Uncategorized

رواية ملك للقاسي الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم فاطمة أحمد

 رواية ملك للقاسي الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم فاطمة أحمد

رواية ملك للقاسي الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم فاطمة أحمد

رواية ملك للقاسي الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم فاطمة أحمد

كابوس.
____________________
” في لحظة خاطفة حين نواجه إنعكاس صورتنا على قطعة ملساء ، يرى كل منا أحلك مخاو*فه ، ذلك الجانب الذي يخشى أن يطلق سراحه ، ذاك الذي تطمسه خلف قناع الكماليات …
فيغدو سرا بينك وبين المرآة … “
كانت تغر*ق في فراغ معت*م ، لا تدري أين هي بالضبط ، تهبط بجسدها الى الأسفل ببطئ شديد ، تحرك يديها و قدميها بغية بغية النهوض و النجاة من الغر*ق في قعر الجحي*م الذي وصلت حرارته اليها ف انحر*ق ظهرها و أدم*ت بشرتها بقس*وة ، حركت فمها تحاول الصرا*خ و الإستنجاد لكنها لم تستطع ، لم يسعفها لسانها هذه المرة ، اغمضت عيناها بعن*ف و أخذت تحرك جسدها بهستير*ية حتى شعرت بيد تربت على كتفها…
فتحت يارا جفنيها لتكشف عسليتيها الباكيتا*ن و لفت وجهها لصاحب تلك اليد الحنون ، و للعجب رأت والدتها الغالية ، تجلس على كرسي هزاز و فوق حجرها تتربع طفلة ذات 5 سنوات لاحظت يارا أنها تشببها كثيرا …. نسخة مصغرة عنها ، تلاعب دميتها و تهزها برفق و أمها خلفها تصنع من شعرها الأسود جديلة وصلت لأسفل كتفيها بقليل ، ثم تضمها إليها بحنان تحكي لها قصة قبل النوم ، قصة بطلتها كانت أميرة جميلة تدعى يارا.
شهقت و نظرت الى الجهة الأخرى لتجد والدها يجلس مع مراهقة في 17 من عمرها ، يفتح المصحف و يقرأ معها آيات الله متعاونان على أخذ الثواب ، و عندما يتأكد من أنها حفظت وردها الذي حدده لها ، يبتسم و يقبل رأسها الملفوف بطرحة أسدالها ثم يحضنها شاكرا الله على رزقه بملاك مثلها …..هذه كانت حياتها قبل سنوات قليلة فقط !!
امتدت يدها بشوق الى خياله ف إختفى كالسراب …. حادت بعينيها لأمها فوجدتها اختفت ايضا…. لقد عم الظلا*م مجددا و عادت تغر*ق في الفراغ …. فراغ …. فراغ….
انتفضت بقس*وة وهي تفتح عيناها بإتساع لتعود الى أرض الواقع ، جلست توزع بصرها في المكان بتوجس حتى وقع على ادم النائم بجانبها فتنهدت بوهن يشوبه بعض الإرتياح و بدأت تستغفر ربها و تتعوذ من الشيطا*ن مرددة …. كان هذا مجرد كابو*س … هي الآن نائمة على فراشها و بجانبها زوجها و كل ما يؤكد غير ذلك هو كذ*بة !!
لكن الحقيقة لا تكون صحيحة دائما ، أو بالأحرى الكذ*بة لا تكون خاطئة في كل مرة ، هي الآن تلتفت لجانبها فلا تجد ادم ! اين ذهب ؟ لقد كان هنا منذ بضع ثواني فقط !!!
شهقت يارا بذ*عر و تلعثمت هامسة :
– اا… ادم…. ادم انت هنا ؟
لم يصلها جوابه ، فلنقل وصلتها عدة أصوات متداخلة فيما بينها نبرة والدها ووالدتها و عمها   أشخاص آخرين لا تعرفهم ! شحب وجهها بدرجة كبيرة و صاحت بصوت أخرجته بعد عناء :
– بابا…ماما…. ادم !!
انتفضت تغادر فراشها مرددة :
– في حد هنا….. مين اللي بيناديلي ؟!
صدع صوت ضحكات عالية تأتي من بعيد و تركز عند رأسها بكل عنفوان لتدوي أذنيها من قوتها ، ثم شعرت بأعين مسلطة عليها لا تعلم أين هي بالضبط ، لكن حر*ارتها وصلت لبشرتها فكادت تحر*قها ، حسنا هي تتخيل ، تعيش كابو*سا ، انها لا تسمع تلك الأصوات ، ربما لا تزال نائمة و تعيش حلما مزع*جا فهي ليست مجنونة لتتوهم وجود الامرئي !!!
وضعت يارا يديها على وجهها تمنع نفسها من النظر و بدأت تهتز بهستيرية مرددة آيات الله و بعض الأذكار حتى هدأت قليلا…  تشجعت و فتحت عينيها تبحث عن الهاتف ولا تعلم كيف ثبتت انفعالاتها ولم تصر*خ لحد الآن بل طلبت رقم ادم و بمجرد سماع صوته انهمرت دمو*عها بلا توقف ثم همست بتقطع :
– انا سامعة … سامعة صوت … لا انا سامعة اصوات كتيرة و … بتخو*ف … حاسة …. حاسة في عيون بتبصلي اا… انا …. الحقني يا ادم ارجوك …
توقفت فجأة عندما عاودها الهو*س لكن بشكل أقرب ، الاصوات التي كانت تأتي من بعيد اصبحت ملاصقة لها تماما !! التفتت خلفها بذ*عر وهي تشعر بأحد يلمسها ، الصدا*ع يجتاحها مجددا و بشكل أعن*ف بكثير من السابق !!!
سقط الهاتف ف انقطع الاتصال فرفعت يديها تحتوي رأسها و بدأت تصر*خ بقوة وحمى الرع*ب و الأل*م تسري في أوصالها ، تخيلت ادم ثانية و ليس هو فقط بل ظهرت صور والدها و والدتها أمامها وكلما تمد يدها لتمسك بأحدهم تجد نفسها تمسك الا شيء !!
*** بعد مدة من الزمن.
اقتحم الفيلا بقلب وجل استعرت نير*انه منذ وصله اتصالها الذي دب الرع*ب في قلبه من سماع شهقاتها و هذيا*نها ، و لسوء الحظ لم تكن أمه و أخته موجودتان في المنزل عندما اتصل بهما ليطلب منهما الذهاب اليها ريثما يأتب !
نهب ادم الأرض بخطوات عريضة حتى وصل الى باب غرفتهما و بمجرد ان ولج تسمرت عيناه عليها وهي تفترش الأرضية متكومة حول نفسها و انفاسها المتقطع*ة تصل إليه ، تهمس تارة و تب*كي تارة و تردد إسمه تارة.
ارتع*د قلبه بين ضلوعه و أحس بصخرة ضخمة تضي*ق الخناق على صدره تمنعه من التنفس ، منظرها هذا ذكره بحالها قبل أشهر عندما تلقت خبر وف*اة أبيها …. لكن الاختلاف انه كان معها يحتويها ذلك اليوم و الآن هي بمفردها في هذه الغرفة المظلمة !!
هرع اليها و جثى على ركبتيه يهزها بهمس ملتاع :
– يارا …. حبيبتي مالك انتي قاعدة كده ليه ايه اللي حصل ؟!
رفضت إجابته وهي تكوم نفسها أكثر قائلة لنفسها بأنها تتوهم مجددا ، ادم ليس هنا و هذا الصوت ليس خاصته على أي حال …
ناداها الآخر ثانية بصوت أعلى :
– يارا ارفعي راسك بصيلي في ايه بس فهميني.
سمع همسها الضغيف :
– انت مش موجود … انا بتخيل … انت مش موجود … مش موجود لأ.
نفذ صبر ادم و تفاقم قلقه عليها فرفع رأسها و أجبرها على النظر اليه هامسا بلوعة :
– انا هنا بجد يا حبيبتي … موجود جمبك و هفضل طول عمري جمبك !!
أمالها على صدره يحتضنها و يمرر يده على شعرها لتنهمر يارا في البك*اء وقد تأكدت من حقيقة وقوفه امامها بعدما شمت رائحته و أحست بدفئ حضنه ، دفنت وجهها في عنقه و هتفت منهار*ة :
– انت كنت فين …. سبتني ليه …. ليه اتأخرت يا ادم !
زفر بخنق يلعن زحمة المرور التي منعته من الوصول إليها باكرا لكنه تمتم وهو يحتويها بكل ما يملكه من دفئ وحنان :
– مش هتأخر عليكي تاني …. اهدي بس يا حبيبتي.
أبعدها عنه بصعوبة بعدما تعلقت به و نهض يحضر كوب الماء الموضوع على الكومدينو ثم قربه منها متمتما بعاطفة :
– اهدي شويا بس و اشربي الماية ديه هتبقي احسن.
فتحت يارا عينيها فإنتحر*ت الدمو*ع منهما مدرارا بينما تستقبل جرعة الماء التي ملأت فمها ليخف ارتجافها و تستعيد وعيها شيئا فشيئا ، ازدردت ريقها و نظرت له فسألها :
– ايه اللي حصلك انتي كنتي كويسة لما سبتك ، شوفتي كابو*س وانتي نايمة ؟
انتفضت وهي تسترجع ذكريات رحلة الر*عب التي دخلتها منذ ساعة و أخذت تهز رأسها عدة مرات :
– مكنش كا*بوس …. انا كنت بسمع صوت وو… شوفتك انت وبابا و ماما شوفت خيالكم واول ما اجي المس واحد منكم بترجعو تختفو و …. حسيت حد بيحط ايده عليا و عيون بتبصلي ااا انا كنت خا*يفة اوي و….
قاطعها ادم بتعجب :
– مفيش حاجة زي ديه يا يارا اكيد كنتي بتحلمي.
رفعت عينيها نحوه و نفت بخو*ف :
– لالا مكنتش بحلم ، بص انا الاول شوفت كا*بوس اه ب ب بس بعدين صحيت و…. اتخيلتك … نايم جمبي بس ااا…. ص صدقني يا ادم اللي شوفته كان حقيقي.
اعتقد ادم ان الكا*بوس الذي رأته أثر عليها وربما هي لم تستيقظ منه أساسا و ما ترويه الآن عاشته في أحلامها فقط و خو*فها جعلها تتخيله حقيقة ، إبتسم و التقط وجنتيها الباردتان بين كفيه :
– طيب ماشي اهدي الاول و تعالي نقعد على السرير بدل قعدة الأرض ديه.
ادارت يارا وجهها على الغرفة بتردد تخشى إعادة ما عاشته منذ قليل لكنها استغفرت الله و أقنعت نفسها بأن ادم معها الآن لن يحدث لها شيء بوجوده ، نهضت معه وجلست على فراشها وهي تتمسك بيده خا*ئفة وفي نفس الوقت منكس*رة ، هي تعلم جيدا ان ادم لا يصدق شيئا مما ترويه وكيف يفعل وهي نفسها لا تصدق ، هل عساها جُنَّت حقا ؟ ماذا اذا كان ما رأته مجرد تأثير سي*ء لحلمها ، الكا*بوس ذاك لم يكن هينا أبدا لقد رأت نفسها تسقط في قعر الجح*يم ومهما حاولت النجاة إلا ان هناك من يدفعها بإستماتة نحو الأسفل !!
تنهدت و ذكرت الله مرات عديدة تطرد التخيلات من عقلها ثم قالت :
– يمكن صح كنت بتوهم و الكا*بوس أثر عليا ، من العصر وانا نايمة يمكن نومته مش حلوة انا مش هنام في الوقت ده تاني.
نظر ادم الى ساعة يده يده ثم مرر على شعرها و قبل جبينها مردفا :
– و المغرب هيأذن كمان شويا قومي اتوضي عشان نصلي جماعة يلا.
هزت رأسها و فعلت ما قاله وبعد نصف ساعة نزلت الى المطبخ لتحضر العشاء بعدما صليا سويا.
بدأت يارا إعداد الطعام وهي مرتاحة فلا شيء يستحق الخو*ف بوجود زوجها معها تحت نفس السقف و من الواضح انها كانت مجرد تخيلات نتجت عن كوا*بيسها و إرهاقها المستمر لا غير….
تنهدت و تابعت ما تفعله حتى شعرت بذراعين تحومان حول خصرها ف انتفضت بشهقة :
– ادم !
رغم استغرابه من ذ*عرها هذا الا انه حاول تجريدها من خو*فها فدفن وجهه في عنقها و قبله بحرا*رة :
– قلب ادم عمر ادم روح ادم.
ضحكت يارا و استدارت تنظر إليه معلقة :
– لما اسمعك بتقول الكلام ده و تغازلني بقعد اسأل نفسي معقول اللي واقف قدامي هو نفسه ادم اللي انا بعرفه ، يعني قبل سنة من دلوقتي لو حد قالي هتتجوزي ادم وتحبيه و يحبك و تحملي منه كنت هضحك عليه بعلو صوتي و اقوله انت مجنون.
رفع حاجبه و ادخل اصابعه في شعرها يداعبه ورغم هدوء نبرته إلا انها استشعرت الض*يق و الحد*ة وهو يغمغم :
– مكنتيش متوقعة تتجوزي واحد اكبر منك ب 10 سنين او يعني متوقعتيش اساسا تكوني ماضية على عقد زواجك ع إبن عمك اللي بتناديله يا أبيه … صح ؟
أدركت يارا من خلال ملامح المتشنجة انها أخطأت في التعبير عن مكنونياتها فأسرعت تقول برقة لم تفشل يوما في إذابته :
– لا انا مكنتش متوقعة ان الانسان اللي بخاف من خياله و اول ما اسمع صوته بهرب وطول حياتي بقول عليه بلا قلب هيبقى جوزي و حبيبي و يسمعني كلام الغزل.
ابتسم و أحكم قبضته جيدا على خصرها متمتما بنبرة رخيمة :
– محدش بيعرف ايه اللي ممكن يحصل ف المستقبل حتى انا متخيلتش اكون سعيد معاكي و لساني ينطق بالكلام الحلو ده ، على فكرة انتي الوحيدة اللي شافت وش ادم التاني يعني محدش غيرك هيصدق اني ببقى عاشق ولهان وانتي فحضني.
أسبلت رموشها بدلال دون ان تغيب اللمعة العاشقة عن عينيه والتي استطاعت هي رؤيتها حتما :
– ومش عايزة حد تاني يشوف الجانب ده منه لأنه بيخصني انا وبس.
غامت عيناه و تركزتا على عسليتيها لتنزلا الى موقع شفتيها المكتنزتان فتجتاحه رغ*بة مستعرة تناديه لإمتلا*كهما فلبى النداء فورا !!
مالت على السطح الرخامي القابع خلفها تستقبل قبلته الجامحة والتي تبث لها مدى عشقه و لهفته بها….. لفت يديها على عنقه تبادله قبلاته و تتشبث فيه بقوة فيبتعد عنها لثوان بين حين و آخر لا لشيء فقط لإحتياجها الهواء..
انفصل عنها بعد دقائق لتشهق يارا و تهمس بصوت متقطع بعدما شعرت بالأمور تأخذ منحى آخر :
– اا…. الدكتورة قالت مينفعش اا…
قاطعها بلو*عة وهو يتأمل ثوبها الفيروزي الفضفاض الذي يصل لأعلى ركبتيها بقليل ذو حمالات رفيعة يظهر كتفيها و عنقها بسخاء :
– عارف للأسف ، مضطر استحمل البعد ده.
ابتسمت و التفتت تكمل طهوها لتتفاجأ به يحتضنها من الخلف مجددا و يمرر يده على بطنها المنتفخة :
– بس ده ميمنعش اني احضنك على ما تخلصي.
ضحكت يارا بخجل ف انحنى على وجنتها يقبلها بعمق ثم يهمس داخل اذنها :
– بحبك يا طفلتي الحامل.
” و أدق باب قلبك دقة الأيتام …
لا أريد خبزا أريد روحي !! “
______________________
في منزل آخر.
خرجت تقي من غرفتها عند سماع مروان ينادي عليهم جميعا دخلت هي و رتاج و والدتهم ” عزة ” الى الصالة متسائلين عن سبب النداء.
بادرت تقي بالسؤال متوجسة :
– في ايه يا أبيه ؟
أجابهم بجدية وهو يعيد هاتفه الى جيب بنطاله :
– مازن اتصل بيا و لسه قافل معاه.
عزة مستفهمة :
– خير يابني قالك ايه ؟
مروان بجدية :
– بيقول عايز يكتب كتابه على رتاج عشان يقدرو ياخدو راحتهم وهما بيروحو يختارو الشبكة و الجهاز و غيره ، لانه مش هيرضى يطلع معاها لوحدهم و لسه مفيش بينهم عقد رسمي.
تفاجأت رتاج اما والدتها فقالت بشيء من الإعتراض :
– بالسرعة ديه ليه بس احنا لسه متعرفناش عليه كويس ولو متفاهموش مع بعض و طلع مش مناسب لبنتي هنعمل ايه نطلقها منه قبل الفرح ؟ لا خليها خطوبة احسن.
رد عليها مسترسلا :
– يا ماما انا بعرف مازن من وقت طويل ولو مكنتش متأكد من اخلاقه عمري ما اديله فرصة مع اختي اصلا ، انا عارفه و عارف قد ايه هو خلوق و محترم يعني اطمني من الناحية ديه.
تدخلت تقي في الحديث بأدب :
– انا شايفاه بيفهم في الأصول ولو مش خايف من ربنا و كلام الناس على رتاج مكنش هيفكر يكتب كتابه عليها.
تأففت عزة بضيق :
– يا ستي انا مقولتش حاجة بس خلي الخطوبة شهر على الأقل …. ما تتكلمي يا رتاج.
تركزت الأعين على الواقفة في الزاوية لتردد الأخيرة بمرح محاولة اخفاء خجلها :
– الحمد لله انكو افتكرتو وجودي للحظة حسيت اني مش العروسة اللي بتتكلمو عليها !
– طيب ايه رايك في كتب الكتاب ؟
قالتها والدتها بغير رضا فنظرت لها رتاج و صمتت ، تعلم جيدا ان أمها خائفة عليها من ان تعيش نفس ما عاشته شقيقتها تقي تخاف لو لم يكن الرجل المناسب لها و تتطلق منه لتعيش بقية حياتها على ذكرياته الموجعة ، لكن هي تعلم جيدا ماهية شخصية مازن إنه رجل محترم و خلوق و شهم و الأهم انه – يفهم في الأصول – لذلك هي مطمئنة منه ، أساسا لو لم تكن كذلك لما قدمت له قلبها يوما !!
و رغم ذلك لم تحبذ إظهار لهفتها للقبول فطأطأت رأسها هامسة :
– اللي انتو بتشوفوه.
رفع مروان شفته ساخرا منها :
– على أساس إنتي مش موافقة.
إطرقت رأسها وقد تلونت وجنتاها بحمرة لطيفة ليضحك الآخر و يطالع أمه بجدية :
– بصي يا ماما حضرتك اكيد مفيش حاجة هتحصل من غير رضاكي بس انا شايف ان كتب الكتاب مناسب اصلا كنت مدايق من فكرة ان اختي بتشتغل مع خطيبها فنفس المكان فهيبقى أحسن لو اتجوزها رسمي مازن زي ما قولتلك راجل خلوق و أهله ناس كويسين مفيش داعي نخاف منهم ده انتي بذات نفسك كنتي بتشكري فيه وبعدين هو يفكر بس يغلط مع أختي وانا هعلقه من رجليه.
أيدته تقي بهدوء ، وهي تعرف لماذا تفكر أمها بهذا الشكل :
– أبيه كلامه صح طيب ماهو كمان كاتب كتابه على خطيبته مريم بقاله شهرين و مفيش مشكلة حصلت بينهم إلا و حلوها بهدوء و فرحهم قرب و عادي اهه.
زفرت بخنق وهي تناظرها بطرف عينها معلقة :
– على أساس أخوكي زي التانيين يعني !! والله انا اكتر واحدة بتعرف اختياراتكم.
حمحم ينبهها على ما تتفوه به لتردف بإستدراك وقد تنبهت لإنز*عاج إبنتها :
– احم معلش يا حبيبتي زلة لسان.
إبتسمت الأخرى بوهن :
– عادي يا ماما ولا يهمك انا عارفة ان حضرتك خايفة رتاج تغلط نفس غلط*ي بس صدقيني مازن مش زي آسر كفاية أنه دخل من الباب و طلبها بالأصول.
صمتت عزة قليلا ثم تنهدت بقلة حيلة :
– بما انكو نازلين مدح ف مازن و مصممين عليه هقول ايه انا موافقة.
تفاجأت برتاج تقفز عليها تحتضنها و تصرخ بسعادة :
– اللّٰه يس يس شكرا يا مامي بحبك ، و على كده كتب الكتاب امتى يا أبيه.
فغر فاهه بدهشة ثم ضحك عليها :
– مش كنتي من شويا واقفة و مكسوفة ايه اللي حصلك بتنطي و فرحانة ولا كأني قاعد هنا ! 
ضحكت تقي و عزة عليها لتهمس بحرج :
– سوري يا أبيه.
إبتسم على أخته الشقية و استطرد :
– عموما مازن بيقول عايز كتب الكتاب يبقى الأسبوع الجاي و الفرح بعد شهر الفيلا بتاعته جاهزة من عفش و أجهزة وكل حاجة مش ناقص غير العروسة تشرف إيه رايكو ؟
تعلقت عينا رتاج بأمها ترجوا داخلها بأن توافق لتقول أخيرا :
– اللي فيه الخير يقدمه ربنا.
– ونعم بالله.
هكذا تمت الموافقة و إنصرفت عزة تتبعها رتاج التي ركضت الى غرفتها لتهاتف مازن و تعاتبه بسبب إخفاء قراره عنها ، أما تقي فطالعت أخاها و إختارت المواجهة بعد تردد كبير :
– مروان انا عايزة اسألك لو حضرتك مش هتزعل.
لاحظ توترها فتمتم يحثها على بوح ما تفكر به :
– معقول ازعل يا حبيبتي قوليلي مالك ؟
بللت شفتيها مستذكرة كلام آسر عندما قال انه لولا وجود مروان لكانا الآن معا ، ثم تنفست و هتفت دفعة واحدة :
– هو آسر اتصل بيك و حاول يتواصل معايا بعد ما طلقني…. قبل سنتين يعني.
اكفهر وجهه من سيرة ذلك الأخرق و هدر بحد*ة :
– وانتي بتجيبي سيرته ليه هو انتي لسه بتشوفيه ؟؟
شهقت بذعر خائفة من ان يفهمها بشكل خاطئ :
– لالا خالص ، قصدي يعني اا احنا التقينا مرة بس وكان قالي فيها ان…. يعني لولا وجودك كنت انا وهو سوا ، انا مش عايزة افكر فيه اصلا بس بسأل من الفضول آسر سأل عليا بعد الطلاق ؟
زفر مروان بحنق و أجابها متذكرا :
– ايوة بعد ما اتصلتي بينا من المشفى اللي فنيويورك و عرفتينا باللي حصل و رجعتي ، الحيوان اياه عؤف يوصل لرقمي و طلب مني اخليه يكلمك لانك مش بتردي عليه و انا طبعا رفضت مستحيل أاسمحله يتواصل معاكي بعد كل اللي عمله.
اومأت تقي تتذكر حالتها المزرية بعد إجها*ضها و طلاقها ثم عودتها الى البلد و طلب المغفرة من أهلها ، تنهدت بألم ليكمل مروان مترقبا ردة فعلها :
– بس بعد اسبوعين عرفت انه نزل البلد و بيدور على بيتنا.
انتفضت بدهشة مهمهمة :
– افندم آسر نزل مصر علشاني ؟!
غمغم بخشونة مسترجعا أحداث ذلك اليوم :
– ايوة و رجع اتصل بيا وطلب يشوفني طبعا انا كنت متفاجأ من تصميمه ووافقت اشوفه بس ياريت ما وافقت.
نظر اليها و تألم لرؤيته لمعة متأملة تصدر من عينيها هو ليس بغبي لكي لا يدرك ان تقي لا تزال تحب طليقها لكن ما يحزنه هو أنها تتأمل رجوعه حتى لو أخفت ذلك عن نفسها ، زفر و أردف بضيق :
– لما روحت اشوفه مكنش لوحده لا كان جايب معاه بنت واضح للأعمى انها…
أغمضت عينيها بوجع هامسة :
– رولا … اكيد هي.
مروان بغضب :
– الحيو*ان بكل بجاحة بيقولي انا لسه بحب اختك و ندمان ع اللي عملته و هصلح غلطي وووو و لما سألته البنت ديه تبقى مين قالي هي ديه الست اللي لاقتني تقي معاها ف…..
قاطعته ببكا*ء وهي تغطي أذنيها رافضة سماع كلمة اضافية :
– خلاص خلاص مش عايزة اسمع حاجة كفاية لو سمحت !!
اشفق عليها و احتضنها لتلف ذراعيها عليه وهي تبك*ي و تلع*ن نفسها لأنها فكرت لوهلة بتصديق كلامه السخيف عن حبه لها و شكت في شقيقها و الأخطر انها فكرت بالعودة إليه فبكل الأحوال هي لا تزال زوجته ، هل يلدغ المرء العاقل من الجحر مرتين !!!
________________________
صباح اليوم التالي.
حوالي الساعة 10.
استيقظ ادم بكسل ليجد يارا نائمة تضع رأسها على صدره و تنام بعمق بعد ليلة مليئة بالكوابيس ، كانت كل ساعة تنتفض بذعر ثم تنهمر في البكا*ء الحاد وبالطبع هو لم يتوانى عن تهدئتها بإحتضانها و قراءة الآيات القرآنية على مسامعها لعلها تغفو دون أحلام مزعج*ة لكن للأسف حتى هذا لم ينفع وبقيت ساهرة طوال الليل وهو مثلها حتى آذان الفجر….
كتم تأوهه المتأ*لم وهو يشعر بتشنج في عنقه لكن يارا تفطنت لحركته ففتحت عينيها و همست :
– ادم … صباح الخير.
ابتسم و قبل رأسها :
– صباح النور ، بقيتي أحسن دلوقتي ؟
سكتت تتذكر كوابيس الليلة الماضية و فجأة تغلغلت الهمسات مجددا داخل أذنيها و عاد الصدا*ع يكتسحها بعن*ف ف انتفضت و نهضت من الفراش ، تعجب ادم تصرفها و قال :
– في حاجة ؟
أطبقت جفونها تحاول درأ الاصوات و الخيالات عنها لكنها لم تستطع ، ارتفعت وتيرة تنفسها و تشكلت حبيبات عرق على جبينها فوضعت يدها على صدرها تحاول سحب الهواء لكن*ها فشلت ، لم يكن صعبا على ادم معرفة بأنها دخلت في نو*بة ربو أسرع الى الدرج الذي تضع فيه البخاخ الخاص بها ثم ساعدها في إستنشاقما يحتويه متمتما :
– اهدي و حاولي تتنفسي …. متتوتريش حاولي تتنفسي كويس ….
نفذت تعليماته وهي تنهار جالسة على سريرها بتعب ، مر وقت طويل على اخر مرة تعرضت للنو*بة حتى ظنت انها تخلصت منها لكن للأسف عاودتها اليوم و بصورة أقوى ايضا ، زفرت بخن*ق و أصبحت تهز قدميها بعصبي*ة ليسألها ادم وهو يقطب جبينه :
– انتي كويسة ؟
– اممم.
همهمت بها يارا دون النظر اليه فقال :
– احنا لازم نشوف دكتورة تكشف عليكي.
– بس ميعادنا لسه فاضله شهر !
تنحنح مغمغما بصوت قاتم :
– انا بقصد نشوف دكتورة تتابع حالتك النفسية.
انتفضت يارا بهل*ع و انتصبت واقفة تطالعه :
– حالتي النفسية ؟ ليه انت شايفني مجنو*نة ؟
استغرب انفعالها المبالغ فيه ورغم انزعا*جه من نبرتها المرتفعة الا انه غض النظر عنها و وقف يجيبها :
– يارا انتي ست متعلمة و واعية و عارفة ان اللي بيتابعو عند دكاترة نفسيين مش مجانين اا….
قاطعته يارا بشرا*سة :
– انا فاهمة انت عايز توصل ل ايه يا ادم فاهماك كويس بس اوعى تفكر إني هسمحلك تحقق هدفك !!
توهجت عيناه بغض*ب و احمر وجهه من الإنفعا*ل ولم يستطع هذه المرة كبح أعصابه ف اندفع يمسك ذراعها جاذبا اياها نحوه :
– هدف ايه اللي بحققه انتي بتقصدي ايه ؟
رأى دمو*عها تتف*جر من عينيها و ملامحها ترتخي رويدا كأنها تعاني من إنفصام في الشخصية و هاهي تغادرها شخصيتها العني*فة لتحل محلها الهادئة المسالمة ، تنهد ادم مستغفرا ثم احتوى وجنتيها داخل يديه هامسا :
– حبيبتي انا مش بقول عليكي مجنونة بس يمكن اللي حصل ف الشهور اللي فاتت أثر على نفسيتك و خلاكي تتعبي و…
استمر يخبت بكلامه ثور*تها المشتعلة حتى كادت تهدأ لكن الصوت تخلل أذنيها مجددا هامسة ” انه يريد إثبات أنك مريضة ، سيتركك ، إبتعدي ، إبتعدي ” ، استمرت الهمسات تعلو حتى عجزت عن سماع ما يقوله ادم و بلحظة لم تكن تدرك هي ما تفعله صر*خت و دفعته عنها بنفو*ر :
– ااابعد عننني متلمسنيييش !!
إنتفض بصدمة لفعلتها و ثار*ت ثائرته بعد إحساسه بالإ*هانة حتى تعجب من نفسه لأنه لم يجن عليها لحد الآن ، أولاها ظهره وهو يشد شعره بقوة هامسا بكلمات يطلب فيها الصبر لكن يارا لم تكن لتسمح بذلك بأية حال ، فسرعان ما وقفت امامه و هدرت بقوة :
– اللي بتحاول تعمله ده مش هيعدي عليا انت فاهم !! ألاعيبك مش هتقدر تخد*عني بيها !
أجابها بصر*اخ مماثل تشوبه الدهشة :
– انتي اتجننتي رسمي أكيد مش عارفة بتقولي ايه والا مكنتيش هتتجرئي و تتعاملي معايا ب الأسلوب ده.
قبض على ذراعها متمتما بحد*ة أخا*فتها :
– الومي حدودك و اعرفي انتي بتتكلمي مع مين لولا عارف و متفهم  حالتك ديه مكنتيش لسه هتقفي على رجليكي ، طرق بإصبعه في عن*ف على رأسها مكملا وهو يجز على اسنانه :
– بس اوعى تفكري لأني بحبك هسكت لأ كله عشان بنتي… دماغك ديه انا كفيل اكسرها اتقي شر*ي و ارجعي لوعيك والا هنزعل من بعض.
” لا ، لا تفعلي ، بلا إفعلي ، لا تقولي ، قولي ، قولي ، قولي “
قبضت على رأسها بعن*ف و صا*حت بأعلى صوتها :
– انت عايز تثبت اني مر*يضة عشان … عشان تقدر تعمل فيا اللي عملته مع عمي و ابنه و تاخد مني أملاكي ! عايز تخليني مجنو*نة و تبقى الوكالة اللي بتقدر تتصرف فيها بفلوسي معاك انت !!
تابعت غير آبهة لتخشب جسده :
– عمر كان معاه حق لما قال انك طمعا*ن في فلوسي و اتجوزتني عشان تاخد اللي بملكه و توسع نفوذك.
في هذه اللحظة تماما لم يعرف ما يجب عليه فعله ، لم ينطق ، لم يصر*خ ، لم يبرر موقفه ، و كيف يبرر وهي لثاني مرة تطع*نه بسكين الإتها*م ، اول مرة عندما أخبرته بأنها لطالما سلمت جسدها له إجبارا خو*فا منه ، و الثانية كانت الآن ، وهي تخبره بأنه يطمع في أموالها و يلعب عليها ليثبت مر*ضها !!
أحس بنصل حا*د يغر*ز في صدره بكل قسو*ة لكن هذه المرة لم تكن رصا*صة طائشة أصا*بته ، ولا سيارة انقلبت به ، لقد كان سكي*نا حاد بكلماتها !!
هز ادم رأسه ببطئ يطالعها ، هل هذه نفسها يارا الملاك الذي أحبها بهدوئها و طيبتها و براءتها ؟ هل هي نفسها من تعذ*ب أياما شوقا لها و ندما لأجلها ؟ لا ليست هي ، انها شخص آخر ، حتى هو لم يستطع هذه المرة التعرف عليه !!
اهتز كتفاه وهو يطلق ضحكة ساخرة :
– هو ده اللي طلع معاكي ؟ 
تراجعت خطوة للخلف متوقعة ان يضر*بها الآن او يع*نفها لكن رد فعله خاب توقعاتها ، ابتعد عنها يسحب من خزانته ملابس خروج ثم اتجه الى غرفة أخرى لكي يغير فيها و ملامحه الباردة لا تستشف منها شيئا ، ظلت يارا واقفة مكانها حتى هرعت لدرج الخزانة تأخذ منه قرصا من أدويتها و تدريجيا انتظمت انفاسها و زال ألم رأسها لكن ألم قلبها لم يزل ، بل ازداد و على حين غرة عندما استوعبت للتو ما قالته لزوجها منذ قليل فقط !!
انتفضت بصدمة و ذهول متمتمة :
– انا عملت ايه…. لالا مستحيل لا ..
ركضت للخارج فوجدت ادم يغادر الغرفة المقابلة دون حتى ان ينظر اليها بل بدى وكأنه يقرف من المرور بإتجاهها حتى ، تحركت و خطت خطواتها نحوه مرددة برجاء :
– ادم …. ادم ارجوك اسمعني …
لم يتوقف بل أكمل نزول درجات السلم وهي تحاول إمساكه و دمو*عها تغرق وجهها :
– اسفة سامحني والله مش قصدي انا مكنتش مستوعبة اللي بقوله سامحني …
– إبعدي عني !
ز*مجر فيها بقسو*ة وهو يثبتها لكي لا تقع ، سحقا انه حتى الآن يخاف عليها !!
رمقها بنفو*ر باد عليه و تابع خطواته و كلماتها البا*كية تلاحقه :
– ادم متسيبنيش لوحدي هنا انا بخا*ف !!
صفق باب الفيلا خلفه و غادر ف انها*رت يارا جالسة على الأرض تنازع بحر*قة :
– والله غصب عني !
يتبع…
لقراءة الفصل السابع والثلاثون : اضغط هنا
لقراءة جميع فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد