روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الرابع والسبعون 74 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الرابع والسبعون 74 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الرابع والسبعون

رواية امرأة العقاب الجزء الرابع والسبعون

رواية امرأة العقاب
رواية امرأة العقاب

رواية امرأة العقاب الحلقة الرابعة والسبعون

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل الرابع والسبعون _
( الأخــيــر )
السيارة تشق الطرقات بسرعة كبيرة وعيناها عالقة على زجاج السيارة تتابع الطريق بعقل شارد وعينان دامعة .. منذ أن أخبرها السائق أن والدها يخضع الآن لعملية جراحية خطيرة بالمخ وقلبها يسحق تحت الألم والرعب ، أفكار قاسية تضرب بذهنها ، ماذا لو فشلت العملية ؟ .. ماذا لو كان لقاء الصباح هو آخر لقاء لها مع أبيها ؟ .. ماذا يتبعه ألف سؤال في حلقة ذهنها المرتعدة ، ولا يسعها فعل شيء سوى البكاء بصمت ، لا تدري أتغصب لأنهم اخفوا حقيقة مرضه عنها حتى أنهم لم يخبروها بأمر جراحته الذي يخضع لها الآن .. أم ترتعد وتدخر ذلك الغضب حتى تطمئن عليه وبعدها تفرغ كل تكتظ به نفسها المضطربة ! .
لأول مرة تشعر بقهرها ورعبها الحقيقي من خسارة والدها .. رغم كل شيء فعله معها بالماضي لكنه دومًا سيظل والدها ، وحبها له لن يحظى به غيره ! .

توقفت السيارة أخيرًا بعد دقائق مرت كالسنين وهي تنتظر وصولهم للمستشفى .. التي فور وصول السيارة لها فتحت الباب واندفعت راكضة للداخل ، ومن فرط توترها نست أن تسأل بالاستقبال عن أي طابق وبأي غرفة عمليات موجود والدها ، بل راحت تجوب بالطوابق كتائه يبحث عن مستقره الوديع .
تصلبت بأرضها وعي تلهث بعدما لمحت عدنان يجلس فوق أحد المقاعد الحديدية على مسافة ليست ببعيدة من غرفة العمليات ، وعلامات الوجوم تحتل وجهه .. يحدق في الفراغ بصمت وذراعيه يعقدهم أمام صدره ، منظره المريب أثار رهبتها أكثر وشعرت للحظة بأن قلبها توقف عن ضخ الدماء معلنًا موته المؤقت ! .
استنشقت الأكسجين بصعوبة وربطت على قلبها ببأس ، ثم قادت خطواتها المرتجفة كأنفاسها تمامًا نحو زوجها القابع بذلك الركن بعيدًا عن الجميع ويستحوذه الصمت القاتل ، وقفت أمامه دون أن تتفوه بكلمة واحدة فقط صوت أنفاسها المتلاحقة هو المسموع ! .
رفع عدنان رأسه ناحيتها وغصن حاجبيه بصدمة لوجودها المفاجيء ، سرعان ما وثب واقفًا وسمعها تسبقه وتسأل بعينان تخشى السؤال :

_ بابا كويس ؟
كان سيسألها كيف عرفت ومن أخبرها لكنه سكت بعد تلك النظرة التي بعيناها ، لم تكن خائفة بقدر ماهي تائهة تبحث عن ملجأ تلوذ به ويطمأنها أن كل شيء سيكون على ما يرام ! .. دون أي تفكير اقترب منه وضمها لصدره مقبلًا شعرها وسط همسه بنبرته الحانية التي تحتاجها :
_ لسا في العمليات بس ان شاء الله هيكون كويس ياحبيبتي ويطلع بالسلامة
لم تشعر بشيء بعدها سوى بالقطرات الدافئة التي تسير فوق وجنتيها بانسيابية وصوتها الذي بدأ يرتجف وهي تتحدث :
_ عدنان عشان خاطري قولي الحقيقية هو لسا في العمليات بجد ؟
حاوط كتفيها بذراعيه وأبعدها عن صدره بلطف ثم تطلع في عيناها بنظراته الثاقبة وتمتم في خفوت تطمئن له النفوس المضطربة :
_ صدقيني لسا مطلعش والله .. وأنا واثق إن هيخرج منها سالم ومعافى ان شاء الله
أجفلت نظرها أرضًا وتركت العنان لشلال دموعها في الانهمار ، ترغب في البدء بالعتاب والتعنيف أنه اخفي عنها مرض والدها .. لكنها ليست بوضع يسمح لها بالحديث .. كل ما ترغب به الآن أن تطمئن على أبيها أولًا ، ثم تتفرغ لأي شيء آخر .
تحركت نحو المقاعد المتجاورة وجلست مقعد منهم بصمت ليتقدم هو ويجلس بجوارها ثم يحاوطها بذراعه ويدنو منها حتى يلثم جانب جبهتها بحب متمتمًا في محاولة منها لتهدئة اضطرابها ورغبتها الواضح :
_متقلقيش .. هيخرج ويرجع معانا البيت ويبقى زي الفل كمان
نظرت له بعين دامعة تحمل كل البؤس وهي تقول بالأمل الشيء الوحيد الذي يسعها التعلق به الآن بعده هو :
_ يارب ياعدنان .. أنا خايفة أوى اخسر بابا أنا بحبه أوي
لم يتحدث واكتفى بقبلته الثانية التي كانت تتحدث بدلًا عنه تبعث إشارات الاطمئنان والآمان لها ، بأنه معها وسيبقى للأبد ……
***
ساعات مرت ، وعقارب الساعة أثبتت لما سُميت بالعقارب بينما تمر بكل بطيء وأنت تنتظر على وشك الموت ! .
الوقت كان الد الأعداء لها في تلك الساعات .. والخوف هو صديقها .. أما ذراعيه وصدره كانوا الترياق الذي يبقيها على قيد الحياة بينما عقارب الساعة تقتلها وهي تمر .
أخيرًا ظهر المنقذ لها من ذلك العذاب ، ألا وهو الطبيب الذي خرج من غرفة العمليات وقاد خطواتهم نحوهم .. كان عدنان أول ما تقدم على الطبيب وهي تتبعه بخطوات متعثرة تخشى أن تسمع ما يصرخ به عقلها منذ ساعات .. لكن كل هذا تبدد في لحظة وحل محل العبوس والرعب الفرحة والراحة بعد سماعها لجملة الطبيب :
_ حمدالله على سلامته ، الحمدلله العملية نجحت وهو كويس وحالته مستقرة بس هيفضل تحت المراقبة 24 ساعة زيادة اطمئنان وتحسبًا لأي مضاعفات مفاجأة ، لكن حتى الآن اطمنوا هو بخير ومفيش أي خطر على حياته
ارتفعت البسمة لشفتي عدنان ورد على الطبيب بامتنان وسعادة :
_ الحمدلله .. شكرًا يادكتور
_ على إيه ده واجبي

كان الطبيب على وشك الرحيل لولا صوت جلنار الخافت وهي تسأل بلمعة فرحة :
_ ينفع ادخل اشوفه ؟
رد الطبيب بمرونة باسمًا :
_ مفيش مشكلة بس بدون كلام كتير وخمس دقايق كحد أقصى
أماءت له بالموافقة وهي تتسع ابتسامتها أكثر ، ثم تابعته بعيناها وهو يبتعد عن ناظريهم لتلتفت برأسها لعدنان واندفع نحوه تعانقه بسعادة متنهدة الصعداء براحة :
_ الحمدلله .. بابا كويس الحمدلله
ضمها إليه أكثر وتمتم باسمًا :
_ قولتلك هيخرج ويبقى كويس .. الحمدلله
لم تبتعد عنه إلا بعد لحظات طويلة وهي تتلذذ بشعورها بين ذراعيها ، لكي ترتدي الملابس الخاصة وتستعد للدخول له وزيارته …..
***
داخل غرفة المراقبة ( العناية المركزة ) ……
تقدمت جلنار بخطواتها الهادئة تجاه فراش أبيها وهي ترمقه بنظرات واهنة وعينان دامعة ، ترى الأجهزة المتصلة بجسده وهو يغلق عيناه نائمًا في هدوء .
جلست على مقعد مجاور لفراشه وراحت تمد يدها تمسك بكفه الضعيف رغم ضخامته ، ابتسمت من أسفل قناع الوجه وبقت تتمعن النظر إليه بصمت حتى شعرت بأصابع يده تتحرك فلمعت عيناها بلهفة وسعادة لتهمس :
_ بابا أنت كويس ؟
فتح نشأت عيناه بوهن والتفت لها نصف التفاتة وراحت البسمة تجد طريقها فوق ثغره وهو يجيبها بصوت يكاد يُسمع :
_ أنا كويس ياجلنار الحمدلله
راحت تشكر ربها دون صوت وعيناها تعكس ابتسامتها داخلهم بوضوح بينما نشأت فتابع رغم تعبه وعدم قدرته على الكلام :
_ متزعليش مني ياحبيبتي إني مقولتلكيش و….
قاطعته بلين وهمست باسمة :
_ مش وقته الكلام ده يابابا دلوقتي ، أهم حاجة أنك كويس وبخير الحمدلله ، بلاش تتكلم كتير عشان متتعبش نفسك
شعرت بقبضته الواهنة تضغط على يدها برفق في حنو وابتسامته الأبوية الدافئة تزين ثغره فبادلته الابتسامة واستقامت واقفة تنحنى عليه لتطبع قبلة ناعمة فوق جبهته …….
***
رنين الهاتف لا يتوقف منذ دقائق وهي أوشكت أن تلتقط ذلك الهاتف اللعين وتلقيه بعرض الحائط لكي يتهشم ويتوقف عن الرنين للأبد .
تحاول النوم لكن كيف وبجانبها ذلك الإزعاج المستمر ، لم تعرف هوية المتصل لكن اكتفت بنعته بـ ” عديم الزوق ” ، أي كان يكون فلا يجب على أحد يتصل مبذلك الوقت المتأخر من الليل ! .
طفح كيلها واصدرت صرخة مغتاظة لتلتقط الهاتف وتجيب بعصبية دون أن تتأكد من هوية المتصل :
_ إيه قلة الزوق وعدم الاحترام ده .. في حد يتصل في الوقت ده ناس معندهاش دم ومش محترمة صحيح

سمعت نبرة رجولية تعرفها جيدًا تجيبها بلهجة مريبة :
_ والله !!!
تلعثمت وجحظت عيناها بدهشة لتبعد الهاتف عن أذنها وتتفقد هوية المتصل لتضرب بيدها على وجهها في لطف ناعتة نفسها بـ ” حمقاء ” .. كل ذلك حدث في ظرف ثلاث ثواني وبالرابعة كانت تعود بالهاتف فوق أذنها وتجيبه باضطراب بسيط وابتسامة لم يراها لكن ظهرت في دلال نبرتها :
_ آدم ! .. وحشتني أوي ياحبيبي والله
تجاهل تغذلها به حتى لا ينفجر بها وتابع بنفس نبرته السابقة :
_ أنا قليل الزوق ومش محترم يا مهرة !!!
عضت على شفاها بتوتر ثم ابعدت الهاتف قليلًا عن أذنها وهمست :
_ يارب سامحني على الكدب ده
وفورًا عادت به مجددًا تجيبه بجدية متصنعة ورقة جميلة :
_ لا طبعًا ياحبيبي أنا مقصدش ، ده أنت صفة الاحترام موجودة عشانك أساسًا
آدم بوعيد مغتاظ :
_ بعيدًا عن اللي بتقوليه ده وأنا فاهم إنك بتاخديني على قد عقلي .. بس هي كلها يومين وتكوني في بيتي وسعتها محدش هيحوشني عنك
تنحنحت بخوف وهي تضحك ببلاهة محاولة تلطيف الأجواء هامسة :
_ طيب أنت تعرف .. أنا لسا كنت بتكلم مع زوزا وبقولها آدم ده أنا بحبه بشكل لا يمكن حد يتخيله .. عارفة لو هشحت كدا محبش قده
التوى فمه ببسمة مغلوبة وأردف بدهاء يفوق محاولاتها السخيفة لكسب الوضع بصفها :
_ وإيه كمان ؟!
تدللت في الحديث بنبرة افقدته صوابه :
_ بحبك يادومي
هيمن الهيام عليه ولم تسمع سوى صوت أنفاسه القوية فيضقت عيناها بحيرة وهتفت :

_ آدم
أخذ نفسًا عميقًا يحاول التحكم بالثورة التي اندلعت بثناياه ورد عليه بصوت مُتيم :
_ مهرة افتحي الشباك أنا تحت البيت
فغرت شفتيها بصدمة وصاحت :
_ نعم .. أنت بتهزر !!!
_ لا طبعًا مش بهزر .. وحشتيني وعايز اشوفك اطلعي على الشباك يلا
وثبت من الفراش بارتباك وهدرت إليه في الهاتف بعدم تصديق :
_ آدم أنت مجنون بجد
لم يجيبها واكتفى بابتسامته بينما هي فقامت بفتح النافذة واطلت منها برأسها فقط لترى سيارته بالفعل أسفل المنزل وهو يقف مستندًا بظهره على السيارة ويرفع عيناه إليها يتأملها بعشق جارف فيخرج صوته في الهاتف أصاب يسارها بسهم العشاق الذي لا شفاء منه :
_ وأنا كمان بحبك
رأى ابتسامتها الخجلة تعتلي معالمها وهي تتمعنه بحب لكن فجأة انتفضت والتفتت خلفها بزعر على صوت جدتها التي تهتف :
_ بتعملي إيه يامهرة على الشباك السعادي ؟!
تلعثمت وردت بسرعة محاولة إنقاذ الموقف :
_ولا حاجة ياتيتا انا سمعت أصوات بس وافتكرت في حد بيتخانق ولا حاجة بس طلع عيال المنطقة مع بعضهم .. إنتي إيه اللي مصحيكي لغاية دلوقتي ؟
فوزية بدفء :
_ كنت رايحة أنام بس قولت اطمن عليكي الأول
مهرة بحب حقيقي ونظرات كلها امتنان :
_ ربنا يخليكي ليا يازوزا .. متقلقيش أنا هروح أنام دلوقتي وأنا روحي نامي وارتاحي
_ طيب ياحبيبتي تصبحي على خير
_ وإنتي من أهل الخير يارب
فور رحيل جدتها رفعت الهاتف على أذنها فورًا والتفتت للنافذة تتطلع لآدم وتهتف بحزم بسيط :
_ امشي بقى يا آدم لو تيتا عرفت انك موجود تحت هتبهدلني

ضحك واتاها صوته في الهاتف متزامنًا مع وجه وهي تراه يغمز لها بخبث :
_ طيب ما تبعتيلي بوسة في الهوا كدا قبل ما امشي
اتسعت عيناها بصدمة وهتفت بغضب ممزوج بخجلها الشديد :
_ آدم احترم نفسك وبلاش وقاحة
كتم ضحكته ورد ببرود ونبرة ازدادت جرأة :
_ ما أنا مش همشي غير لما اخدها !
مهرة بعناد شديد :
_متمشيش خليك قاعد كدا وأنا هدخل أنام
هدر بكلمة سمرتها بأرضها من الذهول :
_ هطلعلك
لهجته كانت تملأها الثقة المفرطة مما زعزعت شجاعتها هي لكن رغم ذلك احتفظت بثقتها وردت :
_ متقدرش
ابتسم بخبث ورفع حاجة مستنكرًا ثقتها بنفسها ثم استطرد بلهجة لا تحمل المزح :
_ تتحديني ؟!
استحوذ عليها السكون بعد سؤاله ولهجته التي تثبت جنون أفعاله ، فإن أكملت بتلك المجادلة ستخرج منها حتمًا خاسرة .. تنفست الصعداء بعدم حيلة ورفعت أناملها لفمها تطبق علي شفتيها وتضمهم للأمام ثم تبعد يدها متزامنة معها قبلة أرسلتها له بالهواء وهي تبتسم بخجل .. فضحك هو بمشاعر طاغية ثم رد عليها بلؤم :
_ هعتبرها تصبيرة لغاية الفرح يا مهرتي
لم يدهشها بوقاحته المعتادة بقدر ما أخجلها حيث أنهت الاتصال معه دون أي كلمة وتابعته بعيناها فقط وهو يستقل بسيارته ويلوح له بيده مودعًا إياها ففعلت المثل ، وراحت عيناها تتحرك مع السيارة حتى غادرت الشارع بأكمله وتوارت عن أنظارها .. فدخلت غرفتها وهي تضحك وتدفن وجهها بين راحت يديها بخجل .. لا تصدق أنها فعلتها حقًا !! …..
***
تسير بخطواتها الرقيقة تجاه غرفتهم وهي تحمل فوق يديها كوب القهوة خاصته .. عند اقترابها من الغرفة سمعت صوته يتحدث بالهاتف ويهنأ أحدهم ببشاشة وود شديد ، لم تتمكن من التعرف على هوية الطرف الآخر وحين وصولها للغرفة كان هو قد انهى الاتصال تطالعها مبتسمًا ليهمس :
_ تسلم إيدك ياحبيبتي
ابتسمت زينة له بحب وسألت برقة تليق بها :

_ كنت بتقول لمين مبروك ؟
هشام بنبرة طبيعية وهو يقرب كوب القهوة من فمه يرتشف منه بلطف :
_ ده آدم بيعزمني على فرحه .. يوم الخميس
وكأن الماضي لم يعد لديه أثرًا حتى لديها ، وعلى عكس المتوقع ابتسمت بسعادة دون أي ضغينة أو مرارة والتزمت الصمت للحظة ثم هدرت باسمة :
_هروح معاك
توقفت يده بكوب القهوة في منتصف طريقها لفمه والتفت بنظره ناحيتها يرمقها بتعجب ونظرة مطولة فهزت كتفيها ببساطة وتمتمت :
_ مالك ؟ .. أنت مش حابب تاخدني معاك ولا إيه ؟!
هشام بهدوء تام وأعين دقيقة :
_ لا أنا كنت في الطبيعي هعرض عليكي لو حابة تيجي معايا .. بس استغربت حماسك ورغبتك أنك تروحي
ارتفعت البسمة لثغر زينة واقتربت منه بحميمية لتهمس مثبتة عيناها على خاصتها :
_ تستغرب ليه ، أنت عندك شك أن زينة القديمة لسا عايشة ؟!!
لم تجد إجابة منه وعيناه فقط كانت تستشفي الأسئلة منها التي تطلق إشارات مبهمة وغامضة ، فتنهدت بعمق والتصقت به لتهمس أمام وجهه مباشرة :
_ أنت عارف كويس إني مسحت الماضي من حياتي .. وآدم مكانته عندي حاليًا كأخ ليا مش اكتر من كدا
سكتت للوهلة ثم تابعت بعينان تلمع بوميض زاهي يظهر بداخله الامتنان والعشق لكل ذرة حب لا تنطفأ بداخلها :
_ أنا عرفت معنى الحب الحقيقي معاك أنت ياهشام .. أنت حُبي الأول والأخير

اشتعلت شرارة العشق بنظراته وشفتيه راحت ترسم بسمة تتحدث بدل عن لسانه بألف كلمة ، لم يشعر بنفسه سوى وهو يقربها منه ويستند بجبهته فوق خاصته لتمتزج أنفاسهم معًا واناملها قادت طريقها لخصلات شعرها تبعدها عن عينيها بلطف ليردف بعاطفة جيَّاشة وصادقة :
_هفضل أحمد ربنا واشكره لآخر عمري أنه استجاب لدعائي وبقيتي من نصيبي .. عمري ما كنت هستحمل بعدك عني أو إني اشوفك مع راجل غيري .. لكن دلوقتي أنا اسعد راجل في الدنيا يازينة
رفعت جبينها عنه دون أن تبتعد وتطلعت بعيناه بحب لتمر بأناملها في نعومة فوق بشرة وجنته الخشنة هامسة :
_ وأنا اكتر ست محظوظة
غلبته رغبته وعقله الذي يصرخ به أن يصنع من تلك اللحظات ذكرى لا تُمحى ، ولا إراديًا انحرفت نظراته لتستقر فوق شفتيها فدنى منها يسرق معها لحظات ستوثّق للأبد بذاكرتهم ……..
***
كانت الصغيرة تجوب الغرفة إيابًا وذهابًا وسط همهماتها الطفولية الغير مسموعة وهي تدندن بفرحة .. فاليوم هو يوم عودة جدها من المستشفى بعد غياب ثلاث أيام عن المنزل ، لم تكن فرحتها فقط بعودة جدها بل أيضًا أبيها الذي لم تراه طوال الثلاث أيام سوى مرة واحدة .
بينما هي منشغلة بالتفكير في طريقة تستقبل بها جدها المريض اقتحمت أمها الغرفة وهي تقول لها باسمة :
_ يلا ياهنا البسي عشان جدو زمانه على وصول
انتصبت واقفة وقالت بلهفة :
_ بابي معاه ؟
أماءت لها جلنار بالإيجاب وتقدمت نحو خزانتها الصغيرة تخرج لها ثوب طفولي قصير من اللون الأحمر ثم التفتت لها وتمتمت :
_ يلا ياهنون عشان تلبسي .. إيه رأيك في الفستان ده ؟
هنا بحماس وعينان لامعة :
_ حلو أوي

اقتربت جلنار وجثت على قدميها أمامها ثم بدأت في مساعدة ابنتها بتبديل ملابسها والصغيرة لا تتوقف عن الغناء بمرح فراحت جلنار تشاركها الغناء وهي تضحك .. ووسط اللحظات الحافلة بالأجواء الإيجابية الجميلة سألت هنا بنظرة فضولية :
_ مامي هو أنتي هتلبسي احمر زي ؟
ضيقت عيناها بتعجب وردت :
_ أنتي عايزاني البس أحمر ليه ؟
زمت هنا شفتيها وردت بكل هدوء طفولي جميل :
_ عشان إنتي زهرة حمراء ولازم تبقى لابسة أحمر زي الزهرة
اندهشت من رد ابنتها فاستخوذ عليها السكون لبرهة من الوقت قبل أن تبتسم بحيرة وتسألها :
_ مين قالك إني زهرة حمراء ؟!
ابتسمت وسرعان ما تحولت البسمة لضحكة وهي ترفع كفها الصغير تكتم على فمها وتقول برقة ساحرة :
_ بابي دائمًا بيقولك كدا .. وكمان بيقولك يارمانة والرمان لونه أحمر .. هو بابي بيقولك رمانة ليه يامامي اشمعنى الرمان ؟!
انطلقت ضحكة جلنار العالية على سؤال صغيرتها العفوي واجابتها وهي تكمل مساعدتها في ارتداء ملابسها :
_ عشان اسمي جلنار .. هو اسم لزهرة حمراء وليها اسم تاني كمان اللي هو زهرة الرمان
هنا بإشراقة وجه وعينان حماسية :
_ طيب وأنا معنى اسمى إيه ؟
احتضنت جلنار يدين ابنتها ودنت منها تلثم وجنتيها بحنان أمومي وتهمس بنبرة تنبع بالحب والدفء :
_ إنتي الفرحة والسعادة والسرور زي ما كنتي فرحتنا أنا وبابي وسعادتنا لما نورتي حياتنا وكنتي فرحة بابي الأولى
ثم سكتت وتابعت بغمزة لعوب وهي تضحك بخفة :
_ عرفتي بقى هو بيقولك هنايا ليه !

أماءت الصغيرة بإيجاب وهي تبتسم باتساع وسرعان ما ارتمت على جسد أمها تعانقها هاتفة :
_ أنا بحبك أوي إنتي وبابي يامامي
_ واحنا كمان ياحبيبة قلبي بنحبك اكتر
انتفضت بعيدًا عن أمها فور سماعها لصوت باب المنزل وراحت تركض لخارج الغرفة وهي تصيح بفرحة غامرة :
_ بابي وجدو جم .. بابي وجدو جم
استقامت جلنار واقفة وعدلت من ملابسها وكذلك شعرها ثم غادرت الغرفة بخطوات هادئة لكن في ثناياها ممتلئة بالشوق واللهفة لرؤية أبيها .
بالأسفل نزلت هنا آخر درجة من درجات الدرج ورأت جدها أمامها فركضت إليه بلهفة تصرخ ” جدو ” لينحنى نشأت لمستواها ويحملها فوق ذراعين لاثمًا وجنتيها بشوق هامسًا :
_وحشتيني ياحبيبة جدو
هنا برقة :
_وإنت كمان ياجدو وحشتني
عاد يلثم وجهها من جديد فسألته هي باهتمام :
_ إنت بقيت كويس دلوقتي ياجدو ؟
ضحك بخفة ورد عليها وهو يلتقط كفها يرفعه لشفتيه ويلثمه برفق :

_ وهو حد يشوف الهنا ويفضل تعبان
لاحت بسمتها الخجلة على وجهها ولم تدم طويلة حيث صدح صوت جلنار الناعم وهي تتقدم نحو أبيها هامسة :
_ حمدالله على السلامة يابابا
انحنى وانزل حفيدته من فوق يديه ليبسط ذراعيه أمامه يستقبل بهم ابنته التي انضمت لحضنه مردفة بشوق :
_ وحشتني يابابا .. ونورت بيتك كله
نشأت وهو يلثم شعر ابنته ويضمها لصدره بحنو :
_ البيت نور من وقت ما رجعتي ليا ياجلنار إنتي وهنا
جلنار بحب نقي :
_ربنا يخليك لينا يارب
تعلقت الصغيرة بقدم جدها وأخذت تشد بنطاله بشكل متكرر حتى ينتبه لها وتهتف في عبوس وعينان منطفئة :
_ بابي فين ياجدو ؟
نشأت ببسمة هادئة :
_ بابا راح يخلص شغل و جاي ياحبيبتي وهو قالي مش هيتأخر
مطت شفتيها للأمام بحزن وقالت بعينان تلألأت بالدموع وتذمر :
_ هو قالي هيجي مع جدو .. أنا زعلانة منه
أنهت عبارتها الطفولية الحزينة واندفعت للأعلى حيث غرفتها تنوي المكوث بها والانفراد بحزنها من أبيها بعيدًا عن الجميع ، بينما بالأسفل التفت نشأت تجاه ابنته وحدثها بلطف :

_ روحي ياجلنار شوفيها
جلنار بهدوء وهي تمسك بذراع أبيها تساعده على الحركة :
_ حاضر يابابا هروح أشوفها بس الاول تعالى اوصلك اوضتك عشان ترتاح شوية
سار معها ببطء تجاه الدرج يصعد درجاته بكل حذر وهي تساعده حتى انتهى ووصلوا لغرفته ، ساعدته على الاستلقاء فوق فراشه ودثرته بالغطاء جيدًا ثم استدارت ورحلت حتى تقوم بتحضير وجبة الغذاء له وكذلك تطمئن على ابنتها …..
***
بتمام الساعة التاسعة مساءًا ………..
فتحت ” بدرية ” باب المنزل واستقبلت عدنان الذي دخل وأرسل لها بسمة بشوشة قبل أن يقود خطواته للطابق العلوى قاصدًا غرفة ابنته وبيده يحمل علبة كبيرة داخلها دمية إحدى أفلام الكرتون المفضلة لديها .
تحرك بخطوات هادئة حتى لا يوقظ أحد بالمنزل وبالأخص نشأت ، وقف أمام باب غرفتها ومد يده يمسك بالمقبض ويديره لليسار برفق ثم دفع الباب للداخل بلطف وادخل رأسه أولًا يتجول بنظره بين أرجاء الغرفة بحثًا عن صغيرته لكن لا أثر لها .. فعقد حاجبيها باستغراب وقد تلاشت ابتسامته ليدخل ويغلق الباب هاتفًا بصوت قلق :
_ هنا ؟!
كانت الصغيرة تقف أمام النافذة تتابع بوابة المنزل منذ وقت طويل تنتظر وصوله وفور رؤيتها لسيارته تدخل لحديقة المنزل أسرعت تبحث بغرفتها عن مخبأ حتى تختبأ منه .. كتعبير طفولي لطيف عن غضبها وانزعاجها منه .
ظلت تستمع لصوته وخطوات قدمه وهو يبحث عنها بالغرفة بينما هي تختبأ في خزانة الملابس ورغم غضبها منه إلا أن عدم استطاعته في العثور عليها اشعرتها بالنشوة وجعلتها تضحك بصمت وحماس .. وبعفويتها الطفولية راحت تعتدل في جلستها داخل الخزانة ودون أن تنتبه أصدرت ضجة جعلته يتسمى بأرضه ويلتفت برأسه تجاه مصدر الصوت تحديدًا إلى الخزانة ، ورفع حاجبه بباديء الأمر مستغربًا لكن سرعان ما تحرك متريثًا نحو الخزانة ووقف أمامها ينحنى برأسه ويضع أذنه فوق الباب فاقتحمت أذنه صوت أنفاسها المتسارعة ، وتلقائيًا شقت بسمته العريضة ثغره ولمعت عيناه بخبث يفوق ذكائها الطفولي ليهتف بصوت قوى يتصنع الحزن :
_ ده أنا كنت جايب لهنون العروسة اللي بتحبها .. ياترى راحت فين دلوقتي ؟!!!
سكت لبرهة يستشعر وجود أي حركة منها لكنها حافظت على ثباتها المزيف فكتم ضحكته وتابع بمكر يعني جيدًا ما يقوله :
_ أنا هسيب العروسة هنا بقى وأروح ادور عليها برا
انهى عبارته وتحرك بخطواته تجاه الباب مصدرًا صوت بقدمه متعمدًا حتى يؤكد لها أنه يغادر وعند الباب فتحه ثم أغلقه مجددًا واسرع بعدها يتحرك بخطا حذرة نحو أحد أركان الغرفة يتخفي خلفها .. وبالفعل كما توقع لم تكن سوى ثواني معدودة حتى رأى باب الخزانة ينفتح وتخرج منه ببطء .. تتلفت حولها برأسها لتتأكد من رحيله وعندما لم تجد أحد غيرها بالغرفة خرجت بكل اطمئنان واسرعت ركضًا نحو الفراش حيث توجد فوقه علبة دميتها المفضلة وراحت تخرجها من علبتها وتمسكها بين يديها وهي تضحك بسعادة غامرة وتقفز فرحًا .

خرج هو وتسلسل ببطء من خلفها وعلى حين غرة انحنى وحملها فوق ذراعه وهو يقول ضاحكًا :
_ مسكتك يا مكارة .. بتستخبي مني !
أصدرت هي صرخة عالية مفزوعة وسرعان ما تحولت لضحكة عالية لكن لم تدم ضحكتها كثيرًا حيث زمت شفتيها بحزن وقالت :
_ لا أنا زعلانة منك يابابي عشان قولتلي هتيجي مع جدو الصبح ومجيتش
دنى منها ولثم شعرها ووجنتها بلطف هامسًا في اعتذار حقيقي :
_ أنا آسف ياروحي .. كان في شغل ومينفعش ارجع من غير ما اخلصه وأول ما خلصته جيتلك أهو
عقدت ذراعيها أمام صدرها ومطت شفتيها للأمام ثم اشاحت بوجهها بعيدًا عنها كإشارة على رفضها لأعتذاره فضحك هو ورد غامزًا بعيناه البندقية :
_ طيب اوعدك مش هتتكرر تاني
التفتت له وقالت بنظرة قوية تمامًا كنظرة أمها :
_وعد !
أماء لها بالإيجاب وهو يبتسم فسكنت قليلًا ثم ابتسمت هي الأخرى بدورها وراحت ترتمي عليه تعانقه وهي تهمس بنبرة تسلب العقول :
_ أنا بحبك يابابي ومقدرش ازعل منك خلاص
أثرت قلبه بكلماتها ونبرتها التي تسلب عقله جعلته يحلق في السموات وسط أفضل شعور يمكن أن يداهم أي أب .. فلم يشعر بعاطفته سوى وهي تدفعه لتقبيل شعرها وجبهتها ووجنتيها ثم يضمها لصدره بقوة دافنًا وجهه بين ثنايا شعرها هامسًا بنبرة انبعثت من صميم قلبه :
_ وأنا بعشقك ياهنايا وفرحة وسعادة بابي .. ربنا يخليكي ليا ويقدرني واسعدك دايمًا إنتي وماما
دامت عناقها لأبيها للحظات طويلة حتى ابتعدت عنه ونزلت من فوق ذراعيه لتبدأ في إخراج دميتها من الكيس الشفاف الذي يحاوطها وهي تضحك بحماس لكن سرعان ما عبس وجهها عندما راحت تبحث عن بطل الكرتون وحبيب الدمية ( رابونزل ) لتقول بحزن :
_ فين يوجين يا بابي ؟!
غضن حاجبيه باستغراب ورد بجهل :
_ مين يوجين ده ؟!!
ردت بكل براءة وحزن :
_ ده الولد اللي بتحبه رابونزل
استحوذ عليه السكون الممزوج بدهشته من ردها لكن ما ابتسم بزيف ورد محاولًا تخطي الأمر :
_ بتحبه !!! .. لا هي حلوة وحدها كدا
لم تنتبه لعبارة والدها وكانت منشغلة بشعر الدمية الطويل وقالت بتلقائية وهي تبتسم :
_ عارف يابابى دي شعرها سحري أول ما تغنيله بينور .. اوريك ؟
هز لها بالإيجاب فراحت هي تمسك بالفرشاة الصغيرة الخاصة بالدمية وأخذت تسرح لها شعرها كما كانت تشاهدها في الكرتون وبدأ صوتها الجميل يظهر وهي تغني برقة :
_ ياوردة المعي .. خلي القوة .. يرجع اللي كان ، اللي ضاع زمان .. خففي الجروح .. رجعي اللي فات يرجع اللي كان .. يرجع اللي ضاع .. ضاع من زمان
توقفت بعد انتهاء الأغنية ولم تجد شعرها يضيء فراحت تصيح وتبكي بحزن :
_ شعرها مش بينور ليه !!!
قهقه عاليًا واجابها من بين ضحكه محاولًا تهدأتها :
_ياحبيبتي دي عروسة مش حقيقية .. شعرها هينور ازاي لما تغنيلها بس
هنا ببكاء حقيقي :
_ لا هو كان بينور في الكرتون

اقترب منها ونزع الدمية من يدها ثم حملها فوق ذراعيه وسطحها فوق الفراش ثم تمدد بجوارها وهمس باسمًا وهو يلثم شعرها :
_ طيب إيه رأيك اغنيلك أنا لغاية ما تنامي
هنا باعتراض وحزن :
_ لا أنا شعري مش سحري زيها ومش هينور
رفع أنامله وراح يغلغلها بين خصلات شعرها الكستنائية الحريرية وهو يبتسم ويقول بحب :
_ إنتي شعرك أحلى منها ياحبيبتي .. وأجمل شعر شفته في حياتي
اختفى حزنها وتطلعت إلى أبيها تهمس باسمة :
_ بجد يابابي !
_ طبعًا ياروح بابي
عانقته بحب ودفنت وجهها بين ثنايا صدره بينما هو فأخذ يمرر أنامله بين خصلات شعرها ويدندن لها بأغنتيها المفضلة ، ولم تدم طويلًا حتى وجدها غطت في سبات عميق بين ذراعيه ! ………
***
دخل غرفة جلنار وأغلق الباب خلفه ببطء ثم تلفت برأسه حوله بحثًا عنها ولم يلبث ثواني حتى سمع صوت رذاذ المياه داخل الحمام فابتسم بلؤم وتقدم إلى الحمام بتريث حتى وقف أمامه وسكن تمامًا للحظات ثم رفع يده وطرق بخفة فوق الباب فسمع صوتها الناعم من الداخل وهو تقول بنبرة قوية :
_ نعم يا هنا .. إنتي لسا صاحية ياحبيبتي مش قولتلك روحي نامي وبابي ممكن يتأخر
سكت للحظة ثم هدر بصوته الرجولي المميز :
_ طيب وياترى ماما مطولة في الحمام ولا لا .. عشان بابي بيزهق
ارتفعت البسمة الساحرة فوق شفتيها وردت عليه من الداخل بدلال :
_لو هتزهق امشي
رفع حاجبه مستنكرًا ردها وأجابها بخبث ولهجة تقصد كل حرف جيدًا :
_ طيب وامشي ليه وأنا ممكن ادخل عادي جدًا
اتسعت عيناها مذهولة ولم تلبث ثواني لتفق من دهشتها جراء جملته الجريئة حتى وجدت مقبض الباب يلتف وهو يقول من الخارج بلهجة لعوب كلها استمتاع ومكر :
_ هااا ادخل ؟!
صرخت من الداخل بفزع وهي تهنيه بتحذير وخجل شديد :

_ لااااا .. خلاص طالعة أهو
ضحك بخبث ورد بمتعة :
_ هعد لخمسة لو مطلعتيش أنا مش مسئول بقى
جلنار سائحة به بغيظ :
_عدنان بلاش وقاحة !
تجاهل عباراتها وقال ببرود وهو يضحك :
_ الخمسة قربت تخلص وده مش في صالحك يا رمانتي
أسرعت نحو المنشفة تلتقطها وتلفها حولها جسدها بينما هو بالخارج هتف بالرقم خمسة وبالفعل لم يكن يمزح بل فورًا فتح الباب ولكن لحسن حظها أنها كانت لفت جسدها بالمنشفة .. أما هو فابتسم ورد بعبث وهو يعض على شفاه السفلية متحسرًا :
_ ياخسارة .. كنت خليتها لغاية تلاتة
طالعته مبتسمة بغيظ واندفعت نحوه تلكزه في كتفه بخفة هاتفة :
_ أنت وقح جدًا
تجولت نظراته عليها برغبة وهو يبتسم بخبث .. تلك القماشة السميكة التي تستر جسدها وشعرها المبتل الذي تتساقط منه قطرات المياه فوق ذراعيها وصدرها تجعلها أكثر أغراء وإثارة ، وبقوة ملاحظتها قرأت ما يدور بعقله من خلال نظراته المشتعلة فتراجعت للخلف ببطء تنوي الاختباء داخل الحمام مجددًا .. لكن كان يقظ أكثر منها ووجدت ذراعه يحاوطها بقوة ويجذبها إليه محكمًا قبضته عليها ويقول ببسمة مائلة كلها لؤم :
_ أنا محترم أوي لغاية دلوقتي يارمانة .. إلا بقى لو إنتي عايزة تشهدي الوقاحة على حق
شعرت بالبرودة تسري فوق جلدها تزامنًا مع حركة أنامله المتمرسة وارتجفت بخجل عند وقوف يده فوق عقدة المنشفة فهتفت مسرعة حتى تنقذ خجلها تقول بفرحة :
_ عدنان النهارده حسيت بأبننا بيتحرك أول مرة
انخفضت يده تلقائيًا واجفل نظره إلى بطنها يقول بلهفة وسعادة :
_ بجد !

هزت برأسها في إيجاب أما هو فراح يضع يده فوق بطنها المرتفعة يتحسسها برفق وهو يبتسم بعينان لامعة كلها حب ثم انحنى بجسده للأسفل يجلس القرفصاء وبيديه يحتضن بطنها من الجانبين ويقترب بشفتيه منها يقبلها بكل رقة هامسًا :
_ حاسس نفسي بمتلك الدنيا وما فيها
راح يوزع قبلاته على بطنها بعد عبارته ثم استقام واقفًا وتحتضن وجهها متمتمًا بعين تفيض عشقًا :
_ إنتي خلتيني اسعد راجل في الدنيا ياجلنار .. ادتيني أجمل بنوتة ودلوقتي شايلة ابني وولي العهد
ابتسمت له بغرام وهمست وهي تقترب بوجهها منه أكثر حتى تلفح أنفاسها الساخنة صفحة وجهه :
_ وإنت أجمل راجل وزوج وأب .. أنا بحبك أوي ياعدنان
ابتسمت عيناه بالشوق والغرام قبل وجهه ولم تكن إجابته بالكلمات بل شفتيه تولت المهمة .
قُطعت لحظاتهم وانتفضت جلنار مبتعدة على أثر صوت طرق الباب أما هو فاتسعت عيناه يقول بنفاذ صبر :
_ لا مش معقول هنا ده أنا لسا سايبها نايمة قبل ما آجيلك !
ضحكت رغمًا عنها ثم صدح صوت الخادمة بدرية من خلف الباب وهي تقول بأدب :
_ جلنار هانم أنا آسفة لو ضايقتك .. بس نشأت بيه كان بيسأل عليكي وبيقول عايزك
ضيقت عيناها وردت في قلق :
_ هو كويس يا بدرية ؟
_ كويس الحمدلله متقلقيش هو تقريبًا عايز يتكلم معاكي في حاجة
جلنار :
_ طيب يابدرية روحي إنتي وأنا جاية وراكي
انتشلت جسدها من بين براثن عدنان واتجهت نحو الخزانة تخرج ملابسها وتعود للحمام لكي ترتدي ملابسها ، أما هو فجلس على حرف الفراش متأففًا بحنق ويتمتم :
_ يعني أنا هلاقيها من هنا ولا من نشأت
***
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا خرجَ عدنان من غرفة نشأت ينوى الرحيل .. تحرك بخطواته السريعة تجاه الدرج وقبل أن يخطو أولى خطواته فوق الدرج سمع صوتها من الخلف تقول :
_ عدنان استنى
توقف والتفت بجسده لها فوجدها تتحرك نحوه بكل غنج حتى توقفت أمامه مباشرة ورفعت يديها الناعمتين تمررهم فوق سترته بحركة تثير الرغبة وتهمس متطلعة بعيناه :
_ خليك معايا النهارده متمشيش

مالت شفتيه لليسار ببسمة ماكرة ثم استطرد :
_ ليه ؟!
زادت من حميمية لمساتها ونبرتها أصبحت أكثر إثارة وهي تهمس بكل دلال يليق بزهرته الحمراء ونبرة منخفضة حتى لا يسمعهم أحد :
_ وحشتني وعايزة أنام في حضنك الليلة دي
ابتسم باتساع ومال عليها يتمتم بنظرة فاقت وقاحته منذ قليل :
_ إنتي متأكدة من طلبك ده يارمانتي !
ضحكت برقة وهزت بالإيجاب تقول بجرأة ودلال أكثر لا تليق بتلك المرأة التي كانت ترتجف من خجلها منذ قليل :
_متأكدة جدًا كمان
رفع حاجبه بمكر ضاحكًا ثم أجابها باسمًا :
_ طيب روحي وأنا هكلم آدم أقوله على كام حاجة بخصوص الشغل وجاي وراكي
تحركت من أمامه وسارت تجاه الغرفة ثم التفتت برأسها له عند الباب وقالت باسمة بنعومة جعلت لعابه يسيل على أثرها :
_ متتأخرش !
ثم فتحت الباب واختفت داخل الغرفة عن أنظاره .. بقى هو مكانه متسمرًا لم يفيق من تأثير نبرتها ولا نظرتها السحرية .. اخفض نظره بهاتفه الذي بيده وسرعان ما وضعه بجيبه وقال بلهفة :
_ يتحرق الشغل كله .. بلا شغل بلا قرف !
ثم اندفع مسرعًا نحو غرفة زوجته وفتح الباب ودخل ثم اغلفه خلفه ومد يده يغلقه بالمفتاح فضيقت عيناه وسألته بحيرة :
_بتقفل بالمفتاح ليه ؟!
رد غامزًا بلؤم :
_ تحسبًا لأي هجوم من أطراف العدو .. والبيت هنا مليان أعداء

قهقهت عاليًا وماهي إلا لحظات حتى انغمسوا معًا يقضون ليلتهم الخاصة وسط أجواء العشق والسعادة التي تغمرهم ! …….
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل حاتم …………
كانت تقف أمام المرآة تقوم بتسريح شعرها فرآته من خلفها بعدما دخل الغرفة يقترب منها ببطء ثم احتضنها من الخلف وقبّل شعرها بكل حب هامسًا :
_ معقول الجمال ده كله ليا لوحدي
ابتسمت بخجل ولم تجيبه فقط بسمتها الساحرة كانت تجيب بدلًا عنها .. لكن خرج صوتها بعد لحظات معدودة وهي تسأله بحيرة :
_ أنت مش رايح الشغل ؟!
حاتم باسمًا :
_ تؤتؤ حابب النهارده اقضى اليوم معاكي
استدارت ودنت منه تلثم وجنته برقة دون حرف واحد بينما هو فمد يده بجيبه وأخرج كارتين عبارة عن تذاكر طائرة لمدينة كاليفورنيا وقال بحنان :
_ ده تذاكر الطيارة عشان نرجع كاليفورنيا زي ما كنتي عايزة وبما إن المشروع خلاص انتهى فمفيش مانع نرجع تاني لشغلنا هنا

هدأت بسمتها قليلًا وجذبت الكروت من يده ثم تطلعت بعينها وقال في رزانة وحب :
_ بس إنت كنت بتقول إنك راح تنقل كل شيء لهون وإنك حابب تضل بمصر وما ترجع لكاليفورنيا .. شو اللي غير رأيك هلأ ؟!
حاتم بنبرة جادة :
_ سعادتك أهم عندي يانادين وطالما إنتي حابة ترجعي هناك مفيش مشكلة
ابتسمت وأظهرت عن أسنانها البيضاء ثم ألقت بتذاكر الطائرة فوق الفراش بأهمال واحتضنت كفيه بدفء متمتمة :
_ وأنا كمان بتهمني سعادتك .. وبدي ياك تعرف إن سعادتي مرتبطة بوجودي جمبك مش بالمكان اللي راح ضل فيه .. وأنا هلأ خلاص اتعودت على مصر وحابة كتير إني ضل هون وما بدي ارجع على كاليفورنيا
حاتم بصوت رجولي قوي :
_ نادين لو بتقولي كدا عشان ااااا…….
كتمت على فمه بكفها تمنعه من استرسال الحديث وتقول باسمة بنظرة ثاقبة :
_ مشان أنا بحبك .. وقولتلك ما عاد يفرق معي المكان أهم شيء تكون إنت جمبي وهاي هي أكبر سعادة لإلي .. وإذا ما بدك ياني اتضايق عنجد لا تفتح هاي الموضوع مرة تاني لإني حتى أنا ما راح اقدر سافر واترك الخالة فاطمة بعد ما اتعلقت فيها بهاي الدرجة
ابتسم لها بغرام جارف وضمها لصدره يلثم شعرها وجبهتها بكل حنو هامسًا :
_ربنا يخليكي ليا ياحبيبتي .. مهما أقولك بحبك دي كلمة قليلة بالنسبة لحبي ليكي
أغمضت عيناها وهدأت برأسها فوق صدره وهي بين ذراعيه تنعم بكل أشكال الحب والآمان التي ظنت يومًا أنها لن تحصل عليهم أبدًا !!! ………….
***
فتحت عيناها بصباح اليوم التالي وهي تشعر بملمس جسده القوى يحتويها ورأسها فوق صدره وذراعيه تحاوطها بتملك كمن يخشى من هروب فريسته منه !! .

رفعت نظرها له فوجدته نائم في سبات تام وأنفاسه منتظمة .. شعره الأسود الكثيف مشعث مما جعله أكثر جاذبية ، ابتسمت وهي تتذكر ليلة الأمس كيف كانت تعبث بشعره باستمتاع وسط مزاحهم وضحكهم ولحظاتهم الرومانسية .. لا تصدق تلك الجرأة التي كانت تستحوذها بالأمس والآن هي تتلون بالأحمر خجلًا ! .
لم تشعر بنفسها سوى وهي تجد يديها تمتد إلى شعره من جديد وتعبث به برقة وسط ابتسامتها العاشقة ، تململ هو بنومه على أثر لمساتها وراحت يديه تمتد بتلقائية حتى تضمها إليه أكثر فضحكت هي بصوت مكتوم وهمست بخفوت :
_ عدنان اصحى يلا كفاية .. آدم بيرن عليك من بدري
أجابها بصوت ناعس :
_ اعملي التلفون سايلنت وسيبك منه
قهقهت بخفة ثم مالت عليه وطبعت قبلة ناعمة فوق وجنته ولحيته هامسة :
_يلا بقى قوم بلاش كسل احسن اجبلك هنا وهي بتعرف تصحيك كويس أوي
ابتسم وهو مغمض عيناه على أثر قبلتها ثم تمتم بلؤم واستمتاع :
_طيب كام بوسة تاني كمان عشان اقوم
ضحكت وبسذاجتها لبت طلبه وأخذت توزع قبلاتها الناعمة على وجهه وهو مغمض عيناه ويبتسم بسعادة وحين توقفت فتح عيناه الماكرة وقال بعينان تلمع برغبة :
_ دوري بقى
اعتدل بظرف لحظة وغار عليها يكبلها بيديه حتى لا تفر هاربة منه .. ولم تجد هي أمامها مفر سوى أن تصيح منادية على ابنتها فهي الوحيدة التي ستنقذها منه لكنه كان أسرع منها وكتم على فمها بيده ضاحكًا ويقول :
_ هشششش يعني لما ربنا هاديها عليا ومبوظتش علينا الليلة عايزة تندهيها
ابعدت يده عن فمها وقالت بضحكة مغلوبة :
_ طيب ابعد عني بقى
هدر بعناد مبتسمًا :
_مش قبل ما اخد دوري
مال عليها وكان على وشك أن ينل منها وسط ضحكها ومحاولاتها للتملص من بين يديه لكن صوت طرق الباب والعبرة الطفولية وهي تقول بكل براءة :
_ مامي .. بابي يلا اصحوا
التفت برأسه تجاه الباب وهو يتنهد بعدم حيلة بينما جلنار فانفجرت ضاحكة وقالت بخبث لكي تثير غيظه أكثر :
_حبيبة مامتها جات
عدنان جازًا على أسنانه بغيظ :
_ ماشي ياجلنار .. هسيبك بس عشان هاخدك مشوار
_مشوار إيه ؟!
عدنان بغمزة جذابة :
_ مفاجأة

***
بعد مرور ساعات طويلة نسبيًا ……….
تلفتت جلنار حولها باستغراب بعدما توقفت السيارة وقالت بعدم فهم :
_ احنا جينا بيتنا ياعدنان !!!
أجابها وهو يفتح الباب وينزل من السيارة :
_ ماهي المفاجأة هنا ياحبيبتي ، يلا انزلي
قادت خطواتها خلفه بعدما خرجت من السيارة وفور دخولها للمنزل توقفت متسمرة بدهشة وهي ترى كم التغيرات التي أحدثها بالمنزل لتقول له بانبهار :
_ الله ياعدنان البيت شكل بقى جميل أوي
ضمها إليه وقبَّل شعرها متمتمًا :
_ الحمدلله إنه عجبك .. بس مش دي المفاجأة تعالي معايا فوق وبعدين نبقى نكمل وافرجك على بقية التغيرات اللي عملتها في البيت
سارت معه مبتسمة يصعدون الدرج حتى وجدته يتحرك بها لإحدى الغرف المغلقة والتي من المفترض أنها ستكون لطفلهم الثاني .. فتسمرت مكانها بذهول فور تخيلها لشكل المفاجأة لكنه ابتسم وحثها على استمرار السير معه وعند الباب تركها وابتعد عنها ليفتح الباب ثم يتقهقهر للخلف لكي يترك لها أسبقية الدخول .
تملكها الذهول وهي تتنقل بنظرها بين أرجاء الغرفة الصغيرة .. أصبحت مكتملة من كل شيء ، ذلك الفراش الصغير لابنهم وأيضًا يوجد مهد صغير وخزانة عصرية من اللونين الأبيض والأسود معًا والوان الحوائط ملائمة تمامًا لصبي .. حتى أن الغرفة امتلأت بالالعاب من قبل قدومه .. كل شيء كان كما تمنت بالضبط وأثاث الغرفة على ذوقها تمامًا .
اغروقت عيناها بالعبارات واستدارت له لا إراديًا ترتمي بين ذراعيه هاتفة من بين دموعها بصوت مبحوح :
_ربنا يخليك لينا ياعدنان .. صدقني هنا وابنك محظوظين أوي إن عندهم أب زيك
_ وأنا محظوظ بيكم ياحبيبتي
رفعت قدميها لمستواه ولثمت جانب ثغرها بقبلة عميقة فابتسم هو واردف :
_ الأوضة لو فيها أي حاجة مش عجباكي وعايزة تغييرها براحتك
هزت رأسها بالنفي واردفت بسعادة غامرة :
_ تؤتؤ كل حاجة حلوة أوي وأجمل مفاجأة بجد ياعدونتي
ضحك ورد بشوق وحماس :
_ طيب جهزي نفسك إنتي وهنا بقى بليل عشان نرجع البيت
عبست قليلًا وقالت برقة ونظرة كلها حنو :

_ طيب خليها بعد يومين يعني مثلًا بعد فرح آدم يكون بابا بقى كويس وبعدين نرجع لأني مش هقدر اسيبه دلوقتي
تنفس الصعداء بحنق وأجابها في عدم صبر :
_ زهقت ياجلنار ووحشتيني أوي إنتي وهنا ده أنا ما صدقت خلصت البيت عشان اخدك وترجعي
علانقته وأخذت تقبله بحب وهي تهمس برجاء :
_ معلش ياحبيبي اصبر كمان شوية عشان خاطري
ارتحت عضلاته وذابت أمام قبلاتها ليقول بهيام :
_ عشان خاطرك بس يارمانتي هستحمل شوية
ابتسمت له بعشق وبهذه اللحظة بادرت هي بلحظتهم الغرامية بين ثنايا غرفة صغيرهم الذي لم يولد بعد !! ……….
***
بتمام الساعة السابعة مساءًا ……….
انفتح الباب ودخل عدنان ليقابل صوت أخيه وهو يقول لأمه مازحًا :
_ أهو الباشا شرف أخيرًا يا أسمهان هانم
ابتسمت أسمهان وهتفت بحنو :
_ ليه اتأخرت كدا ياحبيبي
تقدم منها وانحنى عليها يقبل رأسها بدفء متمتمًا :
_ معلش ياماما كان معايا شوية حجات خلصتهم وجيت علطول والله
أردف آدم بمرح :
_ احنا لينا ساعتين مستنينك عشان العشا .. المفروض تراعي إني عريس ولازم اتغذى كويس
رمقه بحاجب مرتفع ثم هدر باسمًا بنبرة ذات معنى :
_ اه طبعًا اهم حاجة تتغذى ما أنت داخل على ملحمة بقى مش كدا ولا إيه يا عريس !
قهقه عاليًا وأجاب بلؤم وهو يوجه الحديث لأمه :
_ عندما تتحدث الخبرة !
تنفست أسمهان الصعداء بعدم حيلة وهي تضحك ثم صاحت منادية :

_ هاتي ياسماح العشا يلا
ثم نظرت لأبنائها الذي بدأوا بتبادل أطراف الحديث مع بعضهظ البعض وابتسمت بسعادة ثم قالت بنظرة تفيض حبًا وحنانًا :
_ والله واتجمعنا من تاني على سفرة واحدة ياولاد الشافعي .. ربنا يخليكم ليا ياحبايبي ويحفظكم وما يفرق بينا أبدًا
كل منهم التقط كف من كفيه وقبَّل ظاهره بلطف هامسين بالتناوب :
_ ويخليكي لينا ياست الكل
***
بعد مرور يومين وتحديدًا بالليلة المنتظرة والموعودة ليلة الزفاف ……….
كان يجوب الطرقة إيابًا وذهابًا أمام الغرفة لا يطيق الانتظار حتى يدخل ويراها وبين كل لحظة والأخرى يطرق طرقة قوية على الباب في محاولة منهم للاستعجال .. عند الطرقة الأخيرة فتحت جلنار الباب له ووقفت كالسد المنيع تقول بحزم :
_ نعم !
آدم متوسلًا :
_خليني ادخل أشوفها لحظة واحدة ياجلنار
جلنار برفض قاطع وعدم تأثر بتوسله :
_ مينفعش هي خلاص خمس دقايق وتخلص اصبر بقى
تأفف بصوت عالي ويأس وهمت هي بأن تغلق الباب وتدخل لكن سألته باهتمام وحماس :
_ عدنان فين يا آدم ؟
أجابها بحنق ولا مبالاة :
_ مع هنا تحت

اتسعت بسمتها الغامضة بالنسبة له ودخلت الغرفة ثم أغلقت الباب لتتركه بالخارج يتحرق شوقًا لرؤية زوجته وهي بفستان الزفاف ! .
وبالفعل لم تكن سوى دقائق معدودة حتى خرجوا جميعهم من الغرفة وأخرهم كانت جلنار التي أشارت له بالسماح بالدخول إليها .. فأشرق وجهه وأضاءت عيناه من السعادة والحماس وفورًا اندفع للداخل يغلق الباب خلفه ليتقدم منها بخطوات هادئة .. يراها تقف توليه ظهرها وهي بفستان الزفاف الذي يأخذ مساحة كبيرة من حولها .. الشوق يأكله أكل لكي يرى وجهها ، فالتف حولها حتى وقف أمامها ورأى أجمل وجه يمكن أن يراه على الأطلاق .. كانت هي تتطلعه ببسمة خجلة لا تقوى على النظر بعيناه من فرط حيائها أما هو فكانت عيناه لا تحيد بالنظر عنها يتأملها وهو يبتسم باتساع ولوهلة شعر بأن الدموع ستصعد لعيناه من فرط السعادة فراح يقترب منها ويضمها في عناق حميمي دافنًا وجهه بين ثنايا رقبتها وهو يهمس :
_ مش مصدق إنك خلاص بقيتي مراتي يامهرة أخيرًا ياحبيبتي
ردت هي بصوت خافت يملأه الحياء برغم عبارتها التي تحوي على بعض من الجرأة :
_ وأنا فرحانة أوي يا آدم
ابتعد عنها ودنى منها يلثم جبهتها ووجنتيها وهو يتمتم :
_ إيه الجمال ده بس أنا مش قادر اشيل عيني من عليكي
تطرقت رأسها أيضًا وهي تضحك بخجل بينما هو فتابع بمرح يملأه مكره :
_ ما تيجي نروح على بيتنا ونسيبنا من الفرح والكلام الفارغ ده .. احنا مش خلاص كتبنا الكتاب واتجوزنا كفاية بقى
انتشلهم من بين لحظاتهم الأولى والغرامية طرق الباب مصحوبًا بصوت سهيلة ( صديقتها ) وهي تقول بضحكة مكتومة وكأنها متعمدة قطع لحظاتهم معًا :
_ يلا ياعرسان المعازيم مستنين تحت
تأفف بعدم حيلة ثم قال مازحًا :
_ إيه رأيك نلغي الفرح خالص يامهرتي
انطلقت ضحكتها عاليًا ليدنو هو منها ويلثم جانب ثغرها بلطف ………
***

انطلقت من هنا صيحة وهي تهز قدم أبيها هاتفة :
_ بابي .. مامي جات أهي
رفع نظره إلى حيث تشير ابنته بأصبعها فاستقر نظره على زوجته وهي تسير نحوهم بدلال غائصة في ثوبها الأسود الذي جعلها أثنى صارخة الجمال .. نزل فكه للأسفل بانبهار فلم يكن يتوقع أنها ستظهر لهم بكتلة الجمال المرهقة للأعصاب تلك .. وكأن بطنها المرتفعة لم تزيدها إلا جمالًا بذلك الثوب الأسود وشعرها الذي يتلائم مع لون الثوب .
مال على أذن ابنته وهمس بعين لا تحيد عن زهرته الحمراء :
_ مامي احلى من العروسة نفسها ياهنون بس اوعي تقولي لعمو آدم كدا
ضحكت الصغيرة وهزت رأسها بالموافقة ثم سألت بعفوية وسط ضحكها :
_ طيب ينفع أقول لمامي ؟
أجابها بعدم تركيز مرددًا دون انتباه :
_ ينفع
وقفت جلنار أمامهم وهي تبتسم برقة وعيناها تلتقط نظرات عدنان الهائمة بها وبلحظة وجدت ابنتها تتعلق بثوبها وتقول بضحكة ساحرة :
_ مامي بابي بيقول إنك احلى من العروسة نفسها
نقلت نظرها بين ابنتها وعدنان وردت باسمة بخجل بسيط :
_ بجد !
هزت رأسها بالإيجاب وهي تبتسم باتساع ثم تابعت أمها وهي تجلس على المقعد المجاور لأبيها وكانت على وشك أن نجلس بجوارهم لكن جذبتها إحدى صديقاتها للعب معهم وبقوا والديها بمفردهم ! ………
كانت جلنار تتحاشى النظر إليه وهي تبتسم بذكاء أنثوي حتى شعرت بيده تقبض على خصرها ويجذبها إليه بقوة ثم مال على أذنها وهمس بفحيح مريب يحمل الغيرة والإعجاب :
_ لغاية ما يخلص الفرح ممنوع تتحركي من جمبي نهائي ياجلنار مفهوووم
لم تنزعج بل بالعكس ابتسمت بتلذذ وردت عليه بغنج مثير :

_ مفهوم يابيبي
اغمض عيناه يحاول تمالك رغباته عنها ثم هتف بتحذير حقيقي :
_ بلاش شغل الدلع ده أنا متمالك نفسي بالعافية أساسًا
قهقهت عاليًا لكن بسبب صوت الموسيقى الصاخبة لم يسمع صوت ضحكتها سواه وتمتمت بنفس دلالها :
_ وأنا لو مدلعتش عليك هدلع علي مين يعني ؟!
غمز لها ببسمة خبيثة وهدر :
_ ادلعي براحتك يارمانة قلبي بس في البيت مش هنا !
أكملت ضحكها العالي وهو يتابعها بنظراته العاشقة والهائمة بها ………
***
بعد مرور أربعة أشهر …………
كانت عيني هنا ثابتة على أخيها الرضيع وهو بين ذراعين أبيها تراقب كيف هو مستكين بين يديه ونائم بكل هدوء فرفعت نظرها لأبيها وقالت باسمة :
_بابي يزيد بيحبك أوي
ابتسم لها وسأل بتعجب :
_ عرفتي إزاي ياهنايا ؟!
هنا بكل براءة ودفء :
_ عشان بيفضل ساكت معاك وبينام علطول لكن مع مامي بيفضل يعيط كتير لغاية ما ينام
ضحك بخفة على شدة ملاحظة ابنته وذكائها الطفولي ولم يلبث للحظة حتى وجدها تقترب منه وتقبل أخيها من رأسه ثم تعانق أبيها هاتفة بدلال مماثل لدلال أمها :
_ بس أنا بحبك اكتر يابابي وبحب يزيد كمان
ضمها إليه أكثر وراح يمطرها بوابل من قبلاته هامسًا بكل حنان وحب :
_ وأنا بعشقك ياروح بابي

ابتعدت ولثمت وجنة أبيها هي أيضًا لتسمعه يقول بعد ذلك بجدية بسيطة :
_ يلا بقى ياحبيبتي روحي نامي عشان بكرا أول يوم مدرسة ومينفعش نتأخر
قفزت فرحًا بحماس وقالت بموافقة دون أي اعتراض :
_ أيوة بكرا أول يوم مدرسة
ثم عانقت أبيها مجددًا وقالت باسمة :
_تصبح على خير يابابي
_وانتي من أهله ياحبيبتي
تابعها بنظراته وهن يراها تندفع لخارج الغرفة ركضًا تقصد غرفتها .. انخفض بنظره إلى صغيره ودنى إليه يلثم جبهته بحب مبتسمًا ثم استقام واقفًا به وتقدم نحو مهده الصغير يضعه به بكل حرص وبتلك اللحظة تحديدًا خرجت جلنار من الحمام بعدما انتهت من حمامها الدافيء واتسعت عيناها بدهشة وهي تسأله :
_نام ؟!!

هز رأسه بالإيجاب فضحكت هي واقتربت منه تقول بخفوت :
_ نفسي أفهم بينام بالسرعة دي معاك إزاي .. ده أنا بيغلبني لغاية ما ينام .. واضح إنه هيطلع متعلق بيك أوي
رأته يبتسم دون أن يتحدث وبنظرة مميزة لأول مرة تراها بعيناه فغضنت حاجبيها وتقدمت منه أكثر تسأله بحيرة :
_ في إيه ؟!
وجدته يلف ذراعه حول خصرها ويجذبها إليه بكل رفق وانامل يده الأخرى امتدت إلى بشرة وجهها يتحسسها برقة هامسًا :
_ إنتي اثرتيني ياجلنار .. عملتي فيا كدا إزاي ؟! .. رغم كل السنين دي ورغم كل اللي مرينا بيه حبك في قلبي كان بيزيد مش بيقل ونار شوقي ليكي عمرها ما انطفت .. إنتي وهنا ويزيد أجمل هدية من ربنا ليا .. وهفضل أحمد ربنا واشكره طول حياتي إني مخسرتكيش

ابتسمت بغرام وطالعته بعينان تهيمان عشقًا ثم همست بنبرة انسدلت كالحرير ناعمًا وصوبت سهمها بيساره :
_ وكيف تتخلى الزهرة الحمراء عن عُقاب ؟!
دنى إليها واستند بجبهته فوق خاصتها هامسًا بصوت يفيض بالعواطف الجيَّاشة والعشق الذي لا ينتهي أبدًا :
_ والعُقاب عاشق لرمانته .. وهتفضل امرأة العُقاب ملكة متوجة فوق عرش قلبه للأبد
انتهت كلماته وسكتت معها الألسن تترك الحرية للقلوب والشفاه أن تتحدث بدلًا عنها .. لكي تنهي آخر أحرف وكلمات ملحمتنا وتكون بداية أخرى لأبطالنا مضمورة بين ثنايا أذهاننا .
_ تـــــمـــــت الحمدلله _

_ الخاتمة _ ( الجزء الأول )
تتسابق الساعات والأيام في درب الزمن فتمر أيام والأيام تليها أسابيع والأسابيع شهور لتصبح في النهاية سنوات ، ورغم مرور الزمن لم تنطفأ نيران العشق المتأججة في صدور الأحبة ، بل كانت تزداد اشتعالًا يومًا بيوم ، كأن الأيام ما هي إلا أداة لإثبات أن الزهرة كانت ولن تكن سوى لعُقابها .
بعد مرور تقريبًا سنتين ونصف ……………
داخل مقر شركة الشافعي تحديدًا بغرفة الاجتماعات الكبيرة يلتف حول الطاولة الضخمة كل من عدنان وجلنار وآدم وأحد رجال الأعمال المعروف ومعه ابنه الأكبر ومساعدته الخاصة .
كانت عيني عدنان القاتلة عالقة على ذلك الشاب الذي لم يحيد بنظره عن زوجته منذ بداية الحديث ، وبكل جرأة يحاول مغازلتها بالنظرات والكلام المعسول أمامه ، وتلك الحمقاء لا تنتبه لأي شيء وتتصرف بكل سذاجة وتبادلهم الحديث بكل تلقائية ولطف ويشاركهم في الحديث أخيه الذي كان يصب كل اهتمامه على رجل الأعمال ويبادله اطراف الحديث عن العمل الذي هو سبب ذلك الاجتماع اللعين ( كما يصفه عدنان ) ، وكان هو على غير عادته يلتزم الصمت المريب ونظراته الملتهبة لذلك الوغد تتحدث بدلًا عن لسانه .. يحاول منذ البداية تمالك زمام انفعالاته حتى لا تدفعه للإغارة عليه وضربه حتي يمتع سمعه بصوت صراخه من الألم الذي سيجتاح جسده كله ، لكن يبدو أن ذلك الصمود لن يدوم طويلًا .
وصل الحديث لنهايته تقريبًا ليسمع صوت رجل الأعمال وهو يسأله بكل لطف ووجه بشوش :
_ هااا قولت إيه ياعدنان بيه نمضي العقود ونقول مبروك ؟
دام صمت عدنان لبرهة من الوقت وهو مازال يتطلع بذلك الشاب في نارية حتى خرج صوته أخيرًا بنبرة مرعبة :
_ الحقيقة إني بعد ما فكرت لقيت أن شركتي مش في حاجة لصفقة زي دي في الوقت الحالي .. يعني بعتذر ياسالم بيه مش هنقدر نمضي عقود
كانت الدهشة الأكبر من نصيب جلنار وآدم حيث طالت نظراتهم المتعجبة له بالأخص أنهم أكثر من يعلم أن الشركة بحاجة لهذا العمل! .

 

 

خرج صوت الرجل مذهولًا :
_ بس احنا اتفقنا ياعدنان بيه من وقت طويل والمفروض أن الاجتماع ده كان عشان نمضي العقود ، إيه اللي اتغير دلوقتي فجأة ؟!
عدنان بأعين مخيفة عالقة على الشاب ونبرة ذات معنى :
_ أصل أنا ليا حساباتي الخاصة وعلى أساسها بختار مين هشاركه ومين هيكون في بينا شغل وتعامل قائم على الثقة والاحترام
نقل الرجل نظره بين الجميع نهاية بابنه بعدما ابتلع الإهانة المضمورة بين ثنايا كلمات عدنان بخنق وهو يصفهم بعدم الثقة والاحترام .
هب واقفًا فورًا وتطلع بعدنان في ضيق شديد ملحوظ وقال بلهجة حازمة :
_ واضح أنه كان قرار غير صائب من البداية ، عمومًا تشرفت بيك ياعدنان بيه
اجابه عدنان بإبتسامة متكلفة وصوت غليظ :
_ أنا اكتر ياسالم بيه !
ثم بسط عدنان كفه ليصافحه فمد الرجل كفه بعد وقت من التفكير ليجد عدنان قبض على كفه بقوة غريبة ومال عليه يهمس في أذنه بصوت اشبه بفحيح افعى على وشك لدغ فريسته :
_ أنا كنت عامل احترام انكم في شركتي بس لكن صدقني غير كدا كنت خليت ابنك يعرف كويس أوي مين عدنان الشافعي وإيه عقاب أنه يبص لمراتي .. شجاعته حلوة بس مش مع الشخص الغلظ .. وعشان كدا هعتبرها طيش شباب واعديها
لم يمهله اللحظة ليجيب أو حتى يحاول استيعاب كلماته بل تابع بعدما انتصب في وقفته وضغط على كفه الذي لم يفلته حتى الآن وقال ببسمة متصنعة ونظرة مرعبة :
_ شرفتني ياسالم بيه .. واضح انه مكنش لينا نصيب في الصفقة دي مع بعض
سحب كفه من كف عدنان بقوة وسط نظراته المشتعلة ثم اندفع نحو باب الغرفة وتبعه كل من ابنه ومساعدته بينما عدنان فظل مكانه واقفًا يضع كفيه في جيبي بنطاله بثبات مثير للحيرة ليسمع صوت آدم وهو يقول بجدية وضيق من تصرف أخيه :
_ ممكن تفهمني إيه اللي عمتله ده ياعدنان ؟!
سار نحو مقعده مجددًا وجلس بكل برود ثم تمتم :
_ عملت إيه ؟!
هدر آدم بصوت رجولي منزعج :
_ عدنان احنا لينا فترة بنحاول نكسب الاتفاق ده لإنك عارف كويس أوي انه هيفيد الشركة جدًا لكن اللي عملته دلوقتي أنا مش قادر افهمه الصراحة
استقرت نظرات عدنان على أخيه بحدة واستطرد بصوت غليظ ونظرات كاللهيب :
_ معناه أن ده الصح يا آدم .. مش ده الشخص اللي اقدر اديله الأمان واحط ايدي في ايده واشاركه في شغلنا
ضيق آدم عيناه بعدم فهم واردف مستفهمًا :
_ حصل إيه لده كله ؟!!
دام الصمت للحظات طويلة بينهما قبل أن يخرج صوت عدنان الخشن وهو يتطلع بأخيه في قوة ويتمتم بنبرة محتقنة :
_ ابنه **** تخطي الحد الأحمر وحاول يدخل منطقتي المحظورة يعني يحمد ربه إن بركاني مطالهوش وإلا كان زمانه دلوقتي خارج بعربية الإسعاف
غضن آدم حاجبيه بحيرة ودهشة من كلمات أخيه العدوانية والشرسة .. واستحوذه الصمت لبرهة وهو يحاول فهم مقصده المضمور خلف كلماته الغامضة حتى وقع نظره على جلنار التي تتابعهم بعدم فهم ودهشة مثله ولكنها لا تتمكن من توجيه الحديث لزوجها بسبب علاقتهم المتوترة كما يعلم على الرغم من فضولها الملحوظ حول غضبه الغريب من ذلك الشاب ! .
سرعان ما رأت جلنار الابتسامة ترتسم فوق ثغر آدم ويتبادل النظرات الضاحكة مع عدنان الذى يبادله بأخري مشتعلة ثم سمعت آدم يتمتم بعبارات غامضة تحمل إشارات ومعاني بينهم هم فقط وسط ضحكته ونظراته الجانبية لها وهو يتحدث :
_ طب كنت قولتلي من الأول على الأقل كنا طردناه مع بعض .. أو كنت سبتلك الطلعة الكبيرة وأنا طلبت الأسعاف بعدين
كتم عدنان بسمته المغلوبة وهدر بحزم :
_ مش وقتك خالص يا آدم دلوقتي

 

 

نقلت جلنار نظرها بينهم بتعجب ثم تحدثت اخيرًا بعد أن امتلأت من فضولها :
_ هو في إيه بظبط ؟!
تنفس الصعداء بغيظ واضح ثم هب واقفًا وتتم بنبرة مريبة :
_ تعالي ورايا على المكتب
القى أوامره التي لا تقبل النقاش حتى واستدار بلحظتها يسير نحو الباب ويغادر الغرفة تاركًا الباب مفتوحًا ، تطلعت جلنار بآدم في استفهام ليبتسم لها بلطف مشيرًا إليها بعيناه أن تلحق بزوجها ، فتنهدت مطولًا في عدم حيلة ثم توجهت إلى خارج الغرفة تلحق به في غرفته الخاصة كما طلب أو وجه اوامره بالمعنى الأدق .
***
خطت بقدميها داخل غرفة مكتبه ووقفت للحظات عند الباب تتطلع إليه بجمود متفحصة حالته المريبة وهو يقف أمام النافذة واضعًا قبضتيه داخل جيبي بنطاله ويوليها ظهره .. فتنهدت بخنق واستدرات بجسدها تجاه الباب تغلقه بلطف ثم تحركت نحو الأريكة العريضة بأحدى زوايا الغرفة وجلست فوقها دون أن تتفوه ببنت شفة والثبات الغريب يرتسم كلوحة عشوائية فوق معالم وجهها .
استدار بجسده كاملًا نحوها فوجدها جالسة تضع ساقًأ فوق الأخرى وتبتسم له ببرود أثار جنونه أكثر ، أما جلنار فحين رأت شرارت النار المتوهجة تنطلق من عيناه البندقية تجاهها ضحكت بخبث ، تلك النظرات اعتادت عليها وحين تراها تدرك أن عواصفه المدمرة ثارت ، وغالبًا هو الأن يود أن ينقض عليها ويأكلها بأسنانه ولكنه لا يستطيع بالطبع ! .
جز عدنان على أسنانه بغيظ ولهيب الغيرة والغضب يظهر بكل وضوح في نظراته لها ، تلك النظرة الخبيثة والمستمتعة التي في عيناها يعلمها جيدًا .. كان يظن أنها حمقاء ولكن اتضح أنه هو الأحمق !! .
اقترب منها بخطوات متريثة حتى أصبح أمامها مباشرة انحنى بجزعة عليها وهي جالسة ورمقها بنظرة نارية هامسًا :
_ كنتي قاصدة تعملي كدا صح ؟
تصنعت البراءة وعدم الفهم لتهز كتفيها بعفوية متصنعة تحاول تكملة تصنعها أنها لا تفهم شيء كما فعلت معهم بالداخل وهتفت :
_ قاصدة اعمل إيه ؟!
عدنان بعينان تطلق إشارات الإنذار :
_ جلنار !!
أكملت تصنعها وقالت ببسمة ناعمة مثل نبرة صوتها :
_ مش فاهمة قصدك بجد ياعدنان

 

 

رفع حاجبه مستنكرًا عفويتها المزيفة وبسمتها الرقيقة ليتابع بغيظ :
_ الضحك والطريقة اللي كنتي بتتكلمي بيها مع سالم وابنه .. كنتي قاصدة تعملي كدا عشان تجننيني
نظرت مطولًا في بندقيته وهي تبتسم برقة امتزجت بلؤمها حتى همست بشجاعة مألوفة عليها :
_ أيوة كنت قاصدة
الجرأة التي تفوهت بها ادهشته واغضبته أكثر فلم يشعر بنفسه في تلك اللحظة سوى وهو يصيح بصوته المخيف :
_ قاصدة تهزري وتضحكي مع راجل قدامي عشان احنا متخانقين وعايزة تعصبيني بس .. و**** ده بيبصلك وبيحاول يلاغيكي بالكلام قدامي عشان شايف المدام المحترمة مش هامهها أي حاجة ولا متحرمة وجود جوزها ولا غيره فساق فيها بس الحق عليا أني سبتك تعملي اللي على هواكي وخليته يطلع سليم من شركتي كان المفروض اطلعه متكسر ومن غيره عينيه اللي فرحان بيها دي
زعرت قليلًا من صوته ونظرته التي باتت تشبه حيوان مفترس وثائر .. ربما إن اخبرته الآن انها لم تنتبه لنظراته لها أو الذي كان يحاول فعله كما يقول وأنها فقط كانت تتصرف بلطف معهم على غير عادتها بالعمل فقط لكي تثير غيرته لن يصدقها ! .
غضنت حاجبيها بدهشة وهتفت في صدق :
_ أنا مخدتش بالي أبدًا والله ياعدنان أن كل ده حصل وأغلب كلامي كان مع سالم أساسًا وصح أنا كنت بتصرف معاهم بلطف عشان اخليك تغير لكن لو كنت لاحظت اللي بتقول عليه ده أكيد مكنتش هكمل
ضحك بسخرية وصاح بعصبية شديدة وهو ينتصب في وقفته :
_ طبعًا انتي تاخدي بالك إزاي !! .. كفاية انك تتصرفي وكأني مش موجود عشان تخليني اغير زي ما بتقولي .. ومبروك نجحتي في مرادك ، بس اعملي حسابك من هنا ورايح مفيش شغل في الشركة تاني كفاية أوي ، مكانك في بيتك مع الولاد تراعيهم كويس
اشتعلت نظراتها غيظًا منه وهبت واقفة تتطلع به في قوة وتهتف :
_ عدنان أنت عارف إني مبجيش بالطريقة دي
أجابها بقسمات وجه باردة لكنها صارمة لا تقبل النقاش :
_ هي دي الطريقة اللي عندي يامدام جلنار وسواء عاجبك أو لا كلامي هيتنفذ ولو عاندتي وفكرتي تكسري كلمتي العواقب هتكون وخيمة
عقدت ذراعيها أمام صدرها ونظرت في عيناه بثبات وقالت بغضب وعناد :
_ هتعمل إيه يعني ياعدنان بيه ؟!
عدنان بنظرة ملتهبة :
_ اعتقد إني مش محتاج اقولك إيه اللي ممكن اعمله ، أنتي عارفة كويس أوي
هدرت بعناد مستفز :
_اعتبرني معرفش وعندي فضول اعرف
القت بقنبلتها واستدرات تهم بالرحيل لكن قبضته كانت اسرع منها حيث جذبها من ذراعها إليها وصاح :
_ جلنار بلاش عناد أفضل
اجابته بصوت محتقن وهي تتعمد عدم النظر لوجهه :
_ سيب ايدي ياعدنان عايزة امشي ده لو سمحت يعني
عدنان بنبرة باتت أقل في حدتها :
_ تمشي فين ؟
نظرت لوجهه وقال بخنق وقوة :
_ البيت !
طالت نظراته إليها حتى لانت قضبته على ذراعها تدريجيًا وتركها بالأخير فتندفع هي تجاه الباب تنوى الرحيل لكنها توقفت فجأة واختل توازنها حين داهمها دوار شديد ولولا ذراعيه لكانت الآن فاقدة وعيها على الأرض .
كان يحاوطها بذراعيه ويهمس لها بقلق :
_ جلنار أنتي كويسة ؟
رمقته شزرًا ودفعت يديه عنها هاتفة بعناد رغم الدوار الذي لا يُمكنها من الوقوف بتوازن على قدميها :
_ كويسة ، ابعد عني

 

 

وجدها تتحرك بخطا غير متوازنه تجاه الباب وكادت أن تسقط مجددًا فأسرع لها ولم يمهلها الوقت لتعترض أو تغضب حتى حيث حملها فوق ذراعيه وسار بها نحو الأريكة وسط نظراتها المشتعلة له وهي تتذمر عليه هاتفة :
_ نزلني ياعدنان قولتلك أنا كويسة
رمقها بعدم حيلة وهو يتأفف ثم وضعها بكل رفق فوق الأريكة وجذب مقعد ليجلس أمامها ويصيح بصوته المرتفع على المساعدة التي أتت مهرولة لتمتثل لأوامره وهو يقول :
_ هاتي عصر وأي حاجة مسكرة لجلنار هانم تاكلها
صدح صوت جلنار المنزعج وهي تعقد ذراعيها أسفل صدرها وتتحاشي النظر إليه بكل طفولية :
_ متجبيش حاجة يا ليلى مش عايزة !
نقلت ليلى نظرها بينهم باستغراب لتجد عدنان ينظر لزوجته بغيظ ونفاذ صبر ثم نظر لها وأشار بعيناه أن تذهب وتنفذ أوامره .. لتبتسم بلطف وتهز رأسها بالإيجاب ثم تنصرف فورًا .
عدنان بانزعاج ملحوظ :
_ إيه شغل الأطفال اللي بتعمليه ده ياجلنار !
اجابته بعبوس وتذمر طفولي :
_ أنا طفلة لو مش عاجبك متحبنيش ومتهتمش لأمري !
نجحت في رسم البسمة المغلوبة على شفتيه .. وراح يتطلع إليها مطولًا حتى همس بنظرة عاشقة :
_ ده على أساس يعني أن حبك كان اختيار بنسبالي وأنا اللي اخترته !!
اتسعت عيناها بصدمة وهتفت :
_ يعني أنت مجبر عليا !
مسح على وجهه وهو يتأفف ثم هدر بعدم حيلة :
_ هو ده اللي فهمتيه ؟!!
اشاحت بوجهها بعيدًا عنه وتجمعت العبارات في عينيها وبتلك اللحظة صوت طرق الباب ودخول ليلى قطع حديثهم .. أعطت العصير والطعام لعدنان ثم غادرت ليهتف هو محدثًا جلنار :
_ جلنار يلا خدي اشربي العصير وكلي
ردت بصوت تخنقه العبارات وهي تشيح بوجهها عنه للجهة الأخرى:
_ مش عايزة قولتلك
عدنان بصوت رجولي قوى :
_ طيب بصيلي
رفعت كتفيها لأعلى بحزن طفولي وخرجت من بين شفتيها همهمة ( تؤ ) .
مد يده ووضع انامله اسفل ذقنها يدير وجهها إليه رغمًا عنها ليرى الدموع تجمعت في سماءها المظلمة وفورًا انهمرت فوق وجنتيها غزيرة .. فلانت نظراته الحادة وكذلك نبرته أصبحت أكثر حنان وهو يسألها :
_ بتعيطي ليه دلوقتي ؟!
رفعت اناملها وجففت دموعها وهي تجيب برقة تذيب القلب :
_ مش بعيط

 

ضحك رغمًا عنه وتمتم باسمًا :
_ امال ايه اللي على خدودك دي .. قطرة ؟!!
كانت على وشك أن تضحك على مزحته لكنها احتفظت بقسماتها الجافة والحزينة وقالت :
_ أنا عايزة اروح البيت ياعدنان
عدنان بنفاذ صبر :
_ طيب قومي ياجلنار يلا عشان اوديكي البيت وتبقي تشربي العصير وتاكلي في الطريق
اعتدلت في جلستها وهبت واقفة بينما هو فتوجه نحو مكتبه يجذب هاتفه ومفاتيحه الخاصة ثم عاد لها وحاوطها بذراعه من ظهرها حتى تستند عليه اثناء السير ، وكادت هي أن تعترض لكن نظرته الصارمة اسكتتها فورًا ! .
***
تفقد المنزل كله منذ مجيئه وهو يبحث عنهم ولا أثر لهم ! ، بحث بكل قطعة بالمنزل حتى الغرف المغلقة الذي لا يدخلها احد منهم إلا نادرًا ، وبدأت ترتفع نبرة صوته الرجولية والمتوترة وهو ينده :
_ مهرة .. سليم !!
ارتفع هرمون الادرينالين لديه وبدأت علامات الخوف تتملكه ليندفع مهرولًا لخارج غرفة يقصد المكان الأخير بالمنزل الذي لم يبحث به على أمل أن يجدهم .
وبينما كان بطريقه لغرفة الرياضة الخاصة به ، اقتحمت أذنيه أصوات موسيقى مرتفعة منبعثة من الداخل وامتزجت تلك الأصوات بضحكات مهرة !! .. تسمر بأرضه للبرهة من الوقت عاقدًا حاجبيه بدهشة يحاول بعقله تخمين ماتفعله بالداخل وسط كل الالآت الرياضية ومع من تضحك ؟! .
لم يمهل الوقت لنفسه ولا عقله لكي يفكر واندفع بخطوات سريعة نحو الغرفة وفتح الباب على مصراعيه ، لتصبه الدهشة للمرة الثانية حين رأى صغيره يقف على كرسى أمام وسادة الملاكمة بسبب قصر قامته ويوجه اللكمات الضعيفة بيده الصغيرة للوسادة وتقف بجوراه أمه التي تارة تمزح وتضحك معه وتارة تهتف له بكل حزم :
_ أيوة كدا عاش ياسليم .. هو ده ابني حبيبي
وكلما يوجه لكمة صغيرة تهتف له بكل حماس :
_ عاش يابطل .. اديها كمان
فاق آدم من دهشته ورفع يده يمسح على وجهه وسط تأففه المغلوب وهو يهمس :
_ استغفر الله العظيم يارب

 

 

انتبهت لوجوده بمحض الصدفة بينما كانت عيناها تتجول في أرجاء الغرفة التقطته وهو يقف عند الباب هكذا .. ابتسمت له بحب وهتفت لابنها :
_ بابا جه ياسليم الحق
توقف الصغير عن اللعب كما يصفه هو بعقله الطفولي ! ، والتفت بلهفة للخلف حيث يقف أبيه وفور رؤيته له نزل من فوق الكرسي وهرول له ركضًا ليتلقاه آدم بين يديه ويحمله لاثمًا وجنتيه وهو يتتمتم له بحنو :
_ أنت كويس يابابا ؟
اماء له الصغير بالإيجاب مبتسمًا ليعود ويسأله وهو ينقل نظره بين وسادة الملاكمة وزوجته بعدم حيلة :
_ كنت بتعمل إيه ياحبيبي ؟
التفت الصغير نحو أمه وهمس برقة في كلمات غير مرتبة هجائيًا وغير مفهومة بعض الشئ :
_ كنت بيعب ( بلعب ) أنا وماما
آدم بنظرة معاتبة لمهرة :
_ أمممم مهو واضح فعلًا
انحنى للأسفل ليضع صغيره على الأرض ويتمتم له غامزًا بمرح :
_ طيب روح كدا البيت وادخل اوضتك وشوف جبتلك إيه معايا
اتسعت عيني الصغير بذهول ولمعت بالسعادة والحماس ثم سرعان ما اسرع للخارج ركضًا يقصد المنزل وغرفته تحديدًا كما اخبره أبيه أن هناك شيء ينتظره هناك ! .
بقت الساحة فارغة لهم أو بالأصح لآدم الذي كان يرمق مهرة بنظرات مغتاظة وهي كانت تتلقاها بابتسامة متصنعة السذاجة وعيناها تتجول على السقف في محاولة فاشلة منها حتى لا تلتقي عينيها بخاصته الملتهبة .. سمعت صوت خطواته ولمحته وهو يقترب منها بتريث فارتبكت واشاحت بوجهها للجهة الأخرى وهي تفكر بخوف في حجة تمكنها من الفرار منه .. ولم تجد أمامها سوى أن تتفوه بما وجدته بتلك اللحظة على لسانها بغض النظر عن مدى سخافته أو حتى عدم منطقيته ! :
_ أنا هروح الحق المايه سبتها على النار تلاقيها غلت من بدري
كدات أن تهرول مسرعة من أمامه لكنه قبض على ذراعها واوقفها بأرضها هاتفًأ :
_ مايه إيه دي .. أنا كنت في المطبخ ومكنش في حاجة على النار !
تلعثمت قليلًا لكنها استجمعت شجاعتها وهتفت بخنق :
_ ازاي يعني مفيش ! ، سلامة نظرك ياحبيبي أنا لسا حاطها من ربع ساعة .. أنا هروح اشقر عليها
تملصت من بين يديه وحاولت الفرار ثانيًا لكنه منعها وهتف بتعجب :
_ إنتي بتتهربي مني ليه ؟!
سكنت لوهلة مستنكرة سؤاله ثم قالت بعفوية حقيقية :
_ عشان أنت هتزعقلي
آدم بحيرة وعدم فهم :
_ ازعقلك ليه ؟!!

 

 

زمت مهرة شفتيها باستغراب ثم اكملت بنفس عفويتها :
_ عشان أنت متعصب وبتبصلي بغيظ وأنا عارفة النظرة دي كويس بعدها لازم بتبقى في خناقة
ابتسم رغمًا عنه ورد بإيجاب :
_ هو أنا بالفعل متغاظ منك لأني نفسي في يوم ارجع الاقيكي هادية وراسية كدا في مكان معين مش تلخيني الف البيت كله عليكم عشان الاقيكم ، لكن مكنتش هزعقلك يعني
أجابته بكل غرور :
_ الحق عليها بعملك جو susbence في البيت وبعدين المفروض تحمد ربنا أنك متجوز ست فرفوشة وحيوية ومتجددة كل يوم بتشوفها في حالة ووضع مختلف ، قولي كنت هتلاقي فين ست زي كدا ؟!
التزم الصمت للحظة وهو يتمعنها مبتسمًا حتى قرر إضافة القليل من البهارات على الوصفة فقال بلؤم :
_ هو من ناحية إني هلاقي فكنت هلاقي كتير عادي .. أنا حتى أحيانًا بحس إني استعجلت
تحولت عيناها اللطيفة لأخرى شرسة بظرف ثانية واحدة وهدرت بنبرة مريبة :
_ است إيه ؟!!!
تراجع فورًا عن مزحته ورد مستسلمًا :
_ اتسحرت ياحبيبتي جمالك سحرني ومش قادر أبص ولا أفكر في حد غيرك
رفعت سبابتها في وجهها وهتفت محذرة :
_ وأياك تفكر تبص يا آدم
رفع حاجبه وقد تبدلت نظرته للصرامة والغيظ فوجدته يجذبها من ياقة قميصها إليه هامسًا ببسمة لطيفة كما تبدو لكن النبرة لا تقول هكذا أبدًا ! :
_ بعيدًا عن أني بهزر وأنتي عارفة ده ، إيه نبرة التهديد دي بقى اللي بتكلميني بيها
فزعت بخوف وضحكت ببلاهة لتراه يهبط نظره لأصعبها ويهمس باسمًا :
_ نزلي صباعك ده بس الأول !

 

 

اخفضته ببطء وهي تبتسم لتجده يكمل بعد أن عادت ملامحه طبيعية تمامًا :
_ كدا بقى نقدر نتكلم بكل لطف وود
ضمت شفتيها وارسلت له قبلة في الهواء بنظرة لطيفة كي تذيبه ولم تفشل حيث ضحك رغمًا عنه وتركها هاتفًا :
_ مش هتبطلي حركاتك دي
هزت رأسها لها بالنفي ليهتف بجدية :
_ إيه اللي كنتي بتخلي الولد يعمله ده !!
ردت ببساطة ومرح :
_ كنا زهقانين أنا وهو وهو اقترح يجي يلعب هنا .. بعدين خليه يبقى رياضي من هو وصغير عشان يطلع طول بعرض زي أبوه كدا ماشاء الله
_ ده طفل عنده سنتين يامهرة بتخليه يلعب ملاكمة !! .. أنا مش عارف أقولك إيه
مهرة برقة :
_ متقولش حاجة بعدين هتشكرني .. ده ابني وأنا عارفة اربيه ازاي
رمقها بطرف عينه في استنكار لتبتسم هي وتقول بهيام متغزلة بعينيه :
_ متبصليش كدا بعيونك الحضرا عشان أنا بضعف
لمعت عيناه بوميض ماكر وقال بنظرة تحمل الرغبة :
_ طيب قربي كدا هوريكي حاجة في عيني
مهرة بعدم فهم :
_ حاجة إيه ؟
غمز بعينه في لؤم وهو يجيبها في همس :
_ قربي بس !
مالت عليه بترقب وفورًا ادركت حركته القادمة وهو محاولته لتقبيلها فعادت للخلف بسرعة هاتفة من بين ضحكها :
_ أه يامكار عايز تضحك عليا
حاوطها بذراعه من خصرها وجذها إليه وهو يتمتم في غرام وشوق :
_ مهو إنتي وحشتيني وأنا خلاص حطيتها في دماغي وهاخدها يعني هاخدها
ابتسمت بخجل وحاولت التملص من بين ذراعيه هامسة بضحكة :
_ آدم عيب مينفعش كدا ممكن سليم يجي في أي لحظة
هتف بالامبالاة وهو يبتسم :
_ سليم إيه أنا جايبله عربية وتلاقيه مشغول باللعب بيها دلوقتي يعني مش فاضيلنا
ضحكت وهتفت بغنج وسط خجلها :
_ آدم بس بقى
لم يستمع لها وحصل على مبتغاه بالنهاية وسط لحظات غرامية يسرقونها من الزمن وبالأخص من صغيرهم !! .
***

 

 

في تمام الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل ……
دخل عدنان من باب المنزل واغلقه بكل هدوء ثم قاد خطواته بكل تريث نحو درج المنزل يقصد الطابق الثاني حيث غرفة أطفاله وغرفته .. تحرك نحو غرفته أولًا لكي ينزع عنه سترته ويبدل ملابسه وعند وصوله امسك بمقبض الباب وادراه بلطف لينفتح الباب ويدخل ، تسمر بأرضه في تعجب حين وقع نظره على الفراش حيث كانت جلنار تنام بالمنتصف وعلى يسارها تنام هنا بين أحضانها ومن اليمين صغيره يزيد .
بقى واقفًا يتأملهم ببسمة دافئة .. بالوضع الطبيعي أطفالهم لا ينامون سوى بغرفتهم لكن من الواضح أن الوضع اختلف اليوم وكان هدف جلنار واضح وهو أن تعبر عن غضبها منه بطريقتها الخاصة .. تحتج وتعترض وتجعل طفليهم ينامون بجوارها حتى لا ينام هو ، كأنها تطرده لكن بطريقة غير مباشرة !! .
هز رأسه مغلوبًا وهو يتنهد بحرارة ، ثم تقدم من الفراش نحوهم ودنى أولًا نحو ابنه يلثم شعره بدفء لينتقل بعده لفراشة قلبه المحببة ويلثم وجنة ابنته بحنو ، وأخيرًا انتقلت شفتيه لجبهة جلنار يقبلها بحب ويهمس بعدم حيلة :
_ ربنا يهديكي يارمانتي !
انتصب في وقفته وابتعد عن الفراش يتجه نحو الخزانة ليخرج ملابسه ثم سار باتجاه الحمام ليأخذ حمامًا دافئ .
دقائق معدودة وخرج ثم غادر الغرفة بأكملها واتجه نحو غرفة أطفاله .. فتح الباب ودخل ليتنقل بنظره بين ارجاء الغرفة في ضيق ، ثم رفع يده لكبس الكهرباء واطفأ الضوء وكذلك الباب وتوجه نحو اقرب فراش من افرشة أولاده والقى بجسده فوقه لتمر دقائق معدودة ويغلق عيناه مستسلمًا للنوم .
بصباح اليوم التالي …..
تململ بفراشه في انزعاج من لمسات لا يعرف مصدرها وفتح عيناه ببطء ليسقط نظره على طفليه وهم يجلسون بجواره ينتظرون استيقاظه ، ارتفعت البسمة العريضة لثغره وقبل أن يتحدث سبقته هنا وهي تقول برقتها المعهودة :
_ صباح الخير يابابي
اعتدل في نومته ودنى على ابنته يلثم وجنتها هامسًا بعاطفة :
_ احلى صباح الخير اسمعها في حياتي .. صباح الفل ياهنايا
انتقل بنظره إلي ابنه الذي يتابعهم بصمت وهو يبتسم ليقول له مازحًا :
_ مفيش صباح الخير ولا إيه يايزيد باشا ؟
رد عليه بطفولية تليق بنبرة صوته الناعمة :
_ ثباح ( صباح ) خير يابابا
اقترب منه ولثم شعره يجيبه بكل دفء :
_ صباح النور ياحبيبي
ابتعد عنه وغمز له بعيناه وعلق نظره على اللاشئ امامه ليهتف في مكر :
_ ايه اللي هناك ده ؟
التفت الصغير فورًا بتلقائية وفضول ليجد ابيه يجذبه ويلقيه فوق الفراش ثم فعل كمل يفعل دومًا يدغدغه بقوة .. ارتفعت صرخات الصغير الممتزجة بضحكته السعيدة ولم تمر سوى دقيقه و هنا وجدت نفسها تصبح بين براثن أبيها أيضًا مثل أخيها لتتعالي صوت ضحكاتهم ومزاحهم وصوت هنا وهي تتوسله أن يتوقف ! .
ارتفع صوت جلنار من الأسفل وهي تصيح منادية على أطفالها ، فتوقف عدنان وتركهم هامسًا بلطف :
_ ماما بتنده عليكم روحوا شوفوها عايزة إيه يلا

 

 

هبط الصغير اولًا من الفراش وهرول مسرعًا نحو أمه وتبعته هنا.
مد عدنان يده لهاتفه والتقطته ثم اجرى اتصال بأحدهم وهب واقفًا من الفراش ثم سار نحو النافذة يقف أمامها وهو يتحدث ويولى ظهره لباب الغرفة .. لم تمر دقائق طويلة وهو يتحدث بالهاتف وإذا به شعر بأنفاس دافئة خلفه مباشرة فالتفت برأسه ليجدها تقف عاقدة ذراعيها أسفل صدرها وتتطلعه باسمة برقة ، طالت نظرته الجامدة لها وسرعان ما عاد برأسه للأمام مجددًا يكمل حديثه على الهاتف في جدية وبقت هي تنتظره بكل هدوء دون أن تتفوه بكلمة واحدة فقط صوت أنفاسها وحرارتها أكبر دليل على أنها مازالت تنتظره .
ثلاث دقائق بضبط مرت وهي تنتظره حتى وجدته أخيرًا ينزل الهاتف من فوق أذينه وينهى اتصاله ، سمعت زفيرًا حارًا منه تبعه صوته وهو يسألها بجفاء بسيط :
_ خير ياجلنار ؟!
تلك النبرة الغريبة التي حدثها بها وكذلك تجاهله لها وعدم الالتفات إليها جعل وجهها المبتسم يعبس وتزم شفتيها بندم ، فتحركت هي والتفت حوله لتصبح أمامه مباشرة ، رأته يتمعنها بنظرات قاسية كلها غضب فأجفلت عينها واطرقت رأسها أرضًا ثم خرجت من شفتيها همسة حزينة :
_ أنا آسفة !
………….. نهاية الجزء ………….

_ الخاتمة _ ( الجزء الثاني )
_ أنا آسفة
هيمن عليه السكون للحظات وبقت هي تنتظر رده حتى وجدته يهتف بصوت غليظ :
_ على إيه ؟
تابعت جلنار وهي تتطلع إليه هذه المرة :
_ أنا زودتها في الاجتماع ومكنش ينفع اتصرف كدا .. وكمان كنت متعصبة ومكنتش عارفة أنا بقول إيه ، متزعلش مني أنا آسفة
بقى ساكنًا دون أن يتفوه ببنت شفة فقط يتمعنها بتدقيق وحين لم تجد منه أجابة تابعت برقة وبسمة ناعمة :
_ أنا كنت ناوية من أمبارح اتأسفلك ونتصالح بس أنت رجعت متأخر
ابتسم باستنكار وتمتم في خشونة وضيق ملحوظ :
_ امممم واضح وعشان كدا خليتي الولاد يناموا جمبك
أدركت مقصده فورًا وهتفت مسرعة محاولة تصحيح الموقف :
_ لا أنا مكنش في نيتي كدا أبدًا والله .. كنت بذاكر لهنا ويزيد كان قاعد معانا وهما تعبوا وناموا جمبي وأنا فضلت مستنياك بس النوم غلبني ونمت جمبهم من غير ما أحس
تنهد بقوة ثم هدر وهو يهم بالاستدارة :
_ طيب خلاص ياجلنار إنتي غلطتي وعرفتي غلطك واتأسفتي ، خلاص نقفل على الموضوع ده بقى
قبضت على رسغه تمنعه من الرحيل وهمست بعبوس طفولي :
_ بس أنت لسا زعلان مني !
رسم بسمة خافتة على ثغره وأجابها بلين :
_ لا مش زعلان

 

 

اقربت منه بجرأة وثبتت نظرها بعيناه ثم همست بخبث :
_ اثبلتي !
تجول بنظره على وجها وجسدها وهو يبتسم بمكر بعدما فهم تملحيها الجرئ ثم رد بذكاء وثبات وهو يغمز لها بعينه :
_ تؤ مليش مزاج
اتسعت عيناها بصدمة وتشنج وجهها بغيظ ، أما نظراتها له فكانت نارية وقابلها هو بضحكة عالية ثم استدار وغادر وتركها وهي تتوعد له ! .
***
داخل منزل هشام ……
فتح عيناه ببطء على أثر صوت ناعم وجميل يدندن بكل رقة .. تلفت حوله يبحث عنها لكنها لم تكن بالغرفة ، سكن قليلًا يستمع لصوتها مع ابتسامة عاشقة بدأت ترتفع تدريجيًا لوجهه ، اعتدل في نومته وهب واقفًا ثم غادر الغرفة بخطوات هادئة تمامًا حتى لا يشعرها بوجوده ، وجدها تجلس على الأريكة داخل غرفة عمله الخاصة وبجوارها تجلس ابنته تشاركها في الغناء برقة تشبه أمها .. وقف عند الباب خلفهم يتابعهم بصمت وهو يبتسم بحب حتى تسلسل بحذر خلفهم وانحنى على ابنته اولًا يلثم وجنتها ثم انتقل لزوجته ، ابتسمت زينة له بعاطفة وهمست :
_ صباح الخير ياحبيبي
_ صباح النور ياروحي
استقامت الصغيرة واقفة وارتمت على أبيها تعانقه بشوق وحنو فضمها إليه أكثر وهو يلثم شعرها بقبلات متتالية وسط همسه المحب لها :
_ وحشتيني ياحبيبة بابا
ردت بصوت طفولي تحاول أخراج الكلمات صحيحة هذه المرة دون خطأ :
_ أنت تمان ( كمان ) يابابا
هشام بنظرة دقيقة :
_ فطرتي ولا لسا ؟
هزت رأسها بالنفي فأجابت زينة بلطف :
_ أنا مجهزة الفطار وكنا مستنينك تصحى بس
ابتسم ونظر لابنته ثم هتف :
_ طيب اسبقيني على الصالة بقى يالولو يلا وأنا هاجي وراكي عشان نفطر
اماءت له بالموافقة واسرعت للخارج حيث طاولة الطعام وجلست تنتظر والديها .
بينما بالداخل فانحنى هشام على زينة من الخلف ولثم وجنتها بقبلة مطولة وهو يتمتم بهيام :
_ أنا دايمًا اسمع عن اللي بيصحى على صوت الكناري أول مرة أجربه
استقامت واقفة وردت بدهشة وحزن :
_هو صوتي صحاك !
غمز لها بحب وتمتم :
_ صحيت على أجمل صوت
ابتسمت بخجل واجابته بدلال :
_ طيب يلا روح اجهز لغاية ما احضر الفطار ، أنت مش معاك عملية النهاردة في المستشفى
رد دون وعي وهو يدنو منها كالمغيب :
_ أمممم معايا
تراجعت برأسها للخلف وهي تبتسم بتعجب وتهتف :

 

 

_ طيب روح يلا ياهشام عشان متتأخرش وأنت لسا هتفطر
رأته ينظر لها باسمًا بشوق وكأنه لم يسمع ما تفوهت به من الأساس ، وإذا بها تجده يغلق الباب بقدمه ويمد ذراعه لخصرها ثم يجذبها إليه ودون أي إنذار غاص معها في لحظات غرامية خاصة بهم ، لم يفقهم منها سوى صوت ابنتهم وهي تصيح بضجر :
_ بابا .. ماما
انتفضت بعيدًا عنه بزعر وردت على صغيرتها بصوت مرتفع :
_ حاضر ياروحي جايين أهو
ثم نظرت لهشام ولكزته في صدره برفق هامسة :
_ بلاش قلة أدب ياهشام الله
رد باسمًا بغرام :
_ أعمل إيه مراتي بحبها ووحشتني
ضحكت مغلوبة ثم اقتربت منه ولثمت وجنته برقة لتقول بغنج :
_ وأنا كمان بحبك
طالعها بعشق جارف وجذبها لصدره يلثم شعرها ويهتف في حب : _ربنا يخليكي ليا أنتي وبنتي
زينة بمشاعر جيَّاشة :
_ ويخليك لينا ياحبيبي
***
في تمام الساعة السابعة مساءًا من ذلك اليوم …….
يقف أمام السيارة بحديقة المنزل الواسعة وعيناه عالقة على باب المنزل وبجواره يقف ابنه الصغير الذي هو أيضًا بدوره يتابع الباب في انتظار خروج أمه وشقيقته ، أنطلق صوت زفير عاليًا من عدنان الذي قال بنفاذ صبر من طول الانتظار :
_ وبعدين يايزيد هي أمك وأختك بيعملوا إيه ده كله .. يارب الصبر!
هز الصغير كتفيه بجهل دون أن يتحدث ولم تكن سوى دقائق معدودة حتى خرجت جلنار وبجوارها ابنتها ، استقرت عيني عدنان على ابنته التي ترتدي بنطال قصير يصل إلي فوق ركبتيها وبالأعلى كنزة بأكمام طويلة ويعلوها جاكيت صيفي من نفس اللون تضعه فوق أكتفاها دون أن تدخل ذراعيها به وتترك العنان لشعرها الحريري ليتطاير بانسيابية فوق ظهرها .
تابعها بنظره وهي تسير نحوه بكل ثقة ودلال كأمها بالضبط حتى وصلت إليه ووقفت أمامه ثم استدرات حول نفسها بحركة دائرية تستعرض مظهرها أمام أبيها وتسأله برقة :
_ إيه رأيك يابابي ؟

 

 

لم يجيب وقسمات وجهه كانت جامدة وربما مريبة بعض الشئ تنم عن ضيقه لكنه تصرف بلطف وهتف في حنو :
_ قمر ياحبيبتي ، بس البنطلون ده مش قصير حبتين !
هنا بتلقائية ونعومة تليق بها :
_ لا هو كدا ، مش قصير يابابي
رفع حاجبه باستنكار وأجابها بنظرة قوية :
_ ليه هو في أقصر من كدا ؟!
تنحنحت جلنار بخفوت ثم اقتربت منه ومالت على أذنه تهمس برزانة:
_ خلاص ياعدنان متزودهاش دي طفلة !
التفت لها بنظرة مشتعلة وفي ظرف لحظة تفحصها من الأعلى للأسفل ثم التفت لابنته وقال بمضض :
_ روحي اركبي العربية يلا ياهنا أنتي واخوكي
ردت هنا بكل طواعية وبسمة عريضة :
_ حاضر يابابي ، يلا يايزيد
اسرعوا الصغار لمقعد السيارة الخلفي واستقلوا به ، أما جلنار فاستدرات وكادت أن تستقل هي أيضًا بالسيارة لكنه اوقفها بقبضته على ذراعها وهمس وهو يتجول بنظره على جسدها وذلك الثوب الضيق الذي ترتديه :
_ يعني الدولاب مليان هدوم وفساتين ملقتيش غير ده اللي تلبسيه !
ابتسمت وأجابته بكل بساطة :
_ عشان عاجبني وشكله حلو وكمان مناسب لحفلة تخص الشغل
رمقها بنظرة مميتة ثم أردف بصوت مريب :
_ هعديها ياجلنارعشان احنا أساسًا اتأخرنا ومليش مزاج لخناق
كتمت ضحكتها وتصرفت بثبات متصنع وهي تكتفي بابتسامتها الساحرة ، بقت تتابعه وهو يلتف حول السيارة ويستقل بمقعده المخصص للقيادة ولحظات معدودة حتى لحقت هي به واستقلت بجواره لينطلق هو بالسيارة يشق الطرق بها .
بينما كان عدنان منشغل بالقيادة سمع صوت ابنته وهي تهتف بكل حماس :
_ بابي أنت هتيجي الحلفة اللي في school بعد بكرا صح ؟
ضيق عيناه باستغراب وهتف :
_ حفلة إيه دي ياحبيبتي ؟
شهقت الصغيرة بصدمة وهدرت :
_ أنت نسيت يابابي !
التفت إلي جلنار وهز رأسه لها بعدم فهم وعلامات استفهام تعتلي معالمه فردت جلنار مسرعة محاولة إنقاذ الموقف :
_ لا ياهنون بابي منسيش ياحبيبتي وهيجي طبعًا
طالعها باستغراب فتنهدت هي وردت برقة وابتسامة واسعة ترسل له إشارات منذرة بعيناها :
_ بعد بكرا في المدرسة في حفلة وهنا هتطلع تغني وهتشارك في عرض play ( مسرحية ) كمان
ضرب على جبهته بضيق وقال مسرعًا بعدما تذكر :
_ طبًعا منسيتش ياهنايا .. أنا فاكر ياحبيبتي
أجابت بعد أن عاد الحماس يلمع في عينيها مرة أخرى :
_ يعني هتيجي يابابي صح ؟
عدنان وهو يومئ برأسه في حنو :
_ أن شاء الله ياروح بابي
قفزت الصغيرة في مقعدها وهي تصيح فرحًا ليسمعوا همسة يزيد وهو يقول بحزن :
_ وأنا ؟!

 

 

ردت هنا بذكاء طفولي وحب أخوي نقي :
_ أنت هتيجي برضوا يايزيد وهتقعد مع بابي ومامي تتفرج عليا وأنا بغني
ابتسم الصغير بفرحة ، وبعفوية ارتمى على شقيقته وعانقها لتبادله هي العناق بحب ثم ابتعدت عنه ورفعت نظرها لأمها تسألها بلمعة أمل :
_ مامي هو ينفع يزيد يطلع يمثل ويغني معايا ؟
ضحكت جلنار وتبادلت النظرات الدافئة مع عدنان الذي كان يتابع حديثهم بصمت وهو يبتسم ، أما جلنار فردت على أبنتها بحنو :
_ لا ياحبيبتي مينفعش عشان هو لسا صغير
عبست هنا قليلًا بيأس لكن سرعان ما ابتسمت والتفتت نحو أخيها تقول له بدفء :
_ لما تكبر وتبقى زي وتدخل المدرسة يايزيد هنبقى نغني مع بعض في حلفة المدرسة
اماء الصغير بالموافقة رغم أنه لا يفهمها جيدًا ، بينما جلنار فانحت على المقعد الخلفي وطبعت قبلة حانية ومطولة فوق جبهة ابنتها ، قبلة حملت كل مشاعرها الأمومية وسعادتها بحب ابنتها وحنوها على أخيها ، ثم انتقلت بعد ذلك لصغيرها تقبله بالمثل .
***
توقفت السيارة أمام ساحة الحفل وسبق بالنزول عدنان ثم تبعته جلنار ومن بعدهم الأولاد ، سار الصغار بالمقدمة جنبًا إلي جنب وخلفهم والديهم .
علقت جلنار ذراعها بذراع عدنان وهي تبتسم له بدلال .. فأرسل لها غمزة أمتزجت ببسمته الماكرة ثم مال عليها وهمس بأذنها في نبرة لعوب :
_ أنا شايفك بتتصرفي عادي وكأن مفيش أي حاجة بينا ! ، أنتي عرفتي إزاي إني مش زعلان ؟
فهمت أنه يلمح لجملته الأخيرة بالصباح الذي اثارت جنونها ، فرمقته شزرًا وحاولت نزع ذراعها من ذراعه لكنه احكم قبضته عليها وانفجر ضاحكًا ليكمل وهو يغمز لها بلؤم :
_ لما نرجع البيت هثبتلك
اخفت بسمتها وتصرفت بعلو وهي تتعمد عدم النظر إليه وتقول :
_ مش عايزة ، أساسًا مش فارق معايا
عدنان ببسمة جانبية كلها مكر :
_ متأكدة يارمانتي !

 

 

هزت بالإيجاب في عناد ليكمل هو باسمًا :
_ تمام خليكي فاكرة أن أنتي اللي قولتي مش عايزة بقى
تصرفت باعتزاز وعدم مبالاة له وفور دخولهم لمحت كل من مهرة ونادين يقفون بأحدى الزوايا فهتفت له :
_ أنا هروح لمهرة ونادين
اماء لها بالموافقة لتبتعد عنه وتقود خطواتها نحوهم والصغار يلحقون بها بعد أمر والدهم أن يلحقوا بأمهم .
***
اخذت عيناه تتجول بين ضيوف الحفل يبحث عنها عندما استقرت نظراته على مهرة ونادين ولم يجدها معهم ، وبينما يبحث عنها التقطتها عيناه ليراها تقف بعيدًا عن الضجيج وتتحدث مع حاتم ، ظل يتابعها بعيناه في سكون مريب ولم يدم صموده أكثر من ثلاث دقائق حيث التفت برأسه نحو رجال الأعمال الذي يتبادل معهم أطراف الحديث بخصوص العمل وابتسم لهم بجدية هاتفًا :
_ عن اذنكم !
قاد خطواته الهادئة نحوهم واضعًا كفيه في جيبي بنطاله ، وقبل أن يصل ابتعد حاتم وذهب لكي يجيب على اتصال الهاتف ، استدرات هي لتعود لطاولتها لكنها توقفت حين رأته يتقدم نحوها وانتظرته حتي وقف أمامها مباشرة وسأل باهتمام :
_ حاتم كان بيقولك إيه ؟
أردفت بهدوء تام :
_ مقالش حاجة هو شافني وكان بيسلم عليا عادي
اماء برأسه في تفهم دون أن يتفوه بكلمة واحدة واكتفى بنظراته الحانقة لحاتم لتتنهد هي الصعداء وتجيبه بعدم حيلة :
_ هتفضل تغير عليا منه لغاية امتى ؟
عدنان بنظرة ثاقبة :
_ لغاية ما أعرف اثق في الناس من تاني وده مش هيحصل
ضيقت عيناها بتعجب وسألته :
_ يعني ؟!
استطرد بصوت غليظ وقوي :
_ يعني أنا اتعلمت أني مثقش في حد في جلنار
رفعت حاجبها ببسمة حزينة وتمتمت باستنكار :
_ حد ! .. وأنا من ضمن الحد دول كمان ولا لا ؟!!
رفع كفه ومسح على وجهه وهو يتأفف مغلوبًا من سؤالها السخيف وكأنها لا تعرف الإجابة ! .. ليجيبها بنظرة ثابتة كلها ثقة :
_ مش معنى أن أنا وحاتم بقت علاقتنا كويسة وبقينا شبه أصدقاء ابقى اثق فيه أو في أي حد تاني .. مش هقدر ياجلنار ، لكن سؤالك ده إيه لازمته وإنتي عارفة الإجابة
لمعت عيناها بالعبارات وقالت باسمة بثبات مزيف :
_ اعتبرني معرفش الأجابة ! .. أنا برضوا مبتثقش فيا ياعدنان ؟
تأفف بصوت مرتفع وهو يستغفر ربه بنفاذ صبر ثم هتف بضيق :
_ أنتي ليه بتقلبي في الدافتر القديمة دلوقتي !

 

 

تمالكت زمام دموعها وردت :
_ أنت اللي فتحتها مش أنا
القت بعبارتها واندفعت بعيدًا عنه تعود لطاولتها حيث ينتظرها أبنائها وكذلك نادين ومهرة ، لتتركه هو متصلب بأرضه يتخبط بين ندمه وانزعاجه ، يفهم جيدًا ما دار بعقلها ولكنها كالعادة تسيء الظن به ! .
***
بعد مرور ساعتين تقريبًا …..
توقفت السيارة داخل حديقة منزل الشافعي لتهتف هنا بلهفة وتعجب :
_ احنا ليه جينا عند تيتا يابابي ؟
أجاب ابنته بحنو وهو يفتح باب السيارة لينزل :
_ تيتا عزمانا عندها ياحبيبتي وهنبات الليلة دي معاها
نزلت هنا من السيارة بفرحة وحماس وهي تسأل أبيها مجددًا :
_ وعمو آدم وسليم موجودين كمان ؟
رأته يومئ لها بالإيجاب فقفزت فرحًا واسرعت ركضًا نحو الداخل ويلحق بها أخيها الصغير ، بينما هو فبقى واقفًا يتابع جلنار وهي تخرج من السيارة وحين التقت نظراتهم واجهته بنظرة كلها شجن على عكس نظرته الممتلئة بالعتاب ، لم تتحدث الألسن واكتفت الأعين بنظراتها .
استدرات وقادت خطواتها الرقيقة نحو باب المنزل ولحق هو بها بعد لحظات قصيرة .
استقبلت أسمهان جلنار أولًا بترحيب حار وعانقتها بود هامسة :
_ اهلًا وسهلًا ياحبيبتي ، عاملة إيه ياجلنار ؟
ابتعدت جلنار عنها ورسمت بسمة متصنعة لم تصل لعيناها التعيسة ثم ردت بصوت محتقن :
_ الحمدلله بخير يا أسمهان هانم
رمقتها أسمهان بحيرة وسرعان ما اختفت إشراقة وجهها بعدما رأت معالم وجهها المنطفئة ولم تلبث لحظة حتى رأت ابنها يقترب منها ولم يكن حاله أفضل من زوجته لكنه حاول التصرف بطبيعية وانحنى عليها يعانقها ويقبّل رأسها بحنو متمتمًا :
_ عاملة إيه ياست الكل ؟
أسمهان بعين انطفأ بريقها وصوت حزين :
_ الحمدلله بخير ياحبيبي .. ادخل ياعدنان ادخل
تلفت حوله يبحث عن أخيه وهو يسأل :
_ آدم لسا مجاش ولا إيه ؟

 

 

أسمهان ببسمة دافئة :
_ وصل ياحبيبي هو ومراته وكلنا كنا مستنينكم جوا عشان العشاء
بادلها البسمة الحانية ثم تحرك بخطواته نحو غرفة الصالون حيث يوجد الجميع وفور دخوله سمع أخيه يحدثه مازحًا :
_ حمدلله على السلامة يا Boss .. حرام عليك ده الأكل برد واحنا مستنينك يا راجل
اقترب عدنان من الأريكة يجلس بجوار كل من زوجته وأمه ويجيب على أخيه بخبث باسمًا:
_ مهو أنت لو مكنتش سبتني مع ضياء سلام بتاع المشروع وحدي واحنا بنتكلم في الشغل مكنتش اتأخرت ولا إيه !
اتسعت عيني آدم بدهشة وأكمل مزاحه وهو يهتف بجدية مزيفة :
_ أنت بتسيحلي قدام الكل .. مكنش العشم يا أخويا والله
قهقه عاليًا وأجابه بغمزة ماكرة من بين ضحكه :
_ هو أنا قولت حاجة ! .. بس خلي الطابق مستور احسن
التفت آدم إلي أمه وهتف بضيق مزيف وهو يكتم ضحكته بصعوبة :
_ الله أنت جيباني هنا عشان تهزقيني أنتي وابنك الكبير ولا إيه يا أسمهان هانم
اقتربت منه أسمهان وضمته لصدرها بحب وهي تهتف ضاحكة :
_ ما عاش ولا كان اللي يهزقك ياحبيب أمك .. بعدين هو في حد بيحبك اكتر مني أنا وأخوك ياولا
هتف بمرح بعدما ابتعد عن أمه وانحنى مقبلًا ظهر كفها :
_ مفيش في الدنيا دي أجمل من حنان الأم
هيمنت أجواء المرح بين الجميع وتعالت أصوات ضحكهم ومزاحهم باستنثاء جلنار التي كانت نادرًا ما تشاركهم بالضحك عاليًا وكانت تكتفي فقط ببسمة واسعة ورقيقة منها .. ولم يغفل عن أسمهان وضع ابنها وزوجته وهم يتفادون النظر لبعضهم عمدًا أو حتى مجرد توجيه الكلام .
فور انتهاء طعام العشاء وصعود كل من آدم ومهرة لغرفتهم وكذلك الأطفال بغرفتهم ، حتى أن جلنار صعدت لغرفتها ولم يتبقى بالصالون سوى عدنان فقط الذي يلازم مقعده ويتطلع في اللاشيء بشرود وعينان بائسة ، تحركت أسمهان نحوه ثم جلست بجواره وهمست :
_ مالك ياعدنان ؟
تمتم بخفوت يحمل الهموم :
_ مفيش ياماما مشاكل شغل وضغوط بس
ابتسمت له بدفء ثم مدت يدها تملس فوق كتفه برفق هامسة في حنان أمومي :
_ ربنا يعينك ياحبيبي ويقويك
تنهد بعمق ورد بصوت نابع من صميمه :
_ أمين
بقت كما هي دون أن تتحرك أنشًا واحدًا تتمعنه بترقب وهو لا ينظر لها فقط يحدق في الفراغ مهمومًا .
لحظات معدودة وزينت ثغرها بسمة ثقة وحكمة ثم تمتمت :
_ قوم صالحها

 

 

التفت لها وحدقها بريبة ثم سالها بعدم فهم :
_ وعرفتي إزاي أن أنا اللي مزعلها !
أجابته باسمة بمكر وصوت رزين :
_ هو لو جلنار اللي غلطانة كنت هتقعد كدا مهموم ومضايق ؟! .. بعدين أنا شايفة وملاحظة من أول ما جيتوا الدموع في عينها وهي بتبصلك كل شوية بلوم وكأنها مستنياك تصالحها وتطيب خاطرها بكلمة
طالت نظرته لأمه وهو يفكر بكلماتها ثم قال :
_ تلاقيها نامت دلوقتي بكرا ابقى اكلمها
ابتسمت بسخرية من ابنها وقالت بجدية :
_ لا منامتش لسا
عدنان باستغراب :
_ وأنتي إيه عرفك ؟
أسمهان بنفاذ صبر :
_ اسمع مني قولتلك منامتش ياعدنان .. يلا روحلها اخلص
تنهد الصعداء مطولًا ثم استقام واقفًا وهتف قبل أن يستدير ويغادر :
_ تصبحي على خير
أسمهان بحب :
_ وأنت من أهله ياحبيبي
***
فتح باب الغرفة ببطء ودخل ثم اغلقه خلفه ووقف للحظة يطالعها بعاطفة وهي ساكنة في الفراش تولى ظهرها للباب ، لوهلة ظنها نائمة لكن حين اقترب منها وجلس بجوارها على الفراش سمع شهقة خافتة انطلقت منها ، عبس وجهه أكثر وانحنى عليها يلثم كتفها وشعرها هامسًا :
_ احنا مش اتفقنا من زمان أوي أننا مش هنقلب في الدفاتر القديمة ابدًا ولا هنجيب سيرة الماضي وننساه خالص
لم يجد منها إجابة سوى صوت شهقاتها التي بدأت تزداد فحاوطها بذراعه وتابع بنبرة تفيض عشقًا :
_ أنتي الوحيدة اللي بثق فيها ياجلنار .. صدقيني مفيش حد بثق فيه قدك ومفيش بني آدم اقرب ليا منك ، أنتي ملجأي الوحيد اللي بلجأ له دايمًا لما الدنيا بتضيق عليا .. أنا لو واقف على رجلي دلوقتي ووقوى وصلب فده بسبب وجودك جمبي أنت وولادي
سالت دموعها بغزارة فوق وجنتيها وبدأ صوت بكائها يرتفع لكنه تابع بنبرته الممتلئة دفء وغرام :
_ قوليلي أنتي عايزاني أعمل إيه يعني لما اشوف راجل واقف معاكي ! .. وبالأخص حاتم أنا ميخصنيش هو وضعه إيه دلوقتي معاه بنت ولا معهوش وبيحب مراته ولا لا ، فكرة أنه كان بيكنلك مشاعر وعايزك تتطلقي مني عشان يتجوزك دي كفيلة أنها تجنني

 

 

ثم سكت لثواني معدودة واكمل بضيق :
_ أنا بقيت بحس إنك بتقفيلي على الواحدة ياجلنار ومستنية تمسكي عليا غلطة أو كلمة !!
اعتدلت في نومتها أخيرًا واستقامت جالسة ثم التفتت له وقالت بوجه ممتلئ بالعبارات :
_ بس أنت اللي فتحت الماضي وده دليل أنك منستهوش
مد أنامله لوجنتيها ومسح دموعها بكامل اللطف هامسًا :
_ مين قالك ! .. بالعكس أنا نسيته ومسحته كمان ، كان ورقة وقطعتها ورميتها في الزبالة .. بس ده ميمنعش أني اتعلم منه واللي اتعلمته منه أني مثقش في حد ولا أديله الأمان .. هو ده كان قصدي اللي أنتي فهمتيه أني بشك فيكي أنتي !!
غامت عيناها بالعبارات مجددًا وقالت بحزن طفولي وهي تتطلعه برقة :
_ أنا حتى لما اعتذرت منك وصالحتك فضلت زعلان مني ومكلمتنيش
ضحك بصمت وغمغم بنظرة ماكرة :
_ عشان أنتي غلطانة وغلطك مش هين ، وكنت حابب ادوخك شوية لكن أنا أساسًا مكنتش زعلان منك
وسط دموعها وعبوس وجهها الطفولي لمعت عيناها بسعادة وقالت في لهفة ودلال انثوي :
_ بجد ؟ .. يعني أنا لسا رمانتك اللي بتحبها
ابتسم باتساع وبنظرة تفيض حبًا دنى منها ولثم جانب ثغرها هامسًا بصوت يذيب القلب :
_ لسا طبعًا وهتفضلي رمانة قلبي اللي ماخدة عقلي وقلبي دايمًا .. العٌقاب ملك ليكي يا رمانتي
تأمتله بعينان عاشقة وثغر مبتسم بسعادة ، نظراتها كانت تحكي الكثير من رجاء وعشق واعتذار ، ولم تعرف من أين أتتها الجرأة لتقترب منه بكل ثبات وشوق هكذا فتبحر معه في رحلة بدأتها هي واختارت نهايتها وكان هو ربان السفينة الذي يقودها باحترافية !!! …
***
تحركت بخطواتها الهادئة تجاه المطبخ وسط السكون التام الذي يهيمن على المنزل والظلام الذي يغلف الأركان ، دخلت المطبخ ورفعت يدها بجانب الباب واضاءت النور ثم تقدمت من المبرد وفتحته لتخرج زجاجة مياه باردة ثم جذبت كأس وسكبت المياه به ورفعته لفمها تشرب وهي عيناها عالقة على الفراغ وعقلها شارد في اللاشيء ، ودون أي سابق انذار انتفضت واقفة بزعر حين شعرت بيدين تقيدها من الخلف ، استدرات بسرعة للخلف فوجدته ينظر لها بتعجب مبتسمًا .. زفرت الهواء من بين شفتيها وهي تقول بعتاب ناعم :
_ حرام عليك يا آدم وقفت قلبي !
ابتسم وحاوطها بذراعيه يجذبه إليه وهو يهمس بغمزة ماكرة :
_ بتفكري فيا ولا إيه ؟!
ضحكت بغنج ورفعت ذراعيها تلفهم حول رقبته متمتمة بلؤم أنثوي :
_ ولو مش بفكر فيك هتعمل إيه ؟
لوى فمه بنظرة شيطانية وغمغم في خفوت وهو يميل بوجهه إليه :
_ وقتها الكلام والفعل هيختلف
رفعت حاجبها بخبث وأجابته بهمسة جريئة كلها دلال امتزجت ببسمتها الساحرة :
_ يعني ؟!!
دنى منها أكثر متطلعًا إليها بعين مليئة بالحب والرغبة وهمس أمام ثغرها مباشرة :
_ يعني هخليكي متفكريش غير فيا وبس وبطريقتي
وقبل أن تتطور اللحظة أكثر من ذلك انتصب في وقفته فورًا مفزوعًا على أثر صوت والدته وهي تقول باسمة :
_ أحم !
أطرقت مهرة رأسها ارضًا خجلًا بينما هو فابتسم لأمه محاولًا تخطي المشهد الحميمي الذي كانت على وشك أن تشهده بعيناها وقال بإخراج ملحوظ :
_ منورة ياست الكل .. أنتي إيه اللي مصحيكي لغاية دلوقتي ؟

 

 

حاولت اسمهان التحكم بضحكتها وأجابته بهدوء متصنع :
_ كنت بتكلم مع أخوك شوية وقولت اشرب مايه وبعدين اطلع أنام
هز رأسه بتفهم وهو يزفر بحرارة ثم قال مبتسمًا باتساع :
_ اه طيب عن أذنك بقى ياماما احنا هنطلع الأوضة ، عايزة حاجة ؟
أجابته بالنفي وهي تضحك بصمت :
_ لا ياحبيبي هعوز إيه ، عايزة سلامتكم اطلعوا اوضتكم
تقدم تجاه الباب وعند مروره بجانب أمه انحنى على رأسها وقبلها بحنو فرتبت هي على يده بحب ثم ابتعد عنها وغادر ، كانت خلفه مهرة التي تستحتي ان ترفع عيناها بعين اسمهان واكتفت بهمستها الخافتة وهي تمر بجوارها :
_ تصبحي على خير يا أسمهان هانم
أسمهان بود وهي مستمرة بالضحك عليهم :
_ وأنتوا من أهله ياحبيبتي
فور خروجها وجدته ينتظرها أمام الدرج فلكزته في صدره بخفة هامسة بخجل شديد :
_ عاجبك المنظر اللي شافتنا فيه أمك ده !
لمعت عيناه بخبث وهمس في وقاحة وهو يضحك :
_ أنتي اللي جرتيني للرذيلة !
مهرة ببسمة ساخرة :
_ لا والله !!
دنى منها وهمس بلؤم غامزًا بعينه :
_ بقولك إيه ما تيجي نكمل الرذيلة فوق ؟
التفتت خلفها بتوتر تجاه المطبخ ثم عادت برأسها له وهمست بخجل وهي تضحك :
_ آدم احترم نفسك امك في المطبخ وممكن تسمعك
ضحك بخفة وإذا بها تراه يميل بجزعة للأمام عليها ويحملها فوق ذراعيه هامسًا :
_ خلاص يبقى نطلع فوق وهي مش هتسمعني
شهقت بصدمة ثم قالت وهي تضحك بنعومة :
_ آدم نزلني مينفعش كدا ، ممكن حد يشوفنا .. نزلني بقى عشان خاطري
زينت شفتيه بسمة جانبية وهو يتمتم بدهاء :
_ طب ما تسمعيني واحدة بحبك كدا أصل من بدري مسمعتهاش منك !
تنهدت بعدم حيلة واقتربت بوجهها منه تلثم وجنته برقة هامسة بدلال غير مقصود :
_ بحبك أوي

 

 

_وأنا كمان يامهرتي
مهرة برجاء :
_ يلا بقى نزلني اديني عملت اللي أنت عايزه
قهقه بصوت مرتفع نسبيًا وهتف بعبث :
_ بس أنا مقولتلكيش قولي كدا وهنزلك ، بعدين احنا وصلنا اوضتنا أهو ياحبيبتي خلاص
ولم تلبث للحظة ووجدته يدفع الباب بقدمه ويدخل بها ثم يغلقه مرة أخرى بطرف قدمه ليتوارى العشاق خلف ستار مملكتهم الخاصة …
…………. نهاية الجزء الثاني ……………

_ الخاتمة _ ( الجزء الثالث )
داخل منزل حاتم ……..
كانت عيني نادين عالقة على السماء بشرود وهي تجلس فوق المقعد الكبير بشرفة الغرفة وبيدها كوب شاي دافئ ، ومن خلفها شعرها الكستنائى بتطاير بحرية بفعل نسمات الهواء ، لم تدم جلستها الوحيدة كثيرًا حيث شعرت بخطواته خلفها ثم التف وجلس بجوراها هاتفًا :
_ مش جايلك نوم ولا إيه ؟
ابتسمت وردت برقة معتادة عليها :
_ لا بس الجو كتير رومانسي الليلة فحبيت أضل بالهوا شوية
حاتم بتنهيدة طويلة :
_ ملك نامت من بدري ولا إيه ؟
نادين بإيجاب :
_ أه من وقت ما رجعنا من الحفلة ، ضلت تلعب كتير مع سليم ابن آدم وكمان هنا ويزيد لحد ما تعبت
مسح على وجهه بإرهاق وهو يقول :
_ هو حتى أنا تعبت أوى كأني كنت في شغل مش حفلة
طالعته ببسمة سعيدة فرمقها بستغراب حتى هتفت هي :
_ اكتر شيء مفرحني أن علاقتك أنت وعدنان صارت كتير منيحة وهاي العدواة اللي بينكم انتهت
حاتم بتعجب :
_ وأنتي إيه اللي يفرحك في كدا ؟!

 

 

 

أجابت نادين ببساطة وتلقائية جميلة :
_ شيء طبيعي أني أفرح ، أكيد مش هكون مبسوطة لما يكون في مشاكل بينكم وأنتوا مع بعض بالشغل ، ومشكل ما إلها أي داعي بسبب ماضي انتهى بالنسبة إلنا كلنا .. صح ؟
تمعنها مطولًا بنظرة غرامية وفور انتهائها رد بهيام وإعجاب :
_ صح يا أعقل زوجة وأجمل ست في الدنيا
ضحكت بخفة لكنها ردت بمزاح :
_ عم تتريق ولا شو !! .. شو بتقصد بالضبط ؟
قهقه عاليًا ولف ذراعه حول كتفيها ثم ضمها لصدره مقبلًا شعرها ورد :
_ قصدي أنك اجمل هدية من ربنا ليا .. ربنا يخليكي ليا ياحبيبتي
أغلقت عيناها متلذذة بدفء ذراعيه وصدره ووقع كلماته الساحرة على أذنيها لتجيبه كالمغيبة :
_ ويخليك لألي ياحبيب قلبي
هيمن الصمت التام عليهم لدقائق حتى اخترقت هي فقاعة الصمت وسألته بحماس طفولي :
_ حاتم أنت شو أكتر شيء بتحبه فيني ؟
نظر لها وابتسم بدفء ثم أخذ نفسًا عميقًأ قبل أن يرد بنبرة صوت ساحرة :
_ أنك قوية .. طموحة ودايمًا عايزة تبقى الأفضل ، رغم كل اللى عدى عليكي ومريتي بيه فضلتي صامدة وقوية .. فوق كل ده عمرك ما فقدتي الأمل من حبي ليكي وفضلتي محتفظة بحبك ليا في قلبك سنين وفي حين ما كنت بحكيلك عن مشاعري لست تانية غيرك فضلتي برضوا جمبي ومسبتنيش للحظة واحدة ، كنت كل ما احس نفسي تايه بجيلك وكنتي بتدليني على الطريق .. كنت بلاقي معاكي الآمان والحب النقي اللي محستهوش مع حد ابدًا ، بس للأسف كنت اعمى ومشفتش الحب ده كله وكنت هضيعك من إيدي
لمعت عيناها بالعبارات العاشقة ، كلماته كانت كسمفونية تعزف بالحب اسمه على قلبها ومهما تحدثت لن تتمكن من التعبير عن ما تشعر به بداخلها الآن ، لكن شفتيها تولت المهمة ولم يكن هناك أفضل من قبلة تخبره بكل هذا .. حيث لثمت جانب ثغره بقبلة مطولة وتمتمت بعاطفة جيَّاشة :
_ أنا دايمًا جمبك وراح ضل لأخر نفس فيني .. أساسًا ما بقدر ابعد عنك لحظة واحدة
حاتم بنظرة تفيض حبًا وهو يحتضن وجهها بكفه :
_ صدقيني ولا أنا يانادين كمان .. أنتي بقيتي كل حياتي أنتي وبنتي
عانقته بحميمية شديدة وتعلقت برقبته وهي تجيبه بعشق وسعادة :
_ الله يخليك لإلنا ياحبيبني
_ ويخليكم ليا ياحياتي
***

 

 

بصباح اليوم التالي تحديدًأ بغرفة عدنان وجلنار …….
تسللت أشعة الشمس إلي الغرفة من النافذة وضربت بعيناه فلم يمر سوى لحظات قصيرة وبدأ يفتح عيناه بانزعاج من الضوء ثم اعتدل في نومته بحنق وحين التفت بجواره رآها نائمة بثبات عميق وشعرها الناعم المبعثر حولها على الوسادة كأنه يذكره بليلتهم الصاخبة بالأمس ، ابتسم بحب ثم انحنى عليها وطبع قبلة رقيقة فوق وجنتها قبل أن ينتصب جالسًا وينهض من الفراش ليقود خطواته نحو الحمام لكي يأخذ حمامه الصباحي الدافئ .
بتلك الأثناء كانت هنا أمام الباب تطرق بيدها الرقيقة منتظرة أجابة والديها ولكنها لم تجد رد ، فردت جسدها ووقفت على أطراف أصابعها حتى تستطيع الوصول لمقبض الباب ، امسكت بالمقبض وأدارته برفق ثم فتحت الباب ودخلت فلم تجد سوى أمها بالغرفة وهي نائمة بفراشها في ثبات ، زمت شفتيها بحزن لأنها لم تلحق بأبيها قبل أن يخرج واقتربت من فراش أمها وجلست بجوارها وقبل أن تمد يدها إليها حتي توقظها من النوم سمعت صوت رذاذ المياه بالحمام فعادت اشراقة وجهها من جديد وبقت جالسة بجوار أمها النائمة تنتظر خروج أبيها من الحمام .
دقائق طويلة نسبيًا من الانتظار مرت حتى خرج أخيرًا من الحمام وهو يمسك بيده منشفة بيضاء صغيرة يجفف بها شعره من الماء والصغيرة تتابعه مبتسمة وهي تجلس بكل هدوء بجوار أمها ، فور أن ابعد المنشفة عن رأسه ووجه وعيناه التقطتها فغضن حاجبيه بدهشة وهتف :
_ صباح الخير ياهنايا ، ليه صاحية بدري كدا ياحبيبتي ؟
رفعت كتفيها لأعلى وردت بنعومة وبراءة طفولية :
_ معرفش أنا صحيت ، بس يزيد لسا نايم
ابتسم لها بدفء وأكمل تجفيف شعره ، بينما هي فقفزت واقفة فوق الفراش ووقفت على خافته تحدثه بنظراتها الساحرة :
_ بابي ممكن تسرحلي شعري أصل مامي نايمة وأنا مش بعرف أعمله وحدي
لمس المكر الطفولي الذي اعتاد عليه في عيني صغيرته وضحك مغلوبًا ثم أجابها بصدق :
_ بس أنتي عارفة أني مبعرفش يابابا !
ضيقت عيناها بتوسل طفولي وضمت كفيها لبعضهم ووضعتهم أسفل ذقنها وهي تترجاه وتستعطفه بنظراتها البريئة :
_ please .. please يابابي
تنهد بعدم حيلة وقال مبتسمًا في استسلام لإلحاحها :
_ طيب
قفزت فرحًا وسرعان ما نزلت من الفراش وهرولت راكضة للخارج متجهة إلي غرفتها .. ولم تغيب عن عينيه سوى لحظات معدودة وعادت ركضًا وهي تحمل بيدها فرشاة شعرها ، ثم جلست فوق الأريكة ومدت يدها بالفرشاة له وهي تبتسم باتساع وسعادة تظهر بوضوح في عينيها البندقية التي ورثتها عنه .
جلس خلفها وجذب الفرشاة من يدها وقبل أن يضعها فوق شعرها انحنى عليها ولثم شعرها بحنان أبوي ، ثم اعتدل وبدأ في تخليل الفرشاة بين خصلات شعرها وتسريحه بكل رفق خشية من أن يؤلمها دون أن يقصد .
سمع صوتها الحماسي وهي تخبره بكل عفوية :
_ تعرف يابابي أنا المس اختارتني اغني في الحفلة وقالتلي أن أنا صوتي أحلى واحد
عدنان بدفء وحب :
_ طبعًا أنتي احلى ، مفيش اجمل من بنتي حبيبتي أكيد
لمعت عيناها بوميض الفرحة والعاطفة فالتفتت برأسها تجاه أبيها وهمست له بذكاء طفولي :
_ لا أنت احلى يابابي

 

 

 

قهقه عاليًا ودنى منها يلثم وجنتها هاتفًا :
_ أه يابكاشة بتاكلي بعقلي حلاوة
ضحكت عاليًا ثم عادت توليه ظهرها من جديد ليكمل هو تسريح شعرها وسكنت تمامًا ثم نظرت لأمها النائمة فور تذكرها لشيء وهتفت تسأل أبيها ببراءة :
_ بابي أنت بتحب مامي أوي صح ؟
همهم بصمت دون أن يتحدث كرد بالإيجاب على سؤالها ليجدها تطرح سؤالها الثاني الطفولي :
_ إزاي ؟!!
غضن حاجبيه بتعجب وتمتم باسمًا :
_ يعني إيه إزاي ؟! .. هو أنا ينفع أسألك دلوقتي إنتي بتحبيني إزاي ، لو سألتك هتعرفي تردي ؟
التزمت الصمت وهي تبحث بعقلها عن إجابة لسؤاله أو سؤالها هي بالأحرى ولم تعرف بماذا تجيبه فردت بعفوية :
_ مش عارفة !
عدنان بصوت ينسدل كالحرير ناعمًا كله مشاعر نابعة من الصميم :
_ لما بتحبي حد مبتعرفيش امتى ولا إزاي حبتيه ياحبيبتي
استحوذه السكون للحظة ثم أكمل بعين تفيض عشقًا :
_ مامتك من أول ما شفتها وهي شقلبت كياني وحياتي .. أخدت عقلي وتفكيري في الأول وبعدين قلبي
سكتت هنا لبرهة تحاول استيعاب كلماته ثم سألته بتلقائية :
_ شوفتها فين يابابي ؟

 

 

ابتسم وأجابها بخفوت جميل :
_ في الشركة عند جدو نشأت
صابها الحماس الطفولي للحديث ولمعرفة بقية قصة حب والديها فانتصبت في جلستها والتفتت تجاه أبيها بجسدها كله غير مكترثة لشعرها ثم القت نظرة تأملية مطولة على أمها النائمة ثم عادت بنظرها لأبيها وسألته بلطافة رائعة :
_ مامي كانت حلوة زي دلوقتي ؟
ضحك بخفة ثم القى نظرة سريعة على جلنار قبل أن يعود بنظره لصغيرته ويهمس بغرام ملحوظ في صوته ونظرته :
_ كانت حلوة أوي .. ودلوقتي بقت أجمل
صمتت وراحت تفكر بعقلها الطفولي البريء ثم هتفت برقة تليق بصوتها الناعم :
_ يعني أنا حلوة عشان مامي جميلة وأنا شبهها
ضحك بصمت وطالت نظرته العاشقة والحانية لابنته قبل أن يمسك بكفها الصغير ويقترب بشفتيه من جبهتها يقبلها بلطف ثم يرفع يدها لشفتيها ويلثم ظاهره بحنو هامسًا :
_ إنتي أجمل من أي حد ياهنايا .. مفيش حد في جمالك يابابا
انفرجت شفتيها مطلقة سراح ابتسامة عريضة فوق ثغرها وبعيناها لمعة فرحة وثقة بالنفس تتمزج بمشاعر تملأها العشق والحب لأبيها .. وبكل تلقائية ارتمت بجسدها على صدره تعاقنه بقوة وتهتف في نبرة طفولية ناعمة تذيب القلب :
_ أنا بحبك أوي يابابي
ابتسم بدفء وضمها لصدره مجيبًا إياها بصوت يملأه الصدق :
_ وأنا كمان ياروح بابي
تململت جلنار في الفراش وفتحت عيناها تدريجيًا بمزاج لطيف وفور استقرار عيناها على زوجها وابنتها ابتسمت بدفء وهمست في صوت يتغلله أثر النعاس :
_ صباح الخير
ابتعدت عن والدها ورمقت أمها بوجه مشرق ومضيء ثم ركضت إليها تقفز فوق الفراش وتعانقها هاتفة بحب نقي من الابنة لأمها :
_ صباح النور يامامي
ضيقت عيناها باستغراب بسيط من تصرفها الطفولي العفوي لكنها ابتسمت بحنو وقبلت شعرها وقبل أن تجيبها وجدتها تبتعد عنها وتستعرض أمامها شعرها الحريري هاتفة بسعادة :
_ بصي يامامي بابي سرحلي شعري إزاي
انتقلت بنظرتها المدهوشة نحو عدنان الذي يتابعهم وهو يضحك بصمت ، ولم تكن هي في وضع يختلف عنه حيث ضحكت وردت باندهاش حقيقي وخبث :
_ الله .. طيب ما بابي طلع بيعرف أهو يسرح الشعر ياترى عنده مواهب مكبوتة إيه تاني
انطلقت ضحكته الرجولية المرتفعة ثم هتف وهو يغمز بعيناه لابنته :
_ طلبات هنون كلها أوامر ، لو منعرفش نتعلم عشانها
قهقهت جلنار عاليًا وهدرت وهي تنظر لابنتها ببسمة ماكرة :
_ ياسيدي على الحب

 

 

ضحكت الصغيرة برقة جميلة ولم تلبث لحظة حتى سمعت صوت ابيها يقول بهدوء :
_ روحي شوفي اخوكي صحي ولا لسا ياهنا
اجابت بامتثال تام لأوامر أبيها وهي تنزل من فوق الفراش :
_ حاضر يابابي
ركضت الصغيرة لخارج الغرفة تقصد غرفتها هي وأخيها ، وكانت جلنار تتابعها بنظراتها مبتسمة وفور رحليها التفتت بوجهها نحوه فرأته بتطلعها ببسمة مائلة ونظرات لعوب ، ضيقت عيناها بحيرة ثم وجدته يستقيم واقفًا ويسير نحو الباب .. توقف واغلقه بكل هدوء ثم استدرا لها وهو مازال يبتسم مما جعل تعجبها يتحول لقلق منه فقالت بريبة :
_في إيه ياعدنان ؟!
قهقه بخفة على معالمها المرتعدة منه وتابع سيره نحوها حتى جلس أمامها على الفراش وغمز بيساره في نظرات جريئة هامسًا :
_ ماتسمعيني واحدة عدنان من بتاعت امبارح .. اصل الصراحة لسا بتتردد في ودني لحد دلوقتي
فهمت مراده وسبب تلك التصرفات المريبة التي اتضح أن مضمونها رغبات وقحة ، فردت عليه بدلال وهي تتمنع :
_ لا دي بتطلع مرة واحدة
رفع حاجبه مستنكرًا ردها ولمعت عيناه بوميض ماكر وعلى حين غرة مد يده لخصرها وبأصبعه دغدغها فانتفضت بفزع لتهتف بتلقائية وهي تضحك في ميوعة وغنج أنثوي :
_ عـدنـان !
انفرج ثغره في ضحكة عالية وهتف في لؤم :
_طب ما اهي موجودة أهو .. ولا تحبي نجرب تاني عشان نتأكد !
قالت مسرعة بضحكة رقيقة :
_ عدنان بلاش قلة أدب بقى عيب
مال بوجهه عليها وهمس في عبث :
_ هو في احلى منها !
جلنار بعدم فهم :
_ هي إيه دي ؟!
أجابها بجرأة ووقاحة وهو يضحك :
_ قلة الأدب يارمانتي
ابتسمت في قلة حيلة امتزجت بخجلها فاقترب هو منها أكثر وقبل أن ينول مراده ارتفع صوت طرق الباب المصاحب لصوت طفليهم وهم يصيحون :
_ مامي .. بابي ، ندخل ؟
عاد برأسه للخلف وقال بغيظ مكتوم :
_ أنا برضوا استغربت و كنت بقول هما فين .. اتأخروا !
جلجلت ضحكتها بأرجاء الغرفة كلها ليرمقها هو مخنوقًا ويهتف بصوت الرجولي :
_ ادخلوا ياحبايب أبوكم
ثم استقام واقفًا وقال موجهًا حديثه لجلنار :
_ أنا هقوم اكمل لبس عشان اروح الشغل
اماءت له بالموافقة محاولة كتم ضحكتها ولكن فور دخول الصغيرين انفجرت ضحكًا مجددًا .. ولم يسكتها سوى نظرته الملتهبة لها !! …..
***

 

 

داخل غرفة آدم ومهرة ……
كانت مهرة تجلس فوق الاريكة وبيدها هاتفها تتفحص أحد مواقع التواصل الاجتماعي ، أما آدم فكان بالحمام يأخذ حمامه صباحه ، وبينما كانت منغمسة بمشاهدة أحدى الفديوهات على هاتفها ارتفع صوت رنين زوجها .. تجاهلت رنينه ببادئ الأمر وتابعت مشاهدته بعدم مبالاة لكن الرنين لا يتوقف والمتصل مُلِح ، تنهدت بقوة في عدم حيلة واستقامت واقفة تتجه نحوه ثم التقطته وتطلعت بشاشته تقرأ اسم المتصل الذي كان ( ريم ) ، بتلقائية اتسعت عيناها في غضب وحاجبها اليسار ارتفع ودون لحظة تردد حتى فتحت الاتصال ورفعته إلى أذنها ترد بقوة :
_ الو
أجابت الفتاة برقة وتعجب من الصوت الأنثوي الذي أجاب :
_ مش ده رقم آدم ؟
اشتعل فتيل نيرانها حين سمعتها تتفوه باسم زوجها في برود مستفز وكأنه صديقها أو عشقيها ، تمالكت أعصابها وردت بهدوء مزيف :
_ أه رقمه وأنا مهرة مراته فكراني أكيد مش كدا ؟
تبدلت نبرة صوتها وباتت أكثر برود وهي تجيبها :
_ أه فكراكي يا مدام مهرة ، هو آدم مش موجود ولا إيه لأني عايزة اكلمه في حاجة تخص الشغل
للمرة الثانية تلفظ اسمه بنفس الطريقة ، أخذت مهرة نفسًا طويلًا وهي تهمس لنفسها ( اهدي يامهرة اهدي ) ، ردت عليها بنبرة مختنقة :
_ لا موجود بس مش فاضي لو حاجة مهمة قوليلي وأنا هبلغه
رفضت الأخرى وردت بميوعة :
_ لا لا الموضوع ضروري ولازم أتكلم معاه هو شخصيًا
نفذت طاقة صبرها وذلك الهدوء خرج عن السيطرة فتحول لثوران ، التهبت عيناها من فرط الغيظ وأجابتها في نبرة منذرة وقد خلعت ثوب حياة الرخاء التي تتجول بها منذ أن تزوجت :
_ امممم طب اسمعي ياسكر .. كهن البنات والخبث واللؤم ده مش معايا ، في مثل بيقولك ابعد عن الشر وغنيله .. الشر ده أنا عشان لما بلاقي حية بتحوم حوالين بيتي وجوزي بقطع راسها خالص ، فمتخلنيش اضطر أني أعمل كدا ده لو حابة تكملي في شغلك مع آدم بيـــه .. علاقتك مع جوزي تبقى في حدود الشغل ومتحاوليش تلفي وتدوري عشان صدقيني مش هسمي عليكي ، فهمتيني ياقطة
سكتت للحظة ثم تحولت نبرتها المريبة إلى أخرى رقيقة وبأسلوب راقي يليق بزوجة ابن الشافعي :
_ متقلقيش ياحبيبتي أول ما آدم يفضى هبلغه أنك كنتي عايزة تبلغيه بأمور مهمة تخص الشغل
ضغطت عى كلمة ( الشغل ) وهي تنطقها كتحذير غير مباشر لها ثم انهت الاتصال فورًا والقت بالهاتف على الفراش وهي تطلق زفيرًا ناري ، بقت واقفة مكانها عاقدة ذراعيها أسفل صدرها تنتظر خروجه من الحمام وهي تشتعل من فرط غيرتها وغضبها ولم يدم انتظارها طويلًا حيث دقائق معدودة وخرج وسار تجاه الخزانة بطبيعية تامة دون أن ينتبه لها ، ولم يلاحظ وضعها المريب إلا عندما سمع صوتها الساخر وهي تقول :
_ ريم اتصلت وكانت عايزة تكلمك في موضوع ضروري أوي

 

 

التفت برأسه لها وادقت عيناه بتعجب ثم رد :
_ موضوع إيه ده ؟! .. مسألتهاش إيه هو الموضوع ؟
ابتسمت ياستنكار وقالت في لهجة مخيفة :
_ سألتها بس النكرة دي بتقول أن الموضوع مهم وخصوصي ولازم تكلمك شخصيًا
ترك المنشفة التي بيدهاد ووجه كامل اهتمامه إليها وهو يسأل بحيرة وبعض السخرية :
_ موضوع خصوصي !! .. هي قالتلك كدا؟!
_ أيوة قالت
رفع حاجبه وهو يبتسم باستهزاء ثم رد بنفاذ صبر :
_ لما اروح الشركة هبقى اشوف الموضوع ده
التهبت نظراتها أكثر وتقدمت نحوه لتقف أمامه مباشرة هامسة بأعين نارية :
_ أنت سايب البنت دي بتشتغل في الشركة لغاية دلوقتي ليه ؟!
آدم بلهجة لطيفة :
_ مش أنا اللي مشغلها ده عدنان وهي معملتش حاجة تستحق أنها تتطرد عشانها حتى الآن
اشتعلت نيران غيرتها أكثر من رده وباتت نظراتها أكثر عدوانية :
_ ولو عملت ؟
ادرك نواياها الشيطانية التي تحوم بحلقة ذهنها فابتسم وقال مغلوبًا :
_ في إيه يامهرة !
انفجر البركان الخامد حيث صاحت بانفعال حقيقي :
_ في أن الحقيرة دي بتلف عليك وكل شوية تتصل لسبب ومن غير سبب وفي الشركة طول الوقت بتحوم حواليك وأنت عامل نفسك مش فاهم حاجة
ضحك بصمت وهو يطيل النظر إليها وسط هيجانها وعصبيتها النابعة من غيرتها ثم قال بكل هدوء مع بسمته الماكرة :
_ مين قالك أني مش فاهم .. أنا مكبر دماغي لأن في مية حاجة أهم شغالة تفكيري فمش هروح أسيب كل ده واهتم بالبنت دي وبالهبل ده
مهرة بغضب شديد :
_ تمام يا آدم خليك في شغلك ومتهتمش لأي حاجة مضيقاني

 

 

انهت عباراتها واستدارت تهم بالرحيل لكنه امسك بها بلطف وأعادها إليه هامسًا :
_ محدش يقدر يضايقك يامهرتي بعدين أنتي غيرانه من مين ! .. هو أنا في ست تقدر تملى عيني غيرك
ردت بضيق وهي تتعمد عدم النظر إليه :
_ كلكم بتقولوا كدا !
آدم بخنق مزيف يمتزج بمرحه الخفي :
_ يعني أنتي شايفة أن أنا زيهم !!
لم تجيب واشاحت بوجهها للجهة الأخرى ليضحك عليها ويقترب منها لاثمًا وجنتها هاتفًا بمرح جميل :
_ I love one وانت الـ one
لم تتمكن من حجب ضحكتها الناعمة التي زينت وجهها على رده اللطيف لتجده يعود ويلثم وجنتها مجددًا هامسًا هذه المرة ببعض من الجدية ونبرة حانية :
_ خلاص بقى متزعليش ، اللي أنتي عايزاه هعملهولك ياروحي
التفتت بوجهها إليه وهتفت في فرحة طفولية :
_ بجد !
اماء لها بالإيجاب وهو يبتسم بعشق فقالت هي بثقة :
_ أنا عارفة أنك مش هتوافق تطردها من غير سبب وبيني وبينك أنا كمان مرضاش بس متخلهاش بتشتغل معاك وميبقاش ليها أي علاقة بيك في الشغل
لم يبدي أي اعتراض وأجابها بكل طواعية وهي يبتسم :
_ حاضر أي أوامر تاني يامولاتي

 

 

هدرت بدلال أنثوي :
_ لا ياحبيبي أنا مقدرش اوجهلك أوامر .. ده طلب ولو أنت بتحبني بجد هتعمله عشان سعادتي وراحتي
قهقه عاليًا وأردف وهو يغمز بخبث :
_ ياولد .. يعجبني التثبيت ده !
بادلته الضحك برقة ليضمها لصدرها هاتفًا بصوت يفيض حبًا :
_ وأنا إيه يهمني غير سعادتك ياحبيبتي ، كل طلباتك أوامر يا أم سليم
رفعت نظرها إليه وتأملته بكل غرام وامتنان ثم لثمت جانب ثغره بحب وعادت لملجأها الدافيء مرة أخرى بين ذراعيه ….
***
بتمام الساعة العاشرة مساءًا ………
توقف عدنان بسيارته أمام منزله ونزل منها ثم قاد خطواته للباب ووقف أمامه يخرج المفتاح ثم وضعه بالقفل وأداره لينفتح الباب ويدخل ثم أغلقه خلفه .
ضيق عيناه بتعجب فور دخوله حين وجد السكون التام يستحوذ المنزل وكذلك الأضواء مغلقة ، مازلت الساعة مبكرة على موعد نومهم ! ، وبالأخص جلنار لا تنام بذلك الوقت أبدًا .
لوهلة انتابه القلق وارتفع هرمون الادرينالين في جسده مما جعله بتجه نحو كبس الكهرباء بسرعة وهو يصيح مناديًا عليها :
_ جـلـنـار !
انتشر الضوء بالارجاء وأذا به فجأة يسمع صوت ضحك صغيريه الذي اتضح انهم كانوا يختبئون بالظلام .. التفت بجسده لهم في دهشة لتهتف هنا بسعادة وبوجوارها أخيها يحاول تقليدها :
_ surprise !!
كان يتطلع إليهم بعدم فهم وبسكون تام حتى رأى جلنار تخرج من المطبخ مرتدية ثوب أحمر طويل وتحمل فوق يدها كعكة عيد ميلاد وتغني بغنج يليق بها وقد بدأ الصغيرين يشاركون أمهم في الغناء :
_ happy birthday to you .. happy birthday to you
علقت عيناه على زهرته الحمراء وهي تتوهج داخل ذلك الثوب الأحمر ، فهي تسرقه عقله وأنفاسه كلما ترتدي ذلك اللون .. تصبح مغرية ومثيرة تمامًا كزهرة الرمان الحمراء ، تجذبك نحوها كالمغيب ! .
لم يفق من شروده بزهرته إلا على صوت ابنته التي تعلقت به تعانقه ومعها ابنه وهم يهتفون :
_ كل سنة وأنت طيب يابابي
اخفض نظره إليهم وابتسم بحنان وسعادة حقيقية ثم انحنى لمستوى قامتهم وراح يقبّل كل منهم بحب جارف في قبلات مطولة وهو يهمس بصوت محتقن بالعبارات :
_ ربنا يخليكم ليا يا روح بابي .. أنتوا أجمل هدية من ربنا ليا ، نعمة هفضل احمده عليها لآخر نفس فيا
طال عناقهم لوالدهم وهم ينعمون بدفء وحنان أحضانه ، لكن ابتعدوا عنه على صوت أمهم وهي تقول بمرح ونعومة :
_ يلا بقى يابابي عشان نطفي الشمع

 

 

قفزا الصغيران فرحًا واسرعوا يقفوا بجوار أمهم ثم لحق هو بهم ووقف بجوار صغيريه ، انحنت جلنار واشعلت الشموع فاسرعت هنا للأضواء واغلقتها ثم عادت لهم وبدأوا بمراسم الاحتفال بعيد ميلاده السابع والثلاثون وهو يتابعهم بنظره في ابتسامة عاشقة .. ذلك المشهد الجميل وهم حوله هكذا يرى الحب والسعادة بعينهم كان يضاهي الدنيا بأسرها بالنسبة له ، وماذا يريد المرء أكثر من حب ووجود عائلته حوله .. قفز بعقله ذكريات الماضي وكيف أنه كان على حافة خسارة كل شيء ولو لم يفق باللحظات الأخيرة لكان الآن يعاني الآم الفقدان ، لم يكن ليرى ذلك المشهد أمام عيناه ابدًا .. فشلت عيناه في التحكم بعباراتها التي تجمعت بهم وسقطت لكنه اسرع ومسحها .
عند انتهائهم من الاحتفال انحنى على ابنه ورفعه ليجعله ينفخ بالشموع وكانت معه شقيقته تشاركه وانتهى الأمر بالتصفيق من الطفلين وهم يضحكون بسعادة تلمع في عيناهم البريئة .
ركضت هنا للكبس واضاءت المنزل من جديد ثم هتفت محدثة اخيها بحماس طفولي :
_ يلا يايزيد نطلع نجيب هدية بابي
صاب الصغير نفس حماس أخته وركض خلفها يصعدا الدرج قاصدين غرفتهم حيث يخبئون هدية أبيهم …
اقتربت جلنار منه بكل أنوثة ودنت منه تطبع قبلة ناعمة فوق وجنته اذابت ما تبقى من ثبات لديه وختمتها بنبرتها الساحرة :
_ كل سنة وأنت طيب ومعانا يا حبيبي .. ويخليك لينا يارب
أخذ يتمعنها ببسمة واسعة ونظرات هائمة ورده كان بكلمة واحدة بعد أن مال عليها ولثم جبهتها مطولًا :
_ رمانتي
ابتسمت له بدلال يذيب العقل فتجول هو بنظره على جسدها وذلك الثوب ثم همس :
_ آااه لو تعرفي الفستان واللون ده عليكي بيعملوا فيا إيه
لفت ذراعيها حول رقبته وغمغمت بغنج أنثوي :
_ بيعملوا إيه ؟
_ بيسرق عقلي وأنفاسي ، وقلبي دقاته بتزيد زي مراهق لسا بيعيش تجربة الحب لأول مرة
ابتسمت وردت بنعومة وأعين تفيض عشقًا :
_ معقولة للدرجة دي
تنهد الصعداء بغرام هامسًا :
_ واكتر كمان يارمانتي
كادت أن تجيب عليه لكنها ابتعدت عنه حين سمعا صوت الصغار على الدرج بحماس لكي يعطون والدهم هديته التي كانت عبارة عن ساعة يد فاخرة .

 

 

 

أخذ عدنان الهدية وراح يقبل كل منهم بحنو يشكرهم في حنان أبوي ، وقد طلبوا منه أن يرتديها الآن أمامهم فلم يرد أن يرفض طلبهم وفعل .
طالت جلستهم مع بعض لنصف ساعة وأكثر ثم على صوت جلنار وهي توجه اوامرها لصغارها بأن موعد النوم قد حان وأن يصعدوا على غرفتهم ، فنفذوا الأوامر على مضض وصعدوا لغرفتهم للنوم .
كانوا يجلسون على الأريكة وهي تجلس بين ذراعيه ورأسها فوق صدره لتسمع صوته وهو يسألها بتعجب :
_ أنتي لحقتي تعملي كل ده أزاي واحنا الصبح كان عند ماما أساسًا
ضحكت وأجابته ببساطة :
_ أنا مجهزة كل حاجة من بدري وطبعًا عشان دي surprise في مخلتكش تحس بحاجة
اماء رأسه بتفهم لتكمل هي باسمة :
_ أنت كنت ناسي أن عيد ميلادك النهارده صح ؟
ققهقه بخفة رد بالإيجاب :
_ الصراحة آه
ضحكت مغلوبة ثم تطلعت إليه بتحذير وقالت بمزاح :
_ ياترى هتنسى عيد ميلادي كمان
أجابها ببسمة جانبية كلها ثقة وهو يغمز بعينه اليسار :
_ هو أنا عمري نسيته ؟!
سكتت بإحراج من سؤاله وهي تبتسم باتساع ليهتف هو بغرام :
_ أنا انسى أي حاجة إلا أنتي يارمانتي
تأمتله بهيام ثم همست باسمه في نبرة اذابته :
_ عدنان
اقترب بوجهه منها كالمغيب يوليها اهتمامه ليسمع ما تريد قوله قتتسع ابتسامته تدريجيًا وتهتف من بين ضحكها بكلمات وعيناها تقول العكس تمامًا :
_ أنا بكرهك
انفجر ضاحكًأ بقوة ثم رد عليها من بين ضحكه :
_ عارف يارمانتي عارف
تلألأت العبارات في عيناها وهمست باسمة بعين تحتضنه بها :
_ أنا عمري ما كرهتك في عز مشاكلنا واللي حصل بينا مقدرتش اكرهك .. كنت بقولك كدا مش عشان أنت تصدق لا عشان أحاول اقنع نفسي أنا واشيلك من قلبي

 

 

 

مد يده واحتضن وجهها بكفه يملس على وجنتها بكل لطف هامسًا في صوت رخيم :
_ عارف ياجلنار وعشان كدا أنا متخلتش عنك .. لو كنتي فعلًا بتكرهيني مكنتش هجبرك عليا ومكنتش هقبل بكدا حتى لو بحبك ، لكن أنا عارف أنك بتحبيني وعشان كدا صممت اثبتلك حبي واخليكي تسامحيني واعوضك عن كل اللي فات
ابتسمت وقد عاد الضوء يلمع في عيناها الدامعة من جديد وهي تهمس بصدق يحمل كل حرف تفوهت به :
_ أنا بحبك أوي يا عدنان
تمعنها مطولًا ببسمة عاشقة وبدلًا من أن يجيبها دنى إليها وانغمسا معًا في لحظاتهم الخاصة ، في كل لمسة يخبرها بطريقة مختلفة عن مدى حبه لها ……
***
بصباح اليوم التالي …………
داخل مسرح المدرسة تجلس جلنار وبجوارها ابنها الصغير في المقاعد الأولى ولا يتبقى سوى لحظات معدودة وتخرج هنا لتقديم فقرتها الأولى وهي الغناء .. وحتى الآن لم يصل عدنان ! .
كانت كل لحظة تلتفت خلفها تنظر لباب القاعة وكلما تحاول الاتصال به تجد هاتفه مغلق ، وبينما كانت منشغلة بمتابعة الباب خرجت هنا على المسرح وهي ترتدي فستان طويل وردي .. ابتسمت جلنار لها بحب أمومي وبادلتها الصغيرة البسمة لكنها راحت تبحث بنظرها عن أبيها وفورًا عبس وجهها عندما لم تجده .. حاولت جلنار تشجيعها على الغناء وأنه سيأتي وبدأت الصغيرة بالغناء في وجه عابس وحزين حتى أنها بدأت تخطأ في ترتيب كلمات الأغنية وتنسى بعضها وجلنار تحاول تذكيرها .. لكنها فجأة لمحت أبيها يدخل من الباب وبتلقائية طفولية صاحت بسعادة في مكبر الصوت الذي بيدها :
_بابي
جميع من بالقاعة التفتوا تجاه الباب بينما يزيد فوثب واقفًا واسرع راكضًا من جانب أمه نحو أبيه الذي تلقاه وحمله فوق ذراعيه ثم سار به بين المقاعد ووسط النظرات المعلقة عليه حتى وصل لمقعده بجوار زوجته التي ابتسمت له براحة وقالت بقلق :
_ اتأخرت كدا ليه ؟!

 

 

رد بضيق من تأخره على ابنته :
_ الطريق كان زحمة
ثم التفت إلي ابنته على المسرح وابتسم لها وهو يغمز بحنو فضحكت بصمت وتابعت الغناء بوجه مشرق دون أي أخطاء وفور انتهائها ارتفع صوت الصفيق من الجميع .
استمرت الحفلة حوالي ساعة ونصف وبعد انتهائها خرجوا ووقفوا بالخارج ينتظرون ابنتهم التي راحت تبحث عنهم بين الجميع وفور سقوط عيناها عليهم هرولت إليهم ركضًا وتعلقت بأبيها أولًا هاتفة بفرحة :
_ إيه رأيك يابابي ؟
عدنان بحنو وابتسامة عريضة :
_ شطورة يابابي كنتي حلوة أوي
غمزت جلنار لها وهي تقول بابتسامة :
_ مفيش حضن لمامي كمان ولا إيه !
ابتعدت عن أبيها وارتمت على أمها تعانقها بقوة وبحميمية وهي تهتف بحب شديد :
_ مامي حبيبتي .. أنا بحبك أوي
جلنار بدفء أمومي :
_ وأنا كمان بحبك ياهنون
ابتعدت عن أمها وعانقت أخيها الصغير الذي بادلها العناق بحب …..
***
بعد دقائق طويلة توقفت السيارة أمام البحر فنظرت له جلنار وسألته باستغراب :
_ أنت مش راجع الشغل ولا إيه ياعدنان .. جبتنا هنا ليه ؟!
عدنان باسمًا وهو يجيب بالرفض :
_ تؤتؤ .. النهارده ليكم يارمانتي هنقضي اليوم في اليخت مع غدا سمك وجمبري أنما إيه
قفزا الصغيران بالمقعد الخلفي في سعادة وخرجوا ثم قادوا خطواتهم نحو ال ( يخت ) وصعدوا به ليجدوا طعام الغذاء جاهز والطاولة ممتلئة بأسماك بحرية مختلفة .
تحركت المركب بالمياه وبدأوا هما بتناول طعامهم معًا وبعد انتهائهم اخذوا الصغيرين يلهون ويلعبون وجلنار جلست بجوار عدنان يتابعون أولادهم بابتسامة عريضة .
توقفت هنا عن اللعب حين تذكرت شيء والتقطت هاتف والدتها لترفعه موجهة الكاميرا على والديها .. ابتسموا وراح عدنان يقترب أكثر من زوجته ولف ذراعه حول ظهرها فمالت برأسها عليه تضعه فوق كتفه وبعدما التقطت هنا الصورة لوالديها صاحت لأخيها :

 

 

_ تعالى يايزيد عشان نتصور كلنا
ثم نظرت لأمها وقالت بحيرة :
_ بس مين هيصورنا ؟!
ضحكت جلنار واستقامت واقفة تأخذ الهاتف من يد ابنتها وتضعه فوق الطاولة وتقوم بتشغيل المؤقت ثم تعود وتجلس بجوار عدنان ويزيد بجوار أبيه من الجهة الأخرى .. أما هنا فقد ضغطت على زر التصوير وهرولت مسرعة ترتمي بين والديها بالمنتصف حتى تلتقطها الصورة معهم فتتعالي ضحكاتهم عليها وبتلك اللحظة يكون المؤقت انتهي والتقط الهاتف الصورة ! …….
…….. نهاية الجزء الثالث …….
_ تــــــمــــــت _

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امراة العقاب

تمت.

‫4 تعليقات

  1. روايات جميله كعناوين نرجو تكمله كل روايه قبل أن نبداء بالاخرى من كثرهمتابعه الروايات التى نتابع وننتظر نهايتها ضعنا بهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *