روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن 8 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن 8 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثامن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثامن

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثامنة

~… كيد النساء…~
تفاجئ الجميع بأختفاء جزء كبير من تورته عيد الميلاد والذي به اسم بوسي منقوش بالحلوى ….. ضيق جاسر عينيه وهو يدمدم متلفظ الشتائم …. فهو يعرف من يستطع فعل ذلك !
ابتسمت بوسي بمرح وهي تضع يدها على فمها ثم قالت لجاسر بضحكة خافته :
_ « يوسف أخوك قالي قبل ما نقفل الاضاءة هاخد حته من التورته وهيطلع الجنينة بس هو خدها كلها تقريبًا !! »
تعصب جاسر من الأمر وتحرك اتجاه الحديقة، فتوجست بوسي من عصبيته …. لم يكن اختفاء الحلوى بتلك الاهمية بالنسبة لها وبالأخص أن الفاعل شقيق هذا الطبيب الوسيم التي ظلت تحوم حوله لأشهر حتى صادقته ….
أنشغل الجميع بالضحكات والهمهمات بينما ركضا آسر ورعد خلف جاسر لكي يصدوه عن أي عنف يقدم عليه اتجاه أصغرهم….يوسف

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
قسّم يوسف الحلوى لأكثر من ثمانية قطع وهو يستند على سيارته بالخارج ووزعهم على أطفال كان قد انتبه لهم فور وصوله لهنا منذ ساعة تقريبًا …..قال بابتسامة واسعة وهو يراهم يأكلون بنهم قطع الحلوى :
_ « لو فضلنا جعانين يا أبطال هاخدكم ونروح على أقرب حلواني نملا المعدة لحد ما نشبع….»
كان الأطفال أكبرهم لا يتعدى السبع سنوات …ملابسهم قديمة بالية …. يستعطفون المارة كي يمدون لهم العون ببضع جنيهات يستطيعون بها أن يسدوا جوعهم لهذا اليوم …..ولكنهم يأخذون الخذلان من قسوة بعض البشر بدلًا من العون
رقت نظرة يوسف بابتسامة راضية وهو يراهم مبتسمين بفرحة ويبتلعون الحلوى بشهية عالية …..
خرج جاسر وخلفه أبناء العم الأثنان وتتبعهم بوسي ببعض القلق …ولكنهم توقفوا أمام النادي الليلي عندما شاهدوا هذا المشهد البسيط الدافئ ….
ابتسم رعد بمحبة وقال :
_« مش بحبه من شوية ….»
رد عليه آسر بابتسامة واسعة :
_ « هو ده يوسف … طفل وهيفضل طفل …بس يارب يفضل جميل كده دايمًا ….»
لم تظهر أي تعابير عصبية او حتى رضا عن ما يشاهده …وبعدما توقف تحرك مجددًا إلى يوسف بحركة واسعة …..
انتبه له يوسف وامتلأت عينيه بالقلق …..ليس خوفا ولكن قلق أن بتهور جاسر ويتعصب وبالتالي ستنجرح شعور الأطفال الفقراء …..
تركهم قائلًا بابتسامة مطمئنة :
_ « دقيقة وراجعلكم …. »
هز الاطفال رؤوسهم في موافقة وهو يلعقون أصابعهم الملتصق بها الشيكولاته وكريمة السكر …..
حتى توجه إلى جاسر قائلًا بحذر :
_« استنى ما تزعقش….أنا قولت لبوسي أني هاخد حته من التورته ….! ما المكان مليان خمر وميسر ومكان حرام في حرام بصراحة…..قولت اتصرف أنا بالحلال …»
ابتسم جاسر ابتسامة واسعة وهو يهز رأسه ….وقال بابتسامة صادقة :
_ « لأ جدع … بس تصدق …أنت اجدع واحد فينا …. أنا مزاجي اتحسن لما شوفتك مع الاطفال دي….. انت مش كنت عايز تتعشى ؟ »
هز يوسف رأسه مبتسما وقال بلهفة :
_« جعان جدًا يا شقيق ….»
ضم جاسر أصبعيه بفمه واطلق صفيرًا عاليًا للأطفال لينتبهوا له ….ثم هتف قائلًا :
_ « تعالوا معانا …. »
ركض الأطفال له بحماس وتجمعوا حول يوسف فرحين …..فقال جاسر بابتسامة مشجعة :
_« هنتعشى الأول ….وبعدين ماتش كورة هبهدلكم فيه …»
قال يوسف بدهشة :
_ « هنلعب كورة في الشارع ؟ …..معقول ؟! »
أتى رعد وآسر إليه بضحكات عالية :
_ « يلا يا چو….. بجد هتبقى سهرة تجنن …..»
اقتربت منهم بوسي وقد عشقت اتفاقهم ومحبتهم لبعضهم…تمنت لو كانت أحد أفراد هذه العائلة لتنعم بدفء ذلك الرباط والتجمع بينهما… وقالت بحماس :
_« ماليش دعوة هاجي اتفرج عليكم …. كنت حاسة أنه هيبقى أحلى عيد ميلاد ليا بصراحة …. »
أشار لهم جاسر أن يستعدوا للذهاب ثم أخذ ثلاثة من الاطفال بسيارته والخمسة الآخرون تقاسهم الشباب الثلاث بسيارتهم
تركت بوسي رفقائها بالنادي الليلي وذهبت بسيارتها خلف الشباب للأستعداد لسهرة أخرى اكثر حماسة…

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
خرجت ليلى من غرفة الأنعاش وحاولت أن تطمئن على صحة والدها ولكن حالته لم يحدث بها أي تطور أوتحسن …..أنفاس تدخل وتخرج فقط من هذا الجسد الصامت عن ضوضاء الحياة …..
توجهت بعد ذلك في الممر المؤدي لغرفة رئيسة الممرضات …. لمهام عملها الجديد ….
لو ظن وجيه أنه يعاقبها بهذا العمل فقد أخطاء حتما ….. فهذا يبدو جنة مقيمة وهناء بالنسبة لما رآته بالماضي …..
تسع سنوات بالذاكرة جعلت منها حطامٍ….. جلست بعقلها ورفضت مكوث أي مشهد وليدًا آت ….!
كأنها تعلن أستقلاليتها عن جميع الأفكار والذكريات !
وقفت أمامها فجأة الممرضة ” منى” ونظرت لها بتعجب من أخمص قدميها حتى رأسها …ثم قالت بأستغراب :
_ « لما قالولي مصدقتش ! …. حتى موضوع القلم اللي ضربتيه لدكتور وجيه خلاني مش شاكة أنك تعرفيه من زمان يا ليلى …. دكتور وجيه لو دكتور عادي هنا كان زمان حكاية القلم دي على لسان اللي يسوى واللي ما يسواش …. بس عند دكتور وجيه والكل بيتخرس محدش يقدر يتكلم عليه …..»
تساءلت ليلى كأنها لا تعرف عن طباعه شيء وقالت :
_« ليه…؟! »
ابتسمت منى بسخرية وقالت :
_« لأن دكتور وجيه له في المستشفى نسبة كبيرة …يعني اللي يفكر يتكلم عليه نص كلمه يبقى مستغني عن أكل عيشه …… بس غريبة موضوع شغلك اللي اترتب في ساعة زمن ده !! »
قالت ليلى بشبه سخرية هي الأخرى :
_« مش أنتِ لسه قايله أن دكتور وجيه ليه نسبة كبيرة في المستشفى ؟….. مستغربة ليه ؟! »
هزت منى رأسها بموافقة وقالت بابتسامة :
_« عندك حق …نسيت ….. بس تعرفي أنا فرحت والله …عشان بنوتك العسل هشوفها على طول …وكمان أنا حبيتك وشكلنا هنبقى صحاب ….لو أحتجتي أي حاجة أنا موجودة …. وآه قبل ما أنسى …..
الريسة عفاف طبعها شديد خلي بالك منها …. دي ممشيانا بالساعة والدقيقة واللي بيغلط يا ويله منها ….. »
لم تقلق ليلى من الحديث فقالت منى بفهم وابتسامة ماكرة :
_ « ماشي نسيت تاني….. أنتِ مسنودة وليكِ واسطة …ومش أي واسطة يابنت الآيه ….. الله يسهله ….»
ضمت ليلى حاجبيها في عبوس وضيق …يبدو أن امر عملها سيثير الشكوك حول علاقتها ب” وجيه” لم تستطع قطع الألسنة….ولن تستطع دحض الظنون…..
فأي شيء ستستطع إنكاره وهو بالفعل حقيقي !!
هي تحبه …. وأن اخمدت هذا الحب لسنوات كي لا تشعر بخندق الذنب يخنقها …. ولكنها الآن أقلًا تستطع التفوه لنفسها بأنها لا زالت تحبه ……
بينما هو غارق تمامًا بتلك القصة القديمة …. تعرف أنه باقي على العهد …. قالت بعصبية :
_ « دكتور وجيه كان أستاذ صاحبتي في الجامعة…..أظن ده كفاية يوضحلك معرفتي بيه !! »
نظرت لها منى بأسف وقالت :
_« أنتِ زعلتي ولا إيه أنا مش اقصد والله …. خلاص أسفة ما تزعليش …خلينا في شغلنا …. وعند كلامي …لو أحتاجتي شيء تعاليلي ….. »
تنفست ليلى بعصبية …لم تكن تلك النوبة من العصبية من الممرضة منى…. عصبيتها هي قناع للخوف والقلق من الآت ….خوفا عليه …وعلى أبيها …وعلى أبنتها ….!
وأخيرًا نفسها ….. من ذلك المجرم الذي يخافل صفة اسمه !!
صالح !! وهو أكثر فاسد رأته أو سمعت عنه حتى !
تركتها منى بالممر وذهبت لوجهتها…..وتابعت ليلى سيرها حتى غرفة رئيسة الممرضات …..

 

 

بالغرفــــــة…….
وقفت ليلى أمام مكتب “عفاف” التي رفعت للتو نظارة طبية على عينيها ….نظرت المرأة جيدًا لـ “ليلى” وتعجبت من ما أمرها به دكتور وجيه منذ دقيقتين….فقالت بشيء من العصبية :
_« هسلمك يونيفورم تاني …. واحدة من زمايلك هتدهولك…هتلبسيه وتستلمي شغلك دلوقتي ….. أنتِ وعنايات وبثينة مستلمين الدور ده كله … هتعرفي منهم كل التفاصيل بالضبط أنا مش فاضية للشرح …..»
لم ترد ليلى واكتفت بهزة من رأسها بتعابير هادئة…..تساءلت عفاف وهي تنظر لبعض الأوراق :
_« أنتِ معاكِ شهادات إيه ؟ »
قالت ليلى بثبات :
_« كلية آثار….»
تفاجئت السيدة ونظرت لها بتعجب ….فقالت :
_« يعني مالقيتش شغل للدرجادي ؟! »
صمتت ليلى ونظرت للمكتب بصمتٍ تام حتى أضافت السيدة سؤال آخر :
_« طب أنتِ علاقتك إيه بدكتور وجيه ؟! يعرفك منين يعني ؟! »
صرّت ليلى على أسنانها بعصبية ….لم تحب أبدًا هذا التطفل والتدخل بأمورها ….ريثما من الغرباء كأمثال منى وهذه السيدة الغليظة الطباع …..قالت بضيق :
_« كان استاذ صاحبتي في الجامعة….ممكن استلم شغلي بقا؟! »
نهضت عفاف من مقعدها بغضب….لم تعتاد أن يتحدث معها أحدًا هكذا بل من يعملون هنا تحت رآستها لا ينبث أحدًا منهم ببنت شفة أمامها …!
أطرقت على مكتبها بعصبية وقالت بتحذير :
_« لو اتكلمتي معايا كده تاني اعتبري نفسك مطرودة من هنا….وروحي على شغلك …لو وصلني أي غلطة منك هتتجازي الضعف عن كل زمايلك …. ومش هيهمني حد ….»
شعرت ليلى أن هذه الكريهة تشير من بعيد لوجيه …بما أن هو خلف عملها هنا …. ويملك نسبة بالمشفى أيضاً….. ولكن لماذا الكل يخشاه إلا تلك السيدة الخمسينية ؟!
قالت ليلى وتظاهرت بالهدوء وهي :
_ « بعد أذنك …. »
خرجت من المكتب وتطلعت بها عفاف بعصبية وهي تتمتم بالسباب ……
وقفت ليلى بمنتصف الممر وهي لا تعرف إلى أين تذهب تحديدًا …..حتى لمحت أحدى العاملات وهي تحمل علبة بلاستيكة من نوع من المنظفات وتخرج من أحدى غرف المرضى…اسرعت لها ليلى وعرفت عن نفسها ….
كانت بثينة على علم بالعاملة الجديدة بينهم ….امرأة ثلاثينية متوسجة الجمال ويبدو من ملامحها هموم الدهر المتراكمة …قالت بلطف :
_« تعالي هوديكي لعنايات وهي هتسلمك شغلك يا ليلى …. هي الأقدم هنا ومسؤولة عن الجديد…. »
رافقتها ليلى حتى غرفة بآخر الطابق …بجانب مغسلة بعيدة عن الغرف….تحتوي على أدوات النظافة بكامل محتواياتها …. فتحت بثينة الباب فوجدت السيدة المسماة “عنايات” تبحث عن شيء وسط كومة من الأقمشة المطوية برف خشبي ملصق بالحائط ….قالت :
_« جبتلك ليلى يا عنايات….. زميلتنا الجديدة ….. وربنا يجعل وجودها خفيف عليكِ وعلى الكبيرة …..»
قالت بثينة جملتها بشكل يبدو مرح …بينما شعرت ليلى وكأن بثينة تحذرها من شيء…ويبدو أن ما تقصده بثينة خلف كلمة ” الكبيرة” …هي عفاف ..!
استدارت عنايات ببطء وبيدها رداء مغلف …طالعتها ليلى ببعض القلق فملامح المرأة تبدو مخيفة بعض الشيء ….!
نظرت عنايات ل ليلى ببطء وقالت وكأنها كرهتها منذ النظرة الأولى :
_« خدي ده والبسيه ….»
أخذت ليلى ما بيد عنايات وهي تزدرد ريقها ببعض القلق ثم قالت :
_« هروح البسه وأجي ….»
كادت أن تتوجه خارجة بينما أوقفتها عنايات بصوتٍ حاد غليظ لا ينذر بأي رحمة بداخلها وهتفت :
_« أنتِ رايحة فين يا اسمك ايه أنتِ ؟! »
استدارت ليلى وقد أغضبها نبرة الغضب بصوت هذه السيدة واجابت بغيظ :
_« اسمي ليلى! »
لوت عنايات شفتيها بسخرية ونظرة كارهة وقالت :
_« غيري هنا ولما تخلصي هسلمك شغلك …. بس خلصي بسرعة مش فاضيين للدلع !! »
رمتها عنايات بنظرة غريبة وخرجت من الغرفة….بينما خرجت بثينة من صمتها وهمست إلى ليلى قائلة بتحذير:
_« ما تزعليش هي طبعها خشن كده ….عملت معايا أكتر من كده ولولا أني محتاجة الشغل كنت مشيت من هنا من تاني يوم….ما ترديش عليها وخلصي شغلك من سكات وابعدي عنها وهي مش هتكلمك …..»
تساءلت ليلى بحيرة :
_ « هي بتكلمني كده ليه ؟! زي ما أكون عملت حاجة غلط ! أنا أول مرة أشوفها حتى !! »
أجابت بثينة بسخرية :
_ « هي مش بتحب الصغيرين يشتغلوا معاها …. غيرة حريم هتعملي ايه ! مع أن الحاجة أمينة في الدور اللي تحت اكبر منها وزي السكر ….الكل بيحبها هنا موت …ياريتنا كنا شغالين معاها بس الشغل هنا مش بالمزاج للأسف …..»
اضافت بثينة وهي تربت على يد ليلى برفق :
_ « هسيبك دلوقتي …غيري بسرعة وحصلينا …..»
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بأحد المطاعم …….
ارجع يوسف ظهره للمقعد وهو يربت على بطنه بابتسامة راضية …وقال :
_« اتعشيت تمام…محتاجين بقى نهضم بالماتش ….»
ضحك الأطفال ببراءة وهم يلتهمون الطعام بشهية بينما ابتسمت له بوسي وقالت بصدق :
_« أنا مبسوطة جدًا أني معاكم….. ياريت كان عندي أخوات زيكم …»
همس لها جاسر بنظرة ماكرة وقال :
_ « وأنا برضو من ضمن الأخوات ؟! »
ضحكت بوسي ضحكة عالية ثم نهض رعد قائلًا بحماس :
_ « يلا بقى عشان نلعب ماتش تمام …. »
أشار جاسر للنادل ليأتي بحساب الطعام …. وانتهى من المحاسبة بوضع كل ما في جيبه من نقود بهذه الوجبة !
ثم خرجوا أمام المطعم ونظر جاسر حوله جيدًا ودقق النظر……وجد أحد الشوارع الجانبية البعيدة عن مرور السيارات فأشار لهم قائلًا :
_« هاتوا الكورة اللي أشتريناها وتعالوا ورايا يا رجالة ….. بس الجو ما يطمنش شكلها هتمطر ! »
قال رعد بنظرة واثقة :
_ « حلو الجري في البرد ده …طاقة …»
أخرج آسر الكورة الذي ابتاعها قبل دخولهم للمطعم وهم خلفهم راكضاً…….استندت بوسي بظهرها على أحد السيارات وشاهدت بدء تحركاتهم ….تحت مصباح خاص بالطرقات…وضحكات الأطفال الصاخبة الخالية من الزيف والنفاق….
والمشهد الخالي من المجاملات وتزيين الرفاهية ….
كان المشهد رائعاً…..رائعا ببساطته ….بمجمل الأشخاص فيه …..تفاجئت أنها ابتسمت لمدة عشرة دقائق كاملة بمنتهى الصدق !!
لن تكن الابتسامة صافية تمامًا وسط زحام النفاق !
ضربت يديها ببعضهما في ضحكة وحماس وهي تشجع أحد الضصغار الذي سرق الكرة من قدم جاسر ومررها إلى يوسف بهتاف وضحكة …..
كانت الضحكة معدية وتسللت لأفواه الجميع ……حتى استطاع يوسف أحراز الهدف الأول ورفع يديه مصيحاّ والتف حوله الأطفال بضحكات مرتفعة صاخبة ……
عدة دقائق بسيطة جدًا….كانت كفيلة أن تنبذ رفاق النفاق التي كانت تعرفهم من قبل….دقائق بسيطة كانت گ الممحاة التي تزيل الشوائب من رؤيتها …لترى أن جمال الحياة يكن بمنتهى البساطة ….ولا تكن البساطة إلا مع الصدق ..

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دلفت سما بمنزل خالها العمدة بالقرية الريفية وبيدها كوب شاي دافئ…..سومت جميلة بنظرة ضيقة متعجبة ….بينما كانت جميلة تجلس على فراشها شاردة وتحمل ملامحها وعينيها هم وضيق شديد……جلست سما بجانبها وارتشفت من الكوب ببطء ….ثم قالت بضحكة :
_« بقى واحدة يتقدملها عريس حليوة وتبقى مهمومة كده يا فقر ؟! ده أبن المرتشح للعمودية جديد يابت !! »
نظرت جميلة لها بنظرة جانبية وقالت بحدة :
_« ده فلتان وعينه تندب فيها رصاصة !! كفاية أنه مطلق مرتين وسمعته زي الزفت ! »
قالت حميدة وهي تطوي كومة من الملابس وتضعها بترتيب في الخزانة :
_« الغريبة أن الحج توفيق أبوه محترم وطيب ومحبوب من الكل !! مطلعش لأبوه خالص !! بس خالك قلقان منهم معرفش ليه …وحاسة أنه قلقان يرفض …!! »
تدخلت رضوى قائلة :
_ « عشان العريس اللي اسمه نبيل ده مفتري ولسانه عايز القطع ….البت فاطمة مراته الأولانية ….بت تتحط على الجرح يطيب ….وشاطرة وبتاعت عيشة ولما اتطلقت منه بسبب طبعه الزفت بقى يتكلم عليها وخلى سيرتها على كل لسان بالظلم …..اكيد خالك مش خايف منه بمعنى الخوف يعني …بس خايف من لسانه والناس مابتصدق تمسك سيرة حد …..»
تفاجئت سما واتسعت عينيها على آخرهما بدهشة…ثم قالت :
_ « يا مصيبتي !! ده أنا بحسبه أخوه مش هو نبيل ده !!
طب يبقى يتكلم نص كلمة على جميلة وأنا همسك لسانه أولع بيه فرن الحامية وأخبز عليه كمان …..»
قالت حميدة بثقة :
_ « متخافوش…خالكم مش سهل وهيعرف يتعامل معاه….»
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بغرفة مجاورة لغرفة الفتيات بمنزل العمدة …”عبد السميع ”
دخل الرجل لغرفة خصثها لشقيقته التي عجزت عن الحركة منذ وفاة زوجها منذ سنوات ماضية …..
نظرت له ” وداد” المتشحكة بالسواد ولاحظ الدموع بعينيها ….جلس على أريكة أمام فراشها وقال :
_« لحد أمتى يا وداد هتفضلي ماسكة على البكاء والحزن ده ؟! صحتك هتروح واللي راح مش هيرجع !»
مسحت وداد عينيها وقالت بألم :
_ « كان نفسي يفضل عايش ويجوز بناتنا …يشوف خلفتهم ويفرح بيهم …. سابني مقهورة على فراقه …… »
قال شقيقها بحزن صادق ظهر بعينيه :
_ « كان طيب وأصيل…… كفاية أنه كان حاطك في عنيه من وقت ما خدك وبقيتي على ذمته ….. ساب الغنى والعز وكل حاجة وأشتراكي …..الله يرحمه مصطفى …..»
اغمضت وداد عينيها بحزن شديد…ولكنها تماسكت بحضرة شقيقها الكبيرة وقالت :
_« عملت إيه في موضوع العريس اللي متقدم لجميلة بنتي يا حج ….أنا معتمدة عليك في الموضوع ده …ماليش غيرك بعد ربنا يا كبيرنا وسندي …»
رقت نظرة الل لشقيقته وقال ليطمئنها :
_ « متخافيش يا وداد….والله مافي بنت من بناتك داخلة بيت راجل إلا لما يكون راجل بجد وعليه القيمة ….. دول بناتي برضه…. طب والله لو أبني كبير شوية لكنت جوزته لجميلة ولا لواحدة فيهم بس للأسف صغير عنهم الأربعة…..والموضوع ده هحله بس بالعقل عشان الواد نبيل ده قليل الرباية ومحدش عارف يحكمه ومش عايزه يطلع يتكلم علينا ….. ربك هيحلها يا وداد توكلي على الله ….»
رفعت وداد يديها بالدعاء وبقلب صادق رفعت دعواتها لرب العالمين أن يحفظ بناتها من كل سوء……

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أخذت ليلى وقت كبير في ارتداء المقاس الآخر من زي المشفى….حتى تتقبله …ولكنها لم تتقبل أن ترتدي هذا الرداء الذي يناسب فتاة أخرى معها ….!!
حاولت التحرك به ولكن البنطال كان مقاسه أكبر من مقاس خصرها برقم كبير ….بل وكادت أن تتعثر به أيضاً أثناء السير !!
نفخت بعصبية وقررت أرتداء الزي الأول وانتهت بعد دقائق قليلة وخرجت من الغرفة أخيرًا ……
تعمدت عنايات أن تتركها ولا تنذرها بالخروج كي يتثنى لها التعنيف لتأخرها بالوقت تجد مبرر كافِ للغضب …!
تفاجئت ليلى بالذي تقف وتلف يديها حولها بنظرة ضيقة غاضبة ….وهتفت عنايات فور خروج ليلى من الغرفة وهي تتفحصها :
_« من أولها كده تأخير وقرف !! وبعدين مش ده المقاس اللي اديتهولك !! »
تجنبت ليلى نصف الجملة الأولى نظرًا لسن هذه المرأة الكبير …..وقالت :
_« قيسته ومعرفتش اتحرك بيه خالص !! وبعدين اللي أنا لبساه مناسب جدًا عليا ومش ضيق خالص !! »
وهذا ما رأته عنايات أيضاً ولكن خالفت رأي ليلى كي تعنفها فقط فقالت وهي تشير لمساحة بيد خشبية تستند على الحائط :
_« عايزة الطرقة دي بعد خمس دقايق بتلمع ….. بعد ما تخلصيها اطلعي بالممر اللي قدام استقبال الدور…. وأبقي خدي المعطر من بثينة لما تخلصي…. يلا حركي رجلك بدل الوقفة دي !! »
تركتها عنايات بنظرة زئبقية تصعد وتهبط …. باشرت ليلى العمل ورغم ثقل جسدها بالبداية …ولكن ربما يخرج العمل تلك الهالة السلبية الغاضبة والمكبوته من داخلها …..
أتت عنايات بتمام الوقت ووجدت ليلى تنهي آخر مساحة الطرقة فهتفت بعصبية :
_« خفي ايدك شوية بلاش الملل ده !! أنا بزهق بسرعة ! »
تجنبتها ليلى تمامًا…اكتفت بنظرة لها سريعة وعادت لعملها لتنهيه …وكأن بذلك الهدوء أغضبت المرأة أكثر فبدأت بالصراخ عليها ….
تركتها ليلى تقول ما تقول …. حتى أنهت الطرقة سريعاً وتوجهت مباشرةً للممر الكبير الذي يضم طاولة استقبال للطابق …..
ضمت عنايات شفتيها ببعضهما في فيظ شديد…ليت تلك الفتاة نطقت بشيء حتى لتبرر موقفها ….ولكنها يظهر أنها تستخدم أسلوب الأفاعي الصامت ……هكذا اعتقدت عنايات وهي تراقب ليلى من بعيد……
شعرت ليلى ببعض الحرج تحت نظرات بعض الممرضات عليها ….حتى أتت عنايات من جديد وكانت ليلى أنتهت من نصف الممر …..أشارت لها عنايات لغرفة مكتب قائلة :
_« ادخلي مكتب مدام چيهان امسحيه بسرعة قبل ما ترجع …..بس امسحيه بذمة دي من الإدارة ….يعني لو شافت أي غلطة في جزا لينا كلنا …….»
قالت ليلى وهي تنظر للممر بحيرة :
_ « طب هكمل الممر الأول ….هسيب نصه أزاي ؟! »
هتفت عنايات بعصبية وكررت ما قالته …فأشارت لها أحدى الممرضات من بعيد أن تصمت وتفعل ما تريده تلك المرأة دون أعتراض !!
تنفست ليلى بضيق شديد وتوجهت لغرفة المكتب مجبرة على أمرها …..
فتحت الباب بقوة وتفاجئت بوجود تلك المرأة الشقراء أمام مكتبها ….. جف ريقها بحرج وهي تتأسف بينما أتت عنايات معنفة ….نظرت لها ليلى بصدمة !!
هي من حثتها على المجيء لهنا لما الآن تنكر الأمر !!
نهضت جيهان من مقعدها وتأملت ليلى جيدًا …..نظرة مقارنة سريعة بينهما ….
والغريب أنها لم ترى أن ليلى تمتلك من الجمال ما يجعلها حتى تنظر لها …..ولكن للرجال رأي آخر …..
قالت چيهان بهدوء ونظرة دقيقة على ليلى :
_« خلاص سبيها حصل خير… بلاش صوت عالي يا عنايات ….خليها تنضف المكتب على ما أرتب شوية أوراق …..»
غادرت عنايات بعدما رمت نظرة محتقرة لـ ليلى…..وتعجبت ليلى لما تأخذ تلك السيدة هذا الموقف العدائي منها !!
تحركت ببطء للداخل ….بينما بداخلها عدة أسئلة لتلك المرأة التي علمت أنها طليقته ….
تظاهرت چيهان بالنظر للأوراق بينما كانت تسترق النظر باتجاه ليلى…..وحيرة تنهال على رأسها …..ما الذي يجذبه إليها ولا يوجد بها !!
فأي مبصر يستطيع أن يرها الأجمل ولا مجال للمقارنة ….بينما تلك ال ” ليلى” لا يميزها شيء باستثناء لون عينيها العسلية …..لا يعقل أنه يغرم بعينيها فقط !!
لم يقل …ولكنها تعرف بشعور الأنثى أنه يميل إليها ….هذه تلك الأنثى الساكنة بعينيه وتحجب نظرته عن الأخريات ….!
قالت چيهان وحاولت أن تبدو لطيفة :
_ « على مهلك …. أنا مش مستعجلة …. أنا….حاسة أني شوفتك قبل كده ….أنتِ اللي دخلتي فجأة وأنا مع وجيه صح ؟! »
تعمدت قول اسمع دون القاب …..وتعمدت تذكير ليلى بهذا الموقف …..وشعرت ليلى أن أفكارها ومشاعرها مرئية للجميع …. قالت وكأنها تقرأ كلماتها من كتاب :
_« دكتور وجيه كان استاذ صاحبتي ….ودي معرفتي بيه …..»
قالت مثلما قالت قبل دقائق للسائلين ……لم تقتنع چيهان بتلك الاجابة السريعة ….بل تأكدت من ظنها ….فقالت :
_« طب متعصبية ليه ؟! عموما ده كان سؤال عادي….خصوصا أني أنا ووجيه هنرجع لبعض بعد أيام قليلة ….. وجودك كان وشه حلو عليا تقريبًا……»
ابتسمت چيهان بابتسامة ماكرة وهي ترى جمود ليلى التي توقفت عن التنظيف وكأن لامسها صاعقة …..
التمعت عينيها بصدمة …..رغم أنها قررت أن تبتعد عنه ….ولكن الأنثى حتى لو قررت الأبتعاد والهجر….ترفض أن ينساها رجلًا تحبه !!
سقطت دمعة من ليلى شاهدتها چيهان برضا ….وتظاهرت أنها لم ترها وتابعت بابتسامتها :
_« كان متوقع أننا نرجع لبعض في أي وقت ….يمكن لما أتجوزنا زمان مكناش بنحب بعض …..بس السنين اللي فاتت دي خلقت بينا مشاعر وحب صامت…قصة مايعرفهاش غيرنا …..»
ارتجفت يد ليلى بقلب ينتفض قهر ….حتى أتى وجيه لمكتب جيهان وقد قرر شيء يخبرها به ……ولكنه عندما دلف صدم بمن عادت لتنظيف الأرض ودموعها متساقطة …..
أسودت عينيه وتجمد مكانه من رؤيتها هكذا ……

يتبع…

اترك رد