رواية غرورها جن جنوني الفصل التاسع عشر 19 بقلم ابتسام محمود
رواية غرورها جن جنوني الفصل التاسع عشر 19 بقلم ابتسام محمود
رواية غرورها جن جنوني البارت التاسع عشر
رواية غرورها جن جنوني الجزء التاسع عشر
رواية غرورها جن جنوني الحلقة التاسعة عشر
وصلت “كاميليا” إلى النادي، جلست على مقعد تراقب كل من دخل حتى وصلت من تبتغيها، نهضت تتقدم نحوها ثم أمسكت بها من ثيابها تسحبها كالمقبوض عليها، بصرتها “زينة” بضيق وهي تبعد يدها عنها قائلة:
– إزاي تسمحي لنفسك تمسكيني كده.
ضحكت بأعلى صوت ثم أخبرتها باستفزاز:
– لما تبصي وتخطفي حاجة ملك غيرك.
تلعثمت “زينة” وهي تقول بتوتر وارتباك:
– ت ت.. تقصدي إيه، لو سمحتي وضحي كلامك؟
لوحت لها بيدها ثم فتحت هاتفها على آخر تسجيل سجلته لـ”وجود” بعد أن قامت باجتزائه إلى مقطع واحد فقط هو ما تريد أن تسمعه لزينة:
– ومين زينة العيلة اللى هفكر فيها بعد العمر دا كله؟ ولا بحبها ولا عمري فكرت فيها من الأساس، أنا بكلمها علشان خاطر طنط فريدة.
ثم أغلقت هاتفها وذهبت من أمامها بعد أن رمتها بنظرة متشفية تاركة وراءها “زينة” بعينين موسعة ذهولًا، هاربة من وجهها الدماء كاللص الذي فر ولم نجد له أثرًا، ثم انتابتها نوبة هستيرية جعلتها تهز رأسه بنفي نافية ما سمعته، وبعد لحظات اقتربت منها “كارما” و”مستقبل” بضحكاتهما المرحة تقول لها “كارما” بمشاكسة:
– بت دوختينا عليكي، يلا إيدك على خماشر جنيه جبتلك غزل البنات علشان تسكري وتحلوي أكتر ما أنتي حلوة، وتفرسي المسهوكة. مالك يا بت خدي كُلي قبل ما وجود يوصل ويشوفك بتاكلي وتفضحينا؟
– سيبك منها تعالي نغزل أنا وأنتي.
قالها “مستقبل” وهو يجذبها بعيد عنها، فأردفت باستفهام:
– مالها البت دي؟
ما زالت تحرك رأسها غير مستوعبة.. هل هو يلعب بمشاعرها حتى يرضي أمها؟ أم هي تكذب عليها وليس هو من قال هذا الكلام؟
اقتربت “كارما” منها أكثر، بتعجب تقول:
– بتهزي رأسك كده ليه؟! أنتي ليه محسساني أني غاصبة عليكي البتاع دا أحيه عليا، مش أنتي اللي طلبتيه وبقالك ساعة بتتحايلي كمان.
– استني شكل فيه حاجة بجد.
قالها “مستقبل” بوجه جامد خالٍ من الفكاهة وكان يتمعن النظر بها، فأمسك شعرها الذي حاوط وجهها وجعله لم يظهر منه أي شيء، عندما أزاح بعض الخصلات الملتصقه بدموعها، فشاهد عبراتها تنهمر كالسيول بدون صوت، فحدثها بهدوء وتساؤل:
– حد من الشله ضايقك؟
لم تجِبه لكنها كما هي، فقال:
– طيب قابلتي وجود؟ يا بنتي اهدي وفهميني، أنتي شكلك بتستهبلي.
ثم نظر خلفها وقال:
– أهو وجود جه، تعالى شوف ال…
وقبل أن ينهي كلامه أمسكت ذراعه بقوة تبلغه بأنفاس متقطعة:
– مش عايزة أشوف حد، مش عايزة أشوف حد، مش عايزة أشوف حد.
وكان يقول “مستقبل” قبل أن تقع وتفقد الوعي:
– أهدي أهدي، والله بهزر معاكي هو مجاش أصلًا.
صرخت “كارما” بصدمة ثم حملها ووضعها على أريكة، ظل يحاول إفاقتها حتى فاقت تصرخ بتكرار آخر حديث والهلع والخوف والصدمة يظهرون بقوة بعينها المغيمة بالدموع، ووجهها الشاحب. ظلا يهدأنها بعد ما انصرف جميع من تجمعوا انتباهًا للموقف حتى يفهمون ما أصابها، فكانت عين الحمقاء بعيدًا تراقب رد فعلها بأكمله، ثم انصرفت نهائيًّا بعد ما أشبعت نزعة الحقد والتشفي بداخلها.
★★★★★
وصل “وجود” فيلاته، قال بصوت ضعيف:
– بابا بعد إذنك اديني فرصة أدافع بيها عن نفسي.
كان حال “مهيمن” لا يسر؛ ملامحه غاضبة، يشعر بالقرف، قال وهو جالس ينظر له:
– عارف لو كنت مستقبل والله ما كنت اتقهرت زي دلوقتي.
– مش كنت خلاص هتسيبها وتخطب زينة، ليه دمرت البنتين يا وجود، رد عليا يا ابني ليه كده..
قالتها “نايا” بخذلان وقهر في حين “مهيمن” يضرب يده بعرض الحائط محاولًا أن يستجمع هدوءه، لكن ثورانه لم يهدأ وكل ثانية تمر تجعله يفور أكثر من قبل، فأبلغه بصوت مزمجر حاد:
– ابني العاقل اللي كنت بفتكره صاحبي، يكلمني الصبح ويقولي هسيب الزفتة وهخطب زينة، أقوله ماشي وهنعمل خطة مع بعض ونخلي الزفتة هي اللي تسيبك، والمغرب يجيلي مكالمة إن الأستاذ والهانم دخلوا أوضة مع بعض، طبعًا ما صدقتش لكن المصيبة إني شوفتك بعيني، عايز بقى تفهمني إيه وأنا شايفك معاها وعلى سرير.
لم ينطق “وجود” مستعجبًا تلك الأيام؛ عندما امتلك السعادة ودق قلبه بنبضات الحب فاق على كابوس سيجعله حتمًا من التعساء. إحساسه بالذنب تجاه “زينة” التي لم يقدرها حق قدرها، ربما احتج القدر على زواجهما، كره اليوم الذي قابل فيه البلهاء ووجودها بحياته الذي أصبح واقعًا رغمًا عنه، أدرك الآن أن الألم هو القاعدة الأساسية، وما عداه هو الشذوذ. الآن الندم على ما فقده يهلكه داخل بئر لا نهاية له.. طأطأ رأسه لأسفل خجلًا من نفسه، كان هذا الإحساس يزيده بالشعور بالذنب، والضعف يدمره، لم يوضع بأي مشكلة من قبل ولم يعتد على وقوفه أمام أبيه وهو مذنب. حتى بالمشكلة الوحيدة الذي فعلها من أجل “كاميليا” وهم صغار، تحمل عقوبتها أخوه ولم يجعله يفتش السر لأبيه حتى لا يوضع معه في خانة الولد المهمل المشاغب، يريد أن يكون دائمًا في نظر والديه أفضل شخص، فهو توأمه ويحبه كثيرًا بدون مقابل، في النهاية ندم على أنه لم يكن مسيطرًا على مشاعره كما كان يفعل سابقًا.
كان “مهيمن” مصدومًا في ابنه الذي يثق به، وتزعزعت تلك الثقة بخذلان كبيرٍ غير متوقع، فأصبح الأمر بمنزلة متاهة مظلمة لا يعرف مخرجًا منها، الوضع يزداد سوءًا وأصبح محبطًا للغاية. ولكن الأصعب من ذلك، عندما رأى ابنه يطأطئ رأسه تجاه الأرض، طوال عمره رباهم على رفع رأسهم مهما يحدث، انفجر من داخله على من يقف ولا يدافع عن نفسه، الآن تبخر كل شيء وابنه يزني ويضع رأسه بالأرض وأمامه. أثار غضبه أكثر وتوجه إليه يضربه بقوة، بعدما أصابه بالخذلان الشديد أولًا والخيبة أخيرًا. وقفت “نايا” تبعد زوجها الغاضب عن ابنها، نالت بعض الصفعات واللكمات وكان “مهيمن” قد وصل للعميان لم يسمع ولم يشاهد، فقد أعصابه ولأول مرة. كان “وجود” يستقبل كل الهجمات بدون أن يتفادى أو يدافع عن نفسه، تتخبط داخله ذكريات بها ندم على ما اقترفه مع من أثارت بداخله شهوة وقتية فعاش معها وهم السعادة الكاذب، وبعضها ندم على من خسرها بعدما وجدها. يجوز لم يحالفه الحظ أن يكون خبيرًا في هذه الأمور، حتى يتعلم ويصبح متقد الإحساس والمشاعر مثل أخيه، ولم يكن مثله حتى الآن. يستقبل كل الضربات بدون أي مقاومة، أم ما زال إحساسه بالذنب يجعله خاضعًا لكل هذا، فهما عكس بعضهما في كل شيء إلا الشبه. أخيرًا، وصل “مستقبل” حتى يفهم من أخيه ماذا حصل لـ”زينة” لكن أذهله المنظر، توجه على الفور يسحب أخاه من بين مخالب أبيه بمشاعر هائجة وبداخله ثورة، ظلت “نايا” تصرخ وتدب قدميها بقهر، فقال “مستقبل” بعد أن أنقذ أخاه بعصبية:
– فوق دا ابنك مهما حصل، مش سجين سياسي تحت إيدك.
حدقه “مهيمن” لوهلة وكان سيخرج به غضبه هو الآخر، لكن “نايا” بصرخات قالت:
– اخرس أنت يا مستقبل وخد أخوك واطلع.
كانت تحاول جاهدة أن تبعد ابنها في هذه اللحظة عن زوجها المستحوذ عليه شيطانه، لم يستجِب “مستقبل” لها وظل يتحدث حتى يدافع عن توأمه، فاق “مهيمن” على صراخ زوجته وانصرف من الفيلا بأكملها وهو يتألم من الداخل ويدمع من صميم قلبه، يؤلمه تذكر الواقعة؛ فالوضع الذي وضعه ابنه فيه كالخنجر السام يقطع أحشاءه، تعجز الكلمات عن وصفه لكنّ دموعه تكشفه؛ لذلك قرر الهروب. هرولت “نايا” خلفه وهي تنادي، لم يبالِ لندائها، وقفت تشعر بالألم والحزن يملأ قلبها، والضعف يسيطر عليها، والقلق على حبيبها كالسهام تصوب عليها بمهارة، فلا أحد يشعر بمقدار ألمها في هذه اللحظة. عندما خرج بسيارته من الفيلا، سمحت الفرصة لـ”كاميليا” بالتسلل للداخل ولم يرها أحد، صعدت غرفة نايا الجالسة بالخارج تبكي بقهر، ودخلت في غضون خمس دقائق، وقبل أن تراها نايا التي عزمت الصعود، اختبات “كاميليا” خلف الستار الثقيل الطويل.
جلس وجود يبكي بندم بعدما صعد هو وأخوه إلى الحجرة، عانقه وهو يتألم مثله من تلك الدموع التي تتساقط واحدة تلو الأخرى، وكان صمته يجعله يتمزق ويريد هدم العالم بأكمله، حدثه بقهر:
– وجود أنت بتبكي، نسيت اللي اتربينا عليه، اتكلم قول اللي جواك، واجه خطأك؟
كانت دموعه هي مطافئ نار قلبه، أردف بحزن:
– أنا موجوع أووي، جوايا نار مش قادر أطفيها.. موتني لو بتحبني، موتني عايز ارتاح من تأنيب ضميري.
– استهدى بالله، مفيش حاجة تستاهل إنك تموت عليها، وأبوك ياما عمل فيا أكتر من كده بميت مرة.
ثم زاد بمزاح:
– أنت لسه جديد في الكار، أجمد كده يا شق أنت لسه شوفت حاجة، طب استنى بس عليه لما يرجع هيكلمك ولا كأن حاجة حصلت.
أجابه وهو ما زال على حالته الحزينة نفسها:
– مستقبل كل اللي عمله بابا مش مزعلني، ومن حقه يعمل أكتر من كده.
– الدموع والحزن، والقهر اللي أنت فيه أسلحة الضعاف، وأنت عمرك ما كنت مستسلم.
– أنا زنيت يا مستقبل، أنت فاهم دا معناه إيه.. لازم أموت مرجوم علشان ربنا يغفرلي، كنت سبته يموتني، أنا خايف أقابل ربنا. بص لو أنت بتحبني وخايف عليا ارحمني بالله عليك، مش هقدر اتحمل عذاب الله، بس هتحمل الرجم يلا يا مستقبل.
قالها “وجود” بخوف حقيقي من عقاب الله، كان يسمعه “مستقبل” بصدمة وذهول، لم يتوقع أخاه العاقل الذي يحذره دائمًا من الاقتراب منها هو من يقع فيها، أمسك رأسه محاولًا أن يستنتج شيئًا. انهيار “زينة” في الصباح، وهو يقول فعل الزنى، لكن لم يترك “زينة” وقتًا طويلًا حتى يحدث كل هذا، ممكن يعتبر التحرش زنى، لا أخوه كبير ومثقف ويقدر أن يفرق جيدًا، كان يحدث نفسه حتى نطق وقال بهدوء وعين دامعة:
– يا حبيبي أهدى، ربنا قال لازم يكون فيه أربع شهود، وما أظنش إن فيه شهود.
– لا فيه.
– مين.
– بابا.
– يا حبيبي اهدى، طالما مش قد العدد يبقى ربنا سترك، فأنت استر نفسك، واللي يستره الرب ما يفضحهوش العبد.
– أنا خايف أوي من ربنا.
أمسك “مستقبل” هاتفه باحثًا به عن أي فتوى:
– هبحث على مواقع إسلامية، علشان أطمنك.
نهض “وجود” ودخل المرحاض الخاص، يغسل وجهه المتسخ بالدماء، وخرج بدل ملابسه وهو يقول:
– لا أنا هروح لشيخ أكلمه ويكلمني عايز أطمن أكتر.
ثم توجه يبحث عن هاتفه، فقال “مستقبل” بتساؤل:
– أنت رايح فين؟
– رايح أشوف إيه اللي شقلب حالي وخلاني وصلت لكده.
– وأنا اللي كنت جاي أسألك مالها؟
قالها “مستقبل” بضيق، ضاقت عين وجود وقال باستغراب:
– تسألني عن مين؟
– عن الضحية، ليه منهارة.
– وأنت شوفت “كاميليا” فين؟
اندهش فور سماع أسمع “كاميليا” فأردف بارتباك عندما أدرك الأمر:
– لا ما شوفتهاش.
– أمال تقصد مين؟
– لا ما تاخدش في بالك، بخرف من أثر البوكس اللي أخدته بدالك.
– ما تنطق يا مستقبل.
قالها بثورة، وقبل أن ينطق أنجده صوت كسر شيء كبير، وفي هذه اللحظة كانت والدتهما تصعد السلم، فنظرت خلفها على مصدر الصوت لم تجد أحدًا. نزلت درجتين من السلم، لا تلاحظ أحد بالمكان إلا فازة كبيرة الحجم كانت توضع على منضدة قبل باب المنزل أصبحت متحطمة مثل قلوب من في المنزل، فنزل “وجود” و”مستقبل” بهلع، وأردف مستقبل بتساؤل:
– أنتي كويسة يا ماما؟
لم تعطِ ردًّا وتعلقت عينيها بمن ما زال ينزف وجهه وأنفه بالدماء، فصعدت مهرولة إليه تعانقه بحنان وتربت عليه، دمعها ينحدر حزنًا على ما آل إليه حالهم، وتقبض بكف يدها على كتفه تريد أن تدخله داخل ضلوعها حتى ترطب على جروحه الداخلية قبل الخارجية، بعد لحظة طلبت من “مستقبل” بصوت واهن ضعيف:
– روح هات شنطة أدوات الإسعافات بسرعة.
ذهب مستجيبًا لها، فأمسك “وجود” كف يدها تطلع بعينيها بندم، ثم رفع يده اليسرى وبداخله اشتعال لا مثيل له، مسح وجنتيها المحترقة بطرف أنامله الخشنة القوية التي على وجنتها بمنزلة كريم مرطب، قبل باطن يدها فكانت تضم شفتيها تكتم شهقتها التي تكاد تشق صدرها، أخيرًا انقطع الصمت وأخبرها بنبرة حزينة هامسة:
– والله يا أمي ما اعرفش إزاي حصل كده كأن عقلي اتشل، والله كنت مسلوب الإرادة، وكأن مغناطيس هو اللي كان بيتحكم فيا.
ربتت على كتفه وهي تبلع ريقها الجاف، ثم تشبثت بكفيها على وجنتي من كبر وأصبح رجلًا وسيمًا:
– أنت ابن بطني مهما تكبر، ومن أول ما أبص في عيونك هعرف الحقيقة.
– طب طمنيني.. عرفتي إيه يا أمي، خلي ضميري يرتاح.
قالها وهو يضع رأسه على صدرها الحنون، لفت ذراعها حوله وأسندت رأسها عليه ونطقت بثقة:
– ولا أنت ولا أخوك، تعملوا كده.
ثم وجهت عينيها على من جلب لها حقيبة الإسعافات الأولية، وقالت ممازحة:
– آه الواد التافه دا غلباوي وبتاع بنات بس أنا واثقة عمره ما يفكر حتى التفكير إنه يلمس بنت، طبعًا الكلام ما يعمش على البت الغلبانة كاري المفحوتة.
قالت آخر جملة حتى تخفف من أجواء المكان، فرد عليها “مستقبل” بمشاكسة:
– دايمًا ظلماني.
– اتنيل، بأمارة قلم الروج اللي أمها بتحطهولها كل ما تقابلك.
رفع “وجود” رأسه من على صدر أمه مسح وجهه وهو يحدق بأخيه الذي يعلم كل ما يريده، ولم يأتِ على نفسه حتى يرضي من حوله، فقال “مستقبل” بصدمة وإحراج:
– إيه دا! هي ما كانتش بتحطهولها علشان تملى عيني وابطل بص على البنات وكده.
– لا وأنت الصادق علشان تقفشها لو اتمسح.
قالتها وهي تعوج شفتها يسارًا ويمينًا، أجابها وهو يجلس ويمسح شعره:
– شوف إزاي، وأنا اللي كنت فاكر.
ابتسم “وجود” برغم حزنه، ثم قبل يد أمه ونهض بتعب جسدي يبحث عن رقم “كاميليا” بهاتفه بعين حمراء، ثم قام بالضغط على سهم الاتصال، فأتاه صوتها الناعس الممحون:
– وحشتني يا…
وقبل أن تكمل كلامها أردف بحدة:
– أنتي فين؟
– مش قادر خلاص تستغنى عني؟
قالتها بعد ما أطلقت ضحكتها البلهاء، فكرر سؤاله بحدة، أجابته بميوعة:
– طيب قولي أنت ليه بتسأل، بلاش أخمن أنا.
تنهد بحرارة وهو يسألها متمنيًا إجابة تريح باله:
– عايز أعرف الحقيقة.
– حقيقة إيه يا بيبي! على العموم أنا على السرير جسمي مكسر، ومش قادرة أقف على رجلي.
– عايز أقابلك.
قالها بلهجة أمر، فأردفت والفرحة ترقص داخلها، لكن ظنت لهفته هذه المرة خطأ، فأخبرته بدلع:
– بيبي بقولك على السرير، شكلك بقت مجرم.
– كاميلياااا.
أبلغها بها بصوت عالٍ مستشاط، أجابته بلامبالاة:
– طبعًا مش هينفع، وباي باي الموب هيفصل.
بعد أن أنهت آخر حروفها أغلقت الهاتف نهائيًّا، ووضعته داخل جيب بنطالها من الخلف، ثم وضعت يدها على صدرها تستنشق من الأكسجين بسعادة، ثم أولت ظهرها تخبر الرجل الذي يقف أمامها وهي تلوح بيدها بأوراق:
– الورق أهو، انجز وريني فلوسك علشان نخلص.
– تؤ تؤ تؤ القطة بقت بتخربش.
قالها رجل في عقده الرابع، يحمل سيجارة داخل فمه ويضع على عينه اليسرى غطاء كالقرصان، فنحرته بقوة:
– انجز الفلوس.
– فلوس إيه يا حلوة؟ مش اتفاقنا نشوف عملية زرع جنين هتكلف كام؟ وبعد كده نقرر هيبقى ليكي كام.
ازدردت لعابها وهي ترجع للخلف بالورق:
– طب أي حاجة تحت الحساب، ما عرضتش نفسي للخطر وفي الآخر اطلع…
– هتطلعي ببيبي وتلبسي البيه فيه…
عض شفته بجراءة وأكمل وهو يبلع لعابه المتعطش من جمالها:
– عايزة إيه أكتر من كده، واوعي تنسي حساب المنشط اللي جاب من الآخر وخلى السبع يندلق، اللي لولاه ما كانش اتحرك.. حتى لو كنتي قلبتي هند رستم.
قالها وهو يتفحصها بوقاحة، ثم ألقى السيجار الذي كانت تستقر في فمه، وسحب الورق من بين يدها بعين حادة، فقالت بصوت مرتعب وهي تتصنع الجمود:
– خليك فاكر إن لو ضعت مش هضيع لوحدي، وخلاص مش باقية على حاجة، وبرقع الحيا دفنته بإيدي.
صفق عدة مرات، بعدما وضع الورق تحت ذراعه يبلغها باستهزاء:
– حلو التهديد، لا ورعبني برافو.
ثم تركها وصعد سيارته، وهو يشير لها بإصبعيه الوسطى والسبابة، وينصرف من المكان الذي أصبح مغبرًا بالرمال المحيطة من سرعة تحرك السيارة، صعدت سيارتها وهي تسعل من كثرة الغبار، تفتح هاتفها، وجدت الذي كان يتصل بها مرة واحدة فقط ولم يعاود الكرة مهما كان سبب اتصاله، يتصل بها الآن بدل المرة ألف، سحبت سيجارة وأشعلتها وهي تعلي صوت الأغاني، وظلت تنفخ الدخان وهي تطالع رناته وتغني مع الأغنية المخصصه له.
★★★★★
أصبح “وجود” مثل الوحش المفترس يريد تحطيم المنزل بأكمله حتى يفهم ما حدث له، صبره أخاه وأخذ المحمول من يده وقال له:
– الصباح رباح.
– اسمع كلام أخوك، وكل بداية ليها نهاية.
قالتها “نايا” بتعب، أومأ برأسه وانصرف يهدأ من نفسه، مال “مستقبل” على أمه يوقفها وأوصلها غرفتها، أمسكت يده بقوة تبلغه بترجٍ:
– أخوك عينك عليه.
– ما تقلقيش عليه.
ربتت عليه ثم دلفت بخطوات بطيئة غرفتها وأغلقت خلفها الباب، لكن فور وقوع عينها على مكتبها
لم تجد ورق اختراعها الذي نسيته دون أن تخفيه عن الأعين كعادتها.. عندما أتى “مهيمن” هائجًا، وضعت يدها على شفتيها تكتم صراخها حتى لا تزيدهم همومًا، فضلت الصمت في هذا الوقت؛ لأن ابنها أغلى من أي شيء.
★★★★★
دخل “مستقبل” لغرفته، اتصل بأبيه يطمئن عليه، فتح “مهيمن” الخط ولم يرد منتظرًا يبلغه ما يريده، فكان يود الاطمئنان على ابنه الذي خاب فيه ظنه، فأتاه صوت هامس مترجٍ:
– بابا طمني عليك، بالله عليك رد عليا، “وجود” هيموت…
قاطعه “مهيمن” بلهفة واستفسار:
– ماله وجود يا مستقبل؟
– لا أقصد هيموت من الزعل وتأنيب ضميره بسبب اللي حصل، دا نفسه يموت مرجوم من خوفه من عذاب ربنا، فبالله عليك ما يبقاش أنت وضميره عليه.
– أنت يا مستقبل اللي بتقول كده، أنا ما اقدرش على وجع قلب حد فيكم.. اقفل يا مستقبل ههدى شوية وهجيله.
أغلق الهاتف ونظر للسماء يدعي الله يغفر له، وأن ينتهي الموضوع على خير بدون افتضاح وتسوء سمعة ابنه، ثم قام يمشي حتى وصل إلى مسجد فبعدما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود صدح الأذان بمساجد عروس البحر الأبيض المتوسط، دخل أدى فرضه واقترب للشيخ العجوز الودود يتحدث معه.
★★★★★
في أثناء دخول “مهيمن” المسجد، استيقظت “توتا” نظرت بجوارها كالعاده لم تجد “حازم”، هذه المرة لعبت الظنون بعقلها، قامت تبحث عنه، لم تجده بالبيت بأكمله، دخلت شرفتها ووقفت بها، رأته يدخل يتلفت حول نفسه ثم دخل المنزل، خرجت من الشرفة ووقفت أول الدرج فرأته بعد أن عدل هندامه، توجه على برواز بالحائط أزاله ووضع مالًا داخل الخزنة، ثم أعاد كل شيء بمكانه وبدل ملابسه وعندما لمح “توتا” جلس على “البيانو” وادعى أنه يعزف عليه، فنزلت بخطوات مهرولة وهي تدعي عدم معرفتها بأنه كان بالخارج، وأردفت بصوت ناعس:
– أنت كنت فين؟
– أنا هنا من بدري.
أجابها بابتسامة تحمل البرود، فقالت بحزم:
– والناس على الفجر تصلي ولا تعزف يا.. دكتور.
قالت آخر كلمة بتريقة، ثم تركته وهي يقتلها فضولها حتى تعرف الحقيقة، وسبب اختفائه كل ليلة، بالتأكيد أن يكون خارج البيت مثل هذا اليوم.
صعد خلفها يخبرها:
– وليه ما تقوليش إني صليت الفجر حاضر في الجامع، أنا عارف إن العزف حرام بس بحاول أرفِّه بيه عن نفسي شوية وعلى قد ما بقدر ببعده عني.
– هو أنا سألتك لكل الإجابة العريضة دي؟
قالتها عندما هدأ فضولها قليلًا، وكادت أن تبتسم لكن لم تقوَ على تلجيم لسانها المتعجرف، لم يرد عليها واكتفى بفرد جسده، الذي يشعر أنه محطم حقًّا، أما هي استمر عقلها يتجول بين العديد من الأسئلة، هل كان بالتأكيد كل هذا الوقت بالأسفل وذهب للصلاة وأتى بعدها على الفور، كيف وهو أنكر بالبداية أنه ترك المنزل وأكد وجوده في البيت، فقالت لنفسها:
– يمكن نسي وافتكر وهو بيكلمني، ثم تذكرت المال الذي حضر به ووضعه داخل الخزينة التي تستقر خلف الصورة المعلقة بالحائط، وضعت يدها اليسرى على خصرها وهي تقول بداخها:
– لا لا لا، الموضوع شكله كبير وأنا وراك يا حازم.
أخيرًا تركت كل الأفكار للأيام وهي تنسج لها خيوط الأدلة والبراهين، التي تجعلها تصل بها إلى نهاية الخيط ومعرفة الحقيقة.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية غرورها جن جنوني)