رواية أوهام الحب الوردية الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم بتول علي
رواية أوهام الحب الوردية الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم بتول علي
رواية أوهام الحب الوردية البارت الثالث والثلاثون
رواية أوهام الحب الوردية الجزء الثالث والثلاثون
رواية أوهام الحب الوردية الحلقة الثالثة والثلاثون
نظرت شمس إلى صور خطبتها من محمد وهي تبكي فألم قلبها لا يمكن وصفه بعدما اختفى فجأة من حياتها الرجل الذي كان يسعى لنيل رضاها وفعل كل ما يسعدها حتى يرسم الابتسامة على وجهها.
انهمرت الدموع بغزارة من مقلتيها وأخذت تسأل نفسها كيف ستتمكن من إعادة محمد بعدما ابتعد عنها وأعلن بشكل غير صريح انتهاء قصته معها؟
سحقا لقلبها الذي لم يعلم قيمته إلا بعدما ابتعد عنها وجعلها تتمنى لو أنه علم قبل رحيله أنها أحبته ولم يعد بإمكانها أن تعيش من دونه.
قررت بعدما أمضت بعض الوقت في التفكير أنها ستبادر باتخاذ الخطوة الأولى فهي قد وقعت في الحب مرة وخسرت من أحبته ولا يمكنها أن تتحمل ألم الخسارة الذي أنهك روحها في الماضي مرة أخرى.
أمسكت شمس بهاتفها وفتحت تطبيق المراسلة واتس آب ثم ضغطت على علامة التسجيل وبدأت تتحدث قائلة:
-“أنا عارفة كويس أوي أن الموضوع صعب عليك تستحمله وأنك مشيت وبعدت عشان مش قادر تحط عينيك في عين ابن عمك لأن ده بيخليك تحس بالذنب لأنك مفكر أنك جرحت آدم لما خطبتني”.
خرج صوت شمس بحشرجة وهي تكمل:
-“بس أنت ملكش علاقة باللي حصل زمان وأصلا كل واحد فينا نسي الموضوع وكمل حياته، وأنا وآدم مكانش لينا نصيب نكمل مع بعض لأن كل واحد فينا ربنا كتبله حياته مع شخص تاني، آدم نصيبه مع نادين، وأنا نصيبي معاك أنت إلا إذا أنت قررت تسيبني بس خليك عارف أن مفيش راجل تاني هيدخل حياتي من بعدك”.
أرسلت شمس الرسالة الصوتية وتمنت أن يراها محمد ويحسم أمره معها فهي لن تسمح له بالهروب منها بهذه الطريقة قبل أن يخبرها صراحة بما ينوي فعله.
لن تتركه وشأنه قبل أن يجعلها تقف على أرض صلبة وتعلم إذا كان يرغب في الاستمرار معها وإذا اتضح لها أنه لم يعد يريدها فسوف تبتعد عنه وتتمنى له التوفيق في حياته حتى لو كانت مع امرأة أخرى.
عندما خطر في بالها هذه النقطة شعرت بغصة مريرة في حلقها وأخذت تلوم نفسها؛ لأنها سمحت لنفسها بالسقوط في الحب مرة أخرى وكما قالت لها إحدى الفتيات اللواتي يشعرن بالغيرة منها:
“المنحوس منحوس ولو حطوا على رأسه فانوس”
يبدو أن حبها قد ناله نصيب من تلك الكلمات اللاذعة وها هي على وشك خسارة محمد مثلما خسرت آدم من قبله.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
دلفت ميرڤت إلى غرفة ابنها وأيقظته من نومه وهي تصيح بغضب:
-“قوم فز من مكانك، أنت هتفضل لحد إمتى نايم على ودانك ومش شاغل بالك بحاجة؟!”
تأفف كريم قائلا بعصبية:
-“فيه إيه يا ماما؟! عايزة مني إيه تاني؟! مش كفاية علينا الفضيحة اللي حلت على رؤوسنا بسبب بنتك اللي فضلتِ طول عمرك تدلعي فيها؟!”
ابتلعت ميرڤت غصة مريرة شعرت بها وهي تقول:
-“أنا بقالي أسبوع بحاول أتصل بمراد بس تليفونه مقفول وحاولت أتصل بالمخفية مراته بس هي مش بترد عليا وقلبي متوغوش أوي عليه ومش مطمنة خالص”.
نفض كريم الغطاء عن نفسه صارخا بحنق فقد ملّ منها ومن اهتمامها الزائد بمراد وكأنها لا تمتلك أولادا غيره:
-“يا شيخة كفاية بقى، هو أنتِ مش وراكِ غير مراد؟! مش مكفيكِ اللي جرالنا من تحت رأسه بعد ما عمل عملته السودة وخلع وسابنا إحنا وراه نواجه غضب أهل سمية وأنا مش هنسى اللي جرى لرجلي من وراه وإذا كنتم مفكرين أني هسيب حقي تبقوا غلطانين، أنا هنتقم بس في الوقت المناسب”.
أمسكت ميرڤت بذراع ابنها تمنعه من مغادرة غرفته قائلة برجاء:
-“عشان خاطري يا كريم، اتصل بأي واحد تعرفه من اللي شغالين عند ثريا وخليه يطمنا على مراد”.
امتثل كريم لطلبها حتى يتخلص من إلحاحها واتصل بالفعل بأحد العاملين بقصر ثريا والذي أبلغه بكل ما جرى مع أخيه والمصير الذي ينتظره خاصة بعدما ثبتت عليه تهمة حيازة المخدرات بغرض الإتجار بها.
نظر كريم إلى والدته التي كانت تنظر له بلهفة منتظرة سماع أخبار جيدة عن ابنها المختفي وهتف ببرود:
-“ابنك المصون اتقبض عليه الأسبوع اللي فات وكان معاه واحدة أجنبية اتضح بعد كده أنها مراته والعربية كان فيها ممنوعات وهو متهم حاليا بالتجارة في المخدرات وكل الأدلة ضده ومفيش أمل أنه يخرج براءة من القضية”.
وضعت ميرڤت كفها على قلبها صارخة بحرقة تزامنا مع هطول الدموع من عينيها:
-“ابني مش بيشرب سجاير أصلا ولا بيطيقها عشان يتاجر في المخدرات، أكيد الحرباية مراته هي اللي دبرت ليه البلوة دي عشان اتجوز عليها واحدة أصغر وأحلى منها مليون مرة”.
لم يكترث كريم لدموع والدته وكاد يعود إلى فراشه مرة أخرى ولكنه تلقى اتصالًا من قريب له يعمل ممرضا في إحدى المستشفيات الحكومية وقد أخبره أنه تم العثور على جثة لميس وطلب منه أن يأتي برفقة ميرڤت إلى المشرحة حتى يتعرفا عليها.
التفت كريم إلى والدته قائلا بجمود أظهر عدم تأثره بنبأ انتحار شقيقته:
-“بنتك خرجت من النيابة وبعدها بكام ساعة فيه ناس لقوها ميتة بعد ما قطعت شرايينها ومطلوب منك تروحي دلوقتي للمستشفى وتتعرفي على جثتها لأني اتبريت منها بعد اللي عملته ومش هشارك في جنازتها ولا في دفنها”.
زاغت نظرات ميرڤت بعدما سمعت كلام كريم وسقطت أمامه غائبة عن الوعي بعدما رفض عقلها تصديق فكرة أنها قد خسرت اثنين من أولادها في يوم واحد.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
أخذ آدم يتذكر الحوار الذي دار بينه وبين نادين التي اعترفت له بحبها وأخبرته بالسبب الذي دفعها لتناول أقراص منع الحمل وهو خوفها من خوض التجربة التي مرت بها والدتها في الماضي وكانت هي شاهدة على كل تفاصيلها.
كان يظن أنها عالقة في شراك حبها القديم لابن خالتها، وهي كانت تعتقد أنه يشعر بالحسرة بعدما رأى حبيبته السابقة وهي تتزوج من ابن عمه.
هذا ما تمكن من معرفته عندما أخبرته أنها رأت نظرات الحزن في عينيه أثناء عقد قران شمس على محمد وقد وضح لها الأمر وأخبرها أن حزنه كان ناتجا عن توقعه لما سيحدث في المستقبل وقد صدق حدسه فهذا الارتباط أدى لتوتر العلاقة بينه وبين ابن عمه الذي لم يتحدث معه حتى الآن منذ سافر إلى القاهرة.
نظر آدم إلى زوجته التي تنام بعمق شديد بعدما تناولت أدويتها، وحمد الله على نعمة وجودها بجواره وأن سوء الفهم الذي عكر صفو حياتهما في الفترة الأخيرة قد اختفى واكتشف أنها تبادله المشاعر نفسها التي يكنها لها في قلبه.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
نظر رامز إلى قمصانه أثناء مرحلة الطفولة التي تمسك بها والدته وابتسم بشدة قائلا:
-“إيه ده يا ماما!! هي الهدوم دي لسة عايشة لحد دلوقتي؟!”
أومأت إلهام قائلة بلطف:
-“أنا فضلت محافظة على كل هدومك أنت وأمنية أختك عشان ألبسها لأولادكم من بعدكم”.
ضحك رامز وقال:
-“فيه موديلات كتيرة طلعت دلوقتي ومختلفة عن الهدوم دي”.
أخذت إلهام ترتب بعض القمصان ووضعتها بين يدي ابنها وهي ترد:
-“مظبوط فيه حاجات حديثة ظهرت بس الهدوم دي فيها ذكريات كتيرة جدا وعشان كده عمر الهدوم الجديدة ما هتقدر تحل محلها”.
احتضن رامز والدته وهو يتمنى أن يضرب نفسه بالحذاء كلما تذكر أنه قد أغضبها ذات يوم وأحزنها من أجل امرأة حقيرة دمرت حياته وتفننت في إذلاله.
لا يمكنه أن يستوعب أنه كان مخدوعا في حب داليا إلى تلك الدرجة التي جعلته لا يهتم برأي والدته بها ولكنه الآن قد أصلح خطأه وسوف يعمل في المستقبل على تعويضها عما فعله معها في هذه الفترة.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
علمت سمية بانتحار شقيقة طليقها بعدما شاهدت بعض المنشورات على الفيس بوك مرفق بها صورة للميس.
كانت المنشورات مليئة بكلمات العبرة والعظة بغرض توعية كل الفتيات حتى لا يقعن في الخطأ نفسه الذي وقعت فيه لميس، حيث تم التشديد عليهن بألا يسمحن لأنفسهن بالوقوع فريسة أمام بضع كلمات معسولة من شباب غير مسؤولين يريدون فقط الترفيه عن أنفسهم.
ضربت سمية كفيها قائلة بأسف:
-“لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ليه عملتِ كده في نفسك يا لميس!!”
تذكرت سمية عندما قررت العمل بنصيحة رامز وقد اتصلت بلميس وطلبت منها أن تلتقي بها دون أن يعلم أي شخص بالأمر ولكن رفضت الأخيرة وأهانتها بشدة ثم أغلقت الهاتف في وجهها.
دلفت جميلة إلى الشقة وهي تحمل بعض المشتريات التي ابتاعتها من محل البقالة، ولاحظت شرود سمية وتحديقها في شاشة هاتفها بملامح متأثرة فسحبته منها على الفور وانتقل إليها شعور الصدمة الذي تعيشه ابنتها بعدما رأت صورة لميس وقرأت الكلمات المرفقة بها.
وضعت جميلة الهاتف جانبا وربتت على كتف ابنتها قائلة:
-“اللهم لا شماتة، بس فعلا كما تدين تدان ولو بعد حين، ميرڤت زمان اتهمتك في شرفك وطلعت عليكِ كلام صعب وقالت أنك حاولتِ تغوي كريم وسبحان الله بنتها دلوقتي سيرتها بقيت على كل لسان بعد ما فيه شاب صايع ضحك عليها وخلاها تفرط في شرفها”.
دلفت سمية إلى غرفتها دون أن ترد على حديث والدتها فهي تشعر بالتشتت، فجزء منها يشعر بالأسف على لميس، وجزء أخر يشعر بالشماتة في ميرڤت وابنيها.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
ذهبت حبيبة إلى المطعم الذي ستلتقي به بمهاب بعدما اتفقت معه على ذلك على الرغم من عدم رغبتها في هذا الأمر ولكنها مضطرة بإظهار بعض الحب المزيف أمامه حتى لا يشعر بأي تغيير في تصرفاتها نحوه.
نظرت إليه مليا وهو قادم نحوها فهذا هو نفسه الرجل الذي أحبته كثيرا وكانت تدافع عنه أمام الجميع قبل أن تكتشف أنه طاغية لا يستحق سوى الموت جزاءً عادلا لجميع الجرائم التي ارتكبها في حياته.
ظنت أنه أمانها وملاذها ولكنها اكتشفت لاحقا أنه جلادها الذي جعلها تتعذب وتتمنى الموت بعدما عرفت حقيقته البشعة.
جلس مهاب أمامها وابتسم بسعادة قائلا:
-”وأخيرا عرفت أشوفك وأقعد معاكِ!! الواحد كان حاسس كأنه مغترب وبعيد عن أهله بعد ما أنتِ اختفيتِ فجأة”.
لم ترد حبيبة على حديثه سوى ببضع كلمات مقتضبة:
-“كنت عند صاحبتي ورجعت والموضوع مش مستاهل نقعد نعيد ونزيد فيه”.
استشعر مهاب حدة حبيبة في الحديث معه ولكنه أرجع هذا الأمر لشعورها بالحزن على صديقتها ولم يخطر في عقله أنها قد كشفت حقيقته وعلمت أنه شيطان تجسد في هيئة إنسان.
تحدث مهاب بهدوء محاولا تلطيف الأجواء المشحونة بالتوتر:
-“أنا عارف أنك زعلانة على والدة صاحبتك بس زي ما بيقولوا الحي أبقى من الميت وإحنا فرحنا اتأخر أوي ولازم نعمله في الميعاد اللي حددناه قبل كده لأننا مش هينفع نأجله بعد ما حجزت القاعة ووزعت الدعوات واتفقت مع الفرقة والمغني اللي هيحيي الفرح”.
تمالكت أعصابها بصعوبة وهي تستمع إلى صوت من أصبحت تكرهه وهو يخبرها بموعد حفل زفافهما وكم هو متشوق لمجيء اليوم الذي ستأتي به إلى منزله بينما هي متشوقة لليوم الذي ستراه به وهو يقف أمام حبل المشنقة.
أرادت أن تصرخ وتطلب من أحدهم أن يمنحها سكينا تغرسها في قلب هذا الحقير الذي يريد الزواج بها دون أن يشعر بذرة من الذنب والندم بعدما قتل أخاها الوحيد وحرمها منه.
احتد صوت حبيبة وهي ترد على طلبه الذي رفضته بقلبها قبل أن ينقله لسانها:
-“بقولك أم صاحبتي ماتت وهي دلوقتي منهارة وأنت جاي تقولي فرح وقاعة ومغني!! يعني أنت عايزني أروح أتصل بصاحبتي وأقولها تعالي يا حبيبتي احضري فرحي وأنتِ لسة عاملة حداد على أمك عشان الأستاذ خطيبي مش عايز يقدر الظرف الطارئ اللي إحنا بنمر بيه!!”
أراد مهاب أن يتحدث ويقنعها بوجهة نظره إلا أنها أخرسته بنبرتها الحازمة:
-“بص يا مهاب، مفيش فرح هيتعمل غير بعد أما يعدي أربعين يوم على موت أم صاحبتي وده أخر كلام عندي”.
حملت حبيبة حقيبتها وغادرت وهي تشعر بانقشاع الغمة التي كانت تشعر بها خلال الدقائق التي جلست بها أمام قاتل أخيها.
ضرب مهاب كفيه متمتما باستغراب شديد:
-“هو إيه اللي بيحصل بالظبط؟! أنا أول مرة في حياتي أشوف واحدة عايزة تأجل فرحها عشان خاطر وفاة أم واحدة صاحبتها اللي عايشة في محافظة تانية وفي منطقة بعيدة جدا!!”
قاطع تفكيره صوت رنين هاتفه وابتسم بسخرية بعدما رأى أن من تتصل به هي نفسها داليا التي كانت تنافسه من قبل وأرادت أن تطيح به من حياة عزام.
أجاب مهاب قائلا باستهزاء:
-“إزيك يا دولي، ألف مبروك عليكِ طلاقك من عزام ورميه ليكِ في الشارع زيك زي أي حشرة جربانة خرجها من بيته عشان خايف عليه من الوسخ”.
تحكمت داليا في غضبها بشق الأنفس؛ لأنها تدرك جيدا أنها ستكون الرابحة الوحيدة في هذه المعركة بعدما تنكشف حقيقة طليقها أمام الأحمق الذي يسخر منها ويضحك على ما أصابها.
أخذت تصبر نفسها بجملة لا بأس، فليشمت ويستهزأ بها كما يريد، فهي تعلم جيدا أنه سيتحطم وتنقلب موازين اللعبة كلها لصالحها بعدما تخبره بالحقيقة التي لم تخبر بها رامزًا، سوف تجعله يعلم أن عزامًا قدوته ومثله الأعلى هو نفسه المجرم الذي قتل والديه وحرمه منهما.
أخذت داليا شهيقا وزفيرا عدة مرات قبل أن ترد عليه بهدوء مزيف يتناقض مع تعبيرات الغيظ المرتسمة على وجهها:
-“الله يبارك فيك يا مهاب، أنا واحدة بنت ناس وكان لازم أخرج من حياة عزام الرمرام اللي عينه بتزوغ لما بيشوف أي زبالة مرمية قدامه في الشارع”.
ضرب مهاب سطح الطاولة التي يجلس أمامها واشتد صوته بعدما تجرأت على إهانة عزام الذي يعد قدوته ومثله الأعلى في هذه الحياة:
-“لمي لسانك بدل ما أقصهولك واتنيلي انطقي وقولي أنتِ اتصلتِ ليه وعايزة مني إيه بالظبط؟”
أجابت داليا وهي تبتسم بانتصار بعدما نجحت في أن ترد له الصاع صاعين:
-“عايزة أقابلك ضروري لأن فيه موضوع مهم لازم أتكلم معاك فيه”.
زفر مهاب قائلا بنفاذ صبر حيث إنه لا يوجد في حياته شيء يكرهه أكثر من سماعه لصوتها:
-“مفيش بيني وبينك مواضيع تتحكى عشان أضيع دقيقة واحدة من وقتي الغالي في مقابلة واحدة رخيصة زيك”.
نجحت داليا للمرة الثانية في تمالك أعصابها مبتلعة الإهانة التي وجهها لها هاتفة بنبرة ماكرة:
-“طيب ويا ترى أنت هتفضل مصمم على رأيك حتى لو أنا قولتلك أن سبب المقابلة هو أني عايزة أعرفك مين هو الشخص اللي قتل أبوك وأمك؟!”
اتسعت عينا مهاب وتحشرجت نبرته متمتما بتلجج:
-“إيه الكلام اللي أنتِ بتقوليه ده؟! أنتِ أصلا إيه اللي عرفك أن والدي ووالدتي ماتوا مقتولين وإزاي قدرتِ توصلي للي قتلهم؟!”
ظهرت ابتسامة شامتة على ثغر داليا وهي تتخيل في هذه اللحظة شكل ملامح وجهه وكيف يشعر الآن بصدمة كبيرة بعدما علم أنها تعرف عنه حقائق كثيرة كان يظن أنها سر دفين بينه وبين عزام.
كرر مهاب سؤاله عدة مرات فأجابته ببرود:
-“أنا مش هقول حاجة غير لما أشوفك وأقابلك، لما تلاقي نفسك فاضي ابقى ابعتلي رسالة بالوقت والمكان اللي هنتقابل فيه”.
أغلقت الخط في وجهه ونظرت إلى والدتها التي تجلس أمامها قائلة:
-“عزام رماني عشان خاطر واحدة من الشارع لمجرد أنها شايلة ابنه في بطنها وأنا بقى هخليه يودع ويغور في ستين داهية قبل ما ست الحسن والجمال تجيبله المحروس اللي مموت نفسه عليه وبيتمنى أنه يشوفه النهاردة قبل بكرة”.
هتفت فوقية بقلق وهي تربت على شعر ابنتها:
-“ما بلاش منه الموضوع ده يا داليا، إحنا مش قد عزام وبعدين أنتِ بتقولي أن مختار حاطط عينه عليكِ وحتى لو كان عايز يتجوزك في السر بس هو هيخليكِ تعيشي في مستوى أفضل بكتير أوي من اللي كنتِ عايشة فيه مع المخفي اللي ما يتسمى اللي رماكِ برة بيته في نص الليل”.
خرج صوت داليا مليئا بالحقد وهي تقول:
-“مستحيل أسيب عزام قبل ما أدمره وأقضي عليه لأن لو تجاهلت اللي حصل هفضل طول عمري حاسة بنار بتاكل فيا وغير كده مش داليا الرفاعي هي اللي تتهان وتتذل قدام الخدم والحراس وتنسى وتسيب حقها بسهولة أوي كده”.
حاولت فوقية منعها مما هي مقبلة عليه قائلة:
-“يا حبيبة قلبي، أنا خايفة عليكِ وخصوصا أن قلبي مش مطمن وبعدين أنتِ المفروض تركزي جهودك الفترة الجاية عشان تاخدي ابنك من رامز وكمان المفروض تفكري إزاي تجيبي مختار راكع لحد عندك وتخليه يتمنى ليكِ الرضا ترضي”.
أومأت داليا مؤكدة أنها لن تجعل مختارًا يفلت من قبضتها:
-“اطمني يا ماما، أنا ناوية فعلا بعد ما أصفي حسابي مع عزام أني مضيعش مختار من إيدي رغم أن هو أصلا مش عايش هنا وحياته كلها مقضيها في القاهرة بسبب شغله ومنصبه وده معناه أني هبقى بالنسبة ليه مجرد استراحة بيقعد معاها شوية في الوقت اللي بيقضي فيه أجازته”.
خرجت فوقية من الغرفة بعدما فشلت في إقناع ابنتها بالتراجع، وتمنت أن يكون إحساسها غير صحيح وأن يكون مجرد أوهام لن يحدث أيٍ منها على أرض الواقع.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
ومضات كثيرة من ذكريات الماضي أخذت تظهر أمام عزام الذي كان يجلس داخل مكتبه ويدخن بشراهة محاولا من خلال الدخان المتصاعد أن يقوم بمحو تلك الذكريات التي صارت تهاجمه بقوة في الآونة الأخيرة وكأنها قاصدة تعذيبه وتذكيره بأصله وحقيقته التي أخفاها عن الجميع.
كان عزام مجرد صبي فقير لديه عائلة بسيطة ومكونة من أخت صغيرة وأم مريضة بالقلب وأب يعمل في ورشة نجارة بأجر زهيد للغاية، واستمر الحال على ما هو عليه إلى أن أتى اليوم الذي تعرض به والده لحادث مروع أدى إلى وفاته.
كان عمر عزام حينها ثلاث عشرة سنة وصار هو المسؤول عن والدته وشقيقته وبالفعل ترك دراسته وبدأ يبحث عن عمل وشعر بالسعادة عندما وافق صاحب ورشة النجارة على عمله بها.
استمرت مدة عمل عزام بالورشة لمدة خمس سنوات إلى أن أتى اليوم الذي تغيرت به حياته رأسا على عقب وذلك عندما تعرف على شاب يدعى سلطان.
كان سلطان يصرف على نفسه ببزخ شديد وقد لاحظ عزام هذا الأمر عندما كان يدعوه صديقه الجديد للسهر في أماكن راقية لم يكن يحلم أبدا بدخولها من الأساس، وقد أثار أمر بزخ سلطان استغراب عزام؛ لأنه علم فيما بعد أنه ينتمي إلى أسرة فقيرة ولا يوجد لديهم أي مصدر يجلب لهم كل هذه الأموال التي يبذرها سلطان بدون حساب وكأنه واثق تمام الثقة من أنه سيتمكن من جلب غيرها بمنتهى السهولة.
قرر عزام في النهاية أن يسأل صديقه الجديد عن مصدر هذه الأموال فابتسم له الأخير قائلا بأريحية:
-“أنا بشتغل وبعرف أستغل شغلي عشان أحقق أكبر نسبة ممكنة من الفلوس”.
لمع بريق الأمل في عيني عزام وهو يهتف برجاء:
-“طيب وهو ينفع تشغلني معاك في الشغلانة بتاعتك دي لأن زي ما أنت شايف الدنيا واقفة وأخوك طالع عينه عشان يدبر قرشين يصرف بيهم على أهله”.
ابتسم سلطان وقد أعجبته فكرة سحب عزام إلى مستنقعه القذر:
-“بس أنا شغلانتي عايزة ناس ناشفة وقلبها ميت والأهم من ده كله أنك تكون ذكي وضميرك نايم”.
شعر عزام ببعض القلق ولكنه تشجع وطلب من سلطان أن يعمل معه مهما كانت طبيعة هذا العمل وبالفعل بدأ عزام طريقه في تجارة المخدرات والأسلحة وصارت الأموال تجري بين يديه وتبدلت حياته للأفضل مثلما كان يظن.
فتنته الدنيا وأغواه الشيطان بعدما صار غنيا في وقت قصير عن طريق تجارة الممنوعات ساحقا أسفل قدميه المبادئ والقيم التي تربى عليها.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أوهام الحب الوردية)