روايات

رواية لأجلها الفصل السابع عشر 17 بقلم أمل نصر

رواية لأجلها الفصل السابع عشر 17 بقلم أمل نصر

رواية لأجلها البارت السابع عشر

رواية لأجلها الجزء السابع عشر

لأجلها
لأجلها

رواية لأجلها الحلقة السابعة عشر

“حرّر هواك،
فالحبُّ لا يليق به الصمت ولا القيود.
دعه يهبّ كنسمةٍ في مساءٍ هادئ،
أو يصرخ كنداء قلبٍ طال انتظاره.
ربما كان في البوح حياة،
وفي الصمت… فوات لا يُعوَّض.”
المراجغة والخاطرة للجميلة حجي/ سنا_الفردوس
***************
الملك لك لك يا صاحب الملك، الملك لك لك يا صاحب الملك، سبحان الله العظيم.
تُسبّح مرددة هذه الكلمات خلف طائر الكروان الجميل، ترجمةً معروفة لتغريداته في هذا الوقت من الصباح الباكر، حيث كانت جالسة، ثانيةً ركبتيها، خلف السور الطيني الصغير لسطح منزلها، وقد غلبها القلق وجفى النوم عينيها.
اليوم هو عقد قران ابنتها، صغيرتها التي لم تترك حضنها منذ ولادتها، اليوم ستُكتب باسم رجل آخر، وغدًا سيخطفها لنفسه منها. سيأخذ مؤنستها الوحيدة منذ ولادتها.
سُنّة الحياة، تعلم جيدًا تلك الحقيقة، لكن عقلها لا يستوعبها، وقلبها لا يتقبلها، رغم ادعائها غير ذلك.
ليتها ما رضخت ووافقت على هذا القرار الصعب الذي اتخذته في لحظة غضب. لكنها أيضًا لا تنكر أن فرحة ابنتها تمس شغاف قلبها، هذا الشيء الذي افتقدته هي طوال حياتها، ولم تشعر به يوم زواجها بعُرفان. بل على العكس، تتذكّر أنها كانت تدّعي أو تقنع نفسها بذلك، لجهلها بما كانت مقبلة عليه.
الملك لك لك يا صاحب الملك، الملك لك لك يا صاحب الملك…
الطائر الجميل ما زال يغرد، وهي ما تزال شاردة في ملكوت الخالق وتصريفاته القدرية. قد تكون استسلمت لريح قوية تُسيّر مركبها، وتفقد معها ميزة السيطرة، لكن عقلها الواعي ما يزال محتفظًا بخيار المقاومة في سبيل تحقيق هدفها العظيم، ولن تقبل سوى بالوصول إلى بر الأمان، ولو كلفها ذلك حربًا تخوضها حتى آخر نفس.
اهتز حجرها فجأة بدوي نغمة الهاتف الذي وضعته ونسيته. نظرت إلى الاسم الذي ظهر على الشاشة المضاءة، فرفعته سريعًا، تجيب بسجيتها، مستغربة اتصاله في هذا الوقت:
– ألو.. السلام عليكم.
– وعليكم السلام، صباح الخير يا ست مزيونة.
– اااا صباح الخير… في حاجة يا أبو ريان؟ في حاجة حصلت؟
– خير يا أم ليلى، أنا بس بطمن، أصلك مش متعودة تجعدي كده ورا ربع الحيطة اللي على حدود السطح.
– اللي على حدود السطح؟
تمتمت بها ونزلت عيناها للأسفل، لتجده واقفًا مقابلها أمام المنزل الذي اكتمل بناؤه تقريبًا، يطالعها بعينيه الضيقتين من تلك المسافة القريبة إلى حدٍّ ما، ليردف بمزيد من التوضيح:
– أصلي بصراحة إتفاجئت لما جيت دلوك أفتح باب البيت، و رفعت عيني لفوق، لقيتك قاعدة كده
– كده كيف يعني؟
– يعني زي ما تكوني سرحانة ولا في حاجة شاغلاكي؟
ليست غبية حتى تغفل عن التغيّر المقصود في نبرة حديثه عند بعض الكلمات، ومع ذلك ليس أمامها سوى الاستمرار على نهجها المتحفظ، فهذا اختيارها الذي لن تحيد عنه:
– شي طبيعي إني أسرح أو أنشغل حتى يا أبو ريان، مش برضو النهارده حنة بتي وكتب كتابها؟ ولا إنت نسيت؟
ضحك بملء فمه أمامها مرددًا:
– أنسى! أنسى كيف بس؟ دا أنا طالع عيني دبايح وليالي، وامبارح بس كانت حنة العريس، والسهرة للفجر مع العيال المجانين صحابه. الفرح دا هيخلص وأنا هقعد شهر نايم في البيت عشان أقدر أواصل بعد كده.
تنهيدة خافتة منها وصلته قبل أن تعقّب بروتينية:
– ربنا يتمم بخير إن شاء الله، أقوم أنا أشوف اللي ورايا، ما هي ليلتنا احنا النهارده بجى، مش انتوا خدتوا ليلتكم امبارح.
جاء رده بتسلية وملامح تجلّى بها العبث:
– دا صحيح خدنا ليلتنا امبارح، وكان نفسنا العروسة تحضر عند عريسها، بس تتعوض النهارده إن شاء الله. العريس هو اللي هيحضر بناسه، إحنا مش محتاجين عزومة، ولا إيه رأيك يا نسيبتنا؟
حسنًا، هو مُصر على رفع التكلفة ويجرّها لذلك بنعومة ومراوغة، ليست هي نِدًّا لها، رغم سلاح الجمود الذي تتمسك به:
– بإذن الله، ربنا يتمم بخير، عن إذنك بجى نازلة للبِت أصحيها.
أنهت المكالمة وتحركت سريعًا لتختفي من أمامه، ليتسمّر هو في مكانه يطالع أثرها علّها تعود مرة أخرى، والأماني والأحلام تداعب خيالاته، بعد أن ذهبت وأخذت قلبه معها. يتشوق بحرقة لذلك اليوم الذي يجمعها به في منزل واحد، تخلع فيه عنها رداء الخشونة الذي لا يليق بها، وتعود إلى أصلها: أنثى حقيقية كاملة، الدلال والنعومة قد خُلقا من أجلها.
…………………………….
حينما نزلت إلى الأسفل قاصدة غرفة ابنتها، وجدتها بالفعل مستيقظة، لكنها في عالم آخر، تشاهد عبر شاشة اللوح الإلكتروني لقطات مسجلة من ليلة الأمس عند عريسها، حيث يرقص بحصانه على المزمار البلدي، أو بين أصدقائه، والحناء قد زينت كفيه بوضوح.
فرحة من القلب، الجميع يشاركه بها، حتى هذا الـ… من هذا؟! حمزة أيضًا يرقص!
يبدو أن الذهول لم يكن من نصيبها وحدها، فابنتها أيضًا، والتي كانت تُشاهد منذ ساعة وعلى فمها ابتسامة إعجاب بحبيبها، تحولت إلى انبهار شديد ظهر في تعبيراتها حين انتفضت بجذعها، وضحكت بصوتٍ عالٍ حتى انتبهت على وقوف والدتها خلفها، فتهلّل في وجهها:
– شُفتي يا أمي! عمي حمزة بيرقص إزاي؟ والله العظيم عسل، عسل!
تبسمت مزيونة على غير إرادتها، فرؤيته بتلك الخفة وهو يراقص شقيقه بالعصا أو بدونها كان أكبر من تخيلها، ولن تنكر بالطبع إعجابها… لكن في داخلها فقط.
– الفرحة حلوة، ربنا يكرم الكل، لكن انتي من إمتى بتصحي لوحدك؟ أكيد هو اللي رن عليكي وصحّاكِ، صح؟
أجابتها بلهفة:
– لا والله يا أمي، أنا صاحية لوحدي، ما النهاردة يوم طويل زي ما إنتِ عارفة، بس صحيت لقيت معاذ باعتلي كل الفيديوهات دي قبل ما ينام على وش الفجر زي ما هو كاتب، شكل ليلتهم كانت حلوة جوي، ياما كان نفسي أحضرها.
عبست مزيونة بجدية:
– تروحي فين يا بِت؟ ما تتجلي وارسي مكانك كده، على العموم اهي ليلتك النهارده، يعني لما يحضر هو وناسه هتبجى معدلة أكتر.
صاحت بشغف:
– هما جالولِك إنهم جايين؟ مش هزار يعني؟ كيف ما بلغني معاذ؟
– لا يا أختي مش هزار. جومي يلا ذاكريلك حبة، جبل ما ييجوا البنات وندخل في هيصة اليوم. كفاية الكام يوم اللي هتجصري فيهم في الفرح وبعد الفرح.
– قصدك على شهر العسل يعني؟
تمتمت بها ليلى خلف والدتها التي كانت تهمّ بالمغادرة، لتلتف إليها بغيظ لا يخلو من مرح، مرددة بسخرية وحزمٍ مصطنع:
– أيوه يا أختي، شهر البصل… أو أسبوع بمعنى أصح! عينك فتحت يا مضروبة الدم، أخلّصي يا بِت… جووومي!
وكان الرد من ليلى كان ضحكات متواصلة دون توقف.
**************
في منزل حماد القناوي، الممتلئ عن آخره بأهل العريس من إخوته وأقاربه الذين أتوا من سفرهم أو من داخل البلدة، تلك العادات التي مهما مرّ عليها من الزمن لا تتوقف.
كانت حسنية في هذا الوقت مستيقظة، وقد التف حولها أحفادها من الأطفال، كل فرد منهم يُريها نقوش الحناء التي رُسمت على كفوفهم، كي تدلي برأيها فيها.
– حلوة يا ياسين، عقبال ما تبقى عريس يا عين سِتّك. – وأنا يا جدة؟ أنا يا جدة؟
– وانتي يا جنا، هيطلع بختك حلو عشان لايقة عليكي. – وأنا يا سِتِّي؟
– وانتي يا روح سِتّك…
– وأنا كمان يا سِتِّي! وأنا! وأنا!
زاد الحماس حتى هجم عليها البقية في استعجال لأخذ رأيها في الحناء بكفوفهم مثل الآخرين، لتصدح ضحكاتها مرددة:
– بالراحة، طب بالراحة على سِتّكم الكبيرة!
جاء صوت منى القادمة من الداخل لتنهرهم بلطف لا يخلو من الحزم، وهي تبعدهم عنها:
– مستعجلين جوي على معرفة بختكم، من دلوك! طب استنوا لما تكبروا… ابعدوا يا مضاريب، سِتّكم نفسها اتكتم!
كانت حسنية غارقة في ضحكاتها من أفعالهم، حتى ظلت لفترة لا تستطيع التوقف. وبعد ابتعادهم عنها، علقت ابنتها بحب:
– ربنا يخليكي ليهم يا سِتّ الكل، وتجوّزيهم كلهم. ردّت حسنية برضا يغمرها:
– يا ختي كفاية اطمنت عليكم، وبُكرة تكمل بجواز معاذ، ربنا بس يديني العمر وأفرح بخلفه، كده أبوس يدي وش وضهر على فضله.
شعرت منى بالغصة التي تخللت حديث والدتها، رغم فرحها بكل ما يحدث، إلا أن قلب الأم بداخلها يتمنى المزيد. ولكن تبقى راحة الأبناء باختيارهم هي الأهم:
– إن شاء الله يا أمي تفرحي بيهم كلهم. ما شاء الله البيت مليان، وتقريبًا كل اللي فيه نايمين كالأموات من تعب الليلة اللي فاتت.
– لا مش كلهم، حمزة خطف ساعتين بس وطلع.
– طلع راح فين؟
– راح على بيته الجديد قال. أنا مش عارفة إيه غايته في الروحة والجاية كل شوية عليه، حتى إن كان النهاردة إجازة من الشغل والمحارة، أخوكي ده عقله مفوّت.
– جوي يا أمه، إنتِ هتجوليلي؟
قالتها منى وابتسامة ماكرة حلّت بملامحها، شقيقها المكشوف حتى وبرغم إجهاده الشديد وإرهاقه في تجهيزات العرس التي يقوم بها، إلا أنه لا يقوى على أن يفوّت يومًا دون رؤية محبوبته المتمردة. يفعل ذلك والرباط بيننا وبينها لم يُوثق بعد، فما باله حين تكون ابنتها في منزلنا؟ لا يُستبعد أن يُصيبه الجنون مثل شقيقه الصغير.
……………………
عودة إلى منزل العروس
الذي ازدحم بالنساء من أقاربها والأصدقاء في هذا الوقت للمساعدة في تجهيزات الليلة. وعلى الرغم من أنها في الغالب تكون مُحكمة وليست بحجم ليلة العريس، إلا أنها أيضًا لها استعداداتها.
كالصوان الذي تكفّل بنصبه الآن خالها وصفي وابنه الأكبر حازم، في الساحة الشاسعة أمام المنزل، حيث تضم محيطه ومحيط المنزل الجديد لحمزة، والذي كلّف عددًا من العاملين بتسوية المكان والمساعدة مع الرجال.
أما في الداخل، فقد أتت زوجة وصفي وبناتها وبعض نساء العائلة لمساعدة مزيونة، بالإضافة إلى صديقتي العروس، سمر ونسرين، واللتين استغلت مزيونة وجودهما لترتيب أشياء العروس ومتعلقاتها داخل حقائب كبيرة، بعد أن تكفلت هي بشرائها طوال الشهر الفائت. أما الأجهزة فكانت من اختصاص وصفي، يبتاعها من محل الأجهزة إلى شقة العريس على الفور.
تجهيز العروس نفسها غالبًا ما يتم في هذا اليوم أو ما قبله، وقد رفضت مزيونة أن تنكشف ابنتها على امرأة غيرها، لتقوم هي بتلك المهمة، حتى إذا أتى الموعد مساءً، كان قد تم الانتهاء من كل شيء على أكمل وجه.
……………………
في ساحة السجن
شهر قضاه في سجن انفرادي بعد ضربه المبرح لعطوة، والذي قضى على إثرها خمسة عشر يومًا في مشفى السجن. ليخرج إليه مرة أخرى اليوم، ويتجدد رعبه منه، بعد أن خلّصه الرجال منه بصعوبة، وقد كان مصرًا على قتله. ولسوء حظه، يلتقي به الآن في فترة التريض اليومي للسجناء، في ساحة مكشوفة تدخلها الشمس تُسمى “الحوش”.
فاردًا ظهره ونافخًا صدره بعنجهية ليست بغريبة عنه، وقد زاده الحبس الانفرادي خطورة تروق له، يدخل في قلب من يراه رهبة حتى لا يتكرر معه ما حدث لعطوة، والذي ما إن رآه حتى تراجع بخوف، يبحث عن منفذ للهروب، بعد أن تركه زملاؤه بناءً على إشارة من عرفان.
– وه وه، بترجع لورا ليه بس يا عطوة؟ ما أنت زين وحلو. ده أنا افتكرتك مش هتقوم منها تاني يا راجل، بس أها زي القرد واجف جدامي!
انتفض الأخير يحاول الابتعاد عنه، هاتفًا بمظلومية:
– عايز إيه تاني يا عرفان؟ مش خلاص افتريت عليّا ورقدتني أسابيع في المستشفى؟ أنا سيبتك، شكوتي لربنا، يوريني يوم فيك!
– يا ابن الــ…
تمتم عرفان بسبّة بذيئة، ليقطع المسافة بينهما فجأة بخطوتين، وينقض عليه ويمسكه من قماش قميص السجن الذي يرتديه، يعنفه بغضب شديد:
– اسمع أما أقولك يا ض، العلقة اللي فاتت دي متجيش نقطة في اللي هعمله فيك لو ما رجعتش عن شهادة الزور اللي اتبليتني بيها. اشتري عمرك وقول الحقيقة. كلها أسبوعين وييجي ميعاد القضية، وأنا مستعد آخد فيك مؤبد لو مرجعتش.
وكعادته في رسم دور الضحية، صاح وصرخ بأعلى صوته، حتى يلفت نظر الحراس لينجدوه من يد المجرم الذي يستقصده كما يُصوّر لهم:
– تاني يا عرفان! عايز تضربني؟! الحقوني يا بشر، الحقيني يا حكومة! ده عايز يكسّرني من تاني ويخلّص مني! إنجدوني يا نااااااس، الراجل ده عايز يخلّص عليّا!
وبالطبع، أتى صراخه بنتائجه، حينما التف رجال الأمن حول عرفان، يكبلونه من ذراعيه ويبعدونه عن المذكور، الذي كان يلتقط أنفاسه بصعوبة، خوفًا من تكرار ضربه مرة أخرى من عرفان.
***************
عودة إلى منزل حماد القناوي تحديدًا داخل غرفة العريس، الذي استيقظ على اختراق الدخان لأنفه، مصحوبًا بعدة أصوات، ليجد الغرفة قد امتلأت بأخواته البنات، يلحقن بوالدتهن التي دخلت وهي تحمل المبخرة، متمتمة بالآيات القرآنية والأوراد الحافظة، تدلّله بغرض إيقاظه.
جوم يا باشا، جوم يا واض، في عريس يصحى بعد الضهر؟ طب استنى لما تدخل بعروستك الأول يبجى ليك عذرك.
ضحكت أسنانه، ترافقه تلميحات شقيقاته اللواتي شاركن والدتهن في مشاكسته، فاعتدل بجذعه، يمسح على وجهه وشعر رأسه ليطرد النعاس قائلًا:
لامة بنتتك وجايباهم يتمقلتوا عليا يا حسنية؟ ماشي، حاضر.
“ماشي” و”حاضر” كمان! لاه، عاقل جوي يا واض!
ردّت بها متصنعة العبوس، وهي تواصل اللف بالمبخرة. جلست “منى” بجواره، تاركة شقيقاتها يقمن بجولة على ملابسه الجديدة وما قد يحتاجه من القديم في سكنه الجديد بشقة العرس. لتلكزه قائلة:
ما تجوم وتصحصح يا واض؟ مشحطط الناس في السؤال عنك، لما بقيت في نص هدومي منك!
انتبهت حواسه وقد ذهب ظنه إلى ما يحب، ليردد خلفها بتخمينه:
مين اللي سأل علي؟ ليلى اتصلت ولا بعتت حد؟
قالها، فالتفتت رؤوس الثلاثة نحوه، لتعلّق “منى”:
شوفي الواض ومخه الفاضي! خلاص ما عدتش غير ليلى اللي يسأل عنك؟
سخرت والدته أيضًا:
سيبيه يا بتي، دا عَجَلة رايح منه! أخوكي ده ما تحطيش عليه أمل خالص دلّوك يا بتي.
ضحكن الأربعة، لتضيف منى:
آه والله، خلاص نسي أصحابه وعيال عمامه اللي سهروا معاه للفجرية، رقص وتنطيط. ولا هي ليلى نفسها أساساً فاضيالُه؟
ليه، بتعمل إيه؟
كادت أن تجيبه بسجيتها، لكنها استدركت الحقيقة لتخفي حرجها بردٍّ صارم:
وإنت مالك باللي بتعمله يا بارد؟ جوم ياض، بطل تناحة، اخلص يلا!
وتبعت الأخيرة ترفع عنه الغطاء، ليردد ضاحكًا وقد فهم من خجلها:
ليه؟ هي الإجابة عيب؟
قالها، لتصدح ضحكته، حتى جعل شقيقاته الأخريات يتركن ما بيدهن، ليمازحنه بالطريقة التي يحبها، مع تدخل والدته بجرأتها.
وصارت أصواتهن تصل إلى الشقة المجاورة عند “هالة”، التي كانت تنفخ بضجر، لا يعجبها كل ما يحدث.
****************
في منزل “مزيونة” وقد اكتملت هيئة العروس بعد أن ارتدت فستان سهرة يناسب ليلة الحنّة، كان قد انتقاه لها “معاذ” سابقًا، يناسب لون عينيها المميز. مساحيق الزينة، التي وضعتها لأول مرة على بشرتها، كان لها وقع المفاجأة على الحاضرين، حتى صارت ساحرة في أعين الجميع، وأولهم “مزيونة”، التي رمت كل شيء خلف ظهرها اليوم: هموم، مخاوف، وهواجس، لتبقى فقط على فرحتها بابنتها، التي بدت امرأة ناضجة أمامها. بغض النظر عن جمالها المذهل، لكنها اليوم عروس. ابنتها أصبحت عروسًا، وكم من أم تحلم بتلك اللحظة.
ها، إيه رأيك بجى يا أمي؟
توجهت بالسؤال نحو والدتها، رغم إطراء جميع من بالغرفة والتغزل بها، لكن يبقى الرأي الأخير والأهم هو لها، لمزيونة، التي احتضنتها تختصر كل الكلام بجملتين:
بدر منور يا حبيبتي، أحلى عروسة في الدنيا كلها.
وانطلقت الزغاريد من النساء والفتيات، فتدخلت “محروسة” زوجة “وصفي”، لتُبعد الاثنتين عن بعضهما، قاطعة لحظة التأثر تلك، حتى لا يتطور الأمر إلى بكاء. جذبت مزيونة من يدها قائلة:
كده يبقى الدور عليكي.
الدور عليّا في إيه؟
تساءلت بها، قبل أن تفاجئها الأخرى بإجلاسها خلف مرآة الزينة الكبيرة، منبهة على السيدة التي زينت “ليلى” أن تقوم بعملها مع “مزيونة”:
يلا يا عسل، شوفي، عايزين الأم تبقى أحلى من البِت…
يا مرَي!
قاطعتها مزيونة برفضٍ قاطع، أمام أنظار الفتيات اللواتي صرن يضحكن مرددات:
إيه اللي بتقوليه ده يا ولية؟ بعدي، سيبيني انتي وهي! هو أنا عيلة صغيرة؟
شددت “محروسة” تمنعها من الوقوف:
آه يا أختي، عيلة صغيرة! انتي اللي في عمرك ما تجوزوش أصلًا! ده أنا، اللي معدّية الأربعين بسنتين، بلبس واتعدل واتسبسب! دي ليلة بِتك يا حزينة، يعني تفرحي بيها، وتفرحي الناس بيكي إنتي كمان! خُشي عليها يا سوسن، البت دي…
قالت الأخيرة نحو خبيرة التجميل، والتي ما إن تحركت لتجهزها حتى همّت بالرفض مرة أخرى، قبل أن ترتخي مقاومتها مع رجاء ابنتها:
وغلاوتي عندك يا أمه، خليها تزوقك، وتلبسي الفستان اللي نجتهولك انا من السنة اللي فاتت وانتي رامياه في الدولاب! الليلة دي بس حتى، وبكرة البسي عباية عادي عشان هتبجى زحمة أصلًا. إنما الليلادي، ليا أنا والبنات، معاذ وأهله مجرد ضيوف وهيمشوا بعديها، يعني هتبقى ليلتنا يا “مزيونة”! مش انتي فرحنالي برضو؟
بتنهيدة من الأعماق، استسلمت للإجابة على سؤال ابنتها، لتترك نفسها لخبيرة التجميل، مع التنبيه عليها بألا تُفرط في المساحيق. وسارت الفتاة على التعليمات، لتكون النتيجة النهائية صاعقة للجميع، بل وأكثر من مذهلة…
***************
بعد أذان المغرب تم عقد القران بحضور عدد كبير من الرجال، في الساحة الخارجية للمنزل داخل محيط الصوان، الذي تم إعداده صباحًا، بحضور مهيب من الرجال: أقارب العريس وأقارب العروس. في عادة متأصلة لا يمكن التخلي عنها أبدًا، حتى لو تم الزواج عن طريق محامٍ بعقد موثق؛ فالجمع شهود، والفرح إشهار، والشروط تسري، ولا يمكن المناص منها.
بالطبع تولّى وصفي أمر وكالتها، ليأتي دوره مع قرب انتهاء الإجراءات في الدخول إليها داخل منزلها، كي يأخذ توقيعها على الأوراق بعيدًا عن أعين الرجال في الخارج.
صدحت زغاريد النساء مع أخذ التوقيع، ليضمّها إليه مقبّلًا رأسها بحنانٍ أبوي، دائمًا ما تشعر به ليلى من قبل خالها الحنون، قبل والدتها أيضًا، وضمّها إليه بفرحةٍ تسلّلت إلى قلبه، أن يرى شقيقته سعيدة، وعائدة لرونقها القديم، لهو أحبّ الأمنيات إلى قلبه.
– مبروك يا ست البنات، إنتي وبِتك عرايس يا بِت أبوي.
ضحكةٌ صافية صدرت منها، تبادلُه قبلةً على وجنته امتنانًا لقوله، لتُطلق بعدها زوجته زغرودةً وصلت بقوتها إلى خارج الصوان، قبل أن تركض وتتركهم عقب استئذان حمزة للدخول:
– أبو حازم.
اعتدلت مزيونة عند سماع نبرة الصوت التي تعرفها، لتشدّ طرحتها إلى الأمام بخجلٍ أصابها، ليتها تستطيع أن تُخفي وجهها أيضًا، أو أن تركض مثل زوجة أخيها، ولكنها تعلم سبب دخوله، ووجودها شرطٌ أساسي، لتبتلع ريقها بتوتر، وشقيقها يرحب سامحًا له بالدخول:
– ادخل يا أبو ريان، إنت مش غريب خلاص.
دلف حمزة من أجل إتمام مهمته هو أيضًا، ولكن المفاجأة كانت أكبر من تصوّره لدرجة أنه لم يعرفها في البداية، قبل أن يميّزها قلبه ويتسمّر في مكانه بعدم استيعاب. هيئتها سلبت لُبّ قلبه، حمد الله أن لا أحد من الرجال دخل خلفه. يُقسم داخله، إن جلست مكان العروس فلن يُصدّق أحد في العالم أنها الأم وليست العروس.
– مالك وجفت ليه؟ مفيش حد غريب، دي العروسة وأمها. إنتو خلاص بقيتوا نسايب يعني مش أغراب.
على أساس أنه لم يعرفها، ولكن صوت وصفي جاءه كمنبّه حتى يتمالك بأسه، ويتقدّم نحو عروس شقيقه أولاً ، الجميلة البريئة:
– ما شاء الله، اللهم بارك، عروستنا اللي بجت بتنا رسمي دلوك .
ضحكت ليلى لتصافحه بلهفة:
– عم حمزة، ربنا يبارك فيك.
– ويبارك فيكي إنتي يا أحلى عروسة. الواد اللي جاعد برّا دا مش هدخله، دا مجنون وممكن يخطفك بعد ما يشوف حلاوتك دي!
قهقهت بعفويتها التي تصدر بشقاوة، لتتمازح معه قليلًا، قبل أن يلتفّ عنها ويعطي اهتمامه لتلك الحورية التي كانت تفرك كفّيها أمامه بتوترٍ تضاعف بنظرته الثاقبة نحوها، نظرةٍ اخترقتها بجرأةٍ لا حدود لها، رغم حديثه بصورةٍ طبيعية أمام شقيقها وابنتها:
– إزيك يا نسيبتنا.
تلك النبرة التي يتحدث بها، يجهلها الجميع إلا هي، وكأنه يختصّها بها وحدها. ذلك الماكر، وكأنه اخترع لغةً لها، ينجح دائمًا في إرباكها، بالإضافة إلى النظرة المثبتة عليها. ألا يكفيه خجلها الشديد أمامه الآن؟ اللعنة، كيف تجد صوتها الآن؟
اهتزّت رأسها بابتسامةٍ مضطربة كردٍّ له، ليرحمها قليلًا من غزوه، ويُخرج من جيب جلبابه ورقةً يقدّمها لها:
– دا شيك بمليون جنيه، قلت أديهولك في يدك، وإنتي حرّة تديه لِوصفي أو تشيليه مع نفسك.
تناولته وأعطته لِوصفي سريعًا مردّدة:
– وصفي طبعًا أولى، دا أكتر من أبوها كمان.
– تمام.
أومأ لها بهزّة من رأسه، ثم انتبه إلى دوي الهاتف، ليعرف المتصل دون مجهود ولا نظرة إلى الشاشة:
– طب العريس بيرن، يدخل بجى يسلم على عروسته ويباركلها، ولا يستنى لما ياجي بعد شوية مع الجماعة على حنّة العروسة؟
رحّب وصفي على الفور:
– لا يا عم، خليه يدخل، دا خلاص بقى ولدنا، كيف ما بِتنا بقت بِتكم.
لم ينتظر معاذ ثواني بعد أن جاءه الإذن بالدخول، ليدلف على الفور معهم. وما إن رأى عروسه أمام عينيه، لم يجد الفرصة لتحية الباقين حتى، وقد خطفها مباشرةً إلى حضنه، حتى ارتفعت قدماها عن الأرض، لتصدح ضحكاتها أمام ثلاثتهم. مزيونة جمّدتها المفاجأة، ووصفي الذي تبسّم ضاحكًا هو الآخر، أما حمزة فقد غمغم قائلًا:
– يخرب بيت عقلك يا مجنون.
ليتوقف بحسرة وعيناه ذهبت نحو معذّبته، متمتمًا بحديثه:
– والله شكله الجنان هو بس اللي بيجيب فايدة.
*******************
ليلة الحناء مساءً
حيث انقسم الصوان إلى جزئين: أحدهما خاص بالرجال، يستقبل فيه أهل العروس من عائلتها المهنئين والمدعوين، أما النصف الثاني فهو مخصص للنساء والفتيات من أهل العروس. غالبًا ما تكون تلك الليلة هي الأفضل لفئة النساء ، حيث يأخذن حريتهن في الرقص المتواصل والمرح، مع توزيع المشروبات بشكل مستمر.
لكن حين يأتي العريس وأهله، يختلف كل شيء. وماذا إن كان العريس هو معاذ؟! وقد عبّرت محبوبته أمامه عن حسرتها في عدم رؤيته يرقص على حصانه مباشرة، ليأتي اليوم محققًا أمنيتها، فيرقص به أمام تصفيق الجميع وتشجيعهم على نغمات المزمار، ليشعل الحماس في قلوب الفتيات اللاتي يندفعن لاقتناص فرصتهن في الرقص معه. ثم يترجل هو من على حصانه ليرقص معها وسط الدائرة التي التفت حولها النساء والفتيات.
أما ذلك المسكين المنحشر وسط جلسة الرجال في موقع يُمكّنه من المتابعة إلى حد ما، لقرب منزله من الصوان، فبالكاد يرى بعض التحركات أو طيفها الساحر وهي تدلف إلى داخل المنزل أو تخرج منه.
وقد كانت في هذا الوقت تصفق مع النساء تشجيعًا لشقيقه الأخرق وهو يرقص على الحصان.
– عينك يا واد أبوي، الرجالة قربت تاخد بالها، وانت نظراتك كشفاك، ودي مش عوايدك، تمتم بها شقيقه وهو يجاوره في جلسته على الأريكة، ليرد حمزة بضيق:
– ياخدوا بالهم من إيه بس يا خليفة؟ ما تسيب أخوك في حاله يا واد أبوي، أنا أصلًا على آخري.
ضحك الأخير مستمتعًا باحتراق شقيقه، فتناول منه ذراع الشيشة التي لم يستعملها أساسًا، ليدخن منها وهو يقول:
– طب ما بدل الشندلة ووجع القلب ده، ما كنت اتقدمت إنت التاني مع أخوك أبو ربع ضارب، وكنا كاتبنالكم إنتوا الاتنين النهاردة.
– أيوه يا أخوي سهلة جوي! غمغم بها حمزة بسخرية، وأردف:
– أصل كنت هستناك إنت تقولهالي؟ أديني بصبّر نفسي مع الأيام، وأجول يا رب، مع إني من جوه والله بتسوى على الجانبين.
قهقه خليفة حتى سعل ولفت انتباه البعض إليه قبل أن يعود إليه بصوت خفيض:
– والله وجا اليوم اللي تجدر عليك فيه واحدة وتخليك تكلم نفسك! طب ما تكلم أخوها يمكن يقنعها.
عبس ناظرًا إليه بغيظ، وهو يقترح عليه بحسن نية حلولًا لا فائدة منها، وهو الأعلم بطبعها العنيد، وظروفه التي تجعل ارتباطه بها مستحيلًا في شرعها، حتى وإن كانت تبادله نفس الشعور.
– وه أخوك بيزوح الحصان مع ريان والدك،
قالها خليفة مشيرًا نحو مدخل النساء، حيث كان معاذ يصرف الحصان بصحبة ريان كي يعيده، لينتفض حمزة من مكانه مرددًا بعصبية:
– الدون، خد غرضه ودلوك بيتخلص منه.
ضحك خليفة مرة أخرى وسأله بدهشة:
– طب وإنت إيه اللي معصبك؟ ما دا المعروف، أكيد بعد ما خلّص فقرته بيه، عايز يختلي بعروسته، دا كاتب كتابه النهاردة يا عم.
حدجه حمزة بسخط، ثم اقترب وتناول سرج الحصان من ابنه بعد أن أنزله إلى الأرض، ليعتليه هو. وأشار إلى المسؤول عن سماعات الدي جي بإشارة معروفة جعلته يبدل الأغنية الرومانسية إلى مزمار صعيدي، ليأخذ هو دوره في الرقص على الحصان، ويصبح محط أنظار الجميع، كبير العائلة الذي لا يفعلها إلا نادرًا، حتى النساء تركن أماكنهن ووقفن عند مدخل الصوان الفاصل بين النساء والرجال ليشاهدنه. فأطلقت والدته الزغرودة الأولى كإشارة بدء، فتتبعتها باقي النساء بالزغاريد.
أما عنه، فقد كانت جائزته هي، وقد خلى الجمع من حولها، وبقيت وحدها تركز النظر إليه. ومن فوق ظهر الحصان، استطاع أن يرى تعابير وجهها بوضوح، ويحدث تواصل بصري بينهما، لا ينتبه له إلا المحبون، كأشقائه: منى التي صارت تغمز له بمكر، وخليفة الذي يضحك لفعله دون توقف، أما معاذ فقد كان في عالمه الخاص مع عروسه لا يشغله نفسه بشيء.
وأما الحاقدون كهالة التي لم يخفَ عليها ما يحدث، فازداد حقدها، مع شعورها بالوحدة. فحتى شقيقتها التي عوّلت عليها أن تتخذ موقفًا منهم، حتي لو لم يأت بنتيجة،لم تفعل، ولو مجرد تعكير لصفوهم.
رقص حمزة باحترافية حتى وقف بقدميه فوق ظهر الحصان، ليشعل الحماس في قلوب البعض، وتصدح التعليقات المازحة والتهليلات بشجاعته، ليجبرها رغمًا عنها على الابتسام لفعلته.
انتهت الأغنية، لكنه لم ينتهِ بعد، فصدح صوت الموال الجديد من المطرب المعروف، الذي وافق مزاج رأسه، ليؤدي مع كلماته حركاته ولكن الربابة بتحريك الكتفين والذراعين.
راكب العربية دا حبيبي وعينه لي باصص من الشباك الواد لأغاني وعينه لي أبص عليه ألاجيه عينه لي لدعه الغرام جابو خالي يا دلالي عليه يا دلالي
حقًا، كان رائعًا بصورة جعلت الإنكار صعبًا أمام عينيها، حتى اندمجت مع النساء في تشجيعه.
**************
وفي عالم آخر…
حيث الجلسة التي تجمع بين العروسين في ركن خاص بهما، وقد خف الزحام حولهما إلا من عدد قليل من الفتيات اللواتي يسترقن النظر إليهما بين الحين والآخر.
استغل الفرصة في غفلة منها، ليقبض على يدها، فانتبهت لتضربه بكفها الأخرى، توبخه بطريقتها:
– عييب عليك يا عم الشيخ معاذ، هتاخد فرصتك عشان الدنيا خفّت من حوالينا؟
بابتسامة مستترة، حدثها بتوعد:
– بتضربيني يا ليلى على كف إيدي، لكن انتي كدها دي؟
ردّت بتحدٍ:
– كدها ونص وتلت أربع! مش كسفتني قدام خالي وأخوك وأمي لما حضنتني؟ فاكرني نِسياها إياك؟ ولا سايبة هي؟
عيون القطة التي تبرق مع الإضاءة في كل كلمة منها، جعلته بالكاد يستطيع التركيز، وهي تقصد استفزازه بشقاوتها، فرد عليها:
– يعني اتكسفتي من مجرد حضن وأنا كاتب كتابي وبقيتي مرتي شرعًا؟ طب إيه رأيك لو بوستك دلوقتي برضو؟ هتجدري تمنعيني؟
– متقدرش، تفوهت بها مائلة برأسها نحوه، حتى كاد أن يفعلها، لولا انتباهه لنظرات الناس التي تحيط بهما، رغم قلتها، فضحكت مستمرة في غيظه، ليتمتم ضاحكًا:
– ماشي يا ليلى، خدي راحتك خااالص، من هنا لبكرة مش بعيد، هي ليلة وتعدي، وإن غدًا لناظره قريب.
– حاضر.
– حاضر إيه؟
– مش إنت بتقول إن غدًا لناظره قريب.
– ليلى…
_ امممم
– اتعدّلي.
– حاضر.
– تاني؟
قالها، لتنطلق في وصلة ضحك دون توقف، وهو بالكاد يسيطر على جموح مشاعره أمام تلك الجنية التي ملكت قلبه، والآن أصبحت زوجته، يعلم ان مزاحها ما هو إلا ستارا كي تخفي خجلها منه، فتلك طريقتها التي حفظها به طوال الفترة الفائتة، وهو متفهمُ لذلك ولا يضغط عليها ابدا
***************
بعد انتهاء الحفل، وقد غادر معظم المدعوين، ولم يتبقَّ سوى العريس وبعض أفراد عائلته، جلست بهم منى تحت شجرة التين في انتظار خروج العريس إليهم.
وقد غلبها التعب، فأسندت جسدها بثقله على المصطبة، تدعو زوجها للجلوس إلى جوارها، بينما كانت تنظر بعينيها نحو منزل شقيقها الذي اكتمل بناؤه تقريبًا، ولم يتبقَ سوى تشطيبه:
تعالى يا منص، تعالى… كاننا هنجوز التاني السنة دي، ولا اي بس؟
ضحك منصور ناظرًا نحو صهره:
وماله يا منى، هو بس يشاور، وبنات الحلال كتير… خصوصًا بعد رجص الحصان وهز الكتاف على الموال والربابة، عيني باردة عليك يا نسيبي.
ضحك خليفة، الذي أخذ راحته بعد مغادرة هالة وأبنائه مبكرًا، ليشاركهما مشاكسة شقيقه العابس:
يا سيدي، بس انت ادعيله… ربنا يعطيه مراده، ساعتها مش بعيد يعمل ليلة لله ويدبّح فيها دبايح كمان.
ضحك له الإثنان، ليعلق حمزة بحنق وعتب نحوه:
حتى انت يا خليفة، اللي بجول عليه العاقل، تتبع جوز أختك؟! ده أصلًا مرته نشعت عليه! خليك بعجلك يا حبيبي، سيبك منهم دول.
توقفت منى عن الضحك بصعوبة، موجّهة له سؤالها:
يعني بالذمة، مش عايز تتجوز صح؟ ولا نفسك تبقى ليلتك بكرة مع أخوك الصغير؟
لا مش عاوز… واتلمي بجى؟!
قالها بقوة، لكنها تبخرت في الهواء سريعًا، فور أن أطلت أمامه تلك الحورية من منزلها، تودّع والدته وعريس ابنتها شقيقه، بعد انتهاء الليلة، ليردد داخله بضعف ورجاء:
عايز… والله عايز… بس هي ترضى.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية لأجلها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *