روايات

رواية بشرية أسرت قلبي الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم آية محمد رفعت

رواية بشرية أسرت قلبي الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم آية محمد رفعت

رواية بشرية أسرت قلبي البارت التاسع والعشرون

رواية بشرية أسرت قلبي الجزء التاسع والعشرون

بشرية أسرت قلبي
بشرية أسرت قلبي

رواية بشرية أسرت قلبي الحلقة التاسعة والعشرون

(هتافات حارة!…)
صرخاتها المتقطعة وهي تحرك جسده الملقى أرضاً بإهمالٍ ذبحت قلوبهم جميعاً، فترقبوا ما يحدث بلهفةٍ وخوف على من قدم حياته فداء لهم، ربما كانت طائفة كبيرة منهم لا يحبذن أن يتولى “ديكسون” العرش بعد أبيه كونه ابن بشرية من عالم أخر غير عالمهم؛ ولكن ما حدث أمام أعينهم من تضحية قامت بها الملكة وابنها في سبيل إنقاذ حياتهم قلبت الموازين، تجمعوا من حوله والدموع تسري على الخدود وبعضهم يتابع ما يحدث بحزنٍ شديد، وخاصة حينما دفعته “روكسانا” وهي تصرخ بقهرٍ:
_”ديكسون”..انهض الآن هذا أمراً مني.
تماسك “لوكاس”وهو يحاول أن يكون صامداً أمام تلك الوخزة الحادة التي كادت بقسم ظهره، فجذبها بعيداً عنه ثم احتضنها بقوةٍ، ليعيق حركتها من الوصول إليه مجدداً، فانتباها نوبة حارقة من النواحٍ، لتدفعه بعيداً عنها وهي تشير له بجنونٍ:
_لم يمت ابني..سينهض.
أمسك بها “لوكاس” وبصوتٍ يطعنه الألم فجعله شاحباً:
_أعلم ذلك.. تماسكي “روكسانا”.
ثم جذبها بعيداً عن تلك الصخرة المفتتة، ليشير للوثر الذي أتى مسرعاً ليبعدها عنه، فأنحنى” لوكاس”تجاهه، جز على شفتيه بأسنانه وهو يحاول إحتمال ذاك الخنجر الذي تلاقاه بموضع قلبه حينما وجد ابنه ممدد هكذا، فمد أصابعه المرتجفة تجاه جسده الذي يتخلاله دماء حمراء لا تشبه لهما، فخرج نبرته المذبذبة:
_”ديكسون”!
وجذبه إليه وهو يتفحص جسده المصطبغ بلونٍ الدماء، أسرع إليه “سامول” وهو يحاول تفحص نبضه، حتى “إيمون” حاول جاهداً باستخدام طاقته بالسلب عله يتمكن من الشعور بالألم جراء ما يتعرض له فيكن خير الدليل بأنه مازال على قيد الحياة، تعكرت الوجوه بالحزن القاتم، الا “ألماندين” كانت تتجول بين الحضور بابتسامةٍ ساخرة قطعتها حينما صاحت بأعلى صوت تمتلك:
_ماذا حدث لكم؟ أرى الحزن يتنقل بين وجوهكم بعد فراقه!
ثم أشارت بيدها على “ديكسون” وهي تستطرد باستهزاءٍ:
_أليس هذا نفسه ابن البشرية الذي حاربتموه بكل ما أمتلكتم! أليس هذا هو نفسه الذي اعترضتم على أن يكون خليفة الملك؟
وصرخت بعنفٍ شديد وقد احتدت نبرتها:
_الآن حينما رأيتم بأعينكم ماذا فعل خلق الحب فجأة بين ضلوعكم!
ثم ابتسمت رغم الدموع التي تهبط توجعاً وحسرة على ألم قلبها:
_لطالما كنت أول من حاربه، فعلت كل ما بوسعي لأجعله منبوذاً بينكم، وحينما تمكنت من ذلك علمت بأنني كنت مخطئة.
ثم استكملت ببكاءٍ مزق قلوبهم:
_رأيتم اليوم “ديكسون” ابن الملك يحارب تلك اللعينة، أما أنا فرأيت ملكاً شجاع إخترق كهف يحوم حوله الموت ورغم إنه قد جرد من قواه ليصبح بشري ضعيف الا أنه صمم على استكمال رحلته حتى يتمكن من إنقاذ شعب مملكته الذي يبغضه.
وبفخرٍ أضافت:
_ما رأيته اليوم مقاتل شجاع لا يخشى الموت ولا يبالي لما تعرض له من جروح عميقة، كل ما يفكر به هو أن لا يطول الأذى شعبه.
وسقطت أرضاً جواره، تتمسك بيديه، لتردد بانكسارٍ:
_هذا هو من مقته في يوم مضى واليوم كل ذرة بداخلي تعشقه!
تعالى صوت بكاء “روكسانا”، ليخرج صوتها المتحشرج مرددة بعدم وعي:
_لم يمت ابني.. سيعود وعدني بذلك وسيوفي.
احتضنتها”إيرلا” وهي توزع نظراتها بين أخيها والجميع في صدمةٍ لم تتمكن من استيعابها بعد!
تحامل الملك “شون” على ذراع “بيرت”، فهبط للأسفل حتى أصبح قريباً منه، غامت عينيه في صدمةٍ، وهو يرى أقرب أحفاده لقلبه يتمدد أرضاً هكذا، فجحظت عينيه في صدمة لا مثيل لها، وإنحنى ليتمسك بيديه ثم قال وهو يبكي كالطفل الصغير:
_لقد جفت عيني بالبكاء على رحيل زوجتي فأخبرني ماذا سأفعل إن لحقت بها؟
وهز جسده المتصلب، ليخبره بقهرٍ:
_ألم يكن بوسعك البقاء حتى يرحل جدك العجوز! من سيشد على يدي الآن ليخبرني بأنه لجواري! إلى من سأتودد ليلاً لأقص له عن قصة حبي وشبابي؟
وإنحنى برأسه على صدره ليبكي ولأول مرة يرى” لوكاس” أبيه هكذا، حاول قدر المستطاع أن يوقفه على قدميه، فهناك سمات يجب أن لا تترك الملوك أبداً تخلى هو عنها حينما رأى حفيده هكذا، فبقى على موضوعه، يستند برأسه على صدره.
من الوهلة التي خرج بها “ديكسون” من الكهف قد بدأ يستعيد قواه بالفعل، ولكن حينما تعرض لتلك الضربة القاضية جعلته يفقدها مجدداً، وها قد عادت لتسكن جسده لترد له غيبته، تحركت أصابع يديه برعشةٍ خفيفة ومن ثم بدأ بمحاربةٍ ثقل أجفانه، ففتحهما على مهلٍ وهو يحاول أن يرفع يديه ليحتضن جده الحبيب، وحينما فشل أجلى صوته الضعيف:
_لا تقلق لن أرحل قبل أن أستمع لباقي مغامراتك وبالأخص تلك التي تربطك بملكة الحوريات، ربما حينها أفكر مرتين قبل أن أفعلها.
تطلع له الملك “شون” بصدمةٍ، فأسرع “أركون” و”إيمون”إليه ليعاونه على النهوض، التئمت جروحه وسرعان ما استعاد نشاطه، فأشار لهم بأن يتركوه حينما شعر بأنه قادر على الوقوف، في تلك اللحظة انطلقت الهتفات بين الشعب المتجمهر حولهما ولأول مرة، تلاحمت أصواتهم وكأنهم صوت واحد يرددون بفرحٍ وسعادة:
_فليحيا “ديكسون” العظيم.
شملت نظراته ما يحدث من حوله في دهشةٍ وذهول، كان هذا حلم ثمين يتمناه، أن يكون محبوباً بين شعب مملكته، ويراه الآن حقيقة ملموسة، ابتسامة فخر تسللت لوجه “لوكاس”وهو يتأمل ما تمكن ابنه من فعله، إقتربت منه “روكسانا” فوقفت من أمامه وهي تتحسس وجهه بخوفٍ من أن تكون متوهمة ذلك، فرسمت شفتيها ابتسامة من وسط سيلان الدموع التي لا حصر لها وهي تهمس بخفوتٍ:
_”ديكسون”، ابني.
احتضنها “ديكسون” ثم قال باستياءٍ على الحالة التي تسبب بوضعها بها:
_أنا بخيراً أمي.
وأضاف بابتسامة أنارت وجهه:
_ مازال أمامنا متسع من الوقت للتتقل لعالمك!
احتضنتها بفرحةٍ وهي تهمس بصوتها المتعب:
_كنت أعلم بأنك سننهض مجدداً.
ربت على ظهرها بحنانٍ، وانتبه لإيرلا الباكية، التي إقتربت منه بدموعٍ متحجرة بحدقتيها اللامعة، فأمسكت بيديه قائلة بابتسامةٍ تسللت لشفتيها:
_مازال هناك حروباً عليك أن تخوضها.
ضحك وهو يشير لها ساخراً :
_أعلم ذلك.
ثم تحرك تجاه “لوكاس” الذي يتأمله بابتسامةٍ يملأها الفخر والإعتزاز، وقف مقابله فاحتضنه “لوكاس” ثم قال بحزنٍ:
_كنت على يقين بأن ابني ليس ضعيفاً ليمت على يد تلك الحقيرة بسهولة.
ابتعد عنه ثم رفع حاجبيه بشكٍ:
_هل هذا إطراء أم سخرية!
ضحك وهو يشد على كتفيه:
_وهل تمكن أحداً منها غيرك؟
ثم أشار الملك ل”سامول”، و”أركون” و”إيمون”بالإقتراب، ليخبرهما بإطراء:
_ما فعلتموه لإنقاذ المملكة دين لن يرد.
أجابه “سامول” بلهجةٍ صارمة رغم حداثة سنه:
_لا دين يرد لأمير يدافع عن مملكته.
ابتسم “لوكاس” ثم عاد ليصحح جملته:
_أنت على صواب ولطالما كنت كذلك.
وفتح ذراعيه ليشير له، فأحتضنه الأخير بفرحةٍ، انتبه “ديكسون” “لألماندين” التي تتأمله من بعيدٍ بدموعٍ تلمع بحدقتيها، تعجب من وقوفها كذلك، كان يتوقع أن تسرع إليه، تحتضنه بقوةٍ وشوق، دموعها ونظراتها الغامضة أوحت له بشيءٍ أبشع مما تخيله، فهرع ليقف أمامها، منحته ابتسامة باهتة وهي تتعمق بالتطلع إليه، رفع يديه ليقربها من وجهها، فتراجعت خطوة للخلف وهي تشير له بالا يقترب، إزدادت شكوكه فقال:
_ماذا فعلتي “ألماندين”؟
تشوشت الرؤيا أمامها، ورغم الألم الذي يعتصرها الا أنها كانت تمنحه ابتسامة مشرقة، سقط من بين يدها زهرة الموت القاتلة، فجحظت عينيه في صدمةٍ، ومن ثم انتقل ليحيل بينها وبين الأرض، ثم حملها واختفى بها لكهفه السري حتى لا يشعر بهما أحداً فتتبدل الفرحة لقلقٍ وتوتر من جديد، ارتفع صوت أنفاسها الثقيلة، فقرب رأسها من صدره وهو يصيح بها بانفعالٍ:
_ماذا فعلتي بنفسك أحمقاء أنتي؟
إسودت يديها التي كانت تقبض على تلك الزهرة الحاملة لرسوخ الموت بين طياتها، فأنتفخت وتورمت بشدةٍ، جاهدت”ألماندين” لرفع يدها الأخرى، فلامست وجهه وهي تجيبه على أسئلته التي لا تتوقف:
_أخبرني أنت كيف سألتقط أنفاسي وأنت لا تشاركني به؟
وغزاها الألم فتآوهت وهي تجاهد لإستكمال كلماتها:
_انتهيت بتلك اللحظة التي رأيتك بها صريعاً أمامي.
وبابتسامةٍ صغيرة، أضافت:
_أخبرتني من قبل بأن قلبي يعرفك جيداً بل روحي متعلقة بك، وحينما أوشكت على الرحيل رفضت البقاء بمفردها دون صحوبتك.
اسودت عينيها وتغلب منها السم القاتل، فانتفض جسدها بين ذراعيه، أمسك بها “ديكسون” جيداً ثم صرخ بها بتعصبٍ شديد:
_لن أسمح لكِ بذلك.
لم تفهم مقصده الا حينما رفع كف يدها المنتفخة بالسمٍ الذي ينتشر بجسدها رويداً رويداً، فتوهجت عينيه قبل أن يغرس أسنانه الحادة بمعصمها، فصرخت وهي تحاول أن تبعده عنها بإلمٍ، إمتص “ديكسون” السموم من جسدها بإكمله ، فإنتقل الإلم من جسدها لجسده الذي سيحتمله بصدرٍ رحب رحمة له عن رؤيتها تنازع الموت أمام عينيه التي عشقت رؤية السعادة على وجهها الرقيق!
تغلب السواد الباهت على حدقتيه المنيرة، وتارة تتغلب هي عليها وكأنهن في صراع قاتل بين قوة السم وقوة محاربته لها، انتهى من امتصاص كل السم الموجود بأوردتها، فترك يدها وتنحى جانباً، لم تحتمل رؤيته يواجه الموت مجدداً فأغلقت عينيها بيدها معاً وهي تصيح من بين بكائها الحارق:
_لا تفعل أرجوك.
ومن ثم همست بصوتها المذبوح من فرط بكائها:
_أبقى معي.
شعرت بيديه تلامس يدها، فأبعدهما عن وجهها وهو يردد بابتسامةٍ شغفها العشق المتودد لقلبه:
_أنا جوارك.
تقوست حاجبيها بنظرةٍ صادمة، فكانت ترى السم يتمكن منه منذ دقيقة، أجبرت لسانها على الحديث أخيراً:
_كيف حدث ذلك؟
ابتسم وهو يجيبها بمزحٍ:
_إن كنت تغلبت على زهرة الموت القاتلة وأنا ببطن أمي جنيناً صغير كيف لا أتغلب عليها وأنا بريعان شبابي!
نهضت لتتعلق بأحضانه بفرحةٍ وعدم تصديق، شعرت بتلك اللحظة بأنها قد استعادت روحها التي غابت عن جسدها، مرر يديه على طول خصرها وهو ينعش رئتيه برائحتها المقربة إليه، فهمس بأنفاسٍ لفحت بشرتها فألهبتها:
_لم يبقى شيئاً الآن سوى إعلان زواجنا.
ابتعدت وهي تحدق به ببلاهةٍ:
_زواج!
منحها نظرة مشككة، قبل أن يسألها:
_أوه أميرة الحوريات المتعجرفة لا ترغب بالزواج من ملك السراج المستقبلي!
لكمته بيدها بقوةٍ ألمته، فرفع يديه يشير لها مازحاً:
_لا أريد العودة لذاك الجزء اللعين من جديدٍ، كفانا قتال يا فتاة.
ثم قربها إليه وهو يغمز لها بمكرٍ:
_ألم يحن الوقت حوريتي الشرسة لتخطفنا أمواج العشق فنسلم أمرنا لها ونتركها ترشدنا هي!
منحته ابتسامة أشرقت وجهه، فتراجعت بعيداً عنه حينما رأيته يقدم على فعل شيئاً سيزدادها خجلاً، ثم قالت بدلالٍ:
_حسناً، فلنتزوج إذن.
ثم أسرعت لخارج الكهف لتنادي عالياً:
_”كاديان”.
أتت إليها بحجمها الصغير الذي تضاعف حينما انخفضت أمامها، لتشير له بأطراف أصابعها بعدما إعتلت ظهرها:
_أراك بالمملكة قريباً.
وما أن إنطلقت للمملكة حتى وجدته ينتظرها هناك، وكأنها لم تودعه منذ قليل، فضحكت بصوتٍ مسموع، وقفت لجواره وهي تتأمل التجمع الغفير الذي يعلو هتافاته دون توقف تمجيداً للوكاس و”روكسانا”، منحتها “ألماندين” نظرة ملأها الإعجاب، فكيف لبشرية أن تحظى بكل ذلك الحب من جنسٍ أخر لا تنتمي إليه، من المؤكد بأنها عظيمة لتفعل ذلك، تحولت الهتافات لديكسون فور رؤياه فمنحهم ابتسامة واسعة قبل أن يلحق بالجميع للقصر.
********
بالقصر.
جلسوا جميعاً متعبين بعد تلك الحرب التي استنزفت طاقتهما، فأشرفت عليهما “ضي”، و” روكسانا” وهي تحاول تقديم المساعدة الطبية، أتى دور “ألماندين” فقالت ل”روكسانا” بخجلٍ:
_أنا بخير.
قالت بابتسامة مرحة:
_ولكني أرى خدوش بوجهك، أتخشين العقاقير الطبية لا تقلقي ليست مؤلمة!
تعالت ضحكاتها على دعابتها التي أسعدتها، فأشارت لها بأن تفعل ما يحلو لها، جلست مقابلها وهي تحاول تضميد جرحها، فقالت “ألماندين” بإرتباكٍ:
_أعلم بأنني تماديت بكرهك، ولكني الآن لم يعد بقلبي بغض تجاه البشر.
منحتها ابتسامة صافية، قبل أن تمسك بذقنها وتردف قائلة:
_ليس هناك ميثاق يؤكد لكِ معدن الشخص الذي أمامك سوى العشرة “ألماندين”.
ثم أضافت بتوضيحٍ لكلماتها المختلفة على مسمع” ألماندين”:
_حينما أتيت إلى هنا كنت أرى بأنني سقطت بين وحوش قاتلة ستلتهمني، وحينما أحببت “لوكاس” واختلطت بالجميع باتت الأمر يترسخ بذهني، فعشرة الأشخاص تمكنك من تقيمهما جيداً.
هزت رأسها بإقتناعٍ، فقالت “روكسانا” بابتسامةٍ خبيثة:
_ولكني مازلت أتساءل هل أحبك ابني بعد عشرة أم من النظرة الأولى؟
ضحكت على استحياءٍ، فأتاها الرد من جوارها حينما احتضنها “ديكسون” ليجيبها بهيامٍ بمن أمامها:
_منذ اللحظة التي تخلى عنها وشاحها ليكشف عن شعرها الرماي وعينيها الفيروزية.
اصطبغ وجهها بحمرةٍ الخجل، فتعالت ضحكات “روكسانا” وهي تستند برأسها على رأسه ثم قالت:
_لا أنكر ذلك.. فهي جميلة مثل “راوند”.
على أثر ذكر اسمها، تساءلت”ألماندين” بإرتباكٍ من نطق تلك الكلمة:
_أين أمي؟
أشارت لها “روكسانا”، فوجدتها تجلس جوار” بيرت” بالقرب منهما، لتشير لها بأن تأتي إليها، استأذنتهم وتوجهت سريعاً إليها، لتحتضنها “راوند” طويلاً بعدما كانت تخشى فقدانها.
أما “سامول” فحرص”أدلر” على تضميد جرحه، فقال بعدما انتهى مما يفعله:
_داويت جرحي ببراعةٍ أبي..معتاد على جروح الحروب أنت!
أطبقت الفرحة على شفتيه وهو يستمع لكلمة أبي تردد على لسانه، فأجابه:
_العرش يجعلك تعتاد أموراً مختلفة عنك “سامول”.
هز رأسه باقتناعٍ، فالتفت تجاه”زمرد” التي تجلس بسعادةٍ جوار “أركون”، تلقائياً بحثت عينيه عن حبيبته، فوجدها تضمد جرح” إيمون”، منحها ابتسامة جعلتها مشوشة، فعبثت بخصلات شعرها كمحاولة لتجهل نظراته الفتاكة، أما “لوكاس” فكان يجلس جوار أبيه و”لوثر”، هبطت “إريكا” من الأعلى بعدما حرصت على تبديل ملابسها المتسخة، فإرتدت فستان وردي يصل لبعد ركبتيها، تاركة العنان لشعرها الأصفر يتدلى من خلفها، وزعت نظراتها بينهما باستياءٍ، فكل منهم مشغولاً بالأخر، لمع عقلها بفكرةٍ مجنونة قليلاً، ولكنها ستوفي بالغرض، جذبت أحد السيوف الملقاة أرضاً ثم صعدت على إحدى الصخور، لتطرق بالسيف على الطاولة القريبة منها وهي تصيح عالياً:
_انتباه يا سادة، فهناك أموراً هامة أود طرحها عليكم.
انتبه لها الجميع، فاعتدل “إيمون” بجلسته وهو يردد بتعجبٍ:
_ماذا؟
ابتسم “لوكاس” فهو يكن لتلك الفتاة معزة لا يعلم سببها، ربما لأنها بشرية تذكره بزوجته أم لأن “روكسانا” تحبها كثيراً، فأشار لها بثباتٍ:
_لكِ ذلك “إريكا”.
أشارت بيدها وهي تخبره بإمتنان:
_شكراً لك أيها الوسيم.
ضحك الجميع على لقبها الذي نسبته للملك الذي لا يجرأ أحداً على تجاهله لمركزه، فتابعوا ما ستقول بدهشةٍ:
_أرى أن ما حدث هنا يستحق إحتفال ضخم، ربما يزيل ذكريات تلك الرحلة المأساوية.
اقترب” ديكسون” منها ليشير لها بسخريةٍ:
_منذ اللحظة التي بدأت بها صداقتنا إلى الآن لم تنطقي بشيئاً صائباً هكذا.
لوت شفتيها بغضبٍ، وخاصة حينما قال:
_ولكن هناك بعض التعديلات ربما ستضيف رونق خاص للإحتفال.
سأله “إيمون” باهتمامٍ:
_ما هي؟
قال وعينيه تدرسان ردة فعل الملك:
_حفل زواج.
ضيق “أركون” عينيه باستغرابٍ:
_زواج من؟
أشار بيديه وهو يجز على أسنانه من غبائه:
_زواجنا جميعاً ما بك!
استقام “سامول” بجلسته باهتمامٍ، ثم ردد بلهجةٍ حاول أن يخفي بها لهفته:
_أؤيد “ديكسون” فلنعلن زواجنا غداً إن كان الملك لا يعترض ذلك.
سُلطت النظرات تجاه “لوكاس” الذي يتأملهم بمكرٍ، ففالت “روكسانا” بضيقٍ من صمته المبالغ به:
_هيا “لوكاس”!
كسر صمته حينما التفت برأسه تجاه”لوثر” و”بيرت”:
_رتب المملكة إذن لهذا الزواج.
تعالت الصيحات المتحمسة فيما بينهما، فعادت “إريكا” لتطرق بسيفها مجدداً وهي تعيد نفس تلك الجملة:
_انتباه يا سادة، مازال هناك ما أود قوله!
تساءلت “إيرلا” بمللٍ:
_ماذا هناك بعد؟
تنحنحت وهي توضح بغرورٍ:
_تحدثتما عن حفل زفاف ولم يستمع أحداً لإقتراحاتي بشأن ذلك.
صاح “إيمون” بشراسةٍ بها:
_إقتراح ماذا؟ أمازلتي لا ترغبين بالزواج مني؟
نفت سريعاً:
_لا، ولكني أود طرح بعض الأمور المتعلقة بالزفاف.
قالت “زمرد” بابتسامةٍ رقيقة:
_حسناً لا تقاطعنها مجدداً.
ثم أشارت لها بحماسٍ:
_أخبرينا “إريكا”.
قالت موضحة لهما:
_الزفاف سيكون مختلف إن تخليتما عن عادتكم تلك وإرتديتم مثلنا.
ثم أشارت على ما تريديه:
_بذلة سوداء أنيقة وفستان رائع باللون الأبيض سيجعل الحفل مختلف تماماً.
تساءلت”إيرلا” بدهشةٍ:
_ومن أين لنا بملابس كهذة.
أجابتها سريعاً:
_لا تقلقي سأذهب برفقة “ديكسون” لشراء ما يلزمنا جميعاً.
ثم نقلت نظراتها تجاه “سامول” و”إيمون”و”أركون” وهي تردد بحيرةٍ:
_وإن كنت سأواجه بعض المتاعب بإيجاد المقاس المناسب لهم، ولكني سأحاول أن أجد ما يناسبهم.
همس “سامول” ساخطاً:
_جيد، بالصباح سنصبح أضحوكة أمام الشعب بأكمله!
تدخلت “روكسانا” بالحديث، لتجيبه:
_الأمر ليس بهذا السوء “سامول”، فحينما ترتدي ما تخبرك به”إريكا” ستبدو رائعاً.
منحها ابتسامة تكن لها الإحترام، فقالت “ألماندين” هي الأخرى:
_أجد الأمر ممتعاً “إريكا”، أحب التميز والإختلاف لذا سأترقب ما ستحضرينه برفقة”ديكسون”.
غمزت لها”إريكا” وهي تشير عليها:
_أحب تلك الحورية الجذابة.
تعالت ضحكاتهم جميعاً، فقالت “زمرد” بعد تفكيراً:
_وأنا سأرتدي نفس الشيء.
حتى “إيرلا” رددت بعد تفكيراً:
_حسناً، ولكني سأجربه أولاً!
أشارت لها بثقةٍ:
_بكل تأكيد عزيزتي.
ثم التفتت تجاه “ديكسون” لتشير له بالإقتراب وهي تردد بكلماتٍ عشوائية:
_لدي أكثر من عمل هام لذا علينا الإسراع، هيا فلتحملني إلى الأرض الآن.
تعالت ضحكاتهم على ما حالة التشتت التي أصابتها، فتخفى بها “ديكسون” سريعاً ليعود بها لعالمها.
***********
انتقت “إريكا” ما يناسب كل فتاة من فستان زفاف أبيض يليق بشخصها وهوسها، حتى الأحذية ومساحيق التجميل، قضت يومها بأكمله تتسوق و”ديكسون” يحمل ما تشتريه ليصعد به للأعلى ومن ثم يهبط إليها حتى زفر بها بتعصبٍ:
_كفى “إريكا”، لقد مللت من حمل تلك الأشياء الغريبة!
استكملت رحلة تسوقها وهي تردد بانزعاجٍ:
_الرجال جميعهم متشابهين، يكرهون التسوق!
أغلق عينيه بمللٍ، ثم قال بابتسامةٍ مصطنعة:
_حسناً لا تغضبي، فلنعد إذا كانت أغراضك مكتملة!
أشارت له بكفيها:
_سنغادر، ولكن أليس من المنطقي أن ندعو أبي وأمي على زفافي.
ابتسم ساخراً:
_وكيف ستخبرنهم بذلك؟
حكت رأسها بتفكيرٍ:
_لا أعلم، ولكني سأحاول وإن فشل الأمر سأركض للشرفة ولنهرب سريعاً.
كبت ضحكاته وهو يشير لها بإعجابٍ:
_جيد، لننطلق.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية بشرية أسرت قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *