روايات

رواية امرأة العقاب الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت السادس والثلاثون

رواية امرأة العقاب الجزء السادس والثلاثون

رواية امرأة العقاب الحلقة السادسة والثلاثون

هبط كف يدها المعلق بالهواء تدريجيًا وقد اعتلت معالمها قسمات القلق بعدما سمعت صيحة ابنها .. بينما جلنار فكانت تقف صامدة تنقل نظرها تارة بين عدنان الذي أظلمت عيناه وتارة لأسمهان التي باتت مضطربة قليلًا وببطء استدارت بجسدها كاملًا للخلف تجاه ابنها .. لتقابل احتدام نظراته التي تخترقها كالسهم المشتعل .. لا تنكر أن شعور الخوف أجتاحها للحظة من معالمه القاسية .
هتف عدنان بغلظة صوته الرجولي المحمل بلمسة الغضب :
_ إيه اللي بيحصل ده !!!
عقدت جلنار ذراعيها أمام صدرها وشبه ابتسامة متشفية ارتفعت لثغرها .. تحدق بأسمهان منتظرة سماع تبرريتها لمحاولتها لصفعها .
وهل امرأة متجبرة مثل أسمهان سيصعب عليها أن تخترع الحجج لتبرر فعلتها .. فهذا أبسط ما يمكنها فعله حتى ! ، حيث أجابت على ابنها بغضب :
_ الهانم مراتك بتغلط فيا وكمان مش عايزاني ادخل بيت ابني .. بقى على آخر الزمن بنت ريهام الـ…….
بترت جملتها بمنتصفها عندما اسكتتها صيحته العنيفة والغاضبة :
_ مــامــا .. متنسيش إن جلنار مراتي واللي حصل ده مسمحش بيه أبدًا مهما كان
تقدمت جلنار خطوة منها وهمست بنظرات نارية :
_ كملي مالها ريهام !
سمعت صوت عدنان المخيف يهدر باسمها في لهجة تحذير :
_ جلنار !
التزمت الصمت مجبرة واشاحت برأسها للجانب بعيدًا عنهم تمامًا متأففة في غل وغيظ دفين من تلك الشيطانة المتجسدة بهيئة بشر !! .
ثم هتف عدنان بغلظة وحدة موجهًا حديثه لأمه :
_ تعالي ورايا
ثم اندفع للداخل في خطوات تضرب بالأرض في قوة واكتفت أسمهان بأن تلقى نظرة مشتعلة على جلنار قبل أن تتحرك وتسير خلفه للداخل .
                                   ***
دخلت غرفة مكتبه الخاصة خلفه وأغلقت الباب وباللحظة التالية كانت تواجه اعصاره المدمرة حيث صاح منفعلًا :
_ وأخرة تصرفاتك دي إيه يا أسمهان هانم !!!
تقدمت منه دون خوف وهتفت بقسوة وثبات :
_ اخرتها تسمع كلامي وتطلقها .. عشان بنت الرازي لا يمكن تكون الزوجة المناسبة ليك
رفع كفيه يمسح على شعره نزولًا إلى وجهه مطلقًا زفيرًا ساخنًا كالنيران الملتهبة ويندفع نحو أمه كالثور الهائج يهتف بعصبية :
_ جلنار مراتي وهتفضل مراتي .. أنا عمري ما اخدت أوامر من حد حتى لو كان إنتي يا أسمهان هانم .. فبلاش تصرفاتك دي اللي بتصغرك مش بتعليكي أبدًا .. وتقبّلي جلنار عشان اللي إنتي عايزاه لا يمكن يحصل
صاحت به في انفعال هادر وضحكة ساخرة :
_ أنا كنت عارفة إن ده اللي هيحصل في النهاية .. بس مكنتش متوقعة إنك بتحبها للدرجة اللي تخليك تقف قصاد أمك عشانها
هدر عدنان  :
_ افعالك هي اللي بتخليني اقف قصادك .. وعشان أنا بحبها زي ما قولتي أكيد مش هسمح إني اشوفك بتهنيها وأسكت .. مع إني قولتلك قبل كدا إن احترامك ليها بنسبالي تقدير واحترام ليا أنا
ابتسمت أسمهان باستهزاء وحقد يلمع في عيناها .. ثم استدارت وسارت باتجاه الباب تهم بالرحيل لولا صوته القوي الذي أوقفها :
_ أنا لسا مخلصتش كلامي يا ماما
وقفت على أثر جملته ولم تستدير له حتى .. حتى سمعت صوت خطواته تقترب منها ليقف خلفها مباشرة ويهمس بخفوت مريب :
_ أسرار إيه اللي مخبياها عني ؟!
فرت دماء وجهها وشعرت بالبرودة تجتاح جسدها كله في اضطراب وخوف شديد ثم التفتت بجسدها إليه في بطء وغمغمت تتصنع عدم الفهم :
_ أسرار إيه دي !!
ابتسم بتهكم وقال في حدة :
_ أنا اللي بسألك ياماما .. مخبية إيه عني ؟!!
أسمهان بتوتر بسيط حاولت إخفائه :
_ مش مخبية حاجة .. هخبي إيه عليك يعني ياعدنان
ازدادت نظراته ظلامًا بالأخص بعدما رأى التوتر والخوف الشديد الذي هيمن عليها .. مما جعله يتيقن أن تلك الأسرار ليست هينة .. فأمه لا تخاف هكذا إلا حين يكون الأمر يستحق المخاطرة للكذب وإخفائه بكل الطرق الممكنة .
أجابها بغلظة :
_ خوفك ده بيأكدلي اللي في بالي
أسمهان بعينان متسعة في دهشة بسيطة :
_ إيه اللي في بالك !
ابتسم بخزى وهدر في صوت رجولي صارم :
_ سؤالي من البداية غلط وكان لازم اتوقع إنك هتكذبي ومش هتردي عليا .. بس مسيري هعرف اللي مخبياه عني ده
رفعت كفيها تحاوط وجهه تهتف في حنو وحب أمومي :
_ إنت وأخوك اغلي حاجة في حياتي ومقدرش أشوف حاجة ممكن تأذيكم واقف اتفرج
لم يجيبها وبقى صامدًا كالصخر يستمع لكلماتها بسكون تام حتى تابعت هي بحزن :
_ يعني أتأكد إني حتى لو غلطت في حاجة قبل كدا فأكيد هتكون لمصلحتكم
انتظرت أن ترى منه ردة فعل لكن الجمود كان يستحوذه بالكامل فانزلت يدها ببطء وتنهدت بيأس قبل أن تستدير وتنصرف .. وتتركه أكثر حيرة من ذي قبل حول تلك الأسرار الخطيرة المخفية !! .
                                      ***
منذ رحيله وحاولت أكثر من مرة الاتصال ولكنه لا يجيب على اتصالاتها .. لتنتهى محاولاتها كلها باليأس وزمت شفتيها في عدم حيلة .. ثم استقامت واقفة وخرجت باتجاه الشرفة حيث يقف رائد ويتحدث بالهاتف .. وقفت خلفه تستمع لحديثه المجهول .. لم تتمكن من المعرفة هل يتحدث مع رجل أم امرأة .. لكن كانت تسمعه يخبر الطرف الآخر بأنه لن يتأخر وسيأتي له .
لا تعرف لما حدثها الأنثوي يشعر بأن خلف هذا الأمر والرسالة التي وصلت بالصباح اسرار وخفايا لم تعرفها بعد  .. ولم تطمئن لذلك الذي يتحدث معه بالهاتف ، لا تعرف السبب لكن فطرتها كأنثى أخبرتها ! .
احس بوجودها فالتفت برأسه وابتسم ثم انهى الاتصال بمنادته المزيفة لصديقه باسمه بأن سيحدثه بوقت لاحق .. تحركت زينة ووقفت بجوارها تهتف بهدوء :
_ إنت هتمشي ولا إيه ؟
رائد بابتسامة لطيفة يخترع كذبة محترفة :
_ آه واحد صاحبي تعبان ولازم اروح اشوفه
_ امممم ألف سلامة عليه
اماء برأسه في امتنان قبل أن يقذف هشام لذهنه فيهدر بغلظة :
_ هو ابن عمتك ده رجع من السفر امتى ؟
أجابت زينة باستغراب من سؤاله :
_ مين .. هشام !!! .. رجع اول امبارح .. ليه ؟!
حك رائد ذقنه وغمغم بخنق ملحوظ فوق معالم وجهه :
_ أصل نظراته معجبتنيش خالص !
اعتدلت في وقفتها ووقفت على الجانب حتى تكون بمواجهته أكثر وغصنت حاجبيها بحيرة وعدم فهم متمتمة :
_ مش فاهمة !!
_ نظراته ليكي يازينة .. ده عينه متشالتش من عليكي !!
سكتت لدقيقة كاملة تحدق به ببعض الدهشة وعدم الاستيعاب .. حتى هدرت بنفى قاطع :
_ لا لا أنت أكيد تهيأ ليك كدا لكن هشام أنا متربية معاه وأعرفه كويس أوي .. بعدين الصراحة تصرفاتك إنت اللي معجبتنيش يا رائد
أشار لنفسه بسبابته في صدمة :
_ تصرفاتي أنا !! .. المفروض إني كنت اخده بالحضن يعني وهو بيبصلي كأن في عداوة بينا
زينة بغضب بسيط :
_ مش ده قصدي يارائد .. بس أنا حسيت إن أنت اللي مش طايقه معرفش ليه ومسكت ايدي فجأة وبطريقة غريبة
ضحك ساخرًا بغيظ مكتوم وأردف :
_ حسيتي !!!! ..  يعني أنا الغلطانة في النهاية ! ، طيب يازينة أنا بقول امشي أفضل لأن لو النقاش ده زاد اكتر من كدا هتحصل مشكلة بينا .. تصبحي على خير ياحبيبتي
ثم ابتعد عنها واندفع نحو باب المنزل فالتفتت له وكادت أن تصيح منادية عليه لكي يتوقف لكن لا تعرف مالذى منعها من إيقافه فأصدرت تأففًا عاليًا وهي تضرب قدمها بالأرض في غيظ ! .. هي أساسًا عقلها مشوش منذ الصباح  والآن الأمور زادت تعقيدًا بعد تصرفه مع هشام وتلك المحادثة التليفونية فلم تعد تعرف مالذي يتوجب عليها فعله أو كيف تتصرف حتى ! …..
                                     ***
بعد مرور ثلاث ساعات تقريبًا منذ رحيل أسمهان .. كانت تقف بالمطبخ تقوم بتحضير شطيرة صغيرة لشعورها بالجوع .. وبذهنها تتجول جميع الذكريات المؤلمة .. لا تتوقف عن الشعور بالذنب والندم أنها المتسببة فيما حدث .. رغم تراجعها إلا أن ضميرها وقلبها لا يتوقف عن لومها وتأنبيها بقسوة .. واليوم ذكرتها أسمهان بذنبها الوحيد عندما هددتها بأنها ستخبره .. لا تخشي معرفته بقدر عدم رغبتها في استعادة تلك الذكريات القاسية للنور من جديد .
لم تنتبه لدخوله المطبخ واقترابه حتى رأته يقف بجوارها ويمد يده لأعلى يلتقط كأس فارغ ويضعه فوق الرخام ثم يتجه للمبرد حتى يخرج زجاجة ماء ويعود لها من جديد .. يسكب المياه داخل الكأس الفارغ ويرفع الكأس لفمه يشربه كله دفعة واحدة .
هدوئه وجموده المزيف يخيفها أكثر .. لو يتحدث ويلومها أو يسألها سترتاح .. لكن هذا الغموض المتسحوذ على معالمه لا يبشر بالخير أبدًا ويجعلها تفشل في تخمين ما يفكر به حتى ! .
أخيرًا رأته ينحنى عليهة بالقرب من أذنها بعدما انتهى من شرب المياه ويهمس في نبرة تحمل الإنذار الأول :
_ لو في حاجة عايزة تقولهالي ياجلنار الأفضل تقوليها دلوقتي لإني لو عرفتها وحدي بعد كدا ردة فعلي مش هتكون لطيفة أبدًا
أغمضت عيناها بقوة .. حتى لو رغبت بالاعتراف لن تستطيع فهي لم تسامح نفسها حتى وقلبها يؤلمها بشدة حتى الآن .. التفتت برأسها له وغمغمت بأسى وقوة :
_ مش لما اسامح نفسي الأول ياعدنان بعدها اقولك
أنهت عبارتها واستدارت بجسدها تهم بالانصراف لكنه قبض على رسغها يمنعها من التقدم ويهتف بغلظة في نظرات غاضبة ومدهوشة :
_ تسامحي نفسك على إيه !!!
تلألأت الدموع في عيناها لا إراديًا دون أن تتفوه ببنت شفة .. مما تسببت في اشتعال نيران غضبه أكثر والحيرة والقلق ينهش ثناياه نهش فهتف في شبه صيحة :
_ جلنار عملتي إيه ؟!!!
جذبت يدها من قبضته وتمتمت بصوت مبحوح ومحمل بالبكاء :
_ متضغطش عليا ياعدنان .. إنت السبب واللي وصلتني لكدا .. لما اكون جاهزة هقولك كل حاجة
عبارتها التي أفصحت بها أنه السبب .. جمدته بأرضه وجعلته يقف بحيرة أشد لا يفهم شيء .. مالذي فعله والذي دفعها لفعل شيء دون علمه وإخفائه عنه ؟! .. تلك الخفايا التي تنكشف واحدة تلو الأخرى بات لا يتحملها .. هل الجميع يكيد المكائد من ورائه !!! .
                                      ***
في صباح اليوم التالي …..
خرجت من الحمام بعدما انتهت من حمامها الصباحي الدافيء ، وكانت ترتدي رداء الحمام الأبيض ( برنس ) وشعرها مبلل بالماء وبعض القطرات تتساقط منه .. لم تعيره اهتمام بتاتًا وسارت باتجاه المرآة تقف أمامها وتنحنى لتلتقط الفرشاة ثم تبدأ بتسريح شعرها في رقة ولطف .. غير متنبهة لنظراته التي تأكلها بإعجاب بل لم تكن تبالي بها حتى .
كان هو جالسًا فوق الفراش بعد استيقاظه ومن سوء حظها أنها خرجت من الحمام قبل أن ينهض هو من الفراش .. فبقى هو مكانه يشاهدها بتلذذ وإعجاب .. وعلى شفتيه ابتسامة خبيثة ونظراته جريئة يتفحصها بتدقيق وجراءة من أخمص قدميها حتى أعلى رأسها المبتل .. ذلك الرداء المجسم تمامًا فوقها وبالأخص لونه الجذاب يجعلها مثيرة ! .. فلم يتمكن من الصمود وعدم التمعن بها .. عيناه لم تكن تحمل الإعجاب بقدر الحب اللامع بهم في وضوح .
بعد مرور خمس دقائق تقريبًا .. سئم هو من مجرد النظر ببعد هكذا .. سيقترب ليضيف القليل من البهارات اللاذعة والمسلية .
نهض من الفراش وتقدم نحوها بخطوات متريثة حتى وقف خلفها مباشرة يتطلع لانعكاسها في المرآة .. فرآها ترفع نظرها وتتطلع لإنعكاسه في المرآة لثانية واحدة بنظرة عابرة قبل أن تحيد بنظرها عنه مجددًا بعدم اكتراث .. لكن انتفضت واقفة بدهشة واضطراب عندما شعرت بيديه تلتف حول خصرها وتمسك بحزام الروب وفورًا ابتعدت واستدارت له تهتف بغضب :
_ بتعمل إيه !!!
لم يكن ينوي فعلها لكنه أراد أن يثير جنونها قليلًا ويتسلى  فغمغم بلؤم وابتسامة لعوب يتصنع حسن النية :
_ ولا حاجة ! .. كنت بقفلك البرنس كويس بس بدل ما يقع
هدرت جلنار بغيظ :
_ لا والله ! .. كذاب ياعدنان
ضحك بخفة وانحنى على وجهها يهمس بخبث جريء :
_ والله محدش قالك تطلعي بيه قدامي
مالت برأسها للوراء وصاحت باستياء :
_ براحتي إنت هتمنعني ولا هتجبرني البس إيه وملبسش إيه كمان
اكمل عبثه وبنفس نظراته الماكرة يتابع وهو يميل عليها أكثر كلما تميل هي للخلف :
_ تمام وأنا كمان براحتي .. إنتي حرة !
تطلعت في عيناه الجريئة بغيظ وهدرت بشراسة وقوة تلمح له بأن لن يحصل عليها أبدًا :
_ نجوم السما اقربلك
ضحك وقال مستمتعًا بمشاكسة :
_ أنا وإنتي قاعدين أهو وهنتفرج على النهاية يارمانتي
انتصبت في وقفتها وتمتمت بثقة :
_ وليه متحطش احتمال إن النهاية دي تخالف توقعاتك وتوقعاتي تمامًا وتصدمنا كلنا
رأت الثقة العمياء تعتليه لدرجة الغرور حيث أجاب بنظرة ثابتة عليه تحمل معاني جمة وسط نبرته الساحرة :
_ أنا اللي بدأت القصة وأنا اللي هكتب نهايتها .. بدأت بفراق وهتنتهى باجتماع
ضحكت ساخرة من ثقته لتجيبه بتحدى ونبرة ثابتة كالجبال لا تهتز :
_ هنشوف !
ثم ابتعدت من أمامه وسارت باتجاه الحمام لكن قبل أن تدخل وقفت عند الباب والتفتت برأسها له ترمقه بحيرة وتتمتم :
_ غريبة مش كنت امبارح متعصب ومضايق مني .. متوقعتش إنك تتصرف بطبيعية بالسرعة دي وتعدي الموضوع
زم شفتيه وهدر في صوت رجولي جاد :
_ هديكي فرصة زي ما قولتي لغاية ما تيجي بنفسك وتقوليلي
طالت نظراتها إليه في صمت وابتسامة خافتة فوق ثغرها .. لم تكن تلك الابتسامة الغرامية بتاتًا بل أخرى متهكمة ومدهوشة من رده .. بالأخير تنهدت بعمق وفتحت باب الحمام لتدخل وتختفى عن أنظاره .
                                     ***
فتح باب غرفته وهم بالخروج لكن سمع صوت اقدام تصعد الدرج .. لم تكن سوى صوت أقدامها هي .. فعاد بسرعة لداخل غرفته واغلق الباب ليتركه مواربًا ويقف خلفه منتظر اللحظة المناسبة التي ستمر فيها من جانب غرفته .
وبمجرد مرورها جذبها بذراعه للداخل واغلق الباب عليهم .. أطلقت شهقة عالية بزعر وطالعته بذهول ثم صاحت :
_ شو عم تسوي !!
حاتم بغضب شديد وعينان ملتهبة :
_ ششششش .. وطي صوتك
حاولت الخروج من حصاره لكي تفتح الباب وتغادر وسط صوتها المستاءة :
_ افتح الباب بدي اطلع
مد يده لمفتاح الباب واغلقه ثم أخرجه ودسه بجيب بنطاله ليحدقها بعناد وغيظ هاتفًا :
_ مش هتطلعي قبل ما تفهميني إيه اللي بتعمليه ده !!
نادين بعدم فهم حقيقي :
_ شو عم أعُمل ؟!!
هدر حاتم بشبه صيحة تنم عن مدى غضبه وغيظه من تجاهلها له :
_ من امبارح وإنتي مش بتديني وش ولا بتردي عليا .. وأنا مش فاهم حتى في إيه ولا عملت إيه ضايقك
_ والله مهتم كتير يعني تعرف شو اللي معصبني منك !
_ أيوة مهتم يانادين وتجاهلك ده بيعفرتني
صرخت به بغيظ وغيرة مشتعلة :
_ لأنك مخادع وكذاب
ضيق عيناه بدهشة وعدم فهم ثم أجابها :
_ أنا كذاب !!!
نادين بنظرات ساخرة وغصب تلمح له بالكلام سبب غضبها :
_ ما تنسى تعزمني على عرسك ، أي !
استغرق الأمر لحظات طويلة منه يتطلعها باستغراب حتى فهم مقصدها فانفجر ضاحكًا بقوة .. ارتخت عضلات وجهها وغمغمت بريبة وغضب بسيط من ضحكه :
_ على شو عم تضحك إنت ؟!!!
هتف حاتم من بين ضحكه :
_ على غبائك .. إنتي فهمتي إيه !!
نادين بقرف :
_ إنك راح تتجوز .. شو اللي فهمته يعني غير هيك
تابع وهو لا يتوقف عن الضحك :
_ وطبعًا افتكرتي إن اللي ناوي اتجوزها دي بنت غيرك
الكلمة الأخيرة أصابتها بالذهول وحالة من الصدمة وعدم الاستيعاب حتى فبقت تحدقه ببلاهة كالحمقاء لينفجر ضاحكًا من جديد ويتمتم :
_ مش بقولك غبية
رفعت سبابتها لمنتصف صدرها تشير لنفسها هامسة بذهول :
_ يعني إنت كنت بتقصدني أنا ؟!
حاتم بابتسامة عريضة ونظرات غرامية :
_ امممم تخيلي
عادت تسأله من جديد بنفس الصدمة حتى تزيد تأكيد رده :
_ بدك تتجوزني أنا ؟!
عاد يضحك من جديد ليجيبها بعدم حيلة :
_ يابنت الناس أيوة هو أنا في حد في حياتي غيرك أساسًا .. إنتي اللي كنت بتكلم مع خالتي عليها .. وكنت ناوي افاتحك واقولك إني عايز اتجوزك .. بس غبائك خرب اللحظة وصدمني الصراحة
رغم السعادة التي اجتاحتها وكأنها حلقت بالسماء في لحظة من فرط فرحتها وقد بدأ قلبها بالتراقص في صدرها ، إلا أنها هتفت بغيظ بسيط وسط ابتسامتها التي تجاهد في كبحها :
_ أنا ماني غبية .. بعدين شو بيعرفني إنك تقصدني أنا .. بشم على ضهر إيدي متل ما بتقولوا ولا شو ؟!
توقف عن الضحك وغمز لها بعيناه في خبث ومشاكسة ثم تمتم بحماس يلمع بعينيه :
_ طيب واديكي عرفتي أهو .. قولتي إيه بقى موافقة ولا لا ؟!
ابتسمت بخجل شديد وصعدت الحمرة لوجنتيها فانزوت نظرها عنه وبسطت كفها تهمس بخفوت رقيق :
_ اعطيني المفتاح
حاتم بعبث :
_ تؤ لما تردي الأول
تطلعت له بصعوبة وهدرت بتحذير لطيف وسط ابتسامتها الخجلة ووجنتبها الوردية :
_ قلت اعطيني ياه وإلا برد هلأ وبقول مو موافقة
حمحم بخوف بسيط ووضع يده في جيب بنطاله يخرج البنطال ويجيب متراجعًا :
_ لا وعلى إيه خلاص خدي المفتاح أهو .. فكري على أقل من مهلك كمان أنا مش مستعجل خالص
كانت ستنفجر ضاحكة لكنها تمالكت نفسها وجذبت المفتاح منه لتفتح الباب وهي تهتف بمثل شعبي مصري تعلمته من الخالة فاطمة  :
_ ناس تخاف متختشيش
رفع حاجبه بدهشة وهو يضحك على جملتها ثم تمتم بخفوت بعد رحيلها :
_ طبيعي مش قاعدة أربعة وعشرين ساعة مع فطوم هنتظر إيه منها يعني .. دي أقل حاجة !!
                                    ***
في تمام الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل من ذلك اليوم …….
عاد للمنزل بعد نهار طويل ومرهق قضاه بالعمل فدخل أولًا لغرفة ابنته يلقى عليها نظرة دافئة من أمام الباب ثم يخرج ويتجه نحو غرفته .. وكما توقع تمامًا أنه سيجدها  نائمة .
نزع ملابسه عنه وارتدي بنطال منزلي يعلوه تيشرت أسود اللون .. ثم اقترب من الفراش ودخل فيه بجوارها ، التصق بظهرها واستند بمرفقه فوق الوسادة وكفه وضعه اسفل وجنته لتمتد أنامل يده الأخرى إلى بشرتها الناعمة وشعرها يمررها فوقهم بلطف وعيناه تتأملها بعمق وحب .. انزعجت في نومها من لمساته فرفعت يدها تلوح أمام وجهها ظانة لمساته ذبابة ! .
توقف عن لمساته حتى لا يزعجها أكثر من ذلك في نومها وانزل يده ليتمدد بشكل كامل فوق الفراش معانقًا إياها من الخلف بعمق .. ذراعه يحيط بخصرها في تملك وأنفاسه الدافئة تلفح عنقها .
 فتحت عيناها ببطء عندما شعرت بثقل فوق جسدها ولوهلة كانت ستصرخ بخوف لكن هدأ زعرها بعدما أدركته وتحول إلى صدمة لتبتعد فورًا عنه وتلتفت بجسدها كاملًا إليه هاتفة :
_ عدنان !!!
وجدته يختلس المسافة التي صنعتها ليحيطها بذراعه من جديد وهذه المرة لم يعانقها بل القى برأسه فوق صدرها .. تجمدت أمام تصرفه وسمعته يهمس متوسلًا :
_ محتاج افضل في حضنك .. محتاجك ياجلنار .. ارجوكي متبعدنيش المرة دي بس على الأقل
سكون تام عم المكان بأكمله هي تفرد ذراعيها جانبها وهو نائم فوق صدرها كطفل صغير وذراعه ملتف حول خصرها .. اليوم يعترف للمرة الأولى باحتياجه لها .. لن يسبق أبدًا وأخبارها بذلك من قبل .. يتوسلها وهذا مخالف لطبيعته المتعجرفة التي لا تقبل الظهور ضعيفة أو جرح كبريائها .. وجدت نفسها تصدر زفيرًا حارًا وتخرج من بين شفتيها همسة يائسة باسمه ترغب بإبعاده ولكن قلبها لا يطاوعها  :
_ عدنان !
ابتسم بدفء بعدما اخترقت همستها الجميلة أذنه واذابته  فمد يده يلتقط كفها ويقربه من شفتيه ليلثمه بعمق مجيبًا ببحة رجولية جميلة :
_ عيونه !!
عضت على شفاها السفلية بقوة مغمضة عيناها تحاول تمالك قلبها وردعه .. إن لم تردعه ستندم لاحقًا ولا تريد أن تندم من جديد .. فَهَمت بالإبتعاد والنهوض إلا أنه أحكم قبضته حولها جيدًا ورفع رأسه عن صدرها يحدجها بيأس وعينان تترجاها .
انهزمت أمام عيناه وقلبها فهتفت بخنق بسيط :
_متبصليش كدا !!!
ابتسم بساحرية وحب ثم انحنى عليها يلثم جانب ثغرها بقبلة دافئة ويبعتد ليضع رأسه فوق الوسادة يتطلع إليه بتمعن لتميل برأسها للجانب نحوه تحدقه بسكون للحظات طويلة .. دار حديث تتكلم فيه الأعين فقط .. حتى تنهدت هي واستدارت تنام على جانبها توليه ظهرها فتشعر به يعود ويضمها من الخلف ، هذه المرة لم تبعده ولم تعترض بل استسلمت واغمضت عيناها براحة تترك الحرية لنفسها بالاستمتاع بهذه الساعات وهي بين ذراعيه ! …..
                                           ***
فتحت عيناها بصباح اليوم التالي ولم تشعر به بجوارها ..  ظهرها كأنه عاري والبرودة تلفحه بعدما قضى الليل كله محاط بدفء جسده الآن اختفى ذلك الدفء .
سمعت صوته يتحدث بالهاتف فالتفتت له برأسها لتراه مرتديًا ملابسه ومستعدًا للخروج ، يهتف بالهاتف في عينان مظلمة :
_ نفذ دلوقتي وأنا نص ساعة وأكون هناك
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد

error: Content is protected !!