كنت وسيلة للترفيه عن نفسي وإثبات وجودي ليس إلا … تحديت عائلتي بك … قاطعتهم لأجلك … ليس حبا فيكِ بل محاولة للتحرر من قيودهم … ”
” كنت تستغلني …!!”
همست بها بصعوبة ليرد بحزم :-
” انت سمحت لي بذلك … كنت تحومين حولي من البداية .. فعلتِ كل شيء لأكون معك أم نسيتِ إنكِ عرضتِ نفسكِ علي بكل بساطة وانا بدوري لم أوفر فرصة وأخذت ما قدمتيه لي على طبق من ذهب …”
هوت بكفه على وجنته تصفعه بكل ما تحمله من قهر داخلها تردد بإشمئزاز منه ومن نفسها :-
” حقير …!”
ابتسم ببرود مرددا :-
” إجهضي الطفل وغادري حياتي يا تقى فلا مكان لكِ معي ..”
صاحت بتحدي :-
” لن أجهضه .. سأنجب الطفل وستعترف به … ستتزوجني وتكون معي للأبد … ”
أكملت وهي تضغط على جانب وجهه بكفها :-
” انت لي يا مهند ..،ستكون لي غصبا عنك .. أعدك بذلك …”
ضحك مرددا بإستخفاف مقصود :-
” انت تعيشين أوهاما لا وجود لها يا تقى .. انا لم أكن لك ولن أكون وذلك الطفل لا يعنيني بشيء ولن يعنيني … انت بما تفعلينه ستدمرين حياة طفل لا ذنب له إن والده لا يريده وإنك أنجبته فقط بدافع التحدي …”
” عائلتك لن تتخلى عن طفل يحمل دمائها …”
قالتها بصلابة ليهمس ساخرا :-
” انت لم تعرفِ عائلتي بعد .. لا يغرك هذا الهدوء والتقبل … صدقيني قريبا جدا سيمنحك والدي بمساعدة راغب الضربة القاضية لذا إنهي الأمر بكرامتك يا تقى أفضل لك …”
إحتدت عيناها وهي تردد :-
” لن أفعل … وإذا فكر أيا منكم أن يمسني بسوء فسوف أدمره …”
أنهت كلامها واتجهت نحو الحمام المغلق بالجناح تغلق بابه خلفها بعنف بينما زفر مهند أنفاسه بملل وتعب بسبب هذه المواجهة المرهقة لأعصابه …
غادر الجناح بعد لحظات لتسمع تقى صوت إغلاق الباب فتخرج من الحمام مسرعة وتبدأ تلملم أغراضها …
انتهت من جمع حاجيتها في حقيبة متوسطة الحجم لتضعها داخل خزانة الملابس تنتظر قدوم الليل حتى تغادر القصر بعدما يخلد الجميع للنوم …!
وبالفعل انتظرت حتى المساء وتحديدا بعد منتصف الليل حيث خلد الجميع الى النوم ومهند لم يعد الى الجناح كعادته …
فتحت الخزانة وحملت حقيبتها وقررت المغادرة عندما خرجت من جناحها وتوجهت نحو الطابق السفلي على مهل لتفتح الباب بتمهل وتقرر المغادرة لكنها توقفت مكانها بسرعة وهي ترى حرس القصر مستقيظين بالفعل فشعرت بالإضطراب وهي تريد المغادرة دون علم أحد …
وضعت حقيبتها خلفها وأخذت تهز رأسها بتفكير قبل أن تحسم أمرها وتتجه وهي تجر حقيبتها خلفها نحوهم لتغادر المكان فلا يحق لأحد أن يمعنها من ذلك …
وجدت الجارس يقف أمامها فأمرته :-
” إفسح لي المجال فأنا أريد المغادرة …”
” ممنوع …”
قالها الحارس بحزم لترفع حاجبها تتسائل :-
” ماذا تقول انت …؟!”
رد الحارس بجدية :-
” ممنوع خروجك من القصر لأي سبب كان … هذه أوامر راغب بك …”
دب الجنون فيها وهي تدفعه وتصيح :-
” إغرب عن وجهي .. سأغادر حالا ..”
صرخ الحارس بها :-
” ألا تفهمين ..؟! لا خروج لك من هنا …”
صاحت به بنبرة مجنونة :-
” انت كيف تصرخ بي هكذا …؟؟ من تظن نفسك لتتحدث معي بهذه الطريقة …؟!”
أشار الحارس الى زميله بعينيه دون أن تنتبه بينما تخصرت هي أمامه تنظر له بتحدي وهي تردد:-
” دعني أغادر حالا …”
رد الحارس بلا مبالاة :-
” لن تخطي خطوة واحدة خارج هذا القصر دون موافقة راغب بك ..”
” اللعنة عليك وعلى راغب بك خاصتك …”
صاحت بغضب ليصرخ بها محذرا :-
” إلزمي حدودك ولا تتحدثي عن راغب بك بهذه الطريقة وإلا …”
عاندته بتحدي :-
” وإلا ماذا ..؟! ماذا ستفعل ..؟! دعني أغادر بدلا من أن ألجأ لتصرفات لن تعجبك أبدا …”
رأت الإصرار واضحا في عينيه فحاولت أن تدفعه وتخرج لكنه كان اقوى منها وهو يدفعها الى الخلف لتسقط ارضا من شدة الدفع فتصيح به :-
” أيها الغبي الأحمق …”
حاولت أن تنهض من مكانها بعد لحظات وهي تسبه بأسوء الكلمات عندما صدح صوتا رخيما تعرفه جيدا يهتف بغلظة :-
” ماذا يحدث هنا ..؟!”
إلتفتت نحو راغب تسأله بنبرة هجومية :-
” لم أكن أعلم إني محتجزة هنا يا راغب بك …”
رد راغب ببرود :-
” أخبرتك إنكِ ستبقين أمام أعيينا حتى تنجبي طفلك …”
” أنت لا يمكنك حبسي هنا إجبارا عني …”
قالتها بقوة ليبتسم بخفة مرددا :-
” هل تجربين ..؟!”
إشتعلت النيران الضارمة داخل عينيها ليهتف راغب وهو ما زال مبتسما :-
” ومع هذا انت معك حق … انا لا يحق لي إحتجازك هنا رغما عنك …”
نظرت له بحيرة ليهتف بهدوء :-
” غادري يا تقى .. ”
” هل تلعب معي ..؟!”
سألته غير مصدقة ليرد بتهكم :-
” أنا لا ألعب مع أولادي كي ألعب معك انت … إعتبري ما حدث تجربة تخبرك بوضوح إن لا مكان لكِ بيننا .. والآن غادري القصر قبل أن أغير رأيي …”
رمقته بنظرات حارقة وهي تهمس له قبل أن تغادر :-
” ستندم …”
ثم سحبت حقيبتها أخيرا وغادرت المكان تحت أنظاره التي جمدت فجأة عندما خرجت تقى من القصر وهي تسحب حقيبتها خلفها لتسير في الشارع حتى عبرت الى الطرف الآخر ووضعت حقيبتها جانبا ثم فتحت حقيبتها الصغيرة تبحث عن هاتفها لتتصل بأحد معارفها كي يأتي ويأخذها عندما توقفت سيارتان سوداوان ضخمتان جدا أمامها جعلتها تتجمد مكانها وهي تطالع السيارتين بهلع ليخرج منهما مجموعة من الرجال الملثمين ويسارعون في سحبها الى داخل احدى السيارتين رغم محاولتها لمنعهم …!
اما في الداخل فنظر راغب الى هاتفه يقرأ الرسالة التي تخبره إن المهمة تمت بنجاح فيبتسم بثقة مفكرا إن كل شيء إنتهى بسهولة وبشكل أسرع مما تخيل ..

في صباح اليوم التالي …
كان فادي يجلس في احد المقاهي الذي إعتاد على إرتيادها ينتظر وصول عهد عندما وصلت الأخيرة الى المكان لتتقدم نحوه وهي تلقي التحية عليه …
رد تحيتها عندما جلست أمامه فسألها بجدية :-
” ماذا أطلب لك ..؟!”
ردت بجدية :-
” شكرا ، لا أريد شيئا .. أخبرني ماذا هناك يا فادي …؟! ما الأمر العاجل الذي طلبتني لأجلي ..؟!”
سأل مراوغا :-
” ألا تعلمين حقا …؟!”
” عم تتحدث ..؟! انا لا أفهم …”
سألته بإهتمام ليرد بجدية :-
” ألا تعلمين سبب إنفصال فراس وغالية والخلاف الذي بينهما وعلاقتك بهذا الخلاف ..؟!”
هتفت بدهشة :-
” وما علاقتي أنا بما حدث بينهما يا فادي …؟!”
قال بهدوء وجدية :-
” هل تعلمين إن غالية تهدد فراس يا عهد …؟! ”
” تهدده بماذا ..؟!”
سألته عهد بعدم فهم ليبتسم بخفة متسائلا بنبرة ذات مغزى :-
” ألا تعلمين حقا يا عهد ..؟!”
“ماذا يحدث يا فادي …؟! أنا حقا لا أفهم ..”
قالتها بقوة ليتنهد بصوت مسموع ثم يجيب :-
” غالية تهدد فراس بإستخدام مستمسك لديها ضده … ”
نظرت له بإنصات ليضيف :-
“والمقابل هو تنازله عن حضانة تميم لك …”
شحبت ملامح عهد وهي تردد :-
” حقا ..؟!”
اومأ فادي برأسه وهو يؤكد حديثه :-
” حقا يا عهد وفي الحقيقة انا مستغرب تصرفها هذا … عهد انت تعلمين معزتك عندي … ”
زفر أنفاسه بخفوت مرددا :-
” أتمنى ألا يكون لك دخل بهذا الأمر .. هذه التصرفات لا تليق بك … انت إمرأة محترمة وعاقلة وتصرفاتك دائما كانت تشبهك …”
همست ساخرة :-
” وماذا كسبت من هذا الإحترام والتعقل …؟! خسرت إبني الى الأبد …”
” أنا وعدتك إنني سأعيده إليك …”
قالها فادي بتأكيد فقالت بألم :-
” لا تحزن مما سأقوله يا فادي ولكنك وعدتني ولم تفعل أي شيء … انا عشت لسنوات طويلة بعيدة عن إبني .. أراه على فترات متباعدة وأحيانا خلسة عن والده … والده الذي يعاقبني على جريمة لم أرتكبها .. يعاقبني على رفضي الإستمرار معه بعد كل تصرفاته وأفعاله المهينة في حقي … سنوات تمر وأنا أعيش على أمل أن يعود إبني لأحضاني … انت تعدني والجميع يفعل لكن الوضع لم يتغير ….”
” وهل هذا مبرر لتتفقي مع غالية ضدنا …؟!”
ردت بعنفوان :-
” انا لم أتفق مع أحد … انا فقط أخبرك إنني مللت من الوعود يا فادي … انا وانت نعلم جيدا إن فراس لا يفعل شيئا لا يريده وإنك لا تستطيع أن تمنحني إبني دون موافقته …”
زفر أنفاسه بضيق بينما قالت عهد بتجهم :-
” أين المشكلة إذا أرادت غالية أن تساعدني …؟! علام تحاسبها أنت …؟! على كونها حاولت أن تفعل ما عجز الجميع عن فعله …؟! لماذا يستخسر الجميع بي حقا من أبسط حقوقي …؟!”
قاطعها فادي بسرعة :-
” نحن لا نفعل يا عهد .. الطريقة التي تصرفت بها غالية هي من دفعتني لهذا .. تصرفها لم يكن مقبولا …”
قاطعته عهد بجدية :-
” لا يهمني تصرفها .. يكفيني أن يكون إبني معي … ”
” كلامك هذا يؤكد شكوكي …”
قالها فادي بنظرات قوية لتنهض عهد من مكانها وتحمل حقيبتها قبل أن تخبره بجدية :-
” لو كنت تفكر في مصلحة إبن أخيك وتحبه حقا فعليك أن تشكر غالية على ما فعلته لإن ما يحدث سيكون لصالح تميم في جميع الأحوال ..”
ثم تحركت خارج المكان بملامح مستاءة عندما أخرجت هاتفها من حقيبتها تتصل بغالية التي رحبت بها :-
” اهلا عهد …”
قالت عهد بسرعة :-
” كنت مع فادي .. لقد طلب رؤيتي … سألني بوضوح إذا ما كان لدي علاقة بما فعلته ..”
سألتها غالية بجديةُ:-
” حقا ..؟! وماذا أجبت ..؟!”
ردت عهد :-
” أخبرته إنه لا علم لدي بشيء ولكنه يدرك جيدا إنني أكذب …”
” فليذهب الى الجحيم …”
قالتها غالية بقوة لتهتف عهد بصدق :-
” أنا أخاف عليك يا غالية … فراس لا يؤتمن …”
ردت غالية بلا مبالاة :-
” ليذهب هو الآخر الى الجحيم …”
قالت عهد بتحذير :-
” لا تستهيني بفراس يا غالية …”
قاطعتها غالية بقوة :-
” ليفكر أن يلمس شعرة واحدة مني وسيجد ذلك الفيديو على جميع المواقع بل والفضائيات …”
” أتمنى ألا يؤذيك حقا يا غالية …”
قالت غالية بسرعة :-
” لا تخافي يا عهد … لن يحدث لي شيء … كوني مطمئنة …”
أنهت المكالمة تودعها لتتأمل عهد الهاتف بصمت قبل أن تتنهد بصوت مسموع وهي تدعو ربها أن يمر كل شيء على خير ويعود إبنها لأحضانها ويبقى معها الى الأبد .

في امريكا …
كانت حياة تتحرك داخل المطبخ تعد الطعام بعدما دعت مايكل وجينا لتناول العشاء معهما الليلة …
وقف نديم عاقدا ذراعيه مستندا بظهره الى الحائط يتأملها وهي تعمل بحماس عندما إستدارت نحوه تسأله :-
” هل تريد شيئا ما ..؟!”
قال بجدية :-
” أتيت لأرى إذا ما تحتاجين لمساعدة ما …!!”
ابتسمت له وقالت :-
” لقد إنتهيت من كل شيء تقريبا …”
حك ذقنه وهو يردد :-
” تبدين متحمسة للغاية ..”
ردت وهي تحمل الطماطم وتبدأ بتقطيعها :-
” وأين المشكلة في ذلك ..؟!”
رد وهو يتقدم نحوها بتمهل :-
” لا توجد مشكلة أبدا … ”
وقف جانبها لتنظر إليه وتقول :-
” كان يجب أن أدعوهم لتناول العشاء بعدما رفضت دعوتهم عدة مرات بحجج مختلفة ..”
ابتسم بتصنع وهو يقول :-
” نعم بالطبع ..”
وضعت السكينة جانبا واستدارت بكامل جسدها نحوه تسأله :-
” لماذا تبدو منزعجا من قدومهما با نديم ..؟!”
رد بجدية :-
” لست منزعجا يا حياة ولكن ..”
نظرت له بتسائل ليرد بصدق :-
” لا أستسيغ فكرة وجود صديق لك ..”
قالت بسرعة :-
” انت تمزح بالطبع .. لقد رأيته بنفسك .. نديم لا تفعل هذا بالله عليك .. الشاب محترم للغاية ومرتبط أيضا …”
هز رأسه بإيماءة مختصرة لتقول بعدم إستيعاب :-
” لم أكن أعلم إنك لا تعترف بأمور الزمالة او بالأحرى الصداقة في الدراسة والعمل .. ألم يكن لديك صديقات في الجامعة ..؟!”
سألته وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها ونظراتها القوية تتحداه أن يكذب ليزفر أنفاسه مرددا بضيق :-
” بلى ، كان لدي …”
سألته مجددا :-
” كيف كنت تتعامل معهن ..؟! كيف كنت تنظر إليهن ..؟!”
رد بعدما تنهد :-
” كنا مجموعة يا حياة .. اربع شباب وثلاث فتيات كن بمثابة أخوات لنا …”
” جيد .. لماذا إذا ترفض صداقاتي بمايكل رغم إنك كنت تفعل ذات الشيء ..؟!”
سألته بنظرات متهمة ليتجنب الرد وهو يسألها مغيرا الموضوع :-
” ستصل الحلوي التي طلبتها بعد قليل …”
عادت تمسك السكين وتبدأ في تقطيع الطماطم بصمت وهي تتأمله بين الحين والآخر بطرف عينيها بينما هو يقف جانبه يدعي الإنشغال بهاتفه ..
همست لنفسها :-
” هل من الصعب عليه أن يعترف لي إنه يغار أم إن الأمر لا علاقة له بالغيرة وأنا فهمت الأمر بشكل خاطئ ..؟!”
صرخت بألم بعدما جرحت إصبعها بالسكينة ليتقدم نحوها بسرعة ويسحب كفها وهو يسألها بقلق :-
” ماذا حدث ..؟!”
تأمل إصبعها المجروح ليقول بسرعة وهو يجذبها من كفها نحو صنبور المياه ويفتحه بعدما وضع إصبعها أسفله :-
” أغسليه جيدا بينما أجلب المنديل لك ..”
وقفت حياة في مكانها تتأمل المياه التي تغسل مكان جرحها بعدما ذهب نديم ليجلب المناديل الورقية لتشعر بالدموع تغرق عينيها لا إراديا وهي لا تفهم حتى الآن ما يحدث معها لكن مشاعرها تأثرت كثيرا لدرجة جعلتها تشعر بالإرهاق وهي تجد نفسها عاجزة عن فهم نديم وسبب تصرفاته تلك …
وجدته يتقدم نحوها وهو يجذب كفها مجددا بعدما أغلق صنبور المياه ليضع المنديل فوق مكان الجرح ويضغط عليه بخفة …
” شكرا لك ..”
قالتها وهي تسحب كفها من كفه ليرد مبتسما :-
” العفو ، اجلسي انت وانا سأنهي ما كنت تفعلينه ..”
قالت بجدية :-
” كلا ، سأنتظر قليل حتى يتوقف الجرح عن النزف ثم أكمل إعداد السلطة …”
هتف بقوة وهو يسحب الكرسي لها :-
” اجلسي هنا يا حياة من فضلك … انا سأنهي إعداد السلطة ….”
جلست مرغمة تتابعه وهو يقف مكانها يكمل تقطيع الطماطم عندما سألته بخفوت :-
“‘مالذي يجعل الإنسان يدرك إنه يحب شخصا ما …؟! كيف يمكنه التأكد من مشاعره مثلا ..؟!”
نظر لها بإستغراب من سؤالها قبل أن يجذب الكرسي ويجلس قبالها فتسترسل في قولها :-
” يعني كيف يمكننا إدراك حقيقة مشاعرنا نحو شخص …؟! هل هي حب ..؟! أم مجرد تعلق ..؟! إعجاب …؟!”
تنهد وهو يجيب :-
” لا أعلم ، إنه أمر يصعب تفسيره … ”
صمت قليلا ثم قال :-
” كل شخص يفسر مشاعر الحب بطريقته الخاصة … يعني برأيي إن الشعور نفسه يختلف من شخص لآخر ..”
” ماذا تقصد إن الشعور نفسه يختلف من شخص لآخر ..؟!”
سألته بجدية ليهتف موضحا :-
” يعني البعض يرى إن الحب يمكن في نبضات قلبك المتسارعة عندما ترى من تحب والبعض يرى إن راحة قلبك بجوار من تحب هي دليل الحب والبعض يرى إن الحب يرتبط برغبتك بمعانقة وتقبيل من تحب .. لا أعلم لكن التفسيرات عديدة وأنا أؤمن إن لكل شخص طريقته في الشعور مثلما لكل شخص طريقته بالتعبير عن شعوره …”
رددت بخفوت :-
” نعم ، برأيي إن الحب شعور مميز … محظوظ من يشعر به … ولكن الأكثر حظا من يجد الشخص الذي يبادله ذلك الشعور ..”
تبادل النظرات معهما فبدت نظرات كلا منهما تحكي الكثير عندما نهضت من مكانها تنهي إعداد السلطة تاركة إياه شاردا رغما عنه في حديثها ..

كان كلا من نديم وحياة يجلسان أمام مايكل وجينا يتناولون جميعا الطعام التي أعدت حياة بعضا منه بينما تم شراء البعض الآخر جاهزا …
” هذه الأكلة رائعة حقا يا حياة …. انت طباخة ماهرة …”
قالتها جينا بصدق لتبتسم حياة وهي ترد :-
” بالعافية على قلبك .. أسعدني إنها أعجبتك …”
قال مايكل بدوره :-
” إنها حقا لذيذة .. انت طباخة ماهرة كما قالت جينا .. جينا أيضا تجيد الطبخ وخاصة إعداد الأكلات الإيطالية …”
قالت جينا بدورها :-
” ستتذوقان طعامي عندما تأتيان الى منزلنا .. ”
” ان شاءالله …”
قالتها حياة وهي تبتسم بهدوء ليهتف مايكل مشيرا الى نديم :-
” في الحقيقة سعدت جدا بمعرفتك .. كان لدي فضول للتعرف عليك عن قرب … حياة لم تكن تتحدث عنك كثيرا لكن علمت إنكما زوجان حديثان …”
رد نديم بجدية :-
” نعم نحن تزوجنا منذ فترة قصيرة .. أنا أيضا سعدت بمعرفتك سيد مايكل …”
” دعنا لا نتحدث برسمية .. لا أحبها …”
قالها مايكل مبتسما ليبادله نديم إبتسامته بصمت عندما قالت جينا بصدق :-
” حياة فتاة رائعة حقا … انت محظوظ بها حقا …”
قال نديم وهو يرمق حياة بنظراته :-
” معك حق ، انا محظوظ بها فعلا …”
ظهر الإحراج على ملامح وجه حياة عندما أكملت جينا بعفوية :-
” كان لدي فضول للتعرف على الشخص الذي جعلها تحبه وتتزوجه بهذا العمر … ”
رفع نديم حاجبه مرددا :-
” بهذا العمر ..؟!”
ابتسمت جينا مرددة :-
” يعني حياة ما زالت في الثانية والعشرين من عمرها … هي صغيرة جدا على الزواج …”
سألها نديم بإهتمام :-
” كم عمرك يا جينا ..؟!”
ردت جينا بسرعة :-
” اربعة وعشرون عاما …”
قال نديم بجدية :-
” يعني أكبر من حياة بعامين فقط .. ”
أضاف يسألها مجددا :-
” منذ متى وأنت مرتبطة بمايكل …؟!”
ردت جينا بسرعة :-
” منذ أكثر من أربعة أعوام ….”
” وتعيشان سويا بالطبع ..”
تنحنت حياة بحرج بينما ابتسمت جينا وقد فهمت مقصده فقالت :-
” فهمت ولكن بالطبع لا توجد مقارنة بين الوضعين … الزواج قرار مهم جدا … إرتباط ومسؤولية …. يعني برأيي الفتاة تحتاج أن تعيش حياتها كما تريد وتستمتع لفترة لا بأس بها قبل أن تفكر بأمر الزواج …”
قال نديم بجدية :-
” لا أعلم ما مشكلتكم انتم الغرب مع الزواج …. لا أفهم سبب إنزعاجكم منه وربط الزواج بإنعدام الحرية وتصويره على إنه رباط ومسؤولية مزعجة … ”
قاطعه مايكل بجدية :-
” أليس هو كذلك حقا …؟!”
رد نديم معترضا :-
” أبدا … هو على العكس تماما … الزواج رباط روحي مميز يمنحك الهدوء والإستقرار طالما أنت تعيش مع الشخص الذي إخترته بإرادتك وتسعد معه …”
نظرت له حياة بفرحة صادقة فأكمل دون أن ينتبه على نظراتها :-
” أخبرك هذا عن تجربة ….”
ابتسم مايكل مرددا :-
” لم لا ..؟! كل شيء ممكن .. في النهاية انت تتحدث عن تجربة عشتها كما تقول وليس مثلي …”
هتفت جينا بدورها ممازحة :-
” بكلامك هذا ستدفعنا للزواج قريبا …”
ابتسم لها مايكل بينما نظر نديم الى حياة ليجدها تبتسم له فبادلها إبتسامتها بأخرى مماثلة قبل أن يقبض على كفها وينحني هامسا لها :-
” الطعام الذي أعددته حقا لذيذ .. لم أكن أعلم إنك تجيدين الطبخ …”
ردت بإبتسامة خجول :-
” أجيد إعداد بعض الأطعمة …”
قال مازحا :-
” لم أكن أعلم فلم يسبق لك أن طبخت لي طعاما …”
قاطعته معترضة :-
” لقد أعددت لك طعاما عندما كنت مريضا ..”
قال بسخرية :-
” تقصدين حساء المستشفيات …”
قالت بتبرم :-
” انت كنت مريض .. ماذا كنت تريد أن أطبخ لك …؟!”
ثم عادت تهمس وهي تنظر الى جينا ومايكل اللذين يتبادلان الأجاديث :-
” سننسى ضيوفنا ..”
ابتسم مرغما وهو يعاود النظر إليهم يبادلهم أحاديثهم حتى إنقضت السهرة بشكل لا يخلو من المتعة وقد بدأ نديم بالفعل يشعر بالإرتياح ناحية مايكل وجينا رغم إختلاف العادات والأفكار الواضح بينهم …

بعدما غادر كلا من مايكل وجينا الشقة ذهبت حياة الى غرفتها لتأخذ حماما سريعا تزيل من خلاله إرهاق اليوم بينما قرر نديم الإتصال بوالدته والسؤال عنها وعن غالية عندما جاء صوت والدته السعيد يرحب به ..
تبادلا الأحاديث وهي تسأله عن أحواله وعن حياة وقد شعرت براحة عندما وجدته مرتاحا منطلقا قليلا ليسألها بدوره عن الأحوال :-
” وماذا عن غالية ..؟! ما أخبارها ..؟!”
قالت صباح بجدية وقد تذكرت أمر فسخة إبنتها لخطبتها والذي لم يعلم عنه نديم بعد :-
” هي بخير .. فقط فسخت خطبتها …”
هتف نديم بدهشة :-
” فسخت خطبتها ..؟! متى حدث هذا ولماذا …؟!”
ردت والدته بجدية :-
” منذ يومين .. أخبرتني إنها فسخت خطبتها لإنها لم تتفق مع خطيبها .. من الجيد إنها فعلت ذلك .. انت تعلم إنني لم أكن موافقة على هذه الخطبة ..”
قال نديم بجدية :-
” وانا كذلك لم أكن راضيا عنها … ”
أضاف يتسائل بقلق :-
” طمأنيني عنها .. كيف حالها ..؟! هل تشعر بالضيق ..؟!”
ردت صباح ضاحكة رغما عنها :-
” تشعر بالضيق ..؟! هل تصدقني لو أخبرتك إنني لم أرها سعيدة بهذا الشكل منذ فترة …؟!”
هتف نديم بعدم إستيعاب :-
” مالذي تقولينه يا أمي ..؟!”
قالت صباح بجدية :-
” وأنا أيضا مدهوشة مثلك .. لكن هذا ما يحدث ..”
أضافت تخبره :-
” هي مرتاحة جدا بل وسعيدة ومنطلقة للغاية … ”
” هل أنت متأكدة إنها لا تتظاهر بذلك متعمدة كي لا تقلقك …؟!”
سألها نديم بريبة لترد صباح بسرعة :-
” إنها إبنتي يا نديم .. أنا أعرفها جيدا .. أنا أيضا شككت بها في بداية الأمر لكنها بالفعل ليست مهتمة إطلاقا بل على العكس تماما …”
تنهد نديم مرددا :-
” حسنا ، مع هذا سأتصل بها وأطمئن عليها …”
” كما تريد حبيبي …”
قالتها صباح بجدية عندما ودعها نديم وسارع يتصل بغالية التي رحبت به وهي تردد بمرح :-
” اهلا بالبعيد الذي لا يتصل بي إلا نادرا ..”
ابتسم مرددا :-
” كيف حالك يا غالية …؟!”
ردت بصدق :-
” الحمد لله بأفضل حال …”
أضافت تسأله بسرعة :-
” أخبرني انت … كيف حالك وكيف حال حياة …؟! ”
أكملت بصدق :-
” إشتقت لك ولها كثيرا …”
رد نديم :-
” ونحن إشتقنا لك أكثر ….”
أضاف وهو يتنهد :-
” كلانا بخير الحمد لله … المهم انت … ماذا عنك ..؟!”
ردت مبتسمة :-
” انا بخير … بالطبع عرفت إنني فسخت خطبتي …”
قاطعها بجدية :-
” نعم وتفاجئت قليلا …”
ردت بهدوء :-
” لم نتفق يا نديم … كان شيئا متوقعا لكنني أردت الحصول على فرصة كي لا أندم على عدم المحاولة …”
قال نديم بجدية :-
” المهم أن تكوني بخير وسعيدة …”
أكمل يسألها بإهتمام شديد :-
” أنتِ بخير ، أليس كذلك ..؟!”
ردت بسرعة :-
” أنا بخير يا حبيبي .. لا تقلق أبدا …”
” إذا إحتجتِ لي فلا تترددي بالإتصال فورا …”
قالت بسرعة :-
” سأفعل بالطبع .. انت لا تشك بهذا أبدا …”
ابتسم ثم ودعها بعدما أطمئن عليها ليجد حياة تتقدم نحوه وهي تسأله بينما تجفف شعرها بالمنشفة :-
” كنت تتحدث مع غالية …”
اومأ برأسه وهو يقول :-
” فسخت خطبتها ..”
قالت حياة بأسف :-
” حقا .. ؟! لا بأس … سيعوضها الله خيرا عنه ان شاءالله …”
قال مبتسما :-
” هي ليست مهتمة أساسا …”
أكمل موضحا وهو يرى الذهول على ملامحها :-
” يعني تقول إنها لم تتفق معه وما حدث كان أفضل لها …”
” معها حق .. أساسا الخطبة هي لإختبار مدى توافق الطرفين …”
قالتها بجدية ليهز رأسه موافقا عندما قالت :-
” سأعد القهوة لكلينا ، حسنا …”
ابتسم وهو يهز رأسه عندما جلس على الكنبة يقلب في هاتفه …
جاءت حياة بعد مدة وهي تحمل كوبي القهوة ليتناول نديم الكوب منها وهو يشكرها مبتسما قبل أن يضع كوبه على الطاولة ويجذب كوبها الآخر ويضعها أيضا على الطاولة ثم يجذبها لتجلس جانبه …
جلست جانبه وهي تبتسم له ليحيط كتفها بذراعيه مرددا:-
” إذا ، بعدما إنتهت إختباراتك يمكنك أن تتفرغي لي بعد الآن …”
هتفت ضاحكة :-
” كيف يعني أتفرغ لك ..؟!”
قال وهو يلمس طرف أنفها بإصبعه :-
” يعني نقضي الكثير من الوقت معا … ”
قاطعته بصدق :-
” انت تعلم إن الفترة السابقة كان هناك ضغط كبير علي و …”
قاطعها برفق :-
” أعلم يا حياة .. أنا أساسا لا ألومك … أمازحك فقط ..”
أكمل وهو يحرك يده فوق وجنتها :-
” لكن هذا لا يمنع إنني إشتقت لك …”
غزا الإرتباك ملامحها عندما إبتسمت له بتردد ليهمس بخفة :-
” إظهري غمازتيك دائما … أحب رؤيتهما كثيرا …”
” وأنا أيضا أحبهما …”
قالتها وهي تضحك بخفة لينحني صوب وجنتها ويقبل موضع غمازتها برقة لتتوتر ملامحها فتسيطر عليها وهي تبتسم له مجددا ليهمس وهو ينحني نحو وجهها أكثر :-
” حياة …”
أوقفته وهي تهتف بتردد :-
” ما رأيك أن نخرج ونسير أمام البحر قليلا …؟!”
تنهد وهو يردد :-
” طريقة جيدة للهرب لكنها مجدية .. لن أنكر ذلك …”
ابتسمت بحرج ثم سارعت تنهض من مكانها وهي تمد يدها نحوه تردد :-
” هيا انهض … نغير ملابسنا بسرعة ونغادر ..”
قال بجدية وهو ينهض من مكانه :-
” حسنا لنذهب .. ”
أكمل وهو يعبث بخصلات شعرها المبللة :-
” لكن جففي شعرك اولا كي لا تصابي بالبرد ..”
” حسنا …”
قالتها مبتسمة وهي تسير جانبه نحو غرفة نومهما كي تتهيأ لتجفيف شعرها سريعا ثم تغيير ملابسها ..

” جيد ، سأنتظر النتيجة بأقرب وقت …”
أنهى راغب مكالمته ليتأمل أخيه الذي يجلس قباله يسأله بجدية :-
” ألن تخبرني عما حدث …؟!”
أخذ راغب يحرك قلمه بأنامله ثم أجاب :-
” أخبرتك إنني سأتولى أمر تلك الفتاة وها أنا أنفذ كلامي …”
سأله راجي بجدية :-
” أين أخذتها وماذا لو علم مهند إنك من خطفها ..؟!”
ضحك راغب بخفة مرددا :-
” لست انا من خطفها بل هي من غادرت القصر بنفسها .. ”
أضاف بجدية :-
” كاميرات المراقبة تثبت ذلك …”
هتف راجي بحذر :-
” انا لا أفهم أي شيء …”
رد راغب بجدية :-
” الفتاة في مكان لا يعلمه سواي … ستبقى هناك ..”
قاطعه راجي يتسائل :-
” الى متى ستبقيها هناك ..؟!”
رد راغب بجدية :-
” حتى يحين الوقت المناسب …”
” والطفل ..؟! ماذا عنه ..؟!”
سأله راجي بتروي ليرد راغب بجمود :-
” ليس ابن أخيك …”
تجمدت ملامح راجي مرددا بعدم استيعاب :-
” ماذا تقول ..؟!”
أضاف يسأل بتمهل :-
” هل انت واثق من ذلك ..؟!”
هز راغب رأسه بتأكيد ليتسائل راجي مجددا بحيرة :-
” كيف علمت ذلك ..؟!”
أجابه راغب :-
” علمت ذلك منذ أول يوم فعلت به ما فعلته …”
” ماذل فعلت ..؟! انا لا أفهم شيئا …”
قالها راجي بجدية ليرد راغب وقد ظهر النفور على ملامحه :-
” لقد لجأت للتلقيح الإصطناعي فقط لكي تحمل طفلا تنسبه الى أخيك ..”
” انت تمزح … بالله عليك قل إنك تمزح ..”
قالها راجي مصدوما ليبتسم راغب مرددا بتهكم :-
” هل رأيت قذارة أكثر من هذه …؟!”
ضرب راجي كفا بكف مرددا :-
” يا إلهي .. كيف يمكنها أن تفعل ذلك .. وانت كيف علمت ..؟!”
رد راغب ببرود :-
” كنت أراقبها وعرفت كل شيء … الحقيرة تواطئت مع عمار الخولي ضدنا …”
” وعمار شريكها ايضا ..؟!”
رددها راجي مصدوما قبل أن يضيف بعدم تصديق :-
” ما بال ذلك الرجل وماذا يريد بأفعاله هذه ..؟! ألا يدرك إنه يضر أخته بما يفعله ..؟!”
رد راغب :-
” بل يظن إنه يسيطر علينا ويتحكم بنا بما يفعله وهو بالفعل نجح قليلا عندما علم بزيجة أخيك العرفية وبالطبع معه مستندات تثبت ذلك سيهددنا بها من خلالها …”
” أنا لا أفهم كيف علم بأمر تقى أساسا ..؟!”
قالها راجي وهو لا يستوعب كيف آلت الأمور الى هنا ليرد راغب بتجهم :-
” لقد حدث وعلم .. وكالعادة حاول أن يستغل الأمر لصالحه …”
زفر راجي أنفاسه بضيق قبل أن يتسائل مجددا:-
” ولكن كيف خطر على بالك أن تراقبها ..؟!”
أجاب راغب بصدق :-
” أنا أراقبها منذ عدة أشهر .. كنت أشك بأمرها … شككت إنها تتعاون مع والدها وتتفق معه على إستغلال مهند وقد زادت شكوكي تلك عندما علمت إنها تزوره في السجن سرا .. يعني علاقتها ما زالت قائمة به وطبعا من خلال مراقبتي لها علمت كل شيء ومن ضمن الأشياء موضوع التلقيح الإصطناعي …”
” لماذا لم توقفها او تفضحها فورا ..؟!”
سأله راجي بجدية ليرد راغب مبتسما بغموض :-
” دع كل شيء لوقته المناسب يا راجي …”
اضاف بجدية :-
” انا أعرف جيدا كيف أدير الأمور ..”
” علام تنوي يا راغب ..؟!”
سأله راجي مهتما ليرد راغب بخفة :-
” سألقنها درسا يجعلها لا تجرؤ على التفكير بأي شخص ينتمي لعائلة الهاشمي بل تقفز رعبا كلما ذكر أحدهم إسمنا أمامها وتسارع للهرب فورا …”
” عن أي نتيجة كنت تتحدث منذ قليل ..؟!”
سأله راجي بشك ليرد راغب بجدية:-
” هذه أول خطوة … جعلت رجالي يأخذونها لإجراء تحليل الحامض النووي للطفل … أريد ورقة تثبت إن الطفل ليس من أخيك .. النتيجة ستظهر بعد أيام وأنا أنتظرها بفارغ الصبر ..”
” ستتحرك بعدها ، أليس كذلك …؟!”
سأله راجي مهتما ليرد راغب بجدية :-
” يجب أن ننتبه على كل تصرف نقوم به خاصة بوجود عمار وورقة الزواج العرفي … لا أريد أي فضيحة تمس إسم العائلة …”
توقف عن حديثه وهو يسمع صوت طرقات على باب الغرفة يتبعه دخول مهند الذي تقدم نحوه يهتف بجمود :-
” لم أستطع الوصول إليها …”
تسائل راغب :-
” لماذا غادرت القصر لا أفهم …؟!”
رد مهند بإقتضاب :-
” لا أعلم .. لكن يجب أن أجدها … ”
تأمل راجي ملامحه الناقمة بصمت بينما قال راغب ببرود :-
” سنجدها ، لا تقلق …”
هتف مهند بضيق :-
” إنها تحمل طفلي .. انا أريد التخلص من هذا الأمر وبهروبها لن يحدث ذلك ..”
رد راغب بلا مبالاة متعمدة :-
” ماذا تفعل يعني ..؟! لقد حدث ما حدث .. إذا إضطررت ستعترف بالطفل وينتهي الأمر …”
رمقه مهند بنظرات حانقة قبل أن ينسحب خارج المكان بعصبية ليقول راجي :-
” لماذا لا تخبره الحقيقة ..؟! لماذا تفعل به هذا ..؟!”
رد راغب ببرود :-
” دعه يتأدب قليلا ويدرك نتيجة حماقته وغبائه …”

تقدمت مريم نحو أختها التي تجلس تقلب في هاتفها لترفع ليلى وجهها نحوها تتأمل ملامحه العابثة بشقاوة ليست غريبة عليها فرفعت حاجبها بإستغراب لتكتم مريم ضحكتها وهي تجلس جانبها على الكنبة تردد عن عمد :-
” كيف حالك يا ليلى …؟!”
ردت ليلى وهي تعاود النظر نحو هاتفها :-
” بخير .. لماذا تسألين ..؟!”
إدعت مريم اللا مبالاة وهي ترد:-
” لا يوجد سبب محدد … مجرد سؤال عادي ..”
هزت ليلى رأسها بعدم إكتراث وعادت تنظر نحو الهاتف عندما قالت مريم مجددا :-
” وكيف حال زاهر …؟!”
وضعت ليلى هاتفها جانبا وقالت وهي تنظر نحوها :-
” طالما تودين قول شيء فقوليه فورا دون مراوغة ..”
نظرت مريم نحوها هي الأخرى وقالت :-
” وها أنا أقوله دون مراوغة …”
سألتها ليلى ببرود :-
” ماذا تريدين يا مريم ..؟!”
ردت مريم بتساؤل مقابل :-
” أريد أن أعلم ما يحدث بينكما …”
قالت ليلى بسرعة :-
” لا يحدث بيننا أي شيء …”
” لا تكذبي يا ليلى …”
قالتها مريم بتحذير مصطنع لتهتف ليلى بقوة :-
” انا لا أكذب .. لا يوجد اي شيء بيننا .. إذا إلتقينا مرة او مرتين فهذا لا يعني وجود شيء بيننا ..”
رفعت مريم حاجبها تردد بتهكم :-
” حقا ..؟!”
أكدت ليلى حديثها بقوة :-
” حقا يا مريم …”
هتفت ليلى بجدية :-
” كفى يا مريم .. لسنا في وضع يسمح لنا بالتفكير في أمور كهذه ونتجاهل جميع الأوضاع المحيطة بنا …”
” عن أي أوضاع تتحدثين … موضوع سهام ليس مهما لهذا الحد .. بابا سيتصرف معها لا تقلقي …”
قالتها مريم بثقة لترد ليلى بجدية :-
” موضوع سهام وموضوع انفصال ماما وبابا وهذا لوحده في كفة وعمار في كفة لوحده ..”
تجهمت ملامح مريم وهي تتسائل :-
” ماذا فعل هذا التافة مجددا …؟!”
ردت ليلى بوجوم :-
” لا داعي لأن يفعل شيء … يكفي ما لديه ضدي …”
قاطعتها مريم بقلق :-
” تقصدين الشيكات …”
هزت ليلى رأسها وهي تتحدث بشرود :-
” المبلغ كبير والشركة وضعها حرج … لا أعلم إلام يخطط عمار بالضبط .. صمته هذا يقلقني كثيرا …”
سألتها مريم بحذر :-
” ألم يتحدث معك بشأن الشيكات مجددا ..؟!”
ردت ليلى وهي تنظر إليها :-
” كلا، منذ آخر حديث جمعنا وهو لم يفتح الموضوع مجددا .. أساسا أنا لا يمكنني الوثوق به .. أكاد أجزم إنه يخطط لشيء ما …”
ارتبكت ملامح مريم وهي تتسائل بتوتر خفي :-
” شيء مثل ماذا …؟!”
ردت ليلى بجدية :-
” هذا ما أريد معرفته .. لا أفهم مالذي قد يريده مني بعد … علاقتي بنديم إنتهت تماما … مالذي قد يريده مني عمار بعد الآن…؟!”
صمتت بعدها ليلى بتفكير لتقول مريم بعد لحظات :-
” لا تتعبي نفسك بالتفكير كثيرا يا ليلى …”
قالت ليلى بضيق :-
” كيف أفعل ذلك ورقبتي بين يديه يا مريم ..؟!”
تشنجت ملامح مريم وهي تقول :-
” لا داعي للقلق.. كل شيء سيكون بخير ان شاءالله …”
رددت ليلى بخفوت وأمل :-
” أتمنى ذلك حقا …”
نهضت مريم من مكانها وخرجت من غرفة ليلى وهي تفكر في حديثها ونية عمار التي باتت تدركها جيدا ..

بعد مرور عدة أيام …
وقفت أمام الباب تنظر إليه بتردد قبل أن تتحلى بالقوة وتضغط على جرس الباب …
أخذت نفسا عميقا عندما فتحت الخادمة لها الباب لتبتسم بسرعة وهي ترحب بها …
دلفت نانسي الى الداخل وهي تمنحها إبتسامة تخفي خلالها توترها عندما سألتها :-
” هل ماما هنا ..؟!”
ردت الخادمة :-
” نعم ، تهاني هانم في الحديقة الخلفية ترتشف قهوتها …”
” حسنا .. سأراها إذا ..”
قالتها وهي تتقدم نحو الداخل لتجد هايدي تهبط درجات السلم وهي تتطلع نحوها بدهشة قبل أن تتقدم نحوها وهي تسألها بقلق :-
” ماذا تفعلين هنا يا نانسي ..؟!”
ردت نانسي بجدية :-
” أتيت للتحدث مع ماما ..”
” لماذا ..؟!”
سألتها هايدي لتجيب :-
” لإن غدا زفافي يا هايدي وهي ما زالت تقاطعني …”
قاطعتها هايدي :-
” وهل تظنين إنها ستتراجع عن قرارها إذا أتيت هنا وتحدثت معها ..؟!”
ردت نانسي بألم :-
” لا أنتظر منها شيئا من الأساس يا هايدي .. فقط أحاول أن أتصرف بلباقة وإحترام لآخر مرة … ”
هزت هايدي رأسها بصمت عندما توجهت نانسي نحو الحديقة الخلفية فتوقفت على بعد مسافة من والدتها التي تجلس على الكنبة التي تتوسط الحديقة ترتشف قهوتها بهدوء …
لقد كانت الأيام السابقة صعبة جدا عليها …
ما بين خطبتها السريعة وقرار زواجهما العاجل والذي لم ينل رضا كلا من عائلتها وعائلة صلاح الذين وافقوا على مضض إنتهاءا بإنشغالها طوال الفترة السابقة بتجهيز أمور الزفاف بمساعدة هايدي وزوجة عمها التي تولت مسؤولية والدتها التي لم تأتِ يوم الخطبة معلنة بكل وضوح عن رفضها تلك الزيجة مما منح حماتها المستقبلية شعورا مليئا بالضيق والإمتعاض والذي صرحت عنه بوضوح أمامها دون أن تأبه بمشاعرها وحساسية الأمر بالنسبة لها ..
حاولت أن تكون قوية قدر المستطاع فهذا قرارها وعليها أن تجابه الجميع لأجله مثل قرارها بإحتفاظها بطفليها بعد تفكير طويل ..
توجهت نحوها بخطوات ثابتة عندما إستدارت تهاني بالفعل وكأنها شعرت بوجودها ..
منحتها إبتسامة متهكمة وهي ترميها بنظراتها الباردة لتجابها نانسي بنظرات ثابتة قدر المستطاع وهي تستمر في التقدم نحوها حتى وقفت أمامها تهتف :-
” صباح الخير …”
ردت تهاني بسخرية :-
” صباح النور .. لم أتوقع أن تننازلي وتأتي الى هنا قبل زفافك بيوم …!!”
ردت نانسي وهي تجلس قبالها :-
” أتيت لرؤيتك والتحدث معك …”
منحتها والدتها نظرات جامدة فأكملت بتروي :-
” مهما فعلتِ تبقين والدتي …”
قاطعتها تهاني بحدة :-
” ومالذي فعلته أنا يا نانسي ..؟!”
ردت نانسي بهدوء :-
” تعرفين جيدا ما فعلتيه حتى الآن ولا داعي لفتح مواضيع باتت قديمة …”
هتفت بقوة :-
” بل يوجد داعي .. قولي ما لديكِ .. هيا تحدثي ..”
قاطعتها نانسي بجدية :-
” ماما من فضلك .. انا لم أتِ هنا لنتشاجر .. أنا أتيت لأطلب منك حضور زفافي غدا .. لأرجوكِ ألا تتركيني لوحدي في يوم كهذا …”
منحتها تهاني ضحكة مفتعلة وهي ترد :-
” الزيجة التي لم أرضَ عنها يوما وتمت دون موافقتي لن أحضرها مهما حدث … ”
همست برجاء :-
” ماما ارجوك لا تفعلي ..”
نهضت تهاني من مكانها تردد بصلابة غير آبهة بنظرات إبنتها المتوسلة :-
” أنت إتخذتِ قرارك لوحدك دون الرجوع إلي لهذا تحملي تبعات قرارك يا عزيزتي ..”
نهضت نانسي بدورها تتسائل بصوت مرتجف :-
” يعني لن تأتي مهما حدث ..؟!”
نظرت إليها تهاني بقوة وأجابتها :-
” كلا لن آتي مهما حدث …”
ضغطت نانسي على شفتيها بقوة تمنع نفسها من الإنخراط في البكاء أمام والدتها فغادرت المكان بسرعة بينما تقدمت هايدي نحو والدتها بسرعة تهتف بضيق :-
” لماذا تفعلين هذا ..؟! إنها إبنتك .. كيف تتخلين عنها في يوم كهذا ..؟!”
ردت تهاني بحدة :-
” هي لم تعد إبنتي .. منذ أن خرجت عن طوعي وقررت أن تتزوج ذلك التافة رغما عني فلم تعد إبنتي ..”
هتفت هايدي بعصبية :-
” ما تفعلينه خطأ .. مهما حدث هي إبنتك وعليكِ أن تكوني جانبها مهما حدث…”
هتفت تهاني بغضب :-
” انت لن تخبريني ما يجب علي فعله يا هايدي …”
صاحت هايدي بعناد :-
” بل سأخبرك .. عندما أجدك تخطئين في تصرفاتك فعلي حينها أن أخبرك بهذا …”
قالت تهاني بتحذير :-
” لا تتجاوزي حدودك يا هايدي … ”
ردت هايدي بسخرية:-
” يزعجك أن يخبرك أحدهم الحقيقة في وجهك ، أليس كذلك …؟!”
” اتركيني لوحدي ..”
صاحت بها تهاني بعصبية لتهتف هايدي ببرود :-
” سأتركك لوحدك … أساسا أنا سأبقى الليلة مع نانسي .. هي عروس وبالطبع تحتاجني معها .. وانت ابقي هنا لوحدك … لكن صدقيني سيأتي يوم وتندمين على ما تفعلينه عندما سيكون قد فات آوان الندم ..”
منحتها تهاني نظرات مشتعلة قابلتها هايدي بأخرى متحدية وهي تندفع خارج المكان بعصبية ..!

جلس فراس أمام عهد يتأملها بملامح جامدة عندما قال المحامي مشيرا له :-
” تفضل وقع على أوراق التنازل فراس بك …”
نظر فراس الى الورقة التي تحمل تنازله الرسمي عن حضانه ابنه بشكل نهائي لتتجهم ملامحه كليا وهو يدرك إن هذه الورقة لا تعني خسارة ابنه فقط بل تحرر عهد من قيده للأبد …
لم يكن يرغب بفعل ذلك ولكنه مضطر بعدما أغلقت جميع الأوجه في وجهه ووجد أخيه يجبره على التنازل وهو الذي أدرك إن إبنة الخولي لا تمزح وإنه لا يمكنه أن يتلاعب معها لإنها في مركز قوة لذا عليه أن ينفذ ما تريده ..
كم يجد صعوبة في أن يخضع لأوامر تلك التي عاهد نفسه أن يلقنها درسا على تصرفها يجعلها تحرم التلاعب به او بغيره …
حمل القلم ووضع توقيعه فوق الورقة لتتنهد عهد براحة تغلغلت داخلها على الفور عندما ابتسم لها المحامي وهو يمنحها إيماءة مختصرة بينما نهض فراس من مكانه مرددا :-
” مبارك يا عهد .. لقد نلتي ما حاربتي لأجله منذ سنوات ..”
نهضت عهد من مكانها تردد بقوة حقيقية هذه المرة :-
” نلت حقي الذي سلبته مني لسنوات يا فراس …”
أكملت بجدية :-
” ابنك ستراه متى ما أردت فأنا لن أتصرف مثلك وأحرمك من رؤيته وأحرمه هو الآخر من وجود والده ..”
منحها نظرة متهكمة وهو يندفع خارج المكان لتلتفت نحو المحامي الذي بارك لها حصولها على حضانة إبنها أخيرا ..
خرج فراس من البناية التي يوجد بها مكتب المحامي ليجد فادي ينتظره أسفل البناية بجانب سيارته فيخبره بغضب مكتوم :-
” لقد حدث ما أردته وتنازلت عن حضانة إبني …”
قال فادي بجدية :-
” لم يكن أمامنا حل آخر يا فراس ..”
هز فراس رأسه مرددا بوجوم :-
” أريد الفيديو يا فادي …”
قال فادي بجدية :-
” غادر انت وأنا سأجلب الفيديو لك بنفسي …”
قال فراس بتحذير :-
” نحن إتفقنا أن تمنحك الفيديو وتحذف جميع النسخ عندها .. لا تمسح لها أن تتلاعب بي مجددا ..”
قال فادي بقوة :-
” أخبرتك ألا تقلق .. انا لست غبيا يا فراس … ”
ربت فادي على كتفه يطمأنه ليغادر فراس المكان بملامح مكفهرة فتهبط غالية من سيارتها التي كانت تقف بها على جانب الطريق وتتقدم نحوه ليتأملها بنظراته الهادئة قبل أن تقف أمامه فيهتف بها بإقتضاب :-
” أين الفلاش ..؟!”
ردت غالية بجدية :-
” في الحقيبة …”
قال فادي بقوة :-
” هاتيه فورا …”
تنهدت غالية ثم قالت :-
” انت طلبت مني الفيديو وهو معي بالفعل .. ”
قاطعها بجدية :-
” ستعطيني الفيديو وتحذفين جميع النسخ ….”
ردت غالية بجدية :-
” حذفتها بالفعل ولم يتبق معي سوى النسخة التي في الفلاش داخل الحقيبة ..”
” جيد ، هاتيه إذا …”
قالها بسرعة لتقول غالية :-
” سأعطيك إياه … انا لا أتراجع عن كلمة قلتها .. فقط أتمنى ألا تخبر أخيك بإن الفيديو أصبح معك فأنا لا أضمن تصرفات شخص مثله …”
” هاتي الفيديو ولا تقلقي … انت في حمايتي …”
رددها بثبات لترفع حاجبها تردد :-
” انت سوف تحميني انا …”
قال بجدية :-
” نعم سأحميك .. بيننا إتفاق وأنا بنفسي أعدك إن فراس لن يقترب منك أبدا مهما حدث … انا لا أتراجع عن كلمة أقولها …”
هزت رأسها على مضض وهي تفتح حقيبتها وتخرج منها الفلاش منفذة الإتفاق الذي حدث بينها وبين فادي منذ أيام بأن تعطيه نسخة الفلاش وتحذف أي نسخ أخرى مقابل أن يتنازل فراس عن حضانه الطفل ..
أخذ فادي الفلاش ثم سحب نظارته الشمسية وإرتداها مغادرا المكان دون أن ينطق بكلمة واحدة لبعدها لتغمغم ببرود :-
” أحمق …”
رأت عهد تتقدم نحوها بعد مغادرة فادي وهي تبتسم لها قبل أن تسارع تقبض على كفها وهي تردد :-
” مهما فعلت لا يمكنني إيفاء جميلك في حقي .. أشكرك حقا يا غالية ..”
ابتسمت غالية وهي تردد :-
” لا داعي للشكر … انا فعلت ذلك لأجل مصلحة تميم اولا ولتلقين فراس درسا ثانيا …”
أكملت بشرود :-
” انا أكثر من يعلم كيف يؤثر حرمان الطفل من والدته على نفسيته …”
ابتسمت عهد بعينين دامعتين لتنتبه غالية على دموعها فتردد بخفوت :-
” مبارك لك يا عهد .. انا سعيدة لأجلك ولأجل تميم كثيرا …”
كانت تتحدث وهي تشعر بالفخر الشديد لإنها ساهمت في إنقاذ طفل من مصير مشابه لمصير أخيها فسارعت عهد تحتضنها وهي تشكرها مجددا لتربت غالية على ظهرها وهي تبتسم بملامح حزينة ..
بعدما غادرت عهد المكان اتجهت غالية نحو سيارتها عندما تذكرت أمر فرحة لا إراديا وخافت أن يفعل فراس بها شيئا فأخرجت هاتفها وسارعت تكتب رسالة لفادي :-
( تلك الفتاة الموجودة في الفيديو هي ليست سوى ضحية من ضحايا أخيك … أخيك دمر حياة أختها التي إنتحرت بعدما أوصمت عائلتها بعارها .. الفتاة لجأت الى هذا الطريق بعدما رفضها المجتمع بالكامل ورغم هذا أرادت أن تنتقم من الشخص الذي إستغل أختها ودمر حياتها تماما وجعلها تنتحر بعدما إنكشف سرها وتم فضحها أمام الجميع .. الفتاة ضحية أخيك لذا أتمنى ألا تسمح لأخيك أن يؤذها مع العلم إنها إختفت وأنا لا أعلم عنها شيئا …)
قرأ فادي محتوى الرسالة بملامح جامدة عندما أغلق الهاتف بقوة وهو يشعر بالضيق الشديد ناحية أخيه بل شعر بالكره ناحيته في تلك اللحظة ..
هبط من سيارته وتوجه نحوه مكتب أخيه عندما دلف إلسه ورمى الفلاش في وجهه مرددا :-
” هذا الفلاش الذي يحوي قذارتك .. الأمر إنتهى تماما لكن إسمعني جيدا يا فراس .. حذارى أن تتصرف بحماقة مجددا … وإياك ثم إياك أن تقترب من غالية او تلك الفتاة لإنني سأقف بنفسي في وجهك حينها ..”
أنهى كلماته وغادر المكان تاركا أخيه يتابعه وإبتسامة خبيثة ترتسم على شفتيه عندما حمل الفلاش ينظر له وفي عينيه توعد مخيف ..

كانت تجمع ملابسها داخل حقيبتها بملامح يغلب عليها الوجوم .. تعلم جيدا إن قرارها لا يخلو من التهور لكنها قررت وإنتهى الأمر وهاهي تنفذ قرارها وهي مستعدة لأن تتحمل جميع النتائج المترتبة عليه ..
سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فتوقفت عما تفعله وهي تسمح للطارق بالدخول ..
دلفت زوجة أخيها الى غرفتها ووقفت للحظات تتأمل ما تفعله قبل أن تقترب منها وهي تهمس بخفوت :-
” شيرين ..”
استدارت شيرين نحوها تتأملها بصمود لتهتف منى بحذر :-
” ما تفعلينه يا شيرين تصرف غير مدروس على الإطلاق ..”
هتفت شيرين برجاء :-
” لا تفعلي أنتِ أيضا يا منى ..”
أكملت بخفوت:-
” لا تقفي ضدي أنت الأخرى …”
قالت منى بصدق :-
” انا معك يا شيرين .. دائما كنت معك ولكن هذه المرة يجب علي تحذيرك …”
تنهدت شيرين وهي تردد :-
” أعلم جيدا إن هذه الخطوة قد تكلفني الكثير لكن ليس مهما .. لن تكون أول تجربة سيئة في حياتي …”
أكملت وهي تبتسم بخفة :-
” التجارب السيئة عادة ما تمنحني المزيد من القوة والإصرار .. على الأقل هذه المرة تجربتي مع شخص أحبه .. رغم كل شيء أنا احب عمار … هذا بحد ذاته يمنحني أمل النجاح هذه المرة …”
قبضت منى على كفها مرددة وهي تبتسم :-
” انا معك دائما … اتمنى لك أن تنالي السعادة التي تستحقينها يا شيرين …”
منحتها شيرين إبتسامة ممتنة ثم سارعت تعانقها بشدة فبادلتها منى عناقها وهي تبتسم بحزن ظهر لا إراديا في عينيها …
إبتعدت منى عنها عندما شعرت بحماتها تقف عند الباب تتطلع إلى إبنتها بجمود …
ربتت منى على وجه شيرين قبل أن تهمس لها :-
” سأتركك مع والدتكِ الآن …”
ثم تحركت مغادرة المكان تاركة المساحة لهما لتتحدثان عندما بادرت والدة شيرين القول :-
” إذا تتجهزين فعليا للمغادرة ..”
أكملت وهي تنظر الى الحقيبة :-
” ستغادرين المنزل وتتزوجين ذلك الرجل …”
ردت شيرين بجدية :-
” نعم يا ماما … لقد إتخذت قراري منذ فترة وأخبرتكم به وقد جاء وقت تنفيذه …”
عقدت والدتها ذراعيها أمام صدرها تردد :-
” بهذه البساطة ..؟! دون موافقتي أنا وأخيك ..؟! هل يستحق هذا الرجل أن تخسري عائلتك لأجله ..؟!”
أجابت شيرين بهدوء :-
” انا لا أخسر عائلتي لأجله بل لأجل ذاتي .. لأجل حريتي .. ولا تنسي إنكما من وضعتماني على المحك … قررتما دون رجعة أو محاولة بسيطة لفهمي .. كان بإمكانكما أن تمنحاني فرصة صغيرة عسى ولعل أثبت لكما العكس ولكن رفضتما الأمر بكل تعنت ودون مراعاة لعمري وإستقلاليتي .. ”
أكملت وعيناها تنظران الى والدتها بتأنيب :-
” لا يحق لأي أحد أن يفرض سلطته علي حتى لو بدافع الحماية .. الحماية لا تكمن بهذه الطريقة يا ماما … ”
مسحت والدتها على وجهها بتعب ثم تقدمت نحوها تردد وهي تقبض على كفها :-
” شيرين لا تفعلي… لا أنا ولا أخيك نستحق هذا منك …”
ردت شيرين بقوة :-
” ولا أنا أستحق هذا منكما ..!!”
” ابنتي هذا الرجل ..”
قاطعتها شيرين بتعب :-
” لا داعي لتكرار نفس الكلام ألف مرة .. أنت ووليد قلتما ما لديكما وأنا سمعتكما … في النهاية القرار قراري وأنا من سأتحمل مسؤوليته أيا كانت نتائجه …”
هزت والدتها رأسها تهتف بخيبة :-
” كان لدي أمل بسيط أن تتراجعي عما تفعلينه لكن يبدو إنك مصرة للغاية …”
هتفت شيرين بدورها :-
” وأنا ما زال لدي أمل بسيط أن تتراجعا عما تفعلانه انت ووليد …”
حررت والدتها كفها وإنسحبت من غرفتها بملامح مكفهرة فوقفت شيرين مكانها للحظات تتأمل المكان حولها بقلب مقبوض قبل أن تأخذ نفسا عميقا ثم تسارع في إنهاء ما بدئته …
بعد مدة من الزمن كانت تسحب حقيبتها خلفها وهي تهبط درجات السلم عندما تعلقت عيناها بعيني أخيها الذي منحها نظرة قاتمة وهو ينسحب مغادرا المكان لتظل واقفة مكانها للحظات والذكريات السيئة تقتحم مخيلتها لا إراديا فتنفضها من رأسها بسرعة وهي تهبط درجات السلم ومعها حقيبتها…
وضعت حقيبتها أسفل السلم عندما وجدت منى تقترب منها ومعها إبن أخيها لتهبط بسرعة نحوه تضمه الى صدرها قبل أن تبعده عنها فيهمس الصغير متسائلا :-
” هل ستتركين المنزل عمتي ..؟!”
ردت شيرين وقد ترقرقت الدموع داخل عينيها :-
” نعم يا صغيري…”
سألها الصغير ببراءة :-
” كيف سأراكِ مجددا …؟!”
ردت شيرين وهي تبتسم له رغم ألمها :-
” ستزورني في منزلي الجديد ..”
ثم نظرت الى منى التي منحتها نظرات مؤازرة فسارعت تحتضنها بمحبة أخوية خالصة لتهمس منى وهي تضغط على كفها بدعم :-
” إعتني بنفسك ومتى ما إحتجتِ شيئا ستجديني معك …”
إبتسمت لها شيرين بإمتنان وهي تهمس لها شاكرة قبل أن تعاود إحتضان الصغير وتقبيله بحب شديد ..
جرت بعدها حقيبتها وغادرت المكان بعدما ألقت نظرة أخيرة على المنزل وفي عينيها تصميم على النجاح هذه المرة ..!!

فتح عمار باب شقته ليجدها أمامه وحقيبة ملابسها خلفها … إنفرجت إبتسامة واسعة عن شفتيه وهو يهمس بفرحة :-
” وأخيرا يا شيرين …”
تقدمت نحوه تعانقه بقوة فبادلها عناقها مغمضا عينيه مستمتعا برائحتها ودفئها الذي إعاده لسنوات ماضية ما زالت ذكراها تلوح في الأفق ..
إبتعدت عنه قليلا بينما جسدها ما زال داخل أحضانه تنظر إلى عينيه الخضراوين بحب فيهمس متسائلا :-
” هل أنت مستعدة ..؟!”
همست برجاء شع من عينيها الخضراوين :-
” عدني ألا تخذلني …”
سيطر الجمود على ملامحه للحظات من ذلك الرجاء الخالص الذي يشع من عينيها الدافئتين فرد وقد لانت ملامحه وإشتد عناقه حول جسدها :-
” عديني أنتِ أولا ألا تتركيني مهما حدث … ألا تتخلى عني أبدا …”
قالت وهي تضع كف يدها فوق وجنته :-
” انا هنا يا عمار … تركت كل شيء أجلك … أليس هذا يكفي لجميع الوعود التي تطلبها مني وأكثر …”
وضع كفه فوق كفها يضغط عليه برفق قبل أن يجذبها الى الداخل ويغلق الباب خلفه …
بعد مدة كان يجري إتصالاته مع أحد رجاله ليجلب شيخا يعقد قرانه عليه ثم إتصل بعدها بإبني عمه يطلب منهما أن يشهدان على عقد زواجه …
كل شيء تم بسرعة فقد جاءا إبني عمه شريف وصلاح بسرعة يباركان لهما رغم القليل من نظرات الدهشة التي سيطرت على الأول والمرح الذي منحه الآخر لهما …
جاء الشيخ وتم عقد القران وقد منحته هي موافقتها وقد أدهشها المبلغ الخيالي الذي قدمه كمهر لها وضعفه كمؤخر صداق لها …
بارك الشيخ وإبني عمه زيجتهما قبل أن يغادروا قتبقى هي لوحدها تنتظر عودته عندما وجدته يقترب منها وهو يبتسم لها قائلا :-
” هل أنت جاهزة للمغادرة …؟!”
تسائلت بدهشة :-
” إلى أين سنذهب ..؟!”
ابتسم مرددا :-
” إلى منزلنا الجديد مبدئيا …”
” منزلنا الجديد ومبدئيا ..؟!”
قالتها بحيرة ليهز رأسه وهو يوضح لها :-
” نعم ، لقد إشتريت منزلا جديدا لنا يا شيرين .. اما بقولي مبدئيا فهذا لإننا سنسافر قريبا جدا في رحلة الى خارج البلاد بمناسبة زواجنا لكن قبلها يجب أن نحضر زفاف صلاح إبن عمي غدا وهذه ستكون فرصة مناسبة لإعلان زيجتنا …”
إبتسمت وهي تقول بصدق :-
” انت خططت لكل شيء …”
قال بجدية :-
” دعينا نذهب الى منزلنا .. هناك سنبدأ حياتنا الزوجية …”
اومأت برأسها موافقة وهي تسير أمامه يتبعها هو ومعه حقيبتها …
ركبت سيارته التي قادها الى احد المناطق الراقية للغاية في البلاد ..
هناك أوقف سيارته أمام فيلا ضخمة للغاية رائعة التصميم تأملتها بإنبهار عندما وجدته يفتح الباب لها فهبطت من سيارته وعيناها ما زالتا معلقتين بالفيلا بدهشة ..
قادها الى الداخل حيث دلفت الى الحديقة الواسعة المليئة بالأشجار والورود ثم منه الى الداخل ففتحت لهما الخادمة الباب ترحب بهما ..
دلفت الى الداخل وهو خلفها تتأمل المكان بدهشة واضحة حيث كل شيء قمة في الجمال والرقي …
شعرت به يهمس بجانب إذنها متسائلا :-
” ما رأيك ..؟!”
ردت بصدق :-
” رائع … كل شيء رائع ..”
إستدارت نحوه تتسائل بجدية :-
” متى إنتيهت من كل هذا …؟!”
رد مبتسما :-
” هذا أمر لا يصعب علي أبدا … على العموم حاولت أن أختار شيئا يليق بك … ومع هذا إذا أردتِ تغيير أي شيء فيمكنك بالطبع ..”
قاطعته بسرعة وعفوية :-
” هل تمزح يا عمار ..؟! كل شيء رائع ولا يحتاج الى التغيير …”
قال وهو يقبض على خصرها مقربا جسدها من جسده :-
” هذا سيكون منزلنا يا شيرين …”
همست بصوت مبحوح :-
” نعم هو كذلك …”
انحنى نحوها يقبل طرف شفتيها فأغمضت عينيها بإرتباك ليبتعد عنها مبتسما وهو يتأمل إرتباكها عندما أبعدها قليلا عنه ومد كفه داخل جيب بنطاله ليخرج منه علبة صغيرة ..
فتح العلبة ليظهر منها خاتم ماسي رائع التصميم مرصع بقطعة من الزمرد الجذاب ..
” إنه خاتم زواج والدتي ..”
أضاف وهو يضعه في بنصرها :-
” وعدتها يوما أن أمنحه للمرأة التي تستحقه .. هذا الخاتم غالي جدا عندي وأنت غالية كثيرا .. انا لا أظن إن هناك إمرأة تستحقه أكثر منكِ ..”
أدمعت عيناها وهي تهمس متلعثمة :-
” عمار ….”
رفع كفها يقبله وهو يردد بينما عيناه لا تحيدان عن عينيها الدامعتين :-
” هذا الخاتم لك بعد الآن يا شيرين … يا زوجتي ..”

حمل هاتفه يجيب على إتصاله وهو يرد بترحيب :-
” اهلا بإبن الخولي … كيف حالك ..؟!”
رد عليه :-
” بخير وانت كيف الحال عندك ..؟!”
ابتسم مجيبا :-
” كل شيء يسير بشكل جيد …”
أضاف مكملا :-
” وإذا كنت تسأل عن صاحبنا فعليك أن تبارك له …”
” ماذا تعني …؟!”
سأله بريبة ليرد عليه بتهكم :-
” تزوج اليوم …”
” حقا ..؟! ”
هتف بها بعدم تصديق ليقول ضاحكا :-
” نعم تزوج … تزوج من شيرين عزام .. صديقة ليلى إذا تتذكرها …”
قال بسرعة :-
” نعم تذكرت .. أذكر إن كان هناك قصة حب بينهما ولكنني لم أتصور أن يتزوجها بعد كل هذه السنوات ….”
قال ممازحا :-
” أخيك لا يضيع وقتا يا نديم … لكن يبدو إن تلك الفتاة مهمة لديه لذلك سارع وتزوجها ..”
قال نديم بشرود :-
” لم أكن أعلم ذلك لكن يبدو إنها مهمة بالفعل ..”
قال ساخرا :-
” دعه يمرح قليلا … لم يتبقَ أمامه سوى أشهر معدودة …”
تنهد نديم وهو يقول :-
” متى يا كنان ..؟! لقد نفذ صبري تماما …”
” كلا يا نديم .. إياك أن تفعل .. لا تجعل صبرك ينفذ … ”
قالها كنان بجدية وهو يضيف :-
” سننتهي منه يا نديم .. أعدك بذلك …”
” هذا كل ما أرجوه يا كنان .. أنا أعد الأيام والليالي …”
قالها نديم بتعب ليهتف كنان بقوة :-
” سيحدث يا نديم … سينال عمار كل ما يستحقه وأكثر وانت ستعود الى هنا وتستقر في حياتك بعدما تتخلص من وجوده السام الى الأبد ..”
هتف نديم بحقد :-
” حتى موته لن يشفي غليلي …”
قال كنان بنفس الحقد :-
” صدقني ولا أنا … قسما بربي لن يكون إسمي كنان صفوان إذا لم أنل منه ما أريده وأجعله يتجرع مرارة وحسرة أفعاله القذرة …”
” حسنا.. أنتظر إتصالا منك بكل ما هو جديد ..”
قالها نديم بجدية ثم ودع كنان الذي وجد مريم تتصل به بعد لحظات ليجيبها فيأتيه صوتها الغاضب :-
” أين أنت ..؟! أتصل بك منذ مدة وهاتفك مشغول ..”
رد كنان ببرود :-
” كنت أتحدث مع صديق لي .. ماذا حدث ..؟؟”
ردت مريم بعصبية :-
” لم يحدث أي شيء سوى إن الأيام تمر ونحن في مكاننا لا نفعل شيئا …”
قال كنان بجدية :-
” اهدئي عزيزتي .. بطريقتك هذه لن نصل إلى شيء …”
” ببرودك هذا لن نصل الى شيء …”
قالتها مريم بعصبية ليزفر كنان أنفاسه بضيق بينما أكملت مريم بغضب :-
” انا قلقة على أختي يا كنان وعلى نفسي أيضا …”
” أخبرتك ألا تقلقي …”
هتفت ساخرة :-
” حقا .. أشكرك لإنك أخبرتني بهذا … حقا انت جعلتني مطمئنة الآن …”
” كفى يا مريم … تصرفاتك تلك وطريقتك تجعلني أندم على إدخالك في هذا الأمر من الأساس …”
” انا من ندمت على تعاوني معك أساسا … كان علي أن أتصرف بمفردي …”
قالتها بحنق ليردد ضاحكا بتهكم :-
” إذهبي وتصرفي لوحدك هيا .. لو كنتِ تستطيعين فعل شيء لما ترددت لكنكِ تعلمين جيدا إنك بدوني لا تستطيعين فعل شيء ..”
” كلا يا كنان … انا تعاونت معك ليس لإنني لا أستطيع فعل شيء بل لإنني وجدت في تعاوننا فرصة للتخلص من عمار بأسرع وقت ولو كنت حقا بلا فائدة ما كنت لتطلبني بنفسك لهذا …”
أضافت عن قصد :-
” لكن يبدو إنك تهاونت في هذا الأمر وجميع كلامك السابق ذهب مع الريح …”
قال كنان بتحذير :-
” إلزمي حدودك … لست أنا من تتحدثين معه هكذا … إنتقامي سأناله ولو بعد مئة سنة …”
قالت مريم بغضب :-
” أنا أريده حالا .. أريد أن أتخلص من وجود ذلك الحقير في حياتي … إفهمني يا كنان .. انا لا يمكنني الإستمرار في حياتي بهذا الشكل … من جهة أختي ومن جهة أنا .. أنا أختنق .. تعبت من القلق والترقب… حقا تعبت …”
زفر أنفاسه بضيق ورغما عنه يتفهمها ويتفهم مخاوفها فهمس بصعوبة :-
” كوني قوية يا مريم .. وضعنا الحالي لا يناسبه الضعف ولو للحظات …”
أنهى إتصاله معها لينظر الى تلك الصورة الموضوعة على مكتبه فيهمس بصعوبة :-
” النهاية تقترب … ربما نهايتي أنا أيضا .. لا بأس … لينتهي عمار أولا وليحدث بعدها ما يحدث ..”

تأملت ملامحه المدهوشة بهدما أنهى إتصاله بغالية فسألته وهي تتقدم نحوه :-
” نديم ، هل أنت بخير ..؟!”
أفاق من دهشته على صوتها ليمنحها إبتسامة هادئة وهو يردد :-
” لن تصدقي … أخبرتك إن صلاح سيتزوج …”
قالت بجدية :-
” نعم ، أخبرتني بذلك عندما إتصل بك منذ أيام ..”
هتف ضاحكا رغما عنه :-
” نانسي العروس ….”
هتفت تتسائل بإستغراب :-
” أية نانسي …؟!”
” نانسي يا حياة ..!!”
تذكرتها فهمست بدهشة :-
” حقا ..؟!”
هز رأسه مضيفا :-
” تفاجئت الصراحة ..”
أكمل بجدية :-
” لم أكن أظن إن هناك علاقة بينهما …”
قالت بجدية :-
” ربما إرتبطا منذ فترة قصيرة وقررا الزواج …”
رد بجدية :-
” ربما حقا …”
أكمل وهو يتأملها متسائلا :-
” ألن تنامي …؟!”
ابتسمت وهي تردد :-
” هل تشعر بالنعاس …؟!”
نهض من مكانه وتقدم نحوها يمد يده لها وهو يردد :-
” أشعر بالحاجة للنوم بين أحضانك ..”
ردت ضاحكة :-
” أنت تتدلل يا نديم …”
” هيا يا حياة ..”
قالها وهو يغمز لها لتبتسم بخجل وهي تنهض من مكانها لتشهق عندما شعرت به يرفعها بين ذراعيها فتبتسم مرغمة بينما يسير بها هو نحو غرفة نومهما وعيناه لا تحيدان عن عينيه اللتين تتأملانه بفرحة لا إرادية ..
وضعها على السرير وانحنى جانبها يلمس خصلات شعرها القصيرة مرددا :-
” إذا ، هل إشتقت إلي يا حياة ..؟!”
ضحكت وهي تردد :-
” كثيرا …”
ابتسم وهو يهم بتقبيلها :-
” إثبتي لي مدى شوقك إذا …”
أوقفته وهي تردد :-
” توقف لحظة ..”
هتف بتململ :-
” ماذا هناك ..؟!”
قالت بسرعة وهي تنهض من مكانها :-
” سأغير ملابسي ..”
قال بجدية :-
” تغيرين ماذا بالضبط ..؟!”
لكنها تجاهلته وهي تسحب قميص نوم قصير قليلا عندما دلفت الى الداخل وأغلقت باب الحمام خلفها جيدا وسارعت تغير بيجامتها ..
انتهت مما تفعله فإتجهت نحو الخارج لتجده ينتظرها فتبتسم له وهي تردد :-
” سأشرب الماء وآتي ..”
ثم غادرت المكان مسرعة وهي تلعن نفسها لإنها نست الأمر مجددا ووضعت نفسها في موقف كهذا للمرة الثانية ..
اندفعت الى غرفتها السابقة وبحثت عن مكان الدواء عندما أخرجته وأخذت منه الحبة سريعا قبل أن تتجه نحو المطبخ وتصب لها الماء وفي اللحظة التي كانت تتناول فيها الحبة صدح صوته خلفها يقول :-
” حياة …”
فسقط القدح من يدها بلا وعي ومعه حبة الدواء …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك رد

error: Content is protected !!