رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل التاسع 9 بقلم آية محمد
رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل التاسع 9 بقلم آية محمد
رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) البارت التاسع
رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الجزء التاسع
رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الحلقة التاسعة
ارتبك الجميع في حضرته، وكأن هالته تصنع فجوة تلتهم من حوله، الصمت أحيانًا لا يعد خوفًا ممن أمامك، ربما هو وقار وامتنان لهيبة ذلك الرجل ذو النظرات الصارمة التي تنجح بخلق أجواء مضطربة للجميع، وكأنه يخلق نظام عسكري نجح بتأسيس تلك القواعد داخل قصره الخاص، ذاك الصمت قطعه صوت صديق الطفولة والمقرب إليه حينما رحب به بكل حبٍ وبهجةٍ:
_حمدلله على السلامة .
سحب نظراته عن عدي الذي يراقبه بنظرةٍ نجح بفهم سبب ما يجول بعقله وخاصة بأن حديثهما الاخير عن تولي ادارة الصفقتين لم يكن بعيدًا، واتجه ليحيى فقال بثباتٍ:
_اتمنى ميكنش ناقصكم حاجة.
ابتسم الاخير وهو يردد:
_ناقصنا طبعًا وجودك.
منحه ابتسامة هادئة قبل أن يستكمل طريقه للمقعد الأسود، استرخى بجلوسه عليه وعينيه تتنقل بخفة بين حمزة وحازم، فقال بتريثٍ:
_ مش ناوي تعقل يا حمزة؟
تلقائيًا رفع يده يتحسس بها شعره وكأنه يحمل كارثة ملموسة، فاندفع بما يضيق بصدره حينما قال:
_كويس انك رجعت يابو عدي يا غالي، عشان انا في غيابك بتبهدل من الغبي ده.. قولتله يصبغ شعري لون يصغرني راح محولني لهيفا!
فشل الشباب بالسيطرة على نوبة ضحكاتهم بالرغم من وجود ياسين حتى يحيى ضحك بصوت مسموع، فاتخذ حمزة برهانه الأكيد:
_شوفت يا ياسين بيتريقوا عليا ازاي!
حانت منه نظرة جانبية تجاههم، فكفوا جميعًا عن الضحك ومن ثم اتجهت لمن يقف يرتعد كأنه يرتدي معكب هائل من الثليج، وراح يردد بخوفٍ:
_النية كانت بني محروق النتيجة مكنتش في الخطة.. بس أنا أوعد حضرتك اني هجتهد وهحوله لنفس للاسود أو للونه الابيض عشان يتلم آآأقصد عشان يديله وقار كده.
قطع تلك الأجواء المربكة صرخة نور الحماسية وهي تردد:
_أنكل ياسين رجع يا بنات.
وفي ثوانٍ معدودة تراصت الفتيات بالأسفل من حوله بفرحةٍ جعلته يبتسم بمحبةٍ لم يشعر بها فور تجمع الشباب بأكملهم، نقاط ضعفه تكمن ببناته أولًا وبمن هبط يناديه بشوقٍ:
_جدو!
تلقائيًا فتح ذراعيه لمن هرول إليه يضمه بشوقٍ وهو يردد:
_القصر مالوش معنى من غير حضرتك.. أنا كنت بعد الأيام عشان أشوفك تاني.
حدجه عدي بطرف عنيه بنظرة حزينة، ثمة مشاعر غيرة تفور بداخله، فحينما يغيب لشهور عن القصر لم يحظى بمثل تلك المشاعر التي ينعم بها أبيه من ابنه الصغير، بالرغم من جمود ياسين الجارحي وصرامته كيف تمكن من كسب قلب صغيره بمثل تلك الدرجة؟!
راقبهما باهتمامٍ وإن بدى انشغاله بالتطلع للفراغ، ولكنه كان يتلصص لسماع ما يحدث بينهما باهميةٍ، جابت عينيه القاعة وهو يبحث عن والدته، فكاد بالسؤال عنها ولكن سبقته رحمة حينما تساءلت:
_فين ماما آية؟
ربت ياسين بيده على حجابها وهو يشاكسها بلطفٍ:
_يعني مش فرحانة برجوعي وهمك آية أكتر مني!
شعرت بالحرج قليلًا، وأسرعت بالحديث:
_لا طبعًا احنا كلنا كنا بننتظر رجوع حضرتك.. بس انا استغربت لما مش لقيتها مع حضرتك.
أشار لها بتفهمٍ، ثم قال بثباتٍ:
_آية بره مع رعد ودينا.
صاحت داليا بحماسٍ:
_أيه ده؟ بابي ومامي رجعوا!
وقبل أن تتجه للخارج وجودتهما في طريقهما إليهم، يبدو أن اليوم بات مميزًا بعودة أغلب أفراد العائلة!
*****
بالخارج..
كانت تتبع شقيقتها للداخل، ولكنها توقفت عن المضي قدمًا وراقبت الدرج الخارجي للقصر بابتسامةٍ حالمة، لا تنكر بأن تلك الرحلة القصيرة ستظل محفورة داخل قلبها قبل أن تختم بذاكرتها، مازالت تتذكر الطريقة التي اصطحبها بها لقضاء تلك الرحلة بالرغم من انها كانت تظن نفسها تتوهم، مازالت تتذكر كيف اعتنى بها طوال تلك الفترة، وانفردت معه بعشق خلد طوال تلك السنوات، استندت “آية” على درابزين الدرج وصعدت، فوجدت من يساند يدها حتى وصلت للاعلى، رفعت عينيها تتأمل من يشدد على يدها، فابتسمت قائلة:
_عدي.. حبيبي!
منحها ابتسامة دافئة ومازال يرفعها حتى انهت صعود الدرج، فانحنى يقبل يدها، أغلق عينيه تأثرًا بلمساتها الحنونة فوق شعره الذهبي، وصوتها الرقيق يعلو:
_ربنا ما يحرمني منك.
استقام بوقفته فبدى فرق الطول بينهما، وكأنه أبًا لها وليس ابنها، ضمها اليه واختفى جسدها بهالة حضوره، فقالت بصوتٍ بدى قريبًا للبكى:
_الحمد لله انك لسه واقف قدامي.. قلبي كان هيقف وأنا شايفاك بتغرق قدام عيوني.. كنت هرمي نفسي وراك بس لولا باباك انقذك.
عاد المشهد ليتجسد أمامه، فربت على ظهرها وعقله شارد فيما حدث بالأمس حينما كان على اليخت برفقتهم، وكلماته لا تفارقه، تحرك بها للداخل بعدما لف ذراعه حولها وبمكرٍ سألها:
_انا كويس.. بس قوليلي اخدك فين واتاخرتوا كده!
انشغال عقله بما يخص أبيه جعلها تبتسم، فالعلاقة بينهما غير مفهومة، كالأسد الذي يمقت وجود شبله بغابة يكون هو سيدها ولكن بالوقت ذاته قد يمزق أي وحشًا قد يمسه بخدشٍ صغير، فاتبعته للداخل قائلة:
_ياسين كان حابب نكون لوحدنا في يوم زي ده.. وبالاخر رجعنا ليكم ولبيتنا.
منحها ابتسامة صادقة ارتسمت فور شعوره بسعادة والدته، صمت الآذان فجأة بصراخ مليكة وهي تناديها بفرحة:
_مامـا.. حمدلله على سلامتك يا ست الكل.
أشارت آية لها قبل أن تصل لها:
_بالراحة على البيبي!
تشبثت بذراع عدي الذي حال بينها وبين السقوط، فطرق على رأسها بخفةٍ:
_أنتي جاية من على الطريق الزراعي! اهدي واعقلي.
ابعدت ذراعه وضمت والدتها التي قابلتها بمحبة كبيرة، واخبرتها بشوقٍ:
_وانتي كمان وحشتيني أوي يا ملاكي.. طمنيني عنك وعن يحيى.
وراقبت الطريق من خلفها باستغراب:
_هو فين مجاش معاكِ!
قالت وهي تزيح دموع فرحتها عنها:
_يحيى مسافر مع رحمة في رحلة تبع مدرستها.
تلقائيًا اتجهت نظراتها تجاه عدي الذي زم شفتيه وهو يخبرها:
_اضطريت أوفق.. الولد احرجني بذوقه.
استأذن بالانصراف فتابعته ببسمة صغيرة زرعت الفضول بمليكة لمعرفة سببها فهمست لها بخفوتٍ:
_في أمل ان اخوكي يتغير..
اعترضت على أملها بذلك وقالت:
_انا مش عارفة ليه عايزينه يتغير.. عدي ليه كارزما مختلفة عصبي بس حنين، عاقل بس مجنون شوية، متكبر بس بنتفاجئ بتواضعه أحيانًا.. الخلاصة ابنك مش مفهوم ربنا يصبر رحمة ويديها ويدينا طاقة تحمل.
قهقهت ضاحكة على وصفها الدقيق، فدفعتها للخطى جوارها وهي تهمس لها بنفس نبرتها المنخفضة:
_صدقيني في أمل.. تعالي نشوف رحمة ونور وحشوني أوي.
******
انسحب “ياسين” عمدًا من الداخل، وبحث عن عدي حتى وجده يقف على التراس، وعلي ما يبدو إليه بأنه شارد الذهن، اقترب حتى بات يقف قبالته، فالتقط نفسًا مطولًا قبل أن ينفثه في مللٍ:
_كنت عارف إنك هتيجي ورايا.
أبعد ياسين المقعد قليلًا حتى يتمكن من الوقوف لجواره، فتأمل شلال المسبح المرتفع وهو يتساقط بنظرة تعمقت بما قد يفكر به عدي، وقال بعد صمت طويل:
_أنت خايف من رجوع عمي يا عدي؟
ابتسامة شبه ساخرة تمايلت على شفتيه، فردد بسخطٍ:
_شخص زي ياسين الجارحي يتخاف من بعده مش من قربه.
تقوس جبينه بحيرةٍ:
_بمعنى؟
أجابه بمكر:
_بمعنى إنه من الأفضل يكون قدام العين عشان نتنبئ بخطواته.. طول مهو بعيد طول ما هو غامض ومش مفهوم.
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه، وردد بثقة:
_عمي مش مفهوم لاي حد حتى لو عاش معاه عمر كامل.
سحب نظراته عن الشلال وسلطها تجاهه وهو يخبره:
_بالنسبالك.. أنا لا.
اشار بيده وهو يقترب ليجلس على حافة التراس المتدلي:
_يمكن.. بس اللي انا واثق منه إن ورا عمي لغز كبير يا عدي.. أكبر من جو التحدي اللي بيخلقه بينكم.. وصدقني مدام هو بنفسه قالك بلاش أحمد قصاد رائد يبقى تنفذ كلامه لانه ليه نظرة بعيدة وهو أكتر منك خبرة.
انكمش وجهه بعاصفة حلت لتستحضر غضبه:
_هو اللي حملني المسؤولية دي.. يبقى مستحيل هسمحله يتدخل في قرار أنا سبق وأخدته.. حتى الطريقة اللي بيحاول يكشف بيها مخططاتي قدامه طريقة متناسبهوش!
_وهو ده اللي مأكدلي ان في حاجة كبيرة عمي بيحاول يخبيها.. فكر في كلامي كويس يا عدي.
كلمات أخيرة قالها قبل أن يغادر ليتركه يحسم أمره المتعلق باختيار أحمد ورائد، فبالرغم بأنهم ذو كفاءة وخبرة أكثر من الشباب ولكن ياسين فقد اقتناعه التام باختيار عدي فور اعتراض ياسين الجارحي على اختياره، لانه لديه ثقة بأن هنالك شيئًا هامًا لا يستطيع أحدًا رؤيته سوى ياسين الجارحي ذاته!
******
اجتمع الجميع حول مائدة الطعام، بعد أن فتشت المفاجأة التي يستعد لها الجميع، وبالرغم من جفاء الأجواء من الأحاديث الا أنها كانت محفوفة بالبهجة والمحبة لوجود ياسين وآية بينهم، بدأ الجميع بتناول الطعام، إتكأ “ياسين” على مرفقيه ووزع نظراته بين الجميع، وبالأخص لزوجته التي تجلس على يمينه وابنه الجالس على يساره، ومن أمامه على نهاية الطاولة يجلس رفيق دربه، أخفى حنينه لتلك الأجواء المختلفة، ولمذاق الطعام الرائع، فشرع بتناول طعامه، وفجأة علق الطعام بجوفه، سعل بقوةٍ جعلت وجهه يتلون بالأحمر القاتم، وقبل أن يمد يده على كوب المياه، وجد كوبًا قريبًا من فمه، واحدهما يعاونه على ارتشافه بأكمله حتى هدأت نوبة سعاله، وصوت من يقف قبالته بالكوب يتساءل بلهفةٍ:
_حضرتك كويس؟
لم يكن سوى عدي المتلهف لسماع إجابة صريحة من أبيه، أول من أسرع إليه بقلبٍ تمزق مع كل سعلة خرجت منه، هز ياسين رأسه إليه بأنه على ما يرام، فاستقام عدي بوقفته وقد هدأت أنفاسه المنفعلة فعاد لمقعده من جديدٍ وتابعه بتلصصٍ من حينٍ والأخر، المشهد برمته كان يتابعه الجميع ببعض الدهشة والحيرة، لم يعد أحدٌ يفهم ما يدور بعقولهم، عدي لم يعد مفهوم بالمرة، عاد الصمت يكمم الأفواه من جديدٍ الى أن مزقه ياسين وهو يردد بنبرة استهزاء:
_أنا شايف إن نور كويسة .. خليني أعترف ان حجتكم كانت مقنعة ونجحت بس محبهاش تتكرر تاني.
وألقى منديله القطني على الطاولةٍ، ثم نهض وصعد للأعلى والجميع يراقبه حتى تخفى من أمامهم، تحرر الجفاء بينهم فقال رعد ممازحًا:
_الحصار اتفك.. ها طمنوني عاملين أيه؟
أجابته داليا وعينيها تلتهم جاسم:
_احنا بخير بس الخناق اللي بينا مازال مستمر..
وأضافت رانيا:
_يا أنكل البيت ده محتاج ليكم لانه من غيركم فوضى.
جز رائد على أسنانه بغيظٍ:
_بتقولي أيه يا حبيبتي سمعيني؟
ابتلعت ريقها بتوترٍ ألزمها بالصمت، فقالت نور باستنكارٍ:
_انتي خايفة ليه.. ما تتكلمي وتقولي لانكل رعد على اللي بيحصلنا هنا!
ضحك يحيى بصوته الرجولي المميز وقاطع حديثهما:
_نور أنا شايفك مش مقصرة مع حد في لستة الشكاوي.. مش فاهم لسه محتاجة أيه بعد رجوع ياسين الجارحي بنفسه!
اقترحت عليها ملك بخبث:
_انا بقول تجمعوا الشكاوي وتطلعوله فوق هو اللي هيقدر ياخدلكم حقكم.
صاح بها حازم:
_أيه يا طنط خليكي محضر خير.
ونكز ياسين بخوفٍ:
_ما تشوف أمك.
تجاهله واستكمل تناول طعامه، بينما اجتمعت الفتيات وصعدن للاعلى لتقديم الشكاوي المقترحة، ولحق بهم رعد ويحيى فلم يتبقى سوى الشباب، استغل عدي بقائهم بمفردهم وقال بخشونة:
_كويس اننا بقينا لوحدنا.
اعتدل احمد بجلسته وسأله باهتمامٍ:
_خير يا عدي.
انصت الشباب إليه بانصاتٍ وخاصة حينما تابع وقال:
_أنا اخدت قرار بخصوص الصفقتين واختارت ان أحمد ورائد.
تطلع رائد لأحمد بدهشةٍ من اختيار عدي الغريب، وتساءل بذهول:
_مش هسألك ليه اختارتنا بالذات.. بس هقولك الموضوع صعب ومستحيل تتم الصفقتين لصالح شركتنا!
اعترض على حديثه:
_الاتنين هيكونوا تبع امبراطورية الجارحي يا رائد.. انت مش أول مرة تمسك مناقصة ولا أحمد.. يعني عندكم الخبرة الكافية اللي تخليكم تهزموا مهاب أبو العزم.
اكتفى بإيماءة صغيرة من رأسه، ثم قال مرغمًا على ادعاء اقتناعه:
_هحاول.
اتجهت نظرات عدي لأحمد الذي ردد هو الأخر:
_مفيش مشكلة.. هشتغل على العرض ومش هتخرج من ايدنا.
منحه ابتسامة هادئة قبل أن يتشتت الجمع فيما بينهم..
******
اتجه عمر لغرفته لينال قسطًا من الراحةٍ،اتجه لفراشه وألقى بثقل جسده عليه بعد يومًا شاق للغاية، فتسلل إليه بكاء صغيرته من الغرفة الملتصقة به، رفع الوسادة على رأسه وهو يردد بخفوت:
_مش وقتك أنا مش قادر.
عادت بالبكاء من جديدٍ، فنهض عن فراشه قسرًا، اتجه لغرفتها فوجدها تجلس على الفراش بمللٍ، أضاء إنارة الغرفة ثم تمدد جوارها وبنومٍ جعله يتثأب أكثر من مرة قال:
_أكيد مفيش حد هيشيل الليلة غيري.. وأنا حقيقي يا حورية البحر أنتي راجع تعبان ومش قادر.
وتمدد على قدميها الصغيرة الممددة على الغطاء وهو يسترسل برجاء:
_سبيني بس اريح نص ساعة وأنا اوعدك هقوم وأعملك قرد بعدها لحد ما تنامي.
تعالت ضحكات الصغيرة ببراءةٍ، وأخذت تلهو بخصلات شعره، فاستكان وغفى تمامًا على قدميها.
تسللت نور للداخل بحذر، فهي تعلم بأن عاقبة ما فعلته بالاسفل لن تمر مرور الكرام، بحثت عنه وحينما لم تجده تهللت أساريرها، فأبدلت ملابسها واتجهت لغرفة صغيرتها، خيم العشق بابه العتيق بين حدقتيها حينما رأته يحتضن ابنتها ويغفو بإرهاقٍ، انصرفت عنها كل فكرة دفعتها لمشاكسته فسحبت الصغيرة برفقٍ لغرفتها، ثم أطفئت الاضاءة، واقتربت منه لتطرح غطاء على جسده، انتفضت فزعًا حينما قرب يدها اليه، طبع قبلة رقيقة على كفها هامسًا بنومًا يغلبه:
_بحبك.
ابتسمت وهي تحتضن كفها، وقبل أن تغادر لغرفتها انحنت لتطبع قبلة على جبينه، ورحلت سريعًا لابنتها، وقرارها أن تقضي الليل بصحبتها الليلة.
*******
خلع قميصه عنه حينما شعر باختناقٍ يهاجمه، وضع بمكان لا ينتمي إليه وكعادته لا يحاول التقليل من ذاته وتقبل الهزيمة بسهولةٍ، وها هو يشعر بثقل المسؤولية التي يحملها على عاتقه، فتح نوافذ الغرفة لتلفحه تلك النسمات الباردة علها تتمكن من التخفيف عما يجتاحه، استند على حافة باب الشرفة وهو يراقب انارة حمام الغرفة بترقب، يتنمى أن تنتهي رحمة من حمامها وتخرج إليه سريعًا، ربما لا يحب الحديث المبالغ به، ولكن وجودها لجواره يمنحه كل ما يحتاجه في تلك اللحظة، عاد ليتطلع أمامه من جديدٍ، تسلل إليه تأوهات خافتة جعلته يستقيم بوقفته وهو يناديها بقلقٍ:
_رحمة!
وحينما لم يستمع لردٍ منها، اقترب من باب الحمام وطرق وهو يكرر ندائه:
_رحمـة.. فيكِ أيه؟
فتحت باب الحمام وهي تحاول التصنع بابتسامةٍ صغيرة:
_مفيش.
وتركته واتجهت للفراش بخطواتٍ متهدجة، توحي له بما تشعر به في تلك اللحظة، راقبها بنظرةٍ تخللت إليها، وخاصة حينما احتضنت الوسادة وهي تحاول محاربة ألمها، جذب عدي قميصه وارتداه باهمالٍ، واختفى من امامها ثم عاد بعد لحظاتٍ قليلة، وجدته يجلس جوارها ويضع على الكومود مشروب النعناع الساخن، وبعض المسكنات، احمر وجهها خجلًا بعدما كشف ما أصابها فجأة، فابتسم وهو يشير لها بمكر:
_تحبي تبدأي بأيه الأول المسكن ولا السخن؟
أخفضت عينيها عنه بحرجٍ، فضحك بصوته الرجولي وهو يداعبها قائلًا:
_حبيبتي السنين اللي بينا تكفي إني أحفظ حالتك وبالمواعيد.
رفعت عينيها اليه فوجدته يضع المسكن بذاته أسفل لسانها ومن ثم قدم لها المياه، فارتشفتها وتمددت بتعبٍ جعلها تئن بخفوتٍ وهي تواجه ألم عادتها الشهرية، جذب عدي الغطاء ليداثرها جيدًا ثم تمدد لجوارها ويده تضم جسدها اليه، حنان قلبه يختبئ خلف حاجز قسوته الغامضة، يمتلك الرأفة والحب وغيرها من المشاعر السامية ولكن يغلبها حاجز صنعه بذاته، حاول عدي الاستسلام للنوم ولكنه لم يحظى به فما أن شعر بغفلتها، فتسلل بهدوءٍ من جوارها ثم عاد لشرفته من جديدٍ، عبث بهاتفه بمللٍ فتفاجئ باحدى الأخبار تعلن عن وفاة ظابط شرطة بطريقة مأساوية، حيث ثم قتل أفراد عائلته أمام عينيه ثم ذبح واشتعلت النيران بمنزله، دقق بإسمه جيدًا، وكانت صدمة كبيرة له، فبحث عن اسم بسجل هاتفه وما أن أجابه صوت المتصل به حتى ردد بذهول:
_مين اللي قتل كمال بالوحشية دي؟
استمع لرد زميله وهو يبرر بتوتر:
_لسه موصلناش للقاتل… ولا لأي دليل لان البيت كله ولع للأسف.
رد عليه بضيقٍ شديد:
_مش محتاجة أدلة دي واضحة زي الشمس.. ده انتقام ومش هيطلع غير من مجرم له تار عند كمال!
=احنا شغالين وهنوصله ان شاء الله.
_ابقى بالغني بالجديد أول بأول، ولو احتجت مساعدتي متترددش أنت عارف كمال كان غالي عليا ازاي، ياما اشتغلنا مع بعض.
=عارف يا باشا ومقدر موقفك.. ان شاء الله هكون على تواصل مباشر مع حضرتك.
وانتهت المكالمة فيما بينهما، بينما لم تنتهي رباطة فكره بما حدث لزميله وبالسيارة التي كانت تراقب تحركاته منذ قريب، ربما هناك ما يثير الشكوك بالأمر!
*******”
غيابهم ليومين متتاليتين جعل هناك ازدحام هائل من الأعمال، لذا انصرف الشباب صباح اليوم التالي باكرًا قبل استيقاظ أحدًا من القصر، عملوا بجهدًا كبير قبل أن يصل “ياسين الجارحي” لتفقد الأمور بالمقر، لف “معتز” رأسه يمينًا ويسارًا بتعبٍ ثم قال بإرهاقٍ شديد:
_أنا خلاص تعبت، مش هقدر أكمل غير لما أخد ساعة راحة على الأقل..
أغلق “جاسم” حاسوبه، ثم تمدد على سطح مكتبه وهو يردد بتعبٍ:
_مين سمعك، أنا خلاص ارهقت..
أضاف “رائد” وهو يقاوم النوم بصعوبةٍ:
_أنا بقالي ساعة شغال على الملف ده ومش عايز يخلص تقولش بيعاند هو كمان!
خلع “عمر” سترته السوداء ثم حرر الجرفات الخاص به وهو يصيح بغضب:
_يا جدعان أنا دكتور والله العظيم دكتــــــــور مش محاسب، جايبني اراجع حسابات أول مرة أشوفها.. ده أنا حتى كنت بخلع من حصة الرياضة اتقوا الله!
ضحك “أحمد” ثم قال وهو يوزع نظراته بين أبناء عمه:
_أيه يا عصب الجارحي، نخيتوا أوام كده أمال فين كلام الكفاح والمستقبل والعزيمة بتاع امبارح!
رد عليه جاسم بغضب:
_اقعد يا عم انت طول عمرك واخد على المرمطة دي ذنب أمنا أحنا أيه!
سأل معتز باستغراب:
_أمال فين ياسين وعدي وحازم!
أجابه عمر قائلًا:
_عدي وياسين فوق في مكتب عمي بيخلصوا شوية اجراءات على اللاب بتاعه، أما الحيوان ده فمعرفش فين بس أي كان هو فين فاكيد بيعمل كارثة جديدة..
ردد أحمد بعصبية:
_هو أحنا لحقنا!
قال رائد بغضب:
_قوم يا أحمد شوف أخوك في انهي داهية، وقسمًا بالله ما قادر لاي مصيبة جديدة واديك شايف بعينك شكلنا عامل ازاي… قوم.
زفر بضيقٍ ثم ترك حاسوبه ونهض عن مكتبه، فما أن اقترب من الباب حتى وجده يدخل حاملا بين يده كارثة ستفتك بهم جميعًا، انتبه الجميع لما يحمله بين يديه فكانت علبة قيمة للغاية، فتحها ليبرز ما تحمله بداخلها، رفع أحمد حاجبيه وهو يردد باستغراب:
_شوكولا تشاكوبولجي مرة واحدة، جبتها منين دي؟
قال معتز بدهشة:
_ولا انت سارقها صح! ، لحقت تجبها ازاي دي!
تساءل رائد بذهول:
_وقدرت على تمنها ازاي وانت أبوك ساحب منك الفيزا وكل ما تملك بعد حوار الشعر الأحمريكا!
تدخل عمر حينما صاح بغضب:
_ما تنطق يالا هنتحيل عليك.
ابتسم حازم بغرور ثم وزع عليهم قطع الشوكولا ليقول وهو يلتهم احد القطع:
_عشان تعرفوا اني حنين لما سرقت سرقت عشانكم انتوا!
ضيق احمد عينيه وهو يردد بذهول:
_سرقت مين؟!
أجابه بفخرٍ،وكأنه يجلب كنوز مقبرة فرعونية إليهم :
_الواد ياسين الواطي جايب لمليكة مراته أفخم انواع الشوكولاتة في العالم وسايبنا هنا هنموت من التعب.
جذب أحمد ياقة قميصه وهو يردد بعصبية:
_يعني أنت سرقت فعلًا!
هز رأسه وهو يخبره بعنجهيةٍ:
_اخدتها من المندوب اللي جاي بنفسه يسلمها، ابن ال… مرضاش يدهاني الا لما شاف بطاقتي وصدق اني من العيلة.
تناول رائد القطعة الصغيرة التي بيده وهو يردد بتلذذ:
_لا جدع يالا، بصراحة طعمها لا يقاوم..
تناولها عمر وهو يردد بحزن:
_هي طعمها حلو مقولناش حاجة بس ياسين هيتضايق.
قال معتز وهو يجذب قطعة من العلبة التي يحملها حازم:
_ولا هيتضايق ولا حاجة هيطلب غيرها، المهم اننا لقينا حاجة تفتح نفسنا على الشغل..
أجابهم أحمد بسخرية وهو يراقب ما يفعلونه :
_انت بتحلم، انت عارف عشان يطلب نوع فاخر من الشوكولا دي تاني هياخد معاه وقت وفلوس اد أيه، دي بتتباع بالدولار يا حبيبي!
تناول حازم قطعة اخري ثم قال وهو يلوكها بنهمٍ:
_وهو هيغلب يعني!
ضحكوا معًا وتقاسموا الغنيمة الباهظة، ولكن سرعان ما تلاشت الابتسامة حينما عاد ياسين وعدي، فجحظت النظرات المسلطة عليهم بصدمة، فتساءل عدي باستغراب:
_أيه اللي بيحصل هنا ده، كل واحد سايب شغله وقاعدين بتحلو!
اقترب منهم ياسين والخوف يدب بقلوبهما، فجذب قطعة من الشوكولا ثم تناولها وهو يقول بتلذذ:
_جمييلة اوي، جايبها منين دي يا حازم؟
توقفت قطعة الشوكولا في فمه، بينما ردد عمر بصدمة:
_هي العلبة دي دي مش كانت جايلك يا ياسين؟
انكمشت تعابيره بدهشةٍ:
_لا وأنا هطلب شوكولا لمين هنا!
لف معتز العلبة وهو يقول:
_ازاي بس!
قرأ أحمد الاسم المدون بصوت مقبض:
_السيد ياسين الجارحي!
ردد حازم بصوتٍ انقطعت اوتاره وكأنه يحاول تصديق ما سيقول:
_اهو مكتوب ياسين الجارحي!
ثم تطلع تجاه ياسين قائًلا:
_مش أنت اسمك ياسين يا ابني ولا انا اتحولت؟
سكنت الصدمة وخيما بالوجوه وخاصة حينما ولجت السكرتيرة للداخل لتخبرهما بعملية:
_ياسين باشا وصل المقر.
القى حازم العلبة من يده لاحمد، والقاها أحمد لياسين وياسين لعمر وعمر لرائد ورائد لمعتز ومعتز القاها للوحش الثائر ثم في لحظة وجد الغرفة فارغة بأكملها، فأختبئ كلا منهم أسفل مكتبه، ولم يظل سوى عدي الذي يتطلع لهم باستغرابٍ وهو يحمل العلبة، وحينما استدار للخلف وجد أبيه يقف مقابله!
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5))
مسليه
التاسع
حاةى
جميله
الباقى
الرواية حلوة كتير بس النشر عم يتأخر الوقت كبير بين الفصول