رواية أسد مشكى الفصل الثامن عشر 18 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى الفصل الثامن عشر 18 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى البارت الثامن عشر
رواية أسد مشكى الجزء الثامن عشر

رواية أسد مشكى الحلقة الثامنة عشر
| زوجتــــــي |
صلوا على نبي الرحمة ……..
قراءة ممتعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبمجرد أن نطق أرسلان بكلماته تلك حتى اتسعت الأعين في المكان بعدم فهم، ولم يتجرأ أحدهم على التحدث بكلمة، بينما ارتسمت بسمة صغيرة على فم سلمى وهي ترفع رأسها صوبه، ليشير لها أرسلان أن تتحرك صوبه بصرامة، بينما هي سارت مرفوعة الرأس حتى وصلت صوب عرشه ليبتسم وهو يمسك كفها أمام الجميع، يقف عن العرش يجذبها جواره .
نظر الجميع لبعضهم البعض بصدمة، بينما ملامح انورين اشتدت بغضب كبير ورفض داخلي لما يحدث، ولم يكد يبدي اعتراضًا على ما يحدث أمامه حتى انتفض أحد المستشارين عن مقعده يهتف بصوت شبه مرتفع :
_ وهل تعتقد أن هذا عدلًا مولاي ؟؟ الحد يُطبق على الجميع، ملكة كانت أو حتى جارية، لذا كونها زوجتك أو لا هذا لا يغير شيئًا مما جئنا لأجله اليوم واجتمعنا عليه .
_ هم وكفار لا يدركون عن الإسلام شيئًا، وأنت يا عزيزي كيف نسيت حكم رمي المحصنات؟! ثم من أخبرك أنني ملك عادل :
صمت يحرك عيونه بين الجميع، قبل أن يعود ويصدح في المكان حينما منحهم هدنة صغيرة يستوعبوا بها كلماته، يهبط عن عرشه بكل هدوء يتحرك صوب سلمى التي شعرت بضربات قلبها تزداد وهو يهتف بصوت وصل واضحًا للجميع :
_ فيما يتعلق بتدبير المكائد للإيقاع بزوجتي أو الاقتراب منها مقدار لا اسمح أنا به، فأنا أكثر ملوك العالم تجبرًا وظلمًا، بل إنني افوق والدي وملك سفيد الاول تجبرًا، فلا تختبروا صبري في زوجتي أو بلادي .
بهت الرجل وقد أحمر وجهه بصدمة كبيرة وتمنى للحظة أن تنشق الأرض وتبتلعه، وارسلان ابتسم بسمة صغيرة، وهو يبعد عيونه عنه يجيب سؤال الرجل الذي لم يسمح له حتى بإكماله :
_ وردًا على جملتك السابقة فيما يتعلق بجمعكم هذا الجمع السعيد، من أخبرك أنني جمعت الكل هنا الآن لأجل هذا السبب الذي تتحدث عنه ؟؟ هل تعتقد من كامل عقلك أنني جمعت كل هؤلاء لأجل أن أجبر زوجتي على الوقوف بينهم للمدافعة عن شرفي وعرضي ؟؟ بل جمعتكم لأجل أن تدافعوت أنتم عن أنفسكم أمامي وتأتوني بشهدائكم قبل أن أُنفذ بكم الحد .
لمح الاستنكار يعلو ملامح الجميع، بينما الشيخ يحرك حبات مسبحته بين أنامله بهدوء مريب وبسمة غامضة، يراقب ما يحدث وقد أكمل أرسلان كلماته بكل بساطة وهو يطيل النظر في عيون ذلك المستشار الذي لم يتحدث غيره منذ بداية الاجتماع :
_ بالإضافة أنني جمعتكم اليوم كي تشهدوا عقد قرآني على الملكة، لقد عقدنا القرآن منذ ساعة تقريبًا وجمعتكم لأجل إشهار العقد.
ختم كلماته وهو يمد كفه يضم بها كف سلمى التي قاومت وبصعوبة تلك الرعشة التي مرت على سائر جسدها وهي تشعر به يقربها منه أكثر ينظر في عيون الجميع بتحدي وقد على الظلام عيونه وهو يردد بصوت أجش قوي:
_ باركوا للملكة سلمى فاليوم تسلمت عرش مشكى رسميًا ….
تبادل الجميع في القاعة النظرات بصدمة كبيرة وقد على التعجب والدهشة أعين البعض والفرحة أعين الآخرين، والاستنكار أعين القليل منهم، في حين أن توبة كانت تقف في ركن القاعة تحدق بما يحدث بذهول شديد وهي تبصر التماع عيون أرسلان وهو يتحدث عن تلك الفتاة واشتداد فكه وهو يحدق بالجميع وكأنه يتحضر لينقض عليهم .
لتتسع بسمتها بعدم تصديق تردد بصوت متعجب ملئ بالتقدير والإعجاب بشخصيته التي كانت تجذبها قديمًا كما النيران :
_ واخيرًا هناك من نال اهتمام واعجاب أسد مشكى، ظننت أن لا امرأة في هذا العالم قادرة على جذب انتباهك لها حتى.
قطع أرسلان كل تلك الهمسات المترامية حوله وهو يهتف بصوت هادئ بعض الشيء :
_ والآن انتهت الاخبار السعيدة، دعونا نكمل ما بدأناه معلقًا، كي لا يبتأس مستشاري العزيز الذي منّى نفسه بعرض ممتع وأنا احكم على زوجتي بحد الزنا ويبدو أنه سهر ليلته يتحضر لذلك المشهد، إذن دعونا نمنحه شيئًا أشد متعة من كل ذلك.
أنهى كلماته وهو يجذب سلمى له يجلسها على عرشه، ثم خلع عنه معطفه الملكي يلقيه على أكتافها تحت اصوات الشهقات والهمسات التي خرجت من الجميع وهي لا تفهم السبب، لكنها فقط استكانت لما يفعل أرسلان معها دون أن تعترض بكلمة حسب أوامره لها قبل الاجتماع .
حدق أرسلان في عيونها ثواني قبل أن يعتدل في وقفته يفرد هامته وقد تجرد من معطفه وبقي بثيابه التي كانت تتكون من بنطال وسترة سوداء كعادته، يهتف بصوت جهوري :
_ أغلـــقوا ابـــواب القـــاعة ..
وفي ثواني تحرك الجنود بسرعة مرعبة يغلقون الأبواب وكأنهم يحكمون المصيدة على جميع من بالقاعة، وقد علت الهمهمات بصدمة ورعب مما يحدث، وارسلان يراقب دون كلمة واحدة، ثواني حتى أبصر الجميع بعض الجنود يدخلون من الباب الجانبي للقاعة يلقون بجسد رجل يبدو أنه تعرض لوصلة ضرب متواصلة .
حلقت حوله الأبصار بعدم فهم، وعيون أرسلان تنظر له بشر وهدوء يخفي خلفه أعاصير تكاد تقتلع جذور صبره غير مكتملة النمو .
بينما سلمى تجلس على العرش الخاص بأرسلان تراقب بهدوء وتعجب، حتى رفع الرجل رأسه بهدوء لتبصره، نفس الأعين والنظرات، نفسه الرجل الذي هجم عليها في غرفتها .
تنفست بصوت مرتفع وهي تراقبه بأعين متسعة ولم يكد أحدهم يتحدث بكلمة حتى، ابصروا ثلاث رجال آخرين يُسحبون صوب الساحة وارسلان يراقب حتى استقر الجميع في منتصف الساحة ليعلن واخيرًا .
_ اكتملنا الآن، فهل نبدأ العرض ؟؟
تحركت الأنظار صوب أرسلان الذي توقف عن الحديث وهو يدير عيونه في المكان ببطء شديد، يفكر في شيء قبل أن يتحدث بجدية :
– أو ربما لم نفعل ؟؟
حرك عيونه بهدوء صوب المستشار نفسه الذي كان يتحدث منذ بداية الجلسة يبتسم له بسمة جعلت الاخير يرتعش وهو يحاول التنفس بشكل طبيعي دون أن يثير الشك، لكن فجأة انتفض جسده وهو يرى رجل آخر يُسحب لمنتصف الساحة، ليشعر بقلبه على وشك التوقف ..
نفس الرجل الذي كان يعمل مستشارًا لأرسلان سابقًا قبل أن يصرفه أرسلان عن العمل لأجل تذمره لزيادة رواتبهم .
هنا وقد شعر المستشار أن اللعبة أطبقت على أنفاسه وقد بدأ العد التنازلي لهلاكه، نظر حوله يبحث عن مخرج له من المكان، ليجد أن لا منفذ له من أرسلان الذي كان يراقب تخبطه باستمتاع شديد.
أبصر المستشار رجلين يقتربان منه يستعدون لجذبه صوب منتصف القاعة، ليكون اول ما يبدر لذهنه هو اخراج سيفه وهو يصرخ :
_ لا تقربوني وإلا استعملت سلاحي عليكم .
رفع أرسلان حاجبه بسخرية يراقب الرجل يتحرك للخلف مهددًا الجميع بسيفه صارخًا بكلمات غير مفهومة حتى بدأ من اليأس يتحدث بآخر شيء يمتلكه للدفاع عن نفسه :
_ هل تحسبون أن اذيتي ستمر بهذه السهولة ؟؟ صدقوني سوف تندمون إن مسستموني بسوء هناك الكثيرون ينتظر عودتي سالمًا وإن لم أفعل، قُلبت الممالك أعلى رؤوس من بــ…
وقبل إكمال جملته كان سيفه يُنتزع منه وصفعة أرسلان تهبط على وجهه بقوة لدرجة اسقطته ارضًا أسفل أقدامه، يهتف بشر :
_ أوتحسبن أن هناك من سيعرض نفسه للخطر لأجلك يا سيد ؟؟ احلام المغفلين، أنت مجرد حجر عفن في لعبة، وإن تحطمت فهناك المئات من الاغبياء امثالك يزرعون بهم نفس الأفكار بالقيادة والسلطة كي يستعملونهم ضدنا، وفي النهاية كلكم تلقون نفس المصير .
جذب الرجال المستشار صوب منتصف القاعة، ليصبح العدد شبه مكتمل، راقبهم أرسلان دقائق طالت دون كلمة واحدة حتى بدأ البعض يتململ بقلق شديد، منتظرين الخطوة القادمة والتي سرعان ما حدثت حين ابصروا باب القاعة يُفتح ويدخل منه المعتصم ومعه العديد من الجنود يجرون امرأتين للغرفة .
دفعوا المرأتين لمنتصف القاعة ليكتمل العدد واخيرًا، وبهذا الشكل أصبح هناك عدد خمس رجال؛ المقنع الذي كان يقتحم غرفة سلمى ومعه الحارسين اللذين ساعدوه على ذلك كل يوم، بل وبدأوا يشيعون الأخبار بين الجميع عن سلمى، والمستشار الذي سبق وصرفه أرسلان من العمل، والمستشار الآخر الذي كان يمسك قسم الهجوم منذ بداية المحكمة، وامرأتين، سراي ونجوم .
اتسعت بسمة أرسلان يفرد ذراعيه يردد بهدوء شديد وحماس مصطنع :
_ هكذا واكتمل العدد، إذن لنبدأ اللعبة ……
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لطالما آمن الجميع بقدرتك نزار، ولم أكن اصدق ما اسمع عنك ظنًا أنك مجرد احمق مسكين يقود جيوش والده .
ابتسم نزار بسمة جانبية يراقب أنمار يحمل بين أنامله قنينة السم التي يعمل عليها يتأملها بإعجاب وكأنه لا يصدق أن الحلم يقترب .
_ نعم جميع الحمقى كانوا يعتقدون المثل .
انطلقت ضحكات أنمار وهو يحرك القنينة بين أصابعه يردد بصوت شبه مسموع :
_ ترى هل انتهى السم ويمكننا اختبار مفعولة ؟!
_ لِمَ لا تجربه ؟؟ إن مت فقد نجح وإن لم يحدث فهذا من سوء حظ البشرية اجمع ويمكننا المحاولة مجددًا، حتى يوفقنا الله لنفع البشرية وصلاحها والتخلص منك .
ازدادت ضحكات أنمار بشكل مريب قبل أن يميل على الطاولة التي تقع بينه وبين نزار يهمس بصوت خافت وبسمته لا تزال تزين شفتيه :
_ أنا اعلم جيدًا بأنك أنت الشخص الذي ساعد زوجتي العزيزة وراقصتي المفضلة في الهرب فلا أحد هنا ذو مروءة ليفعل ذلك عداك .
اتسعت بسمة نزار وبشدة وهو يهتف بصوت شبه هامس مثله وكأنه يحدثه بنفس طريقته :
_ جيد أنك تعرف قدرك أنت ورجالك أيها الوسخ .
_ كون أنني أتركك دون عقاب فهذا لأنني فقط احتاجك في الوقت الحالي وحينما انتهي مما أريده منك …
صمت وهو يترك لخيال نزار العنان ليرسم له ما يمكن أن يفعله به أنمار حينما ينتهي هو من صنع السم والترياق بالكامل .
بينما نزار ابتسم له بسمة واسعة ليس وكأنه تلقى لتوه وبشكل غير مباشر تهديدًا مبطنًا أو ربما كان واضحًا بعض الشيء .
_ ليمنحني الله طول العمر كي أبصر نهايتك بعيوني أنمار..
_ للأسف سيكون جسدك قد وارته الرمال حينها .
ابتعد عنه نزار وهو يمنحه نظرة غامضة جعلت الاخير يشعر بالريبة، وقد زرعت تلك النظرة وتلك البسمة التي ارتسمت فجأة على وجه نزار رعبًا غريبًا داخل صدر أنمار .
لكنه فقط تجاهلها وهو ينتفض عن مكانه يتحرك خارج المنزل الذي كان نزار مستقرًا به لأجل صنع السم، وبمجرد أن خرج أنمار من المكان أمر جنوده الذين يحرسون نزار على بوابة المنزل :
_ حينما ينتهي من صنع السم، تأكدوا من تجربته بأنفسكم…..اجعلوه فأر تجربته .
وبهذه الكلمات نهى أنمار وجوده في الجوار وهو يتحرك بعيدًا عن المنزل تاركًا أعين الوليد الذي كان يقف قريبًا من المكان تتسع بقوة وخوف وهو يشعر بالرعب على نزار..
نظر صوب الباب الخاص بمنزل نزار وهو يهتف :
_ أخرجته من الجحيم لجهنم …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تجلس على العرش وهي تراقب ما يحدث بعيونها وعقلها يعرض لها أحداث الساعة الماضية حينما أصبحت وبشكل رسمي زوجة الملك وبشكل لم تتوقعه يومًا ..
تحدق بالملابس التي ستخرج لتواجه بها مصير لا تدري له من نهاية، تسير بنفق لا تعلم له من مخرج، فقط تسير وهي تحاول تلمس أي شعاع ضوء قد يخرجها من كل ذلك الظلام .
فجأة سمعت صوتًا يصدح من الخارج لبعض الحراس تبعه صوت طرقات على باب غرفتها، وقبل نزع ثوب الصلاة خاصتها نظرت صوب الباب تعتقد أنهم جاءوا يصطحبونها صوب القاعة :
_ لِمَ العجلة ؟؟ أنا لن اهرب، على الأقل الآن.
ختمت حديثها تحمل الثياب وهي تتحرك صوب المرحاض، لكن فجأة توقفت في منتصف الطريق وهي تسمع صوتًا يأتيها من الخارج :
_ هذا أنا أرسلان.
توقفت أقدامها وتوقفت ضربات قلبها وشعرت بدمائها تتحرك بسرعة مخيفة داخل أوردتها، استدارت ببطء صوب الباب وهي تنظر له بترقب وكأنها تفكر إن كان يجب عليها أن تفتح له أم تتركه في الخارج دون إجابة من طرفها .
لكن أرسلان يبدو أنه كان يدري كل تلك الحيرة التي كانت واقعة بها، ليقطعها وهو يقترب من الباب يتحدث بصوت حاول صبغه بالهدوء رغم السواد الذي يدور داخل عقله في هذه اللحظة :
_ افتحي الباب رجاءً، أنا….. أنا لم اصدق ما قيل في حقك، اقسم لم أفعل ولن افعل ما حييت، لست غرًا لأصدق بضعة ادعاءات لا أساس لها، وأكذب نفسي التي تعلمك أكثر مما يفعلون هم .
وإن كان يظن أنه بمثل تلك الكلمات الصادقة الحنونة قد يؤثر بها لأجل أن تفتح له الباب وتسمح له بالمرور بهذه البساطة، فقد صدق ظنه، إذ تحركت بهدوء وتردد وهي تقترب من الباب تفتحه ببطء حتى أبصرت وجهه يطل عليها .
وقفت أمامه بتردد تنظر في وجهه بترقب تنتظر أن يتحدث بما جاء به، وهو كان قد جهز لما جاء لأجله وحضر العديد من الجمل الشبه منمقة لأجل أن يظهر بها صدق نيته لها.
خطبة طويلة حضرها أثناء طريقة من غرفته وحتى غرفتها، خطبة مليئة بالعديد من الجمل المؤثرة، يختمها بكلمة حاسمة، ومن بين كل ذلك لم يستحضر عقله في هذه اللحظة سوى الكلمة الحاسمة لينطقها دون مقدمات :
_ تزوجيني ..
شعرت سلمى لوهلة أن هناك إنفجارًا تصاعد داخل عقلها، يزيد من حرارة جسدها وقد شعرت باحمرار يعلو وجهها وجسدها ينتفض بموجة مشاعر عديدة لا تعلم لها من تصنيف، فقط تحدق به ببلاهة واعين متسعة رغم التماعها .
بينما هو ورغم معرفته بتسرعه وتجاوزه لكل ما حضر به إلا أنه لم يتراجع وهو يكمل بهدوء بعد نفس آخر أخذه سريعًا :
_ أخبرتك مرة واعيدها ثانية، ورغم أنني لم أعتد الإلحاح لأجل شيء اريده، لكنك لستِ بمجرد شيء أريده، ورغم أنني امتلك طرقًا عديدة لاجبرك بها على الخضوع لرغبتي، إلا أنني أخبرتك أنني لا آخذ ما أريده بالقوة، بل باللين، فهل لمطلبي من إستجابة.
أخذ صدر سلمى يعلو ويهبط بقوة وهي تشعر بأن قوتها وكل تعقلها تلاشى بمجرد أن أكمل جملته، حاولت أن تتحدث، لكن كل الكلمات علقت بحلقها، ليعتبر هو سكوتها ترددًا ويكمل بهدوء :
_ أعلم أن الأمر مفاجئ لكِ كما هو لي، لكن امنحيني فرصة أخذ حقك منهم بحرية، امنحيني صفة تمنحني بدورها حق الدفاع عن امرأتي، فهلا تكوني ؟؟؟؟
وستكذب إن قالت أن كلماته تلك لم تخترق صدرها، وستكذب كذلك إن قالت أنها تتذكر ما حدث بعد ذلك، فما تتذكره هو أنها ومن بعد أن اسكرها بكلماته، لم تشعر سوى بنفسها تقف مع الشيخ وزيان واحد الجنود داخل غرفتها يسمعون موافقتها، بينما هو يجلس في جناحه مع الباقيين ينتظر إشارة منها بالرضا .
تحركت صوب الشيخ وما زالت ترتدي ثوب صلاتها، وقفت أمامهم وهي تشعر بارتجاف صدرها ولم تعتقد أنه يومًا قد تتزوج بهذه الطريقة وكأنها تفعل لتواري سوءتها، ابتلعت ريقها وكادت تتحدث بتوتر عن موافقتها لا تشعر أنها تمتلك اختيارًا بما يحدث، ومن وسط نيران صدرها شعرت بدلو من المياه الباردة يطفئ كل ترددها، حينما انسابت كلمات الشيخ يقول بهدوء وبسمة صغيرة :
_ هذا سيكون فقط عقد قرآن، وغدًا إن شاء الله يكون الاشهار في مسجد القصر والمملكة بأكملها، ومن ثم كلٌ سيسير برغبتك أنتِ، سواء كان موعد الزفاف او ترتيباته أو كيف تريدينه أن يكون، كل شيء سيكون برغبتك أنتِ وكلمتكِ أنتِ عدا شيء واحد فقط هو ما سيكون برغبتي أنا، ولا تعتقدي أن الزواج بهذه الطريقة تقليل من شأنكِ فوالله أن شأنك يعلو شأن نساء الارض أجمعين في عيوني، وليواجهني من يقول عكس ذلك.
رفعت سلمى عيونها صوب الشيخ بعدم فهم لتلك الكلمات، وضربات قلبها قد ازداد صخبها بشكل غير مسبوق، ليمنحها الأخير بسمة واسعة يضيف في نهاية جملته السابقة :
_ هذه كانت رسالة الملك لكِ أوصاني باخبارك إياها وكأنه يشعر أن ذلك التردد هو ما سيعلو وجهك في هذه اللحظة، لذا رأيت أن أخبرك بها كما نطقها هو ودون تحريف .
صمت ثم همس بصوت ممازح خافت :
_ حتى أن جملة التهديد الأخيرة نطقها بهمس وصوت منخفض غاضب ظنًا أنني لم اسمعها، لكنني فعلت واضفتها لرسالته لأنني أعتقد أنها ستضفي بعض الحماس عليها .
فركت سلمى يديها بقوة وقد بدأ خفقان قلبها يزداد، تواري بسمتها بصعوبة، ثم همست بصوت منخفض :
_ لكن …أوليس …يلزمني وكيل و…
_ لا تقلقي، الملك تدبر أمر كل ذلك فهو لا يخطو خطوة غير محسوبة، هذا إذا استثنينا هجماته الغير مخطط لها قديمًا على المنبوذين وحملات التطهير التي كان يخوضها كلما شعر بالملل .
اتسعت عيون سلمى بقوة وهي تراقب ما يخرج من فم الشيخ الذي ضحك عقب كلماته وهو يشير بيده :
_ لا تهتمي فأرسلان لديه عقل غريب بعض الشيء لكن ….
صمت يهمس لها بصوت منخفض ونظرات غامضة حكيمة :
_ المتعة كلها تقبع في الغرابة، فالاشياء الطبيعية لا تثير الإنتباه في الغالب، ربما لهذا لم يستطع ولدي المسكين المقاومة كثيرًا .
لم تفهم سلمى كلماته لثانية قبل أن تبتسم بسمة صغيرة وهي تسمعه يكمل بهدوء :
_ ما حدث في المشفى يا ابنتي كان مقصودًا حدوثه، كل ما قيل كان مقصودًا، فالفأر حين يطمئن يخرج من جحره، لذا علينا ادعاء أننا لا ننتبه له ونحقق غايته حتى يخرج .
ولم تفهم هي كلمة واحدة، أما عنه فتذكر زيارة أرسلان له منذ ايام طويلة يخبره بقلقه من شيء يُدبر للإطاحة بسلمى، وقد صدق ظنه حين أبصر الجندي يقتحم خلوته ليلقي المرأة بالباطل، خرج من شروده يهتف بهدوء :
– والآن نحن هنا ننتظر موافقتك، فهل توافقين سلمى ابنة رائف، بالزواج من الملك أرسلان بن بيجان .
ورجفة صدرها تلك ونبضات قلبها في هذه اللحظة كانت تصرخ بالقبول، بل وبدأت تقيم احتفالات داخلها، وعم الصخب أرجاء جسدها، لكن عكس كل ذلك نطقت بكلمة واحدة هادئة، كلمة كانت الختم الذي يزين نهاية عقد جديد في حياتها :
_ موافقة ..
ومن بعد تلك الكلمة لم تبصر ظل أرسلان، إلا حينما جاءوا يخبرونها بأمر الاجتماع في قاعة العرش .
وها هي بدل الوقوف موضع المذنبة أمام العرش، اعتلته موضع الملك ..
ارتجف صدرها وهي تبصر أرسلان يقف بين الجميع يهتف بصوت جهوري محذرًا :
_ سبق وحذرت مرة واثنتين أن تلك المرأة هنا هي زوجتي وأن شرفها من شرفي، فإن كان شرفي هين بهذا الشكل لديكم، فكذلك دمائكم لي .
صمت والجميع حوله ينظرون له بموافقة، فالاغلبية الساحقة في المكان كانت رافضة لما يُقال ويتردد، والبعض أصحاب النفوس الضعيفة كانت احادتهم عن الحق اسهل من شربة ماء للشيطان .
هدأ ثواني ثم أكمل :
_ هذه البلاد للأشراف فقط وليس لاصحاب النفوس الخبيثة، كون أنني ادعيت الجهل والغباء، لا يعني أنني كذلك، كون أنني سمحت لكم بإرادتي أن تندسوا داخل قصري وقت ذلك الهجوم القديم عليه، فهذا لا يعني أنني احمق ولا ادري ما يُحاك ضدي، فلا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين، كل ما يحدث أسفل هذا القصر يصل لي .
صمت ينظر ببسمة للجميع وقد تعجب بعضهم حين سمعوا كلماته تلك وكيف كشفهم وكشف لعبتهم، لكن الحقيقة هو أن أرسلان لم يغفل عن لعبتهم ليكشفها من الأساس، يوم ذلك الهجوم على القصر أبصر بعض جنودهم يتخفون بين جدران قصره ليندمجوا بين الجنود مستغلين أن هناك كل يوم فوج جديد ينضم للجيش فلا يعرف بعضهم بعضًا بشكل وثيق، ومن هنا بدأوا يتلاعبون ويخططون بمساعدة بعض مستشاريه الذين كانوا تابعين لولاده سابقًا ينتظرون فرصتهم للقيادة المطلقة، وهو احتفظ بهم أسفل عيونه افضل من إبعادهم عنه ويجهل خطواتهم، لكن أن يصل الأمر لزوجته فهذا ما لن يسمح به .
تنفس بصوت مرتفع وهو ينظر صوب نجوم التي ارتعشت برعب وكذلك سراي التي حاولت أن تتمالك نفسها وقد انهارت في موجة بكاء منذ سحبوها من منزلها وحتى وصلت لهنا .
_ والآن من أفسد شيء عليه إصلاحه، شرف زوجتي الذي تلوث منذ وطأ ألسنتكم، الآن سيرد لها، تحدثي آنسة سراي وأخبري الجميع عن محتوى الزيارات التي كانت تأتيكِ داخل سجوني .
رفعت سراي عيونها بصدمة كبير وهي تتحدث بكلمات غير مترابطة :
_ أنه مولاي … أنا لم أفعل شيئًا اقسم….
_ إياكِ أن تقسمي بالله كذبًا سراي، فلا يكفيكِ ذنوبًا لن تستطيعي حملها يوم الحشر .
أنهارت سراي وهي تهتف من بين شهقاتها وقد ارتجف صدرها في صحوة متأخرة، صحوة من أدرك الهلاك، وقد انسحب عنها شيطانها متبرئًا من فعلتها يردد ( إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ) .
_ لقد …لقد أخبرني أنه…. أنا آسفة اقسم أنني آسفة مولاي، اغراني الانتقام و….
_ ممن ؟؟ الانتقام ممن ؟؟ من امرأة منحتك الرحمة وتخلت عن حقها لأنها اشفقت عليكِ .
كانت سلمى تتابع ما يحدث وهي تتذكر كلمات أرسلان لها حينما غضب لأنها رحمتها، ربما لو كانت رفضت مسامحتها ذلك اليوم لما وصلت لهذه اللحظة حتى، وفي النهاية كان أرسلان يمتلك نظرة أكثر وضوحًا على نفوس البشر منها حتى .
خرجت من شرودها ذلك على كلمة رنت في أرجاء صدرها قبل أن ترن في المكان ورغم خفوتها، إذ نطقت بها سراي بصوت منخفض وهي ترفع رأسها بتردد :
_ لأنني احببـــ…
لكن وقبل اكتمال كلمتها والتي اكملها عقل سلمى بالفعل دون الحاجة لتنطق بها سراي مشعلًا بذلك نيرانًا داخل عيونها وقد بدأ صدرها يرتجف بغضب وهي ترمق سراي بنظرة مميتة، قاطع أرسلان كلماتها تلك رافضًا أن تلقي مثل تلك الكلمات على مسامع الجميع احترامًا لامرأة أضحت زوجته .
_ لا تخوضي نقاشات لم ادفعك لها سراي، لم أسألك عن سبب ما فعلتيه، فالشر لا ينتظر مبررات، أنا أسألك عما حدث، المكيدة التي دبرتيها مع ذلك الوسخ لأجل تلويث عرضي بزوجتي .
ختم حديثه يضرب الشاب الذي كان يقتحم غرفة سلمى في معدته بقدمه ليسقط الأرض وهو يطلق تأوهًا، وجراح جسده التي نالته من يد سلمى لم تندمل بعد.
نظرت سراي برعب للشاب وهي تهتف بصوت مرتجف :
_ سأخبرك …سأخبرك كل شيء اقسم، لقد …جائني يومًا رجلًا للسجون بعدما سمح له بعض أتباعه من الدخول واعطاني قنينة دواء .
صمتت ثم هتفت بصوت خافت جعل أرسلان يصرخ فيها :
– ارفعي صوتك واسمعي الجميع مصائبك، كما جعلتيهم يبصرونها .
ارتجفت وهي تبكي بصوت مرتفع :
_ كانت قنينة مخدر نضعها لها في الطعام لكي تنام ليلًا دون شعور ويدخل الرجل لديها دون أن تصدر أي مقاومة منها تحت أعين بعض الحراس والذين كان بعضهم من ضمن الخطة، وايضًا كي نضمن عدم خروجها أثناء تجوله مع امرأة ترتدي معطفها في الإرجاء كي تثير الريبة في صدور الجميع .
صمتت ثواني ثم هتفت تكمل ما تعلمه :
_ نفسه المعطف الذي منحته إياها سابقًا، وقد ذهب الرجل سابقًا وسرقه من غرفتها….هذا …هذا ما أعلمه فقط اقسم ولا أدري مما حدث سوى أنني كنت منحت نجوم القنينة لتضعها في طعامها كل يوم .
تحركت الأعين صوب نجوم التي كانت تحدق أمامها دون كلمة أو مقاومة حتى، تستمع لما يحدث كما لو أنه لا يعنيها .
فجأة انتفض جسدها حين سمعت صوت الملك يتحدث بهدوء رغم نبرته المرعبة :
_ وأنتِ آنسة نجوم، أليس لديكِ ما تخبربيني به ؟؟
رفعت عيونها له دامعة تهمس بصوت منخفض تعيد نفس الحديث الذي أخبرته به قبل تحركها لمنزل سراي :
_ لن ادافع عن نفسي، لكن اقسم بالله أنني لم اعلم ما يدور خلف كل ذلك، لقد أخبرتني أن ذلك المشروب لم يكن سوى مجرد مشروب يسبب بعض الاوجاع فقط لتنتقم منها، والله ما علمت ما يدور حولي، إلا حينما سمعت ما يقال عن جلالة الملكة فذهبت لها لأعلم صدق ما وصل لي، هذا ما حدث وليشهد الله على كلماتي .
أبعد أرسلان عيونه عنها وهو يحركها صوب الشاب الذي كان ما يزال يتأوه، تحرك له يجلس القرفصاء أمامه، يرمقه ثواني قبل أن يتركه دون أن يجبره على قول كلمة، وكأنه يرفض أن يتحدث بحرف أمام الجميع كي لا يجن جنونه هو ويحطم عظامه، يحتفظ به لوقت لاحق يظهر به تجبره بعيدًا عن أنظار امرأته.
_ مستشار والدي العزيز، والله أنني ظننت وقد أخطأ ظني أنك الوحيد الذي نجوت من موجة الخيانة التي ضربت الجميع، خيبت ظني بك .
رفع الرجل عيونه صوب أرسلان وهو يحاول أن يستسمحه :
_ جلالة الملك أنا لست …
_ لا لا يا عمر هذا ليس وقت التوسل أو غيره، هذا وقت المحاكمة التي كنت أول المطالبين بعقدها، تتذكر ؟؟
صمت ثم حرك عيونه صوب المستشار السابق له والذي طرده شر طردة.
_ أحضرت ابن شقيقك للعمل لدي، واخبرتك أنني لا اقبل التوسط ورغم ذلك عينته مستشارًا لما أبصرت به من مهارة، ومن ثم حينما صرفته عن العمل ظننتك تفهمت حكمي، لكن يبدو أنني أخطأت الظن وللمرة الثانية، لكن أوتعلم هذا ليس خطأك، فأنا وعدا نفسي وزوجتي والقليل فقط لن اثق بأحد .
ورغم أن الموقف لا يتحمل ما فعلته إلا أنها لم تستطع أن تكبت بسمتها بعد كلماته تلك، تنظر له بتقدير، تراه يتحرك أمام الجميع وبكل بساطة دون أن يخوض في أحاديث _قد تتسبب لها في الخجل من وضع عينها في عين أحدهم لاحقًا _ أعاد لها حقها مكتملًا.
انتهى من كلماته وهو ينظر للجميع قبل أن يردد بهدوء :
_ اعتقد أن الجميع الآن يبصر الحق واضحًا ويبصر الباطل كذلك، لذا انتهينا من الأمر ولن يُذكر بعد اليوم ولو بينكم وبين أنفسكم خفية، اسم زوجتي لن أسمح أن يتناقل على الألسنة سوى بالخير .
فرد ذراعيه يبتسم للجميع وقد كانوا كلهم ينظرون له بتقدير واحترام :
_ انتهينا والآن حان وقت الحكم، وبعد تنفيذ حد قذف المحصنات بالطبع، سيكون الحكم عليكم كالآتي ……
صمت ثواني يمرر نظراته صوب الجميع ثواني قبل أن يقول بهدوء شديد وكأنه لا يلقي حكمًا على بعض المجرمين :
_ مستشاري الاعزاء يتم تجريدهم من كامل السلطات الممنوحة لهم، ويتم دفع مبلغ قدره عشرة الآلاف قطعة ذهبية من اموالهما الخاصة كمساهمة وكرم منهما في مساعدة المحتاجين، ولعل ما أفعله يكون العمل الصالح الوحيد في كتابهم، ومن ثم يتم سجن كلًا منهما عشر سنوات دون أن يبصر شمسًا حتى أقول عكس ذلك .
حرك رأسه صوب الجنود الذين ساعدوا الشاب في الدخول للغرفة زوجته ومن ثم قال :
_ الجنود الاعزاء الذين اندسوا بين جيشي، لا فدية لهم عندي، يُعدموا مع شروق الشمس القادم .
كانت كلماته قاسية، ونظراته متجبرة لا يبصر ولا يظهر أي رحمة في كلماته، يحرك عيونه صوب سراي ونجوم:
_ سبق وأن رحمتك زوجتي لكن نفسك المريضة اعادتك حيث كنتِ منذ أيام فقط، واثق أنني إن رحمتك هذه المرة ستعودين للانتقام مني المرة القادمة، فامثالك لا اتعاظ لهم ولا عودة عن الباطل، ورأفة بوالدتك التي رُزقت بنبتة خبيثة مثلك، سأكتفي بتنفيذ حد الله عليكِ والذي سبق أن سقط عنكِ .
أنهارت سراي ارضًا تبكي وتنوح وتتوسل، لكن لم يلتفت لها أرسلان حتى وهو ينظر لنجوم التي كانت تبكي بصوت منخفض تنتظر عقابها بصمت :
_ أنتِ وبما أنه خطأك الاول ولم تنكري ما فعلتيه، بل وجئتي لي تعترفين، سأسقط عنك العقاب على أن تتركي العمل في القصر وتغادري دون رجعة .
سقطت دموع نجوم أكثر دون كلمة واحدة تهز رأسها بينما يدها كانت ترتجف بين أحضانها .
وارسلان يراقب دون أن تأخذه بهم شفقة، يحرك عيونه صوب الأخير والذي كان نفسه الرجل الذي استحل لنفسه امرأته واقتحام غرفتها وتلويث سمعتها، نظر له بهدوء ولم يتحدث بحكم في حقه يشير بعيونه صوب المعتصم الذي علم ما يريده ليتحرك له بنفسه يسحبه من منتصف الساحة، ومن ثم بدأ الحراس يسحبون الجميع واحدًا تلو الآخر لتنفيذ ما قاله أرسلان تحت أعين الجميع والذين ابصروا في هذه اللحظة بيجان آخر، لكن على الاقل أرسلان كان قاسيًا مع من يستحق عكس والده الذي لم يكن يفرق بين عدو أو حبيب .
_ والآن يا سادة انتهت المحاكمة …افتحوا الابواب .
تحرك الحراس وفتحوا الابواب ليتنفس الجميع الصعداء وكأنهم كانوا يخشون أن يتم سحبهم لمنتصف الساحة ويجدون نفسهم موضع اتهام دون معرفة السبب، وقبل أن يتحرك أحدهم خطوة تحدث أرسلان بصوت مرتفع :
_ بعد يومين يتم إشهار زواجي من جلالة الملكة، والجميع مدعو ليشرفني في زفافي ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمجرد أن انتهى مما يفعل وأودع الشاب داخل السجن الذي لا يعلمه الكثيرون تحرك مهرولًا خارج المكان، وقد قادته لهفته صوبها، وكم اشتاق، ويؤسفه أن يقول اشتاق لصوتها الذي كان يقاطع تقدمه كل مرة وهي تهتف بنبرتها المبتهجة _ وكأنها تنطق كلمات أنشودة العيد وليس اسمه _ يا المعتصم ..
وأين المعتصم الآن فاطمة ؟؟
روحٌ جوارك وجسدٌ هائم يبحث عن طيفك .
توقف في طريقه حينما وصل واخيرًا حيث تقبع هي، ابتسم بسمة صغيرة وهو يطرق باب الغرفة ينتظر منها ردًا يروى قلبًا اشتاق لصوتها، لكن لم يحدث .
تعجب يعيد الطرق حتى تخيل أنها ربما نائمة، لذا ابتعد عن الباب يحضر مقعدًا يضعه أمام الباب وقد قرر أن يعسكر بالقرب منها تحسبًا لاستيقاظها في أي وقت، جلس واللهفة رفيقته، ينتظر أن تستيقظ ويبصر عيونها أو يسمع صوتها حتى وقد وصل لمرحلة صعبة في حب تلك المرأة، وربما إن تأخرت عليه بالرد فيما يخص زواجهما قد يجبرها، ومن ثم يطلب غفرانها.
ظل جالسًا لدقائق طويلة لم يحسبها إلا حينما أبصر الطبيبة تتحرك صوب غرفة مجاورة بملامح جامدة، لكن حينما ابصرته نظرت له بتعجب :
_ سيدي القائد، هل هناك ما تنتظره في مشفى النساء هنا ؟!
خجل المعتصم من جملتها يدرك أن تواجده غير صحيح او خاى مرغوب لكنه تجاوز الكثير في حبها سابقًا والآن لا يمكنه التراجع :
_ أنا فقط انتظر أن تستيقظ فاطمة لاطمئن عليها .
ونظرة التعجب التي خرجت منها ومن ثم كلماتها المصدومة أوقفت قلبه لثواني معدودة وهي تنبث بكلمات أثارت جنونه :
_ فاطمة ؟؟ لكن الغرفة لا تحتوي أحدًا لقد رحلت و…ظننت أنك أخذتها إذ أخبرتني البارحة أنها ستتزوجك .
شعر المعتصم بصدره يتفتت من الرعب في هذه اللحظة وهو يهمس بصوت متردد وبسمة مصدومة مما سمع :
– أنا…لا افهمك، ليست هنا ؟؟ ما الذي تعنينه و….لقد …تركتها هنا البارحة مع وعد بالعودة نعم، لكنني لم آخذها وكيف افعل ونحن لم نتزوج بعد ؟! ما الذي تتحدثين به دكتورة ؟!
شحب وجه الطبيبة تهتف بصوت منخفض :
_ أنا لا اعلم، لقد جئت منذ دقائق اتفقدها ولم اجدها فخلت أنها ذهبت معك و….
وقبل أن تنتهي من كلماتها اندفع جسد المعتصم كالمجنون خارج المشفى وهو يهتف برعب وقلق :
_ لا لا فاطمة لا تفعلي بي هذا، ارجوكِ لا تفعلي بي هذا فاطمة .
كان يهذي بكلمات مرتعبة وهو يهرول في الحديقة يبحث عن حصانه، يفكر أنها ربما عادت لمنزلها أو ذهب لوالدتها، هذا ما جاء بعقله، لكن فجأة توقفت أقدامه وهو يسمع صوتًا خلفه يهتف بنبرة مبتهجة :
_ يا المعتصم ..
وفي ثواني شعر المعتصم بأن أعصابه لم تعد قادرة على الحفاظ على رباطة جأشه، فانهار وهو يدفن وجهه بين كفيه يتحدث بكلمات منخفض وجسده يرتجف .
وفاطمة والتي عادت كما كانت وكأن لا شيء حدث معها تقترب منه بوجه شاحب رغم بسمتها الصغيرة المرسومة أعلى فمها والتي تناقض حالتها الجسدية المتعبة، وكأن عقلها أشفق عليها بعد كل تلك الأحداث ليمارس معها لعبته المفضلة ويحذف كل ما تسبب في وجعها.
_ كيف حالك يا المعتصم ؟!
حرك المعتصم عيونه عليها وكأنه يسألها ( بل كيف حالك أنتِ فاطمة ؟!)
_ فاطمة أين كنتِ بحثت عنك كثيرًا و…
توقف عن الحديث وهي تقاطعه ببسمة واسعة :
_ شعرت بالملل في فراش المشفى وقررت العودة لأمي فلا بد أنها تنتظرني الآن في المنزل، لكن الخالة ألطاف ابصرتني قبل الرحيل وأصرت أن ابقي لتناول الفطور، وللتو انتهيت، والآن سأعود ويكفيني بقائي كل هذه الفترة هنا و… أنت يا المعتصم أخبرتني أنك ستأتي بأمي لي ولم تفعل .
_ ليتني كنت استطيع، والله ما تأخرت ثانية عنكِ .
ابتسمت له بعدم فهم :
_ لا بأس أنا سأذهب لها على أية حال، وقد أخبرتني الخالة ألطاف أنني يمكنني أخذ اليوم إجازة، هل تعتقد أنني يمكنني أخذ غدًا كذلك إجازة ولن تغضب رئيسة العاملات هنا ؟!
صمتت ثواني ثم قالت بنفس ذات البسمة التي منحتها له ذلك اليوم قبل الرحيل صوب المنزل :
_ يمكنني صحيح ؟؟ أنت حقًا ذو مروءة يا المعتصم.
غامت عيون المعتصم بحزن كبير وهو يسمعها تردد نفس الكلام قبل رحيلها ذلك اليوم، قلبه تحطم قطع صغيرة يشعر بالعجز الشديد عن مساعدتها، وكيف يفعل .
_ فاطمة أنتِ لا …لا تتذكرين ما حدث صحيح ؟؟
_ وماذا حدث ؟؟
_ الحريق ..
لم يستطع أن يتحدث بكلمة إضافية مخافة أن يزيد من ضغطه عليها ويؤدي ذلك لأذيتها، لذا صمت يراقب انكماش ملامحها بوجع وحزن ثم هتفت بصوت خافت مكسور :
_ أي حريق تقصد ؟؟ لا أتذكر سوى الحريق الذي خسرت به أبي وأخي ..
سقطت دمعة من عيونها وهي تهتف بصوت موجوع أكثر:
– كان حريقًا مريعًا، أخذ ابي وأخي ومنزلي ولم يبقى لي سوى امي فقط ادامها الله لي …
ارتجف صدر المعتصم وغامت عيونه بدموع أبى أن تهبط أمامها وهو ينظر لها بوجع وداخل عقله تتردد جملة رفض النطق بها ( حتى هذه لم يتركها لكِ فاطمة، حتى هذه أخذها منكِ ولم يترك لكِ سوى ذكريات محترقة ) .
_ المعتصم لِمَ ذلك الحزن الذي يعلو وجهكِ، هل أنت حزين عليّ ؟؟
ابتسم المعتصم بسمة صغيرة يحاول أن يمحو وجعه البارز على ملامحه :
_ أنا فقط أتعجب من قوتك يا صغيرة، الله زرع بكِ صبرًا لا يمتلكه أعتى الرجال .
اتسعت بسمة فاطمة وهي تقول بصوت خجل بعض الشيء تنظر ارضًا :
_ أنت لطيف يا المعتصم، شكرًا لك .
ابتسم لها بسمة أكبر وهو يتحدث بصوت هامس وصل لها هي فقط :
_ إذن فاطمة هل …هل تتذكرين ما أخبرتك به ؟؟
نظرت له بعدم فهم، ليقترب منها خطوة :
– زواجنا فاطمة، هل فكرتي بالأمر ؟!
اتسعت عيون فاطمة وزادت ضربات قلبها وشعرت بالخجل يطيح بعقلها وقد صدمها ذلك العرض المفاجئ منه :
_ تتزوجني ؟؟ أنت… أنت تريد الزواج بي أنا أيها المعتصم ؟!
_ سيكون هذا من دواعي سروري .
ابتلعت ريقها وهي تنظر ارضًا :
_ لا يمكنني أن اجيبك الآن، عليك التحدث مع والدتي حول هذا الأمر.
ابتسم المعتصم بحزن وهو يهز رأسه يشعر كل ثانية بالعجز يأكله وينخر عظامه، يبحث في عقله عن مخرج لها من سوادها وظلام ماضيها، يشعر بالجوع كلما أبصرها تنبذ حاضرًا وتتخذ من ماضيها حياة، توهم نفسها بحياة وتقنع عقلها بها مستنكرة واقعها.
_ لا بأس فاطم سأفعل يا صغيرة، يمكنني التحدث مع والدتك والجميع وأخبارهم أنني اطلب ودك.
زادت ضربات قلب فاطمة وهي تشعر أنها تحلق في السماء في هذه اللحظة، المعتصم والذي كانت تحلم به، رجل أحلامها وبطل واقعها يطلب ودها ويتوسلها الزواج .
نظرت له ثواني، قبل أن تتحرك بعيدًا عنه بخجل صوب بوابة القصر :
_ إذن سأعلم أمي بقدومك و…
وقبل خروجها توقف أمامها المعتصم بسرعة وهو يهتف بنبرة متلهفة :
_ إلى أين ؟!
نظرت له بعدم فهم :
_ ما بك يا المعتصم ؟؟ أنا سأعود للمنزل .
– أي منزل ذلك ؟؟ فاطمة هذا منزلك .
_ لا هذا ليس منزلي، منزلي هناك حيث أمي، وانا سأذهب لاطمئن أنها بخير .
ولم تكد تتحرك حتى توقف أمامها المعتصم يحاول إقناعها :
_ لا يوجد هناك فاطمة، منزلك هنا وأنتِ لن تخرجي من هنا، هيا تعالي معي سأقودك لغرفتك الجديدة، سوف أعد لكِ واحدة جميلة، هيا تعالي معي ارجوكِ.
تعجبت فاطمة ما يفعل تحاول أن تهرب من بين يديه التي يحيل بها بينها وبين منزلها ووالدتها :
_ المعتصم أنت تتصرف بغرابة، دعني أمر لأجل العودة لأمي و….
فجأة جن جنون المعتصم وهو يصرخ وقد فاض به من رؤيته لها بهذه الحالة :
_ أمك رحلت فاطمة، لم يتبق لكِ في هذه الحياة أحد الجميع رحل فاطمة، الجميع رحل، الحريق أخذ والدتك كذلك .
اتسعت عيون فاطمة وشعرت بانفاسها تجاهد للخروج من صدرها، بينما المعتصم استوعب فجأة ما قاله أمامها ليشحب وجهه وهو يقترب منها بسرعة ورعب :
– لا لا فاطمة انا اسف لم أقصد أنا… أنا….هذا ليس صحيحًا فقط أنا شعرت بالــ …
وقبل إكمال جملته أبصر دموعها تهبط كالسيول على وجهها وهي تتراجع بعيدًا عنه، وقد بدأت تبصر الارض أسفلها كما لو كانت تتحرك أثناء وقوفها، شعرت بدوار عنيف يضرب رأسها وقبل تحركها حركة واحدة كان جسدها يرتطم بقوة في الارض أسفلها تحت صرخات المعتصم الذي شقت الأجواء الهادئة حوله ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأت القاعة تفرغ من الجميع عداها وقد استقرت على العرش دون أن تتحدث كلمة واحدة منذ وجودها في المكان، هادئة بشكل غريب عليهؤ مؤلف على شخصيتها، فالطالما صمتت سلمى حينما وجدت أنه لا حاجة للحديث، وهذا ما تعلمته خلال حياتها.
راقب أرسلان الجميع يرحل، ومن ثم استدار ببطء صوبها لتتوتر وللوهلة الأولى أسفل أنظاره وقد كانت هذه أولى نظراته الطويلة لها بعد عقد القرآن.
طالت النظرة ولم يقطعها سوى صوت تيّم والذي اتضح أنه لم يخرج بعد، بل خرج لتوه من الغرفة الجانبية للقاعة وهو يتحدث بهدوء واحترام شديد :
_ مولاي عذرًا للمقاطعة، لكن هناك ما حصل أثناء انشغالك ويجب أن تعلمه .
أبعد أرسلان عيونه عنها بهدوء وهو يوجه أنظاره صوب تيّم يهتف بهدوء :
_ ما الذي حدث تيّم؟؟
أشار تيّم لإحدى الجهات حيث كانت توبة تنعزل بنفسها عن الجميع، بل وكادت تنسحب من المكان حين أبصرت انشغاله بزوجته الجديدة، لكن تدخل تيم حال ما دون ذلك، لذا تابعت ما يحدث وهي تسمع صوت تيم يهتف بهدوء شديد :
_ الأميرة توبة مولاي، أميرة سبز في ضيافتنا ..
ربما كان اسمًا عاديًا على مسامع سلمى والتي طافت عيونها بفضول لتبصر تلك المرأة التي يتحدث عنها تيم، فابصرت حسناء بملامح وجه مليح جعلت عيونها تنبهر للحظات قبل أن يخفت انبهارها شيئًا فشيء ويحول مكانه صدمة وهي تبصر انتفاضة جسد أرسلان بعنف وهو يهتف بعدم تصديق يهرول صوب المرأة أمام عيونها متلهفًا بشكل مرعب :
_ تـــــــوبــــة ؟؟ يا الله توبــــــة أنتِ بخير ؟؟
ارتفع حاجب سلمى وهي تردد بصوت منخفض ونبرة شبه غاضبة :
_ أوه، توبة ؟؟ حقًا ؟!
تحركت عن العرش تهبط عنه تتحرك صوب الساحة حيث هرول زوجها منذ ثواني صوب فتاة حسناء تقف بكل رقي في أحد الأركان، وبمجرد أن وصل لها أرسلان حتى أمسكت توبة طرف ثوبها بهدوء ورقي وهي تنحني نصف انحناءة ببسمة صغيرة راقية :
_ جلالة الملك .
تأوهت سلمى تشعر بمشاعر لا معنى لها تدور داخل صدرها :
_ حسنًا له كامل العذر في لهفته .
تقدمت خطوات تبصر لهفة زوجها على تلك المرأة وهو يمر بعيونه عليها يهتف بصدمة كبيرة وملامح غير مفسرة لها :
_ هل أنتِ بخير ؟؟ أين كنتِ ذلك الوقت لقد …لقد ارسلت العديد من الجنود للبحث عنك في شمال البلاد كما ادعى ذلك الخسيس زوجك.
ابتسمت توبة بسخرية كبيرة وهي ترى أن زوجها العزيز قد تدبر حججه لأجل غيابها :
_ أنا بخير لا تقلق جلالة الملك، الأمر طويل لأحكيه لك الآن.
ختمت حديثها بنبرة هادئة راقية، وارسلان ما يزال عقله يدور في دوائر فارغة يأمل أن يطمئن عليها مخافة أن يكون أحدهم قد تعرض لها .
_ تيم أرسل خطابًا لسفيد وآبى أعلمهم به أن الأميرة توبة في ضيافتي وقد أعادها الله لنا بخير .
كل ذلك كانت تتابعه سلمى بأعين متفحصة وملامح هادئة لا توحي أيًا مما تكتمه، فقط تراقب تلك المرأة الغريبة والتي ظهرت من العدم والتي يبدو من حديث أرسلان أنها ذو شأن عظيم، وهذه الجميلة ذات الشأن العظيم من بين جميع الأيام اختارت يوم زواجها من أرسلان لتظهر و….
ومهلًا هل ما تشعر به في هذه اللحظة غيرة ؟!
ونعم ربما كانت، خاصة بعدما أبصرت إعجابًا واضحًا في أعين المرأة ايزاء زوجها العزيز والذي كان على ما يبدو مغناطيسًا للنساء، كل هذا وهو لا يُحتمل التعامل معه، ماذا إن كان معسول الكلام ؟؟
_ لا ينقصه سوى حرملك ويملئه بالجواري وملك اليمين لتكتمل صورة الملك الذي يذيب القلوب .
ويبدو أن همستها كانت شبه مسموعة إذ انتبه لها أرسلان من بين صدمته بوجود توبة، استدار ببطء صوبها يهمس بعدم فهم :
_ ماذا قلتي للتو ؟؟
ابتسمت له سلمى تجيب بكل بساطة وعناد :
_ سمعتني فلا حاجة لأعيد كلماتي مجددًا جلالة الملك كي لا اضيع وقتك الثمين بسماع كلماتي التي لن يسعدك أن أرددها واشغلك بها عن …سمو الأميرة .
اتسعت عيون أرسلان بقوة مما سمع وشعر بالدهشة من كلماتها وتصرفاتها التي كانت غريبة عليها في هذه اللحظة، لكن رغم ذلك لم يجبها أو يجادلها بكلمة واحدة يعود بنظره صوب توبة التي نظر لها بحرص ودقة :
_ أنتِ بخير صحيح ؟؟ هل مسّك أحدهم بسوء؟؟ فقط أخبريني .
ضمت سلمى ذراعيها لصدرها بهدوء تستمع للهفة زوجها العزيز على امرأة أخرى لا تعلم من أين ظهرت وما الذي جمع بينها وبين زوجها، كان يمكنها ادعاء الغضب والحنق ومغادرة بأكمله لعل هذا ينبهه إلى وجودها، لكن كل ذلك لم يكن من شيم سلمى التي تقدمت منهم تقف جوار أرسلان كتفًا بكتف وهي تراقب توبة عن كثب .
لتتفهم الأخيرة ما يدور بعقل سلمى فتقرر الانسحاب في هذه اللحظة تاركة لهما حرية الحديث :
– كما أخبرتك مولاي الأمر يطول شرحه، لذا أفضل أن تنتهي مما لديك، ومن ثم نتحدث فيما حدث، ولا تقلق أنا بخير حال الحمدلله، كتب الله لي عمرًا ونجاة بفضل مساعدة البعض و….
صمتت حين مر طيفه على خيالها لتشعر بارتجافة شوق تصيب قلبها، ومجرد تذكره تحيي داخلها مشاعر ما ظنت يومًا أن تمتلكها لرجل، ولو تخيلت أن تفعل فكان من الأولى أن تفعل ذلك للرجل الذي يهيمن عليها في هذه اللحظة، لكن وعلى عكس المتوقع مشاعرها الآن توجهت دون شعور منها صوب من لا يجوز لها أن تفكر به حتى، لكن دون إرادتها رددت بصوت خافت ومشاعر عميقة انعسكت في عيونها :
_ ساعدني أحدهم لأصل هنا بسلام وخاطر بحياته لأجلي، لذا لا تقلق ما كان ليسمح بأحدهم أن يمسني بسوء ولو بروحه .
وبهذه الكلمات مرت على رأسها كل ذكرى لهما سويًا وهو يدافع عنها من أهل الجحر تارة ونساءه تارة، والعملاق تارة أخرى، نظراته وكلماته وبسماته لها.
وفي هذه اللحظة تعلن وبكامل الأسف وبخالص التعازي، أن نزار امتلك بقلبها ما لم يمتلكه غيره ….وكم تؤسفها تلك الحقيقة .
شعرت برغبة عميقة في الهرب من أمام الجميع والاختلاء بنفسها كي تناقش معها تلك الحقيقة المرعبة التي ادركتها للتو .
_ آسفة لو ازعجتك بقدومي هنا ولجوئي لحمايتك و….
قاطعها أرسلان بقوة ونبرة جادة :
_ توبة، مشكى لا ترد سائلًا لجأ لها ولو كان عدوًا، فما بالك بكِ وأنتِ منها، اسمحي لي باستضافتك ورد جَميل والدك بإكرامك، ولو أنني لا اعتقد أنني يومًا قد اوفيه حقه ولو اكرمتك أمد الدهر .
وها هو طرأ للنقطة التي كانت تهرب منها منذ جاءت، شعرت بصدرها يرتجف ونبرتها تخرج مهتزة، وعيونها تمتلئ دموعًا وهي تنظر ارضًا بهدوء :
_ أبـــ….أبي …كيف …كيف هو ؟؟ اصدقني القول، هل هو …ما يزال حـــ
قاطعها أرسلان وقد أدرك ما تود قوله :
– مايزال، الملك بارق ما يزال حيًا يرزق بفضل الله ورحمته به ..
_ وبي .
سقطت دموعها وقد كان هذا جل ما تريد سماعه، تهمس بصوت منخفض :
– الحمدلله، يكفيني هذا لأتنفس براحة، شكرًا لك جلالة الملك .
هزت رأسها باحترام، بينما أرسلان كانت لديه الكثير والكثير من الأسئلة التي تدور داخل عقله ليطرحها عليها، لكن في هذه اللحظة شعر أنها لا يمكنه الأمر بالنظر لحالتها.
لذا تحدث لتيم بهدوء :
_ تيم أرشد سمو الأميرة لغرفتها واوصي لها بالطعام واكرموها فهي صاحبة أرض .
سقطت دمعة توبة تهز رأسها بشكر :
– اشكرك مولاي و… أنا معي ضيفة إن لم يكن هذا يزعجك .
_ للتو أخبرتك أنكِ صاحبة أرض، فتصرفي على هذا الأساس سمو الأميرة .
ابتسمت له بسمة صغيرة ترفع طرف ثوبها وهي تحييه، ومن ثم نظرت صوب سلمى ترمي لها بتحية سريعًا ثم تحركت بهدوء مع تيم تحت نظرات سلمى التي شعرت بالحزن عليها حين تحدثت عن والدها رغم أنها لم تدرك بعد ما حدث معها، لكن لم تستطع سوى أن تشفق عليها وتشعر بالاسف لأجلها .
_ هذه الأميرة توبة أميرة سبز .
كان هذا صوت أرسلان الذي خرج بمجرد المكان إلا منهما، استدارت له ببطء وهي تنظر له بسخرية :
_ نعم هذا واضح فأنت لم تتوقف عن ترديد اسمها منذ أبصرتها، وأنا لا تنطق اسمي إلا حينما تكون كارثة قد حلت عليّ .
رمش أرسلان بعدم فهم :
_ ما الذي تتحدثين به، أنا كنت فقط ….
_ لا انتظر منك مبررات جلالة الملك، انتهت المحاكمة وانتهى السبب الذي تزوجتني لأجله، لذا تصرف كما لو أن شيئًا لم يحدث .
ختمت حديثها تتحرك بعيدًا عنه بهدوء والنيران ما تزال تشتعل داخل صدرها دون إرادة منها، وما كادت تخطو خطوة واحدة بعيدًا عنه، حتى شعرت بيده تحكم القبض على ذراعها وهو يجذبها بقوة معيدًا إياها أمامه وقد التمعت عيونه بشكل مخيف يهمس بصوت منخفض :
_ ما الذي لم يحدث يا امرأة ؟! هل تظنين زواجي منكِ لعبة؟؟
_ لم أقل أنه لعبة، لكن أنا وأنت نعلم جيدًا مولاي أنه مجرد حل مؤقت خرجت به لــ
ابتسم بسمة لا معنى لها يردد نفس كلمتها بنبرة ساخرة مستنكرا :
_ مؤقت ؟! خسئتي أنت واشباهك الاربعون، والله ليكونن أبد الدهر وحتى الفظ آخر انفاسي، وطالما كتب الله لي عمرًا لاحياه فلن يجاور اسمك اسم رجل غيري ولن تبصري من الذكور عدايا سلمى، أصبحتِ زوجتي وحقي وأنا لا أشارك حقي مع أحدهم ولو كان ذلك الاحدهم قردك الاجرب.
شعرت سلمى بمعدتها تتلوى بوقع كلماته وعيونها تتسع شيئًا فشيء، ورغم أنها يومًا لم تتقبل الكلمات الحادة من أحدهم، إلا أن كلماته ورغم حدتها ابهجتها، لكن هي لن تجعله يسعد بذلك إذ قالت بهدوء :
_ لا يمكنك أن تتحكم بي، قوتك لن تفرضها عليّ جلالة الملك
جذبها أرسلان صوبه بهدوء حتى أصبحت بين أحضانه بكل ما للكلمة من معنى وقد بدأ جسدها ينتفض بسبب قربها ذاك منه :
_ أخبرتك وسأعيدها جلالة الملكة، لم اعامل يومًا شيئًا أريده بالقوة خوفًا من أن يتحطم أسفل قبضتي وأنتِ ….
صمت ثواني ينظر لعيونها التي كانت أسيرة نظراته في هذه اللحظة :
_ أنتِ لستِ شيئًا سلمى، أنتِ زوجتي وعليكِ العلم أن ما يسير على الجميع مني لا يشملك، وما اخصك به لا يشمل الجميع، ما كان لامرأتي وما يخصها أن يتساوى مع الجميع .
ختم كلماته يحرر ذراعها ببطء، يبتسم لها بسمة حنونة تبصرها بعيونه للمرة الثانية بعدما ابصرته يوجهها سابقًا لكهرمان، ومن بين شرودها في نظراته استغل هو الوضع يميل عليها ببطء يقبل رأسها بحنان شديد، ثم أبتعد عنها هامسًا وكأن يرحب بها وأخيرًا داخل حياته التي ظن أنها ستغرقه بوحدته :
_ ثلاثة عقود ويزيد، طال انتظارك لتؤنسي وحدتي، فمرحبًا بكِ زوجة وانيسة للعمر سُليمىٰ…….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ الوليد ما الذي تفعله هنا ؟!
صُدم نزار حينما فرغ من صلاته وابصر الوليد يجلس جواره ينتظر أن ينتهي ليسارع ويمسك ذراعه بلهفة :
_ تعال معي علينا اخراجك من هنا .
لوهلة شعر نزار أن الزمن يعيد نفسه، نظر حوله بتشوش يتأكد أنه ليس في سجن والده ينتظر تنفيذ حكم الإعدام به، ثم عاد بنظره صوب الوليد يتحدث بعدم فهم :
_ ما الذي يحدث هنا وما الذي تفعله في هذه اللحظة يا الوليد ؟! ثم تخرجني من هنا ؟! أولست أنت من احضرني سابقًا ؟!
_ أخطأت والآن أصلح ما أخطأت به، هيا دعني اخرجك قبل عودة أي من الرجال في الخارج فقد صرفتهم بصعوبة .
جذب نزار مرفقه من يد الوليد بهدوء :
_ من أخبرك أنني أود أن أصلح هذا الخطأ، ومن أخبرك أنه خطأ من الأساس، هذا التصرف الوحيد الذي اشكرك عليه يا الوليد، لولا أنك احضرتني هنا ما استطعت إيجاد توبتي .
نطق كلمته الأخيرة يخفي خلفها مشاعر كثيرة، ثم ابتسم وهو يبعد عيونه عن الوليد :
_ أنت رجل صالح يا الوليد خسارة أنك على الجانب السييء، خسارة أن الخير فقد رجل مثلك، أعد ترتيب حساباتك وعد لربك يا الوليد .
شحب وجه الوليد من كلماته وهو يتراجع ببطء وكأن كلمات نزار كانت صفعة عنيفة على وجهه، بينما الأخير يرى بالوليد بذرة صالحة، رجل ذو بأس قوي الشكيمة، ذو عقل حربي ممتاز، يستكثره على أنمار وجيشه، يستخسره في الكفر .
_ عد فباب توبتك ما يزال مفتوحًا يا الوليد .
ارتجف جسد الوليد يتجاوز عن تلك الكلمات وهو يهمس بصوت مرتعش مهتز من شدة المشاعر داخل صدره :
_ عليّ إخراجك من هنا فأنمار لا ينتوي لك خيرًا .
_ ولا أنا أفعل، لذا دعه يفعل ما يريده والغلبة في النهاية للاقوى.
_ دعني اساعدك ارجوك نزار لا تعاند بحياتك لقد …
قاطعه نزار وهو ينظر له يتساءل بهدوء وبسمة :
_ أخبرني يا الوليد، ما سبب مساعدتك لي ؟! تمسسك بنجاتي ما سببه ؟!
نظر له الوليد ببهوت وهو يهمس بتردد وصوت خفيض :
_ أنت تعلم أنني أدين لكِ بحياتي منذ انقذتني قديمًا وساعدت والدتي لتتخطى مرضها ووجعها، و….
قاطعه وقد وصل أخيرًا لما يريد :
_ تشفق على والدتك من وجع ولم تشفق عليها من صدمتها بولدها حين تلتقي بها يوم القيامة وتسألك سبب ما فعلته ؟! لا تخشى من وقفتك أمام رب العباد حين يسألك ما اجرمت به يداك؟!
صمت وهو يترك الكلمات تتردد بعقل الوليد الذي لم يجب بكلمة وقد بدأ صدره يتحرك بقوة، ليتركه نزار في هذه اللحظة ولم يزد عليه كلمة، يغير الأمر سريعًا :
_ أخبرتني أنك صرفت الجنود صحيح ؟؟ حسنًا أنا اطالبك بمساعدة صغيرة يا الوليد فهل تفعلها لأجلي ؟!
نظر له الوليد بتسائل ليبتسم نزار بسمة صغيرة وهو يهمس بتردد :
_ أريد الذهاب في زيارة قصيرة لمشكى، أدرك أنك تمتلك طرقًا لدخولها وتمتلك رجالًا داخلها يساعدونك، أود التأكد من سلامتها، ليطمئن قلبي، فهل تفعل لأجلي ؟؟
نظر له الوليد طويلًا قبل أن يحرك رأسه حركات صغيرة مترددة :
_ نعم يمكنني بالطبع نزار، تجهز حتى أعطيكِ إشارة مني للتحرك صوب مشكى والعودة قبل أن ينتبه أحدهم…….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزمن يُعاد والجروح تتجدد، نفس المشهد يتكرر، يركض حاملًا إياها بين يديه فاقدة لكل معاني الحياة، نفس الرعب ونفس الرجفة التي تملكته كلما خطى للمشفى حاملًا إياها بهذا الشكل، يتساءل والوجع يأكل صدره، متى تحين لحظات سعادته معها، متى يحملها بين يديه وهي زوجته وبكامل صحتها ؟!
دخل بها إحدى الغرفة يضعها على الفراش سريعًا، ثم أنهار جوارها وهو يتمسك بالفراش يهتف بصوت متقطع ونبرة تجاهك للخروج متماسكة :
_ ارحميني فاطم ارحميني، كوني بخير لأجلي، أتوسل إليكِ أن تكوني، لا تجعلني أحيا حياتي كلها مبصرًا إياكِ بهذا الضعف وهذا الشحوب .
دفن وجهه بالفراش يحاول أن يتماسك وهو يردد كلمات مكتومة لم تصل لأحد، ظل يردد كلمات كتمها بالفراش، ولم ينتبه لفاطمة التي كانت قد استيقظت تحدق بالسقف فوقها ودموعها تسيل دون توقف وهي تهتف بكلمات هامسة سرعان ما ارتفعت في المكان لتصل إلى المعتصم :
_ أمي…احتاج أمي… أريد أمي جواري، أريد أمي .
سقطت دمعة المعتصم يمسحها سريعًا في الفراش أسفل رأسه قبل أن يرفعها ببطء شديد ينظر لها وهي تحدق به بأعين باكية متوسلة تهمس بصوت منخفض :
_ أريد أمي يا المعتصم، أخبرتني أنك ستذهب وتحضرها لأجلي، فلا تخلف وعدك معي أرجوك.
شعر المعتصم بغصة تخنقه حتى شعر بعدم قدرته على التنفس بشكل منتظم، يحاول الحديث لتقاطعه هي بصوت باكي وقد كانت تحاول أن تهدأ قلبها وتخدر عقلها عن تلك الحقيقة :
_ أنت أخبرتني أنك تريد الزواج بي صحيح ؟! أعد لي أمي وخذ الإذن منها وانا سأوافق.
سقطت دموعها أكثر تردد من بين شهقاتها بصوت مرتفع :
_ أعدها لي وسأوافق، اقسم أنني سأفعل، لكن أعدها لي أرجوك….
شحب وجه المعتصم أكثر وفاطمة تراقبه تحاول أن تتنفس بشكل طبيعي تحرك يدها حتى أصبحت قريبة من رأسه، لكن فجأة توقفت قبل أن تلمسه وهي تهمس من بين دموعها :
_ هل هي حية يا المعتصم ؟! أخبرني أن أمي حية، أخبرني أن من كانت تعد لي الطعام هي أمي، من تحتضنني ليلًا كل يوم وتتلو الآيات على رأسي هي أمي، من تربت على ظهري حين البكاء ليلًا كل يوم هي أمي، من تستقبلني كل يوم هي أمي، أخبرني أن كل ذلك لم يكن من صنع عقلي، ارجوك أخبرني أنني لست مجنونة وأنني لا اتوهم، أخبرني إن كل هذا كابوس يا المعتصم .
ختمت حديثها بكلمة متقطعة وهي تحاول التنفس من بين بكائها والمعتصم يستمع كلماتها يشعر بالوجع يتحكم به يحاول التحكم في دموعه يتخيل مقدار المعاناة التي أجبرتها على صنع وهم يخفف من قسوة الواقع عليها، كيف عاشت كل يوم وهي تظن أنها بين أحضان والدتها، وتلك المرأة التي ابصرها ذلك اليوم تستقبلها من العمل حين أوصلها ؟!
خرج من أفكاره على صوتها وهي تهمس :
_ أنا خائفة يا المعتصم، أشعر بالرعب، لا تتركني لعقلي وحدي، لا تتركني وحدي ارجوك يا المعتصم .
شعر المعتصم بالحقارة وهو يستغل وضعها في هذه الحالة، لكن العجز الذي كان يشعره وهو يود ضمها له دون أن يستطيع فعل ذلك، وجسده الذي يرتجف بحثًا عن دفئها أجبره على أن يكون مستغلًا لحالة الحاجة التي تشعر بها في هذه اللحظة :
_ فاطمة …هل ترغبين بتواجدي معكِ ؟؟
هزت فاطمة رأسها باكية وهي تنظر لوجهه وكل ذرة منها تردد رغبتها به بالفعل، ليبتلع ريقه وهو يهمس لها بجدية يبعد عيونه عنها كي لا يشعر بالحقارة واستصغار ذاته، لكنه ويشهد الله لا يفعل ذلك إلا ليكون جوارها دون أن يعصي الله بها :
_ إذن تزوجيني، الآن فاطمة ………
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس على الأريكة جوار باب غرفتها تحاول أن تستوعب ما حدث منذ ثواني فبمجرد أن ترك أرسلان قبلته أعلى رأسها، حتى منحها بسمة واسعة، ثم تحرك بهدوء خارج القاعة مستئذنًا منها للذهاب إلى بعض الأعمال ولتفقد بعض الأمور الهامة مع وعد بالمرور عليها مساءً .
وقد كان هذا أكثر مشهد رومانسي حنون ابصرته من أرسلان، الرجل نفسه الذي كانت تتعجب منذ يومين وتستنكر أن يمتلك مشاعر قد تؤهله للتعامل مع البشر بشكل طبيعي .
ابتسمت ودون وعي منها وقد خرجت كلماتها بلغتها البرتغالية دون شعور :
_ كل لحظة تثبت لي أن نظرتي الأولى لك لم تكن خاطئة جلالة الملك .
لا تدري متى وصلت غرفتها، فهي وبعد رحيله تحركت منومة بين الطرقات حتى وجدت نفسها تجلس أمام موزي الذي كانت حياة الدلال تعجبه وبشدة، فمنذ إصابته والطعام يأتيه حتى فراشه وهو يأمر ويتذمر فقط .
_ إذن موزي متى تنوي أن تنهض من مرضك اللامتناهي هذا ؟!
رفع لها موزي وجهه وقد كان فمه محشوًا بالكثير من الطعام، ينظر لها ثواني قبل أن يبعد عيونها عنها بكل بساطة دون اهتمام يكمل مضغ وجبته الشهية، وهي فقط تنظر له بضيق :
_ أفسدك الدلال سيد موزي، وكأنه ينقصك، قرد قليل الأدب.
ويبدو أن كلماتها قد جرحت شعور موزي الذي لم يصدر منه أي ردة فعل قد تدفعها لوصفه بهذا الوصف، فقرر أن يفعل ما يستحق عليه هذا الوصف، لذا دون تردد أو تفكير رفع يده يلقي ما يمسك من فاكهة في وجه سلمى التي تأوهت وهي تصرخ بنفس لغتها :
_ أيها القرد الاجرب الحقير، اقسم أنني لن ارحمك هذه المرة .
ومن بعد تلك الكلمات انتفضت عن مجلسها راكضة صوبه بجنون وهي تهتف بالعديد من الكلمات البرتغالية والتي كان نصفها سبات لموزي وقد شعرت بالحرية وهي تسبه بلغة تدرك جميع مداخلها وسباتها وأكثر.
في الخارج .
كان أرسلان يقف مع جنوده أمام باب غرفتها متشنج الملامح لا يفهم ما تصرخ به ينظر لهم وكأنه ينتظر منهم ترجمة للموقف، وحينما اشتدت الصرخات وصوت التحطيم، حتى انتفض أرسلان من جوارهم يفتح الباب بعنف شديد ظنًا أن أحدهم تسلل لها لينتقم مما حدث .
لكن وبمجرد أن فتح الباب والذي لم يكن مغلقًا من الداخل، استقبلته قشور فاكهة طائرة طائشة كادت تصطدم في وجهه، لولا ردة فعله السريعة الذي امسكها بسرعة يرفع عيونه بشر صوب صاحب هذه الفاكهة ليبصر الفوضى تعم المكان وثياب سلمى ملوثة ببقايا فاكهة، حرك عيونه في المكان يبصر القشور في كل مكان بملامح جامدة حتى وقعت واخيرًا على مصدر كل هذه الفوضى …موزي .
ذلك القرد والذي بمجرد أن أبصر جسد أرسلان حتى بدا كما لو أنه أبصر كابوسه يتحرك أمام عيونه، ليصدر صوتًا مرتفعًا مرتعبًا يقفز عن الخزانة صوب كتف سلمى يضم نفسه برأسها محتميًا بها من أرسلان الذي ارتسمت بسمة مرعبة على فمه جعلت بقايا ثبات القرد تتبخر .
_ أنت لن تتوقف عن أفعالك هذه حتى اجعلك كالممسحة للاقدام صحيح ؟!
نظر له موزي والذي لم يكن يفهم بالطبع ما يقال، لكنه كان يشعر بشرارات الغضب تنطلق من جهة أرسلان، ما يزال يتمسك برأس سلمى التي حاولت إبعاده، لكن وأثناء محاولتها شعرت بشيء زلق أسفل أقدامها، وحينما كادت تسقط مدت يدها في الهواء تحاول التمسك بشيء صلب، حتى شعرت بكف تمسك كفها ويد أرسلان تجذبها له من خصرها يساعدها على الثبات .
فكانت هي بين أحضانه تقريبًا متسعة الأعين وعلى رأسها موزي يمسك بها وقد كان يتحضر للسقوط منذ ثواني معها سقطة مدوية، ولم يكد يستوعب أنه أضحى بأمان من السقوط حتى انتزعه أرسلان بيده الحرة عن رأس سلمى ينظر له بشر، ثم ألقاه على الأريكة دون اهتمام، كل ذلك ويده الثانية ما تزال تضم خصر سلمى والتي كانت في هذه اللحظة متسعة الأعين مصدومة وخدودها مشتعلة من الخجل .
رفعت عيونها صوبه تهتف ببرتغالية دون شعور :
_ ما أشعر به ليس جيدًا البتة، قلبي يكاد يتوقف .
ابتسم أرسلان بسمة جانبية وهو يلقي بقايا الفاكهة التي قُذف بها لتسقط على وجه موزي الذي أطلق صرخة مغتاظة ، ثم رفع يده مبتسمًا بلطف يبعد بقايا القشور عن خصلاتها بحنان بجيبها بلغته الفارسية وكأنه يرد لها تحدثها بلغة لا يفهمها :
_ من وانمود می کنم که فقط با من معاشقه کردی، زیرا در واقع دلم برای آن تنگ شده است، اگر فقط می دانستی .
” سأدعي أنكِ تغزلتي بي للتو فأنا في الحقيقة مشتاق لذلك لو تعلمين ”
وهي فقط حدقت به بأعين متسعة وقلب خافق لا تفهم من حديثه سوى القليل والذي لم يساعدها على فهم ما يرد هو، ابتسم لها بسمة صغيرة يبعدها عنه ببطء وحنان :
_ أتتذكرين ذلك الثوب الجميل الذي أبصرتك به سابقًا !؟
لم تدرك ما ينطق به وهي ما تزال سجينة تلك اللحظة السابقة، ليبتسم لها أرسلان يمد يده يداعب خصلاتها سريعًا :
_ ذلك الثوب الذي كان بحجاب مشابه له، هل يمكنكِ ارتدائه مجددًا فهناك من أريدك أن تقابليه .
حاولت التنفس بشكل طبيعي وهي تنظر ليده التي تلاعب خصلاتها وقد اشعرها ذلك التغيير في شخصيته بالرعب، الرجل تحول بشكل مخيف :
_ ثوب الصلاة ؟؟
_ نعم هو، ارتديه رجاءً…
هزت رأسها بنعم، ثم ابتعدت عنه ببطء حتى أصبحت خارج حصاره وتأثيره، ومن ثم تحركت صوب الخزانة تخرج ثوب الصلاة الخاص به تحت عيونها وبمجرد أن دخلت المرحاض، حتى عاد الجمود ملامح وجهه وهو يتحرك صوب الباب الخاص بالجناح يتحدث بهدوء :
_ اطلب من بعض العاملات المجئ وتنظيف المكان من الفوضى .
هز الحارس رأسه في اللحظة التي كانت المفاجأة قد وصلت، حرك أرسلان رأسه للقادمين يسمح بأحدهم بالمرور ولم يكد الثاني يمر حتى أوقفته يد أرسلان وهو يهمس بنبرة مرعبة :
_ إلى أين تحسبن نفسك ذاهبًا يا هذا ؟؟
رفع الشاب عيونه لأرسلان وهو يرمش بعدم فهم يحاول أن يتحدث، لكن هيئة أرسلان لم تساعد في تكوين جملة عادية في هذه اللحظة :
_ سأقابـــ…سأقابل سول و….
قطع كلماته وهو ينتفض على نبرة أرسلان المرعبة :
_ تجرأ ونادي زوجتي بذلك الدلال مجددًا ولن أعدك أن تحتفظ بلسانك بعدها لثانية إضافية .
اتسعت أعين الشاب وهو ينظر صوب الرجل والذي خطى بالفعل داخل الجناح يتحدث ببرتغالية وهو يشعر بالريبة :
_ ما الذي فعلته بسول أبي ؟؟ كيف تركتها في عهدة ذلك الوحش و….
وقبل إكمال جملته شعر بجسده يصطدم بباب الجناح وصوت أرسلان يهتف بغضب :
_ ليس معنى أنني لا أفقه مصطلحات لغتك عديمة اللون والطعم تلك أنني سأمرر لك نطقك لاسم زوجتي مصغرًا، اقسم أنني اقتلك وادفنك أسفل أقدامك..
تدخل جلال بسرعة ينقذ ولده من بين يدي أرسلان يتوسله برعب من مقتله على يد أرسلان وقد كان يدرك يقينًا أن أرسلان لا يمزح بأي شكل من الأشكال:
_ مولاي ارجوك سامحه هو لم يقصد، هو فقط اعتاد على مناداتها بهذا الاسم، ثم هذا ليس دلال أقسم لك هذا اسم الشهرة الخاص بها والجميع كان يناديها بهذا الاسم .
تحولت عيون أرسلان صوب جلال يبعد يد عن خالد الذي أخذ يسعل محاولًا التماسك وقد بدأ عقله يعرض له صورًا مريعة عن مستقبله مع هذا الرجل يهمس بنفسه :
_ ما الذي فعلته بي وبسول يا أبي ؟!
تحدث أرسلان بهدوء وتعقل يدعيه أمام الرجل يحترمه لأجل عمره ومكانته السابقة :
_ فقط حذر ولدك يا عم، امرأتي خطوط حمراء لا أحبذ أن يتجاوزها أو أن ينطق اسمها مصغرًا و…
_ ســــــــــــول .
وكانت تلك الصرخة خارجة من فم خالد الذي نسي ما حدث منذ ثواني حينما أبصر جسد سلمى يظهر وهي تنظر لهم بعدم فهم لتلك الاصوات، ركض لها دون تفكير وهو يفتح ذراعيه وقبل أن تدرك سلمى ما يحدث وتستوعب وجود خالد وجلال في المكان كان خالد يسحبها لأحضانه بشوق كبير وشوق يردد اسمها بلهفة وقد كانت هذه من المرات القليلة التي يضمها بها لكن شوقه عماه عن إدراك محيطه :
_ سول اشتقت لكِ عزيزتي.
رمشت سول وهي تشعر بالصدمة منا يحدث تنظر حولها تحاول أن تستوعب من فتح العوالم على بعضها البعض، لكن وأثناء رحلة الاستيعاب وقعت عيونها على عيون أرسلان وليتها لم تفعل …………..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بداية حرب ؟! ربما من يدري .
بداية حب ؟! ربما من ينكر .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أسد مشكى)