روايات

رواية يناديها عائش الفصل الثاني والستون 62 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الثاني والستون 62 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الثاني والستون

رواية يناديها عائش الجزء الثاني والستون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الثانية والستون

و إني يا دواء قلبي وجدتُ في حُبك علاجي، و لتُطفئ نيران الشوق باسمك المُكبل في فؤادي.
(لـ نرمينـــا).
************
مرت لحظات وهي على حالتها تلك، تطالعه بنظرات غير مُصدقة تواجده أمامها الآن دون أن تتفوه بحرف.. أغمضت عينيها تنعم برقة أصابعه على خدها التي تُداعبها، تُحاول أن تميز بين إذا كانت تتوهم أم أن هذا حقيقيًا..
لقد لجّ بها الشوق إليه، و كادت أن تذوب توقًا من رقة أنامله، و تسلل الحنين لحنانه إلى صدرها لتقول وهي ما تزال مغمضة العينين تسبح في عالمها الوردي
” خليك.. متمشيش.. خليك يا بدري منور سمايا.. عائش اشتاقت ”
وضع كفه الثاني ليصبح وجهها الدائري كالقمر مستديرًا بين كفيه الحنون، ثم اقترب أكثر ليضع قُبلة عميقة و دافئة على جبينها هامسًا بعذوبة
” فتحي عيونك.. أنا هنا ”
أيقظتها قُبلته على الفور من أحلامها الوردية، لتتساءل وهي تتأمله باستيعاب بطيء
” أنت حقيقي ؟ ”
لم تستطيع عينيه اخفاء دموعها.. أومأ مبتسمًا وهو يتأمل ملامحها بشوق و عشق بدا جليًا عليه
” حتى في خيالك أنا معاكِ ”
رمشت بأهدابها لتتأكد من حقيقة الأمر، و بدأت تتحسس وجهه و ملامحه ابتداءًا من شعره، ققالت ضاحكة بخفة، وهى تمسك بضع خصلات طويلة منه
” شعرك لسه طويل ! ”
اتسعت ابتسامته أكثر و كاد أن يجذبها لصدره يحتضنها، لولا أن فاق ” زياد” من شروده فقد حلق معهما أيضًا في الاحلام متناسيًا أن بدر لا يجوز لعائشة و لا يحل له أن يمسها..
أبعده زياد عنها في الحال قائلًا
” لا لا بدر.. اهدى على نفسك كده.. أنت ركبتني قرون و أنا مش واخد بالي ”
كانت أم رحيم تراقب المشهد في صمت يصحبه اعجاب شديد وعدم فهم لما يحدث..
تساءلت متعجبة
” هو في ايه ! مين دول يا عائشة ؟ ”
عجزت عائشة عن الرد، فذهنها لا زال منشغلًا بحقيقة وجود بدر أمامها.. رد زياد موضحًا الأمر
” احنا ولاد عمها.. وده يبقى جوزها.. طليقها بس هيرجعوا لبعض يعني.. عشان أنا زهقت منهم والله يا حجة ”
عقدت السيدة حاجبها في دهشة غير متفهمة للأمر بعد، بينما زياد استدار لعائشة قائلًا بنبرة هادئة
” والله ليكِ وحشة يا بنت عمي.. لو كنت موجود مكنتش سمحت لده يحصل أصلًا.. أنا جاي و جايب بدر عشان يرجعك و ترجعي لعيلتك تاني ”
رغم سعادتها بوجوده، و اطمئنان قلبها عندما اقترب منها، انكمش وجهها وهي تناظرهما باستهزاء دلالة على عدم الرضا لمجيئهما بعدما قُطع نفَسُها من الشوق.. مرت أيام عليها ثقيلة على ظهرها بغيضة على قلبها ولم يكلف أحد من عائلتها نفسه بالسؤال و الاطمئنان عليها، حتى رجُلها الوحيد الذي كانت تظن أنه ملاذها الآمن من شرور العالم، و لكنه الآن بات بالنسبة لها العالم بشروره.
” و أنت فاكر يا زياد إني هرجع الحارة تاني ؟ ”
قالتها بملامح جامدة، ثم وجهت بصرها نحو بدر و تابعت ببرود
” و أنت يا سي بدر.. فاكر إن هرجعلك بسهولة كده ! ده بُعدك ”
“هترجعيلي يا عائش.. عشان سيبتك غصب عني”
قالها بعيون تترجاها بأن تقبل، بينما زياد تدخل قائلًا بعقلانية
” بدر لما طلقك كان مغلوب على أمره يا عائشة.. افهمي منه الأول السبب قبل ما تاخدي أي قرار ”
أثر كلام زياد عليها بالسلب، فصاحت بغضب وهي توجه حديثها له و تشير ناحية بدر بسخرية
” و هو مفهمنيش ليه قبل ما ياخد قرار الانفصال !! أنا مش لعبة في ايده يا زيــاد.. وقت ما يحب يعوزني يلاقيني ! لأ.. لأ يا زياد.. عائشة الساذجة ماتت و اندفنت.. اللي واقفة قدامكم دي واحدة قلبها بقى أقسى من الحجر.. فمتحاولش معايا أنت وهو نص محاولة..
التفتت بعيون يتطاير منها الشرر تجاه بدر لتتابع بحِدة
“لأني مش هرجعلك يا بدر.. لو عملت ايه حتى.. مش هرجعلك”
ما قالته عائشة جعل الغيظ والغضب يعصره، و نفرت عروق رقبته و بدأت عضلاته تتصلب. لينفجر يصيح بصوت جهوري أجشّ
” مش بمزاجـك يا عائـــشة.. أنتِ اتخلقتِ عشاني.. عشان تبقي مِلكي أنــا… سامعـــــة.. مِلك بدر و بس.. ”
خاف زياد من انفعاله الحاد و كذلك عائشة و أم رحيم.. شده زياد من ذراعه برفق هامسًا
” اهدى شوية و تعالى معايا ”
شدّ ذراعه من يد زياد بغلظة، و اقترب من عائشة بعيون تنضج من الغضب قائلًا
” إياك اسمعك بتقولي مش هرجعلك تاني ”
نظرات عينيه و تعبيرات وجهه أخافت عائشة حقًا، و جعلتها تتردد في الرد عليه.. انتهزت فرصة وجود زياد بجانبها و هتفت بعصبية و بشجاعة مزيفة
” مش هرجعلك يا بدر.. مش بالعافية.. و اللي عندك….
كادت أن تُكمل، و لكنه سحبها من ذراعها بقسوة، و زجّ بها في الغرفة المجاورة لتقع أمامه أرضًا تنظر له بصدمة من فعلته، أما هو أغلق الباب في وجه زياد قبل أن يدلف، و أوصده بالمفتاح ثم وضعه في جيبه، و استدار لتلك الواقعة أرضًا تطالعه برهبة، ثم انحنى ليوقفها مُمسكًا بذراعيها بقوة، ليقول بنبرة تهديد ناظرًا في عينيها بعمق
” أنتِ لسه متعرفيش حقيقة بدر.. لسه متعرفنيش يا عائشة.. أنا مش هسيبك لحد غيري.. حتى لو مش عاوزك.. بس مش هسيبك.. عشان أنتِ من أول ما جيتي على الدنيا و أنتِ ليا.. فاهمة يعني إيه ليا !.. يعني كُلك على بعضك من حقي أنا.. أنا و بس..
ابتلعت ريقها بخوف، و حاولت تحرير ذراعيها من قبضته لتقول برهبة من نظراته
” بس.. بس دي أنانية ! أنت كده مبتحبنيش !
ده مش حُب.. ده عذاب
” هتشوفي العذاب الحقيقي لو مرجعتيش عن قرارك حالًا و جيتي معايا.. ”
قالها وهو يترك ذراعيها بجحود، ثم استدار موليًا ظهره لها، واضعًا يديه في جيبه بلا مبالاة كأنه لم يفعل شيء !
أما هي ازداد تعجبها من تحوله المفاجئ من حال إلى حال كأنه مُصاب بانفصام في الشخصية أو ما شابه !..
اقتربت منه لتقول ببرود مماثل
” هات المفتاح..
أخرج المفتاح من جيبه ببساطة و قال قبل أن يعطيه لها
” المفتاح أهو.. بس لو خرجتِ من الباب ده قبل ما تقولي أنك هترجعيلي..هقتلك يا عائشة
قال آخر جملة وهو يلتفت إليها ليصبح في مواجهتها مُباشرةً..
ردت مبتسمة بسخرية
” اقتلني يا بـدر.. أنا قدامك أهو.. اقتلني
ظل صامتًا لدقائق يتأملها بعجز و قلة حيلة، لا يدري ما الصواب لفعله.. قال وهو يضعف أمامها كُليًا
” أنتِ ليه عاوزه تبعدي عني ببساطة كده !
.. مش أنتِ قولتي أنك بتحبيني ! طب هو فيه حد يحب حد و يبعد عنه ؟! .. ”
ردت بدموع لم تستطع اخفائها
” قول لنفسك يا بدر.. أنت اللي سيبتني مش أنا.. أنت اللي اتخليت عن عائش يا بدر..
” و بدر ندمان والله.. و عاوز عائش في حياته تاني.. لأنه من غيرها النفس صعب..
قالها بدموع الترجي هو الآخر، ولكن تلك الدموع و نبرة التوسل في صوته لم تؤثر على عائشة.. قالت بجفاء وهي تفتح الباب
” و أنا مش عاوزاك يا بدر..
قبل أن تفتح الباب، وضع يده على يدها التي تمسك بالمقبض، ليقول بعجز
” أنا مريض يا عائشة.. سيبتك عشان أحميكِ مني
نظرت له للحظات بعدم فهم، تحاول استيعاب ما قاله ببطئ.. تابع بدر وهو يهز أكتافه بضعف
” غصب عني.. البُعد كان هو الحل الوحيد اللي هيحميكِ من قسوتي يا بنت عمي.. إنما لو على بدر.. فهو يتمنى يبقى كويس عشان يعوضك عن كل لحظة وجع عشتيها بسببه أو بسبب أي حد تاني..
نطقت أخيرًا بعدم تصديق
” مريض !..
أومأ باسمًا بحسرة
” لا أصلح للحُب.. بس حبيتك والله ”
رق قلبها له، فتركت المفتاح من يدها، و مدت أناملها تجاه خديه، و لكنها ابتعد على الفور قبل أن تمسسها.. لتتساءل بغرابة
” أنت مريض ؟!.. ازاي ! ”
مسح على وجهه بهدوء ليأخذ شهيقًا عميقًا ثم قال
” القسوة اللي أنتِ شوفتيها فيا من شوية دي.. غصب عني.. أنا مش كده.. دي مش شخصيتي الحقيقية.. دي شخصيتي المضطربة المريضة.. أنا عندي اضطرابات الشخصية الحدية.. أنا مريض نفسي يا عائشة ”
هزت رأسها بخفة غير مصدقة لتقول
“لأ.. طب ازاي !.. أنا مش فاهمة حاجة.. بس.. بس أنت شكلك كويس.. يعني أنا مخدتش بالي أنك زي ما بتقول !
نزلت دمعة من عينيها، فمسحتها سريعًا مردفة
” أنت كويس صح ؟ قول أنك كويس بالله عليك
” كان نفسي أبقى كويس.. بس غصب عني يا عائش.. غصب عني يا حبيبتي..
قالها مستسلمًا لواقعه الأليم، أما هي تركت لدموعها العنان.. فبكت في صمت ثم تساءلت محاولة التوقف عن البكاء
” هو ده حصلك امتى ؟
في تلك اللحظة استطاع زياد فتح الباب، دخل اليهما ليوزع نظره عليهما بخوف قليلًا من أن يكون قد آذاها بدر أو أذى نفسه.. دلفت أم رحيم متسائلة بضيق
” هو فيه ايه ما حد يفهمني !
رد زياد وهو لا ينظر إليها
” استني أنتِ يا حجة دلوقت ”
هتفت عائشة سريعًا
” زياد.. هو بدر ماله ! بيقول إنه مريض.. مريض ازاي.. ! أنا مش فاهمة حاجة.. هو بيهزر صح؟
التفتت لبدر لتقول بدموع
” لو بتقول كده عشان أرجعلك.. صدقني مش هيحصل يا بدر.. لو بتستغل حُبي ليك مش هسامحك والله.. قولي أنك كويس !
” اللي واقف قدامك ده مش بدر بتاعنا يا عائشة.. بدر المرض هد حيله و حوله لشخصية صعبة و عشان كده طلقك.. خاف يأذيكِ.. داس على قلبه و اختار البُعد.. رغم إن بُعدك عنه بيقتله كل ساعة..
قالها زياد في محاولة منه لجعلها تتفهم الأمر.. جلست عائشة على الفراش تنظر لهما بصدمة غير مصدقة ما يقوله ابن عمها عن حبيبها.. قالت بانهيار
” حد يفهمني اللي بيحصل ده.. حالًا ”
لم يتردد زياد في اخبارها بهذا المرض و بآثاره على بدر، و أعراضه التي تجعل الكثيرين ينفروا منه..
بعد شرح زياد لها كل شيء.. تفهمت عائشة الأمر و أغمضت عينيها بألم تحاول استيعاب كم الألم النفسي الذي تعايش معه بدر في السر؛ حتى لا ينزعج أحدًا منه..
كان بدر يطالعها بخيبة أمل، فقد ترجم تعابير وجهها على أنها تشفق عليه فقط..
قالت عائشة موجهة حديثها لبدر بعتاب
” وليه مقولتليش؟ ليه خبيت عني يا بدر !
رد بيأس
“عشان مقلش من نظرك.. بس كده كده حقيقتي انكشفت قدامك.. أنا عارف أنا في نظرك ايه دلوقت.. واحد مريض و ضعيف و مينفعش يبقى حبيب أو زوج أو حتى أب..
” بس أنت كنت خير الحبيب و الزوج و الأب.. أنت كُنت دُنيتي يا بدر.. و لا زلت ”
قالتها وهي تنظر لها بابتسامة صادقة، فانتهز زياد تلك الفُرصة و هتف بلهجة مرحة
” يعني أجيب المأذون ! ”
” لأ.. لما يتعالج الأول ”
قالتها وهي تتحاشى النظر لعين بدر التي كانت تأكلها من الشوق إليها..
___________♡
منذ أن وقع بَصري عليك
لا أفكر بإسترداد عيني ♥️. “لقائلـها”
****
كالعادة ارتدت صاحبة العينان المميزة نظارتها الشمسية؛ لتُخفي وراءها اختلاف لون عينيها.. ثم ارتدت حذائها الرياضي استعدادًا للذهاب لصالة التمرينات الرياضية..
تمارس ” نورا” الرياضة باستمرار، و تجعلها إحدى مهماتها اليومية بجانب حفظ القرآن، و عملها كممرضة في المشفى..
كانت ترتدي إدناء أزرق اللون محتشمًا و رقيقًا، و تحته ” ترنج رياضي” برتقالي اللون في أسود يناسب تمامًا قوامها الرشيق و قامتها الطويلة، فهي تعتبر أطول فتيات عائلتها، وهذا عيب آخر تراه في نفسها.. كل فتيات و نساء العائلة طولهن لا يتعدى المائة و ستون سنتيمتر، و هي الوحيدة التي يبلغ طولها مائة واحد و سبعون، وهذا ما يجعلها تكره نفسها، و ترى أن الانوثة لا تمت لها بصلة..
قبْلت يد والدتها، ارتدت حقيبة الظهر خاصتها ثم خرجت تسير وحدها في الطريق المؤدي للنادي الرياضي..
في ذلك الوقت كان أُبَيّ متهجًا بسيارته نحو شركته الخاصة، و بجانبه قُصي ذاهبًا لمكان لا يعلمه أحدًا غير شقيقه..
لمحها أُبَيّ تسير وحدها في طريق مشمس باستقامة دون الالتفات لأحد.. فأوقف السيارة بجانبها مما فزعت نورا لأنها كانت شاردة الذهن، و أيضًا زجاج السيارة أسود، أي أنه لا يمكن رؤية أحد بداخلها من الخارج؛ لذلك فشلت نورا في التعرف عن صاحبها..قبل أن يقوم بانزال الزجاج..وكزه قُصي في ذراعه ليقول بمرح و بسرعة
” قولها العُمر لحظة و الأمورة مش ملاحظة.. قولها يلا بسرعة.. انشف و قــول. اكسب قلبها في مينت.. اسمع مني.. قول يـلا..
بسبب الحاح قصي.. أنزل أُبَيّ زجاج السيارة ليقول في توتر دون ترتيبه للكلمات
” الـ… العُمر لحظة.. و.. و.. و الأمور.. مش.. مش ملاحظة ”
” أُبَيّ.. !!
قالتها نورا بدهشة، و تمنى أُبَيّ لو أن الأرض تتشقق و تبتلعه الآن.. بينما ذلك الداهية قُصي ظل يضحك في خبث وصمت.. نظر له أُبَيّ بغضب ليقول وهو يدفع به خارج السيارة
” يا أخي بالله منك لله.. انزل.. أنا غلطان إني ركبتك معايا..
” يعني أنا غلطان عشان عاوز اخليك الواد اللي مقطع السمكة و ديلها !! ده فعلًا خيرًا تعمل شرق الدلتا ”
قالها قُصي في محاولة منه للتوقف عن الضحك.. كانت نورا تراقب ما يحدث ضاحكة بخفة هي الأخرى.. أما أُبَيّ دفع به خارج السيارة ثم أغلق الباب وهو يقول بانزعاج من نفسه
” أنا اللي غبي عشان بسمع كلام عيل زيه ”
نزل أُبَيّ من السيارة هو الآخر ليفتح لنورا الباب الخلفي قائلًا بابتسامة عذبة
” اتفضلي يا نورا.. ”
” شكرًا.. بس أنا قربت أوصل.. أنا رايحة الجيم ”
جاء قصي من الناحية الأخرى ليقطع حديثهما قائلًا بغيرة مصطنعة
” يعني تنزل أخوك و تركب مراتك المستقبلية ! طب ده يرضي مين ده طيب يا عالم.. لو ده يرضيك أنا موافق..
” آه يرضيني ”
” و أنا مش موافق ”
” عنك ما وافقت ”
” كده يا أُبَيّ.. ده أنا أخوك اللي من أمك و ازي أمك ؟ عامله ايه دلوقت.. سلملي عليها..
قالها قُصي وهو يتسلل ليركب السيارة.. فمنعه أُبَيّ قائلًا بحِدة
” قُصي.. إحنا في الشارع.. لِم نفسك ”
اتسعت عيني نورا و أُبَيّ بتعجب مما يفعله هذا الأبلة.. فكان يحتضن يده وجسده و ركبتيه و خصره كالمجانين كأنه إنسان آلي و يحاول تجميع نفسه..
تساءل أُبَيّ في دهشة
” أنت بتعمل ايه ؟
” بلم نفسي ”
صفع أُبَيّ جبهته بخفة و بقلة حيلة قائلًا وهو يزفر بنفاذ صبر
” يارب الرحمة ”
لم تمر لحظات، و أقبلت فتاة قصيرة القامة باتجاه نورا ترتدي نظارة طبية و ترتدي بدلة الكونغ فو.. لتسلم عليها قائلة
” واقفة هنا بتعملي ايه ؟.. مش رايحة النادي ولا ايه ؟
ردت نورا مبتسمة
” لأ رايحه.. دول ولاد عمي.. ده أُبَيّ.. و ده قُصي
نظرت لـ أُبَيّ قائلة بهدوء
” أهلًا و سهلًا..
ثم نظرت لقُصي، الذي كان يتأملها في محاولة منه للتعرف عليها.. شهق الاثنان سويًا ليقولا في صوت واحد بدهشة
” هو أنت ؟!.. ”
“هو أنتِ ؟! “

_________________♡
{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحسِنِينَ} يوسف ٣٦.
*****
أسرع ” حافظ” في قيادة السيارة نحو منزله، و ذهنه مشتت مع شحوب وجه روان من الخوف، و الترهات التي تقولها بين الحين و الآخر حول رؤيتها للأمور قبل حدوثها !
هذا ما لا يصدقه عقلها.. هل ترى المستقبل !
أغمضت عينيها، تحاول التنفس بهدوء ثم حدثت ربها قائلة، وهى تنظر من النافذة بتيه و شرود
” يارب طمن قلبي.. عرفني ايه اللي بيحصلي ده..
توقفت السيارة أمام المنزل، فهبطت سريعًا تسبق والدها للداخل تتخطى درجات السلم بسرعة، ثم دفعت بالباب لتتسع عينيها بذهول.. تزامن مشهد فتحها للباب مع وقوع ” إيناس” زوجة والدها من على الكرسي الذي وضعته لتقف عليه و تنظف النيش..
صاحت بفزع و هرعت نحوها لتساعدها في النهوض، فوجدت الدماء تسيل من تحتها.. جاء والدها ليشهق بصدمة هو الآخر مُتجهًا نحو زوجته يتفحصها بخوف.. هتفت روان باكية
” الرؤية اتحققت.. جالها نزيف من الوقعة..
حمل حافظ زوجته تجاه السيارة قائلًا بتوتر
” روان هاتيلها خمار بسرعة.. هوديها المستشفى.. بسرعة..
حاولت روان التماسك؛ لكي تبقى بجانب والدها في ذلك الظرف العصيب، ثم احضرت خمار و عباءة و غطت شعرها زوجة والدها التي غابت عن الوعي بفعل الصدمة.. لتنطلق السيارة عائدة للمشفى ثانية، و لكن لمشفى أخرى قريبة من بيت روان.
دخل حافظ يحمل زوجته، طالبًا النجدة من الممرضات و الأطباء.. فجاءت ممرضتان و نقلوا
” إيناس” للفحص الطبي.
جلست روان في الطرقة المقابلة لغرفة العمليات، تكاد تجن من كثرة التفكير فيما حدث.. أخذت تهز قدمها في توتر و هي تقول
” طب ازاي !.. ده حصل ازاي ؟! ”
جاء والدها ليجلس بجانبها متسائلًا بعدم فهم
” أنتِ عرفتي منين انها وقعت و جالها نزيف ؟ ”
” أنا اللي عايزه أعرف أنا عرفت ازاي ! ”
قالتها كأنها تسأل نفسها وهي لا تزال تهز بقدمها في عصبية و ضيق مما حدث.
قال حافظ بنبرة خائفة
” يارب سلم.. يارب خير ”
ربتت على فخذ والدها بحنو قائلة
” خير إن شاء الله يا بابا.. هتبقى كويسة..اطمن”
” يارب يا روان.. يارب ”
مرت دقائق عليهما كالساعات، مليئة بالدعوات و التوتر و الخوف.. خرجت الطبيبة وهي تنزع قفاز اليد لتقول بابتسامة صافية
” أستاذ حافظ ؟ ”
نهض حافظ في الحال ليقول بإيماءة رأس خائفة
” ايوه.. هي عامله إيه دلوقت ؟ ”
” اطمن.. الحمدلله قدرنا نوقف النزيف و الجنين بخير ”
تنهيدة طويلة مطمئنة خرجت من كلاهما تصحبها قول ” الحمدلله ”
تساءل حافظ بهدوء
” يعني هي بقت كويسة بجد ؟ تقدر تروح امتى طيب ؟ ”
” نص ساعة كده ترتاح فيهم و تقدر تروح ”
دلفت روان للغرفة التي بها زوجة والدها، لتُقبلها من خدها بلُطف قائلة
” حمدالله على سلامتك يا ماما و سلامة البيبي ”
ابتسمت إيناس بلُطف مماثل و قالت بوهن
” الله يسلمك يا رورو..”
” حمدالله على سلامتك يا إيناس ”
قالها حافظ بابتسامة هادئة، فبادلته الابتسامة متسائلة
” أنتم عرفتوا ازاي.. لولا أنكم جيتوا في الوقت المناسب كان زمان لقدر الله حصل حاجة وحشة ”
ردت روان متذكرة ما رأته
” الحمدلله إنها عدت على خير ”
كررت إيناس السؤال بعدم فهم
” عرفتم ازاي ؟ ”
” لما نروح هبقى أحكيلك.. عشان أنا بسبب الموضوع ده في دوامة ”
*******
لغات الحب كثيرة و الطفها النظر. ♥
________♡
” أنتم تعرفوا بعض ؟! ”
تساءلت نورا في تعجب من النظرات المتبادلة بين صديقتها و ابن عمها.. قالت الفتاة وهي تنظر لقُصي نظرة استعلاء
” ده ابن عمك ! ده اللبانة الدكر أرجل منه ”
اتسعت عين أُبَيّ بصدمة و كذلك نورا، أما قُصي رمقها بنظرة غباء دلالة على عدم الاستيعاب لما قالته..
هتف أُبَيّ مُدافعًا عن أخيه
” كده عيب ”
” هي العيلة كلها شكلها طرية ولا ايه ”
قالتها بصوت خافت و نظرات تدل على البُغض، أو تقريبًا هي تنظر لكل الرجال هكذا، لا ترى الجنس الآخر سوى مجموعة من الحثالة يعيشون على كوكب الأرض.
تدخلت نورا لتصلح ما أفسدته تلك المشاكسة
“معلش يا جماعة.. دي منة عادي يعني.. منة ما يتزعلش منها.. هي بس اللي في قلبها على لسانها”
” يبقى نقُص لسانها ”
قالها قُصي وهو يناظرها بتحدي، كأنهما يتسابقان من يستطيع قصف جبهة الآخر، رغم عدم معرفتهما جيدًا ببعض، و لكن النفور و الجفاء في المعاملة وُلدت منذ تلك اللحظة، كل واحد منهما بداخله نفور و كُره للآخر، ليس له سبب صريح.
” تُقص لسان مين يا مارشيملو أنت”
قالتها وهي تتجه نحوه بثبات، ثم في لمح البصر ركلته في صدره فاصطدم جسده بالسيارة، ليقع أرضًا قائلًا بألم
” يخربيتك و أنتِ شبه النطاط كده ”
نظر له أُبَيّ بسخرية قائلًا
” جتك ستين خيبة ”
قال باستياء وهو ينهض
” منا متربي و مش همد ايدي على نطاطة أنثى.. مع أنك مسترجلة ولا فيكِ ريحة الأنوثة والله ”
نظرت له بحِدة، لتقول ببرود
” يعني أنت مصمم تتهزق تاني ! ”
” والله خسارة فيكِ اسم منة.. المفروض كان يبقى اسمك الكتعة ”
تدخل أُبَيّ ليوقف هذا الشجار الطفولي، فالاثنان بالنسبة له أطفال أو مراهقين ليس إلا.
قال بهدوء
” ممكن أفهم في ايه ؟ أنتم تعرفوا بعض منين؟
تجاهلته، لتقول لنورا بعدم اهتمام
” هتيجي ولا امشي ؟ ”
نظرت نورا له، فوجدته يناظرها بتحذير ألا تذهب، و في الحقيقة أرادت أن ترافقه بدلًا من صديقتها العنيفة، لقد مال قلبها لابن عمها طيب القلب، و أحبت مرافقته في أي مكان؛ لذا انتهزت الفرصة و قالت بخجل لـ” مِنة ”
” تعالي اركبي معانا.. أُبَيّ هيوصلنا ”
ردت بلا مبالاة
“أنتِ عارفة إن بفضل المشي”
” ما عنها ما ركبت.. أنتِ هتتحايلي عليها ! ”
قالها قُصي قاصدًا استفزازها، فردت فتاة الكونغ فو بابتسامة صفراء
” متعملش فيها مافيا و أنت راجل بالعافية ”
تبادل أُبَيّ و نورا النظرات في دهشة و صمت، أما قُصي رد ببرود مماثل وهو يبادلها الابتسامة الواثقة
” لو الأنوثة مش فيكِ ألم من جنسك و أديكِ ”
صاحت نورا بنفاذ صبر
” علفكرة إحنا في الشارع.. و اللي رايح و اللي جاي بيتفرج علينا.. أنا مش فاهمة أنتم مش طايقين لبعض كلمة ليه ! ”
رد قُصي ببراءة
” قولي لصاحبتك الأوزعة يا نورا.. اسأليها مين اللي أنقذها من الشباب اللي كانوا عاوزين يجلدوها ”
” يجلدوني ! ”
قالتها وهي تعقد حاجبها في صدمة، بينما نورا قالت سريعًا بخوف من تحول صديقتها القاسي
” معلش عديها المرة دي.. عندي أنا دي حقك عليا”
” أنتِ متأكدة إن المعتوه ده ابن عمك ! ”
“برضو بتجر شكلي و أنا محترم”
ظن أُبَيّ أن أخيه ارتكب ذنبًا في حق تلك الفتاة، أو قام بمضايقتها سابقًا؛ لذلك هي لا تطيق له كلمة.
قال لها في محاولة منه لمعرفة لماذا تكره أخيه هكذا
” هو قُصي ضايقك في حاجة.. قوليلي متخافيش”
” أنا معرفش يعني إيه خوف ”
قالتها بهدوء، ثم ولت ظهرها لهما لتذهب قائلة لنورا
” أنا همشي.. ”
” طيب تعالي اركبي معانا عشان نوصل بسرعة أحسن ”
” قولتلك مبحبش المواصلات.. سلام ”
قبل أن تذهب، آتاها صوت قُصي يقول بغيظ منها
” هربانة من سلاحف النينجا.. فاكرة نفسها المعلم رشدان.. مرة ببدلة كاراتيه و مرة ببدلة كونغ فو..
توقفت لتقول ساخرة دون أن تستدير لهم
” لو الرجولة صعبة عليك على الأقل خليك بنت حلال ”
” يابنت كوم شكاير الأوزع ”
هتف بها وهو يهم تلك المرة للشجار معها، و لكن أُبَيّ أمسكه من ياقة قميصه ليسحبه خلفه قائلًا بتحذير
” أنا مش عايز قلة أدب ”
” أنت مش شايف البجاحة.. أنا معملتلهاش حاجة أصلًا”
” معلش.. بس في الأول و الآخر دي بنت.. يعني احترامها واجب ”
تابع أُبَيّ وهو يشير له بعينيه أن يركب السيارة في نظرة أمر
” اركب.. و برضو هعرف أنت عملت ايه للبنت دي عشان تكلمك كده ”
انصاع لأمر أخيه و ركب بالسيارة في المقعد الأمامي، وهو يزفر بضيق و يقسم بداخله أنه لو رآها ثانية ليجعلها تندم على كل حرف تفوهت به.
اخفضت نورا رأسها بخجل من نظرات أُبَيّ لها، ليقول الأخير باسمًا
” الاوت فيت بتاعك حلو ”
رفعت وجهها، لتبادله النظرات بابتسامة مشرقة قائلة
” شُكرًا.. ”
أشار لها بأن تركب بكل لُطف و رقة، ثم فتح لها باب السيارة و أردف
” اتفضلي..
شكرته في خفة، و ركبت بالخلف ثم ركب أُبَيّ و تحرك بالسيارة تجاه النادي الرياضي.. عم الصمت على ثلاثتهم للحظات، تقطعه نورا متسائلة
” هو أنت تعرف الكابتن منة منين يا قُصي ؟ ”
رد قُصي بضيق وهو ما يزال غاضبًا
” كابتن على نفسها.. إن مكانتش شبر و نص كانت عملت فينا إيه.. أنا والله سكت عشان خاطرك يا نورا.. بس لو شفتها تاني هخليها تعيط ”
ضحكت نورا بخفة، و قالت
” كابتن منة واخدة مركز أول على الجمهورية في الكونغ فو علفكرة.. و التالت على مستوى العالم في الكاراتيه.. و من أشطر مبارزين السيف ”
” على نفسها مش علينا.. أنا كنت كلمتها أصلًا ”
” معلش.. هي عندها عُقدة من الرجالة.. بصراحة تطيق العمى ولا تطيق راجل ”
التفت لنورا ليقول بصوت عالي من الغضب
” طب هي مُعقدة أنا ذنب أمي إيه ! ”
استاء أُبَيّ من علو صوت أخيه ، فنظر له نظرة أخرسته على الفور دون أن يتحدث..
رغم أن علاقة هذان الشقيقان ليست أخوة فقط، بل أيضًا أصدقاء و أحبة، إلا أن قُصي يحترم شقيقه الأكبر كثيرًا، و يعتبره أبًا له و ليس مجرد أخ، فإذا تحدث أُبَيّ سكت قُصي احترامًا له، و إذا أمره بفعل شيء.. نفذه في الحال.
تحدثت نورا بهدوء
” منة إنسانة كويسة جدًا علفكرة و طموحة و بتساعد أي حد..بس هي جد شوية.. مبتحبش الهزار.. نادرًا إما تضحك مع حد أصلًا.. و هي شافت نظرة الاستخفاف بيها في عنيك.. عشان كده مسكتتش ”
” هو ايه اللي حصل بينك و بينها أصلًا ؟ ”
تساءل أُبَيّ.. رد قُصي مُتذكرًا أول مرة رآها فيها
” محصلش حاجة.. كان فيه شباب بيرخموا عليها وهي متتوصاش.. ما هي حفيدة المعلم رشدان بقى.. مسكت العيال كسحتهم.. بقيت واقف مذهول.. ازاي الشبر و نص ده يطلع منه كل ده.. فالمهم روحت أساعدها راحت بصالي بقرف كأني اللي وقفت عرض سلاحف النينجا على إم بي سي ثري ”
ضحك أُبَيّ و شاركته نورا الضحك من جملة قُصي الأخيرة، ثم قام أُبَيّ بتشغيل أحد الأغاني التي تعبر عما يشعر به تجاه نورا..
غمز قُصي لنورا من المرآة قائلًا بمرح
” بيلمح.. خُدي بالك ”
تبسمت نورا في خجل، و ضحك أُبَيّ في خفة ثم نظر لها في المرآة ليكون التواصل البصري بينهما سيد الموقف.. مجرد التواصل البصري القصير بينهما، كفيل لإشباع فؤاده سنوات من السعادة..
لمعت زرقة عينيه بالعشق لها متناسيًا وجود أخيه بجانبه يطالعهما بنظرات مضحكة.. و بدأ أُبَيّ يندمج من الأغنية بصوت خافت يدندن وهو ينظر إليها بين الحين و الآخر
” فارس أحلامك.. اسمحيلي أدخل أيامك.. و أبقى من سكان أحلامك.. أعشقك و اسرح في كلامك ”
برغم أنها لا تسمع الأغاني مثله، و لكن رغمًا عنها تجاوب قلبها مع دندنة صوته العاشق و احمر وجهها خجلًا من نظراته لها، لكنها كانت سعيدة، سعيدة للغاية.. لم يهتم بها أحد هكذا من قبل !
توقفت السيارة أمام النادي، و نزلت منها في هدوء شاكرة اياه، ثم ذهبت و قبل أن تختفي من أمامه.. ناداها بلهفة
” نورا..
استدارت بخفة
” نعم ؟ ”
“لما بشوف عيونك بنسى همي.. أُبَيّ بيعشقك يا بنت عمي”
صوت صفير عالي صُدر من فم قُصي، جعل أُبَيّ يفزع مكانه هاتفًا
” أنت بتعمل ايه هنا ؟.. هو أنا مش قولتلك متركبش معايا ! ”
قال قُصي ضاحكًا بمشاكسة
” قول يا حبيب أخوك قول.. اشجيني و سمعني.. ده أنت طلعت ميه من تحت تبن ”
ضربه في كتفه قائلًا بغضب قبل أن يلتفت لنورا
” أنت تخرس خالص.. مسمعش صوتك..
التفت ليجد أن نورا دخلت النادي، و يبدو أنها من شدة خجلها توترت و سحبت نفسها لتختفي من أمامه.. أما هو عادت الابتسامة العاشقة تنمو على شفتيه ليقول متنهدًا وهو يرجع رأسه للوراء
” مكنتش أتوقع إن أرجع أحب تاني يا قُصي.. البنت دي فيها شيء مختلف.. لما بشوفها بحسها تُحفة فنية مش قادر أشيل عيني من عليها.. ”
وضع قُصي يده على خده متأملًا شقيقه بنظرات مضحكة ليقول
” هيح.. امتى ألاقي حد يحبني زيك كده.. فينك يا نجلاء ”
لم يسمعه أُبَيّ فقد كان منشغلًا بالتفكير بها.. تحرك لسانه بعذوبة يقول
” إِني لأعجَبُ من جمالِ عِينيك كيفَ لها من نظرةٍ تحتلنِي. كَفرتُ فِي شتّيَ مفاتِنِ دُنيتي و آمنتُ بعينٍ بِها فَتنتني ”
” أنا سمعت القصيدة دي فين قبل كده !.. مش أنت اللي مألفها دي.. صح ؟ ”
تساءل قصي بغرابة، فهو يعلم أن موهبة أُبَيّ الخفية هي الشِعر، و أي قصيدة يكتبها أُبَيّ يتلوها على قُصي ليخبره الأخير برأيه فيها؛ لذلك استطاع قُصي حفظ كل الأشعار و القصائد التي يقوم أخيه بتأليفها من قلبه.
تنهّد أُبَيّ بحُب و قال
” لأ مش من تأليفي.. بس بتوصف حالتي دلوقت
” يا بختك يا نورا.. اتحبيتِ من شاعر ”
قالها قُصي بحسد مزيف، ثم هتف معتدلًا في مكانه وهو ينظر لساعته
” يلا يا عم العاشق الولهان.. هتأخر كده ”
استفاق أُبَيّ من شروده، و تحرك بالسيارة تجاه المكان المقصود.
____________♡
دق قلب ” رودينا ” بعنف فور أن سمعت بحقيقة عمل هذا المدعو ” مُجاهد الخياط ” رغم عدم معرفتها به، و لكن كون أن أحد الرجال الذينَ تريد صديقتها ” كارمن” الانتقام منه، يعمل لدى ” الانتربول ” هذا يُعني أنهم في خطر، خاصة بتواجدهم في مصر !
كانت رودينا على وعي بمعرفة معنى أن رجل مصري يعمل في منظمة الشرطة الدولية.
و الانتربول هي المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، و هي منظمة حكومية دولية فيها 195 بلدًا عضوًا، و مهمتهم هي مساعدة أجهزة الشرطة في جميع هذه الدول.. و تتولى الأمانة العامة للإنتربول تنسيق الأنشطة اليومية لمكافحة مجموعة من الجرائم، و يديرها الأمين العام، و ليسوا ضباط الشرطة هم العاملين فيها فقط، بل المدنيين أيضًا، و مجاهد ليس له علاقة بجهاز الشُرطة، إنما هو عميل سري في الجمعية العامة، فهي الهيئة الإدارية العليا للإنتربول التي تجمع كافة البلدان مرة في السنة لاتخاذ القرارات..
و مهمته هي المساعدة في تحديد مكان الفارّين من العدالة في جميع أنحاء العالم..
هذا يعني أن رودينا عليها الحذر؛ حتى لا تقع في قبضته !
هتفت بخوف حقيقي
” أنا لازم أسافر فرنسا حالًا ”
تساءلت كارمن بغرابة
” اشمعنا فرنسا ؟ ”
” مقر الإنتربول مدينة ليون الفرنسية.. و أنا ليا فيها معارف.. خُطتنا مش هتنجح غير لما نتخلص من اللي اسمه مجاهد ده ”
قالت كارمن بتفكير
” أنا لسه مش متأكدة هو ساب المنظمة و استقال نهائيًا ولا جاي في مهمة سرية لمصر ”
ردت الأخرى باصرار
” لازم نتخلص منه.. دي تبقى كارثة لو شم خبر بخطتنا ! ”
تدخل آراش قائلًا بموافقة على اقتراح رودينا
” رودينا كلامها صح.. لازم نتخلص من مجاهد في أسرع وقت
أومأت كارمن بتأكيد
” أنا موافقة.. بس في شخص لو اتخلصنا منه قبل مجاهد.. مش هنحتاج نقتل مجاهد
” مين ؟ ”
تساءلت رودينا.. ردت كارمن بنظرة شر و انتقام
“قُصي.. قُصي ابنه.. و أذكى واحد في عيلة الخياط
” صحيح أنتِ مقولتيش مين قُصي ده.. وليه حطاه في دماغك أوي كده ؟ ”
قامت بصب كأس من بيرة الـ Tecate لتشربه مرة واحدة، ثم وضعت الكأس بغيظ قائلة
” الملايين اللي مكتوبه باسمه من حق بابا.. الفلوس دي من حقنا إحنا..
” بس أنتِ بتقولي إنه ميعرفش إنها مكتوبة بإسمه ! ”
هزت رأسها بتفهم وهي تبرم شفتيها في توعد، لتقول
” عارفة.. بس مش هيرتاح بالي غير لما أعذبه الأول و بعدين أدفنه صاحي زي ما عمل في أخويا.. قُصي مش مجرد إنسان عادي.. قُصي بيمثل قدام أي حد إنه شخصية مرحة و مفيش حاجة فارقة معاه.. لكنه في الحقيقة أذكى مما تتخيلوا.. أفعى عايشة وسط عيلته وهما مش حاسين.. ذئب متنكر في وش شخص بريء.. بس مش عليا أنا.. و غلاوة أخويا لأخليه يتمنى الموت في كل لحظة من اللي هعمله فيه ”
*******
‏”نحن متلاصقان، بغبطةٍ وبدفءٍ،
‏كجناحين: أيمنٌ وأيسر”.
_________♡
بعد أن نالت رُميساء الكثير من المباركات حول نجاحها في الثانوية العامة، و نعمت بليلة سعيدة مرت عليها و على عائلتها.. اتجهت لغرفتها لتلقي بجسدها على الفراش بكل خفة و أريحية و هي تداعب شعرها برّقة، و تنظر للسقف بسعادة بالغة، شاردة في كريم و مغازلته لها.
تذكرت تلك العُلبة التي أهداها لها عندما جاء ليتقدم لخطبتها، و نست أن تفتحها بسبب انشغالها بالخطبة و بالامتحانات.
قفزت من على فراشها كالفراشة بسعادة شديدة تجاه خزانة ملابسها، ثم أخذت العلبة من المكان الذي أخفتها فيه، لتفتحها بلهفة قائلة
” يا ترى يا كريم فيها إيه ”
في البداية اتسعت ابتسامتها، ثم تحولت للدهشة عندما وجدت قلادة على شكل المعين الهندسي، حُفر عليها بالكتابة
” حرم كريم الكُردي لأبد الآبدين ”
عقدت حاجبها في دهشة و هي تتفحصها بدقة، لأول مرة في حياتها ترى قلادة غريبة و جميلة بهذا الشكل.. اتسعت عيناها بذهول عندما لاحظت أن القلادة ليس لها سلسال، و بداخلها يوجد شيء أحمر سائل تشكل على هيئة حرف الـ ” R” يبدو مثل الدماء تمامًا !..
قالت بعدم استيعاب
” ايه دي ! هي عامله كده ليه ؟! ”
رغم أنها صممت ببراعة و كان جمالها آخاذ حقًا، لكنها بدت غريبة و مخيفة في نفس الوقت..
حاولت رُميساء أن تجعل لها سلسال لتستطيع ارتدائها، فانتبهت لوجود لاصقة في خلفها.. أزاحت اللاصقة و نظرت لنفسها في المرآة ثم قالت مازحة وهي تضعها عند منتصف عنقها
” و دي هلبسها ازاي يا كريم باشا من غير سلسلة ! ”
عندما اقتربت القلادة من جلد العنق، التصقت به في الحال كأنها غرزت في عنقها غرزًا لا يمكن اخراجه أبدًا.
ابتلعت رُميساء ريقها بخوف عندما حاولت نزعها و فشلت.. اتضح بعد عدة محاولات فاشلة، أن تلك القلادة الغريبة أخذت شكل الجلد و بقي منها تلك الجُملة التي برزت بدقة و وضوح !
*******
كانت هاجر تنام على فخذ حماتها تشاهد أحد المسلسلات المصرية بملل شديد، لقد هاتفت زياد عدة مرات ولم يرد عليها، و بدر فقد هاتفه في البحر عندما سقط فيه، و عائشة هاتفها مغلق.. لم تستطع الوصول لأحد منهم.
مسحت على وجهها بهدوء، ثم نهضت بمساعدة حماتها، لتقول بعد أن استئذنتها
” بعد إذنك يا ماما.. هروح أقرأ الوِرد بتاعي ”
” اتفضلي يا حبيبتي.. و خفي توتر شوية عشان اللي في بطنك.. هما كويسين متقلقيش ”
أومأت بهدوء، لتقول وهي تذهب
” ربنا يجيبهم بالسلامة ”
صعدت شقتها، ثم اتجهت لتتوضأ و تمسك مصحفها تقرأ فيه.. لم يأخذها الحُب و لا حياتها الزوجية الجديدة من الله، حبيبها سيظل حبيبها الأبدي.. الله أولًا ثم البقية.. كانت تلك الوردة الرقيقة صاحبة علاقة قوية مع الله، علاقة لا أحد يستطيع ابعادها عنه أو جعلها تنشغل عن ذكره، مهما بلغت مكانته في قلبها.
بدأت بقراءة القرآن بصوتها العذب الذي ورثته عن أبيها، مثلما ورثه بدر.. و بعد دقائق من الاندماج في القراءة، آتاها اتصال هاتفي من زوجها..
وضعت المصحف برفق، ثم أجابت بلهفة و بشوق كأنه غاب عنها لسنوات وليس لعدة ساعات
” زياد حبيبي.. وحشتني أوي.. طمني عليك أنت و بدر و عائشة ”
رد زياد بهدوء بعد أن ابتعد قليلًا عن تلك الملحمة التي حدثت بين هذين العنيدين
” و أنتِ كمان وحشتيني أوي.. أنا آسف يا وردتي معرفتش أرد عليكِ.. طمنيني عاملة ايه ؟ ”
” الحمدلله بخير.. عملت ايه ؟ هتيجوا امتى ؟ ”
تنهد زياد بقلة حيلة قائلًا
” والله شكلهم كده هيفضلوا بُعاد عن بعض فترة.. عائشة مصممة بدر يتعالج الأول.. بتقول إنها لو رجعتله هيكنسل العلاج.. و شايفه إنها تفضل جنبه لحد ما يتعالج كخطيبته و بنت عمه، عشان لما يخف يكون قرار رجوعه ليها واخدة بتفكير مش من ضغط نفسي.. و بدر أخوكِ الحالة جاتله تاني وكان عاوز يضربها، و ياخدها بالعافية، و ده خوفها منه أكتر.. و بصراحة يا هاجر أنا بعد ما فكرت لاقيت إن عائشة معاها حق.. بالوضع اللي بدر فيه ده.. لازم يتعالج الأول قبل ما ياخد أي قرار عاطفي في حياته.. أنا خايف على البت ليتعصب عليها في يوم و يأذيها.. أنتِ متعرفيش بدر لما الحالة بتجيله بيبقى عامل ازاي.. أديكِ شوفتي لما ضرب أُبَيّ و نسى هو مين أصلًا ”
ردت هاجر بنبرة حزينة
” الله المستعان.. مش عارفة أقولك ايه.. بس الاتنين صعبانين عليا أوي.. ”
” متقلقيش يا حبيبتي.. أنا معاهم مش هسيبهم غير إما يرجعوا لبعض حتى لو قعدوا فترة متفارقين.. أصل ما ينفعش الحُب اللي بينهم ده يروح كده ”
قالها بنبرة مطمئنة، ثم ودعها بقُبلة حارة أضحكتها برقة قبل أن تغلق معه المكالمة.

بعد لحظات اتصلت عليه ثانية لتخبره أنها ستذهب مع حماتها للتمشي قليلًا لشعورها بالملل الشديد، و بالطبع وافق زياد طالما أن هذا الشيء سيسعدها.
دخل زياد ليجد بدر يرفع سكينًا تجاه عنقه و يهتف بتهديد
” يعني أنتِ مش عاوزه ترجعيلي غير إما أتعالج؟
****
ارتدت هاجر ملابس الخروج المحتشمة، و خرجت تتعلق بذراع حماتها متجهين نحو الحديقة..
كانتا تتبادلان أطراف الحديث حول بدر و عائشة، حتى وصلا.. لاحظت هاجر أن هناك شخص يراقبهما منذ خروجهما من المنزل، و لكنها لم تعطي للأمر أي أهمية..
جلست حماتها تحت إحدى الأشجار، بينما ذهبت هاجر لشراء الآيس كريم، و عندما اقتربت من عربة المثلجات.. جاءت سيارة فارهة سوداء مصفحة، بسرعة شديدة، لتقف بجانبها و ينزل منها رجل بسرعة البرق يكتم فمها و يسحبها لداخل السيارة، ثم انطلقت مسرعة تحت صراخ الناس، و صراخ سارة حماتها.. !
******
نزل قُصي من سيارة أخيه، ليقوم الأخير باعطائه السلاح الشخصي خاصته قائلًا وهو ينظر في عينيه بحُب أبوي
” خلي بالك على نفسك ”
ضرب قُصي شقيقه في صدره بمرح ليقول
” أنت عارف كويس إن أنا الوحيد اللي ميتخافش عليا ”
” ولو.. خلي بالك على نفسك يا قُصي ”
” حاضر.. كله هيبقى تمام بإذن الله.. متقلقش ”
سحبه أُبَيّ من يده بخفة، ليعانقه بحنان قائلًا
” أنا واثق فيك.. واثق إنك قدها.. ربنا يحميك يا قلب أخوك ”
ودعه قُصي، ثم ذهب، و ظل أُبَيّ يتابعه بنظراته الخائفة وهو يدعو الله أن يحميه، لحين اختفى من أمامه.
المكان الذي أوصله أُبَيّ فيه كان نائيًا من السكان تمامًا، توقف قُصي عند قُرص غطاء معدني محفور في الأرض، ليضع كفه عليه فيفتح الغطاء بسهولة بعد التعرف على وجهه، ثم نزل على سلم يصل لأسفل الأرض، ليصبح في ممر سري طويل.. سار بضع خطوات ثم توقف أمام غرفة بابها معدني، و خرج من الباب ماسح ضوئي يقوم بالتعرف على هوية الشخص ثم يسمح له بالدخول..
بالداخل تواجد رجال و نساء من أهم الأشخاص في الدولة، جميعهم يرتدون بدلة سوداء، و يقف عند شاشة العرض شخص في الستون من عمره، لكن السن لا يظهر عليه، يقوم بشرح خطة ما على الشاشة.. من بين الجالسون ضابط المخابرات ” كريم الكردي ” و ضابط المباحث ” رحيم عساف”
و الذي يقف على شاشة العرض، هو اللواء
” عزمي باشا ”
توجهت جميع الأبصار نحو ذلك الشاب أزرق العينان، الذي دلف وهو يوزع بصره عليهم بثقة زائدة..
ابتسم اللواء عزمي و أشار نحو قُصي قائلًا بفخر
” قُصي الخياط.. من أذكى شباب العالم.. نجل عميل الإنتربول السري مُجاهد الخياط ”
ابتسم قُصي باعتزاز بنفسه، دون قول شيء.. تابع اللواء عزمي وهو يوجه حديثه تلك المرة نحو طاولة الضباط
” و دراعنا اليمين ”
____♡

يُتبع ..

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *