روايات

رواية مقامر المحبة الفصل الرابع 4 بقلم روزان مصطفى

رواية مقامر المحبة الفصل الرابع 4 بقلم روزان مصطفى

رواية مقامر المحبة البارت الرابع

رواية مقامر المحبة الجزء الرابع

رواية مقامر المحبة الحلقة الرابعة

♠ المُقامرة الرابعة ♠
_ السيدة المُقدسة
المكان: مشفى المنطِقة ٩٠
قرأ غالي الإسم المنقوش حروفه على القِلادة، لقد كانت قِلادة فضية مُغلفة بـِ غُلاف بلاسيتكِ، وهو الذي ظنها قِلادة بلاستيكية كـ تِلك الخاصة بـِ الجُثث
إنتبه غالي أنه يحتضنها! حتى يستطيع القِراءة بـِ شكلًِا جيد
فـ قام بـِ فك القِلادة مِن حول عُنقِها ووضعها في چيب بِنطالُه
ثُم بـِ هدوء وضع يده خلف رأسها وأسند جسدها مُجددًا على الفِراش
تأمل ملامحها الهادِئة بـِ تركيز شديد، وعقله يُردِد الإسم والتاريخ ” فيان ١٩٩٩”
• داخِل شقة چيهان
بدأت في التنظيف وفتح النوافِذ ثُم قامت بـِ كنس الأرضية وهي تقول: يا سِت هانِم ياللي عمالة تترقصي
كادي وهي تتراقص على الأغاني المُنبعِثة مِن مذياع قهوة المنطقة ٩٠: نعم
چيهان بـِ غضب: نعم الله عليكِ! تعالي ساعديني

 

خرجت كادي من الغُرفة وهي تتمايل وتقول: أساعدِك في إيه يا ماما ما الشقة نظيفة ومفروشة أهي!
چيهان بـِ هدوء: شوفتِ شقِة طنطك روفيدة نظيفة وبتلمع إزاي؟ عاوزين نوريها إننا نُظاف زيها.
توقفت كادي عن التمايُل عِندما حدثتها والدتها عن زوجة عمها الراحل وقالت: ماما هو إياس دا عندُه كام سنة؟
نظرت لها والِدتها بـِ نصف عين وقالت: على حسب معلوماتي هو مواليد ١٩٩٦ يعني عندُه دلوقتِ ٢٧ سنة، ومتقوليش إياس دا إسمُه عمو إياس
شعرت كادي بـِ خيبة الأمل وقالت: عمو؟
چيهان والِدتها: أيوة طبعًا عمو دا أكبر مِنك بـ ١١ سنة، يلا عشان نظبط حاجتنا في الدولاب، والله يا كادي لو لقيتك قالعة هدومك ورمياها على الأرض، الخِصلة الزِفت بتاعتِك دي لا هديكِ علقة تحلفي بيها
كادي وهي شارِدة: حاضر.
• داخِل معرض السيارات
كان إياس يُنجِز بعض مِن أعمالُه، وفي حالِة إنشغال شديد، إقتحم المعرض بـِ طرق لطيف على الباب الزُجاجي شاب طويل القامة، ذو بشرة سمراء وقال بـِ تهذيب: إياس باشا
رفع إياس رأسه ونظر للـِ شاب الذي يتحدث ثُم إبتسم تهذُبًا وقال: أهلًا يا محمود، إيه قصِة الشعر الجامدة دي

 

رد محمود قائِلًا: دا أنا خلصت عند الحلاق وقولت أجي ألحقك، هيكون شرف ليا لو حضرت فرحي إنهاردة الساعة ٨ بـِ الليل
ضيق إياس عينيه وهو ينظُر للأوراق الخاصة بـِ السيارات ومواصفاتها أمامُه ثُم ظهرت إبتسامة على ثُغره وقال: هنجيلك أنا ومهد وغالي، مبروك مُقدمًا يا حبيبي
خرج محمود مِن المعرض وهو يُهلِل بـِ سعادة: شباب الخُن هيحضروا فرحي يا أهل المنطِقة، هيحضروووه
ضحك إياس بـِ خِفة وأكمل عملُه في صمت وإنشغال
حتى رن هاتفُه!
نظر للرقم، كان مُن مُستأجِر السيارة الذي دفع مبلغ لـ إياس باهِظ الثمن حتى يستأجِرها
رد إياس قائِلًا: إياس خطاب، إتفضل
مِن الجِهة الأخرى وصله صوت رجُل مُعدم الصِحة، يسعل ويتنفس بـِ صعوبة.. رد قائِلًا: أنا اللي إستأجرت مِنك العربية ____ من يومين، عاوز أرجعهالك إنهاردة بالليل.
إياس بـِ إستغراب: بس إنت مأجرها لـِ أربع أيام، عاوز ترجعها بدري كِدا ليه؟ إوعى يكون حصل فيها ولو خدش صغير إنت ماضي على ورق!
الرجُل بـِ ذات الصوت المُتعب: لا لا، صدقني مفيهاش أي خدش ولما تجيلك هتتأكِد بـِ نفسك، هبعتهالك بالليل لإنِ تعبان مِش هقدر أجي بـِ نفسي

 

إياس بـِ جدية: لا ألف سلامة، خلاص هستنى..
ثُم أغلق الهاتف وعاد للـِ عمل مرة أخرى، حل الغروب على المنطقة وعقل إياس ما بين العمل وبين الجُملة المكتوبة على حائِط غبريال، كان ينظُر بعينُه من حين لأخر خارج معرضُه، حتى فوجيء بـِ مهد يقتحم المعرض وهو يجلس على المِقعد أمامُه ويلتقِط أنفاسُه، كان يرتدي قميص كُحلي اللون وبنطال أسود، ويلف حول عُنقه وشاح أسود..
إلتقط أنفاسُه ثُم نظر لإياس قائِلًا: الشُغل كان كتير أوي
إنهاردة.. والمنطقة ٩٠ برد أوي أنا مش فاهم إيه البرودة دي.
قام إياس بحذف القلم فوق الأوراق وهو يفرُك عينيه ويقول: فِعلًا ضغط وإرهاق، وحاسس بدوخة عشان مأكلتش عاوز أطلع أشوف روفيدة عملتلي أكل إيه
تثائب مهد وهو يقول: لا متعتمدش على أكل البيت إنهاردة في فرح لازم نحضرُه.
تنهد إياس بتعب وقال: نسيت أخفف دقني وزمان مُنصِف حلاق المنطقة قفل، هخففها فوق بالشـ|فرة
في ذات التوقيت دخل غالي المعرض وهو يجلس على المقعد المُقابل لـِ مهد ويقول بهدوء: مساء الخير
إياس بإستغراب: خلصت بدري إنهاردة..
غالي وهو يستنِد برأسُه للخلف: مكانش في شُغل كتير هو بس تأكيد على حالة وخلاص هي في البنج يعني مش هتصحى غير الصُبح، وبعدين أنا جعان
مهد بنفاذ صبر: ما قولنا هناكُل في الفرح..
عقد غالي حاجبيه وقال: إيه دا فرح إيه؟

 

إبتسم إياس بخِفة وقال: أصلًا متعرفش؟ فرح واحد من سُكان المنطقة ٩٠، وجه عندي المعرض وعزمنا وأعلن بنفسُه إننا هنحضر الفرح
غالي بإرهاق: مش قادر عاوز أطلع أكُل حاجة وأريح ظهري، لكن طالما إنتوا رايحين هروح.
أخرج مهد سيجار من چيب بِنطالُه وجاء ليُشعله، أوقفُه
إياس قائِلًا: إنت يابني مفيش عند اللي خلفوك د|م؟ مش شايفني بـستعمل الڤايب عشان أبطلها جاي تشربها قُدامي؟
أعاد مهد السيجار للعُلبة المُخصصة له ثُم وضعها في چيب بنطاله قائِلًا: مِش واكِل معايا حوار إنك مبطلها وعاوز تبطلها دي، وحياة أمي كُلها إسبوع وهترجع تشربها تاني
إياس غمز بعينيه بإيماءة ” لا ” ثُم قال: بيتهيألك، أنا بعرف أتحكِم في نفسي كويس أوي
ضحك غالي وهو ينغُز مهد في قدمه ويقول: زي حوار الشطة والفلفل، ياكُلها مِن هنا ويوقع من طوله مِن هنا
ضحك مهد وتبعتُه ضحكات غالي فـ قال إياس وهو يسحب أغراضُه من فوق الطاولة: يلا يلا بلاش رغي خلينا نظبط نفسنا للفرح، أنا هقفل المعرض كروكي كِدا عشان في زبون هيرجعلي العربية إنهاردة
مهد وهو يتثائب: يا عم ما كُنت فهمُه يرجعهالك في أي يوم تاني الدُنيا مش هتطير.
إياس وهو يخرُج برفقتهُم: أهو دا اللي مخليني شاكك في الواد دا، بُص بيقولي إيه أصل أنا تعبان فـ عاوز أرجعهالك، قولتله لو فيها خدش هظبُطك قالي لا متقلقش، بس عارف اللي هو برضو الحوار مش مريحني

 

غالي كان شاردًا بينما رد مهد وقال: غريب فعلًا، بس خلاص هو اللي خسران إيجار الأيام الباقية عليه خليه يغور
وضع إياس يديه في چيب بنطاله وقال: لا يا عم إنت تعرف عني كِدا؟ هرجعلُه فلوسه بس أشوف خِلقتُه
نظر غالي بوجه مشدوهه أمامه وقال: بصوا مكتوب إيه على الحيطة!!
نظر إياس والهواء يُداعِب خُصلات شعرُه وقرأ ما كُتِب مرة أخرى على الجِدار
” المنطِقة ٩٠ تتهيأ لأمرًِا جلِل! ”
إزدرد مهد لُعابُه بصدمة وقال: يعني إيه؟؟
• داخِل مشفى المنطِقة ٩٠
إستيقظت فيان وحبات عرق خفيفة تنزلق على جبهتها، كانت الغُرفة مُظلمة لكن بها ضوء خفيف باهت مِن النافِذة الزُجاجية المُغلقة، وبعض الأجهزة الطبية
أبعدت فيان عن قدميها الغِطاء وهي تضع قدميها العاريتين على أرضية الغُرفة الباردة..
عظام القدم بارزة، خُصلات الشعر مُبتلة مِن العرق رغم أن الغُرفة مُكيفة
لكن حلقها چاف وأنفاسها ساخِنة، وصدرها يعلو ويهبط كـ من كانت تُطارد في حُلمها مِن شخصًِا ما
بدأت في فحص الغُرفة سريعًا لعينيها حتى إقتربت بجسدها مِن النافذة الزُجاجية وهي تنظُر للخارج، مدت أصابع يدها الضئيلة لعُنقها حتى تتلمس القِِلادة، إتسعت عيناها رُعبًا حينما لم تجدها..

 

بدأت تدور في الغُرفة وهي تُلقِ أغطية الفِراش أرضًا وحتى الوسادات بحثًا عن القِلادة
وضعت كِلتا يديها بين خُصلات شعرها وهي تصرُخ بأنين مكتوم غاضِب كـ الحمـ|يم
إقتحمت الغُرفة المُمرضة عِندما شعرت بإزعاج بينما كانت تمُر، وجدت فيان تقِف في مُنتصف الغُرفة وتبدو كأنها فاقِدة لِعقلها
عادت المُمرضة خطوة للخلف لتهجُم عليها فيان وهي تكتُم أنفاسها وتقول بهسـ|تيريا: فين السلسلة بتاعتي؟؟ همـ|وتك لو مقولتيش!
المُمرضة بإختـ|ناق: إلـ.. إلحقونييي
صفعتها فيان في الحائِط وهي تقول: السلسلة بتاعتي فييين، هاتيهاالي
فقدت عقلها مُجددًا مِن صُراخها، وكأن أحدهُم إقتلع عين من عينيها.. جائت المزيد من المُمرضات والمُمرضين ليحقنوها مرة أخرى وتقع بين أيديهم فاقِدة للوعي..
• داخِل شقة چيهان
جلست وهي تُقدم الماء للسيدة روفيدة وتقول: أفراح إيه بقى دا إحنا ورانا حجات كتير تتظبط، سامحيني على تقصيري في ضيافتِك بس لسه مجبتش حجات للبيت.
روفيدة وهي ترتشف الماء: وجعلنا مِن الماء كُل شيئًِا حي، وبعدين أنا مش جاية أتضايف، أنا عوزاكُم تتعرفوا على سُكان المنطقة وتشوفوا أفراحنا حلوة وراقية إزاي
خرجت كادي مِن غُرفتها وهي تقول: عشان خاطري يا ماما
چيهان بإرهاق: إتهد حيلي إنهاردة والله ما قادرة.

 

روفيدة بهدوء: دي من قوانين المنطِقة، الشخص اللي مبيشارِكش في أي واجِب سواء عزاء أو فرح بيعتبروه بيكرههُم، وبعدين دا هيكون في موسيقى وبوفيه وجو لطيف، حتى عشان البنوتة تغير جو
نظرت چيهان لكادي وجدتها تترجاها بـِ صمت، تنهدت چيهان وقالت: أمري لله، بس هنلبس عادي
لوت كادي شفتيها فـ ضحكت روفيدة بـِ خفة وقالت: لا اللبس إلبسوا زي ما تحبوا، عندكُم على الأقل ميك أب؟
كتفت كادي ذراعيها وقالت: أنا عندي شنطِة ميك أب بس ماما منعاني أستخدمها
چيهان بحزم: عشان إنتِ لِسة صغيرة.
روفيدة بهدوء: خلاص شوفي يا كادي، مُمكِن تُحطي روچ بس
نظرت كادي لوالدتها فـ أومأت چيهان إيجابًا، على إثره ركضت كادي لـِ غُرفتها بعد ما قامت في وضع أغراضها في الغُرفة وبدأت في فتح خِزانتها وهي تقول: مممم، هلبِس دا.
ثُم أخرجت الملابِس ووضعتها على الفِراش حتى تتجهز.
• في غُرفة إياس
كان هو في الحمام الخاص به في غُرفتُه يُخفِف مِن ذقنُه، بينما مهد يتفحص خِزانتُه ويقول: الچاكيت الجراي اللي كُنت سايبُه عندك فين يا إياس
إياس: في المغسلة..
غالي وهو يضع مِن العِطر الخاص بِه: لازم نقعُد في المعرض نراجِع الكاميرات بعد الفرح، عشان نشوف مين اللي كتب على الحيطة كِدا

 

مهد بسُخرية: عفريت غبريال هههه
نظر إياس للمرآة وهو يتذكر ذِكرى ما قديمة، جرح وجهه جرح بسيط فـ أفاق عليه وهو يفتح صنبور المياه
غالي بقلق: عورت نفسك ولا إيه؟
إياس بضيق: لا، إنجزوا خلينا نِخلص!
أغلق مهد الخِزانة وهو يقول: يلا ياعم إحنا جاهزين
غالي: طبعًا يا مهد إنت مستعجُل عشان تشوف بنتك.
ثُم ضحك فـ نظر له مهد بجدية وقال: مفيش هزار في الموضوع دا! وقايلكُم كِدا كذا مرة
خرج إياس مِن الحمام وهو يُجفف وجهُه ويقول: الحُب مش عيب ولا حرام، بس تكون قُريبة مِن سِنك مش أكبر منها بـ١١ سنة
مهد بـ هوس: أنا هستناها، لغاية ما تتم السِن القانوني، لإني أكتر مِن كدا مش هقدر أتحمِل، وبعدين هتقدملها.. وهعملها فرح أجمد من أي فرح إتعمل في المنطِقة ٩٠، بل في مصر كُلها
إياس وهو يرتدي قميصُه: أحلامك عمالة تِوسع، هخلص لبس وننزل..
أنهى إياس إرتداء ملابسُه، ثُم رافق ” شباب الخُن” للخارج..
• داخِل القاعة
قاعة المنطِقة ٩٠ لـِ حفلات الزِفاف هي قاعة مفتوحة وليست مُغلقة، تطُل على البحر الخاص بالمنطِقة، حوافها مُزينة بزهور الياسمين، والنسمات البارِدة تُنعِش القلب

 

فتحت كادي ذراعيها للهواء وهي تسير بجانب والدتها وزوجة عمها
قالت چيهان وهي تُدلِك ذراعيها: لو أعرف إن قاعِة الفرح في مكان مفتوح كُنت جِبت شال ولا چاكيت عشان السِت هانِم متبردش
كادي وهي تدور حول ذاتها مُغلِقة عينيها: مش بردانة، أنا مُستمتعة جِدًا، جِدًا
بينما هي تدور وجدت جسدها يصطدم بجسد عريض، فتحت عينيها لتصطدم بأعيُن إياس المُقتضِبة
شردت بِه كـ عادتها.. جاء هو لينطُق لكِن لفت إنتباهُه أحمر الشِفاة الخاص بِها، وظل مُعلِقًا نظرُه عليه لإنه يعشق الأحمر القاتِم على الشِفاة، دون أن يهتم أي أنثى تحديدًا تضعهُ، أما كادي فـ قلبها كـ طبول بلدية لا ينفك عن الدق ولا تعلم لِماذا، وكانت ترمُش بعينيها عِدة مرات مِن الخجل، أثار رمش عينيها إنتباهُه فـ أفاق مِن شروده وقال وهو يربُت على كتفها: إنتِ صغيرة على الجو البرد دا، روحي إلبسي چاكيت ولا حاجة عشان متبرديش حبيبتي.
حبيبتي! قالها إياس بنبرة الجار الذي صادف إبنة صديقه الطفلة تلعب أمام الشقة، وبنبرة النادِل في المطعم الذي يسأل الطفلة الصغيرة ماذا تُريد أن تتناول، أما كادي فـ سمِعتها بطريقة أخرى، وظلت واقِفة حتى بعد ذهابُه مِن أمامها.. شيئًا ما يحدُث معها، لكنها لا تعلم ماهيتُه
والِدتها چيهان: بنت يا كادي!
أفاقت كادي بذُعر على صوت والِدتها وقالت: أيوة! جاية أهو

 

تبعت والدتها زوجت عمها وجلست معهُم على طاولة قريبة من البحر، كان كادي قلبها لازال ينبُض وجسدها بِه رعشة خفيفة، وعِطر إياس القوي الذي إصطدم بأنفها لازال عالِق في رئتيها
الفتى المسؤول عن تنسيق الموسيقى قال في مُكبِر الصوت: أجمل تحية لشباب الخُن اللي نورونا بحضورهم وإياس باشا.
تسلطت الأضواء عليهُم فـ إبتسم إياس إبتسامة رسمية، وجلس مهد وغالي على يمينه ويسارِه..
يعلم الحاضرين أن الطعام ُقدم في حفل الزِفاف من أموال إياس، غير النقود الذي سيضعها في صندوق هدية الزفاف التي هي بالتأكيد مبلغ باهِظ كـ عادتُه
نظرت روفيدة لإبنها بإفتخار، وكادي ظلت شارِدة بِه حتى لاحظ هو شرودها ذلِك، فـ حرك أنفُه بطريقة سريعة فـ أفاقت ونظرت أمامها بإحراج
بدأ حفل الزِفاف ومهد عيناهُ تتوزع على الحاضرين بحثًا عنها، حتى أراحت شروده ودخلت القاعة بِـ رِفقة والِدتها الكفيفة وخالتها التي ترعى والِدتها.. كانت ترتدي ثوب بسيط لكنه زاد مِن جمالها حتى عِندما رأها مهد تبسم براحة
” يشرُق وجهِ بـِ حضورك، كـ منزل قديم تسللت أشعة الشمس له، لتنبُض بِه الحياة ”
لكِن الفتاة لم تنتبه له إذ كانت شارِدة حزينة إثر التعليمات الصارِمة التي تلقتها من والدتها ألا تتحرك من جانبها، وألا تتحدث مع أحد، وحتى الطعام لا تقوم لإحضارُه
جلسوا على طاولة جانبية، وعدلت الفتاة مِن وضعية الضال على ذراعيها ناصعين البياض، المُمتلئين رغم جسدها الضعيف
كانت تنظُر للجميع حتى وقعت عيناها على مهد الهائِم بِها

 

فتحت شفتيها صدمة فـ نظر لها بترقُب لإنفعالاتها
وقال وهو يضع يده على قلبُه: شافتني! بتبُصلي
إياس بملل: اللهي أنت تعلم كيف حالي بجد
غالي وهو يتأمل القِلادة أسفل الطاولة بين يديه مُحاولًا عدم لفت الأنظار
حتى جاء ميعاد الطعام، قام الجميع في طابور مُنتظم ودون إزعاج، يتحدثون بهدوء وهُم يضعون طعامهُم في الصحون، قاموا جميعهُم عدا طاولة إياس، وطاولة الفتاة التي يُحبُها مهد.. كانت تنظُر لأطباق الكعام في أياديهم بنهم ورغبة، شعر مهد أنها لن تقوم لتحظى بصحن فـ قام هو وهندم ملابسُه ثُم سحب صحن طعام وبدأ في وضع الطعام بِه مِن كُل صنف بطريقة مُنظمة، سحب زُجاجة مياه وهو يُشير للفتاة بعينيه
نظرت لوالدتها وجدتها تتحدث مع خالتها، فـ قامت بهدوء وسارت تجاهُه
مد يده لها بالطعام وقال: إقعُدي كُلي، قومت عشانك مع إني مبقومش لنفسي
نظرت للأرض بإحراج وقالت: مش جعانة
مهد وهو ينظُر لها: بس أنا جعان، واللي هيشبعني مِش الأكل
رفعت نظرها ونظرت له فـ إبتسم بحُب وقال: عشان خاطري، خلصي طبقك كُله.. يلا
وضع الصحن على الطاولة وزُجاجة المياة وجلست الفتاة بحماس
نظرت لها خالتها بحزم وقالت بغضب : برضو قومتِ جبتِ أكل؟ إنتِ إيه غبية مبتفهميش الكلام؟؟

 

مهد بحزم لخالتها: وطي صوتك! أنا اللي جيبت ليها الأكل بنفسي ولازم كُل سكان المنطقة ياكلوا في أي فرح يتعمل، دي من قوانين المنطقة ٩٠ ومينفعش حد يخالفها، يعني إنتِ وأختك بالنسبة ليا مُخالفين.. أنا بحذرِك!
خالة الفتاة: هـ.. هقوم أجيب طبق ليا ولأختي
شعرت الفتاة بالسعادة وهي تأكُل وتنظُر له فـ غمز لها بعينيه حتى يجعلها تطمئِن، وبالفِعل نجح.
بينما كان إياس جالِسًا يتناول طعامُه برِفقة مهد وغالي، رن هاتفُه فـ رد قائِلًا: إياس خطاب معاك، إتفضل
المُتصِل بصوت يحتضِر: إنت فين! أنامش قولتلك هفوت عليك العربية بالليل؟ معرضك مقفول ليه؟
توقف إياس عن مضغ الطعام وقال بصرامة: متكلمنيش بلهجة أمر بس عشان ماخُدش الموضوع شخصي وأزعلك، إنت مش خطيبتي أقولك أنا في أنهِ خرارة..
المُتصِل تغيرت نبرتُه للرجاء: أرجوك، أرجوك إستناني عشان أفوت عليك عربيتك ويطمئِن قلبي إني سلمتك الأمانة
شعر إياس أن الرجُل مُتعب بِشدة وخائِف أن تظل السيارة في عاتِقهُ فـ قال: هفتح المعرض دلوقتي وهستناك فيه، متتأخرش.
قام إياس وقاموا معه غالي ومهد دون سؤاله إلى أين سيذهب، ودعوا العريس وأهدوه المال وغادروا، فتح إياس المعرض وصوت الكِلاب في الشارع يقطع السكون لإن جميع سُكان المِنطِقة بِلا إستثناء في الزِفاف
دخلوا المعرض وجلس إياس خلف مكتبُه وهو يخلع سُترتُه ويضعها على كُرسيه، فتح أول زِرين مِن قميصُه وهو يتنهد بضيق
مهد بضيق: يعني إيه اللي إنت قولته بعد ما خرجنا من الفرح دا؟ ماله مستعجل ليه بروح أمه على المسا!!
إياس عقد حاجبيه وقال: الراجل شكلُه تعبان بجد، أنا قفشت عليه في الأول، بس بعد كِدا حسيت إنُه خايف يحصلُه حاجة قبل ما يرجعلي العربية فـ قدرتُه وإحترمتُه

 

غالي بإقتراح: طب لحد ما يجيبلك العربية وطالما كِدا كِدا جينا المعرض، تعالى نراجِع الكاميرات عشان نشوف حكاية الحيطة بتاعِة غبريال
تجهم وجه إياس عِندما ذُكِر ذلِك اللعين، لكنه قام بفتح الشاشات بهدوء وهو يتحكم بفيديو المُراقبة عن طريق اللابتوب الخاص بُه
كانوا مُركزين إنتباهُهم على الشاشات، إستمع إياس لصوت سيارة فـ وجد السيارة المعهودة التي ينتظرها تقتحم المعرض بِبُطء، حتى توقفت في مُنتصف المعرض وسكنت تمامًا، نظر إياس بصدمة لإن مقعد السائِق كان فارِغ، والسيارة بالعين المُجردة.. فارِغة!
إزدرد مهد لُعابه وعاد غالي للخلف في صدمة
فتح إياس مكتبه ليُخرِج سِلا|حُه ويُجهِز الطلق وهو يصوبه تجاه العربية
قال بهدوء: مهد، إفتح العربية كِدا نشوف جواها إيه، لا يكون في قُنـ|بلة ولا مُخد|رات
قام مهد بحذر وهو يفتح المقاعِد الأمامية، لم يجد في الأمام شيئًا، فتح المقاعِد الخلفية ليُفاجيء بِـ صُراخ سيدة تتألم، صُراخ عنـ|يف
عادوا جميعهُم للخلف في ذُعر وقال إياس بسُرعة: إقفل باب المعرض يا غالي، بسُرعة!!
ركض غالي تجاه باب المعرض وأغلقُه وأغلق فوقه الباب الحديد
نظر إياس نظرة عن قُرب ليجد سيدة، ترتدي ملابِس راهِـ|بات، وفوق صدرها مُصحف صغير!! التناقُض في ذلك أثار تعجُبِهِم، كان من الواضِح أنها تلِد! بطنها مُنتفِخة وقدميها مُتباعدتين تُغرقهُما مياه الوِلادة، وتصرُخ بِعلو صوتها مِن الألم!
الموقف كان مُثير للرُعب والغرابة، حتى أفاق إياس مِن مُراقبة تألُمها على صوت مهد يقول بوجه مشدوه: إحنا لازِم نِبلغ البوليس، في حاسس إن في إستهانة بالأديان، وكمان غرابة إن العربية دخلت لوحدها، والسِت شكلها غريب؟!
إياس بأعيُن مُتسِعة قال لغالي: ولِدها يا غالي

 

نظر له غالي وقال: أولِدها إزاي أنا دكتور أمراض نفسية وعقلية!
إياس بغضب: بقولك ولِدها اكيد مر عليك حالة زي كِدا
غالي بغضب: لا ممرش عشان دا قسم ودا قسم!! أنا لو عملت أي حاجة ممكن تمـ|وت في إيدي، أنا.. أنا بقول نسيبها لحد ما تولد بنفسها
مهد بغضب هو الأخر صبهُ على غالي: إزاي يعني العيل راسُه هتخرُج إزاي مِن غير توسيع لخروجه؟! إنت يابني مشوفتش أفلام أمريكية قبل كِدا؟
كانت الفتاة عينيها ستخرُج مِن مِحجريها مِن شِدة الألم وهي تستغيث بِهم بنظراتها
إياس أحضر مقص من فوق مكتبُه وقال: خُد دا مقص حامي، إتصرف وولدها عشان الوضع بيسوء.
نظر لها غالي بعجز لإن أصدقاؤه حصروه في مُهمة هو لا يعلم عنها شيئًا، فـ قال بغلبة على أمرُه: طب، طب عاوز مياه سُخنة، بسُرعة!
ركض إياس تجاه باب المعرض ورفع الحديد للأعلى ثُم فتح الباب ونادى على وصيف بصوت مُرتفِع قائِلًا: وصيييف!
ركض وصيف مِن المقهى لإنه لا يجلس في حفلات الزفاف لوقت مُتأخِر، حتى لا يترُك المقهى فارِغ
قال إياس بأمر: بسُرعة هات مياه سُخنة من عندك من القهوة، جري
وصيف ركض بطاعة وغاب خمس دقائِق، أحضر المياه وهو يركُض وهي تقع منه دون قصدُه، إلتقط إياس وِعاء المياه ووضعه في الداخِل ثُم أغلق الباب في وجه وصيف، وفوقه الحديد

 

حمل المياه ووضعها أرضًا، كان غالي ومهد قد خلعوا سُترتهُم ووضعوها أرضًا ثُم وضعوا الفتاة فوقها حتى يستطيعوا أن يولدوها، وحتى لا تتلوث السيارة
غالي إزدرد لُعابُه وهو يقول: ودوا وشكُم الناحية التانية، واللي بيخاف مِن الد|م ميبُصش
نظروا للجهة الأخرى عِندما بدأ غالي، إزداد صُراخ الفتاة الضِعف، وهو يحاول قدر الإمكان أن يُبعِد حبات العرق المُتساقِطة مِن جبهتهُ، عن مرمى الولادة
أرواحهُم كادت أن تخرُج مِن مضجعها مِن إثر صعوبة ما يُعايشوه الأمن، حتى إستمعوا لصوت طِفل صغير
وضعهُ غالي في يد إياس ثُم وقع غالي على ظهرُه في تعب وهو يلتقِط أنفاسُه
والفتاة كذلِك تلتقِط أنفاسها وكأن روحها عادت إليها مِن جديد
جاء إياس ليقترب مِنها حتى يضع الطفل بين ذراعيها، ليطمئِن، إعتدلت على ظهرها وهي مُتسعة الأعيُن بـِ شكل مُريب، وتصرُخ كأن روحها تُسحب مِنها، ثُم وقعت على ظهرها مُجددًا وجسدها يتشنج
وضع إياس الطِفل أرضًا وهو يقترِب مِنها ويتأمل ملامحها التالِفة، وشفتيها الچافتين، وقالت بفحيح: الورقة، الورقة جوا المُصحف.. الورقة مُهمة
إلتقطت يد إياس بيد مُتعبة ووضعتها على المُصحف وهي تقول: خُد الطِفل وديه هناك، ومتخا.. متخالـِفش
التعليمات في ظهر الورقة عشـ..
إنقطع حديثها، ودار راسها رغمًا عنها للجِهة الأخرى، تنظُر لـِ مهد بعينين جاحظتين لا روح فيها
عشر دقائِق صمت ونظر للجُـ|ثة! وهُم يُحاولون إستيعاب ما حدث معهُم اليوم!
حتى أفاق أياس بصعوبة وهو يمِد يدهُ لـِعُنقها، وسحب قِلادة المُصحف، التي كانت غُلاف للمُصحف الشريف لكن داخلُه ليست أيات قُرأنية، كان كِتابًا فارِغًا!
شعر مهد بالذُعر وهو يقول: رُفِعت الأقلام وجفت الصُحف، يا ستار يارب يا رحيم!
إياس بغضب: إخرس!! البنت دي بلبسها بالسلسلة دي بتعمل حاجة فيها إستهانة بالأديان بالفِعل، إستنى
وجد ورقة مُطبقة بالداخِل، فـ إلتقطها
كانت ورقة سوداء عِندما قام بفردها وجد كلِمات باللون الأبيض

 

” السيرك الروماني القديم، الساعة الثانية عشر مُنتصف الليل، داخِل منطِقة كيوبيد ”
التعليمات: ممنوع إصطحاب أي شخص غير المدعوين أو من تصِلهُم تِلك البِطاقة
٢- يُمنع إخبار أي أحد عن تِلك الدعوة
٣- عِند الحضور، يُرجى الإلتزام باللون البنفسجي في الملابِس
٤- سوف تحصُل على هديتك بمُجرد دخولك البوابات.
مهد برُعب: مش فاهِم حاجة!! يعني إبن البنت دي المفروض ناخدُه نوديه العنوان دا
إياس عقد حاجبيه وقال: دي أمانِه ميـ|ت، لازم أنفِذها، يمكِن أبوه هناك
وقف غالي على قدميه وقال: ميـ|ت إيه دي سِت لبسها غريب والكلام المكتوب أغرب ويخوف والموقف نفسُه غلط!!
مهد بل شفتيه وقال وهو يُرجِع خُصلات شعرُه للخلف: إحنا لازِم نبلغ البوليس، ملناش دعوة مش هنروح المكان دا بالتعليمات الغريبة دي، البِنت ما|تِت يعني مِصيبة، وهُما بقى ياخدوا الطِفل دا يودوه هِناك بمعرفتهُم
شرد غالي في عُنق الجُـ|ثة، كان هُناك شيئًا يلمع
جلس على رُكبتيه وهو يقترِب مِنها، سحب بِبُطء القِلادة التي ترتديها وتضعها داخِل ملابِسها
لـ يجِد مكتوب عليها ” روما ٢٠٠٤”

 

أخرج مِن چيب بِنطالُه القِلادة الخاصة بالحالة المسؤول هو عنها وقارن بينهُم
مُتشابهتين تمامًا!! الفارِق الوحيد هو الإسم وتاريخ الميلاد
قال مهد لإياس وغالي: إنتوا بتفكروا فـ إيه؟؟ إوعوا تقولوا هنروح!!

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية مقامر المحبة)

اترك رد