رواية سيد القصر الجنوبي الفصل التاسع عشر 19 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي الفصل التاسع عشر 19 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي البارت التاسع عشر
رواية سيد القصر الجنوبي الجزء التاسع عشر
رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة التاسعة عشر
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
وتحت صفحة السماء المُظلمة سارت سيارة “أكرم” بسرعة عالية، فتنقلت نظرة “راندا” بينه وبين الطريق أمامها بقلق، ثم قالت بضيق:
_ هدي السرعة شوية يا أكرم !!
لم يجيب عليها أكرم وظل يقود السيارة بنفس السرعة، وبدا جانب وجهه مخيفا وهو ينظر للطريق وكأنه ينظر لألدّ أعدائه!.
فقالت راندا من جديد بعصبية :
_ في إيه أنا مش فاهمة حاجة؟!.
حاول أكرم رباطة الجأش والتحكم كي لا يلبّي رغبة عنيفة في نفسه بدفعها خارج سيارته الآن ومتابعة السير دون أزعاج، يكفي الفوضى التي تتناوش بداخل رأسه الآن .. عوضاً عن القلب الذي يصرخ مطالبًا ؟!.
رمقته راندا برغبة وشك، وبدأت تستعيد المشاهد الأخيرة التي ظهرت فيها تلك السيدة الغريبة محبوبة الصغار!، وشعرت بحدسها أن ما وراء هذا الغضب الذي يبرز صفحة وجهه تلك المرأة!!.
فألتزمت الصمت وعدة أفكار وشكوك تنسج خيوطها داخل عقلها.
*********
بدلًا أن تكون الآن تخطو خطواتها الأولى بداخل شقة الزوجية مع زوجها الحبيب، تقف أمام غرفة بالمشفى ووجهها غارق بالدموع، تنتظر خروج أي مخلوقا بالغرفة ليطمئنها ويبث فيها الحياة من جديد .. حتى خرج أحد الأطباء وتحدث معها قليلًا، ثم ختم قوله وقال:
_ بإذن الله الساعات الجاية تعدي على خير والحالة تبدأ تستقر.
قال الطبيب أشياءً كثيرة لم تفهم منها شيء!، بغمر تيهتها وحالة الضياع المُلمة بها لم تستطع أن تستوعب إلا القليل، ويبدو أن هناك إصابة بالمخ إثر الحادث !.
تهالك جسد سمر على أحد مقاعد المشفى في حالة أنهيار وبكاء شديدة، وشعرت باحتياج شديد لوجود أحدًا بجانبها، فنهضت وبحثت عن هاتف حتى ساعدتها احدى الممرضات وتركت لها هاتفها الشخصي، فاتصلت سمر برقم مكتب وجيه الزيان بمشفاه الخاص، حتى أجابت عليها أحدى الممرضات من زميلاتها وقالت :
_ الو ؟
قالت سمر ببكاء شديد وقد تعرفت على الصوت الآخر :
_ لو سمحتي يا نهى لو دكتور وجيه عندك خليه يكلمني ضروري.
دهشت الممرضة نهى من حالة الأنهيار التي تتحدث بها سمر وقالت :
_ سمر معايا صح ؟! .. مالك يابنتي في ايه ؟!
أخبرتها سمر بالحادث فصدمت نهى وواستها ، ثم قالت بأسف :
_ للأسف دكتور وجيه مشي من المستشفى بقاله ساعة تقريبًا، بس قالنا أنه هيجي الصبح بدري عشان مدام جيهان رجعت وحالتها ..
لم تتابع نهى الحديث حيث صاحت سمر بملء ما فيها وهي تبك بحرقة وقالت :
_ ارجوكي خليني أكلمها بأي طريقة أنا محتجالها أوي.
ترددت الممرضة وقالت :
_ هي كانت مرهقة شوية وتعبانة ونامت، بس هروح أشوفها، لو لقيتها صاحية هخليها تكلمك على طول.
قالت سمر برجاء شديد :
_ للأسف التليفون بتاعي مش معايا، بس أنا موجودة في مستشفى (…)، والممرضة اللي بتكلم من تليفونها هتمشي بعد ساعة.
أجابت نهى بتأكيد وقالت :
_ ما تقلقيش، هروحلها حالًا وهقولها لو لقيتها صاحية، وحتى لو لقيتها لسه نايمة وتعبانة هستنى دكتور وجيه الصبح وهقوله.
اطمئنت سمر بعض الشيء وانتهى الاتصال بعد ذلك، فذهبت الممرضة نهى سريعا إلى غرفة جيهان، حيث وجدت الأخيرة تغمض عينيها في سكون وهدوء تام، فترددت أن تيقظها وتخبرها بالأمر وتترك تحذير وجيه بعدم أزعاجها جانبًا … ولكنها تراجعت وقلقت وقررت أن تنتظر للصباح.
وقبل أن تخرج نهى انتبهت لصوت جيهان الضعيف وهو يسألها :
_ لو دكتورة مروة موجودة في مكتبها ابعتيهالي يا نهى لو سمحتي.
استدارت نهى سريعا وقالت بتوتر :
_ لأ .. دكتورة مروة مجتش النهاردة أصلًا .. بس ..
انتبهت جيهان وهي تحاول جاهدة فتح عينيها بسبب شدة الأعياء والإرهاق وقالت :
_ بس إيه قولي ؟!.
اقتربت نهى مرةً أخرى لسرير جيهان الطبي وأخبرتها بأمر سمر وما حدث معها، وفزعت جيهان حتى أن عينيها اتسعا لآخرهما في ذهول وقالت وهي تحاول أن تعتدل بفراشها :
_ خلي حد يتصلي بدكتور وجيه حالًا.
قالت نهى بقلق :
_ مقدرش يا مدام جيهان اتصل بدكتور وجيه طالما خرج من المستشفى ..
تعصبت جيهان ثم تألمت من ضغط المحلول الطبي الموصول بأوردتها، وقالت بأمر لأحدى الممرضات بالغرفة :
_ عايزة أي تليفون، هتصل بوجيه بنفسي.
فلبت طلبها نهى ووضعت هاتفها بيد جيهان، وحاولت تذكر رقه هاتفه بكل الطرق ولم تفلح، ولكنه استطاعت أخيرا الوصول للرقم الصحيح من أحد الأطباء المقربين لوجيه … وعندما ضغطت على زر الاتصال انتظرت بلهفة أن يجيب، ولكن بلا فائدة ، فكررت محاولتها مرةً أخرى وعدة مرات.
وبالطرف الآخر من العالم ..
كان وجيه قد بدأ يغط بنوما عميق بغرفته الدافئة، وبجواره زوجته ليلى التي اتزعجت أولًا من صوت الهاتف وقالت هامسة له لتيقظه :
_ تليفونك بيرن يا وجيه ، رد عشان البنت ما تصحاش وأنا ما صدقت نامت !.
فتح وجيه عينيه بصعوبة ونهض بكسل آخذًا هاتفه، وذلك بعدما القى نظرة سريعة على أبنته الرضيعة التي ولدت منذ أشهر قليلة فائتة، وعندما وجدها ساكنة ونائمة أجاب بهدوء :
_ ألو .. مين معايا ؟
قالت جيهان بتوتر شديد:
_ أسفة يا وجيه أني بكلمك في الوقت ده ، بس أمجد وسمر ..
قاطعها قائلا :
_ أيوة كان فرحهم النهاردة، المفروض كنت حضرت بس لما جيتي فجأة معرفتش أحضر ..
قالت جيهان بتوضيح وقلق :
_ لأ مش كده ، أمجد عمل حادثة واتنقل المستشفى وسمر لوحدها ، أنا هحاول أقف على رجلي وهروحلها، بس أنت أهم مني في الأزمة دي .. ارجوك ما تسيبهاش لوحدها.
واجهشت جيهان بالبكاء في ظل صدمة وجيه مما قالته ، فرفع الغطاء من عليه سريعا ونهض من فراشه قائلًا بعجالة :
_ طب قوليلي هما فين وأنا هروحلهم حالًا ؟ .. هو اتنقل عندنا في المستشفى ولا في مستشفى تانية ؟!.
أخبرته جيهان بعنوان المشفى وأكدت عليه أن يذهب في الحال،
فأغلق وجيه الأتصال وذهب سريعا ليغتسل ويساعد للخروج ، وظلت ليلى بالفراش وتصاعد بقلبها القلق عندما انتبهت لكلماته الأخيرة .. وعندما خرج وهو يجفف رأسه المبتل بالماء سألته بقلق :
_ حصل ايه يا وجيه ؟!.
رد وجيه تلقائيا :
_ أمجد عمل حادثة، لا حول ولا قوة إلا بالله، ده النهاردة يوم فرحه على سمر، حب حياته اللي فضل مستنيها سنين !!.
لم تتعرف ليلى على أمجد أو سمر فقالت :
_ مين دول ؟! .. قرايبك ؟
لم يكن متسع من الوقت ليشرح لها فقال وهو يرتدي معطفه سريعا :
_ لما أرجع هقولك كل حاجة يا ليلى مش وقته دلوقتي.
راقبته ليلى وهو يخرج من الغرفة راكضا تقريبا وظلت صامتة للحظات، ثم نهضت لتطمئن على مولودتها الثانية التي وضعتها بالأشهر القليلة الماضية.
************
لا زال قانون الليل قائم .. والظلام يحتد ويشتد بالأفق البعيد،
أخذت فرحة نفسا عميقا وهي تتثاءب بكسل وتتململ على فراشها، وعندما فتحت عينيها بالتدريج انتبهت لجلوس زايد بمقعد بالشرفة، ممددًا ساقه أمامه على مقعد آخر في استرخاء وعينيه زائغتان للبعيد.
تطلعت فيه بغرابة، لماذا يجلس هكذا بهذا الوقت وبهذه الحالة من الوجوم والصمت ؟!.
كأنه يحاسب نفسه حسابا عسيرًا على شيء !!
تنفست فرحة بعمق .. لا داع لإن تتعجب أو تحتار بعد الآن في تقلباته المزاجية المخيفة.
الطبيب لفت انتباهها لذلك، وقد خاضت التجربة بنفسها عدة مرات،
هو ذلك العاشق العدو، والحنون القاسي، والمتزن المجنون، ورمزًا للسكينة ونموذجا للأحتلال ! .. يكون بين ذراعيه الحرية والمنفى، وبعينيه حبا غارق ببركان ملتهب لا يهدأ ولا يثور ويفرغ ما في جوفه وينتهي! .. هو الوطن والغربة!.
عاشقا بكل ما تحمل الأوطان من أمان .. ومخيفا بكل ما تحمل الغربة من ألم! .. رجل مثل العملة، ذو وجهان مختلفان، ولكنهما لرجلًا واحد بالنهاية!.
تنهدت بعمق تلك المرة وهي ترتب خصلات شعرها المبعثرة، مع حركتها تلك لم ينتبه من شروده البعيد!، نهضت فرحة وتوجهت له حافية القدمين وبرداء نومها حتى جلست دون أن تحدث ضوضاء بهذا الهدوء .. وعندما جلست رسمت ابتسامة رقيقة على ثغرها بحياء وقالت :
_ قاعد في الوقت ده لوحدك ليه ؟!
انتقال نظرة عينيه إليها بهذا الهدوء جعلها تسخر من نفسها اعتقادا منها أنه لم ينتبه لخطواتها، وبمنتهى الثبات أجاب :
_ بحب أقعد لوحدي .. بالذات في الوقت ده.
تجاهلت إشارته الذكية لكي تنهض وتتركه وقالت مبتسمة بتحدٍ:
_ وأنا كمان.
ضيّق زايد عينيه عليها، ثم ابتسم بسخرية ولم يضيف حرفا، كأنه لا يفضل الجدال والنقاش بأي شيء الآن، بينما هي تريده أن يتحدث ويتحدث، ولكن يجب أن تتعامل بحذر .. فجلست باسترخاء على المقعد ولفحتها برودة الهواء وبدأ جسدها تتسرب إليه البرودة … حتى قال فجأة وعينيه حادة ولا يبدو اللطف على تفاصيل وجهه مطلقا :
_ كنتي جميلة أوي بالفستان اللي لبستيه لما نزلتي الحفلة.
كان يبدو وكأنه يعنفها أكثر منه يمدحها، فاستخلصت حلو جملته وقالت مبتسمة برقة :
_ وأنت كمان ذوقك حلو ما أنكرش.
قال وبعينيه نظرة حزينة :
_ أي حاجة حلوة بتدخل حياتي بتخوفني، ببقى خايف منها، وخايف عليها .. أنا حواليا الف عين مرقباني في كل خطوة، ومليون قلب أسود بيكرهولي الفرحة يا فرحة.
قالت بجرأة :
_ بحس ليه أحيانا أنك خايف مني ؟!.
ظل زايد ناظرا لها للحظات بثبات جعلها تشك أنه لم يسمع السؤال، ولكنه أجاب بنظرة عميقة تهديدية :
_ مش خوف منك، أنا خايف من نفسي من اللي هعمله فيكي لو اكتشفت أنك مش معايا .. وعشان ما تحتاريش كتير هقولك حاجة.
اصبح وجه فرحة جامدًا وهي تنظر له متحكمة بعصبيتها من حديثه، حتى استطرد قائلًا وهو يقترب في جلسته لها :
_ حكايتنا ناقصها ثقة .. خليكي معايا، وخليني أثق فيكي وشوفي هعمل عشانك إيه.
قالت فرحة بحدة:
_ أنت بتكلم مراتك مش عشيقتك ؟!.
رد بتأكيد وعينيه تنظر لها بنظرة نارية:
_ أنا عارف كويس أنا بكلم مين، وعارف حاجات كتير أوي عنك .. وساعات بستغرب من نفسي من صبري عليكي !.
نجحت فرحة في تجربة التلاعب النفسي كما أرشدها الطبيب، وقالت مبتسمة بتحدٍ له :
_ أنت ماتعرفش حاجة لسه يا زايد .. ويمكن أنت صابر عليا عشان في قرارة نفسك عارف أني صادقة.
وبذلك اكدت له أنها على علم بشكه فيها، رغم أنها لا تعرف مصدر الشك وتفاصيله، ولكنه يبدو أنه وجد شيئا جعله بتلك الحالة من التخبط والحيرة !.
ويبدو أنها نجحت في تلك اللعبة، فقد بدا عليه الحيرة والتفكير، كأنه يحاول في مقاومة شيء بكل قوته.
**********
وبعد فترة من الوقت ..
وقفت سمر سريعا عندما لمحت وجيه يتوجه إليها بخطوات سريعة بممر المشفى الطويل، وعندما وقف أمامها وجدها لا زالت بفستان وفافها الأبيض ووجهها غارق بالدموع الممزوجة بمسحوق الكحل الأسود .. قال ليطمئنها بعض الشيء :
_ قبل ما أجيلك سألت عن حالة أمجد واتكلمت مع الدكتور .. أطمني يا سمر وأدعيله ، وأن شاء الله يقوم بالسلامة.
قالت سمر برجاء وبكاء :
_ يعني بجد في أمل يا دكتور وجيه ؟! .. أنا مافهمتش حاجة من الدكاترة اللي هنا !.
رد وجيه وهو يحاول ايجاد كلمات مناسبة:
_ لازم يعدي مش أقل من ٤٨ ساعة عشان نشوف الحالة هتوصل للتحسن ولا لأ .. بس أمجد لازم يتنقل من هنا، هاخده عندي في المستشفى.
قالت سمر بتردد :
_ بس يا دكتور ..
قاطعها وجيه وقال بحسم :
_ مافيش جدال في قراري يا سمر، أمجد بعتبره أخويا الصغير ومستحيل أسيبه في محنة زي دي .. متقلقيش من أي حاجة بس وجوده هنا مش مطمني ، هناك هيلاقي رعاية افضل بكتير من هنا.
اطمئنت سمر كثيرًا بوجود وجيه ونظرت له بنظرة امتنان شديدة، الفيصل هو مرور الساعات القادمة.
***********
وفي الصباح ..
وقفت سيارة أكرم أمام المشفى ، ولكن كان بجانبه هذه المرة شقيقة خالد، وسبدو أن أكرم قد تخلص من تلك المخلوقة المسماة”راندا” وتحدث مع أخيه وأتيا لهنا … فأشار خالد له وقال :
_ هي دي المستشفى اللي نزلت قدامها وبعدين دخلتها، بس أنت عرفت أنها جت معايا أزاي ؟!.
رد أكرم عليه بغضب وهو يأخذ هاتفه ويترجل من السيارة :
_ وهو في عربية غير عربيتك كانت واقفة قدام قصري في نفس اليوم ؟!.
هز خالد رأسه وقد ادرك الأمر، وقال بمكر :
_ بس يظهر أنها تهمك أوي، ده أنت تقريبا رميت راندا قدام بيتها وجبتني وجينا على هنا في اقل من ساعة !!.
تجاهل أكرم ثرثرة أخيه السخيفة ونظر للمشفى وهو يفكر ماذا يوجد فيها لكي تلجأ إليها جيهان ؟!.
وبدقائق كان يخطو أولى خطواته داخل مبنى المشفى الكبير وعينيه تتجول هنا وهناك وهو لا يعرف من يسأل وبأي كلمات سيصيغ السؤال ؟!.
************
حاولت الممرضة أن تمنع جيهان من الحركة والاجهاد، ولكن الأخيرة قد رفضت رفضا قاطعا وقالت :
_ لازم اروح لسمر المستشفى حالًا ..
وخرجت جيهان من الغرفة التي أمامها يوجد ممر طويل ينتهي بمدخل استقبال الطابق، وبعد عدة خطوات شعرت بدوار بسيط برأسها، وقفت قليلًا وهي تنظر للأسفل بمحاولة للأتزان .. ولم تدرك بالذي وقف متسمرًا عندما رآها وبعدما بحث عنها كثيرًا بالطوابق وبالغرف .. وكاد أن ينطق اسمها حتى نطق اسمعا صوتا آخر مقابلا له بالاتجاه المضاد، فرفعت جيهان رأسها واستدارت سريعا خلفها لتجد وجيه .. بينما لو تطلعت أمامها لوهلة كانت ستجد أكرم يقف أمامها ثائرا ..
توجه وجيه اليها بينما هي ركضت إليه بعفوية قائلة بقلق شديد :
_ الحمد لله أنك جيت يا وجيه أنا كنت ..
قاطعها وجيه وهو يسأل :
_ أنتي رايحة فين ؟!.
أجابت سريعا :
_ رايحة اتطمن على سمر.
ابتسم قليلا ليطمئنها وقال :
_ أنا هجيبلك سمر لحد عندك .. بعت عربية أسعاف مجهزة عشان هجيب أمجد هنا يكون تحت عنينا .. ويكون أسهل عليه أشوفه وأطمن عليه.
تنهدت جيهان ببعض الراحة وقالت :
_ كده صح .. مش عارفة أقولك إيه، وأسفة أني اتصلت بيك في وقت متأخر .. بس بجد كنت محتجالك أوي ومقدرتش استنى للصبح.
رد عليها وجيه بلطف وقال :
_ متتأسفيش ولا تعتذري .. أنا وعدتك أني هكون موجود في أي وقت تحتاجيني فيه … أنا يهمني سلامتك.
وسكت وجيه لبرهة ثم قال:
_ وفي موضوع كنت عايز اكلمك فيه .. للأسف ماينفعش يتأجل تحت أي ظرف.
اجابت بقلق :
_ طب ممكن ارجع البيت ونتقابل بعد ساعتين ، هاجي هنا تاني المستشفى .
هز وجيه رأسه برفض وقال :
_ ماينفعش .. لو هترجعي البيت هوصلك بعربيتي لأن على قدر معرفتي أن عربيتك اتسرقت ، وفي الطريق هحكيلك كل حاجة.
دهشت جيهان لمعرفة بسرقة سيارتها ووافقت وهي قلقة من المجهول،وهذه المرة عندما استدارت لم يكن لأكرم وجود بالممر !!..
ولكن عندما جلست بسيارة وجيه ليقلها لمنزلها كانت سيارة أكرم خلفهما وعينيه كالجحيم.
*************
وقفت سيارة وجيه أمام فيلتها وبدت جيهان مصدومة ومرعوبة من الآت، فقال لها وجيه بثبات :
_ المحامي متابع التحقيقات وكنا مستنين ظهورك ودورنا عليكي في كل مكان .. لازم النهاردة نقابله في مكتبه ونشوف الاجراءات ..
قالت جيهان بخوف شديد :
_ خمس دقايق ورجعالك عشان هنروح للمحامي .. وهقول للسواق يجي ورايا بعربيتي، معلش اتحملني شوية …
قال وجيه بلطف :
_ هستناكي هنا في العربية.
خرجت جيهان من السيارة دخلت منولها بعد غياب أياما وأسابيع كثيرة، ولم تكترث للترحيب الحار من الخدم والحرس ، حيث صعدت لغرفتها وابدلت ملابسها بملابس أخرى نظيفة وعادت لسيارة وجيه مرةً أخرى .. ليسرع بها وجيه بسيارته لمكتب المحامي الذي اتصل به خلال دقائق غيابها بالمنزل ..
وكانت قد دقت الساعة العاشرة صباحا وهما يجلسان أمام المحامي الموكل عن القضية .. والذي كان أول سؤال طرحه عليها كان :
_ حضرتك كنتي فين ؟! ..
صمتت جيهان ولم تجيب، وظهر على وجهها أثار التردد والقلق ، فقال لها وجيه بتعجب :
_ ردي يا جيهان ساكتة ليه ؟!
لم تجيب أيضا .. فماذا تجيب ؟! .. هل تخبرهم أنها كانت بقصر رجل هو بالاساس هاربا من الجميع ولا يريد أخبار مخلوق عن مكانه ؟! ..
طرح المحامي السؤال عليها مرارًا بغيظ من صمتها، جتى قالت بصعوبة :
_ عربيتي لما اتسرقت كان في واحد من الحرامية بيجري ورايا ، بس قدرت اتخلص منه ، وفضلت ماشية في مكان مقطوع ادور على بيت موجود… ولقيت بيت مهجور معرفش عنه أي حاجة ، قعدت فيه ..
سأل المحامي بجدية :
_ البيت ده فين؟ تعرفي عنوانه أو حتى تقوليلنا نوصله أزاي ؟ … ارجوكي لازم تجاوبي.
ابتلعت جيهان ريقها بصعوبة ثم قالت :
_ لأ .. ما أعرفش أوصله .. ما أعرفش.
وبكت بقوة وظهر عليها أنها تكذب أو تحاول نسيان تلك الفترة !، فقال المحامي بيأس لوجيه :
_ واضح يا دكتور وجيه أن مدام جيهان نفسيتها لسه تعبانة ، كنت اتمنى أخد منها إجابة توصلني لأي خيط ينفع أخل بيه القضية والتهمة الموجهة ليها .. لكن هي مش عايزة تساعدني.
اعتذر وجيه منه وقال وهو ينهض :
_ ما تقلقش أنا هحاول اوصل للبيت ده بأي طريقة طالما معرفته مهمة بالشكل ده للقضية.
قال المحامي بتأكيد :
_ لو لقينا أي دليل يثبت أنها كانت مقيمة في البيت ده هنقدر نثبت جريمة السرقة وبكل تأكيد أن اللي دخلت المستشفى على أنها مدام جيهان كذابة ومدعية، وأن مدام جيهان مالهاش أي علاقة بالمجرمين دول !.
لم تستطع جيهان سماع المزيد ، فخرجت باكية من غرفة مكتبه،
وخرجت كليًا من المبنى المُلحق به مكتب المحامي الموكل بقضيتها وهي تائهة شاردة، أوقفها وجيه قبل أن تفتح باب سيارتها الذ تركها سائقها مصطفة أمام هذا المبنى كما أمرته وقال:
_ لأ هوصلك أنا، مش هسيبك تسوقي وأنتي في الحالة دي!.
رفضت بتصميم وقالت:
_ ارجوك يا وجيه عايزة أبقى لوحدي، بالذات دلوقتي.
نظرت له بعد ذلك بصمت لبعض الوقت، ثم نظرت للأسفل لتحجب عنه دموعها، فقال وجيه متسائلا بغرابة:
_ حاسس أن الموضوع أكبر من اللي اتقال، وأنك مخبية شيء يا جيهان، بس مش هضغط عليكي، ماتنسيش أني موجود وأي وقت تحبي تتكلمي معايا فيه هتلاقيني.
مسحت جيهان دموعها ورفعت رأسها قائلة له بامتنان لشهامته وحضوره الداعم:
_ أنا عارفة أنك شهم يا وجيه وعمرك ما هتتخلي عني في أي ظرف رغم طلاقنا، ويمكن ده اللي دايمًا بيطمني .. لكن قبل ما اتكلم واحكيلك كل حاجة محتاجة ابقى لوحدي شوية .. بعد اذنك.
واوقفها بحركة أتت عفوية منه ودون قصدا عندما أمسك ذراعها ليمنعها من دخول سيارتها قائلًا برفق:
_ طب على الأقل سبيني أوصلك، أنا مش مطمن اسيبك وأنتي كده؟!.
ابعد يده بعد ذلك سريعا، فقالت جيهان له بابتسامة شكر وهي تمسح عينيها:
_ أنا بخير اطمن، وعشان ااكدلك إني بخير هتصل بيك اطمنك أول ما اوصل البيت.
وقف وجيه حائرا في تركها وهي وحيدة تماما وبهذه الحالة التي يرثى لها، فاستقلت جيهان سريعا سيارتها وتحركت سريعا على الطريق.
ولم يمض دقيقة حتى كانت سيارة تنهب الطريق سيرًا خلف سيارة جيهان، ولم ينتبه لها وجيه حيث أنه أخذ طريقا آخر نحو منزله.
بينما الجحيم الذي ينتظر جيهان كان قابع بعينان رجلًا آخر، رجل يسرع خلفها كالمجنون ويريد أن يثأر لقلبه من تلك المتلاعبة الخائنة .. التي أخذت من قلبه دمية تلهو بها كيفما شاءت، وتركتها دون رحمة وقتما شاءت، كانت تتخذه بديلًا لا بأس به لتنسى به حبيبا آخر .. رؤيتهما هكذا لا تفسر غير هذا التفسير الوحيد وهو على علم أنها وحيد تمامًا!.
فمن هو هذا الوجيه إذًا الذي هجرته لأجله؟!
تركته بأكثر الطرق سخرية وإهانة، مثلما اقتحمت قصره وحياته يوما ما رغما عنه، تركته وغادرت رغما عن أنف كبريائه وعشقه لها..
كيف سيكون انتقام سيد القصر الجنوبي؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)