روايات

رواية ندوب الهوى الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوى الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوى البارت الثاني والعشرون

رواية ندوب الهوى الجزء الثاني والعشرون

رواية ندوب الهوى
رواية ندوب الهوا

رواية ندوب الهوى الحلقة الثانية والعشرون

صدمت بشدة وارتسم الذهول على ملامحها وهي تراه يتقدم ناحيتها قابضًا على يده بقوة وكأنه سيضرب كيس ملاكمه، ارتعد جسدها من اقترابه أكثر وأكثر والجميع ينظر إليه بذهول ولم يتحرك أحد، ابتلعت مرارة العلقم الذي وقف بجوفها خوفًا من تهوره عليها.. لن يفعلها مؤكد لن يتهور عليها هذا ليس من صفاته مهما حدث… ارتعشت شفتيها من صوته العالي الذي أتى مرة واحدة وعلى حين غرة منه وكأنه ألقى كل صبره عرض الحائط..
انتفض جسدها وهي تراه يقف أمامها وليس هناك شيء يفصل بينهم يرفع قبضة يديه ليضرب بها الحائط جوار رأسها تمامًا..
أغمضت عينيها بقوة والخوف يحتل كيانها من تهوره أمام الجميع هنا، وقف ينظر إليها بقوة وهي مغمضة العينين يلهث بعنف وقد نفذ صبره وتحمله وأتى بآخر ما عنده وليحدث ما يحدث.. يكفي هذا الضغط عليه فهو لا يتحمل أكثر من ذلك ويرى نفسه يسير في زفاف ولا يدري هو لمن!..
استنشقت أنفاسه العنيفة وهو يلهث أمامها بعنف ووقفت هي بضعف تفتح عينيها بهدوء وقلة حيلة بعد أن جعلته يفقد صوابه، الآن ستعود تلك البريئة لتتلاشى هذا الغضب، نظر إلى داخل عينيها بعمق يرمي بسهام العتاب عليها، مُختق مما فعلته أمام عائلاتهم، ما يحرقه أكثر شيء هو وقوفها أمام وجهه في حضور الجميع!..
عاد للخلف خطوة ثم بكامل قوته قبض على يدها لتنظر إلى يده الممسكة بها بألم ثم عادت إلى نظرته مرة أخرى لتراه يهتف بجمود ونظرة حادة:
-يلا
أمام الجميع وفي صمت تام جذبها معه إلى باب الشقة ليرحل من هنا، وضع كف يده الأخرى خلف ظهرها يدفعها معه للأمام وهي لم تقابله بالاعتراض، بل كان الصمت والذهول حليفها تاركة قوتها وعنفوانها لمرة أخرى.. ففي هذه الحالة التي وصل إليها لا تعلم ما النتيجة التي ستحصل عليها..

 

 

 

نظرت العائلة جميعها إلى بعضهم البعض بذهول تام لما حدث أمامهم بين ابنهم الحكيم وزوجته المعروفة بأخلاقها.. اقتربت والدته تجلس جوار والده وداخلها أفكار عديدة وعدة لا تعرف ما السبيل للتخلص منها، فهي ترى أن زوجة ابنها محقة في سؤالها ولم تخطئ، خطأها الوحيد هو الوقوف أمامه بهذه الطريقة أمامهم..
ذهبت “مريم” وعلى وجهها آثار الحزن لما حدث لشقيقتها وما قد يحدث بينها وبين زوجها وهم مغلق عليهم في بيت واحد، جلست جوار زوجها ووضعت يدها على يده تتمسك بها بقوة والتأثر واضح عليها بقوة، نظر إليها هو الأخرى وابتسم إليها بتصنع يمدها بالدعم والراحة وهو يضغط على يدها بكفه الآخر اعتقادًا أنها هكذا ستهدأ..
الجميع كان في حالة صدمة تامة وأكثرهم والده الذي غضب لما فعله ابنه، لم يكن يتوجب عليه فعل كل ذلك، ولم يكن يتوجب عليه رفع صوته عليها هكذا أمام الجميع، كان من المفترض أن يمتص غضبها ثم في منزلهم ييتحدث معها بهدوء وراحة..
فتح باب شقته بمفتاحه الذي معه ثم دفعها للداخل بقوة وولج من خلفها يغلق الباب بعنف وقوة اهتز لها الباب بعد غلقه وجعلتها تستدير تنظر إليه برهبة وخوف حقيقي هذه المرة!.. هل كانت تحتمي بعائلته هناك لذا فعلت ما تريد وباعت خوفها في وجودهم!..
عادت للخلف خطوة وهو يتقدم إلى الداخل، تنظر إلى وجهه الذي تغيرت ملامحه وأصبحت شرسة عنيفة وكأنه تناسى كل شيء ما عدا فعلتها، عينيه تنظر إليها بثبات عميق وقوة حقيقة يدقق ما تفعله..
ألقى المفاتيح ونظره مُعلق عليها وهي تبعده بخطوات، جسدها تقريبًا بدأ يرتعش والخوف يظهر عليها وسكوتها أظهر ضعفها أكثر، تفهم الآن أنها ستصمت بسبب ما فعلته وجعلته يتوصل إليه..
وجدته يتقدم منها بجسده العريض الذي نظرت إليه الآن بقوة ونظرته الشرسة ناحيتها، وقفت بثبات تحاول التحلي به أمامه وهو خائر وهش للغاية، سألها باستنكار وغضب عارم:
-من امتى وأنتِ بتكلمي رجالة غريبة

 

 

ابتلعت ما وقف بجوفها مرة أخرى والرهبة تظهر عليها بوضوح ناظرة إلى عينيه بعمق وأجابته بتردد وكذب:
-أنا مكلمتش حد
ضيق عينيه عليها ودقق النظر بها وبجميع أعضائها التي تظهر أمامه، يرى خوفها حقيقي ولكن سيضغط عليه أكثر لتتعلم كيفية التصرف بعد ذلك:
-وعبده؟..
اردفت قائلة بثبات مزيف يهتز أمامه وهي تبرر له ولنفسها قبله ذلك الخطأ الذي فعلته عندما توجهت إلى”عبده”:
-دا صاحبك يعني مش غريب
أقترب منها على حين غرة جاذبها إليه من معصم يدها ليجعلها تكون في مواجهته مباشرةً، صاح بحدة وعنف ونظراته تظهر عنفوانه:
-لأ غريب.. غريب وستين غريب، بتكلميه ليه وتديله فرصة يقف معاكي ويبصلك
حاولت جذب يدها بهدوء وهي تكرمش ملامح وجهها ألمًا مُجيبة إياه بضجر:
-مبصليش يا جاد هي كلمة ورد غطاها
نظر إليها هذه المرة بدهشة وذهول فهي تبرر كذب فقط ليصمت أو يتركها.. فقط لتمر الليلة بهذا الحديث الذي يستنكره إلى أبعد حد!:
-أنتِ بتستهبلي عليا!.. غلطاتك كترت ومحتاجة حد يفوقك من اللي أنتِ فيه
هنا عادت شراستها مرة أخرى وتناست خوفها منه وعليه وأردفت بقوة حقيقية ثابتة واثقة وهي تنظر بعمق داخل تلك الرماديتين:

 

 

-أنا مغلطش، أنا كنت بسأل على المدام اللي أنتَ مش عايز تقولي عايزة منك ايه ولما سألت طلع كلامك كدب ومالهاش شغل عندك
صدح صوته يصرخ بوجهها وهو يضغط على يدها جاذبها ناحيته أكثر لتكن أمام وجهه الغاضب بعنف:
-وبتسألي ليه.. مش من حقك تدخلي في شؤوني وأنا لما ابقى عايز أعرفك حاجه مش هستنى
قضبت جبينها باستغراب وتسرب إليها الضعف بعد استماع حديثه الذي يثبت أنه يخفي عنها شيء يخصه مع “كاميليا”!:
-يعني أنتَ مخبي عني أهو يا جاد ومش عايز تقولي
لقد أخطأ في حديثه وأثبت إدانته أمامها وتحت مسامعها وناظريها، يا له من غبي يستحق العقاب، تغاضى عما فعله وعن سؤالها أيضًا يهتف بصوتٍ جاد:
-ده شيء مايخصكيش
حضر غضبها بقوة وشراسة لأنه يسلب حقها به بكامل الغرور والعنجهية وكأنها ليست إمرأة تحمل اسمه وتكن له النصف الآخر بحياته ورفيقة دربه إلى الممات!.. صاحت بعنف وغضب وهي تجذب يدها بعنف أكثر قوة منه وتضربه على صدره باليد الأخرى بهمجية شديدة:
-لأ يا جاد يخصني أكتر منك.. أنتَ جوزي ومهما حصل هتفضل كده ومن حقي أنا بس.. والست دي والله لو شوفتها معاك تاني مش هيحصل طيب
أكملت بغضب أكبر من السابق وهي تستمر في ضربه بيدها الحرة:
-إلا بقى لو كنت أنتَ اللي عايز كده
استغربت صمته ونظرته الثابتة عليها!.. لماذا لم يُجيب؟. أهو يريد ذلك حقًا؟ بقبضة يدها قامت بضربة بقوة جعلته يتألم بسبب وجود دبلتها في إصبعها وهي من قامت بتعظيم الضربه على صدره:
-مبتردش ليه!.. أنتَ عايز كده بجد؟..

 

 

تأوه أمامها بقوة بعد أن شعر بألم الضربه على صدره، أمسك يدها الأخرى ليقيد حركتها صارخًا بوجهها بعنف وقوة:
-أنتِ اتهبلتي!.. رسمتي قصة وسيناريو في دماغك وخلاص بقى كده.. بقيت مع واحدة تانية!..
صرخت أمامه بهمجية شديدة تريه إنه هو من فعل كل ذلك وهو من وصل بهم إلى هذه النقطة المغلقة:
-كلامك وطريقتك بتقول كده
نفض يدها الاثنين من يده وعاد للخلف خطوة مُبتعدًا عنها وهو ينظر إليها بعتاب خالص، نظرته أصبحت الآن حزينة مُرهقة، يشعر بالخذلان بسبب تفكيرها به بهذه الطريقة الغبية وعدم ترك فرصة له ليتفهم ما الذي يحدث:
-لا كلامي ولا طريقتي ولا أفعالي قالت حاجه.. أنتِ اللي قولتي ولو كنتي مراتي بجد كنتي عرفتي أنا بعمل ايه وهعمل ايه.. كنتي عرفتي إني مستحيل ابص لوحدة غير مراتي مش علشانك لأ ولا علشان بحبك، علشان خايف من ربنا.. علشان بخاف على أهل بيتي لكن أنتِ غيرتك وعبطك اللي ممشيكي
هل هو على حق!.. يبدو كذلك فهو لا ينظر إلى أخرى غيرها، وليست هذه من صفاته إنه يعرف الله جيدًا ويحب طريق الخير لا غير ذلك!.. تفكيرها به كان خاطئ حقًا ولكن ماذا عنها!.. إنها تريد شيء منه، هي واثقة من ذلك تشعر بما تريده ولن يكون هذا الشعور خطأ، اقتربت منه هذه الخطوة الذي أبتعد بها وقالت بهدوء تمتص حزنه منها:
-طيب أنا غلطانه في حقك وأنتَ معملتش حاجه، هي بقى؟.. هي عايزة منك ايه وليه بتتكلم معاك كده.. يا جاد علشان خاطري قدر اللي أنا فيه حط نفسك مكاني!..
زفر بضيق وانزعاج شديد وهو يستدير بوجهه للناحية الأخرى ثم عاد إليها بنظرة قائلًا بنبرة هادئة مُرهقة:
-أنا معرفش هي عايزة ايه وفي الآخر هتلاقيها مش عايزة حاجه.. أنتِ قولتي قبل كده لا هي مننا ولا من توبنا، ده غير أنها ست متجوزة واللي إحنا بنعمله ده غلط إحنا بنخوض في عرض الناس.. ومتنسيش بقى أن كلامهم ده طبيعي عندهم مش بيحافظوا عليه لكن إحنا غير

 

 

عاندت حديثه وهي تُجيب بقوة وتشير إلى موضع قلبها الذي تشعر من خلاله بشيء ما قادم منها سيغير حياتهم:
-لأ.. لأ أنا حاسه أنها عايزة منك حاجه وحاجه غلط كمان أنا من أول يوم وأنا مش مرتاحة ليها
سخر منها وهو يضع يده الاثنين أمام صدره العريض رافعًا أحد حاجبيه بضجر:
-المفروص إني أمشي ورا إحساسك وأروح أقولها أنتِ عايزة مني ايه؟.. ده لو شوفتها تاني بعد اللي عملتيه
صدح صوتها بقوة أمامه وهي تشير بيدها بهمجية:
-وأنتَ عايز تشوفها ليه إن شاء الله
أخفض يده عن صدره وأردف بعنف وضيق شديد وهو يضغط على شفتيه السفلى بأسنانه:
-اللهم طولك يا روح.. بأمانة أنتِ أغبى واحدة شوفتها في حياتي
دافعت عن تفكيرها الذي يتحدث عنه موضحة له موقفها ونظرتها للأمور:
-أنا مش غبية أنا فاهمه كل حاجه وأنتَ اللي بتستهبل عليا… ولا حاسس بيا أصلًا
تسائل بجدية وهدوء في ذات الوقت وهو ينظر إليها محاولًا السيطرة على نفسه فقد ارهقته وهي أيضًا يبدو عليها الإرهاق الشديد من هذا النقاش الحاد:
-مش حاسس بيكي ليه؟.. قوليلي ما أنا واقف أهو بحاول اتفاهم معاكي وأعرفك أن مفيش حاجه
بجدية شديدة اقتربت منه أكثر وأردفت بقوة مطالبة بشيء ما يجعلها تصدق حديثه وهي تذكرة بما حدث بينهم منذ فترة:
-اثبتلي يا جاد؟.. متزعلش مني أنتَ مش فاكر عملت ايه معايا على حوار الصور اللي أنا مكنش ليا دخل فيها أصلًا؟. أنتَ يعتبر لسه مكلمني يا جاد.. كنت مقاطعني علشان…
قاطعها قبل أن تكمل حديثها المسموم الذي تزعجه به وتذكره بما حدث بينهم بعد أن حاول أن يتناسى في هذه الأيام الأخيرة:

 

 

-المفروص كنت أعمل ايه يعني وأنا شايف صورك متوزعه على الكل رجالة وستات بيملوا عينيهم منك وكل ده بسبب غبائك
اردفت قائلة بضيق وانزعاج:
-بردو هتقولي غبية
أومأ إليها بقوة مؤكدًا حديثه بثبات وجدية وهو يتجه ناحية باب الشقة:
-آه غبية وستين غبية وأنا غلطان أنا بتكلم معاكي أصلًا
تسائلت باستغراب وهي تراه يتجه إلى باب الشقة وكأنه ينوي الرحيل:
-رايح فين
أجابها ببرود مُستفز قائلًا:
-هبات عند أمي
تفاجات من رده الغريب وتسائلت باستنكار:
-نعم؟..
زفر بهدوء وهو يتمسك بالباب بعد أن فتحه ناظرًا إليها بعمق داخل عسلية عينيها التي تسحره:
-مش علشان حاجه يا هدير.. أبويا تعبان والمفروض أكون معاهم وهسيبك لوحدك يمكن تفكري كويس وتعقلي بقى..
خرج من الشقة وأغلق الباب خلفه بهدوء تاركًا خلفه قلبًا ينذف ألمًا لما واجهه على يده، أنها تشعر بالغيرة الشديدة التي تنهش قلبها من الداخل وتجعله يتلوى على نيران مسكوب عليها بنزين بشراهة ليحترق في لحظة خاطفة..
رأته وهو يحاول أن يجعلها تصمت ثم حاول أن يتحدث معها باللين وهي من أوصلته إلى حالة الغضب هذه والآن عاد مرة أخرى يحاول معها باللين ليتخلص من ذلك العبء وذلك الحائل الذي يقف بينهم..

 

 

تنهدت بعمق وهي تخلع حجاب رأسها عنها ثم توجهت إلى الصالة في الداخل وألقت بنفسها على الركنية تنام على ظهرها تنظر إلى سقف الصالة بضياع وعقلها لا يستوعب التفكير أكثر من ذلك..
فقط تود لو كل شيء يمضي وتعود حياتهما كما كانت في السابق، لا تفعل أي شيء سوى أنها تتدلل عليه ولا يفعل أي شيء سوى أنه ينعم بكامل الحب معها!..
إلى الآن لم يكن يمرر أمر الصور تعرف أنه يزيد الحمل في هذا الأمر عليها ولكن مع ذلك وجدت داخله أنه كاد يمضيه!.. ليأتي أمر هذه المرأة الغريبة عنهم إلى أبعد حد وتتدخل بينهم وتفسد جمعهم..
من أمر الصور إلى هذه!.. يا الله كم أن الزواج مُرهق مع هذا “جاد الله”!..
❈-❈-❈
بعد أن عاد “جاد” إلى والده مرة أخرى ورسم على وجهه ملامح الهدوء والراحة حتى يفهم أن الخلاف الذي حدث بينه وبين زوجته قد مر وتناسى ما حدث به الأساس..
ورأى الجميع ذلك وهناك الكثير منهم لم يدلف الأمر عليه بهذه السهولة، ذهب كل منهم إلى بيته وبقيٰ هو فقط هناك، طلب منه والده العودة إلى زوجته رفض رفضًا قاطعًا فطلبت والدته أن يأتي بها إلى هنا رفض أيضًا معللًا بأن هذه أفضل لهم هذه الليلة..
هبط “سمير” على درج المنزل ليذهب إلى شقته ومعه زوجته “مريم” التي هتفت وهي تدافع عن شقيقتها بعدما قص عليها ما حدث في المشفى:
-طب ما هدير كده مش غلطانه.. أي واحدة مكانها هتعمل كده وأكتر
رفع حاجبه وهو يستدير ينظر إليها قائلًا:
-يعني أنتِ لو مكانها هتعملي كده؟

 

 

تحولت نظرتها عندما وضعها في مثل ذلك الموقف وهتفت بقوة وهي تنظر داخل عينيه:
-وأكتر من كده كمان.. أفهم عايزة ايه وإزاي تتكلم بالطريقة دي أنتَ نفسك بتقول استغربت وبقيت مش فاهم هي إزاي تتكلم كده ولا كأنه من بقيت أهلها
عاد مرة أخرى يتفق معاها وهو يكمل سيره إلى الأسفل على الدرج قائلًا بجدية مُستنكر وقفتهم أمام الجميع:
-مقولتش حاجه بس المفروض مكنش يكون قدامنا كل اللي حصل ده
وضعت يدها على ظهره وهي تهبط بهدوء وراحة بعد أن شعرت بتوعك معدتها، أجابته بصوتٍ خافت:
-أكيد في حاجه إحنا منعرفهاش وإلا مكنتش عملت كده
هتف بجدية شديدة مدافعًا عن ابن عمه وشقيقه وهو يخرج من باب المنزل إلى الشارع يعبر معها الناحية الأخرى لمنزلهم:
-أيوه بس جاد مابيعملش حاجه غلط.. هو أكيد فاهم هو بيعمل ايه
نظرت إليه في سيرها بقوة مستغربه من موقف هذا مع ابن عمه حتى ولو كان في الخطأ!..:
-بلاش تدافع عنه.. يعني يسمحلها تطاول معاه بالشكل ده قدام مراته وتستفزها قدامنا إحنا كمان وتقولي مش بيعمل غلط
برم شفتيه للأمام قليلًا وهتف وهو يخمن داخل عقله:
-قصدي إن فيه سبب
دلفوا إلى منزلهم وببطء تصعد الدرج خلفه قائلة بجدية مثله مستمرة في الدفاع عن شقيقتها:
-وليه يخبي السبب ده عنها ويزعلها بالشكل ده ويحرجها قدامنا
تضايق منها ومن حديثها فهتف بعناد يظهر أنها كانت من الممكن أن تصمت لحين وصولها منزلهم:
-أختك هي اللي اتكلمت قدامنا وهو حاول يسكتها.. كان ممكن تستنى لما تروح بيتها معاه
أجابته هي الأخرى بضيق وانزعاج تكمل حديثه الفظ:

 

 

-أهو مشي معاها ورجع تاني ايه اللي حصل يعني
زفر بضيق وانزعاج وهو يرى على بعد مسافة عراك وشيك بينهم فـ أنهى الحوار ببساطة:
-بقولك ايه بلاش وجع دماغ الموضوع مايخصناش مش هنتخانق عليه
نظرت إليه بسخرية وودت الضحك وهي تهتف:
-مكنتش هتخانق أصلًا أنتَ اللي……
بترت حديثها وهي تشعر بتوعك معدتها أكثر وتشعر بأنها تود التقيؤ، كرمشت ملامحها وهي تزفر بعنف، نظر إليها وتسائل بقلق ولهفة ظاهرة على ملامحه:
-مالك؟
أشارت إلى باب الشقة وتحدثت بصعوبة وهي تضع يدها على فمها:
-أفتح الباب
وضع المفتاح بالمزلاج سريعًا وهو يراها تضع يدها بقوة على فمها، فُتح الباب فدلفت تركض إلى المرحاض بسرعة كبيرة، ذهبت من خلفه في لمح البصر فشعر بالقلق الشديد وهو يغلق الباب بعد أن أخذ منه المفتاح ودلف خلفها بسرعة يهتف بلهفة:
-مريم.. مالك
دلفت إلى المرحاض والباب مفتوح وأخذت تتقيء بقوة وعنف فدلف خلفها ليقف جوارها، فتحت صنبور المياة لتغسل وجهها بالمياة الباردة وهي تهتف بقلة حيلة:
-مش عارفه

 

 

أردف بعد أن لاحظ أن هذه ليست المرة الأولى في هذه الفترة القصيرة:
-دي مش أول مرة تحصل أنتِ محتاجه تروحي لدكتورة تشوف مالك
شعرت هي أيضًا بوجود خطب ما ربما ستحبه كثيرًا وتشعر به حقًا!.. أومأت إليه مؤكده:
-أيوه… أيوه هروح
أمسك بيدها يحثها على السير إلى الخارج وهو معها بهدوء وراحة:
-طيب تعالي.. تعالي ارتاحي شوية
اردفت وهي تسير جواره بعد أن فكرت فيما تريده الآن بالتحديد، نظرت إلى جانب وجهه وقالت بهدوء:
-أنا عايزة حاجه حادقة
ابتسم بهدوء وتحدث بجدية ونبرة رجولية هادئة:
-اجبلك ايه طيب
-عايزة مانجا
استنكر طلبها ونظر إليها باستغراب وأردف مُجيبًا إياها:
-وهي المانجا حادقة، مش المفروض الحادق ده جبنه قديمة مثلًا
جلست على الأريكة وأردفت بقوة:
-أنا عايزة مانجا وخلاص الله
ابتسم بهدوء ومال على رأسها يقبلة بحنان وهدوء وقال ناظرًا إليها بحب:
-حاضر.. هنزل اجيب مانجا، حاجه تاني؟
ابتسمت إليه هي الأخرى شاعرة بكم كبير من الحب الذي يلقيه عليها دون مقابل منها:
-لأ..

 

 

تحرك ذاهبًا ناحية باب الشقة ليهبط مرة أخرى يأتي بما طلبته ولكنها استوقفته قائلة:
-آه استنى
أجاب بهدوء وهو يستدير إليها وكل ما تفعله مُحبب إليه:
-نعم يا حبيبتي
ابتسمت بخجل وهي تخفي عينيها بوضوح وقالت بصوتٍ خافت:
-عايزة تين مع المانجا
وكأنها تطالب بالحب منه وهذا ما يريده ليس إلا:
-حاضر.. غيره!
-لأ كفاية كده
ذهب إلى باب الشقة وخرج منه بهدوء ذاهبًا يلبي طلبها ويأتي بما تريد، ونظرت هي في أثره تبتسم بسعادة على كم الحب هذا، والحنان الذي يلقيه عليها من كل جانب دون انتظار منها أي شيء يقابله..
الله يغدق عليها بنعم كثيرة تعوضها عما واجهته من قبل، والآن المكافأة الكبرى ستكون طفل داخل أحشائها!. أنها تشعر به..
❈-❈-❈
“صباح اليوم التالي”
استيقظ “جاد” في الصباح وجد أن والده ووالدته يجلسون في شرفة المنزل ليستمتع والده ببعض الهواء المنعش، دلف إلى المرحاض وخرج إلى شرفة المنزل ليطمئن على والده ثم من بعدها هبط ليذهب إلى زوجته ليفعل ما تحدث به بالأمس مع والده..

 

 

حيث أن بعد رحيل الجميع بقى هو ووالديه فقط في الشقة فبدأ والده بالأسئلة التي هبطت عليه على حين غرة منه وهو يحاول أن يفهم ما الذي فعله بزوجته لتكن بتلك الحالة الثائرة أمام الجميع وهي التي تتمتع بأخلاق حميدة ولا ترفع صوتها أمام أحد..
مؤكد أنه قادها للجنون بفعله خاطئة فحدث ما حدث، ولكن رد “جاد” بقيٰ كما هو أنها تشعر بالغيرة فقط من إمرأة ليست تليق به بجميع الحالات، فقط كان لديها عمل معه وفي مرةٍ قام بمساعدتها لذلك مثل أي شخص طبيعي قامت بتلبية نداء الواجب أمامه على الأقل..
وادعى أن ما فعلته زوجته هو الذي كان خاطئ لأنها جعلته يبدو كدمية هي من تحركه ولم يكن له دور في أي شيء وبالخصوص أمام تلك السيدة التي اهانتها في بيته..
جعله والده يصمت بعد قول كل ذلك ولم يعطي إليه الفرصة ليكمل بل قال هو أن هذا البيت ملك لزوجته قبل منه، والبيت الآخر ملك لها هي وشقيقتها قبله هو وابن عمه، جعله يشعر بالندم لما فعله وهو يوبخه بسبب صراخه عليها أمام الجميع وتهوره الذي جعله يرفع يده في لمح البصر ليهوى بها على الحائط وكأنه سيضربها..
كان من الممكن أن تمتد يده إليها، لقد جعله يشعر بالخجل من نفسه لأنه فعل كل هذا وفي حضورهم اعتقادًا أن ليس هناك أحد يقف قبالته ويأخذ حقها منه ولكن والده ما زال حي يرزق ولن يرضى بأن يفعل أي من هذا بها لأنه منذ أن تزوج منها وهو يستمع عنها كل طيب يجعله يرفرف لأنها كانت من نصيب ابنه..
أكمل توبيخه جاعله يشعر بالخذلان من نفسه لأنه لم يعطيها حق الغيرة والخوف عليه بل سلبه منها وكأنها امرأة غريبة عنه لا يحق لها الحديث ولا التدخل في شؤونه، لا يحق لها أن تشعر بالغيرة وقلبها يحترق لأجل نظرة واحدة منه لغيرها أو العكس!.

 

 

 

وما جعله يحزن بشدة عندما تحدث عن أمر الصور التي كانت في الحارة، قال بأنها لم يكن لها يد بما حدث بل كانت ضحية مثله تمامًا وكان من المفترض أن يكون هو الاحتواء والأمان لها في مثل هذا الموقف، وحقيقة لم يكن يتوقع منه تركها بل ومعاقبتها، لقد تفاجأ من حديث والدته عن ما فعله معها!..
خجل “جاد” بشدة من نفسه وهو يقلب حديث والده داخل رأسه، إنها حقًا لها كامل الحق في شعورها بالغيرة عليه مثلما يفعل هو تمامًا، لما قد يسلب منها هذا الحق؟.. لما؟..
هو فقط ما ضايقه وقفتها أمام الجميع وصراخها عليه، ارتفاع صوتها وحركاتها الهوجاء الذي أظهرت كثير عنها أمام ابن عمه وهذا لا يجوز، حديثها مع “عبده” دون خجل أو خوف منه..
إذا بحث عن أسباب تضايقه أكثر سيجد ولكن أيضًا مهما حدث هي إمرأة وأنثى رقيقة ناعمة مهما أظهرت أنها شرسة وعنيفة فهي ليست كذلك معه، عليه أن يقوم باحتوائها والاعتذار منها عما بدر منه وأهم من كل هذا أن يجعلها تطمئن من “كاميليا” ويبعد ذلك التفكير السيء عن رأسها..
فتح باب الشقة بمفاتحه ثم دلف إلى الداخل وأغلقه خلفه، رفع نظرة إلى الصالة بعد أن خلع حذائه ليجدها تنام في الصالة!.. تنام في الصالة بملابسها منذ أمس حتى أنها لم تبدلها لأخرى بيتيه فقط قامت بخلع الحجاب عن رأسها!..
تقدم إلى الداخل بهدوء وهو ينظر إلى الساعة التي أصبحت الحادية عشر صباحًا، ذهب بهدوء شديد حتى لا يزعجها ويتأمل مظهر طفلة صغيرة نائمة في بيته قليلًا..
اتكأ على يده ثم جلس على الأرضية أمامها، أمام وجهها مباشرةً ينظر إليها بعمق وقد أنتج ذلك حزن كبير في قلبه بسببه هو فقط!..

 

 

نظر إلى وجهها بدقة ليرى عينيها منتفخة بقوة جعلته يلاحظها من نظرة واحدة، ووجهها على غير العادة يبدو مُرهق إلى حد كبير لم تصل إليه معه من قبل، ربما كانت تبكي هنا منذ أن تركها ورحل!..
هو لم يقصد أن يفعل أي شيء يجعلها حزينة بل قام في الأمس بمحاولة الحديث معها ورحل دون صراخ أو أي شيء وشعر أن أمر مصالحتها سيكون سهل!..
يتأملها ولا يدري ما الذي حدث بينهم! لقد كانوا من أسعد البشر، زوجين ولا أروع منهم، تعطيه ما يريد ويبادلها بذلك، حتى إنه من قبل الإعتراف بالحب لبعضهم كانوا أفضل من هذه المرحلة بكثير، كيف وصل معها إلى هذا الطريق المغلق الذي علقوا به، كيف يخرج منه من الأساس بعلاقة سليمة ليس بها ندوب تقهر!..
تنهد بعمق نافضًا كل ذلك عن رأسه، وضع كف يده على وجنتها بحنان يمرره عليها بلطف وهدوء، ثم بهدوء ورفق حاول أن يجعلها تستفيق عندما هتف باسمها بشغف وحب..
فتحت عينيها العسلية بهدوء ووجدت نهر من اللون الرمادي المختلط مع درجاته ينظر إليها بحنان وضعف يتخلله الشغف الكبير:
-صباح الخير.. كل ده نوم؟..
أبصرته بقوة وهي تفتح عينيها أكثر عليه ثم استوعبت أنه هنا يتحدث معها بأريحية!.. اعتدلت في جلستها وهي تمسح على وجهها بكف يدها ثم نظرت إليه مرة أخرى بهدوء دون حديث..
ابتسم بوجهها بحبٍ خالص وكأنه يقول لها مهما حدث بينا هنا الحب قابع داخل قلوبنا ومهما مر عليه لن يزداد شيئًا إلا حبًا، اعتدل في جلسته على الأرضية ورفع جسده ليجلس جوارها على الأريكة ثم تقدم ممسكًا بكف يدها الأيمن يرفعه إلى فمه بحنان وود:
-أنا آسف.. أنا مكنش قصدي إن يحصل أي حاجه من اللي حصلت دي
وجدها تنظر إليه نظرة لم يفهم ماهيتها ولكنها تفهمها جيدًا، وضع يده خلف رأسها يجذبها إليه ليقوم بتقبيل أعلى جبينها أيضًا:

 

 

-أنا آسف على كل حاجه عملتها وزعلتك.. حتى موضوع الصور أنتِ مالكيش ذنب فيه وأنا اخدتك أول المذنبين أنا آسف
مد يده إلى كفها الأيسر وجذبه ناحيته ثم قبل إصبعها الحامل لدبلة زواجهم وهتف بنبرة رجولية هادئة رخيمة:
-مهما حصل أنا عمري ما ابص لواحدة تانية غيرك وعمري ما انسى اللي بينا.. وحتى لو مليون واحدة وقفوا قدامي علشان أشوف حد فيهم مش هشوف غير مراتي حبيبتي وأم ولادي إن شاء الله
ابتسمت بهدوء وعذوبة وطار قلبها يرفرف من السعادة المفرطة التي ألقاها عليه في لمح البصر وعلى حين غرة، في الحقيقة لم تكن تتوقع منه أن يفعل ذلك بل توقعت أن يستمر فيما يفعل ويكمل الجفا بينهم إلى أن ينتهي..
وهي أيضًا أن تجعل الأمر يأخذ أكبر من حجمه بينهم فيكفي ما حدث إلى الآن، ستحاول باللين أن تفعل كل ما تريد بعيدًا عن الشجار والبعد، فبعده أكثر ألمًا من جرح عميق يحتاج عملية جراحية..
أقتربت منه تضع يدها حول خصره ومالت برأسها على صدره تحتضنه بشدة وهي تتناسى كل ما مضى وتقوم بحذفه الآن من عقلها حتى تنعم بما أرادت مرة أخرى وهو عيش حياة طبيعية كما السابق مع زوجها ولكن!… لن تتخطى وجود “كاميليا” بهذه السهولة ولن تصمت إلا عندما تعرف ماذا تريد..
قابلها “جاد” بعناق كبير وكأنه يريد أن يبتلعها داخله ليشعر بتواجدها المستمر جواره، وكم كانت هذه سعادة مطلقة عندما قام باحتضانها بعد طول غياب، لم يكن يفعلها إلا وهو نائم ليلبي نداء جسده بقربها منه..
ابتعدت مُبتسمة بلين ورقة فتحدث وهو ينظر إليها بعمق ومرح:
-مش هنفطريني ولا ايه أنا مردتش أفطر معاهم واسيبك لوحدك يا وحش
أسرعت تقف على قدميها مُبتعدة من جواره وهي تهتف بسعادة كبيرة تلبي ما يريده:

 

 

-هغير هدومي في ثواني وأحضرلك أحلى فطار
وقف هو الآخر وقال بجدية:
-أنا كمان هاخد دش على ما تخلصي
أومأت إليه بسعادة وتوجهت إلى الداخل وقلبها يرفرف فرحًا وسعادة ومع ذلك فهناك من يجلس داخل عقلها لم تتناسى أمره ولن تتناسى مهما حدث..
❈-❈-❈
تناول طعام الإفطار معها ثم هبط إلى عمله في الورشة ولكن قبل دخوله إليها إتجه إلى ركن بعيد قليلًا عنها وأخرج هاتفه ثم فتحه وعبث به قليلًا ومن بعدها وضعه على أذنه ينتظر الرد الذي أتى في لحظات لا تُعد..
تحدث قائلًا بجدية شديدة ونبرة رجولية خشنة لا ترى منها غير ذلك:
-ازيك يا مدام كاميليا
أتاه الرد من الناحية الأخرى بلهفة تظهر في صوتها الذي استغربه للغاية تقول:
-الحمدلله بخير يا جاد.. أنتَ عامل ايه
تجاهل سؤالها عنه ومنع استغرابه ثم أكمل حديثه بنفس النبرة والجدية:
-أنا بكلمك علشان اعتذرلك عن اللي عملته مراتي امبارح.. أنا بجد آسف بس هي بغير زيادة عن اللزوم
لم يكن هذا السبب الأساسي لهذه المكالمة، نعم وجد أن عليه الاعتذار منها لما فعلته زوجته معها في منزله ولكن السبب الأكثر أهمية من هذا هو أنه يريد مقابلتها ليفهم ما الذي تريده منه ولن يستطيع أن يفهم إلا عندما يقوم هو بهذا ويطالب بكامل شجاعته..
-بصراحة أنا عايزة اقابلك..

 

 

استمع إليها تهتف بدلال وصوت لم يرتاح إليه ولم يكن يريد سماعه:
-طبعًا أنا تحت أمرك في أي وقت، بس هو فيه حاجه
بمنتهى الجدية أردف وهو يحك مقدمة أنفه بإصبعه وقد شعر بالملل فقط من سماع صوتها، هل زوجته محقة؟ لما تتدلل هكذا؟:
-آه محتاج أتكلم معاكي في موضوع
تسعد؟ أم تنتظر لترى ما الذي يريده؟ مهما يكن في النهاية ستفعل ما تريد:
-طب تمام أوي بالليل هبعتلك عنوان نتقابل فيه
وافقت في لحظات فقط، هذا سيوفر عليه كثيرًا:
-تمام إن شاء الله.. مع السلامة
أغلق الهاتف ووضعه في جيبه ثم عاد مرة أخرى إلى الورشة ليرى عمله وليكمله مع العاملين لديه وهو يشعر أنه أنجز بعض المهام والأفضل بينهم أنه فض النزاع مع زوجته..
❈-❈-❈
ذهبت إلى منزلهم لتطمئن على والده وترى إن كانت والدته تريد شيء تفعله لها وتبقى هي جوار زوجها..
لكنها تركته ينام في فراشه وذهبت لتجلس مع هدير في صالة المنزل وهي تتحدث معها بعمق تعطي لها بعض النصائح حتى لا تهتاج مع ولدها مرة أخرى:
-هو قالنا إن مفيش حاجه يا حبيبتي والله

 

 

أبصرت عيني والدته بعمق بعد أن قضبت جبينها قائلة بجدية ويقين:
-يا ماما فهيمة أنا عارفة إن مفيش حاجه من ناحية جاد لكن هي أنا مش واثقة فيها وبصراحة قلقانه منها
ابتسمت إليها ابتسامة هادئة لتُكمل حديثها بيقين هي الأخرى وثقة تامة في ولدها:
-ولو بردو جاد عمره ما يعمل حاجه غلط ولا يمكن يبص لواحده غيرك يا عبيطة.. جاد ابني وأنا عرفاه
أكملت بعتاب لين وهي تبصرها بعينيها معتدلة في جلستها أمامها:
-كل اللي زعله هو وقفتك قصاده قدام الكل وكمان رفعتي صوتك عليه وصغرتيه قدامنا
نظرت “هدير” إلى الأرضية بخجل وهي تعلم أن ما فعلته كان خاطئ للغاية وأكبر شيء اغضبه واستفزه هو فعلتها هذه، رفعت وجهها إليها قائلة بجدية معترفة بالخطأ الذي فعلته كرد فعل:
-أنا عارفه إن اللي عملته غلط بس ده كان بسببه، هو اللي اضطرني لكده
وقفت والدته على قدميها واتجهت بهدوء لتجلس جوارها على الأريكة، وضعت كف يدها على فخذها بحنان قائلة:
-أنتِ بس لو تهدي يا حبيبتي وبلاش تتعصبي على الفاضية والمليانه
اعتدلت مستديرة لتقابلها بوجهها قائلة بجدية ولوعة الغيرة داخل قلبها تنهش به:
-والله هادية يا ماما فهيمة بس أنا بردو زعلانه وقلبي قايدة فيه النار بسبب الست دي.. عايزاه يبعد عنها بأي طريقة
ربتت على فخذها مكملة بثقة كبيرة:

 

 

-هيبعد يا حبيبتي مستحيل يشوف زعلك ده كله ويفضل على تواصل معاها حتى لو كان شغل
عاندت “هدير” هذه المرة أيضًا عندما ذكرتها بكذبه عليها فهو لم يكن يعمل معها ولم يكن هناك أي صلة عمل بينهم:
-كان بيكدب بردو في حتة الشغل دي.. عبده قالي أنها مالهاش شغل عندهم
ابتسمت الأخرى بلين وود وهي تحثها على غلق هذه الصفحة التعيسة من حياتهم وأن تتناسى ما فعله وتبدأ معه من جديد بحب وثقة:
-بقولك ايه انسي بقى وافتحي صفحة جديدة وبالراحة يا حبيبتي بالراحة.. جاد طيب وغلبان وبيجي بالراحة مش بالزعيق
أومأت إليها برأسها عدة مرات متتالية وهي تتفهم كل ما تحدثت به معها وتقدر ذلك بشدة لأنه يأتي من والدته:
-حاضر يا ماما فهيمة.. حاضر
-يحضرلك الخير يا حبيبتي
أبعدت وجهها للناحية الأخرى ثم مرة أخرى نظرت إليها بخجل وهي على وشك أن تتسائل في شيء تعتبره خاص قليلًا ولكن لا تستطيع أن تصمت أكثر من هذا:
-إلا قوليلي بقى يعني مفيش حاجه كده ولا كده
نظرت إليها “هدير” بعمق وكأنها تعيد سؤالها مرة أخرى داخل عقلها.. أخرى وأخرى وكأنها تذكرت شيء ما أتى على خلدها بحديث والدته، أجابته بابتسامة ضاحكة:
-يعني وهو لو فيه هخبي عليكي يا ماما فهيمة
أسرعت الأخرى تهتف بقوة ومعها اقتراح تود أن يقوموا بفعله:

 

 

-مش قصدي يا حبيبتي بس يعني مش نشوف دكتور بقى
ابتسمت إليها الأخرى وأومأت برأسها مؤكدة حديثها:
-شوية كده إن شاء الله ونشوف
-إن شاء الله يا حبيبتي
❈-❈-❈
“في المساء”
عادت “هدير” إلى شقتها بعد صلاة العشاء من منزل والده، حيث أنهم قاموا بتناول العشاء معهم في جو هادئ بعد أن أظهر “جاد” لهم أنه قام بمصالحة زوجته واعتذر عما بدر منه، وأظهرت زوجته أيضًا أن الأمر قد مضى وكأنه لم يحدث من الأساس..
هبط هو إلى الورشة مرة أخرى وتركها في منزل والده ثم بعده قد رحلت لتذهب إلى بيتها، نظرت على الورشة لتراه إن كان بها ولكنه لم يكن متواجد فـ استغلت الفرصة وتوجهت إلى الصيدلية المتواجدة معهم في نفس الشارع والقريبة أيضًا من بيتهم، أحضرت ما ودت إحضاره منها ثم ذهبت سريعًا إلى شقتها..

 

 

بعد أن دلفت شقتها توجهت لتبدل ملابسها إلى ملابس بيتيه مريحة عبارة عن بنطال بيتي من القطن لونه رصاصي يعلوه قميص أبيض قطني مثل البنطال بنصف كم..
مشطت خصلاتها أمام المرآة ثم عقصتهم للأعلى بلفه دائرية متحرر منها بعض الخصلات المتواجدة على جانبي وجهها..
توجهت إلى المرحاض وقد وُلد داخلها تفكير لا تدري كيف الآن فقط ظهر؟.. كان من المفترض أن تُعطي الأمر أهمية أكثر من ذلك فلو لم تتحدث مع والدة جاد اليوم لم تكن ستعطي للأمر أهمية من الأساس وستستمر إلى اليوم وغد وبعد غد على هذه الحالة..
ستقطع الشك باليقين الآن وتفهم ما الذي تمر به هذا..
وقفت أمام مرآة المرحاض تنظر إلى وجهها بصدمة كبيرة وقعت على عاتقها وبقوة اجفلت عنها، كيف حدث هذا ومتى؟. كيف لها أن تتناسى أمر عادتها بهذه السهولة..
دق قلبها بعنف وقوة شديدة جعلته يقترب من التوقف، ارتعشت يداها بقوة ظاهرة وثبتت عينيها على وجهها في المرآة وحقًا شعور غريب لا تفهم ما هو.. وكثير من الأمور الغير مفهومة تلاحقها..
أخفضت نظرات عينيها على ذلك الشريط الأبيض الذي بين يدها يحتوي داخله على شرطتين لونهما أحمر وما كان ذلك غير اختبار حمل!.. يحمل علامات إيجابية تدل على حملها!..
❈-❈-❈

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ندوب الهوى)

اترك رد

error: Content is protected !!