رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل العشرون 20 بقلم آية محمد
رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل العشرون 20 بقلم آية محمد
رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) البارت العشرون
رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الجزء العشرون
رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الحلقة العشرون
كان على عاتقها مهمة شاقة، خاصة بأنها تقودها أمام ابنها الشرس، العنيد الذي مازال “ياسين الجارحي” بذاته يبذل مجهودًا شاقًا لتغيره، جلست “آية” جواره على الأريكة الجلدية السوداء، ثم أحاطت كف يده بقوةٍ، وكأنها تخشى أن يتركها ويعود للخارج فيحدث جدال جديد بينه وبين أبيه، تألم عدي وهو يراقب نظرات خوفها، فردد بسخطٍ:
_نفس نظرات الخوف اللي في عيون رحمة.. كلكم بيكون عندكم نفس النظرة قدام ياسين الجارحي.. الخوف وده أبشع شيء مبقدرش استحمله.
رفعت يدها على خده وهي تنفي ما يتودد لاعتقاده:
_الخوف ده عليك أنت يا عدي.. عشان خاطري اهدى واوزن الأمور بالعقل.. باباك عمره ما فكر غير بمصلحتك وبس.
بهدوءٍ يماثل نبرتها قال:
_ومصلحتي انه يبعد مراتي عني! فاكرني زي رائد هبلع وهسكت!
ضغطت بيدها على وجهه، وشددت على كل حرفٍ تنطقه:
_لا.. لا يا عدي.
واسترسلت بحدةٍ يراها لاول مرة:
_كل مرة بتعارض فيها أبوك بتندم لما بتعرف أيه اللي ورا معاملته وطريقته.. أرجوك بلاش ترجع لعندك وغرورك ده تاني.. يا حبيبي باباك مفيش في حنية قلبه وأنت شوفت بنفسك كتير عشان خاطري يا عدي بلاش تقف في وشه تاني.
انهمرت دمعاتها على خديها، فرفع اصابعه يزيحها عنها وهو يخبرها بحزن:
_طيب ممكن تهدي.. أنا مش هعمل أي حاجة تزعلك وعد.
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها، فضمها عدي اليه، اختبئ جسدها الهزيل داخل جسده الضخم، وكأنها ابنته التي يضمها اليه بحنانٍ، انتبه “عدي” لمن يقابله بالنظرات الهادئة، فبقى محله يحتضن والدته وعينيه تتطلع اليه بضيقٍ، اقترب ليبدو قريبًا منهما، فاعتدلت آية بجلستها وهي تهمس بخفوتٍ:
_ياسين!
انتصب عدي بوقفته، ثم دنى ليصبح قبالته، ظل الصمت يلهو بينهما الى أن قطعه عدي حينما قال:
_هستنى لحد ما حضرتك تقولي اللي رحمة مخبياه بنفسك.. ومش هحاول أضغط على حضرتك.
وتركه وصعد للأعلى وياسين يراقبه ببسمةٍ صغيرة، باءت جهوده الشاقة بثمارها وها قد تمكن أخيرًا من ترويض شبله الشرس!
عينيه تكبت غضبًا عظيم، والف كلمة تتردد على لسانه العاقد لها، ومع ذلك انسحب بكل هدوء وكأنه رفض الخوض بتلك المعركة التي ستجني على علاقته الشبه مثالية بابيه، تابعه ياسين بنظرة حنونة وقد بات الآن نسخة تكاد تقترب منه على حقٍ، الآن تمكن من السيطرة على انفعالاته الطائشة، التحلي بالقليل من الصبر سمة لم تكن تمسه البتة، والآن تعلم اللجوء لاول درجاتها!
انتبه ياسين لمن تستند برأسها على ذراعه، فضمها إليه ثم طبع قبلة أعلى رأسها وصوته الجذاب الهادئ يخبرها:
_اطلعي أوضتك يا آية ومتخافيش على ابني.. كل شيء ماشي زي ما خططتله وصدقيني الكابوس ده هينتهي وقريب أوي.
رفعت رأسها اليه وهي تمنحه أجمل ابتسامة قد يتمنى رؤيتها بذاك الوقت، فهزت رأسها بخفوتٍ وتركته واتجهت للمصعد، اتجه ياسين لمقعد مكتبه، فجلس وهو يترقب بابه بنظرات غامضة، جنت ثمارها حينما ولج أحمد وحازم للداخل بعد أن أمر جاسم باخبرهما بالذهاب خلفه لمكتبه الخاص.
العشرة وحفظ الطباع كانت كافيلة لمعرفة سبب استدعاء ياسين الجارحي اليهما، لذا لم يريد اقحام أخيه بالأمر فقال:
_عمي أنا بعتذر عن اللي عملته بس الصور اللي شوفتها خرجتني عن هدوئي، ماما سبق وحكتلي أنا وأحمد عن ماضيها بس مقالتش تفاصيل خاصة بعلاقاتها السابقة، أنا لما واجهتها كنت حابب أعرف منها أيه اللي ممكن تكون مخبياه تاني ويستغله حقير زي ده عشان أقدر امنعه.
استمع إليه بهدوءٍ قاتل جعله يسترسل بألمٍ:
_تخيلت للحظة إن الصور دي وقعت في ايد حد من ولاد اعمامي موقف والدتي قدامه كان هيكون أيه، والاصعب ان الكلب ده متعمد ينتقم من اللي عمله أحمد.. يمكن لو لجئ للانتقام بالشغل كانت هتكون منافسة رجال أعمال لكن اللي حصل ده واللي سبق وحصل لمروج مينفعش يتسكت عليه.
نهض ياسين عن مقعده ثم دنى ليصبح قبالته، فقال برزانةٍ:
_متعتذرش على شيء مقلش منك.. شباب الجارحي رجالة ولو مكنتش عملت كده كنت هعاقبك بنفسي.
ابتسم حازم وهو يتابعه بنظرةٍ مهتمة لسماع ما يقول، فاستطرد ياسين وهو يشير له:
_الظرف اللي معاك يتحرق وخليك واثق انه مستحيل يلجئ للكارت ده تاني.. وجودك هنا أنت وأحمد مش عشان السبب ده.
واتجه لمقعده مجددًا، فجلس وهو يخبرهما:
_أنتوا اديتله درس ميتنساش يعني اخدتم حقكم وبايدكم.. سبيوني أنا اللي أصفى باقي الحساب..مش عايزكم تتدخلوا بأي شكل.. سامعني يا أحمد؟
هز رأسه بطاعةٍ، فانتقلت عيناه لحازم الذي أكد له احترامًا لقراره:
_مش هعمل حاجة بدون اذن حضرتك.
منحه ابتسامة هادئة، فاستأذن كلاهما بالانصراف، فتسلل ندائه الخاص لصاحبه:
_خليك أنت يا أحمد.
توقف عن استكمال طريقه، فاستأذن حازم وانصرف على الفور، أشار ياسين له بالاقتراب، فجلس على المقعد المقابل اليه، جذب ياسين ملف أسود من خزانته الخاصة، ثم وقع على الاوراق، ورقة تلو الاخرى، وأحمد يراقبه بدهشةٍ وعدم فهم، انتهى ياسين مما يفعله، فوضع الملف من أمامه، تفحصه أحمد وهو يتساءل باستغرابٍ:
_ده أيه يا عمي؟
أجابه وهو يسند ظهره لخلف مقعده بكبرياءٍ:
_توكيل عام بادراة المقر ليك ولرائد.. أما ياسين فتعمله توكيل خاص بادارة شركة جديدة باسم مليكة ورحمة ونور وباقي البنات.
ضيق عينيه بذهولٍ، فتساءل بحيرةٍ:
_أيوه بس ليه؟
رد عليه بثباتٍ فشل يومًا بالتخلى عنه:
_لانكم الاجدر بتولي المناصب دي ومتسألنيش في حاجة تانية.
واسترسل بصرامة:
_وطلبي الأخير منك هتنفذه.
تساءلت نظراته بلهفة عن ذاك الطلب، فأتاه رده السريع:
_المناقصة اللي داخلينها ممنوع انك تتدخل وتساعد عدي فيها بأي شكل من الأشكال.. عدي لازم يعتمد على اللي درسه في فترة وجوده بالمقر.. حابب أشوف تعليمك انت وياسين له نهايته أيه.
ابتلع ريقه بتوترٍ وصدمة لمعرفته بما كان يحدث بينهم، فداعبت شفتيه بسمة ساخرة وهو يراقب حالته، فتهرب أحمد من لقاء عينيه الثاقبة حينما قال بتشتتٍ:
_هو حضرتك أسست شركة جديدة!
نهض عن مكتبه ثم حمل هاتفه الخاص ومفاتيحه، واتجه للصعود وهو يردد بغموضٍ:
_هتعرف كل حاجة بالوقت المناسب يا أحمد!
********
نهبت السيارة الطريق المتخلل للهواء المنعش، والاشجار تتمايل تناغمًا للتيارات الهواء البارد، الحقول من حولهم سرت لتنعش قلوبهما، وهن يتأملن نوافذ السيارة بانبهارٍ، حتى توقفت أمام منزل كبير يحاوطه الحقول والمزراع، والأشجار الشاهقة، أسرع السائق وعثمان الجالس لجواره بفتح أبواب السيارة، فهبطت رحمة ونور التي تحمل صغيرها وتحاوطه بغطاءٍ ثقيل يحفظ جسده الصغير من تلك الرطوبة، ولجوا معًا خلف عثمان الذي يشير اليهما وعينيه لا تفارق الأرض، دث مفتاحه بالباب العتيق فانفتح من امامهما، ومن ثم وضع الحقائب وعاد بغلقه بعدم حرص بالتأكد على عدم حاجتهما لشيءٍ، الاساس المرتب بعنايةٍ جعل المنزل مريح للعين والنفس بآنٍ واحد، كان يخلو من الطراز المتقدم وجماله متقن ببساطته الساحرة، ابتسمت رحمة وهي تردد باستمتاعٍ:
_المكان ده جميل أوي.
فتحت نور النافذة وهي تتأمل الحدائق بانبهارٍ:
_فعلًا والله المكان يسحر..تسلم قرارات ياسين الجارحي.
_أيه ده نور ورحمة مش معقول!!
صوتها افزعهن، فلكزتها نور بغيظٍ:
_خضتينا يا رانيا.. دي دخلة بذمتك!
احتضنتها رحمة باشتياقٍ، وضمتها نور وهي تخبرها بجدية:
_وحشتينا والله.. بس لما شوفت الجنه اللي انتي عايشة فيها عذرتك.
ابتسمت وهي تخبرها بوجعٍ فشلت باخفائه:
_الجنة في بعده نار يا نور.
رفعت حاجبها بسخطٍ، فوضعت الصغير على الأريكة ثم توسطت بيدها خصرها وهي تصيح بهن:
_اسمعي ياختي منك ليها.. بالصلاة على النبي كده مفيش محن تاني، حكم أنا مش تايهة عنكم بالذات البت رحمة أول ما عدي يسبلها تنسى اسمها، انتوا هنا غضبنين ومقهورين مش طالعين رحلة ولا شهر عسل.. يبقى تتلموا كده وتسبيوني اخططلكم واشوفلكم المناسب لتربية الزوجين المتهورين دول… اتفقنا؟
تطلعت كلا منهن للاخرى ثم انفجروا ضاحكين فشاركتهم نور الضحك، ثم اشارت لرانيا قائلة:
_تعالي وريني الاوض عشان انيم عدي وأغير هدومي..
أسرعت رانيا بحمل الصغير، واتبعت نور التي انحنت لحمل حقيبتها، فقالت بلهفة فشلت باخفائها:
_طب قوليلي رائد عامل ايه؟
توقفت عن صعودها للدرج، فجذبت منها الصغير ورفعت الحقيبة وهي تشير لها بغضبٍ:
_قولتلك ماليش في المحن.. هاتي الواد وانزلي لصاحبتك اساليها واندبوا مع بعض للصبح.
وتركتها فارهة الفاه واسترسلت طريقها للاعلى، فأشارت لها رحمة بالهبوط بسخريةٍ، ثم قالت وهي تتمدد على المقعد:
_متسأليش نور عن حاجة تاني.. بلاش تعصبيها الفترة اللي هنقعدها هنا.
سألتها بفضولٍ:
_انتوا جيتوا هنا ليه؟
ردت عليها بحزن:
_اتخانقت انا وعدي وعمي قالي احضر شنطتي.
ارتسم الحزن على معالم رانيا، فربتت على يدها وهي تخبرها بحب:
_معلشي عدي بيحبك ومهما كان هيجيله الوقت اللي هيعرف غلطه.
قال باحتقان باحبالها الصوتية:
_هو مغلطش معايا يا رانيا.. انا اللي غلطانة ومش عارفة أبرر حتى موقفي.
تدفقت دمعاتها فضمتها رانيا اليها وهي تحاول التخفيف عنها، بينما قلبها يتمزق من لوعة الفراق هي الاخرى.
*******
يا ويل قلبي من عشقٍ ملأ أعماقي، ليت غيمة الحب تمطر وتزهر الأشواق، ليأتي الغد وتلقاني، فيختتم فراقنا باللقاء، فالشوق إليكِ مشتاق، ليتك ترق لقلبي وتهوى لقائي، ألم تكتفي من البعد أم أن قلبك مازال يلوذ بقيود الصمت الشَّاجِي!
رسالة تتبعها الاخرى، ولم ينتابه الملل ولو للحظاتٍ، الليل قد غسق بظلامه الكحيل، وظلمة قلب رائد تزداد وتشرق مع تحول رسالته لمقروءة، وتارة يرى أعلى شاشته خاصية «يكتب» ، فيشرق قلبه بنور عشقها، ويترقب ما سترسله اليه، فيخيب ظنه من جديدٍ حينما لم ترسل بشيءٍ، وكأنها تتردد بالضغط على الارسال، فارسل هو لها:
_قولي اللي مترددة تقوليه يا رانيا.. عشان خاطري كلميني.
خاب ظنه للمرة التي فشل بعدها، فتمدد على الاريكة وعينيه لا تفارق فراشه الذي رفض التمدد عليه وهي ليست تشاركه نومته!
*****
أغلق عدي الهاتف مع مازن، بعد أن أخبره بأنه اتجه للساحل برفقة مروج ليعوضها فراقهما عن مصر لسنواتٍ، فالقى هاتفه على الفراش بملل، جفاه النوم وهي بعيدة عنه، وما يقتله ببطءٍ ما تخفيه عنه، كم مرة أمسك هاتفه وحاول طلبها وهو يعلم بأنها ستجيبه، ولكنه رفض مواجهتها وبقلبه كل ذلك الغضب، فأبعد الرباط عن يده وهو يشعر بحاجته للرياضة علها تشفي نيران قلبه، نجح باداء بعض التمارين التي لم تحتاج لذراعه المصاب حتى انتهى فجلس على المقعد المستدير وهو يحاول التفكير في الامر، فعزم امره بأنها لربما تخفي عنه أمرًا يخص حادثه الغريب الذي يوسم بأنه مدبر سابقًا، فان كان رجل الاعمال مهاب أبو العزم خلف ذلك للانتقام مما فعله به اذن عساه يعود للانتقام واستغلال بعد رحمة عنه، شعر بالاستياء لقرار ابيه ببعدها في حين انها لربما وجهة للخطر، لذا جذب هاتفه وحرر اتصاله حتى استمع لصوت متصله:
_باشا. ليك وحشة!
املى أوامره دون أن يعبأ بحديثه:
_هبعتلك عنوان عايزك من بكره تاخد رجالتك وتحاوط البيت وتحمي اللي فيه.. سامعني.
_علم وينفذ يا باشا.
اغلق عدي الهاتف ثم القاه على الفراش، واتجه لحمامه الخاص عله ينعم ببرودة المياه لتزيل ارهاق العودة للرياضة بعد انقطاع أيام.
*******
توسطت الشمس كبد السماء، لتعلن عن زوال ذاك الليل الجاف، استعد الجميع للذهاب للعمل ومن بينهم معتز، ارتدى سروال أسود وقميص أبيض اللون، وجاكيت الأسود، ثم استعد للهبوط للاسفل، فتفاجئ بشروق تجذب حقيبتها الصغيرة وتلحق به، ضيق عينيه وهو يتساءل بذهولٍ:
_على فين؟
ضيقت عينيها بدهشةٍ لعدم تذكره وعده القاطع لها، فقالت:
_أنت نسيت ولا أيه.. انت مش قولتلي هنزل معاك المقر من بكره؟
تسنى له تذكر تلك الحلقة الغير محببة، فرسم ابتسامة مصطنعة وهو يجيبها:
_آه افتكرت طبعًا.
وبغيظٍ كبته داخله، أشار:
_اتفضلي يا حياتي.
وضعت حقيبتها على معصمها، واتجهت للمصعد بدلالٍ رقيق:
_ميرسي.
لحق بها وهو يدعو أن تمر الامور علة ما يرام، فكيف سيحتمل عملها هذا وأغلب موظفي المقر رجال، السيدات تشغل مناصب ليست كثيرة، إن لم يقدم وعده لها لكان تغاضى عن الأمر في الحال، وأخيرًا وصلت سيارته للمقر، فصفها بالجراج التابع لمقر الجارحي، ثم اتجه اليها، فوجدها مازالت تقف بالخارج بانتظاره، والارتباك يسمو عليها كالوحش المفترس، وقف جوارها وهو يتساءل بقلقٍ:
_انتي كويسة يا حبيبتي؟
هزت رأسها اليه، وحركت اصابعها امام وجهها علها تحصل على الهواء، ورددت بخفوت:
_مرتبكة بس.. أنا بقالي سنين مجتش هنا.
أمسك يدها وهو يمضي جوارها، فمنحته نظرة ممتنة، حتى وصل أخيرًا لمكتبه الخاص، فأشار لها على مكتب السكرتيرة الخاص به ثم قال على مضضٍ:
_مكتبك.
وضعت شروق حقيبتها على سطحه، ثم جلست على المقعد تتحرك به بفرحةٍ، وهي تتفحص المكان من حولها باعجابٍ، استند معتز على حافة مكتبها العلوي، ووزع نظراته على من حوله بضيقٍ، وخاصة حينما أسرع تجاهه احد الموظفين فقال:
_لو مش هعطل حضرتك في اوراق مهمة محتاجة توقيعك.
عينيه الفضولية حانت منها التفاتة تجاه الفتاة التي استلمت العمل جديدًا، ومع ذلك سحبها باحترامٍ وهو يتابع رئيسه الذي انكمشت تعابيره تجهمًا، فأشار له بغضب:
_سبها على مكتبي ولما هخلص هبعتلك خبر.. ويا ريت تركز في شغلك وتبطل تبص شمال ولمين.
شعر بالحرج الشديد بالرغم من كونه شابًا مهذب، لم يصدر عنه السوء قط، وهذا بعث الصغينة لقلب معتز الذي حمل ذاته ذنب هذا الشاب، فكز على أسنانه وهو يحاول التحكم في غضبه، انتبه لصوت شروق التي تناديه وهي تردد باستغرابٍ:
_أنت هتفضل واقف كده كتير.. ما تخش شوف شغلك وخليني أشوف شغلي أنا كمان!
استدار تجاهها بنظرة جافة تعحبت للغاية من رؤيتها، وخاصة حينما قال:
_يا ريت تتعاملي بحدود مع الموظفين انتي ست متجوزة ومش متجوزة أي حد.
عقدت حاجبيها بصدمةٍ من حديثه، ولم يسبق لها على ذاك المقعد سوى خمسة دقائق، فنهضت وهي تشير له بغضب:
_تقصد أيه يا معتز! أنا لو مكنتش متجوزة يعني كنت هساير حد!! دي لا أخلاقي ولا تربيتي.
واسترسلت بعصبية بالغة:
_خد بالك من طريقتك وبالذات هنا.. انا لا هستحمل اسلوبك ولا طريقتك دي معايا.. حتى الشاب اللي كان واقف معاك من شوية أيه اللي حصل منه عشان تعامله بالطريقة دي!
تأثر صوتها من الحزن الشديد التي شعرت به، فجذبت حقيبتها وقالت:
_أنت عملت كل ده في أول خمس دقايق من قعدتي على الكرسي ما بالك لو استمريت أكتر من كده.. أنا قولتلك قبل كده مش هرضى باهاناتك مهما كان التمن.. وأنا بنفسي رافضة وجودي هنا لو هتعاملني بعدم احترام.
وتركته مشدوهًا واتجهت لتصعد للمصعد، فلحق بها وهو يردد بدهشةٍ:
_انتي رايحة فين؟ شكلك بتتلككي!
منحته نظرة ثاقبة قبل أن تضغط على الزر الارضي للمصعد، فغادرت باحدى سيارات الأجرة للمكان الذي توجب عليها الذهاب إليه منذ الأمس، فلم تعد رانيا فقط بصحبتها.. نور ورحمة لجوارها أيضًا.
******
بغرفة “أحمد”
شعر بأنفاسها تلفح وجهه، ففتح عينيه ببطءٍ فوجدها تتأمله بابتسامتها الساحرة، ابتسم وهو يميل تجاهها ليطبع قبلة على جبينها:
_صباح الخير يا حبيبتي.
أغلقت عينيها بحبٍ جعل نبرتها ترسل بترنيمٍ خاص:
_صباح الورد.. أتاخرت في النوم وأنا محبتش ازعجك.
انحنى بجسده ليجذب ساعته الموضوعة على الكومود، فأعاد خصلات شعره للخلف وهو يردد بدهشةٍ:
_أنا ازاي اتاخرت بالشكل ده.
وجذب الهاتف وهو يتفحصه بصدمة:
_المنبه مرنش ازاي وأنا عمله بايدي!
جذبت آسيل الساعة والهاتف منه، ثم وضعته على الكومود المجاور لها، ومالت برأسها على صدره وهي تخبره بضيق:
_أنا اللي عملت كده عشان تقعد معايا النهاردة.
حاوطها بحنان وهو يقربها منه، فمال برأسه عليها ثم قال بدهاءٍ:
_لو عليا نفسي أقعد عمري كله جنبك يا نور عيوني.. بس أنتي شايفة وضع عدي ورائد حتى ياسين مبقاش يجي الفترة دي المقر .. الشغل كله عليا ولازم عمي والمدراء ميحسوش بتقصير في غيابهم.
ابتعدت عنه وهي تتطلع اليه بطفولية، فضحك وهو يمنحها وعدًا:
_خلاص هحاول أخلص شغل بدري واعدي عليكي نسهر بأي مكان.
عاد وجهها ينير دنياه من جديدٍ، فضمها براحةٍ بعدما نجح بامتصاص غضبها، فنهض وأسرع للخزانة، ثم جذب احدى الحلى الكلاسكية، ارتدت آسيل مئزرها، ثم اتجهت اليه لتعاونه بغلق أزرار قميصه وهو يتابعها بشغفٍ وابتسامة ترسم فور رؤياها، رفعت عينيها اليه وهي تحاول القاء سؤالها المتردد على لسانها، فقال بنفس ابتسمته:
_قولي اللي عندك.. أنا سامع.
وكأنها كانت تنتظر سماع ذلك، فقالت:
_كنت عايزة أسالك عملك أيه في موضوع ليان؟
جلس على المقعد وهو يربط رباط حذائه وقد لاح الضيق على وجهه، كان يود اخبارها بالامس ولكنه فضل الصمت، فقال بتريثٍ:
_عدي حل الموضوع.
أسرعت تجاهه وبدت الصدمة عالقة على ملامح وجهها:
_حله ازاي!
قال وهو يستقيم بوقفته:
_يعني وقعه في شر اعماله وقبضوا عليه وهو رايح برجله يشتري مخدرات تكيفه بفلوسنا، وقدر انه يتخلص من الشهادات المزورة اللي انتي بدلتيها بالسجل.
ابعدت يدها عنه وهي تجاهد تلك الصدمة، فقالت:
_يعني انت رجعت اسمها تاني لابوها الحقيقي اللي بقى رد سجون!!
_بلسانك نطقتيها يا آسيل أبوها الحقيقي.. وسبق واتكلمنا قبل كده وقولتلك اني عمري ما هكون معاكي في اللي يغضب ربنا!
قالها مشدوهًا من استيائها لما فعله، وخاصة حينما صرخت بانهيارٍ به:
_انت ازاي تعمل كده يا أحمد.. انا قولتلك انا اللي متحملة الذنب.. أنت ايه مش بيهون عليك زعل بنتك!
واستطردت بعدم تصديق لما فعله:
_طب مجاش في دماغك انه بكره يخرج من السجن ويرجع يبتزنا تاني ويطالب ببنته!
قوس حاجبيه بصدمةٍ وهو يتمنى ان تكف عن الحديث، فصاح بها بانفعالٍ تام:
_أنا مش مصدق اللي بسمعه.. من يومين كنتي منهارة تحت رجلي عشان اسامحك والنهاردة بتجادليني.. يعني انتي مكنتيش معترفة بغلطتك من البداية وبتلعبي بيا عشان أعدي اللي عملتيه!
وجذبها اليه وهو يسترسل بغضب:
_شايفاني عيل صغير ولا طيبتي وحبي ليكِ حسستك اني هفق!
بكت وهي تحاول تبرير خطأها:
_قولتلك قبل كده هعمل أي حاجة عشان بنتي وآ…
قاطعها بنفورٍ وقد ضاق صدره من الحديث بالامر:
_مش عايز اسمع حرف منك… أنا مصدوم ومش مستوعب اللي بتقوليه ده.. ده بدل ما تحمدي ربنا ان عدي نجدك من الغلطة اللي كانت هتشيلك ذنب كبير لباقي عمرك!
وجذب حقيبته الموضوعة على مكتبه بطرف الغرفة، واتجه للمغادرة وهو يشير لها بحزمٍ:
_النقاش معاكي في الوقت الحالي بدون نتيجة.. هسيبك تفكري مع نفسك يمكن تحسي بغلطتك بجد من غير تمثيل!
وتركها وغادر وهي تتأمل الباب الذي تركه مفتوح من خلفه بعدم تصديق، مجرد تحطيم ما فعلته جعلت النيران تتقاذف اليها دون رجعة، ظنت بأنها اخمدت نيرانه وفعلت ما ارادت فمزق أمالها بما فعله، الهبها الغضب، ولم تجد سوى الابتعاد لفترةٍ تحسم بها امورها.
*******
بالمقر الرئيسي لشركات “ياسين الجارحي”
أسست الطابق العلوي بأكمله وتم تجهيزه خصيصًا للفتيات، وتم الاهتمام بالغرفة التي ستضم المكاتب، فتم تحضريها بالمعدات بفترة زمنية لا تصدق، تحت اشراف شخصي من “يحيى” و”رعد”..
******
بالجناح الخاص بمليكة..
استند بجسده على حافة السراحة، ثم وضع كلتا يديه بجيوب سرواله القطني، ونظرات عينيه الساحرة تحاصر تلك التي تتصنع العصبية باجتيازٍ، بسمته تلك استفزتها، فقالت بدموعٍ تتصنعها:
_أنت بتتريق عليا يا ياسين؟
أشار لها بملامح شبه جادة:
_أنا يا ملاكي! بالعكس بسمعك بمنتهى الاهتمام… كملي كنتي بتقولي أيه!
عادت ملامحها للغضب وهي تصيح بانفعالٍ شرس:
_كنت بقول انك مش شايف غير شغلك أنا مبقتش بشوفك غير صدفة!
اتسعت ابتسامته، وقال بنبرة باردة:
_حبيبتي أنا معاكي هنا من يوم ما ولدتي ما خرجناش من الجناح نهائي!
ابتلعت ريقها بارتباكٍ وهي تهمس بصوتٍ ظنته غير مسموعًا:
_آه.. صح.
وعادت لتتصنع تعصبها مجددًا وهي تشير له بغضب:
_بس ده ميمنعش انك مش مهتم بيا ولا بتفاصيلي ولا آ..
قاطعها حينما قال برزانة نبرته الرجولية:
_مليكة أنتي بتتلككي عشان تروحي للبنات صح؟ أنا ابن عمك وفاهمك كويس!
ضغطت باسنانها على شفتيها بقوةٍ، فمالت برأسها على صدره تبكي بصوتٍ جعله يتمادى بالضحك، غير مصدقًا لما يحدث هنا، وخاصة حينما رددت ببكاءٍ:
_مش عارفة اقعد من غيرهم يا ياسين..كانوا كل دقيقة واحدة تخبط عليا وتقعد معايا.. أنا خايفة انزل تحت مالقيش رحمة ولا نور.. حتى آسيل وشروق كلموني وقالولي انهم طفشوا وراهم.
ضحك بصوته كله وهو يردد بعدم تصديق:
_طفشوا!! وانتي بقا عايزة تطفشي وراهم فقولتي أدور على حجة محترمة صح؟
فتحت نصف عين وهي تراقب انفعالات وجهه جيدًا، وحينما وجدته يتقبل الامور بصدرٍ رحب قالت:
_هو كده بالظبط.
رفع وجهها اليه ثم قال ساخرًا رغم ثبات نبرته:
_وعلى أيه كل ده يا روحي.. بديكي الأذن انك تروحيلهم بدون ما تحصل بينا خناقات والذي منه.. بس بليز خليكي فاكرة اننا مفيش بينا شيء يزعل عشان لو نور حبت تقلبك عليا انا كمان!
تحول بكائها المصطنع لابتسامة مشرقة، ثم عادت مجددًا للبكاء على صدره، فبرق بعينيه بدهشةٍ دفعته ليتساءل:
_في أيه تاني؟
قالت من وسط عويلها:
_مش قادرة البس واروحلهم.. مش عارفة نور بتتحرك بطلاقة وكأنها كانت في رحلة مش طالعه من ولادة.. انا تعبانه يا ياسين ومش قادرة اتحرك!
ضحك مجددًا وتلك المرة أحمر وجهه من فرط ضحكاته المتكررة، فقال بصعوبة بالتماسك:
_بس كده.. انا بنفسي هحضرلك شنطة صغيرة وهنزلك لحد العربية وده أخري للأسف ياسين الجارحي عمل هناك حظر تجوال ومحدش يعرف بيودكم فين.. وان كان على يحيى أمره سهل انا وهو هنحاول نتأقلم مع بعض.
ابتسمت وهي تتأمله بحبٍ، فأحاطت رقبته بذراعيها، وهمست بفرحةٍ:
_تعرف اني بحبك.
طوف خصرها بيده والاخرى يبعد عن عينيها خصلاتها المتمردة:
_حبي فيا عشان اغير رأيي وأخليكي تدوري على حجة بجد عشان تمشي.
وابتعد عنها ثم جذب الحقيبة الصغيرة، فوضع بها بيجامات خاصة بها واسدالها الخاص، والاهم من ذلك وضع سجادتها الخاصة ومصحفها الشريف الذي يحمل نفس لون السجادة البينك، وقبل أن يغلق الحقيبة قال وهو ينحني فوق الحقيبة:
_وده يا ستي الروب بتاعك عشان لو الجو برد بليل تلبسيه.. لو في حاجة نسيتها قوليلي؟
هزت رأسها نافية والعشق لذاك الرجل الحنون يتلألأ بحدقتيها، دنى منها ياسين، فضمها اليه ثم قال بصوت رخيم:
_خدي بالك على نفسك وعلى ملاك.
أومأت برأسها بخفةٍ، فانحنى ليساعدها بارتداء حذائها، ارتدته على استحياءٍ فما ان اعتدل بوقفته حتى أمسكت كف يده ثم طبعت قبلة خافتة على يده لما قدمه من مساعدة لها، مرر يده على شعرها بحنانٍ ومازحها قائلًا:
_استمتعي بس براحة وانتي بتنمي عليا.
ضحكت وهي تعقد حجابها، فضمها اليه ليعاونها على الهبوط والخادمة تكفلت بحمل الحقيبة والصغيرة، هبطوا معًا للاسفل فوجدوا الشباب بالاسفل، راقب عمر الحقيبة وتساءل بدهشة:
_على فين العزم؟
حدجته مليكة بنظرة مشاكسة، فاجابه معتز ساخرًا:
_لباقي الحزب يا حبيبي.. شكلهم متفقين.
ضحك جاسم وقال:
_تستاهل انت اللي غيور بزيادة عن اللزوم.
وما كاد باستكمال حديثه حتى وجد داليا تسرع خلفها على الدرج وهي تحمل الصغيرة لتناديها بلهفة:
_استني يا مليكة انا جااااية معاكي هتسبيوني هنا لمين؟
ضحك معتز ليرد له الصاع بينما راقب عمر ما يحدث بذهولٍ، مال حازم على نسرين فدفعها برفق وهو يجذب عنها طبق الحلوى:
_انتي مستانية ايه انتي كمان قومي شيدي رحالك!
منحته ابتسامة واسعة وهي تشير على الحقيبة الموضوعة جوار الاريكة:
_شداها من بدري يا حبيبي وكنت بستنى مليكة تخلص..
ونهضت وهي تشير لهن بحزم:
_هيا بنا يا فتيات.
توافدوا خلف بعضهما البعض والشباب يراقبن ما يحدث بصدمة والاخر انقلب الامر عليه بالضحك كياسين ومعتز، بينما عدي صمته كان مخيفًا للغاية.
جلس ياسين جوارهم، فحل الصمت عليهم جميعًا الى أن وصل أحمد بسيارته فولج للداخل بصحبة رائد، جلسوا قبالتهم فسأله ياسين بفضول:
_ايه اخبار المقر يا شباب؟
اجابه رائد وقد بدت الحيرة تتراقص به:
_في حاجات غريبة بتحصل هناك.. عمال بيشتغلوا في الطابق اللي فوقنا وبيجهزوا مكاتب جديدة.
رفع عدي حاجبيه بدهشة:
_مكاتب لمين؟
_للبنات.. لانهم من بكره هينزلوا يشتغلوا وزيهم زيكم بالظبط.
رد قاطع أتى من يحيى الذي كان بطريقه للاعلى، صدم الشباب الا أحمد لم يتأثر بما استمع اليه لعلمه مسبقًا، ابتسم عدي وهو يردد بسخرية:
_وده طبعًا قرار ياسين الجارحي… عشان كده مشوا واحدة ورا التانية لان أكيد الموضوع ميحلاش بالنسباله غير بالتحديات.
اجابه يحيى:
_لا يا عدي الفرع اللي هيمسكوه تابع لشركاتنا برضه.
واسترسل وهو يتجه للدرج:
_عمومًا الكل لازم يكونوا موجودين بكره بالمقر.. في موضوع مهم ياسين هيكلمكم فيه… عن اذنكم.
وتركهم وصعد للاعلى والجميع بدهشة مما يحدث، فقطع دخول مازن جلستهم، فجذب احد المقاعد وضمها اليهم، فسأله معتز بدهشة:
_انت مش كنت بالساحل مع مروج يا ابني!
رد بغيظٍ وهو يكاد ينفجر:
_البنات كلموها وراحتلهم!
همس عمر ساخطًا:
_الحزب اكتمل!
*****
بالمنزل الخاص بالفتيات.
استمعوا اليهن جيدًا، وما ان انتهوا من قص ما حدث، قالت رحمة بعتابٍ:
_شروق ممكن تكون معاها حق في تصرفها لكن انتي لا يا آسيل، أحمد معاه حق.. مينفعش تحلل اللي حرمه ربنا ولا نقبل بيه بأي شكل من الاشكال!
انكست رأسها بحزنٍ، وقالت والدموع رفيقتها:
_غصب عني يا رحمة.. أنا مش جاهزة أعيش التجربة دي تاني.. أنا ببقى ضعيفة ومش قادرة أقوى ليان!
ربتت رانيا على كتفها بحنانٍ:
_معلشي ربنا هيقدرك وهتكونلي ليها ام عظيمة تصبريها على اللي هتتعرض ليه.. وزي ما أحمد قالك عوديها انها تكون قوية وقادرة تواجه كل اللي هتتعرض ليه.
واضافت نور:
_سبيوها دلوقتي يا بنات.. لما هتهدى وهتوزن الامور هتعرف انها غلط وإن أحمد عمل كده لمصلحتها.
واتجهت النظرات تجاه شروق الباكية، فقالت نور بمزح:
_قولتلك الف مرة جوزك ده عايز يتحط مع رائد في حبس منفرد.. الاتنين لا يصالحوا للجواز عايزين اعادة تأهيل من أول وجديد.. وأنا اللي هساعدكم بعون الله..
ضحكت رحمة وهي تشير لها بسخطٍ:
_طلاقهم على ايدكم بعون الله!
قاطع جلستهم صوت طرقات باب المنزل ومن بعده حرر عثمان المفتاح الخاص به، فولجت الفتيات معًا للداخل، صعقت نور ورحمة حينما وجدوا مليكة وباقي الفتيات أمامهن!
******
بالقصر.
أخبر عدي رائد بالمكان الذي نقل به ياسين الجارحي للفتيات، وأخبره بالا يذهب الآن وينتظره بالصباح سيذهب بصحبته لرؤية رحمة، جفاه الشوق ولم يرف له جفن، فأتصل بحازم وجاسم ومعتز وطالبهم بالمساعدة، وكان منهم ان استعدوا جيدًا لسطو المنزل ورؤية زوجاتهم، صعدوا للسيارة وتحرك بهم رائد متبعًا الموقع الذي أرسله له عدي، فما ان وصلوا حتى احاطوا المنزل لأكثر من ساعة كاملة حتى حددوا غرف الفتيات، فوضعوا السلم الحديدي وعاونوا رائد على الصعود لغرفة رانيا، وجده تتمدد على الاريكة وتتأمل شاشة هاتفها باهتمامٍ، على ما يبدو بأنها تهيم برسائله دون أن تهتم باجابته، انتفضت بجلستها بفزعٍ حينما رأته يقف أمامها، تراجعت رانيا للخلف بصدمةٍ اتبعت نبرتها الخافتة:
_دخلت هنا ازاي؟
اجابها ومازال يدنو منها بقربٍ خطير:
_فاكرة اني مش هعرف اوصلك!!
استدارت راكضة لباب الغرفة وهي تصيح:
_نور… رحمة.. بنات!
كمم فمها جيدًا، ودفعها للحائط الذي بات معتقل اليها، يده تمنع حديثها واليد الاخرى تقيد حركتها المنفعلة، رمادية عينيه تشكو جفائها، وبحزنٍ شديد أخبرها:
_ازاي قدرتي تبعدي عني يا رانيا؟ ازاي قدرتي تعمليها؟
تهاوت دمعاتها على خدها فلامست يده التي تحركت عن فمها لتزيحها ومن ثم احتضن وجهها بيديه معًا وهو يقطع اخر مسافة بينهم وبصوته الرجولي المجروح قال:
_عارف ان غلطي كبير.. مش طالب منك غير فرصة اصلح بيها غلطتي… انا متعمدتش أتسببلك بالجرح ده.. صدقيني غصب عني!
ابعدت يده عن وجهها وابتعدت قليلًا وهي تشير اليه:
_امشي يا رائد… امشي قبل ما انكل ياسين يعرف بوجودك هنا.
جذبها بقوةٍ اليه وصاح بعصبية بالغة:
_بعدتي مرة وعاقبتيني ونتيجتها ايه حرمتني من بنتي سنين طويلة، المرادي عايزة تعاقبيني بأي شكل على غلطة مقصدتهاش يا رانيا!
احتدت عينيها بنظرة قاتمة لحقها نبرتها الساخرة:
_عصبيتك دلوقتي بتأكدلي انك عمرك ما هتتغير يا رائد… يلا مد ايدك عليا وارجع اتأسف تاني وقول مقصدتش!
مرر يده على خصلات شعره بجنونٍ، ثم تلبسه رداء هدوئه وهو يخبرها:
_آسف.. بس أنا نفسي تحسي بيا أنا بقالي فترة قالب الدنيا عليكي وانتي بتشوفي رسايلي ورافضة حتى تطمنيني عنك!
واقترب مجددًا وهو يحتضن وجهها، وأجبرها على التعمق بعينيه وهو يهمس بصوته الحنون:
_قدرتي تبعدي ازاي وأنا في الحاله دي.. قدرتي تنسيني وتدوسي عليا بالسهولة دي!
فقدت قدرتها على مفتاح قلبها الذي يملكه هو، فتحررت دمعاتها من جديد وبهمسٍ ذبح قلبه رددت:
_مقدرتش.. أنا مقدرتش لانك ساكن في كل نفس بأخده.. ساكن في قلبي وجوه روحي.. انا كنت بموت وانت بعيد عني!
ضمها اليه بقوةٍ جعلتها تنصاع اليه، همساته خدرت جسدها بين يده، وصوته الدافئ يخبرها بعاطفة:
_وحشتيني!!
كادت بأن تستسلم اليه بطوفان عشقهما الخالص، فقاطع صفوهم صوت صفير قوي من جوار شرفتها ومن بعدها صوت جاسم المتعصب:
_انت يا عم روميو… انجز السلم هيقع فوق نفوخنا كلنا!
رمشت بعينيها بصدمة:
_ده صوت جاسم!
ضحك وهو يغمز لها بمشاكسة تجاه النافذة، فهرعت لتتفاجئ بجاسم ومعتز وحازم، يحملون سلم معدني يتصل لشرفتها، فاشار لهم معتز بسخرية:
_انجزوا لسه لينا دور!!
اضاف حازم بسخطٍ:
_انا بقا متنازل عن دوري مش طايق اشوف خلقتها اساسا انا جاي هنا بالغصب وتحت تهديد السلاح لكن انا مصدقت اني طفشتها!
اضاف جاسم ساخرا:
_على أخر الزمن هنعيش زمن المراهقين من تاني!
واشار للاخير بحدة:
_انجز بقا بدل ما ياسين الجارحي يعلقنا..
_ايه اللي بيحصل هنا ده!
انتفضوا جميعًا على الصوت القادم من خلفهم، ابتسم معتز وهو يردد بخفوت:
_ده عثمان… يعني اعتبروا الخبر في عب ياسين الجارحي..
صرخ بهم حازم وهو يترك السلم المعدني الذي بدأ رائد بسلكه فسقط أرضًا يصرخ ألمًا، بينما هوى حازم تجاه عثمان مسؤول الحرس بالمطرقة الموضوعة جانبًا وهو يردد:
_اقتلووووه بسرعة قبل ما يبلغ عننا!
احتضن المطرقة وهو يتراجع للخلف بصدمة، حاول ابتلاع ريقه بصعوبة فلم ينجح لذا استدار اليهم وهو يشير بأعين كادت بالتحول عن مسارها:
_طلع هنا… ياسين الجارحي هنا!
قالها ثم تمدد ارضًا فاقدًا للوعي، ركض معتز وجاسم تاركين رائد يتأوه ارضًا وهو يشير لهم بالعودة لحمله، فتعركلت قدميهم ليسقطوا من فوقه ومن ثم تفاجئوا بعثمان ولجواره ياسين الجارحي الذي وزع نظراته القاتلة بينهم، نهضوا جميعًا واقتربوا ليقفوا امامه، كالاطفال المرتكبين لذنبٍ فاضح أمام استاذهم، اسند ياسين يده لخلف ظهره وهو يوزع نظراته ببطءٍ بينهم، فشق صوته جلباب الليل العتم:
_اظن أنا منبه ان ممنوع حد يجي هنا.
ردد رائد بحرج:
_يا عمي.
اوقفه باشارة يده وهو يسترسل بثبات تام:
_زي ما واضحلي مين اللي وصلك لهنا يا رائد.
اجابه بحزن:
_أنا بس كنت حابب اعتذرلها وآ..
أوقفه باشارة مجددًا وهو يشير لهم بصرامةٍ:
_امشوا من هنا فورًا… وبكره في الاجتماع ليا كلام تاني معاكم.
فور انتهائه مما قال غادروا جميعًا بلمح البصر، فاستدار ياسين تجاه عثمان وهو يشير له:
_مش عايز نملة تعدي من قدام البيت يا عثمان.. بالذات الفترة الجاية فتح عينك وخليك جاهز لاي حركة يعملها مهاب..
أومأ برأسه عدة مرات، وغادر على الفور فاستكمل ياسين طريقه للاعلى، فتح باي المنزل ليجد الفتيات بانتظاره على طاولة الطعام الصغيرة، جذب ياسين المقعد الاساسي وهن من حوله يرقبونه ببسمة ممزوجة حب واحترام، فقال وهو يوزع نظراته نظراته بينهم:
_جاهزين تشوفوا مكاتبكم من بكره!
واسترسل بخبثٍ:
_اعتقد اننا خدنا أول خطوة… الخطوة الجاية عليكم!
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5))