روايات

رواية الماسة المكسورة الفصل السبعون 70 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة الفصل السبعون 70 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة البارت السبعون

رواية الماسة المكسورة الجزء السبعون

الماسة المكسورة
الماسة المكسورة

رواية الماسة المكسورة الحلقة السبعون

[ بعنوان: عاصفة من الدم ]
شدت ماسة المفتاح منه بنظرة مليئة بالكراهية، وابتلعت تلك الغصة المريرة التي في قلبها. قبل حلقها..
تقدمت نحو الباب، وقبل أن تضع المفتاح في الكالون، انتبهت لصوت طرقات خفيفة تأتي من الخارج، تلاها صوت سليم يملأ الجو:
سليم: ماسة، قافلة على نفسك ليه؟ أفتحي.
اتسعت عينا ماسة بصدمة، بينما ابتسم رشدي بخبث.
اهتزت ماسة، وكأن قلبها على وشك التوقف.
رشدي بصوت مكتوم حتى لا يسمعه سليم قال ببرود: حليها، عشان لو دخل… إنتي عارفة إللي هيحصل فيا وفي أهلك.
جزت ماسة على أسنانها بغل يخرج من عينيها، لكن ليس بيدها أي شي لتفعله الآن.
بينما رشدي نظر داخل عينيها قائلا: يلا مش وقته خالص النظرات دي وإلا كراميلك هيقلق.
بحركة تلقائية مدت يدها وضربته بغل وبقوة أعلى صدره.
تبسم رشدي و وضع يده على صدره وقال باستفزاز: إيدك تقيلة يا ست الحسن بس عسل والله.
نادى سليم بصوتٍ قلق: ماسة! افتحي! إنتي كويسة؟ افتحي الباب ! ماتقلقنيش.
كانت ماسه ما زالت تنظر لرشدي بغل يخرج من عينيها، تريد قتله وحرقه، لكنها لا تستطيع فعل شيء، فهي في وضعٍ لا تحسد عليه الآن.
صمتت لحظة، ثم خطرت في ذهنها فكرة، فبدأت تدفع رشدي بكل ما أوتيت من قوة نحو المرحاض بصمت، بينما كان سليم لا يزال يطرق الباب وينادي:
ماسة بهمس: أمشي قدامي.
دخل رشدي المرحاض مرغماً، نظرت له ماسة نظرة قوية وبتحذير: خليك هنا، بلاش تموت نفسك… إنت أكيد مش عايز تموت دلوقتي، عايز تتمتع بعز كرسي الراوي، أعتقد رقبة عائلة مجاهد أقل من إنك تموت نفسك عشانها.
رشدي باستفزاز: بس برضه هما مايهونوش عليكي يا ست الحسن.
رمقته بنظرة كلها غل وكره تحركت وأغلقت الباب
نظر رشدي لآثارها بابتسامة ساخرة، وهمس: والله طلعتِ قوية يا ماسة… مش سهلة. فيكي كتير من سليم.
بينما أغلقت ماسة باب المرحاض بإحكام، أخذت نفسًا عميقًا، خبأت الهاتف في صدرها، ثم توجهت إلى الباب الرئيسي.
فتحت ماسة الباب… فوقفت وجهاً لوجه أمام سليم.
نظر لها سليم متسائلا بقلق: قافلة عليكي بالمفتاح ليه؟
ماسة بجمود: وليه ماقفلش عليا بالمفتاح؟
سليم بقوة: سألت سؤال، تردي بإجابة.
ماسة باستهجان: أنا حرّة، أعمل إللي عايزاه… أوضتي أتصرف فيها زي مايعجبني.
كاد سليم أن يدخل الاوضة وضعت ماسة يدها، ثم توقفت أمامه بمنع، نظر لها متعجباً: هو أنا ممنوع أدخل أوضتنا؟!
هزت ماسة بلا قالت بجمود: إنت مش ممنوع تدخل أوضتنا… بس الاتفاق كان إن كل واحد يقعد في أوضته.
أضافت بحدة وضيق:
قلتلك يا سليم، مش عايزاك تدخل هنا… ومش عايزة أشوفك محتاجة وقت أفكر يا أخي، كفاية ضغط.
أكملت وهي تحذره بقوة:
ولو فضلت مصمم على طريقتك دي، هخرج من هنا، ومش هيهمني أي تهديد… صدقني هعرف أخرج وأمشي ومش هتعرفلي طريق.
ابتسم سليم ابتسامة باردة قال بنبرة ساخرة:
أهو كدة المتمردة وصلت بالسلامة… كدة أطمنت عليكي إنك بخير، كدة هقدر أنام مرتاح وأقولك تصبحي على خير… يا ماستي المتمردة.
تحرك سليم بعض الخطوات لكنه عاد، توقف، ونظر لها نظرة مفعمة بالتحذير، وقال بصوت مبحوح:
أرجوكِ يا ماسة ماتختبريش صبري أكتر من كدة..
أنا أكتر حاجة بكرهها العند وإنتي عارفة، ولو كنت بتحمل عندك لحد اللحظة دي، فده محبة، فأرجوكي ما تزوديهاش، إللي بتعمليه ده مش هايفيدك، ومش بهددك… أنا بفهمك، إللي بتعمليه ده مش صح، وطبيعي لما أكون عارف إنك تعبانة، أجي أطمن عليكي.
نظرت له ماسة بصمت لم تجيبه وأشاحت بوجهها بعيدا، نظر لها سليم مطولاً، ثم نظر لأعلى بتعب زفر بإختناق ثم تحرك بعيداً بإتجاه غرفته دخل وأغلق الباب خلفه.
حين تأكدت ماسة من عدم عودته،أغلقت الباب، ثم توجهت نحو المرحاض. فتحت الباب بهدوء، كان رشدي مايزال متكئًا خلفه، يبتسم بخبث.
رشدي بهمس: شطورة يا ماسة… بتتعلمي بسرعة.
تحركا معا حتى الباب ثم قال:
خلاص… زي ما اتفقنا. يومين وهقولك تعملي إيه.
.وطول ما إنتي ماشية صح وبتسمعي الكلام وطيبة وبتقولي حاضر ونعم مستحيل أقرب حد من أهلك، بس لو قليتي عقلك مقبرة العيلة هاتتفتح لحد ما يخلصوا كلهم ..
قاطعتة ماسة ببكاء، وبُحة موجوعة، صاحت بيه:
إنت عايز مني إيه؟! بتعمل فيا كدة ليه؟! أنا عملت فيك إيه وحش؟! إنت بتكره أخوك أنا مالي؟! كلكم مجرمين زي بعض! أنا مالي؟! أنا وأهلي مالنا؟! حرام عليك يا رشدي، إنت عمرك ما شفت مني حاجة وحشة؟! عمرى ما أذيتك، ليه بتعمل فيا كده؟!
رشدي بهدوء، كأنه بيعلن حكم بالإعدام:
في الحرب لازم يبقى فيه ضحايا يا ماسة، وانتي هتبقي الضحية، تصدقي؟ إنتي صعبانة عليّا أوي… بس ماكانش عندي اختيار تاني، بقالي شهور طويلة بفكر أخلص من سليم إزاي…إنتي كنتِ آخر واحدة بتيجي في دماغي، لأني بعزّك… بس بحب مصلحتي أكتر.
ملقتش أنسب منك، واللي أكّد لي ده المشاكل اللي كانت بينه في الفترة الأخيرة، رغم بساطتها، بس خلت سليم يغلط غلطة كبيرة…
صمت لحظات، وبنبرة فيها شجن وسؤال مؤلم:
مش لو كنتِ اخترتيني زمان؟ ماكناش وقفنا الوقفة دي… وكان زمانا سوا، وماحدش كان هيقدر يدوسلك على طرف، لأني أنا أكتر واحد عارف وساختهم..رغم إن سليم أذكى وبيخوفه منه، بس في الحاجات دي بيبقى غبي.
إنما أنا؟ ببقى ناصح…وافاهم الاعبهم
تابع بتبرة مليئ بمرارة:
بس إنتي… ماخترتنيش يا ماسة… واخترتيه.
ماسة متعجبة، وهي تتكّي على الكلمة:
اخترتك؟
بوجع وعقلانية:
إنت عمرك ما قرّبت مني زمان يا رشدي.عشان اختارك..
انت كنت عايز تعمل فيّا زي ما عملت في صفاء…
وفي الآخر لاقي نفسي متجوزة واحد من رجالتكم،. أو زي أي بنت اتحرشت بيها وكسرتها، يمكن لو كنت اتعاملت معايا بآدمية وحنية، كان زماني فعلاً اخترتك،
بس إنت اللي لازم تفتكر…وأنا يدوب عندي ١٥ سنة،كنت عايز تعمل إيه؟ عشان كده، النهاية كانت مع سليم، أنا عرفتك قبله، آه…بس طول عمرك سافل، ومنحط، ومتحرش…
أما سليم؟
لمعت عينيها بمحبه:
كان راجل محترم وحنين… حتى لما كنا لوحدنا، عمره مالمّسني، ولا حاول.
مسحت دموعها، وعادت بخصلات شعرها التى انسدلت على خدها، واكملت بتعب وكره وحيرة:
أنا أصلاً مش مصدقة اللي قلته…إنه قو’اد؟! دي مش أخلاقه… دي أخلاقك إنت! انت اللي ممكن تكون بتشتغل ده.
رشدي بابتسامة باردة:
إنتي بس فايتك حاجه… سليم ده تعبان بـ100 وش. أوعي تعملي نفسك ماشوفتيش كل وشوشه، أو يمكن شوفتي وسكتّي..لازم تصدق، حبيبك، جوزك،كان عنده شبكة وسخ”ة.
ومش عارف إذا لسه شغال فيها ولا لأ…بس اللي متأكد منه إنه في شغل تاني لسه مكمل، وإنك كنتي واحدة من البنات اللي كان بيبيعهم، بس حبك… عشان كده ماقربش منك. بعدين أنا قولتلك… تصدقي أو لا، مش فارقلي، أنا هدفي إنك تمشي… وبس.
ماسة بمرارة:
عموماً، حتى لو كل اللي قولته صح، وده مستحيل… لأني حافظة سليم، فالشغل التاني بردو قذر! تجارة سلا”ح… أعضاء… مخدرا”ت… آثار؟ كلهم بلاوي، بس كان ممكن أستوعبهم. لكن قو’اد؟ دي شغلانة قذرة… ووحشه اوي! برود قلبي وعقلي مستحيل يصدقه أن سليم كدة.
بضعف ودموع:
أنا عايزة أمشي يا رشدي…أنا اللي عايزة أمشي…وعايزة أحمي أهلي، أنا اللي مش عايزة أعيش مع البني آدم ده تاني، أنا كرهته… وكرهتك، وكرهت العيشة دي، والحياة دي، وقلبي اللي حبّه وصدّقه، وسامح، ودايمًا كان بيديله فرص، أنا عارفة إنه عنده وشوش كتير…بس كنت بشوفه بيتغير عشاني.كنت بكدّب نفسي،وقول: لأ، مستحيل يكون بيشتغل في حاجة غلط، أكيد عنده أعداء بيشوهوا صورته، بس في الآخر؟ دفعت التمن، ببنتي وبحياتي، استحملت ظلم الهانم من أول يوم دخلت القصر ده، استحملت كتير، وصبرت اكتر وسكت، على حاجات كتير، عشان بحبه، بس مش هسمح إن أهلي يدفعوا التمن.حتى لو على حساب حياتي..
رشدي بهدوء قاتل بقلب متصلب:
إنتي حياتك غالية لحد وقت مؤقت يا ست الحسن.
تنهدت قال بتحذير:
التليفون دايما يبقى معاكي أنا كمان جبت رقم هكلمك منه، بس خدي بالك علشان إنتي معاكي واحد تعبان، ماتنسيش عايز نكد الستات بقى زهقيه..
مسحت ماسة دموعها تساءلت بخوف وتلعثم: يعني إنت هتخليني أعمل إيه؟ أنا مش فاهمة.
ابتسم رشدي ابتسامة مريبة واقترب خطوة، ثم قال بنبرة واثقة: بعدين هفهمك… مش إنتي عايزة تمشي؟ أنا همشيّكي، يلا أفتحي الباب شوفي لو حد موجود… يلا.
ترددت للحظات، ثم التفتت إليه ببطء، تنظر في عينيه كأنها تبحث عن شيء ضائع، ثم سألت: قولي… مكي زي سليم؟
ضحك رشدي بهدوء، نظر إليها طويلًا قبل أن يرد: إنتي أذكى من إنك تسألي سؤال زي ده.
هزت ماسة رأسها بحسرة وهي تزم شفتيها تنهدت بثقل، ثم فتحت الباب قليلًا، نظرت يمينًا ويسارًا حين تأكدت من خلو المكان من أي أحد…لوّحت له بيدها، فأنطلق رشدي خارجًا بسرعة بعد أن غمز لها بإستفزاز.
أغلقت ماسة الباب خلفه بإحكام، وما إن اختفى حتى سقطت الأقنعة، وانهارت. لم تعد تقوى على تظاهر القوة، فهبطت دموعها بصمت ثقيل، وملأ الضعف المكان.
أرادت أن تصرخ، أن تبوح بما يعتصرها، لكنها خافت أن يسمعها سليم. خافت أن تنكسر أمامه، فينهار كل شيء.
كم هو موجع أن تُدفن الصرخات داخلك، أن تُكبلك المسؤولية عن غيرك حتى في لحظة احتضارك!
ترنّحت، ثم هبطت إلى الأرض تستند إلى الباب، جسدها يرتجف، وصدرها يتمزق بصمت. ضغطت على فمها تخنق صرخة مذبوحة، وأنفاسها تتقطع كأن ضلوعها تُكسر… وقلبها يدق كطبول حرب خاسرة.
دموعها امتزجت بنشيج مكتوم، وبألم عميق لا مفر منه.
بدأت تضرب بكفيها على ساقيها بغضب، ضربات متتاليه تحاول أن تفرغ كل قهر الدنيا في حركة بائسة، ضربات عنيفة لا تهدأ ولا تتباطأ.
كلّ شيءٍ في داخلها كان يصرخ: لماذا؟ لماذا يحدث لي كل هذا؟ حرام… والله حرام!
في تلك اللحظة، تمنت لو تختفي، لو تمحى من هذا العالم بأسره.
كان هناك صوت داخليّ يتألم: تعبت… تعبت كثيرًا.
مرت اللحظات ثقيلة كدهرٍ لا ينتهي، حتى خارت أنفاسها وسقطت على الأرض، باردة، حزينة، تتلوى بين أنينٍ مكتوم ودموعٍ لا تنضب.
عادت إلى ذاكرتها تلك المقاطع التي رأتها لسليم… طعنات لا ترحم، وغثيان يلفها كسمٍّ قاتل، ونيران تشتعل في أحشائها.
كلّ مقطع كان كفيلاً بتحطيمها، لكن ذلك الفيديو تحديدًا… الذي ظهر فيه مع فتاة صغيرة، وحديث رشدي عن شبكة عالمية تتاجر بالفتيات القاصرات، عن أنها كانت ستكون ضحية أخرى… لولا أنه أحبّها، كان كافيًا لإشعال نارٍ لا تنطفئ في قلبها.
أسرعت إلى الحمّام، والغثيان ينهشها، تقيأت مرارًا، وجسدها يتلوى بينما الألم ينهش بطنها كما لو أن ذئبًا جائعًا يمزقها من الداخل. جلست على الأرض الباردة تبكي بحرقة، تهمس بذهول: مستحيل… مستحيل…
أخذت تضرب رأسها بكفّيها، ووجهها يحترق، وجسدها كله ينتفض كمن يسقط من علٍ.
مستحيل أن يكون ما رأيته حقيقيًا… مستحيـــــل!
صرخة مبحوحة تمزقت من أعماقها، تبعتها شهقات متقطعة ودموع لا تهدأ.اجتمع الألم والانهيار والحزن دفعة واحدة… حتى فقدت وعيها، وسقطت على أرض الحمّام كجثةٍ هامدة، بلا نبض… بلا أمل.
على إتجاه آخر غرفة سليم.
جلس سليم في غرفته المظلمة، يبدو عليه التعب الشديد، يفكر فيما حدث وما يحدث وما سيحدث. كل يوم يفاجأ بأشياء جديدة لا يستطيع استيعابها. كانت عينيه مليئة بالدموع، يشعر بالحزن والغضب، لكن ليس بيده شيء يفعله فالوضع بينهما يسوء لكن لا يعرف لماذا
على إتجاه آخر عند ماسة.
بدأت ماسة تستعيد وعيها ببطء. فتحت عينيها بثقل، كأن جفونها خيوط من الرصاص، ورأسها ثقيل ينبض بالألم، وأنفاسها متقطعة تختنق في صدرها..أحشاؤها تتلوى، حاولت التماسك.وضعت يدها على الحوض تستند إليه، تحاول أن تنهض. جسدها يتمايل بعدم اتزان، خطواتها ثقيلة، كأن الأرض تميد بها.
توقفت تحت الدُش، مدّت يدها المرتعشة وفتحته فوق رأسها.
ربما يبرد هذا الماء شيئًا من النيران التي تشتعل بداخلها…
ربما يغسل عنها شيئًا من تلك الأوجاع التي التصقت بروحها.
💞_______________بقلمي_ليلةعادل
فيلا عائلة ماسة، الثانية عشر ظهرًا
نرى مجاهد جالسًا على المقعد المتحرك، وعمار يدفعه. كان بجانبه مكي وسلوى ويوسف وسعدية.
سعدية: حمد لله على السلامة يا أبو عمار، نورت بيتك يا أخويا.
بعد وصولهم إلى الصالون، ساعده مكي وعمار في الجلوس على الأريكة، ووضعوا له وسادة أسفل قدمه ليمددها عليها.
مكي: حمد لله على سلامتك يا عم مجاهد، إن شاء الله تكمل شفائك على خير.
مجاهد: الحمد لله.
سعدية: أعمليلنا شاي يا إنجي
الخادمة: حاضر يا هانم.
جلست سعدية بجانبه وهي تضع يدها على قدمه: والله، الواحد كان حاطت إيده على قلبه أول ماسمع الخبر، بس الحمد لله قلبي مارجعليش غير لما نورت بيتك. معرفش كان مستخبلنا فين ده، ربنا يكفينا شر المستخبي.
مجاهد:الحمد لله يا سعدية، كل إللي يجيبه ربنا كويس.
ثم نظر حوله وسأل: ماسة عاملة إيه؟ ماجتش ليه؟ ولا يكون سليم حاشها.
تدخل مكي موضحاً: خالص، أكيد سليم شوية وهيجيبها.
سعدية: خليها براحتها، إمبارح كانت تعبانة و وشها كان زي اللقمة، ماكانتش طبيعية خالص.
عمار بتأكيد: أه فعلاً، أنا حتى ماكلمتهاش. لما قعدت تشخط فيا وتقول لي أحلق دقنك.
سعدية: أنا شوية وهكلمها في التليفون. لو كانت تعبانة، هقول لها ماتجيش، تبقى تيجي بكرة.
نظر مكي لسلوى يستأذن: سلوى، ممكن ثواني؟ بعد إذنك يا عمي، بعد إذنك يا عمار.
مجاهد: اتفضل يا بني، روحي يا حبيبتي مع خطيبك.
تحركت سلوى ومكي نحو الحديقة.
الحديقة..
جلسا معًا على الطاولة أمام بعضهما.
مكي متسائلًا بإهتمام: قوليلي، عاملة إيه؟ إمبارح ماعرفتش أطمن عليكي معلش، كان عندي شغل ومضغوط شوية. حتى الفترة دي هبقى مضغوط أوي، بس أكيد مش هقصر معاكي.
تنهدت سلوى: الحمد لله، والله إمبارح كنت خايفة أوي على بابا، بس الحمد لله جت سليمة.
مكي: قوليلي يا سلوى هي ماسة كويسة؟
عقدت سلوى حاجبيها بإستغراب: إيه السؤال الغريب ده؟
مكي موضحًا: مش غريب، أصل ماسة إمبارح كانت متعصبة أوي، إنتي عارفة ماسة علشان تخرج وتيجي من غير ما إحنا نبقى معاها، عملت إيه؟
نظرت سلوى إليه بمعنى عملت إيه؟
رد عليها مكي وقال بنبرة غير مصدقة: صافيناز كانت خارجة وعربيتها كانت جاهزة، طلبت من الحراس تخرج، رفضوا، ركبت العربية وضربت البوابة، وطيرت درفة منهم وجات لكم.
اتسعت عينا سلوى بصدمة: يا نهار أبيض! أنا ماتوقعتش إن ماسة ممكن تعمل كده.
استرسلت بتردد وهى توئم برأسها بحيرة: بس هي كويسة، يعني آخر حاجة، المشكلة إللي حصلت بينها وبين سليم، الموضوع ماكملش أسبوع، ماحكتش أصلاً غير بعدها وإنها كانت عايزة تمشي وأنا قلتلها إنتي مكبّرة الموضوع
مكي بحذر: طب تعرفي إنها كانت عايزة تهرب.
سلوى بصدمة: إيه إللي إنت بتقوله ده؟ مش فاهمة.
مكي مفسرًا: يعني إنتي اكيد عارفة إنها كانت حبه تمشي، وسليم رفض بشكل تام، عملت كده حركة إنها تخرج بيها بره وعلى آخر لحظة تراجعت، وأنا لما سألتها أكدت لي ده.
سلوى بتعجب: للدرجة دي؟ هي ماجابتش أي سيرة، وماحسيتش منها إن الموضوع ممكن يوصل للدرجة دي!
مكي تنهد: أنا برده مش فاهم، بس تفتكري الحلم إللي قالته ده هو إللي خلاها تعمل كده؟ أنا شفت الفيديو بتاع ماسة وهي بتضرب العربية بالبوابة انصدمت.
زمت سلوى شفتيها بعدم معرفة: والله ما عارفة، بس أنا هتكلم معاها. لو فيه حاجة بجد، هقول لك. بس إنت خوفتني عليها، برده إنت كلم سليم، الحركة إللي عملها برده رخمة، بس مش هنشيل من عليه الغلط.، وماسة أكيد جابت آخرها منه.
مكي بهدوء وعقلانية: يا ستي، أنا ماقلتش إنه مش غلطان، بس هو اعتذر وتأسف بدل المرة عشرة، وأتكلم معاها، وهو قال لي ان هم اتصالحوا وبعدين قلبت عليه مره ثانيه.
سلوى بتوضيح وتروي: بص أنا هقول لك حاجة عن ماسة أختي حمالة أسية زي مابيقولوا، مرة زمان، وهي عندها حوالي ١١سنة، ضربت لورين. لإن لورين من ساعة ما ماسة دخلت القصر، وهي نازلة تضرب فيها وتشتمها وتبهدلها، من وهي عندها سبع سنين. فتخيل من سبع سنين لحد ١١سنه، بتتضرب وبتتهان وبتتذل من لورين، فجأة راحت زقاها ووقعتها، ومن قوة الزقة دماغها اتفتحت وأخذت ثلاث غرز، وقالت لها: كفاية بقى، إنتِ عايزة مني إيه؟
طبعًا منصور ضربها، بس ماسة على قد ما الضرب كان جامد، على قد ما هي حست إنها مبسوطة لما زقت لورين وأخدت حقها.
ومرة كمان وهي حوالي 14سنة،كانت ستي تعبانةو بتموت ومنصور مابيرضاش يدينا إجازات كان جبار، قعدت تتحايل عليه شهر، وهو أبدًا…راحت واقفة قدامه وقالت له: بقول لك إيه أنا هروح عند ستي، وأخصم لي الشهر كله، ولاماتشغلنيش تاني، وطلعت بره، وزقت الحارس إللي كان واقف على البوابة، وراحت عند ستي، وباتت عندها ثلاث ليالي، وطبعًا لما رجعت اتضربت واتبهدلت من منصور ماكانش عايز يشغلها ولا يشغلنا كلنا، بس الست كارولين هي إللي دافعت عننا ورجعتنا ماسة بتفضل ساكتة، ساكتة، وبعدين تيجي فجأة، تاخذ رد فعل غريب.
هز مكي رأسه بتفهم: ماشي، أنا فاهم، وفهمت إنها لما بيتضغط عليها كثير، بتنفجر، بس إنتي برده اتكلمي معاها.
سلوى: أكيد لازم أتكلم معاها معاك الفيديو ده.
مكي: لا (تنهد وتوقف) بقول لك إيه، خلينا ندخل نقعد معاهم جوه. ماتقوليش حاجة قوليلهم إن أنا كنت باخد رأيك في أي حاجة تخص الفيلا أو قعدتنا عند ماما كده يعني.
توقفت سلوى: طيب حاضر.
وأثناء تحركهم للداخل، سألها مكي: هشوفك بكرة ولا إيه؟
هزت سلوى رأسها، غير متأكدة: مش عارفة.
قصر الراوي الثانية عشر ظهراً
نرى ماسة تخرج من جناحها ببطء بوجهه شاحب حزين كالأموات، ومع كل خطوة كانت تشعر بألم يزداد في جسدها، وكأنها غير قادرة على مواجهة ماينتظرها أسفل. كانت تعلم جيدًا أنهم لن يتركوها بحالها، وأنها محاصرة هنا شعرت أنها متعبة. جلست على الدرج تفكر فيما يجب أن تفعله، كيف يمكنها الهروب من هذا القصر الملعون ومن سليم وكيف ستحمي عائلتها منهم …
وضعت يديها على جبينها بقهر، وأثناء ذلك انتبهت صافيناز هبطت حتى جلست بجانبها.
صافيناز مبتسمة بشماتة: أجمدي، إحنا لسه في البداية.
نظرت لها ماسة ببطء، صوتها المبحوح يخرج بصعوبة، وعيناها مليئتان بالدموع: عايزين مني إيه؟أنا ذنبي إيه؟!
صافيناز ببرود، ابتسمت ابتسامة غير مطمئنة: مش عايزين منك حاجة غير إنك تنفذي إللي قاله لك رشدي.
نظرت لها ماسة طويلاً، بصمت موجع لا تملك معه كلمة واحدة ماذا تقول؟ لا جدوى من الكلام، فهم بلا قلب، لا يعرفون الرحمة، والوحوش بجانبهم تبدو أبرياء. فقد وقعت بين مخالبهم وحدها بلا معين، حتى سليم الذي كان يومًا ملاذها وأمانها، أصبح الآن في نظرها عدوًا ما سمعته عنه وماعرفته، أصبح بنظرها وحش بلا ضمير.
ولأنها تعرف أن مجرد طلب النجدة منه قد يدفع عائلتها الثمن، فضّلت الصمت استسلمت لما تعيشه الآن، وكأنها تتلقى الطعنات والجراح… بإبتسامة.
توقفت ماسة وهي تنظر لها من أعلى لأسفل بقهر، ثم هبطت. تبسمت صافيناز بابتسامة خبيثة، لكن ماسة لم تكترث، كانت تشعر وكأن العالم حولها بدأ يضيق أكثر.
حين تأكدت صافيناز من هبوط ماسة إلى الطابق السفلي، صعدت مرة أخرى في هدوء تام. كانت خطواتها محسوبة، وعيناها تقدحان بتصميم مريب. بلغت الطابق الثالث، حيث جناح سليم وماسة، وتحركت بحذر يشبه زحف الأفاعي دفعت الباب بهدوء، وانسابت إلى الداخل بخفة لا تخونها إلا نظراتها المترقبة.
أخرجت هاتفها من جيبها بسرعة وهمست: ألو… إيه؟ أحطهم فين؟
أتاها رشدي من الجهة الأخرى، آمرًا: في أماكن نسمع فيها كل حاجة، جنب السرير، عند المكان المخصص، للجلوس الدِرِسِنج البلكونة.. بس شغلي دماغ أمك يا ست صافي
أومأت بجدية، وأجابت: بطل سوقية شوية، سلام.
أنهت المكالمة، وبدأت تتفحص المكان بعينين حادتين بتفكير بعد لحظات تبسمت واقتربت من السرير، رفعت ظهره قليلًا بحذر، وغرست أول ميكروفون، هامسة بصوت منخفض.
صافيناز: رشدي، سامع؟
جاءها صوته ثابتًا: سامع… كمّلي.
استدارت تتفقد الغرفة، فوقعت عيناها على الأريكة، تقدمت نحوها وجلست لثوانٍ تفكر. عادت تتلفت من جديد حتى أبصرت الأباجورة بجانب المكتبة الصغيرة، اقتربت منها، وفكتها قليلًا، وأخفت بداخلها الجهاز الثاني.
واصلت مهمتها بين الدِرِسِنج والشرفة، تزرع بذور الخيانة والحقد في كل زاوية خفية.
قالت وهي تضغط زر الإرسال: كده تمام… رشدي، سامعني؟
اتاه صوت رشدي من غرفته مع عماد، بجانب بعضهما يجلسان أمام جاهز اللابتوب.
بعجل أجابها رشدي بثبات: آه… أطلعي بقى.
لكن عماد بدا مترددًا، فاعترض بصوت خفيض:
بس أفرض سليم خد باله، ده بيفتش الجناح كل يومين!
رشدي ببرود يائس: هانبّه على ماسة محدش يدخل أوضتها خالص.
عند جناح سليم وماسة.
عادت صافيناز لتتفقد كل شيء داخل الجناح، تتأكد أن أدواتها الصغيرة قد اتخذت أماكنها دون أن تفضحها العيون. وبينما كانت تهم بالخروج من الدِرِسِنج، توقفت فجأة، إذ وجدت سحر واقفة أمامها تنظر إليها بشك وريبة.
سألتها صافيناز بثبات مخيف: سحر؟ إنتي بتعملي إيه هنا؟
سحر بتعجب: حضرتك إللي بتعملي إيه في أوضة الست ماسة؟!
صافيناز بجبروت: مش شغلك.
سحر باعتراض: لا شغلي يا ست هانم أنا هقول للهانم إنك كنتي هنا، كمان دخلتي أوضة لبسها! هي والبيه.
وقبل أن تتحرك خطوة، كانت يد صافيناز قد امتدت نحو شعرها سحبتها عليها، قبضت عليه بقسوة، وكتمت أنفاسها بيدها الأخرى. همست بغضب مكبوت
صافيناز بجبروت دون أن يهتز لها جفن: هتقولي إيه؟ ولمين؟ بتهدديني؟ يا خدامة يا حقيرة.. لحظة!
سحبت هاتفها مجددًا واتصلت دون تردد:
أطلعيلي يا ماسة حالًا على الجناح.
ثم أعادت النظر نحو سحر، وعينيها تقدحان نارًا خبيثة: هورّيكي إزاي تتكلمي كده مع أسيادك!
صعدت ماسة مسرعة إلى الجناح ووجهها تعلوه علامات القلق والاستغراب.
حين دخلت الجناح. توقفت أمامهما لحظة بعدم فهم قبل أن تسأل بجفاء: في إيه؟
تركت صافيناز سحر، التي أخذت تبكي وتشهق، وقالت ببرود وارستقراطية وخنافة من طرف أنفها: الحشرة دي شافتني هنا وهددتني إنها هاتقولك.
سحر وهي تحاول ألتقاط أنفاسها، تمتمت بصوت مخنوق: شفتها طالعة من أوضة اللبس، سألتها بتعملي إيه، قالتلي مش شغلك، قولتلها لازم أعرفك!
تنهدت ماسة وهي تهز رأسها، ثم قالت بإرهاق واضح: طب روحي يا سحر.
هز سحر رأسها بإيجاب وخرجت.
ماسة سألتها بجمود: خير؟
ابتسمت صافيناز بسخرية قبل أن ترد ببرود قاتل:
حطينا ميكروفونات، علشان لو عقلك فكر يخون، نعرف وساعتهااااا إنتي فاهمة! (بنظرة حادة )أوعي تخلي سليم يفتش.
رفعت ماسة حاجبها ساخرة: للدرجة دي مرعوبين منه؟
قهقهت صافيناز بسخرية، ثم ردت: إنتي بعد كل ده… مش مرعوبة؟
هزت ماسة رأسها بيأس وقالت ببرود: لأ… قرفانة. أنا متأكدة إنه مستحيل يأذيني.
ضحكت صافيناز بسخرية قبل أن تغمغم وهي تتجه نحو الباب:
مظبوط… بس ممكن يأذي أهلك، وهتشوفي بعينك قريب، وهو بيهددهك بيهم علشان يقعدك غصب عنك معاه، أصل أوعى تفتكري إنك هتمشي ولا هتهربي بسهولة زي ما رشدي طلب تؤ الموضوع ده هياخد وقت بس ساعتها هتعرفي مين هو سليم الحقيقي، إنتي لسة ماشفتيش يا ماسة سليم الحقيقي… سلام.
خرجت صافيناز، بينما بقيت ماسة واقفة، تشعر أن روحها منهكة.
شعرت بثقل يضغط على صدرها، فتنهدت بتعبٍ مرير، وأغمضت عينيها لثوانٍ طويلة، قبل أن تفتحها ببطء.
مدّت يدها ببطء نحو هاتفها، وضغطت على زر الاتصال بسليم، كأنها تبحث عن طوق نجاة في بحرٍ من الغرق.
ماسة بخنق: ألو، أنا عايزة أروح عند بابا… لا، مش هستناك… أبقي تعال إنت، طيب سلام. ثم أغلقت الهاتف سريعًا.
وبينما كانت متوقفة، تحاول منع نفسها من التفكير، ربما يهدأ ذلك الصداع الذي لم يذهب منذ معرفتها الحقيقة المرة… جاءت راوية
رواية: حضرتك عايزة تروحي عند والدتك؟
أجابتها ماسة بسرعة: روحوا حضروا العربية، أنا جاهزة.
وبعد قليل، وصلت السيارة، واتجهوا إلى فيلا عائلتها.
💞____________بقلمي_ليلةعادل 。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。
فيلا عائلة، ماسة الثانية مساءً:
في الهول،
جلست ماسة على الأريكة أمام والدها مجاهد، وهي تمسك بيديه بإحكام بينما باقي العائلة كانوا يجلسون في المكان بالقرب من بعضهم.
ماسه بحب ونبرة موجوعة: إزيك يا حبيبي؟ طمني عليك، إنت كويس؟
مجاهد بإبتسامة برضا: والله الحمد لله، أنا كويس، بسيطة.
ماسة محاولة منع دموعها، بنبرة مرتعشة: بسيطة إيه بس؟ خد بالك من نفسك علشان خاطري.
سعدية وهي تلاحظ تعب ماسة، قالت بحنان: وإنتي يا بنتي، عاملة إيه؟ كويسة؟
ماسة بصوت هادئ،: الحمد لله.
لكن مجاهد يلاحظ أن ملامح ماسة تغيرت، فسأل بقلق: إنتِ شكلك تعبانة جداً يا بنتي، ومتغيرة، في إيه؟ إنتِ كويسة مع سليم؟
تنهدت ماسة وحاولت التظاهر بأنها بخير،: ماتشغلش بالك دلوقتي يا بابا.
سعدية متعجبة: إزاي مانشغلش بالنا؟
نظرت ماسة لهم، وكان قلبها يثقل أكثر. حاولت كبت كل ما بداخلها، لكنها لم تستطع. كانت ترغب أن تحكي لهم عن التهديدات التي تلقتها لكي يحموا أنفسهم لكنها خشيت. ربما يقوم رشدي بأذيتهم إذا علموا تلك الحقائق، فلا بد أن تصمت لحمايتهم.
تبسمت ماسة محاولة إخفاء الحزن في قلبها: كل إللي عايزاه منكم هو إنكم تأخذوا بالكم من نفسكم. وبلاش تطلعوا الفترة دي، خليكم في البيت، خلي الحراس يجيبوا إللي أنتم عايزينه. وإنت يا بابا كمان، خد بالك من نفسك.
مجاهد أصر بحزم: إنتي مش مرتاحة ياماسة فيكي حاجة؟ هو أنا هاتوه عنك؟
نظرت ماسة إليه بحزن عميق: مافيش، بس أنا تعبانة شوية يا بابا. حاسة إني مضغوطة.
حاولت ماسة تمالك نفسها، تكبح دموعها وحزنها. ثم نظرت إلى عمار طويلاً وكأنها تشاهد أحدهم يقوم بحبسه و ويلفق له تلك القضية. أغمضت عينيها وهزت رأسها برفض نهضت، ثم توقفت قريبا منه وقالت:
ماسة بضيق: إنت ليه ماحلقتش دقنك؟ ليه مش عايز تسمع الكلام؟
عمار بإستغراب: يا بنتي أحلقها ليه؟ عجباني كده.
ماسة متوسلة: شكلها وحش عليك، أنا عايزة كده، من فضلك أسمع الكلام.
سعدية بقلق: يا بنتي في إيه؟ مالك؟
نظرت إليها ماسة وقالت، بصوت مبحوح: ماما، قلبي مقبوض، في حاجة مش مريحاني. وبعدين الحادثة بتاعة بابا دي خلت الإحساس ده يزيد، كمان بسمع إن الفترة دي بيمسكوا إللي مربيين دقنهم. ما إنتي عارفة الوضع السياسي في مصر مش تمام خالص، خاصة الناس إللي بيربوا دقنهم.
يوسف محاولا تخفيف التوتر: ده لو في حالة تانية، إحنا دلوقتي معانا سليم. هتهزري؟
سلوى، محاولة تغيير الموضوع: خلاص يا ماسة، هنعمل لك كل إللي إنتي عايزاه. ما تقلقيش. مش قولتي حلمك، وقلبك مقبوض. سعدية هتعمل إللي عليها وزيادة، ما إنتي عارفاها بتمشي ورا الكلام الفارغ ده.
سعدية، بحزم: مش كلام فارغ، في أحلام بتتحقق. والبت عندها حق ما تحلق دقنك يابني، ونقعد كده ونكن في البيت. اليومين دول، إيه المشكلة؟
ماسة أمسكت يد سلوى: أنا عايزاكي تجيلي بكرة، ممكن؟
سلوى، بإبتسامة: ماتقلقيش، أنا جايه لك، بس هخرج مع مكي.
نظرت لها بضيق فهي علمت أن مكي مثل سليم قالت: ليه تخرجي مع مكي؟ مش لازم يعني.
سلوى، ضاحكة: لازم يا أختي. بكرة عيد ميلادي، ناسية؟
ماسة، تذكرت بحزن: أيوه صح، أنا آسفة. كل سنة وإنتي طيبة يا حبيبتي. قبلتها من خدها، معلش يا سلوى، والله مضغوطة شوية. بس وعد هجيب لك هدية حلوة. …
صمتت للحظة ثم تذكرت أن جميع فلوس سليم حرام قالت:
لا مش هعرف أجيب لك هدية يعني، بعدين هفهمك السبب.
سلوى ضاحكة: يا ستي كفاية، كل سنة وإنتي طيبة. إحنا من إمتى أصلاً بينا الكلام ده؟ بس مكي يعني حابب يشوفني بكره وأستأذن بابا وبابا وافق، لو ماعرفتش آجي لك بكره، هاجي لك بعده، عشان أنا كمان عايزة أتكلم معاكي شوية.
نظرت ماسة لهم وسألت الجميع هو سليم لسه بيديكوا فلوس كل أول شهر؟
سعدية، بابتسامة: ربنا يبارك له يا رب ويزيده كمان وكمان.
صمتت ماسة لحظة، وهي تنظر إليهم، لا تدري كيف تبدأ، ولا كيف تبرر رغبتها في أن يتوقفوا عن أخذ المال من سليم؛ فهي لا تريد لأهلها أن يعيشوا بأموال سليم الحرام كما أخبرها رشدي.
ماسة بنوع من التردد: مابلاش حوار الفلوس ده،،
دلوقتي بابا عنده مطعم، وإخواتي بيشتغلوا.أنا من رأيي تعتمدوا على نفسكم، ولا إيه رأيك يا بابا؟ يعني كفاية كده. سليم دفع لينا كتير، والوقت جه إننا نعتمد على نفسنا حتى لو هانعيش في مستوى أقل. ولا إيه رأيك؟
مجاهد بتفكير: والله إنتي عندك حق يا ماسة، والمطعم ما شاء الله بيدخل قرش حلو في الشهر وإخواتك ما شاء الله بيكسبوا برضه قرش حلو حتى سلوى كانت عايزة تشتغل هي كمان.
سلوى، بهدوء: إيوه والله، علشان أنا حاسة إني زودت أوي على سليم في المصاريف، وبقيت أتكسف بصراحة.
أحست ماسة بالراحة: خلاص، إنت ممكن يا بابا تقول له شكراً يا ابني لحد كده. وأنا حابب إني أعتمد على نفسي وأصرف على أولادي بنفسي.. وممكن حتى ممكن تعملوا جمعيات بالمرتبات بتاعتكم وتردوا له فلوسه إللي بيدهلنا حتى الفيلا دي ممكن تشتروها منه مثلا علشان تبقى الحاجة بتاعتنا إحنا وملكنا أو ممكن تجيبوا شقة صغيرة وترجعوله الفيلا دي.
نظر عمار لماسة بنظرة قلق: هو إنتي كويسة؟
ماسة بدمعة محبوسة، وقالت بألم: أنا دلوقتي أكتر وقت حاسة فيه إني كويسة بجد.. كأنّي صحيت من غفلة كبيرة.
كانت نظراتهم إليها مستغربة، لا يدرون تمامًا ما الذي تقصده.
سعدية متعجبة: اشمعنا يعني دلوقتي افتكرتي إننا نرجعله كل حاجة؟
ماسة بهدوء لكنه بوجع: هو إدانا كتير… أكتر حتى من إللي كنا بنحلم بيه، حاسّة إننا لو قعدنا في شقة إحنا إللي اشتريناها بتعبنا وشقانا، حتى لو بسيطة… هاتبقى أريح. أريح من الإحساس ده… إننا دايمًا مديونين له بالجميل. هو فعلاً وقف جنبنا، جابنا القاهرة، ريّحنا من الخدمة… بس كفاية كده.
عمار بتأكيد: والله ماسة معاها حق. هو آه سليم إللي شغلني في الشركة وكتر خيره، بس أنا كملت فيها بسبب مجهودي، وشطارتي، والتعب إللي بذلته. المرتب اللي باخده دلوقتي أنا فعلاً أستحقه مش علشان هو جوز أختي.
اقتربت سلوى من ماسة وقالت بهمس: مالك يابنتي.
ماسة بنبرة محشرجة: مافيش
استمرت في الجلوس معهم طوال النهار، وكلما طالت المدة، ازداد الضغط عليها. وفي الليل، عندما قام سليم بالاتصال بها لكي تأتي مع الحراس، طلبت أن تمكث عندهم، لكن بالطبع رفض سليم. كانت ماسة تعلم أنه سيرفض، لكن هذا كان بالنسبة لها فرصة جديدة لخلق مشكلة جديدة بينهما.
قصر الراوي، السادسة مساءً
غرفة صافيناز وعماد
نرى عماد ورشدي يجلسان على الأريكة، بيننا صافيناز تجلس امامهما، الأجواء متوترة والنوايا تختبئ خلف الكؤوس.
عماد وهو يرمق رشدي متعجبا وهو يتناول مكسرات: هتهربها إزاي، إللي حواليها دول هتعمل فيهم إيه؟!
تبسم رشدي بخبث وهو يحرك الكأس بين أصابعه:
سليم عنده حفلة كمان تلات أيام في مستشفى شمس الحياة إللي دخلت فيها شريك، هخلي ماسة تحضر الحفلة معاه، وهناك إنت هاتساعدني نهربها.
نظرت إليه صافيناز وقد بدت متحمسة: آه، طب يعني إيه الخطة؟!
حرّك رشدي الكأس مرة أخرى، ثم قال ببرود: مش عارف، يعني على حسب.
عماد مستنكراً: مافيش حاجة اسمها على حسب، ماينفعش تبقى عشوائية.
تنهّد رشدي وقال وهو يتجرع الكاس مرة واحدة:
هتدخل الحمام واللي اسمها راوية دي واحد يشاغلها، ماسة تخرج وتفلسع.
قاطعته صافيناز بقلق: ماتنساش مكي بيبقى معاها واقف برة مع الحراس.
هز رشدي رأسه بثقة: ماهو علشان كده بقولكم سيبوها لوقتها، هعرف أتصرف.
صافيناز تسألت: إنت هتجهز لها مكان ولا هتعمل ايه؟!
رشدي موضحاً وهو يتناول مكسرات: آه، عندي واحد صاحبي عنده شاليه صغير في الساحل، هتقعد فيه لحد ماظبطلها ورق مضروب وأسفرها بره.
نظر عماد وصافيناز نظرة لها معنى ثم قال عماد: المهم إنت اليومين الجايين دول لازم تخلي ماسة دايما خايفة علشان ماتحكيش لسليم أي حاجة لأنها لو نطقت إحنا كلنا كده هيبقى الله يرحمنا بعيالنا كمان.
استغلّت صافيناز انشغال رشدي في الحديث مع عماد، فانحنت قليلًا وكأنها تبحث عن شيء أسفل الطاولة كان في يدها كأس، وفي اليد الأخرى ورقة صغيرة أخرجتها بخفّة من جيبها، فردتها سريعًا وأسقطت ما فيها من مسحوق وسط قطع الثلج رفعت ظهرها وحرّكت الكأس برفق، كما لو كانت تذيب الثلج، وابتسامة خفيفة مرت على شفتيها دون أن تثير ريبة.
مدّت يدها نحو رشدي، وقالت بنبرة ناعمة: خذ كأسك يا رشدي،
أخذه رشدي بينما أضافت صافي: أعملك كاس يا حبيبي.
هزّ عماد رأسه رافضًا: لا، كفاية.
غمزت له صافيناز بمكر، بينما كان رشدي يحتسي كأسه دون أن يدري بما خُلط له.
رشدي: أنا كل إللي محتاجه منك يا عماد تبقى موجود يومها وبس.
مسح وجهه وشعر بثقل فى راسه توقف: أنا هروح أنام بــاي
صافيناز: بدري كده!! دي الساعة لسه 6:00.
رشدي وهو يضع يده على جبينه: مش عارف دماغي تقيلة قوي.
تحرك خارج الغرفة، تاركًا وراءه صافيناز تتابعه بنظرات مشتعلة بعد ثواني، مالت صافيناز نحو عماد وهمست: بقولك، الكمية إللي حطيناها ممكن تموته.
عماد بلا مبالاة: مايموت، هيفرق معاكي يعني.
هزّت صافيناز كتفيها وهى تضحك: لأ، مش هيفرق. إحنا فهمنا الخطة وهنمشي على أساسها، أول مرة رشدي يعمل حاجة صح.
أومأ عماد برأسه: بالظبط، خليه يعيش علشان لو حصل حاجة يبقى هو إللي يلبسها.
لمعت عينا صافيناز بمكر قبل أن تقول: بقولك إيه يا عماد، ماتحاول تكلم لنا حد يساعدنا نمشي ماسة من هنا.
سألها عماد وهو ينظر إليها متعجباً:حد زي مين؟!
اقتربت منه وهمست: إنت فاهم!
ضحك عماد بسخرية: دول مابيتدخلوش في الحاجات التافهة دي، خلينا بس ورا رشدي، وخدي بالك سليم النهاردة كان في الاجتماع مش مظبوط وده يثبت نظرية رشدي.
ضحكت صافيناز بخبث: ويا رب دايمًا مايبقاش مظبوط.
في غرفة رشدي
توقف رشدي أمام المرآة يتفحص ملامحه بانتباه، كأنما يراجع انعكاسه بدقة.
همس لنفسه وهو يبتسم بإنتصار: ٣ايام بالظبط من النهاردة ونوصل للحلم الكبير…
تحرك نحو الكومودينة، فتح الدرج وأخرج كيسًا صغيرًا.
جلس على الأريكة، وضع قليلًا من محتوى الكيس على طبق صغير، ثم استنشق منه القليل.
أسند ظهره للأريكة، وأغمض عينيه بارتياح، كأنما يتذوق طعم انتصاره المنتظر.
💞_______________بقلمي_ليلةعادل⁦。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。⁩
بعد ساعات تقريبا العاشرة مساءً.
وصلت ماسة إلى القصر بعزمٍ واضح: ستثير أزمة مع سليم وتستغلها، لتنفيذ خطة رشدي، لكنها في الحقيقة كانت تسعى للانتقام من كذب سليم وأكله الحرام طوال تلك السنوات اثناء تحركها تقابلت بسحر.
ماسة متسائلة: سليم وصل؟
سحر: آه يا هانم، سليم بيه وصل، وهو في أوضته.
أومأت لها ماسة وشكرتها بهدوء، ثم صعدت درجات السلم وتوجهت نحو جناح سليم.
غرفة سليم
طرقت الباب وفتحته فوجدته جالسًا على الأريكة، ممسكًا بالتابلت، عيناه منكسرتان، لا يرفعهما عن الشاشة.
وقفت أمامه، ملامحها متجهمة، غاضبة، تدّعي الشجار… لكن النيران التي كانت تأكل صدرها كانت من أمور أخرى لا تستطيع البوح بها.
ماسة بغضب بارد: ممكن أعرف إنت ليه رفضت إني أبات عند ماما النهاردة؟
سليم، دون أن يرفع عينيه، بصوت خافت قاتل:
إنتي عارفة السبب.
ماسة بعصبية وهي ترفع صوتها: عارفة السبب! وإنت كمان عارف السبب!
رفع سليم رأسه فجأة، نظر لها بحدة، وقال بنبرة آمرة: إنتي مش ملاحظة إن صوتك عالي، وطي صوتك يا ماسة.. أنا مش هستحملك كتير.
ماسة بتحدي وعينها تلمع بالغضب: وأنا كمان مش هستحملك كتير! عايزة أعرف ليه رفضت!
ألقى سليم التابلت بجانبه ونهض واقفًا أمامها: هو أنا من إمتى بخليكي تباتي بره بيتك؟
صرخت ماسة بحرقة: لا! ده مش بيتي! ده قصر الراوي، قصر أبوك وأمك! حتى لو مكتوب باسمك… عمره ما كان بيتي! أنا عمري ماعرفت يعني إيه يكون ليَّا بيت! كان بيتي الوحيد الأوضة إللى اداهلنا منصور، وحتى ده ما كانش بيتنا…
إنت عارف بيتي كان فين؟ في الكفر، بسقف مخروم، يخنق أنفاسنا في الصيف ويكسر ضلوعنا في البرد في الشتا..
ضيق سليم عينيه متعجباً: وإنتي بتحكيلي مآسي حياتك دلوقتي ليه؟ وقلتلك وطي صوتك يا ماسة… مش هقول تاني.
ماسة بتحدي وهي تصرخ: مش هاوطي صوتي! وأعمل إللي إنت عايزه! وريني هتعمل إيه؟ نفذ تهديداتك! ما إنت اشتريتني بفلوسك!
اندفع سليم بغضب، أمسك الطفاية الزجاجية وقذفها على الأرض، فتهشمت إلى شظايا.
أمسكها من كتفها بقسوة قربها منه وهو يصرخ بعينين يكاد الشرر يتطاير منهما: إنتي عايزة إيه؟
ماسة وهي تجز على أسنانها من فعلته، نظرت داخل عينه: بسألك سؤال! ليه رفضت؟ بابا تعبان!
سليم بدهشة: يعني كل الجنان ده علشان أنا رفضت؟
ترك كتفها فجأة وقال بسخرية قاسية: خلاص يا روح قلبي، يلا أوديكي تباتي عند بابا وهابات معاكي! علشان نخلص من الجنان ده.
صاحت ماسة بعناد مجنون: لا! مش على مزاجك! هو إنت لما تحب تبعتني ولما تحب تمنعني
زم سليم شفتيه بغضب وانفجر صوته: هو الجنان ده أخرته إيه؟ محتاج أفهم إنتي عايزة مني إيه؟! جاية تتخانقي وبس!
ماسة بتهكم يبدو أنها أصبحت لا تقوى على التمثيل: لا! أنا مش مجنونة! ولا عايزة اتخانق، أنا بس زهقت! أنا عايزة أطلق! مش عايزة أعيش معاك تاني! جبت آخري منك! طلقني! مش هاعيش تاني مع واحد زيك، فاهم.
أرتعش فك سليم، وخرج صوته بنبرة حزينة وخافتة ضرب على الحائط بقوة:
ماسة… بطلي بقى كلامك المستفز إللي بيكسر القلب ده… إنتي عايزة إيه؟ بتعملي كده ليه؟
مرة بعيدة، مرة قريبة… مرة هادية، مرة عنيدة… مرة قاسية، ومرة حنينة…أنا مابقيتش فاهمك! بتعملي كده ليه؟ بتدمري كل إللي بينا ليه؟ أنا عمال أبني وأحارب علشان أحافظ على العلاقة دي، وإنتِ مابتعمليش أي حاجة غير إنك بتهديها…ليه كل ده؟ فيكِ إيه؟ إنتِ مش ماسة حبيبتي إللي اتجوزتها
إنتي واحدة تانية… عنيدة وبتجرح أوي كمان.
أدارت ماسة وجهها بعيدًا عنه وقالت بقسوة: مش لازم أبررلك! أنا عايزة أطلق وبس! وده قرار.
ظل سليم ينظر لها باستغراب ومرارة يحاول استيعاب ما حدث لها. زفر بإختناق: بقولك إيه يا ماسة.. بالله عليكِ، أمشي و روحي نامي في أوضتك… وأبعدي عني.
نظرت له ماسة بنظرة حادة حاسمة: لازم تفهم إن حياتنا من اللحظة دي خلصت.
زمجر سليم وهو يأمرها ويتك على كل كلمه: روحي على أوضتك… وأبعدي عني مش هقولك تاني.
رفعت ماسة حاجبيها بتحدي: ولو مابعدتش… هتعمل إيه؟
نظر إليها نظرة مليئة بالاستفزاز، وفجأة اندفع نحوها. حملها على كتفه رغم مقاومتها وضربها على أسفل ظهرها بيديه الغاضبتين، وسار بها حتى جناحهما.
دخل بها وألقاها وسط السرير بعنف.
صرخت ماسة وهي تحاول النهوض: إيه إللي إنت بتعمله ده؟
سليم بجفاء وهو يشير بيده🤫🤫: هششش! اتكلمتي كتير كفاية! أقعدي هنا… وأسكتي خالص. فاهمة!
تابع بجفاء:
سايبة الدنيا كلها وجاية تتخانقي معايا.
طلبتي مني أسيبك شوية علشان تفكري، وأنا سبتك!
عايزة إيه… جاية الأوضة بتاعتي ليه، ده إنتي عيلة مستفزة بجد!
نهضت ماسة من على الفراش توقفت أمامه وهي تصرخ: مادام شايفني مستفزة… طلقني!
اقترب منها خطوة وقال بجمود قاتل: مش هطلقك يا ماسة… رخامة بقى! يخرب بيت الاستفزاز.
استدار لكي يتحرك لكن توقف حين أستمع لحديثها،
ماسة بتحدي وتهديد: لو مخلتنيش أمشي… أنا إللي ها أمشي يا سليم!
زم شفتيه وتنهد ثم تحرك توجه للخارج ودخل غرفته دون أن يرد بكلمة، وهو يشعر بغضب يكاد يعميه.
توقف سليم في منتصف الغرفة، يتذكر كلماتها وطريقتها وكل ما يحدث لهما في تلك الفترة.
شعر وكأن الهواء يختنق في صدره، لم يعد يستطيع التنفس.
بيد مرتعشة، خلع التيشيرت وألقاه على الأرض، محاولًا التنفس بشهيق وزفير متقطع.
وفجأة، صرخ صرخة رجولية أنفجرت من أعماقه، من قهره، من طريقتها المستفزة التي لم يفهمها، والتي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
لكننا نعلم… أن ماسة هذه المرة لم تكن تتصرف بجنون.
بل كانت تريد الرحيل، لا لأنها ملت من تهديداته أو لأنها تريد أن تفكر في علاقتهما، بل لأنها علمت الحقيقة.
علمت أن الرجل الذي عشقته كان يكذب عليها طوال الوقت.
أن سليم ليس كما ظنت، بل غارق في عالم أسود قذ،ر.
ذلك الرجل الذي رأته يوما ملاك …صار في عينيها مجرما.
وأيضاً لتنفذ أوامر رشدي اللعين لكي تنقذ حياة عائلتها.
في إتجاه آخر عند ماسة
توقفت ماسة فى منتصف الغرفة تحدق حولها.
لا دموع هذه المرة… فقط أنفاس ثقيلة تختنق في صدرها، وغضب يكسر ملامح براءتها.
تحولت إلى إمرأة غاضبة، مكسورة، مقهورة محطمة كليا… مستفزة لأقصى حدود.
أمسكت بأقرب شيء إليها، ورمته نحو الباب بقوة فكسرته.
ثم صرخت، صرخة قوية… تخرج من قلب مجروح محترق.
انهارت على الأرض، تبكي بحرقة، بأنين يملأ الغرفة.
💞______________بقلمي_ليلةعادل ◉⁠‿⁠◉
في صباح اليوم التالي
لم تستطع ماسة الخروج من جناحها. لم تكن قادرة على مواجهة أحد، فذهنها لم يهدأ بعد من التفكير، وقلبها لم يبرأ من الوجع منذ تلك الليلة المشؤومة التي عرفت فيها كل شيء.
تمنّت لو أنها لم تعلم، لو أنها بقيت مخدوعة، بلهاء…
تمنّت لو ظلت مشكلتها مع سليم مجرد خلافات:لا تتجاوز غيرته وغضبه وسيطرته، حتى تهديداته كانت أهون حتى وإن بقيت حبيسة هنا، بين جدران هذا القصر الكئيب.
غريب هو الإنسان، يرفض أشياءً تثير جنونه وحزنه،
و آلامه ، ثم يدرك لاحقًا أن ما رفضه لم يكن سوى القليل من عذاب لا يُقارن بما يأتي بعده.
كانت كل ثانية تمرّ عليها كالعمر، تطعن قلبها بخناجر مسمومة.
كل خلية في جسدها تحترق… كل ركن من روحها يئن.
لكن ما لم تعرفه حقًا: هل هذا التمزّق في قلبها ناتج عن تهديدات رشدي لعائلتها؟
أم لأن الحقائق التي عرفتُها عن سليم قد كسرت قلبها؟
الرجل الذي لا يزال عشقُه يسكن قلبها حتى الممات.
جلست في منتصف الغرفة، علّها تجد بعض الراحة، ولو كذبة تُقنع بها عقلها المُنهك، دون توقف الصداع لم يتركها للحظة، يرافقها كظلٍّ ثقيل لا يرحم.
تذكّرت كيف أحبها سليم، كيف قدّم لها الأمان، كيف وعدها، وحنّ عليها، وأغرقها بعطفه، كل شيء كان رائعًا… رائعًا حدّ الدهشة.
تذكّرت أيضًا تلك الحوادث التي مرّت بها، والمشاهد التي بدأت تتضح الآن شيئًا فشيئًا.
تارةً تبتسم وهي تتذكر لياليها مع سليم، وتارةً أخرى تبكي كما لم تبكِ من قبل.، نعم، دموعها لم تتوقف لحظة، وكأنها باتت جزءًا منها لا ينفصل.
وفجأة، تذكّرت شيئًا… وكأنها تراه الآن أمامها لا تعرف كيف تذكرت ذلك الموقف برغم أنها كان بعد عودتهما من الخارج.
(فلاش باك: في بداية زواج سليم وماسة)
في مكتب سليم بقصر الراوي
كان يجلس على الأريكة، إلى جانبه مكي، وفي يده تمثال ذهبي أثري.
دخلت ماسة الغرفة، فشعر مكي بالتوتر، بينما سليم أرسل له نظرة سريعة وأمسك بيده.
لم تنتبه ماسة، أو ربما تجاهلت ما رأت. اقتربت منه بخفة وهمست: خلصت شغلك يا كراميل ولا لسة؟
سليم: خلاص.
أمسكت التمثال بفضول طفولي: الله! شكله جميل جدًا! زي إللي بيطلع في فيلم The Mummy…(المومياء) إللي اتفرجنا عليه امبارح؟
لكن سليم لم يرد، هو لا يكذب كما نعلم، لكنه يملك دهاءً نادرًا في إخفاء الحقيقة دون أن يلفظها.
ثم قال بهدوء: خلاص يا مكي، بلغهم إننا موافقين. خُد الحاجة ويلا.
سأل مكي بتحفّظ: والموضوع التاني؟ دول محتاجين ست حتت؟!
سليم: أنا كلّمت إسماعيل، وقال لي كل حاجة.
(عودة للواقع)
عادت ماسة من ذاكرتها وهي تبكي بحرقة، كمن استيقظ من وهم طويل.
كأنها تتحدث في نفسها: أنا شفت بعينيا الآثار وماكانتش المرة الأولى والحتت إللي اتكلموا عليها دي ممكن تكون سلاح وممكن تكون بنات إزاي ماخدتش بالي إزاي..
كلمات محمود تعود لأذنيها، حديث الأشقاء عنه في أول زواجها حتى في تلك الفترة، كل شيء.
وفجأة، ومن دون إنذار، اخترق سمعها ذلك الصوت الذي لم يفارقها: صوت رشدي وهو يهددها.
ثم توالت صور أمام عينيها، ترى شقيقتها يعتدى عليها أحدهم بطريقة مرعبةومؤلمة.
أغمضت عينيها، كأنها ترفض رؤية تلك الصور، لكن الصور اقتحمت ذاكرتها بعنف.
رأت حريقًا يندلع في المطعم، والدها يركض وهو يحترق ويصرخ، والدتها تتعرض للشنق أو الطعن، إخوانها يُخنقون أو يسجنون.
صرخت من أعماقها، هرولت تضرب رأسها بالحائط بقوة لعل ذلك يهديء صدعها، أمسكت وشاحها وربطته حول عينيها، محاولة أن تُغلق هذا الجحيم البصري.
لكن الأصوات لا ترحم… تلاحقها، تطاردها، تعتصرها.
ثم توقّفت فجأة، وخرجت منها صرخة من أعماق قلبها، كأنها تجرح قلبها قبل حنجرتها..
(اااااااااااااااااه)
هرولت إلى المرحاض، توضّأت، وأخذت تصلي وتصلّي، لا تدري كم ركعة أدّت، ولا كم مرة دعت فيها الله أن يريح قلبها، وأن يحفظ عائلتها من اللعين والحقير رشدي.
في غرفة سليم
كان يجلس سليم في شرفة غرفته، يحتسي قهوته ويدخن سيجارته.
دخلت سحر وهي تحمل كوب ماء.
سحر وهي تضع الكوب: حاجة تانية يا سليم بيه؟
مكي: لا يا سحر، روحي إنتي، بس قوليلي، الهانم كويسة؟ طلعتي لها الفطار؟!
سحر: قالتلي مش عايزة تاكل دلوقتي.
هز سليم رأسه بإيجاب وهو ينظر أمامه: طب اتفضلي يا سحر.
سحر باهتمام: حضرتك مش هاتروح المجموعة النهاردة؟
سليم: لا، مش هروح، أنا قاعد.
خرجت سحر، تاركةً سليم في وحدته. لم يتوقف عن التفكير في ماسة لحظة واحدة.
رغم ما حدث بينهما الليلة الماضية، رغم استفزازها له، إلا أنه يفكر فيها يحبها، ذلك العشق لا تخمده العواصف، بل يزيد اشتعاله في قلبه، كل يوم حبه لها يزداد شيئًا فشيئًا.
يشعر أنها ليست بخير منذ حادثة والدها، تغيرت. ردّات فعلها صارت غريبة، وكأنها تخفي أمرًا كبيرًا، باله غير مرتاح…قلبه موجوع… عقله يعصف من التفكير، وروحه تحترق عليها.
يعلم… أن ما يؤلمها، أكبر بكثير مما حدث بينهما.
تنهد، شرب آخر رشفة من قهوته، ثم نهض متجهًا نحوها..
ليطمئن عليها ويرتاح باله. يعرف جيدًا، مهما فعلت، مهما صرخت، مهما استفزّته.. أنها تحتاج له.
توقف أمام باب جناحها، طرق الباب ولم ينتظر ردّها، فتح ودخل.
وجدها جالسة على سجادة الصلاة، تبكي وتهمس بأدعية
لا تُسمع.
اقترب بهدوء، جلس على طرف الفراش، ينتظرها في صمتٍ ثقيل.
مرت الدقائق، حتى سلّمت وأنهت صلاتها، رفعت عينيها إليه بتعبٍ ظاهر في قسماتها.
سليم بصوت منخفض، يحمل قلقًا حقيقيًا: عاملة إيه دلوقتي؟ لسة تعبانة؟
لم تعرف كيف تجيبه. كانت تنظر إليه، لا تدري كيف تمثّل القسوة على من تحبه.
هي لا تحتاج إلى الكذب، تحتاج إليه هو تحتاج حضنه، تحتاج أن تصرخ في وجهه وتقول: ألحقني من رشدي… أحميني، أنا خايفة.
لكن كيف؟ وهو أصل الحكاية؟ هو من رسم الكذبة، وهو من جعل رشدي يتجرأ عليها بهذا الشكل.
وضعت يدها على قلبها، ونطقت بصوت مكسور: هنا… واجعني واجعني قوي.
أقترب منها أكثر بلهفه، جلس مقابلًا لها، أمسك يديها بلطفٍ يشبه رجاء اليتيم:
موجوعة من إيه؟ قولي يا قلب سليم، أنا ممكن أقتل، أحرق، وماشوفكيش موجوعة لحظة واحدة.
نظرت إليه مطولًا، تعلم أنه يحبها، وتعلم أن كلماته تلك صادقة، وأنه برهنها بأفعالٍ جعلتها تعشقه حتى النخاع.
لكن الحقيقة التي عرفتُها عنه أقسى من كل ما قاله، وكل ما فعله .. حقائق لا تغتفر..
كان قلبها في تلك اللحظة يعتصر بين عقلٍ يصرخ أن لا تصدقي، إنه مجرّد شيطانٍ متنكّر في هيئته
وبين قلبٍ لا يرى فيه إلا الحبيب الذي جعل منها أميرة ولم تأخذ منه إلا الحنان والاحتواء
لكن أخيرا بالطبع فاز العقل لأنه المتملك في هذه الأوقات الصعبة… تنهدت بحرارة.
سحبت يديها ببطء، وقالت بصوت مخنوق: إنت جاي ليه؟ لو سمحت… سيبني لوحدي.
سليم برفضٍ واضح، وضيقٍ مكسو بالحنان: يعني إيه جاي ليه؟ أكيد جاي علشانك. إنتِ مش طبيعية، فيكي حاجة، قوليلي طمنيني عليكي.
أدارت وجهها عنه، تحاول أن تتجنب عيونه: ما إنت عارف… إني بفكر.
مدّ يده، وضع كفّه على خدها، وأجبرها على النظر إليه.
نظر في عينيها المكسورتين، العاشقتين، المقهورَتين، وقال بنبرة حب ممتزجة بالعجز:
بتضحكي عليا ولا على نفسك؟ أنا عارفك أكتر ما إنتي عارفة نفسك، في حاجة مزعلاكي، قوليلي وطمني قلبي عليكي؟
وضعت يدها على قلبها مجددًا، كأنها تحاول تهدئة النار المشتعلة داخله وأوجاعها التي لا تهدأ.
نظرت له مطولاً، بنوع من الضيق، لكن حاولت الحافظ على هدوئها، أشاحت بوجهها في إتجاه آخر.
ماسة بصوت مبحوح: سليم… أنا مش عايزة أتكلم. عايزة أسكت وبس.
رفع يدها ووضعها بين كفيه، اقترب منها أكثر، وقال بنظرة عاشقة يملؤها القلق وحنان:
ماستي الحلوة، بصّيلي…
رفعت عينيها له ببطئ ونظرت له أضاف سليم بضعف بعين تخنقها الدموع:
أنا عارف إني وعدتك، بس أنا مش قادر… مش قادر أوفي….أنا ضعفت، وإللي مخليني أضعف أكتر إنك مش طبيعية من بعد حادثة والدك.
ردود أفعالك، سكوتك… كله مش طبيعي، مش إحنا أصحاب؟ دلوقتي اعتبريني صاحبك، أخوكي، أي حاجة… إلا سليم جوزك، قوليلي مالك، ووعد، مهما كان السبب، أقسم لك ماهتعصب، وهسمعك بكل حب وعقل.
نظرت إليه الثواني بعينين دامعتين بصمت هي تحتاج له اكثر من اي وقت مضى لكن لا تستطيع ، قالت بصوت خافت: إنت بالنسبالي… سليم. سليم وبس…مش هينفع تكون غير كده… سليم جوزي.
وأكملت داخلها بغل واشمئزاز:
سليم إللي بسببه أهلي متهددين بالموت، سليم الكداب إللي بيتاجر بالبشر، وخدعني وأكلني حرام.
صمت سليم قليلًا، ينظر أمامه، ثم قال بحزنٍ ممزوج وحيرة:
أنا مش عارف… هيّ المشكلة فعلاً تستاهل كل ده؟
أنا غلطت أوي كده؟ ولا إنتِ إللي كبرتيها؟
ولا أنا إللي مستصغرها؟
ثم ألتفت إليها من جديد، ونظر لها بعينين دامعتين بوجع خنق نبرة صوته بإنكسار:
أنا مش مبسوط يا ماسة… أنا موجوع موجوع أوي.
مشكلتي إنك بتبعدي عني في أكتر وقت أنا محتاجلك فيه.، نفسي أنام في حضنك… وأنسى كل حاجة.
صمت ثانية، ثم قال فجأة بإبتسامة شغف:
تعالي نمشي، مش كنتي عايزة تسافري؟ مش قلتي تعال نروح سويسرا؟ تعالي نسافر، نسيب كل حاجة، إيه رأيك؟
نظرت إليه ماسة بوجعٍ عميق، كأن كلامه جاء متأخرًا جدًا.
ابتسمت بحسرة، وقالت:
نسافر سويسرا؟ مش خايف؟ أحسن العصابة تخطفني؟
سليم وهو يحبس دموعه: أكيد خايف… بس خايف على علاقتنا أكتر. ناخد أهلك ونسافر، نبعد، إنتي هتكوني مبسوطة هناك. أنا مش عايز غير راحتك، حتى لو على حسابي.خلينا نرجع زي زمان…أنا بحبك يا ماسة.وبجد أنا تعبت من البعد.. قلبي وجعني. خلاص بقى… ماكنتش غلطة.
كانت تستمع لكلماته بحزن شديد ووجع، وكأن كل جملة منه كانت سكينًا يغوص أعمق في قلبها.
فهو لو قال ما قاله في وقتٍ آخر، كانت ركضت لحضنه، تمسكت بقميصه وقالت:
خلينا نسافر، خلينا نمشي، خلينا نختفي مع بعض من الدنيا كلها…
لكن للأسف الوقت فات.بكت بحرقة ونهنهة
سليم انتبه إلى حزنها، إلى الانكسار في نبرتها، وإلى الرجفة التي تمسّك أطرافها باستغراب، كأنه يراها تتألم هكذا للمرة الأولى.
اقترب منها سليم، أمسك يدها بإنضمام قال متعجباً بقلق: مالك؟ إيه إللي حصل؟ قوليلي.
لكنها لم تكن قادرة على النطق.
كل شيء بداخلها كان بيصرخ، لكنه يرفض الخروج سليم يتغير، يعود كما كان قبل الحادثة، في الوقت الذي انتهت هي فيه، انتهت في الوقت الذي عرفت فيه الحقيقة، في الوقت الذي رسمت العلاقة بينهم خط النهاية.
توقفت، أعطته ظهرها، فهي غير قادرة على النظر في عينيه أكثر تخشى من كثرة الضغط أن تفلت منها كلمة تدمر بها عائلتها.
قالت بصعوبة وبحة ضعيفة: سليم، لو سمحت، سبني.
سليم بإندهاش بنبرة ضيق: يعني إيه أسيبك يا ماسة؟ هو إحنا مش اتصالحنا؟ ليه رجعتي تاني؟
ماسة بصوت مكسور: قولتك إللي حصل كان لحظة ضعف… أنا كنت ضعيفة قدامك، بعدين ما إحنا اتكلمنا وإنت قولتلي أنا هحترم قرارك وهستناكي.
توقف سليم ونظر إليها بحيرة تملأ ملامحه: أنا عايز أفهم، إيه إللي حصل يوم الحادثة؟ بصيلي قوليلي حصل إيه بالظبط؟
أكمل وجعلها تلتف أمامه قائلا بشدة:
ردة فعلك يوم حادثة والدك، كان في حاجة أكبر من مجرد خوف عليه…
ارتبكت، لكنها تشبثت بالتمثيل قالت بتوضيح:
بابا عمل حادثة، كان ممكن يموت…كنت عايزني أعمل إيه؟ أنا مش زيك، أنا وأهلي بنحب بعض، مهما عملوا فيا، هفضل أحبهم، وهما بيحبوني، علاقتنا مختلفة عن علاقتك بأهلك، علشان كده ردود أفعالي بالنسبالك مبالغ فيها… بس صدقني هي طبيعية.
سليم بهدوء وتفهم: أنا مش قصدي وقتها…أنا قصدي بعدها، لما اطمنتي. إنتِ ماطمنتيش… إنتِ لسة خايفة من حاجة
ماسة بسرعة: لا خالص، أنا كويسة، زي ما اتفقت معاك..بحاول أفكر، بحاول أبعد لإني بضعف قدامك.
تنهد سليم بنبرة متوترة غير مصدقا: والقرار ده بقى… هتاخديه إمتى؟إحنا قربنا نكمل أسبوع وبعدين إمبارح كنتي عصبية أوي، وطلبك للطلاق كان إيه؟!
ماسة تنهدت بتعب: متعصبة يا سليم لإنك رفضت أبات وبابا عامل حادثة، أعصابي تعبانة.
نظر لها مطولا بصمت غير مصدق ما تقوله ثم هز رأسه بإيجاب وقال بنبرة مكتومة: ماشي بس مش هقولك تاني يا ماسة، بلاش كلمة طلقني علشان بجد بتجرحني أوي، إحنا اتفقنا مافيش الكلام ده إنتي محتاجة ترتاحي وبس.
ماسة بإقتضاب وهي تعطي ظهرها: ماشي يا سليم، ماشي.
نظر سليم لها بوجع وبنبرة محب هزمه عشقه أمامها:
عموماً يا ماسة، أنا موجود في أوضتي…وقت ماتحتاجيني، هاتلاقيني زي ما قولتلك، إنتي بس قولي… تعالى هجيلك جري، قلبي وحضني مستنينك بنفس القوة والعشق ماتهزوش.
اقترب منها، طبع قبلة طويلة على عينيها، ثم خرج،، ما إن أغلق الباب، حتى شعرت وكأن دوامة سحبتها.
إنهارت أرضًا وبكت.انفجرت بصمت، بعنف، بوجعٍ لم يعد له مخرج وظلت طول الليل تبكي دون توقف.
فهي مازالت تعشقه تحزن عليه بشدة وعلى حالته لكن الحقيقة التى عرفتها أكبر من ذلك الحب الذي في قلبها وقلبه.
أما سليم فدخل غرفته، جلس في الظلام حزينا يشعر بإختناق
لا يعرف إلى متى ستبقى حياته هكذا كان عيناه تنزف بدموع صامتة موجوعة.
كل منهما لم يترك غرفته للحظة حتى اليوم التالي ولم يتناول أي طعام.
في أحد الشوارع المجهولة الخامسة مساءً
كانت سلوى تسير في الشارع الذي وصفه لها مكي، خطواتها مترددة، وعيناها تتفحصان المكان بحذر. الصمت كان غريبًا، لا أثر لأي حركة سوى صوت خطواتها الخافتة. شعور غير مريح بدأ يزحف إلى قلبها، فقبضت على هاتفها بسرعة واتصلت به.
سلوى بتوتر: مكي، إنت فين؟ الشارع ده غريب أوي.
جاءها صوت مكي هادئًا: أمشي بس في الطريق إللي قلت لك عليه، هتلاقيني.
سلوى تنهدت: أما نشوف آخرتها معاك إيه؟!
استمرت في السير، لكن قلبها كان يخبرها أن شيئًا ليس على ما يرام. وفجأة، توقفت سيارة سوداء بجوارها، انفتح الباب بسرعة، وخرج منه بضعة رجال، ملامحهم كانت مريبة. قبل أن تستوعب مايحدث، شعرت بأيد قوية تسحبها إلى الداخل.
سلوى وهي تصرخ وتحاول المقاومة: إيه ده! إبعدوا عني يا حيوانات! عايزين مني إيه؟؟ أبعدو عني؟!
حاولت أن تضربهم بحقيبتها، لكنهم كانوا أقوى، وسرعان ماوجدت نفسها داخل السيارة التي أنطلقت بها بسرعة. قلبها كان ينبض بجنون، عقلها يحاول تحليل ما يحدث، لكن الخوف كان يخنقها كانت تصرخ لا تعرف ماذا تفعل.
بعد رحلة لم تستطع تحديد مدتها، توقفت السيارة أمام مبنى قديم، أشبه بمخزن مهجور. تم دفعها أحدهم إلى الداخل، حيث كان الظلام يسيطر على المكان، ولم يكن هناك سوى الصناديق المتراكمة في كل زاوية. كانت أنفاسها متلاحقة، تحاول استجماع شجاعتها، لكن الرعب كان أقوى.
سلوى وهي تبكي: طب إنتم عايزين مني إيه؟!
وفجأة، التقطت أذناها صوت شيء يتحرك خلفها. تجمدت في مكانها، أنفاسها علقت في صدرها. التفتت ببطء، وعيناها اتسعتا عندما رأت صندوقًا خشبيًا في أحد الأركان يهتز. شعرت أن الدماء تجمدت في عروقها، عقلها يصرخ أن تهرب، لكن قدميها لم تستجيب.
وقبل أن تصرخ، انفتح الصندوق فجأة، وخرج منه…
مكي.
كان واقفًا أمامها، ممسكًا بحفنة من البالونات، وابتسامة واسعة تملأ وجهه.
مكي بحماس: مفاجأة!
حدقت فيه للحظات، محاولة استيعاب ما تراه، قبل أن يتحول وجهها إلى كتلة من الغضب.
سلوى بإنفعال وهي تصرخ: إنت …إنت إللي عملت كل ده، إنت مجنون؟!!! إنت بتهزر؟!!! أنا كنت هموت من الرعب!
ظل يضحك وهو يقترب منها، مستمتعًا بردة فعلها.
مكي وهو يحاول تهدئتها: كنت عارف إنك هاتخافي، بس ماكنتش متوقع الضربة إللي هاخدها في وشي دلوقتي!
وكما توقع، إنهالت عليه بضربة قوية على ذراعه.
سلوى بحدة: تستاهل! إنت مش طبيعي! هو ده إللي هخليكي تقضي عيد ميلاد يا سوسكا ماحلمتيش بيه، إيه عيد الميلاد ده إللي يبدأ بخطف يا مكي؟
لم يتوقف عن الضحك، ثم مد يده إليها، يقدم لها علبة صغيرة.
مكي بإبتسامة: ولسة، المفاجأة ماخلصتش.
نظرت إلى العلبة بحذر، ثم فتحتها لتجد مفتاحًا داخلها. رفعت عينيها إليه في حيرة.
سلوى بإستغراب: ده إيه؟
ازدادت ابتسامته وهو يجيبها: ده مفتاح مكان هتقضي فيه أحلى يوم في حياتك.
سلوى وهى تقلب وجهها بقلق: أحلى يوم في حياتي يا خوفي
خرجت سلوى من المخزن خلف مكي وهي لا تزال غاضبة، لكن فجأة لمحَت مكي متوقفًا بجانب دراجة نارية من نوع ريس، ممسكًا بالخوذة، نظر إليها بضحكة مملوءة بالمكر.
مكي بمكر: يلا أركبي ورايا.
توقفت أمامه مترددة، ثم نظرت إلى الدراجة بعدم تصديق.
سلوى بإندهاش: إيه ده؟ هو إحنا هنسرق الموتوسيكل ولا إيه؟ ناوي نكمل عيد الميلاد في القسم؟
مكي بضحكة: نسرقه إيه بس يا بنتي، ده بتاعي!
وضعت يدها على خصرها وهي تحدق به بمزاح:
أممم طيب، وبعدين يعني؟ هتودّيني فين بالمصيبة دي؟
مكي بغموض: هتعرفي لما نوصل.
نظرت له بشك، لكنها في النهاية صعدت خلفه على مضض. أنطلق مكي بالدراجة بسرعة جنونية، فصرخت وهي تتمسك به بقوة.
سلوى بخوف: إيه ده!! إنت سايق إزاي كده! إهدى يا مكي!
مكي وهو يضحك: ده أنا حتى سايق بالراحة! ماسكاني كده ليه؟ هو أنا حرامي؟
سلوى بضجر: أنا مش ماسكاك أنا بحاول ما موتش! بالراحة وحياة أمك! فكرني أرمي الدبلة في وشك لما ننزل.
مكي بمزاح: نشوف الكلام ده بعدين.
ظلت متمسكة به طوال الطريق وهي لا تعلم إلى أين يأخذها، حتى وصلا إلى مكان كبير يبدو غريبًا. نزلت بسرعة وهي تحاول التقاط أنفاسها.
سلوى وهي تتلفت حولها: إيه المكان ده؟
ابتسم مكي وأشار إلى لافتة كبيرة كُتب عليها: مركز تدريب الرماية.
مكي بمكر: مفاجأة!
اتسعت عيناها وهي تنظر إليه بعدم تصديق.
سلوى بسخرية: يا سلام! يعني بعد ماخطفتني، وخدتني في رحلة مرعبة على الموتوسيكل، النهاية تبقى هنا؟ مركز تدريب على ضرب النار؟
مكي وهو يضحك: طبعًا! هو فيه مغامرة من غير شوية أكشن؟
وضعت يدها على جبينها بيأس، لكنه كان مستمتعًا بتعبيرات وجهها. تحركا إلى الداخل، وبدءا في تبديل ملابسهما. أعطاها مكي مسدسًا، ثم وقف بجانبها.
مكي بجدية مصطنعة: يلا يا عبده، ورينا مهاراتك.. أوعي بس تضربيني أنا، خدي بالك فيه رصاص بجد.
حدّقت به بضيق قبل أن تأخذ المسدس على مضض. جربت التصويب، لكنها كانت سيئة للغاية، فيما حاول مكي كتم ضحكته بصعوبة.
مكي بمزاح: متهيألي كده مش هينفع تعتمدي على نفسك في الحماية!
سلوى بسخرية: أعتمد على نفسي وإنت موجود؟ ده ينفع يا أبو الماكاميك؟
نظر لها متعجبًا : الماكاميك؟ الدلع ده جبتيه منين؟ بس والله حبيته! أبو الماكاميك، حلو! أكيد! ده أحلى عيد ميلاد في حياتك، مش كده؟
سلوى بمزاح: إنت إزاي تسأل سؤال زي ده، أول عيد ميلاد وإحنا سوا، وماكنتش متوقعة حاجة أقل من كارثة.
مكي متعجباً: يعني مش عاجبك؟
سلوى: عجبني، بس ماتفكرش في عيال بعد إللي عملته فيا النهاردة.. لا فيه محمد ولا فيه ماسة ولا فيه حد خالص..
أخذ مكي يضحك أكملت متعجبة بمزاح:
تاخدني تدريب على ضرب النار؟ إنت مجنون؟ فاضل تقول لي الدبابة بتتساق إزاي.
نظر لها مكي للحظة، ثم ابتسم بخبث: أوعدك، لما أنا أتعلمها هعلمهالك.
سلوى بمكر: تصدق؟ ده يطلع منك! وهيطلع منك إيه غير كده، مكي أبو ورد في الشنطة!
أنفجر مكي ضاحكًا وهز رأسه بمزاح: لا لا، أنا بجيب ورد في الشنطة بس لو حد قال لي بحبك، مش بقول شكراً وتسلم!
سلوى ضيقت عينيها: إنت بتسخر مني، ماشي يا سيدي.. بس برده يا مكي، يعني أول عيد ميلاد لينا سوا تعملي مفاجأة خطف، وموتوسيكل، وضرب نار؟ فين الرومانسية؟ والورد الأحمر فين الشمع؟
مكي وهو يضحك: أمال كنتِ عايزاني أعملك شموع وورد بذمتك يليق عليا؟
سلوى بضحكة خفيفة: صح، بس حقيقي حسيت إنه هيبقى أحلى، والله العظيم اترعبت! سيبك من كل حاجة، أنا مشكلتي في الخطف! والله العظيم متُّ من الرعب!
مكي: ماينفعش مراتي تخاف كده.. أجمدي، مرات مكي لازم تبقى قد التحدي غمز لها مازحًا
سلوى: طب يعني بعد كده هنعمل إيه؟
تبسم مكي وهو يضع يديه أسفل ذقنه بتفكير خبيث: هنعمل إيه؟! هنعمل إيه؟! ( تبسم) هخدك مكان حلو.
سلوى بقلق: يا خوفي.. كفاية بقى، سيبني أروح لسعدية سليمة الله يكرمك!

ضحك مكي دون تعليق
أخذ يعلمها ضرب النار لبعض الوقت مع تبادل الضحك والمزاح ..بعدما أنهيا تدريبها على الرماية ، توجه بها إلى مكان آخر. حيث وجدت سلوى نفسها أمام مطعم على النيل
أحد المطاعم الفاخرة على النيل.
بدا هادئًا تمامًا، ولا توجد سوى طاولة واحدة مجهزة خصيصًا، تتوسطها شموع و ورود مع موسيقى هادئة.
نظرت إليه بطرف عينها مبتسمة: إيه ده؟
نظر لها مكي بحب: أنا عارف إنك بتحبي الحاجات دي، فـ مقدرش أشوف حبيبة قلبي نفسها في حاجة وماحققهاش. أنا قضيت عيد ميلادك بالطريقة إللي بحبها، ودلوقتي جه وقتك. مدّ يده وقرص خدها بحنان.
سلوى بسعادة: والله نفسي أحضنك بس مش هاينفع.
ضحك مكي، ثم أمسك يدها وساعدها على الجلوس: بتهيألي بقى كده أحلى عيد ميلاد، صح؟
سلوى: والله الأتنين أحلى من بعض.
ابتسم وأخرج من جيبه علبة مستطيلة: كل سنة وإنتي طيبة كل سنة وإنتي منورة حياتي.
فرحت بشدة وأخذت العلبة منه، فتحتها لتجد بداخلها سوارًا ذهبيًا عليه حرفها.
سلوى: الله! حلو أوي! ميرسي
مكي وهو يلبسها السوار: على فكرة، أنا استأذنت عمي مجاهد بالعافية، وقعدت أتحايل عليه ساعة! واستغليت سعدية وسليم علشان يقنعوه، أختك اتخلت عني قالتلي وأنا مالي وقفلت السكة في وشي
سلوى ضحكت: بجد معلش بكرة هروحلها وأفهم مالها مش بالعادة تطول في الزعل.
مكي: عادي مازعلتش، بس حقيقي أبوكِ صعب أوي! شفتي بقى لو كنتِ مراتي رسمي، ماكانش حد هيتكلم؟
سلوى ضحكت: برده لا!
مكي تبسم: ماشي يا عنيدة .. طيب نطلب الأكل دلوقتي؟
سلوى: ماشي.
وفعلاً، طلبا الطعام وبدءا في تناوله، تبادلا الأحاديث الخفيفة كانت سلوى تتحدث بحماس، بينما مكي يستمع إليها بإبتسامة راضية. بعد فترة، انطلقت أغنية رومانسية هادئة في المكان، فتوقف مكي عن الأكل ونظر إليها بمكر.
مكي بابتسامة: إيه رأيك نرقص مع بعض؟
نظرت إليه بتردد، ثم زفرت سلوى قائلة بتوجس: مش عارفة يا مكي…!
مكي مشجعًا: يلا بلاش دلع، يلا خلينا نعيش الأجواء بشكل كامل.
ترددت للحظات، ثم نهضت ببطء ومدت يدها نحوه. أمسك بيدها برفق، وقادها إلى منتصف المكان.
تشابكت أصابعهما وتمايلا على أنغام الموسيقى في تناغم هادئ، يملؤه جو من الرومانسية والمرح، خاصة حين تعثرت سلوى فضحك مكي وهو يساندها برفق.
مكي بمزاح: إيه ده يا ستي! هو إحنا بنرقص ولا بنتمرن على الباركور؟
سلوى بضحكة خفيفة: أنا مش متعودة على الرقص، ما إنت عارف.
مكي وهو يغمز لها: ولا يهمك، معايا هتتعلمي كل حاجة!
ظلّا على هذا الحال لبعض الوقت، يرقصان بهدوء، يتبادلان النظرات المليئة بالحب حتى أنتهت الموسيقى.
لم يكن مكي بطبيعته رجلًا رومانسيًا، لكنه حاول قدر استطاعته أن يجعلها سعيدة بطريقتها. وبالفعل، تمكنا من قضاء وقت جميل معًا، بسيط لكنه مليء بلحظات خاصة بينهما.
عندما ذهب كل منهما إلى بيته، قضيا طول الليل يتحدثان في هاتفيهما بحب وعشق، ليتوجا تلك الليلة. لا يعرفان أنها ستكون آخر ليلة لهما معًا. وماذا يخبئ لهما الغد؟
💞__________________بقلمي_ليلةعادل ◉⁠‿⁠◉
قصر الراوي السابعة صباحا
جناح سليم وماسة
قبل أن يتوجه سليم إلى المجموعة، مرّ أولًا على جناحه هو وماسة ليطمئن عليها. وجدها غارقة في سباتٍ عميق فوق الأريكة، وكأنها لم تذق طعم النوم منذ سنوات. ملامحها مرهقة، وجهها شاحب، وحزين، وتلك الدموع التي تنساب من جفونها المغلقة دون إرادة… جعلتها تبدو كملاكٍ مكسورٍ يئن في صمت.
هي لم تنم بإرادتها، بل التعب قد تغلّب عليها. يومان من السهر والإنهيار النفسي كانا كفيلين بأن يسقطاها فوق الفراش فجأة، لتغفو دون أن تشعر.
اقترب منها سليم ببطء، ودقق النظر في ملامحها التي لم تعد كما يعرفها. لم يكن يفهم ما الذي يحدث لها، وما الذي أصابها بهذا الشكل. تنهد بتعب، لكن ما أثار دهشته تلك الدموع التي تتساقط رغم نومها. مدّ يده، ولمس دموعها بهدوء وقبّلها، ثم مسح على وجهها بلطفٍ وحبٍ لثوانٍ. أحكم الغطاء فوق جسدها المنهك، وطبع قبلة صغيرة على جبينها، قبل أن يتركها ويغادر في صمت.
استيقظت بعد وقتٍ لا تدري كم مرّ عليها، لتجد نفسها على الأريكة، والغطاء يغمرها. فهمت على الفور أن سليم هو من غطاها، وأدركت أن النوم غلبها غصبًا عنها. لم يكن هناك ما يريحها، لكن الجسد قرر أن يسقط ولو قليلًا.
كانت تشعر وكأن قلبها لم يعد ينبض، بل ينبّهها فقط إلى أنها ما زالت على قيد الحياة… رغم أنها تتمنى لو لم تكن كذلك.
ظهرها يؤلمها وكأنها تعرضت لضربٍ مبرحٍ بسوطٍ من جنزير، رأسها يكاد ينفجر من الصداع، قلبها يتألم بصمتٍ يفتك بها. لم يكن في جسدها موضعٌ إلا ويصرخ من الوجع والغليان. ملامحها لم تعد لفتاةٍ في ريعان العمر، بل لإمرأةٍ في التسعين أثقلها الحزن وأكل الخوف قلبها. لو أستمر الحال يومين آخرين، لتحوّل شعرها إلى الأبيض، فما مرت به كافيًا لتحطيم كل أعوامها .
مرت أمام المرآة بالصدفة، فكدت لا تعرف انعكاسها. من هذه؟ لم تكن ماسة… بل ظلّت إمرأة لا تعرفها يومًا.
الصمت من حولها لم يكن هدوءًا، بل صدى صراخها الداخلي الذي لا يسمعه أحد.
تناولت هاتفها واتصلت بسلوى، تطلب منها أن تأتي. كانت تريد الحديث معها… تريد أن تقنعها بالابتعاد عن مكي. لكن سلوى أجابتها بأنها ستتناول فطورها وتأتي بعدها مباشرة. ثم دخلت غرفة الملابس، فتحت درج الملابس الداخلية تبحث عن الهاتف الذي أعطاه لها رشدي. لعلّه ترك رسالة… أو حاول الإتصال. لكنها لم تجد شيئًا..وضعته في جيب البيجاما على الوضع الصامت.
خرجت بهدوء من غرفة الملابس وجلست فى الشرفة على الأرجوحة، بعد أن طلبت من سحر فنجان قهوة، وسألتها عن سليم. فأجابتها سحر بهدوء: سليم في المجموعة.
وظلت تجلس ماسة هكذا، تنتظر سلوى… حتى أتت.
جناح سليم وماسة الثانية مساءً
كانت ماسة وسلوى تجلسان على الأريكة بجانب بعضهما. على الطاولة أمامهما كوبين من الشاي، وسلوى تحدق فيها بنظرة طويلة مليئة بالقلق.
مسكت سلوى إيديها: أنا عايزة أفهم مالك؟ بقالى ساعة بسألك مالك وبتقولي مافيش، وأنا مش مقتنعة ولا هقتنع.
ماسة بضيق: علشان مافيش.
سلوى بإصرار: لا، في… وأنا متأكدة إنه في.
تنهدت ماسة بمرارة: يا بنتي ما أنا قلت لك، موضوع إنه شاكك فيا، وكل شوية يهددني… طريقته معايا ضغطاني، عايزة أمشي وهو مش عايزني أمشي. مش عارفة أفكر، زهقت.
سلوى ما زالت تحدق بها، تشعر أن هناك ما تخفيه عنها. تعرف ماسة جيدًا، تعرف متى تكذب.
سلوى بنبرة حازمة: بقول لك إيه… لو هتكذبي على الدنيا كلها مش هتكدبي عليا. أنا سلوى، توأمتك، حتى لو ما اتولدناش في نفس اليوم.
شعرت ماسة بثقل على قلبها، ودموع تهدد بالإنهمار، لكنها قاومتها.
بصوت متهدج: سلوى… أنا مضغوطة… ودي أسبابي.
سلوى بحدة: ماسة، أسبابي إيه؟ إنتي مزوداها.
ماسة وهي تتك على كلمة: مزوداها….
تبسمت بوجع قالت: ماهو أنا علشان ماسمعش الكلمتين دول، أنا ساكتة.
سلوى بتأكيد: بس أنتي مزوداها والله..
تابعت بدهشة ورفض لفعلتها:
وإللي إنتي عملتيه إنك تاخدي العربية وتكسري البوابة… ده مش شبهنا ولا طريقتنا وماكنتش مستاهلة تعملي كدة.
نظرت لها ماسة بجمود وحدة: لا، شبهنا وطريقتنا. سلوى، أنا بقالي تمن سنين عايشة في القصر ده، وتسع سنين إلا شهر متجوزة سليم. إللي أنا عملته طبيعي جدًا، وبالبساطة دي مع عائلة زي دي.
سلوى بإستغراب: بالبساطة دي؟
بعين لا ترمش أكدت ماسة: أيوه، بالبساطة دي. ودي الطريقة الوحيدة إللي كانت هتخليني أخرج. ماكنش عندي صبر لسة هكلمه وأتناقش معاه ويرفض.
سلوى شعرت أن ماسة تخفي شيئًا آخر. قالت برجاء: مش عارفة ليه، حاسة إن فيه حاجة تانية. أحكيلي.
ماسة تهربت: قوليلي إنتي عملتي إيه إمبارح مع مكي؟
سلوى تنهدت بتعب: مش عايزة تتكلمي يعني؟…طيب هعرف إزاي أخليكي تتكلمي.
ثم تابعت وهي تبتسم بحب يخرج من عينيها:. بصي، قضينا وقت حلو أوي مع بعض. عمل لي مفاجأة…تخيلي اتخطفت طلع مجنون! بعدين رحنا كافيه، وجاب لي هدية، الأنسيال ده… وعملي جو رومانسي ورقصنا، وقالي بحبك.. أنا بحبه أوي، يا ماسة… بيحاول يخليني مبسوطة، بيعمل كل إللي بحبه، حاساه سند ليا أوي، ربنا يخليه ليا يارب
بجد أنا ندمانة على كل لحظة رفضته فيها وتأخرت إني أرجعله، حقيقي كنت غبية مش عارفة لو كنت فضلت معاندة كان هيحصل إيه؟! كنت هتحرم من كل السعادة دي، أنا قلبي سعيد ، أول مرة أعرف معني كلمة إن قلبي سعيد ومطمن أوي.
كانت ماسة تستمع لها، والضيق يكتم صدرها. ترى شقيقتها تعيش نفس الأكذوبة مع شخص مزيف ولا تريد لها أن تعيش كما عاشت هي.
نظرت ماسة أمامها وقالت بنبرة هادئة لكنها حاسمة مليئة بالوجع: سلوى إنتي لازم تبعدي عن مكي وتنهى الخطوبة دي.
نظرت سلوى لها باستغراب شديد، صمتت للحظة:
إيه إللي إنتي بتقوليه ده؟!
نظرت لها ماسة قائلة بنبرة حاده: أنا بقول لك الحقيقة بقولك إنك لازم تلغي الجوازة دي، صدقيني ده الأصلح ليكي.
سألتها سلوى بذهول: في إيه يا ماسة؟
جزت ماسة على اسنانها وهي تغمض عينيها فهي غير قادرة أن تصمت أكثر، وفي نفس ذات الوقت لا تريد أن تضع شقيقتها في مكان خطر.
نظرت لها وقالت بنبرة مليئة بالأسى والحزن والغضب معا: في إن مكي ده طلع أسوأ حتى من سليم، ولو اتجوزتيه هاتعيشي معاه نفسي إللي أنا عايشاه، نفس المأساة، نفس الوجع، نفس الكذب، نفس الخداع، ده واحد مزيف، واحد كذاب، ب 100 وش، شايفة الحال إللي أنا عايشة فيه، إنتي كمان هتبقى عايشاه ويمكن أكتر كمان عشان هو دلدول سليم.
توقفت سلوى ونظرت لها بحدة قالت: ماسة خدي بالك على كلامك شوية!! فيه إيه؟
توقفت ماسة أمامها محاولة التوضيح: فيه إنك لازم تسمعيني كويس،، أنا بحبك وخايفة عليكي..
مسكت إيديها ودموعها تنهال على وجنتيها بوجع ورجاء وتوسل:
حبيبتي والله العظيم أنا بعمل كده علشان خايفة عليكي سيبي مكي.
أكملت بنبرة مليئة بالغل والضيق:
ولما تيجي تسيبيه أوعي تدي له مبرر، لازم توجعي قلبه علشان هو يستاهل ده، زي ما هو كذاب ومخادع ماتريحهوش خليه مايعرفش إنتي ليه حتى سبتيه وليه اتغيرتي.
كانت سلوى مصدومة لما تستمع له قالت بصعوبة: إيه القسوة إللي بقيتي فيها دي يا ماسة؟
ماسة بهدوء حزين أعطت لها ظهرها:مش لازم تفهمي دلوقتي
سلوى اعترضت بحدة: يعني إيه مش لازم أفهم؟ بتطلبي مني أسيب حبيبي وخطيبي إللي هيبقى جوزي كمان كام شهر! وعايزاني مافهمش..أنا لازم أفهم، بعدين يا ماسة إنتي حقيقي مزوداها وأنا أول مرة أبقى ضدك، سليم غلط، واعتذر خلاص،
إنتي استحملتي وسامحتيه زمان على حاجات أكبر من كدة، على الأقل زمان ما كانش عنده مبررات لتصرفاته، لكن دلوقتي عنده مبررات..وبعدين مكي ماله بسليم؟
تنهدت ماسة بتعب نظرت لها وأطرقت برأسها بضعف: فيه حاجات ماينفعش تتقال… بس لازم تسيبيه…
نظرت داخل عينيها بقوة وحسم:
ولازم تفهمي إني مش هسمح للجوازة دي تتم، لو هادفع حياتي كلها التمن،مش هخليكي تعيشي نفس المأساة، مش هاتعيشي نفس مأساتي يا سلوى.
نظرت إليها سلوى بإستغراب شديد، لم تكن تفهم ما بها، ولا ما يدور في عقلها، لكنها حاولت تهدئة الموقف. مدت يدها تضعها على خدها برفق علّها تطمئن وتلين.
طب فهميني… في إيه يا حبيبتي؟ قوليلي، أنا معاكي.
تقدّمت ماسة بخطوات متثاقلة، ملامحها شاحبة، ودموعها تهطل بلا توقف قالت وهي تُعطي لسلوى ظهرها، همست بصوت مكسور:
مش هعرف أقولك… والله ما هعرف… أرجوكي، بلاش تضغطي عليا.
لم تستوعب سلوى شيئًا، كانت مشاعرها مشوّشة، وقلبها يضرب بعنف، لا تدري ما الذي يحدث. ردّت بصوت يحمل الحزن والرفض معًا:
وأنا آسفة، مش هقدر أسيب الراجل إللي بحبه وأنا مش فاهمة حاجة!
اتسعت عينا ماسة، كأنها تلقت طعنة من أقرب الناس إليها. ألتفتت تنظر لها برجاء، تحاول أن تقنعها:
مش أنا توأمك؟! مش إنتي إللي دايمًا بتسمعيني؟ أكيد بعمل كدة لمصلحتك!
هزّت سلوى رأسها بعناد، صوتها يخرج بغضب دفين:
أفهم الأول! بعدها أقرر، لازم تفهمي إن إللي بتطلبيه مني ده مستحيل!
صرخت ماسة بقهر: مستحيل!!
ردّت سلوى بإنفعال أشد، ودموعها تلمع في عينيها:
آه، مستحيل! أنا بحبه! بحبه يا ماسة، إزاي تطلبي مني أسيبه؟ وعايزاني أوافقك كده بالساهل أبقى مجنونة! فهميني فيه إيه يا ماسة؟ اتكلمي! مالك؟ شايلة إيه في قلبك؟ قوليلي! أنا سلوى… أتكلمي بقى!
شعرت ماسة وكأن العالم يدور بها. عيناها تائهة، وأن هناك من يصفعها بقسوة على وجهها، مرة بعد أخرى. كانت تغرق في بحرٍ من الألم، بلا قرار، وكأن الأرض انسحبت من تحت قدميها. لا تريد أن تبوح، لا تريد أن تشارك أحدًا بما تعرف، حمايةً لمن تحب. لكنها، في ذات الوقت، تعرف أن سلوى محقة… فهي تطلب منها أن تبتعد عن حبيبها، دون أن تعطيها سببًا. وهذا ليس عدلًا.
هل تصمت؟ هل تتكلم؟ سيبقى الصمت خيانة، و البوح خطر.
تنهدت بتعب شديد، وكأنها استنزفت آخر ذرة طاقة في صدرها، وجلست على الفراش. جسدها كان على وشك السقوط من شدة الوجع، ودموعها لا تتوقف، كأنها تنزف دون جرح ظاهر.
ماسة رفعت عينيها ببطئ بتردد: توعديني ماتقوليش لحد؟
جلست سلوى إلى جوارها بسرعة، وقلبها يتخبط كأن الطوفان قد اقترب: طبعًا أوعدك، وعد.
هزّت ماسة رأسها بنفي، عنادها ممزوج بألم شديد:
لا… مش كفاية. لازم تحلفي على المصحف.
نهضت سريعًا، فتحت درج الكومودينو، أخرجت منه مصحفًا صغيرًا، وسلوى تنظر لها بدهشة وصمت،تحاول أن تفهم.
عادت ماسة لتجلس، وقدّمت المصحف بيد مرتجفة:
أحلفي.
وضعت سلوى يدها على المصحف، وصوتها يرتعش:
وحياة كتاب الله… ما هقول لحد.
أخذت ماسة نفسًا مرتعشًا، كأنها توشك على السقوط:
لازم تفهمي… لو اتكلمتي، بابا وماما وإخواتنا هيموتوا! ولازم تعرفي… إن الحادثة بتاعة بابا كانت مدبّرة!
اتسعت عينا سلوى، وانكمشت ملامحها في ذهول لا يُصدق:
إنتي بتقولي إيه؟ الحادثة مدبرة؟ إزاي؟!
سكتت ماسة لحظات، كان الألم ينهش كل جزء بها، وصوتها يخرج مكتومًا، يختنق بين ضلوعها:
هقولك… هقولك كل حاجة. بس زي ما قلتلك… كل كلمة هاتسمعيها، ما ينفعش تتقال تاني. ولا حتى بينك وبين نفسك. لإن التمن هيكون حياتهم…
ترددت لحظة أخرى، لسانها يشتعل بحرقة، كأن كل كلمة ستحرق روحها قبل أن تخرج. ثم قالت بعينين دامعتين:
سليم… سليم بيشتغل في حاجات ضد القانون. ومكي… لإنه دراعه اليمين شغال معاه. وأنا اتأكدت من ده بنفسي.
شهقت سلوى، عيناها تلمعان بالصدمة:
إنتي بتقولي إيه؟ ضد القانون إزاي؟!
أمسكت ماسة بيديها وقالت:
أنا هحكي لك كل حاجة. هقولك يمكن… يمكن أرتاح. يمكن الوجع إللي جوايا يسكت شوية…
بدأت ماسة تحكي لها كل ما عرفته من رشدي، وكل الأسرار التي حملتها وحدها طوال هذه الأيام. كانت الدموع تجري على وجنتيها بلا توقف، وكأنها تغسل أوجاع السنين.
وبعد ان انتهت كانت دموعها انتهت معها.
بينما سلوى كانت تستمتع لها وعينيها تخرج من محجرها، يعلو وجهها اصفرارا كأن الدماء قد جفت منه، يديها باردة كالثلج من الصدمة كاد قلبها يتوقف.
سلوى وهي غير قادرة أن تخرج أي كلمة، أنفاسها توقفت: إيه إللي إنتي بتقوليه ده؟! مش يمكن بيكدبوا.
كانت ماسة تجاهد لكي تنطق بالكلمات، وكأن وجعها يخنقها خنقًا: شفت بعنيا كل حاجة.. بقول لك في فيديوهات..حتى لما قعدت مع نفسي وجمعت كل حاجة.. كلامهم صح.. كله صح.
انفجرت الدموع من عين سلوى، بوجع يقطع نياط القلب، وانحنت بجسدها المرتعش نحو ماسة، كأنها تبحث عن قشة نجاة.
أمسكت سلوى يدها وقالت بانكسار مرير وببكاء كأنها تترجاها أن تنكر ما قالته:
أنا مش مصدقة.. والله العظيم مامصدقة إللي إنتي بتحكيه ده.. مش معقول.. عقلي مش قادر يصدق..
قوليلي بهزر.. قوليلي بهلوس.. قوليلي بكدب عليكي.. بس أوعي.. أوعي تقولي الكلام ده.. أوعى تقولي إنه بالبشاعة دي! لا يا ماسة ده مستحيل صح.. إنتي بتعملي مقلب ماسة لا لا مكي مستحيل مستحيل.
رفعت ماسة عينيها المحمرتين نحوها، يملأهما قهر ثقيل، بخنقة وحسرة: يا ريت..
شهقت سلوى شهقة حارقة، وكأن صدرها لم يعد يحتمل الهواء، وانفجرت بالبكاء، صوتها خرج مبحوحا من وجع قلبها:
لالا إنتي بتكدبي، مستحيل ده ده عمره ما قالي كلمة وحشة ولا بصلي بنظرة مش كويسة، إنتي مش بتشوفي بيعاملني ازاي؟! عايزة تفهميني إن كل ده كان كدب؟؟ كل ده تمثيل؟!
نظرت ماسة لها بصمت ودموع لا تعرف بماذا تجيب كأن الكلمات تاهت منها..
أكملت سلوى على نفس ذات الوتيره بإنهيار وصدمة:
هم إزاي كدبوا علينا كده؟! إزاي ضحكوا علينا بالشكل ده؟! إزاي بوشوشهم الكدابة دي؟!
إزاي عشنا السنين دي مغشوشين فيهم.. مغشوشين في كل حاجة؟! أنا مش قادرة.. مش قادرة أصدق!
حاسة إني هموت من الصدمة
وضعت يدها على قلبها الذي يتمزق بداخل صدرها:
قلبي، قلبي حاسة إنه هيقف يا ماسة..
بيتاجر في البشر قوا،د!!! إنتي عارفة يعني إيه قو،اد يا ماسة؟!
كان الغضب قد استعر داخلها، فجزت على أسنانها بقوة حتى كادت تحطمها، وصاحت:
والحقير رشدي ده.. إزاي كان هيقتل بابا؟!
إنتي لازم تمشي من هنا.. لازم تطلقي من سليم ويغور بعيد.. إحنا نرجع خدامين أشرف لنا، أهون لنا..
أما مكي.. والله العظيم.. على قد ماوجعني وكسر قلبي لأندمه .. ده طلع قذ،ر.. قذ،ر!
مسحت ماسة دموعها بأنامل مرتجفة، وحدقت في الفراغ بنظرة خاوية، ثم تمتمت بصوت مبحوح:
مش هينفع ناخد أي رد فعل غريب يا سلوى..
سليم ذكي.. ولو عرف أو حتى شك.. رشدي ممكن يقتلكم..
نظرت لها وأمسكت يدها بتوسل: أنا خايفة عليكم.. بالله عليكي يا سلوى.. أوعى.. أوعى تعملي أي رد فعل عنيف.. أصبري.. بالله عليكي.. هايقتلكم!
كانت كلماتها كطعنة، مزقت قلب سلوى التي هتفت بمرارة دامعة:
كل ده شايلاه في قلبك يا ماسة؟! كل ده وإنتي ساكتة؟! ليه ماقولتليش؟ ليه؟!
ارتسمت على وجه ماسة ابتسامة مكسورة يغمرها الخذلان، وأسندت رأسها إلى ظهر الفراش، تاركة دموعها تنساب في صمت، ثم تمتمت بصوت واهن مقهور:
كنت خايفة.. كنت مرعوبة.. خفت رشدي يأذيكم.. خفت يعمل أي حاجة..المنظر مش بيروح من خيالي.. منظر بابا والعربية جايه عليه.. مش قادر يروح من عيني..نفسي أنام.. أنام ساعة من غير. ماسمع صوت رشدي وهو بيهددني.. بس مش بيروح.. مش بيروح!
أهتز صوتها، ورعشة يدها وهي تتابع بقهر:
عارفة أصعب حاجة في الدنيا دي إيه يا سلوى؟!
إنك تبقي نفسك تصرخي.. نفسك تبكي..ومش قادرة..
لازم تكتمي قهرك جواكي.. حتى لو بيخلص عليكي!
لازم تسكتي.. كأنك متكتفة.. مربوطة من رقبتك بحبل.. حبل بيخنقك..أي تصرف مش محسوب.. ممكن يكلف التمن حياتهم..كأنك وقعتِ في بير ملوش آخر.. عمال يبلعك جواه.. في ظلمة مالهاش آخر.. ومش هينفع حتى تصرخي! لازم صرختك تتكتم جواكي.. هنا..
وضعت يدها المرتجفة على حلقها بإشارة معبرة، وعيناها تفيض بالدموع أضافت: هنا بس!
صمتت لحظة، وحدّقت فيها بعين موجوعة كسرت صبرها، ثم انفجرت باكية كأن روحها تنزف.
وضعت يدها المرتجفة على قلبها، وهمست بألم يعتصرها:
قلبي واجعني أوي يا سلوى..
حاسة إن حد ماسك سكاكين.. وبيغرسها فيا من غير شفقة! بيضحك على وجعي.. بيتلذذ بقهري..
انا عملت إيه في حياتي عاشان يبقى مصيري كده؟!
عملت ايه وحش عاشان أتعاقب بالشكل ده؟!
تابعت بنبرة مقهورة:
ليه مش من حقي أرتاح؟!
ليه كل لما أحس إني خلاص.. خلاص قربت أتنفس..
ألاقي نفسي برجع للصفر!
ليه دايمًا أدفع التمن من أغلى حاجة عندي؟!
ودلوقتي.. دفعت التمن من قلبي وروحي وثقتي؟!
مسحت دموعها وهي تغالب رعشة يديها، ثم همست بمرارة:
زمان كنت بسأل نفسي سؤال واحد..
هل خطيئتي إني اتولدت خدامة فقيرة؟!
ولا خطيئتي إن ابن البشوات اختارني؟!
ليه بتحاسب؟ وبتحاسب على إيه؟!
فين المغفرة؟! هتيجي إمتى؟! ولا هفضل عمري كله عايشة في عقاب ماليش ذنب فيه؟!
ظلت عيناها معلقتين في الفراغ، ونبرة القهر تكسو كلماتها، واصلت بصوت يشطر القلب شطرين:
عشت سنين مع شخص بحبه وممكن أفديه بروحي من غير تفكير… وفجأة صحيت على واحد غريب.. ماعرفهوش! صحيت على حقيقة بشعة، تعرفي كان نفسي أعيش عمري مغفلة.. بس لا..عرفت.. وفهمت..
وسليم.. طلع أسوأ من ما كنت أتخيل!
عمري ما توقعت إنه ممكن يطلع بالبشاعة دي ولا بالصورة المقززة دي.
ضحكت ضحكة مرة، كسرت القلب قبل أن تواصل:
كنت عايشة كذبة كبيرة.. الناس كلها بتحسدني..
مش عارفين إني عايشة في أكبر مسرحية كدابة..
دفعت التمن باولادي الاتنين.
انهارت دموعها وهي تتابع:
الدنيا بتكرهني أوي يا سلوى..كنت فاكراها بتحبني لما رزقتني بسليم.. طلعت بتكرهني! ومحوشالي وجع السنين، تديني فرحة يومين..وتاخدهم مني فجأة… وتديني وجع سنين..
وكإنها حالفة ما تفرحنيش توجعني وبس، وتاخد مني كل حاجة بحبها.
هزت رأسها برفض ممزوج بغل:
بس المرة دي.. مش هقبل إني أضحي بيكم.. مستحيل! حتى لو هيكلفني حياتي.
تنهدت تنهيدة موجوعة، ونظرت لسلوى نظرة ملؤها ألم وهي تتأوه:
آااه آااه، أنا موجوعـة، موجوعه اوي..بقيت ماسة مكسورة..حاسة إن قلبي بيتفتت جوايا من الألم! روحي بتتحرق، نفسي أموت وأرتاح.. بس حتى الدعاء بالموت مش قادرة أقوله..
خايفة.. خايفة لو مت. رشدي يعمل لكم حاجة..
علشان كده راضية أعيش.. مضطرة أتماسك.. مضطرة أبقى قوية.
كانت سلوى تستمع والدموع تغمر وجهها، تشعر بكل كلمة، فألمها لا يختلف عن ألم ماسة. هي أيضًا خذلها مكي، وخافت على عائلتها، ولم تستوعب بعد ما حدث، لكنها كانت واثقة أنها خُدعت وتألمت.
سلوى بنصف ابتسامة حزينة قالت بصوت مقهور و دموع تهبط من قلبها قبل عينيها:
عندك حق في كل كلمة يا ماسة إحنا الدنيا مابتحبناش يعني فجأة بتضحك لنا وتفتح لنا دراعاتها… وفي الآخر نصحى ونكتشف إنه فخ، فخ بتوقعنا فيه، أنا إمبارح كنت عايشة أسعد أيام حياتي وفجأة فرحتي كلها اتسرقت مرة واحدة..
يمكن الخطيئة بتاعتنا زي ما إنتي قلتي إن سليم اتجوزك
أنا مش عارفة هاعيش إزاي ومش عارفة المفروض أعمل إيه دلوقتي، أنا نفسي أجيب سكينة وأغرسها في قلبه على كل كذبة كدبها عليا.. على السنين إللي حبيته فيها، وأنا مغفلة وفاكراه إنسان محترم وهو في الحقيقة مجرد حيوان معدوم الضمير والأخلاق ..
ماسة بإعتذار أمسكت يدها: أنا آسفة يا سلوى بس أنا مستحيل كنت هسيبك مغشوشة، عارفة إني وجعتك بكلامي بس ماهنش عليا أسيبك تعيشي نفس الكذبة.. حقك عليا.
سلوى بنبرة مكتومة: إنتي لو ما كنتيش قولتي لي كنت هزعل منك يا ماسة وما كنتش سامحتك.
بس إنتي هتعملي ايه مع الزفت رشدي؟
ماسة بنظرة باهتة مدت شفتيها:
معرفش… مستنية تعليماته… قال لي يومين وهقولك تعملي إيه عشان أمشي من هنا، وفي خلال اليومين دول… لازم أعمل خناقات كتير مع سليم… وإنتي يا سلوى… مش هاينفع تسيبي مكي دلوقتي..
سلوى بعينين مشتعلة بنار الانتقام:
لا مكي كده سيبيه لي، أنا هعرف إزاي آخد حقي من الحقير ده.
رفعت ماسة عينيها الباكيتين نحوها، وسألت بصوت مبحوح: هتعملي إيه؟
ردت سلوى وعينيها تلمعان بغل: هقولك… هقولك هعمل إيه!
((بعد وقت))
عادت سلوى إلى فيلتها وتبقت ماسة في الجناح لا تخرج منه وكأن السجن الذي كانت تريد الخروج منه أصبح هو مأواها.
فيلا عائلة ماسة الرابعة مساءً
دخلت سلوى الفيلا بصمت وكان واضحًا عليها الحزن العميق، لكنها كانت مجبرة أن تتظاهر بالقوة، كما طلبت منها ماسة.
تحركت بخطى بطيئة نحو الداخل، قابلتها سعدية في الردهة، وعلامات القلق تملأ وجهها.
سعدية: روحتي عند أختك؟
سلوى بوجه خالي من أي تعبير: آه، لسه جاية.
دقّقت سعدية النظر داخل عينيها وتساءلت:
مالك يا بت؟ عاملة كده ليه؟ اتعاديتي من أختك ولا إيه؟
سلوى بنفس الوجه البارد: لا، مافيش. أصل عندي مغص، فاهمة إنتِ يعني.
فهمت سعدية،: طيب ياحبيبتي أعملك قرفة؟ ولا يانسون.
سلوى بنبرة مكتومة وهي تتوجه للدرج:
شربت عند ماسة، أنا هطلع أرتاح شوية يا ماما.
سعدية: طيب، بس ما تاخديش مسكنات غلط، إنتِ داخلة على جواز.
سلوى بصوت هادئ: حاضر.
صعدت السلم، دخلت غرفتها، وجلست على السرير. كانت تنظر حولها بعينين تائهتين، تتذكر كلمات ماسة، تحاول تصديقها، لكنها لم تستطع.
هل يعقل أن الرجل الذي أحبته طوال هذه السنوات، الذي تمنت أن يكون فقط لها، أن يكون هو نفسه هذا الشخص؟
الرجل الذي كانت تراه رمزًا للرجولة، الشهامة، والاحترام، كيف استطاع أن يخدعها طوال هذا الوقت؟
كيف واجهها بوجهه البريء وكلماته النبيلة، وهو في الواقع وحش يتاجر بالبشر؟
شعرت بألم شديد اخترق صدرها، كأن قلبها يُكسر داخل ضلوعها بلا رحمة وكأنها تستمع لتكسيرة. روحها كانت تتمزق، تتعذب، ولم تستطع حتى البكاء. وجهها جامد، مصدوم بلا دموع، وكأن ملامحها اختفت.
وقعت عيناها على الصورة الموضوعة بجوار السرير، كانت صورة تجمعها بمكي. التقطت البرواز، وبدأت تتأمل الصور الأخرى، واحدة تلو الأخرى.
هو ده حبيبي؟
هو ده إللي كنت هتجوزه؟
كنت ها أنام في حضن واحد بيبيع البنات الصغار وبيتاجر في لحوم البشر؟
إزاي كنت غبية كده؟
صرخت صرخة قهر، ثم بدأت تحطم الهدايا التي كان قد أتى بها لها، كسرت الصور، وأوقعت الكتب والتحف العرائس من الرفوف وهي تصرخ وتقول:
كذاب… غشاش… حقير.
لم يسمعها أحد، فقد كان الجميع في الطابق السفلي.
سقطت أرضًا وسط الفوضى، وهنا هبطت دموعها أخيرًا، لكنها لم تكن دموعًا عادية. كانت دموع خذلان، دموع روح منهارة، أحلام انتهت قبل أن تبدأ.
بعد دقائق رن هاتفها وسط بكائها، نظرت إلى الشاشة، كان مكي.
ترددت، ثم أمسكته بقوة كانت ستكسّرها بين يديها، وكانت عيناها تحمل غلًا لم نشاهده من قبل. لأول مرة نرى تلك النظرة في عيون سلوى. أخذت نفسًا مكتومًا، ثم أجابت بصوت جامد، فهو الوحيد الذي استطاعت أن تمثله:
ألو.
مكي وقد كان يجلس مع سليم في أحد الكافيهات.
مكي بلهفة: إيه يا حبيبتي، عاملة إيه؟
سلوى، باقتضاب: كويسة.
مكي: لسّة عند ماسة؟
سلوى بسخرية: يعني ماتعرفش؟
مكي ضحك: لا، أصل أنا كنت مع سليم في المجموعة، بعدين قعدنا في كافيه، اتكلمتي معاها؟
سلوى، بحدّة: هي كويسة، مافيهاش حاجة، محتاجة بس تبعد شوية، يا ريت تقنعه، مافيهاش حاجة يعني.
عقد مكي حاجبيه متعجبًا من طريقتها: مالك بتكلّمينى كده ليه؟
سلوى، ببرود: مافيش، أنا كويسة.
مكي، بشك: متأكدة؟
سلوى بتهرب: أكيد. معلش يا مكي، أنا تعبانة شوية.
هنام، لما أصحى هبقى أكلمك. سلام.
أغلقت الهاتف، ثم ألقت به بعيدًا، وصرخت: حقير… سافل كدااااب.
في الكافيه،
كان مكي شاردًا، يحدق في هاتفه، وسليم يراقبه.
سليم، بتساؤل: في إيه؟ سلوى قالت حاجة؟
هز مكي رأسه نافيًا: لا، مافيش… بس مش عارف مالها.
سليم بضجر: أنا مش وقت أحل ألغاز.
مكي موضحًا: بتكلمني بأسلوب غريب وبتقفل في كلامها. شكلها متعصبة.
سليم: يمكن سعدية اتخانقت معاها علشان اتأخرت؟
مكي بتردد: ممكن.
سليم: إنت مش كنت عاملها مفاجأة امبارح، وقعدت طول الليل معاها على الفون؟
مكي: أمممم.
سليم: طب خلاص.
مكي، متسائلًا: طب هتعمل إيه مع ماسة؟ سلوى قالت ماسة مفيهاش حاجة، كل إللي محتاجاه هو فترة تبعد.
سليم تنهد بتعب عاد بظهره للخلف: مش عارف. محتاج أفكر وأهدى.
مكي، بنبرة هادئة: جرب تاني، وخليك حنين. بلاش الجنان إللي بيركبك وبيخليك تهدد. الأسلوب ده ماينفعش مع مراتك.
سليم مفسرا: مش بكون قاصد والله، بتستفزني.
بعدين انت عارف انا مستحيل اعمل حاجه.
مكي بعقلانية: حتى لو، مش هتعمل حاجة. خليك هادي.
هز سليم رأسه بصمت.أخذ رشفة من فنجانه، ثم قال:
كلمها بالليل وأفهم منها، وأنا كمان هحاول أكلم ماسة. ..بس والله يا مكي… تعبتني. تعبتني.
سيارة مكي
مكي يقود سيارته عائدًا إلى منزله. وتذكر طريقة سلوى في حديثها معه، شعر بشيء غير طبيعي، فقرر أن يغيّر اتجاهه ويذهب إليها.
فيلا عائلة ماسة السابعة مساءً
نرى سعدية تستقبله بابتسامة دافئة.
سعدية بترحيب: أهلاً بيك يا ابني، إيه الزيارة الحلوة دي؟
مكي باستحياء: أنا آسف والله، جاي من غير ميعاد.
مجاهد الذي يجلس على كنبه: ماتقولش كده يابني، إنت تيجي في أي وقت. اتفضل.
دخل مكي، وعيناه تبحثان عن سلوى، لكنه لم يرها.
سعدية: أكيد جاي تطمّن على سلوى؟ هي جت من عند ماسة، طلعت نامت وماصحيتش.
جلس مكي، وسأل بقلق: ليه؟ كانت تعبانة؟
سعدية: آه، ثانية واحدة هطلع أناديها لك.
صعدت سعدية، وكانت سلوى مازالت جالسة على الأرض، تبكي بصمت. عندما سمعت صوت والدتها، مسحت دموعها مسرعة وفتحت الباب ببطء.
سلوى توقفت عند الباب: في إيه يا ماما؟ ما إنتي عارفة إني نايمة.
سعدية متعجبة: ليه قافلة على نفسك بالمفتاح؟
سلوى: كنت بغير، وخفت حد يخش عليّ إنتي عارفة ولادك بيفتحوا من غير ما يخبطوا.
سعدية: طب تعالي، خطيبك تحت.
نظرت لها سلوى بضيق. لم تكن مستعدة لتلك المقابلة. تشعر أنها إن رأت مكي الآن ستقع مشكلة، وربما تنطق بكلمات وعدت شقيقتها أن لا تنطق بها، تنفّست بإختناق، مسحت وجهها، وتحركت حتى هبطت للأسفل. جلست على الأريكة دون أن تتفوّه بكلمة.
مكي بإهتمام: عاملة إيه يا سلوى دلوقتي؟
سلوى بفتور: ماقلتليش إنك جاي؟
مكي بمودة: حبيت أعملها لك مفاجأة.
لم ترد سلوى ، فقط نظرت أمامها. نظر لها مكي نظرة طويلة، لقد تأكد أن بها شيء.
نظر مكي إلى والدها بإستئذان: عمي ممكن أكلم سلوى في الجنينة؟
قبل أن بجيب مجاهد ردت سلوى: أنا مش قادرة أروح مكان.
سعدية: خلاص، خليكوا هنا معانا.
مجاهد: أنا هروح أصلي العشا.
سعدية: وأنا هقوم أعمل شاي، وأعمل لك يانسون يا سلوى.
مساعده مكي وسعديه مجاهد لكي يجلس على المقعد المتحرك
سعدية: خليك انت يا حبيبي.
هز مكي راسة بإيجاب، حين شعر مكي أنهما ابتعدا، اقترب من الكنبة وجلس.
مكي بإهتمام: مالك يا سلوى؟
سلوى بضيق وهي لا تنظر له: مالي؟!
مكي: شكلك متضايق فيكي حاجة، إيه إللي حصل؟!
سلوى بجفاء: بقولك تعبانة، إيه إللي جابك؟ أنا كنت نايمة، وماما صحتني.
مكي متعجبًا: ده أسلوب واحدة تعبانة ولا واحدة متعصبة وزعلانة؟
سلوى بحدة: إنت مالكش زعيق عليا، أتكلم معايا بأسلوب محترم.
مكي مندهشًا: إنتِ بتكلميني كدة ليه؟ انا مزعقتش اصلا؟!
شعرت سلوى أنها لن تستطيع كبح غضبها توقفت: بقولك إيه يا مكي، أنا تعبانة ومحتاجة أنام. وبعدين الفترة الجاية عندي مذاكرة، عايزة أنجح. وياريت لما تيجي بعد كده، تبلغني أنا.
توقف مكي، متعجبًا: سلوى، هو في إيه؟ أنا عملت حاجة ضايقتك؟ مش كنا كويسين إمبارح؟ كلمتيني الصبح، وقلتيلي أروح عند ماسة، إيه إللي حصل؟
سلوى: ماحصلش حاجة… بس تعبانة.
تنهد مكي بضيق مسح وجهه ههو متاكد ان بها شيء لكنه اختار ان يرحل الان قبل ان تحدث مشكله
: طب يا سلوى، أنا همشي دلوقتي علشان مايحصلش مشكلة. وتاني مرة ماتتكلميش معايا بالأسلوب ده.
سلوى بقوة نظرت له بمواجهة: هتعمل إيه لو كلمتك كده؟ هاتضربني؟
نظر لها بصمت لم يعلق فقط قال: السلام عليكم.
ردت بنبرة ساخرة: عليكم السلام ورحمه الله وبركاته.
تحرك وخرج للخارج وهو في غاية الغضب منها، فهو لا يفهم ما أصابها، لقد كان الأمس من أسعد أوقاتهما.
بينما توقفت سلوى، وهي تشعر بالوجع و الغضب الشديد، أخذت الوسادة وحذفتها بغل.
في تلك اللحظة، دخلت سعدية تحمل الشاي.
سعدية: هو مكي راح فين؟
سلوى: جاله تليفون مهم، عنده شغل أنا هطلع انام
سعدية: طب خدي كوباية اليانسون دي.
سلوى: ماليش نفس.
صعدت سلوى الى غرفتها، جلست في الظلام تبكي منهارة لم تستوعب أن كل أحلامها تلاشت في لحظة. وكل ما كانت تفكر فيه أصبح سراب… الآن، كل ماتريده هو أن تعرف كيف تُوجِعه كما أوجعها.
منزل مكي، العاشرة مساءً
غرفة النوم
نرى مكي جالسًا في الظلام، سيجارته بين أصابعه، والدخان يعلو ببطء في أجواء ثقيلة. الصمت يخنق المكان، وعقله مشغول، يدور في نفس الدائرة:
ما الذي حدث مع سلوى؟
حتى الصباح كانوا معًا… حديث، وحب، وضحك. الليلة الماضية كانت من أجمل لياليهم، قضاها معها في دفء وسكينة. لكن شيئًا تبدّل. من اللحظة التي عادت فيها من عند ماسة، تغيّرت تمامًا. كأنها لم تكن هي.
ماذا قالت لها ماسة؟ ماذا حدث هناك؟
أخذ يمسح جبينه بتعب، يفكر، ويغوص أكثر في التساؤلات.
في قصر الراوي العاشرة مساءً
عندما عاد سليم إلى القصر، كان يرغب بشدة في الاطمئنان على ماسة. توقف عند الباب بتردد بين أن يدخل أو أن يرحل. كانت ماسة جالسة على الأريكة تبكي وتفكر، لكنها بالطبع انتبهت إلى خيال سليم. كانت تتمنى أن يرحل، فهي لا تريد أن تواجهه، لا تريد أن تراه، ولا أن يدور بينهما أي حديث. وبالفعل، توجّه سليم إلى غرفته بعد لحظات من مقاومة نفسه، محترماً قرارها بتركها تفكر، حتى وإن كان ذلك على حساب نفسه.
اليوم التالي
جناح سليم وماسة، العاشرة صباحاً.
كانت ماسة تجلس على الأرض داخل غرفتها، كعادتها في الأيام الأخيرة، منذ أن عرفت الحقيقة لم تعد تفارق تلك الزاوية. المكان أصبح ملاذها، وصمت الغرفة صار أنيسها الوحيد.
مرّت دقائق قبل أن يُفتح الباب بهدوء وتدخل سحر، بنظرة قلقة وصوت خافت
سحر: ماسة هانم… مكي بيه عايزك
رفعت ماسة رأسها ببطء تنظر إليها باستغراب مكي؟ وعايز إيه مكي مني؟
ردّت سحر وهي تقترب قليلا: ماعرفش والله يا هانم، هو قال لي إنه عايزك ومستنيكي تحت في الجنينة.
ماسة بنبرة متعبة: طب يا سحر، قولي له عشر دقايق وها أنزله
ترددت سحر قليلًا ثم قالت بنبرة لائمة: مش هتاكلي برضه يا هانم؟ ده إنتي ماكلتيش حاجة من أول امبارح غير حتة لقمة قد كده.
أجابت ماسة بتنهيدة حارقة: ماليش نفس يا سحر، والله.
سحر بإصرار: لا هعمل لك كباية لبن والنهاردة أعملي حسابك هاتاكلي ده أنا هعمل لك ورق عنب ومكرونة بشاميل وهخلي سليم بيه يجيب لك الفراخ بتاعت الشارع إللي بتحبيها.
تبسمت ماسة دون رد…
ثم خرجت سحر وأغلقت الباب خلفها، وأثناء خروجها كان يدور في عقلها سؤال لم تجد له جوابًا… الهانم مالها؟ لا، أنا لازم أكلم سليم بيه، كده ما ينفعش.
في الأسفل، هبطت سحر إلى مكي وأخبرته أن ماسة ستنزل بعد قليل
في تلك الأثناء، عند ماسة
كانت ماسة تمسك بهاتفها وتتحرك في الجناح وتتصل بسلوى، كان يبدو عليها الضجر الشديد..
ماسة بنبرة غاصبة: إيه يا سلوى… إنتي عملتِي إيه إمبارح مع مكي؟
جاءها صوت سلوى من الطرف الآخر، ممزوجًا بالتعب: ماعملتش حاجة، كل إللي قلته له إنت جاي ليه؟ ماقلتش ليه، لإني لقيته جاي يطمن عليا… والله يا ماسة ماقدرت أمسك نفسي، دي كانت الحاجة الوحيدة إللي قدرت أمسك فيها نفسي.
جزت ماسة على اسنانها وقالت بحدة: بقولك إيه، إنتي تجيلي النهاردة.
سلوى بنبرة خافتة: مش هاينفع يا ماسة، مش قادرة.
ماسة بحزم: لا هتيجيلي… هقفل، وساعة وتبقي عندي.
ثم أغلقت الهاتف قبل حتى أن تُكمل سلوى جملتها.
زفرت بإختناق، وهبطت إلى الحديقة.
حديقة القصر
كانت ماسة تحاول قدر الإمكان أن تُحافظ على ملامح وجهها ثابتة، لا تُظهر ما يُعتمل بداخلها. اقتربت من مكي، وما إن رآها حتى خطا نحوها.
ماسة: خير يا مكي؟!
مكي متبسما: صباح الخير يا ماسة، عاملة إيه؟
هزت ماسة رأسها بإيجاب: الحمد لله.
مكي بتردد: كنت عايز أسألك على حاجة… إمبارح، سلوى كانت عندك؟ يعني هي كويسة؟
تصنعت ماسة عدم الفهم: مش فاهمة!!
مكي مفسرا: يعني إمبارح، كانت متغيرة، فحبيت أطّمن، لإنها كانت معاكي.
ماسة بتمثيل: آه، هي فعلاً جت، وقعدت معايا شوية واتكلمنا. كانت طبيعية، حتى حكت لي على المفاجأة إللي إنت عملتها لها وكانت مبسوطة… بس كانت تعبانة شوية، بطنها كانت بتوجعها. معرفش حاجة تانية. خير؟ فيه حاجة؟
تنهد مكي، ورفع نظره للسماء قبل أن يمرر يده على رأسه ثم نظر لها قال بحيرة : إنتي كده حيرتيني أكتر… أنا كنت فاكر إن مفتاح اللغز عندك.
ماسة متعجبة بتصنع: هو فيه إيه؟ مش فاهمة.
مكي: أصل امبارح كنت عندها طريقتها معايا كانت غريبة وكلمتني بأسلوب غريب، أول مرة أشوفها كده
ماسة: أكيد إنت بس مكبر الموضوع.
مكي تنهد: والله شكلي فعلاً أنا إللي مكبرها ومزودها.
حاولت ماسة حذف أي شك عند مكي بأنها تغيرت قالت: هي سلوى لما بطنها بتوجعها وبتحس بألم، بتبقى رخمة، وأسلوبها بيبقى مش لطيف. فالأفضل إنك تاخدها على قد عقلها. مافيش حاجة.
هز مكي رأسه بإيجاب: خلاص تمام… ما دام هي بخير، ده الأهم بالنسبة لي.
تبسمت ماسة بخبث: هي بخير… ماتقلقش.
بعد وقت.
دخلت سيارة سلوى من بوابة القصر، لمحها مكي من بعيد. لم يوقفها، بل استدار من جهة أخرى مباشرة إلى مدخل القصر، من الطريق مختصر، فوصل قبلها بلحظات
عندما توقفت سيارتها، كان هو من فتح الباب بنفسه، واقفًا في انتظارها.
قال وهو ينظر لها بإستغراب: هو إنتي ليه ماقولتيش إنك جاية؟
سلوى وهي تترجل من السيارة، نظراتها حادة وصوتها مشحون: هو إنت مش كنت بتقول طول ما أنت في الشغل، بتبقى مكي وبس الحارس الشخصي لسليم الراوي؟ بتكلّمني ليه بقى؟
قلب وجهه بإختناق، فجأة مدّ يده وأمسكها من ذراعها، وسحبها جانبه بعصبية.
سحبت سلوى يدها بعنف، توقفت في مكانها:
إنت بتشدني كده ليه؟
نظر لها مكي بإستغراب، نبرته تحمل ضيقًا:
في إيه يا سلوى؟ مالك؟ من إمبارح وإنتي متغيّرة، لو عملت حاجة قوليلي، بس إللي بتعمليه ده شغل هبل.
سلوى بحدة: ماتغلطش فيّا!
مكي تنفّس بضيق: أنا ماغلطتش ومقدرش أغلط، بس عايز أفهم. إللي إنتي بتعمليه ده اسمه إيه؟
سلوى بنوع من السخرية: اسمه إيه؟ أنا بنفذ كلامك، إنت قلت لي الشغل حاجة وعلاقتنا حاجة.
مكي محاولا السيطرة على غضبه:
أنا مش هعيد الكلام، لو زعلانة مني فهميني، إحنا الاتنين كبار، بلاش شغل المراهقين ده… لكن سكوتك، وإنك تطوّلي لسانك، دي طريقة أنا مابستحملهاش.
صرخت فيه: ماطلبتش منك تستحمل! وبطّل تطوّل لسانك عليا… إنت فاهم؟
ومن شرفة الطابق العلوي
كانت ماسة تقف تراقب المشهد، لا تسمع الكلام، لكن النظرات كانت كفيلة أن تنقل التوتر. قبضت على سور الشرفة، وضغطت على أسنانها بضيق. يبدو واضحًا أنها قررت التدخل.
عند سلوى ومكي
مكي بحدة: إنتي بتتكلمي كدة ليه؟!
سلوى، بصوت حاد: يوووو،، قولتلك مافيش حاجة!
مكي بعصبية: لا، فيه، إنتي بتكذبي على مين!!
سلوى وهي تبعد وجهها عنه: أنا ما بكذبش الحمدلله ولا بعمل نفسي ملاك، وأنا شيطانة، ومخادعة، ولابسة قناع الاحترام.
انصدم مكي: إيه إللي بتقوليه ده؟
صرخت فيه: بقولك الحقيقة! في ناس بتعمل نفسها شريفة، وهما مايعرفوش عن الشرف أي حاجة! وصناديق الزبالة أنضف منهم.
وفي تلك اللحظة، كانت ماسة قد هبطت بالفعل، واقتربت منهم بخطوات غاضبة، حاولتِ تحويل الحوار إلى مسار آخر، فسلوى كانت على وشك أن تقول كل شيء، وكان ذلك سيؤدي إلى مشكلة كبيرة، فحاولت بذكاء تغيير الموضوع
ماسة بتهكم بتمثيل:
هو إنتي فيكي إيه يا ست سلوى؟ من إمبارح وإنتِ عمالة ترمي كلام غريب، وكل ما حد يسألك تقولي مافيش! أنا قلت أجيبك النهاردة عشان نتكلم، وكنت هقولك إنك مزوّداها، لكن هتفضلي تطوّلي لسانك كده، ماينفعش!
مكي بنبرة متسائلة: هو إنتي عارفة حاجة يا ماسة؟
ماسة، باستهجان كاذب: الست سلوى اتخانقت مع ماما، وعمار ضربها بالقلم، وإحنا ماحبّيناش نقول لك. مش عايزين نكبّر الموضوع…
سأل مكي متعجباً: عمار ضربها ليه؟
ماسة بكذب متقن: لإنه بيكلم بنت، والبت أخلاقها مش تمام، وسلوى قالت له، وهو ماصدّقش، وقالت له إن فيه ناس كتير بيظهروا محترمين ويطلعوا سفلة. ماما قالت لها بلاش تتكلمي كده دي بنت، وعمار ما استحملش، وزعق، وضربها. ومن ساعتها وهي مش مستحملة كلمة من حد ودراما كوين بقى… حتى أنا، لما كانت عندي،كانت مش طبيعية ،لما سألتني الصبح الصراحة ما حبتش أقول لك، حسيت إن الموضوع بسيط، ماكنتش عارفة إن جنانها وصل للدرجة دي.
سلوى، بصوت مكسور وهي تنظر لماسة: يعني إنتي شايفة إنّي معنديش حق؟
ماسة ردّت بقوة وكأنها داخل فيلم تتقن تمثيله: أيوة، ماعندكيش حق. عرفتِ الموضوع خلاص، خلّيه يشربها، يتحرق بيها، مكي ذنبه إيه؟
كان ينظر لهم مكي وهو غير مصدق ما قالته ماسة، ثم قال: أنا هحاول أصدّق الكلام ده؟ برغم إنه مادخلش ذمتي بجنيه.
اقتربت ماسة بابتسامة حتى توقفت أمامه مباشرة، نظرت داخل عينيه بصوت هادئ، وكأنها تحاول أن تزرع تلك الفكرة في رأسه:
بس هي دي الحقيقة يا مكي، ومافيش حقيقة غيرها. هنكذب عليك ليه؟ سلوى مابتحبش حد يمد إيده عليها، والموضوع ده بالنسبة لها صعب، يعني كرامتها بتوجعها، وقلبها بيوجعها، خاصة إن عمار إيده تقيلة حبتين. غير يعني إن إحنا في البيت، بابا وماما ماعندهمش مشكلة خالص، أخواتنا يضربونا… مافيش إنصاف، أنا من رأيي بدل ما إنت ماتصدقش تحاول تحتوي الموقف وتطبطب عليها وتتحملها.
أنا معاك إنها غلطت وزودتها، بس تخيل كده تتدخل لشخص بتحبه وتنبهه إنه غرقان في الوحل، وإن الشخص إللي في حياته ده كذاب ومخادع زي ما هي وصفت، صندوق الزبالة أنضف منه، ولما تحكي له، يكذبك ويضربك، حتى إللي حواليك مابيقفوش جنبك، بالعكس، هم كمان مش منصفين،، هي عندها حق تعمل أكتر من كده، بس ماعندهاش حق تطلع غضبها عليك أنت. لكن تطلعوا علينا إحنا؟ إحنا إللي مش منصفين.
مكي بتفسير: انا مش متضايق منها أنا بس ماكنتش فاهم بس عموما يا سلوى خلاص مادام إنتي فهمتيه خلاص وبكرة لما نتجوز محدش هيبقى ليه الحق يمد إيده عليكي.
لكن سلوى لم ترد عليه ظلت صامتة تحاول أن تمسك زمام أمورها..
ماسة بتهذب: بعد إذنك بقى، هنطلع نتكلم فوق.
سحبت ماسة يد سلوى، ولم تنتظر رد مكي
الذي. ينظر لآثارهما بريبة، يشعر بصدق ما قالته، ويشعر أن هناك شيئًا خفيًا. طريقة ماسة كانت مبهرة، تجعل من أمامها يصدّقها…لكن كان في قلبه شكا ثم حرّك رأسه، ثم انصرف.
سحبت ماسة سلوى دون كلمة واحدة، حتى وصلا إلى الغرفة.وفور أن أغلقت الباب، كان الغضب قد تملّكها. كنيران تأكل في غابة يابسة، لا تترك فيها شيئًا إلا وأحرقته.
جناح سليم وماسة
جلست سلوى على المقعد، ملامحها منهارة ودموعها لا تنقطع، رأسها منكس، وكتفاها يهتزان مع كل شهقة. بينما توقفت ماسة أمامها، منحنية قليلاً نحوها، وفي عينيها شرر، وصوتها كان حادًا، مشبعًا بالغضب والخذلان.
ماسة من بين أسنانها: إنتي إزاي تعملي كده؟ إزاي مش قادرة تمسكي نفسك؟ ما تخلنيش أندم إني حكيتلك أنا أصلاً ماكنتش عايزة أشيلك الهم ده…
صمتت لحظة، ثم أكملت بنبرة وجع مرّ، وعينيها تدمعان:
بس علشان أنا عارفة قد إيه بتحبي مكي، وقد إيه مهما قلت ومهما حاولت هتفضلي متمسكة بيه…
أنا… أنا كنت عايزة أخلصك منه،أخلصك من الحقير ده، علشان ماتعيشيش نفس الكذب والخداع إللي أنا عشته… اضطريت أحكيلك…بس إللي بتعمليه ده، وبطريقتك دي، هاتدفعينا الثمن غالي.
استقامت فجأة، أشارت بيدها بعصبية، وصاحت بضيق:
أوعي تفتكري إن الثمن هيكون إننا هنخسر القصر ونرجع نخدم عند منصور! لا فوقي..
الثمن هيكون بالدم! دم غالي… دم أبوكي وأمك وإخواتك… وإنتي كمان!
رفعت صوتها أكثر، بعنف يكاد يمزق السكون:
بقولك رشدي قال هيجيب ناس يغتصبوكي!
فاهمة يعني إيه؟ سامعة؟ إنتي عايزة تفهميني إن إللي بينك وبين مكي زي إللي كان بيني وبين سليم؟
أنا عايشة الألم، وأكتر كمان…سليم معايا ٢٤ساعة، ضغط وكلام،كل شوية…إنتي بتشوفي مكي كام ساعة بس؟مش قادرة تساعديني؟ ساعديني، يا سلوى، ساعديني، أبوس إيدك!
كانت سلوى تبكي بصمت، رأسها ملامس الأرض، لا ترد.
ماسة، بصوت أخفض، لكن حاسم:
اسمعيني…إنتي هتتعاملي معاه عادي. عادي خالص.
قلت لك، كام يوم وهمشي، وبعدين تسيبيه. بس من غير مايحس، نسيتي إنهم مافيا؟ عالم قذر! إنتي كنتي هتقولي له… لولا إني لحقتك!
مررت عينيها عليها تراجعت من حدتها جلست ماسة أمامها، أمسكت بيديها المرتجفتين، وغيّرت نبرة صوتها تمامًا، فصار مزيجًا من الرجاء والانكسار:
سلوى، وحياتي عندك..أنا حاسة بيكي أقسم بالله…
أنا كمان مكسورة، أنا كمان قلبي وجعني…نفسي بيوقف… بس لازم نكمل، لازم نلبس الأقنعة، نمثل إننا أقوياء..أنا مابقولش تعاملي معاه زي زمان، بس خلي بالك من أفعالك…الله يرضى عليكي… إنتي كنتي على وشك تقولي كل حاجة
رفعت سلوى عينيها ببطء، وجهها مبلل بالدموع، محمر من البكاء، وصوتها خرج مبحوحًا، مخنوقًا بالخذلان:
أنا موجوعة، يا ماسة…أنا بحبه، كنت شايفاه أماني…كنت بقول الرجولة هي مكي، والثقة مكي، ماكنتش بخاف على نفسي وأنا معاه… بس خذلني… يا ريتني ما عرفته، ولا حبيته أنا موجوعة أوي، أنا مانمتش من وجعي والله تعبانة تعبانة وموجوعة أوي..
مدّت ماسة ذراعيها واحتضنتها، وضمتها إلى صدرها، وبدأت تربت على ظهرها برفق، والدموع تلمع في عينيها، بلا كلمة، بلا حتى عزاء.
داخل سيارة مكي الخامسة مساءً
كانت سلوى تجلس بجانبه بصمت، واضح عليها التوتر، تنظر من النافذة كأنها تنتظر أن تنتهي الرحلة. كانت تحاول أن تمثل أنها بخير كما طلبت منها ماسة، لكن مكي كان متأكدًا أن هناك شيئًا ما.
مكي: هو إنتي لسة مصرة إن زعلك ده بسبب موضوع عمار؟
نظرت سلوى من النافذة: أيوة.
مكي بهدوء: هحاول أصدق.
سلوى بجفاء: أنا الفترة الجاية مش رايحة الجامعة، هقعد أذاكر في البيت، مش طايقة أروح حتة.
مكي: تمام… صمت للحظات، ثم قال: سلوى، مش هسألك تاني، هو موضوع عمار إللي عامل فيكي كده بس؟
أخيرًا، نظرت له وقالت بتأكيد: أيوه، موضوع عمار هو إللي عامل كده. كنت فاكرة إنه هايفهم، يعني أنا خايفة عليه، بس هو ضربني، ماستحملش، شتيمت البرنسيسة
مكي: أكيد إنتي كلمتيه بأسلوب مافيش راجل هايستحمله.
سلوى: يعني لو أنا كلمتك كده، هاتضربني؟
مكي بعقلانية: أنا ما بضربش، بس فيه حاجات تانية ممكن تتعمل، وإنتي كمان لازم تغيري أسلوبك، لإن ده مش هاينفع.
هزت سلوى رأسها بالإيجاب دون رد، وظل مكي يقود السيارة بينما كانت هي تنظر من النافذة حتى وصلا إلى الفيلا.
((خلال يومين))
وبرغم قلق سليم وعدم رضاه، ألتزم الصمت. منحها المساحة التي طلبتها، لكنه من الداخل كان يغلي، يتخبط في محاولاته للعثور على مخرج لا يملكه.
سلوى انسحبت فجأة من حياة مكي، تتحجج بالتعب أو الدراسة، لكنه لم يصدقها. كان صمتها أثقل من كل تبرير.
أما ماسة، فكانت تنهار بصمت…
وما جعل انهيارها أشد أنها لم تكن تقوى على تناول الطعام؛ فكل لقمة تراها مرآة لذنب، المال الحرام.
ورغم ذلك، كانت تحاول التظاهر بالعكس أمام سحر، كي تنقل الأخيرة لسليم أنها بدأت تتعافى.
ماسة لم تكن تحتمل فكرة المواجهة، لم تكن مستعدة أن تنظر في عينيه.
أقنعت نفسها أن الذنب ليس عليها، فهي لا تملك مصدرًا آخر للطعام، ولا حلّ أمامها
لم تعد تهبط إلى الأسفل كثيرًا، لكنها كانت حريصة على ألا يبدو عليها التغيّر المفاجئ، حتى لا يثير سليم شكوكه. وفي قلبها، كانت تنتظر رشدي…
تراقب بصمت: ما عساه أن يفعل.
💞__________بقلمي_ليلةعادل
حديقة القصر، الثانية عشرة ظهرًا
نرى عمار وماسة يجلسان على أحد المقاعد الخشبية، بينما كانت ماسة تتناول سندوتشات، وكأنها أول وجبة حقيقية تدخل معدتها منذ أن علمت بالحقيقة.
ماسة وهي تقضم لقمة: بقولك إيه..هو إنت بتقبض كام؟
نظر إليها عمار بدهشة: إيه السؤال ده؟
نظرت ماسة له بثبات: جاوب بس.
ضحك عمار بخفة: يعني عشرة آلاف، غير شوية حاجات كده على جنب.
ماسة: ومعاك فلوس كاش دلوقتي؟
عمار بمزاح: إيه، عايزة سلفة ولا إيه؟
ماسة بجدية: أيوة، هات إللي معاك.
رمقها بإستغراب: بتهزري؟
ماسة بحزم: لأ، با اتكلم جد.
أخرج عمار من جيبه بعض النقود وهو لا يخفي دهشته. أصبحت ماسة ترى كل شيء بنظرة مختلفة، لم تعد ترغب في أن تأكل من القصر، ولا أن تأخذ قرشًا واحدًا من سليم بعد الآن. الحقيقة كسرت شيئًا بداخلها.
مدّ يده نحوها: دول 2000 جنيه… حلوين؟
ماسة أخذتهم وقالت بهدوء: شكرًا.
نظر لها عمار متعجبًا وسأل: هو في إيه؟ كلمتيني أجيبلك أكل، دلوقتي فلوس؟ متخانقة مع سليم؟ حالفة ما تاكليش؟
ابتسمت ماسة دون أن تنظر إليه مباشرة:
لأ ياعم، أنا لما كلمتك وقلتلي إنك بتفطر في المطعم، نفسي هفتني على الطعمية فيها حاجة…
أما الفلوس… فـ محتاجاهم أجيب هدية لسليم من فلوسي. كل سنة كنت باخد من فلوسه وأشتري، فحساها رخمة، بس المرة دي… من فلوس أخويا. وأنا وأخويا واحد، مش كده؟
عمار وهو يبتسم بمحبة: أكيد يا حبيبتي، إحنا أصلاً كل إللي إحنا فيه من فضلك وفضل سليم.
ثم مال نحوها وطبع قبلة على خدها: بس وشك مش عجبني باهت كده، إنتي كويسة؟
ماسة تطمئنه: أنا كويسة. يا حبيبي ماتقلقش عليا.
خيم الصمت بينهما، لكن كان صمتًا مطمئنًا، فيه ألفة وسكينة..
بعد وقت ذهب عمار وصعدت ماسة الجناح وظلت به
جناح سليم وماسة، الرابعة مساءً
كانت ماسة ممددة على الأرض على جانبها، تحدق في الفراغ والدموع تسيل بصمت على وجه شاحب متعب.
الهاتف الذي أعطاها إياه رشدي كان ملقى بجانبها
وبعد وقت .. رن فجأة، ارتجفت يدها والتقطته.
نهضت ببطء، وقلبها يخفق بذعر، ثم ضغطت على زر الإجابة بقهر.
أتاها صوت رشدي هامسًا حادًا: قبليني في أوضة ياسين
ماسة بصوت مخنوق: ماتقولي إللي إنت عايزه هنا… مش هينفع أدخل أوضة معاك..
رشدي بسخرية باردة: أكيد مش هغتصبك يعني… ماتتأخريش..اغلق المكالمه
عضت على أسنانها قهرًا، تمسكت بالهاتف بأصابع مرتجفة وهمست من بين أسنانها بغل: ربنا ياخدك… إنت وأمك وإخواتك كلهم.
بصعوبة، دفعت نفسها من على الأرض، شعرت بأن جسدها كله يصرخ من شدة الألم النفسي.
فتحت الباب بحذر، أخرجت رأسها ونظرت يمين وشمال، الهدوء كان مخيمًا… لا أثر لأحد.
تسللت بسرعة نحو غرفة ياسين.
دفعت الباب ودخلت وأغلقته خلفها بسرعة، كأنها تخشى أن تبتلعها الأرض.
كان رشدي بداخل الغرفة، ومعه صافيناز.
توقفت ماسة بجانب الباب، نظرت لهما باشمئزاز وقالت بصوت جاف: ما شاء الله… إنتم الاتنين هنا.
ابتسم رشدي ببرود فتح الموضوع مسرعاً: أسمعي… سليم بكرة عنده حفلة، كلنا هنكون موجودين، وإنتي لازم تحضري الحفلة دي.
صافيناز أضافت بنبرة آمرة: ولو سليم منعك أو رفض… حاولي تعملي المستحيل علشان تحضريها.
هز رشدي رأسه وأكمل:
ولو فضل معاند عرفيني… وأنا هعرف أخرجك من هنا..بس كده كده… بكرة مش هتبقى هنا يا ماسة والليلة دي هي آخر ليلة ليكي في قصر الراوي.
ارتعشت ماسة بخوف لا تعرف من أين أتاها برغم أنها تنتظر تلك اللحظة منذ معرفتها الحقيقة لكن هناك شعور من الخوف والرجفة تملكا منها.
تابع رشدي وهو يبتسم ابتسامة خبيثة:
وإنتي في الحفلة…مش عايز منك غير إنك تدخلي الحمام وبس ..
كادت ماسة أن تنطق، سبقها رشدي: هاتقوليلي طب رواية؟! هقولك ماليش فيها… اتصرفي وأخلعي منها.
قطعت ماسة كلامه بيأس ممزوج بحدة: أعملها إزاي يعني؟
صافيناز، وهي تلوح بيدها بعدم الاهتمام: مش مشكلتنا… فكري.
رشدي أكمل بحزم: وياريت تخبي وشك بنقاب مثلا، عشان تعرفي تخرجي من المستشفي، تركبي عربية وتقولي للسواق عايزة موقف فى عربيات بتروح الساحل ومن هناك تاخدي عربية بتروح الساحل، متقلقش هنكون سوا على التليفون.
بلعت ماسة ريقها بصعوبة، سألت بصوت متحشرج
وبعدين؟ إيه إللي هيحصل؟
ابتسم رشدي بخبث: كل حاجة هتعرفيها في ميعادها… يا ست الحسن.
رفعت ماسة حاجبيها بضعف: طب…ساعدوني، قولولي أعمل إيه مع راويه دي؟
صافيناز رمقتها بنظرة ساخرة: اتصرفي… اشغليها بأي طريقة وهو إحنا هنفكرلك كل شوية؟!
تسال رشدي وهو يضحك: أخبار النكد مع سليم إيه؟
ماسة بحدة مكبوتة: مالكش دعوة…
أنا هعرف اتصرف معاه. مش إنتم عايزينه يبقى مستعد إني أمشي؟ خلاص… هو كده كده فاهم كل حاجة.
نهض رشدي واقترب منها خطوة: طب يلا روحي دلوقتي… وخلي بالك.
توقفت ماسة عند الباب، لكن قبل ان تفتح استدارت بوجهها المليء بالقهر لكن به قوة:
لو أهلي حصلهم حاجة…أنا هقول لسليم كل حاجة.
رمقها رشدي بنظرة باردة لكنها مليئة بشر:
ماسة… إنتي مش في المكان إللي يسمحلك تهدديني.
صافيناز أضافت بصوت هادئ قاتل: إنتي دلوقتي واقفة على أرض من إزاز… مش صلبة زي زمان.
نظرت إليهم ماسة من أعلى لأسفل، بعين ممتلئة بالغل وقلب مثقل بقلة الحيلة، تشعر كأنها دمية بين أيديهم، يعبثون بها كما يشاؤون، دون أن تمتلك القدرة على فعل شيء، خوفًا على عائلتها.
فتحت ماسة باب الغرفة بحذر، نظرت يمينًا ويسارًا لتتأكد أن لا أحد في الخارج. خرجت وتحركت في الممر، كانت أنفاسها متلاحقة، وكأنها عادت لتوها من معركة.
أغلقت الباب بالمفتاح وانهارت على الأرض، جسدها خذلها والهواء صار خانقًا. عيناها تحدّقان والدموع تنهمر بصمت، لا تعرف كيف تتخلص من راوية أو كيف ستنفذ ما طُلب منها، لكن أملها الوحيد كان الخروج من هذا القصر الملعون. قضت الليل تفكر بلا نوم، حتى قررت أخيرًا الاتصال بسلوى.
ماسة، بنبرة مكتومة: ألو؟ يا سلوى؟ عاملة إيه دلوقتي؟
أتاها صوت سلوى من الجهة الأخرى، كانت تجلس في شرفة غرفتها، وجهها شاحب كحال ماسة، مع تبادل الشاشة بينهما.
سلوى، بتعب: والله تعبانة… وأمك مش مبطّلة، ولا هو كمان.
ماسة، تتنهد بوجع: خلاص يا سلوى، ماتقلقيش بكرة آخر يوم.
سلوى، متعجبة: يعني إيه بكرة آخر يوم؟
تبسمت ماسة ابتسامة باهتة، لم تصل لعينيها.
ماسة، بألم: يعني خلاص، همشي. هحضر حفلة مع سليم. هو لسة ماكلمنيش عنها، بس هروح… وإنتي هتيجي معايا. هتساعديني في الهروب. رشدي أداني التعليمات.
سلوى توقفت، وعيونها تلمع بالدموع، وقلبها يتخبّط بقلق.
سلوى: أنا خايفة يا ماسة… خايفة أوي.
أمسكت ماسة دموعها بقوة حاولت ألا تبكي، ألا ينكسر صوتها.
ماسة، بقوة مصطنعة: لا، ماينفعش تخافي. عشان بابا وماما يبقوا بخير… ويوسف وعمار، وإنتي كمان. أبوس إيدك يا سلوى، امسكي نفسك. كلمة واحدة منك ممكن تضيّع كل حاجة. فكري فيهم… فكري فيا. في إللي ممكن يحصل فيكي عشانهم. ماينفعش… إنهيار ما ينفعش.
تنهدت سلوى: حاضر يا ماسة، والله حاضر… بس أنا خايفة عليكي.
ماسة، بابتسامة موجوعة: مش مهم أنا. المهم إنكم تبقوا بخير. هيحصلي إيه يعني؟ ده أنا همشي… وهرتاح.
سلوى بتردد: تفتكري إنك هترتاحي؟
ماسة، بإختناق: مش عايزة أفكر يا سلوى. كل إللي طلباه منك: بكره تيجي معايا الحفلة. هتفهمي كل حاجة هناك. زي مافهمتك، ماتبينيش، وماتفجئ لما أكلمك. قوليلي متصلة ليه متأخر كده؟، أو أي حاجة… أوعي تبيني إنك عارفة.
سلوى: حاضر.
ماسة، بنبرة مبحوحة: يلا بقى… سلام.
سلوى، بصوت خافت: سلام.
أغلقت ماسة الهاتف ووضعته بجانبها، وأسندت رأسها على حافة الفراش. تفكّر في صمتٍ يحرق قلبها… تبكي بحرقة.
لم تنم تلك الليلة. كانت ليلة طويلة، طويلة جدًا. ليلة شتوية رغم أن الأيام في ربيعها، لكنها كانت باردة، قاسية… كعاصفة من الأوجاع، تجتاحها من الداخل.
اليوم التالي
غرفة سليم
توقف سليم أمام التسريحة، ينظر إلى انعكاسه في المرآة وهو يصفف شعره، مرتديًا بدلته الأنيقة، مستعدًا للخروج إلى الحفلة. بعد لحظات، دخلت ماسة دون أن تطرق الباب. لمحها عبر المرآة فالتفت نحوها مستغربًا.
سليم بنبرة ساخرة: عاملالنا نكد إيه النهاردة يا روح قلبي؟
تقدمت ماسة خطوات قليلة، نظراتها تملؤها الحيرة.: هو إيه إللي بيحصل ده؟
رفع سليم حاجبيه، وهو يرتدي ساعته: إيه إللي بيحصل؟
ماسة بغضب مكتوم، وصوتها يرتجف قليلًا: يعني كلكم خارجين مشيكين نفسكم حتى إنت… هو أنا هوا ولا إيه؟ مش موجودة؟ مش محسوبة؟
أدار سليم وجهه نحو المرآة، وبهدوء بدأ ينظم ملابسه أجاب: عندنا حفلة دخلت شراكة في مستشفى، وعندي حفلة النهاردة.
ضحكت ماسة بسخرية حادة: مادام إنت إللي اشتركت، هما بقى رايحين ليه؟ هيصقفولك ولا إيه؟ ولا ناوي تقولي أنا لازم أبرر !
سليم بجدية وهو يلتفت نحوها: من غير استظراف وطولة لسان، دكتور جلال يبقى صديق الباشا، وهو إللي عزمه، أنا رايح بصفتي رئيس مجلس الإدارة، لإني داخل بشراكة ستة وخمسين في المية.
ضحكت ماسة باستخفاف: وطبعًا هتقولي أوعي تستهيني بالواحد في المية ده، صح؟ ده الواحد في المية بيخليكي ترفضي وتقبلي إللي إنتي عايزه! مغرور.
ابتسم سليم بهدوء: ده مش غرور، دي ثقة ومعرفة بقيمة نفسي.
رش عطره بهدوء، وكأن الموقف لا يعنيه.
اقتربت منه ماسة، وهي تزم شفتيها بغضب: وأنا بقى ليه مش موجودة في الحفلة دي؟ المفروض أكون أول واحدة! أنا مراتك.
استدار سليم، وضحك ساخرًا، قائلا ببرود لاذع: يا شيخة، قولي كلام غير ده. كويس إنك لسة فاكرة إنك مراتي.
رفعت ماسة ذقنها بتحدٍ: أيوة لسة فاكرة، ماقلتليش ليه؟
سليم بدهشة: هو إنتي مش قلتيلي ماتتكلمش معايا واعتبرني مش موجودة وأحترم الحدود والقرار؟
ماسة بلهجة مجروحة، يغلب عليها الغضب: بس لما كل القصر يكون رايح وإنت كمان… المفروض تقول لي، تعرض عليا. أقبل أو أرفض. تحسسني إني مش بنت البطة السودا !
تقدم منها سليم بخطوتين، قرص خدها بدلع وهو يعترض بلطف: لا يا حبيبة قلبي، إنتي لا بنت بطة سودا ولا الفرخة حتى، ها تحبي تيجي معايا؟
أجابته بتحدٍ واضح وهي تضيق عينيها: أيوه، أحب هطق من القعدة لوحدي.
ابتسم سليم بسعادة واضحة: لا لا يا عشقي ماتهونيش عليا إنك تطقي، طب يا ريت تتفضلي تجهزي. أنا هستناكي، بس ما تتأخريش.
تدللت عليه ماسة،: هتصل بأختي تيجي معايا.
ضحك سليم بصوت منخفض: اتصلي بالعيلة كلها تيجي!
التفتت بينما كان ينشغل بإصلاح ربطة عنقه، سألها فجأة: قوليلي صح، إنتي ليه مابتروحيش الكلية؟ مابشوفكيش يعني بتخرجي كده؟ مش دي الكلية إللي كنتي بتعملي عاشانها مشاكل ودخلتي بسببها في اكتئاب؟
ماسة بعناد: بمزاجي. لما أحب أخرج أخرج. أصل أنا مش همشي على مزاجك! مش كل شوية تقولي أقعدي، أقعدي، أمشي، أمشي! براحتي! بعدين أنا قلت لك عايزة أفكر.
ابتسم سليم وهو يقترب منها بدفء بمهاودة: أكيد براحتك يا ماستي المتمردة، بس هي مش خناقة ولا إيه؟! بالراحة، ياريت تجهزي بسرعة عشان، مانتأخرش أنا مابحبش أتأخر.
ضحكت ماسة وهي تتمايل أمامه: ليه يا سالوملوم؟ مش الكبير دايمًا الناس هي إللي تستناه؟
سليم مبتسمًا بثقة: بس الكبير بردو لازم يحترم مواعيده..
ماسة بمرح: نص ساعة وهكون جاهزة.
أومأ سليم برقة: هستناكي.
تحركت ماسة أمامه بخفة وخرجت من الغرفة، ظل سليم ينظر خلفها بدهشة، قبل أن يتنهد بتعب، ويجلس على مقعد التسريحة. همس لنفسه بمرارة: وبعدها معاكي أنا تعبت… مش عارف أعمل معاكي إيه، وأرضيكي إزاي. دلوقتي كويسة، كمان شوية هتتقلبي تاني أنا عارف.
زفر بغيظ، وكأن كل ما بداخله يشتعل.
💕_______بقلمي_ليلةعادل_______💕
داخل السيارة، الثامنة مساءً
جلست ماسة إلى جوار سليم، بينما كانت سلوى بجانبها على الجهة الأخرى.
أما مكي، فكان يجلس في المقعد الأمامي، إلى جانب السائق.
ساد الصمت السيارة، لكن داخل كلٍّ منهم، كان هناك عواصف تعصف بلا رحمة.
كان مكي يختلس النظر إلى سلوى بين الحين والآخر، لكنها كانت تتجنب عينيه في كل مرة، وكأنّ مجرد النظر إليه يؤلمها.
لم يكن يفهم ما بها. سلوى لم تعد كما كانت. تغيّر شيء بداخلها، رغم أنها تحاول التظاهر بأن شيئًا لم يحدث. ومنذ حديث ماسة معها، وهي تحاول أن تمسك زمام غضبها.
ومع كل محاولة للفهم، كان الضيق يشتد بداخله أكثر.
أما سلوى، فكان قلبها يئن. تحاول أن تبدو هادئة، متماسكة، لكنها لا تُجيد التمثيل كما تفعل ماسة.
كلما وقعت عيناها على مكي، رأته في هيئة رجل وحشٍ مخيف وغريب.
لذلك أبقت عينيها معلّقتين بالطريق، علّها تهرب من صور لا تستطيع نسيانها.
سليم، على النقيض تمامًا، كان يشعر بسعادة خفية… بل طاغية. يكفيه أنّ ماسة إلى جواره.
برغم تقلباتها المزاجية في الفترة الأخيرة، تارة قريبة، تارة بعيدة، بين دفء اللحظات وبرودتها في لحظات أخري…
كشهر تشرين يتحول ويفاجئك بعد ربيعٍ جميل، بشتاءٍ مخيفٍ مليءٍ بالعواصف دون أمطار..
لكنها قريبة الآن، وهذا وحده يكفيه. مجرد وجودها بجانبه، يهدئ كل شيء بداخله.
لكن ماسة… كانت في عالمٍ آخر، عالم لا يعرفه أحد.
الخوف ينهش صدرها.
تتساءل: هل ستنجح خطتها؟ هل سليم يعرف بها؟ هل يراقبها؟ ماذا لو أخطأت؟
الخوف على عائلتها من رشدي يطغى على كل تفصيلة.
تفكيرها بأنها بعد ساعات ستهرب، جعل قلبها يتصارع مع كل نبضة.
وحين توقفت السيارة أمام المكان المنشود، شعرت بأن الهواء قد انقطع.
تلقائيًا، دون وعي، أمسكت بيد سليم. لم تكن تلك اللمسة طمأنينة… بل هلع.
لم تشعر بالفرح كما كانت تتخيل، بل بالحزن، والرغبة في أن تعود السيارة أدراجها قلبها يتضخم داخل صدرها من الخوف من القادم من المجهول.
لكن… انتهى الأمر.
ماسة التي عرفها الجميع يجب أن تموت.
ماسة الطيبة، البريئة، الضعيفة… لا مكان لها فيما هو قادم.
الآن، يجب أن تولد من جديد.
أن تكون ذكية، مخادعة، باردة، صاحبة وجوه متعددة… كما قال لها سليم ذات يوم:
كل موقف له وجه، وكل شخص له طريقة.
هبطت من السيارة، ودفنت قلبها.
لكي ترحب بتلك الوجوه الجديدة، وكأنها ستُخرج كل ماتعلمته من سليم في السنوات السابقة…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *