رواية عطر سارة الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم شيماء سعيد
رواية عطر سارة الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم شيماء سعيد
رواية عطر سارة البارت التاسع والعشرون
رواية عطر سارة الجزء التاسع والعشرون

رواية عطر سارة الحلقة التاسعة والعشرون
مالك يا أروي في إيه ؟!..
_ مش عارفه اقولك ايه يا محمود وبصراحه ما كنتش حابه ان انا اللي هقول لك الخبر ده وخصوصا وأنت فرحان كده ووو ..
_ اخلصي يا أروي في ايه؟!.. مش بكره في حياتي قد المقدمات ؟!..
_ عايدة تعيش أنت..
ماذا؟!.. رحلت عايدة عن عالمه؟!.. أخذت معها طفولته وشبابه أخذت معها سنوات عمره، ذكرياته، أقتربت منه أروي وأخذت فاطمة من بين يديه سمحت له بالجلوس على أقرب مقعد، رأي منها الكثير قلة مكانتها بقلبه وربما يكون تمنى موتها بلحظة من اللحظات، ما يشعر به الآن صعب لم يتخيل ذهابها دون وداع لم يتخيل ذهابها من الأساس..
ظل صامت يحدق بزاوية فارغة أمامه وعقله يعيد جملة ” عايدة تعيش أنت”، يعيش هو؟!.. خرجت الطبيبة وخلفها فراش سارة فاق وذهب ليراها وجدها نائمة بإرهاق، قاد فراشها بنفسه حتى وصل بها لغرفتها المخصصة، حملها بين يديه ووضعها على الفراش الآخر مردفا :
_ هي هتفضل نايمة لأمتي؟!..
اجابته الطبيبة بهدوء :
_ بالكتير ساعتين تلاتة..
نظر للطبيبة وقال بقوة :
_ عايزها تفضل نايمة لحد بكرا..
_ نعم ؟!..
_ اللي سمعتيه..
صاحب المشفى وحديثه أمر فوق رأسها، أومات اليه بهدوء ثم خرجت من الغرفة، دلفت أروي لينظر إليها بخوف مردفا :
_ فاطمة راحت فين؟!..
_ متخافش عليها دخلت شوية الحضانة ساعة أو إتنين وهتبقى معانا.
وضع قبلة حنونة فوق رأس سارة ثم قام من مكانه مردفا :
_ أروي سارة مش هتفوق الا الصبح خليكي جانبها لحد ما أدفن عايدة وأرجع…
_ البقاء لله يا محمود..
حرك رأسه بصمت وخرج من الغرفة، يشعر بثقل يحتل صدره، أخذ نفسه بصعوبة ثم أخرج هاتفه وقام بالاتصال على علي الذي قال :
_ خير مع اني عارف إن مش بييجي من وراك خير..
_ خد أول طيارة رايحة إسكندرية لما توصل إتصل على أروي هتقولك عنوان المستشفى اللي موجودة فيها هي وسارة خليك جانبهم لحد ما أدفن عايدة يا علي..
لم ينتظر سماع رأيه وأغلق الخط، بخطوات سريعة وصل للحضانة ليري ابنته من وراء الزجاج مردفا :
_ شوية صغيرة وهرجع لك أنتِ وأمك يا حبيبة بابا…..
______ شيما سعيد ______
مر الوقت سريعاً ليقف يراها تخرج أمامه من ثلاجة الموتى وهو مهزوز، بلحظة واحدة تذكر يوم ولادتها، أول مرة حملها، أول مرة نطقت إسمه، أول مرة سندت على يده لتخطي خطواتها الأولى، أول كلمة أحبك، أول عناق، أول عتاب، أول غضب، مدللة عائلة علام الآن جثة بداخل ثلاجة قرب يده ومررها على وجهها مردفا بعدما سقطت من عينيه دمعة حزينة :
_ ليه كدة يا عايدة؟!.. مكنتش عايز تبقى دي النهاية، كان نفسي تموتي في حضني زي ما وعدتك زمان، كان نفسي يفضل بنا الحب القديم والذكريات الحلوة، سامحيني يا عايدة لو قصرت معاكي وأنا والله العظيم مسامحك، هفتكر الحلو بس يا أم معتز والوحش اللي حصل في الاخر هعتبر إنه وهم مني، كنت بحبك يا عايدة أوعدك يفضل ليكي مكانة في قلبي مكانة تليق ببنت عمي وتربية أيدي وأم إبني..
ظل يتأمل ملامحها وهو غير مصدق، هل هذا إلقاء الأخير؟!.. هي قصتها إنتهت هنا؟!.. رغم كل ما فعلته كان يعطي لها بدل العذر ألف كان يرغب ان تعود عايدة القديمة كان يتمنى نهاية أجمل..
كيف مر العمر بتلك السرعة؟!.. كيف سيتركها بمكان بمفرها ويذهب وهو يعلم إنها تخاف الحياة بدونه، بكى وقال :
_ أنا أسف يا عايدة أسف سامحيني لو كنت وجعتك بس أنا والله العظيم قفلت على نفسي سنين عشان موجعكيش كنت مستني وقوفك جانبي كنت عايز أحس إن حياتي مهمة عندك زي ما كانت حياتك مهمة عندي، الله يسامحك يا بنت عمي ويسامحني..
بخطوات ثقيلة مترددة تركها بالداخل وخرج، وجد الجميع بالخارج حتى جدته المنهارة على المقعد، أقترب من ولده وفتح يديه له ألقى معتز جسده بداخل أحضانه وبكي، بكى بقهر على شعور ذهب قبل أن يشعر به عن أم رحلت قبل أن يصدق حبها إليه، أغرقت دموعه قميص محمود ليغلق يديه حوله أكثر مردفا :
_ هي في مكان أحسن المرض عذبها سنين ودلوقتي هي مرتاحة يا معتز مش أنت عايزها تبقى مرتاحة يا حبيبي؟!.
_ كان نفسي تحبني، كان نفسي أعيش في حضنها شوية كمان.. بس هي راحت من غير حتى ما تقولي بحبك من قلبها..
أبعده محمود عنه قليلا وقال بحنان :
_ أنت ابننا يا معتز حبنا ليك شعور ربنا خلقه جوانا حتى من قبل ما نشيلك بين أيدنا، عايدة كانت تعبانة وتعبها مخليها مش عايزة تعلق حد بيها عشان محدش يتوجع لما تمشي لكن كانت بتحبك أكتر من نفسها صدقني يا معتز محدش بيحبك في الدنيا دي كلها قدي وقدها..
_ خليك جانبي يا بابا..
جذبه من جديد بين أحضانه مرددا :
_ أنا جانبك وهفضل جانبك لحد أخر نفس فيا..
_____ شيما سعيد ______
بالمشفى..
جذب علي أروي خارج غرفة سارة فنظرت إليه بتعجب مردفة :
_ في إيه يا علي مالك؟!..
ما به؟!.. هل بالفعل لا تعلم ما به؟!.. فهو أشتاق وأحرقته نيران الإشتياق، أشهر طويلة مرت وهو غير قادر على الحديث معها، تركت العمل وأصبحت تعمل بمصنع سارة، يرفض محمود رؤيته إليها أو الحديث معها وكل هذا وتسأل الحمقاء ما به، جذب جسدها ووضعه أمام الحائط ثم قال :
_ وحشتني يا بت..
هي الأخرى لتكون صريحة أشتاقت، ببعده عنها شعرت بفقدان روحها، رفعت حاجبها مردفة :
_ بلاش تبقى استغلالي يا علي هو عشان خاطر محمود مش هنا هتقل أدبك؟!..
رد عليها بسخرية :
_ يا سلام دلوقتي بقي محمود كل حاجة عندك؟!.. تصدقي أنا إبن كلب عشان قربتك منه ما كنتي بتاعتي وبين ايدي فيها إيه يعني لو كنت اتجوزتك وبعدين عرفته..
ابتسمت بسعادة، أصبح أخيراً لها أشخاص تحبها بصدق وفوق هذا وكذا أصبح إليها شقيق يسندها ويقف أمامها يحجب عنها عواصف الرياح، حركت كتفها بهدوء مردفة :
_ مهو كله بسبب سمعتك اللي زي الزفت، عايز محمود يأمن لك ازاي وتاريخك الأسود كله معاه؟!..
أقترب منها اكثر مردفا ببراءة :
_ ده كان زمان يا أروي ما أنتِ عارفة بعد حادثة شرم يا دوب أنفعك أنتِ وبالعافية كمان.
ضحكت من أعماق قلبها ثم قالت :
_ أنت كمان وحشتني بصراحة..
أتسعت عينيه بذهول من حلاوة ما سمعه، ضم يدها إليه مردفا :
_ بجد يا أروي وحشتك؟!..
أخذت يدها منه وقالت :
_ أممم وحشتني ومستنية أشوفك هتعمل إيه عشان تتجوزني..
فهمها من نظرة عين، أبتسم إليها بحنان ثم قال :
_ هعمل أي حاجة محمود عايزها عشان يقبل أتجوزك، هعملك فرح العالم كله يتكلم عنه لسنين قدام، أروي في حاجة عايز أسألك عنها بس لو مش حابة تجاوبي عادي..
توترت ولا تعلم لما الا إنها بالفعل توترت، أومات إليه قائلة :
_ قول..
_ فضلتي كام سنة متجوزة الكلب ده ليه مفيش بينكم أولاد كنتوا مأجلين والا في مشكلة؟!..
كان يرغب بسماع إجابة تريح قلبه، عاش حياته وحيد ومنذ ان رأها أصبحت امنيته الوحيدة إنجاب طفلاً منها يحمل صفاتها واسمه، تفاجأ من ردها البارد :
_لو قولتك لأني مش بخلف هيبقى عندك مشكلة؟!..
قالتها وانتظرت رده، حدق بها لثواني وهو مذهول ثم جذبها لصدره بقوة، يحاول يطمن قلبها يحاول إثبات عشقه لها، يحاول تخفف شعوره بالوجع بعد حديثها، همس بحنان :
_ مش مشكلة يا حبيبتي انسى كل الكلام اللي أنا قولته..
أبتعدت عنه ثم قالت بهدوء :
_ يبقى كويس يا علي لو فعلا بتحبني أعتبر اني مش بخلف وعيش معايا على الأساس ده..
يعتبر؟!.. يعيش على هذا الأساس؟!.. هي تكذب عليه سألها بذهول :
_ يعني إيه الكلام ده أنتِ بتخلفي والا عندك مشكلة؟!…
مشكلتها كبيرة، هي فقدت بحياتها مشاعر كثيرة حتى شعورها بالأمان كان صعب ولم يأتي إليها الا بعد عودتها بين يدي محمود، أخذت نفس عميق ثم قالت بجدية :
_ علي أنا مش عايزة أبقى أم ولا شايفة نفسي ينفع يبقى عندي أولاد، لو حابب تكمل معايا كدة تمام لو مش حابب مش هقدر أزعل منك لأن ده حقك..
المكان لا يسمح له بالحديث والزمان يقيده من أخذ أي ردت فعل، أبتعد عنها قليلا ثم قال :
_ بعد أربعين عايدة هتقدم لك مش هقدر أعيش من غيرك أكتر من كدة..
_ يعني موافق؟!…
_ يعني بحبك وده أهم حاجة بالنسبة ليا دلوقتي، ها تحبي تأكلي إيه؟!…
_حواوشي بيقول بتاع إسكندرية حلو..
_____ شيما سعيد _____
بصباح اليوم التالي..
فتحت سارة عينيها بثقل، بدأت تنظر حولها لتجد أروي تجلس على المقعد المقابل للفراش، بحثت عنه وهي تسأل حالها أين هو؟!.. خرج صوتها المتعب :
_ بنتي..
أنتبهت إليها أروي فقالت بابتسامة سعيدة :
_ حمد الله على السلامة يا سارة، فاطمة في الحضانة دقايق وتبقى في حضنك..
كحت بتعب لتحاول الاعتدال مع زيادة شعورها بالعطش، قامت أروي بلهفة مردفة :
_ بلاش تتعبي نفسك قوليلي عايزة تعملي إيه وأنا أعمله لك..
_ عايزة أقعد مرتاحة أكتر وكمان ريقي ناشف عايزة أشرب..
ساعدتها بالجلوس ثم صبت لها كوب به القليل من العصير مردفة :
_ خدي أشربي ده الأول عشان المية مش مسموح بيها دلوقتي..
أخذته منها وشربته على عدة مراحل ثم نظرت للباب مردفة :
_ هو محمود مع فاطمة؟!..
ماذا تقول؟!.. تخشي أن تنطق بحرف تشعل به النيران بين شقيقها وزوجته، ابتسمت إليها بتوتر وقالت :
_ مهو أصل يعني زمانه جاي..
_ زمانه جاي ليه هو راح فين؟!..
_ روحت أجيب فاطمة هانم لحضن مامتها..
جاء صوته مثل طوق النجاة، قامت أروي من فوق المقعد مردفة بتوتر :
_ هروح أفطر أنا بقى سلام..
خرجت فنظرت إليه سارة بهدوء ثم مدت يديها إليه قائلة :
_ هات بنتي عايزة أشيلها..
ابتسم إليها بتعب ثم أعطى لها الصغيرة مردفا :
_ أنتِ كويسة مش كدة؟!..
بعينيه نظرة غريبة جعلتها تجيب عليه بهدوء :
_ الحمد لله، أنت اللي شكلك مش مبسوط خير في حاجة؟!..
جلس على الفراش بالمقابل لها، مد يده بحنان وقام بفتح أول زرين من منامتها لتضع يدها فوق يده بتوتر مردفة :
_ أنت بتعمل إيه؟!..
_ بساعدك عشان ترضعي فاطمة، الدكتورة وهي بتديها ليا قالت خلي أمها ترضعها عشان تتعود عليها وينزل لبنها..
تركته يساعدها، هي بالفعل لا تعلم ما عليها فعله، كانت تتابع ما يفعله وتفعل مثله، شعرت برجفة لذيذة مع لمس شفتين صغيرتها لها، ابتسم بالقليل من الراحة ربما وصلت ابنته بهذا الوقت لتخفف عنه، رفعت سارة عينيها إليه مردفة بسعادة :
_ دي أكلت بجد ونامت..
_ شبعت وحست بحضنك فنامت مرتاحة، هاتيها هحطها على سريرها جانبك..
أعطت إليه الصغيرة فوضعها بحذر على الفراش الصغير المجاور لسارة ثم عاد لسارة مردفا بقلق :
_ أنتِ كويسة صح؟!..
_ كويسة، أنت شكلك مش كويس اللي يشوفك يقول إنك مش مبسوط بالبيبي..
تنهد بتعب، سيتحدث معها بصدق، يكفي لهنا أسرار سند ظهره بتعب على ظهر الفراش ثم أخذ نفس مرهق مردفا :
_ عايدة ماتت إمبارح يا سارة..
أهتزت من سماع الخبر، ربما لأنها لم تتوقعه، رأته يتألم ولأول مرة تقرأ مشاعره بشكل صحيح بعيدا كل العبد عن غيرتها، وجدت نفسها تضع يدها على يده مردفة :
_ البقاء لله، أنت هنا بتعمل إيه لأزم تبقى في القاهرة معاها ومع معتز..
نظر إليها بمعنى حقا؟!.. فأومات إليه مردفة :
_ تعرف يا محمود لما شيلت فاطمة بين أيدي بقيت مسامحة الدنيا كلها ومش عايزة حاجة غير أنها تفضل في حضني، وقتها فهمت حبك لمعتز وخوفك على مشاعره، روح له يا محمود هو أولى بيك دلوقتي وانا معايا أروي..
أصبحت أكثر نضج بعد ساعات قليلة من شعورها بالامومة، حرك رأسه بتعب :
_ إمبارح الدكتورة قالت إن الأحسن ليكي بعد الإرهاق ده كله النوم لما نمتي أنا سفرت دفنتها وعملت لها العزا وجيب عشان أكون معاكي..
شعرت برضاء غريب لأنه يختارها للمرة الأولى، لأول مرة يصل إليها اهتمامه بها وبوجودها معه، فقالت :
_ أنا كويسة ولو ينفع ممكن أسافر معاك أبقى جنب تيتا لكن لو مش حابب مش هقولك حاجة الظروف دلوقتي مينفعش فيها أي كلام..
اه منكِ يا صغيرة، أقترب منها ووضعت رأسه على صدرها، الان يود ان يدعمه أحد أن يرمي ما بقلبه على أحد يفهمه ويخفف عنه همس إليها بتعب :
_ ماتت وأحنا بنا كل حاجة وحشة، وعدتها تموت في حضني بس مقدرتش أنفذ الوعد ده، مش قادر أستوعب أن بنت عمي اللي كنت بشيلها وبعلمها المشي دفنتها تحت التراب بأيدي يا سارة دفنتها وأنا عارف انها بتخاف تقعد في مكان أنا مش فيه، حتى الوداع معرفتش أودعها، عملت فيا حاجات وحشة بس…
وضعت يدها على فمه تمنعه من أكمال حديثه ثم قالت :
_ مينفعش تقول أي حاجة وحشة هي عملتها، عايدة دلوقتي محتاجة مننا نفتكر لها الحلو بس، بلاش تحمل نفسك ذنب هي ماتت لما عمرها خلص تعرف يا محمود والله العظيم أنا كنت راضية بوجودها وعمري ما فكرت أخليك تبعد عنها الله يرحمها أرتاحت من التعب ومعتز دلوقتي محتاجك جانبه..
أخذ أكبر قدر من رائحة عطرها كأنه يستمد منها القوة ثم قال :
_ هتبقى المرة دي جانبي ولا زي كل مرة يا سارة؟!..
_ هبقي جانبك المهم أنك تقدر وجودي جانبك
أبتعد عنها قليلا وقال
_ أنا بحبك يا سارة بس أنتِ اللي دايما بتهربي من غير حتى ما تحطي نفسك مكاني..
ابتسمت إليه مردفة :
_ يلا ننزل القاهرة؟!..
_ هتقدرى؟!..
_ شيلني وأنا أقدر..
_____ شيما سعيد _____
بعد ساعات بقصر علام..
دلف محمود وبيده سارة أمام الجميع، وبجواره شقيقته تحمل طفلته، هبت ألفت من مكانها بلهفة ثم نظرت للنساء من حولها فجميع سيدات المجتمع الراقي هنا لتقديم واجب العزاء، أقتربت ألفت من سارة مردفة بلهفة :
_ وحشتيني يا نور عيني..
ابتسمت إليها سارة ثم قالت :
_ البقاء لله يا تيتا..
ضمتها ألفت إليها وبكت منذ دفن عايدة وهي تشعر وكأنها دفنت ولدها الغالي من جديد، تربت على يديها وأمس غسلتها أيضا بيدها مررت سارة يدها على ظهر جدتها بحنان مردفة :
_ خليكي قوية عشان معتز يا تيتا مهو حتة منها..
تدخل محمود بالحديث مردفا :
_ تيتا سارة لسة ولدة مش هينفع تفضل واقفة كدة..
أبتعدت عنها ألفت بذهول، كيف لم تأخذ بالها من بطنها؟!.. سندها محمود حتى وصل بها أمام والدته وقال للجميع :
_ مدام سارة تبقى مراتي متجوزين من سنة وشوية مكنتش موجودة إمبارح لأنها كانت بتولد، عن اذنكم لأزم تطلع ترتاح..
وبلحظة حملها بين يديه وصعد بها لغرفة نومها القديمة، وضعها على الفراش ثم سألها :
_ أنتِ كويسة والا حاسة بأي تعب نطلب الدكتورة؟!..
أخذت ابنتها من أروي ثم قالت بهدوء :
_ انزل وأنا معايا أروي لو حسيت بحاجة هتصل بيك..
ظل لثواني ينظر إليها حتى أومات له برأسها فأخذ نفس عميق وخرج من الغرفة..
نزل للحديقة فوجد علي يجلس بجوار معتز جلس بجوارهما وقال لعلي :
_ عايزك تبدأ في تصريح بناء مستشفى لعلاج الأورام مجاني صدقة جارية على روح عايدة الله يرحمها..
أوما إليه علي ثم أشار له بعينه على معتز قبل أن يقوم من محله مردفا :
_ أعتبره حصل..
نظر لمعتز ثم قال :
_ حاسس بايه دلوقتي؟!..
_ هي سارة بقت مكان أمي رسمي لدرجة انها تدخل بيتها تاني يوم موتها؟!..
أخذ نفس عميق ووضع يده على فخذ معتز ثم قال :
_ البيت ده بيتي يا معتز وبيت أهلي وسارة مراتي وأم بنتي يعني من أهل البيت ده..
أنتفض معتز من محله مردفا بذهول :
_ أم بنتك؟!..
_ أيوة أم بنتي، الفتره اللي فاتت مش مكنتش حابب اتكلم معاك في الموضوع ولا مع عايدة خصوصا في حالتها الصحية دي، لكن سارة خلاص ولدت ومش بنت محمود علام اللي تفضل موجودة في الضلمة يا معتز، أنت ترضى على أختك حاجه زي دي؟!.
حرك رأسه بنفي ثم قال بتعب:
_ لأ ما رضاش يا بابا تنور بيتها هي وأمها مطلوب مني حاجه تانية؟!..
_ مطلوب منك تحط نفسك مكاني وتحس بيا أنت خلاص بقيت راجل لأزم تتحمل المسؤوليه وتعرف كويس أوي الدنيا ماشية ازاي من حواليك، مش هسيبك تدفن نفسك في الاحزان لحد ما تضيع مني عايزك من أول الأسبوع الجاي تكون عندي في الشركة..
حدق به معتز بتعجب:
_ حضرتك عارف اني لسه بدرس هعمل ايه في الشركه أيام الدراسة؟!..
ابتسم إليه محمود بتعب شديد ثم قال:
_ هتساعدني يا معتز هعلمك كل حاجه ومش هتحتاج شهادات عشان تتعلمها، من هنا لحد ما تطلع نتيجتك وتشوف هتدخل أي كلية هتفضل جنبي وفي ضهري اتفقنا؟!..
_ ماشي يا بابا إللي تشوفه…
______ شيما سعيد _____
بالمساء..
دلف محمود بعد يوم طويل لغرفته مع سارة، وجد معها ألفت وحنان التي نظرت إليه بعتاب صامت، تنهد بضيق وقال:
_ في إيه ؟!..
صرخت به ألفت بغضب:
_ بقى مش عارف في ايه ما انت صحيح بجح، حبست البنت الغلبانة خمس شهور لوحدها في عز حملها وهي يا عيني مش عارفه تعمل إيه، وجاي تقولي في ايه؟!.. ايه الجبروت اللي انت فيه ده..
رحمته سارة بمحنته وأغلقت على الموضوع دون عتاب فأتت الفت لتفتحه من جديد مسح على شعره بتعب وقال:
_ ما أنا كنت سايبها معاكي فضلتي تلعبي في دماغها لحد ما كانت هتموت روح، كنتي عايزاني أعمل ايه وانا مقسوم نصين ما بين ابني اللي في المستشفى مع امه وبينها اللي كل ما ابعد عيني عنها خمس دقايق الاقيها بتعمل مصيبة، جدتي أقفلي على الموضوع ده أنا وسارة بقينا كويسين مش محتاجين حد يتدخل في حياتنا..
نظرت إليها جدتها فقالت:
_ متخافيش عليا يا تيتا محمود علمني الدرس كويس أوي وبقيت بعرف إزاي اتعامل مع الامور لوحدي..
قالتها بنبرة هادئة جعلته يتوتر للحظة ثم أقترب منها مقبلاً رأسها بحنان مردفاً:
_ ربنا يباركلي فيكي يا أم فاطمة..
حركت ألفت رأسها بمعني لا فائدة وخرجت ومعها حنان، أبتعدت سارة عن محمود مردفة:
_ أنت أكيد تعبان ومحتاج ترتاح ادخل خد لك شاور سريع وتعالي نام..
نفذ حديثها فهو بالفعل مرهق ولا يرغب سوا بعناق به رائحتها اللذيذة، بعد دقائق خرج من المرحاض ليقف محدقا بها بتعجب وهي تنام وبجوارها فاطمة، أقترب منها هامسا:
_ سارة حبيبتي..
_ امممم..
_ حطي فاطمة في سريرها عشان نعرف ننام براحتنا..
فتحت إليه نصف عين وقالت:
_ فاطمة لسه بيبي صغيرة وما تعرفش تنام بعيد عني روح نام أنت على الكنبة..
ماذا ؟!.. كيف هذا ؟!.. هل بعد أشهر الحرمان سينام بعيداً عنها ؟!.. مستحيل فهو يريد القليل من الاطمئنان بين يديها همس برجاء:
_ يا حبيبتي مهو السرير بتاعها جنبنا أهو وهتبقى قريبه مننا..
زفرت بضيق ثم أشارت إليه بالصمت مردفة:
_ وطي صوتك البنت تصحى وبعدين ما انت بقى لك خمس شهور بتنام لوحدك روح نام على الكنبه يا محمود ولو مش حابب روح نام في اوضتك القديمة..
أعلنت عليه حرب باردة وللأسف ليس بيده إلا تقبل حربها، نظر إليها مثل الطفل الحزين:
_ ده أخر كلام عندك.
_ أيوة هتعمل ايه بقي ؟!..
_ هنام على الكنبة هعمل إيه يعني، تصبحي على خير يا بسبوسة..
عادت لتغلق عينيها براحة مردفة:
_ وأنت من أهله..
_____ شيما سعيد ______
بعد مرور أسبوع..
بشركة محمود..
بداخل مكتبه..
دلف إليه علي فرفع محمود رأسه إليه بضيق مردفاً:
_ سايب شركتك وجاي تعمل ايه هنا يا علي؟!..
أخرج على هاتفه وقال:
_ شوف المصيبة دي بنفسك..
أخذ منه الهاتف فظهر أمامه صورة تجمعه بسارة مكتوب أسفلها ” سبب موت الزوجة الأولي لرجل الأعمال محمود علام” خبر أخر بصورة لسارة بمفردها ” ظهور نادر للزوجة السرية لرجل الأعمال محمود علام” ” فتاة صغيرة أخذت أحد أكبر رجل الأعمال من زوجته حتي تسببت بوفاتها “..
أنتفض محمود من فوق مقعده مردفاً بغضب:
_ مين إللي نزل الأخبار دي ؟!..
_ لسة مش عارفين لحد دلوقتي لكن توقيت النزول ده خطر على المناقصة الجديدة يا محمود..
ألقي بالهاتف على المكتب مردفاً:
_ مناقصة إيه وزفت إيه يا علي، أنت عارف سارة لو شافت خبر زي ده ممكن يحصل لها إيه؟!.. انا بقى لي اسبوع بتعامل معاها كأنها مديرتي في الشغل عشان اراضيها، بخبر زي ده حياتنا كلها هتتهد..
_ أهدى يا محمود كل حاجه هتتحل نعرف بس مين الكلب اللي عامل كده وانا بنفسي هنزل لك تكذيب في الجرايد.
نفي محمود بحركة سريعة من رأسه وقال:
_ عايز مؤتمر صحفي يتحضر خلال ساعتين بالكتير، أرجع كرامة مراتي الأول وبعد كده هحاسب الكلب اللي عملها بنفسي..
أما على باب الشركة..
دلف معتز بخطوات واثقة جعلته يشبه محمود لدرجة كبيرة، يشعر إن المكان هذا مكانه ولابد من أن يحافظ عليه، خلع نظارته الشمسية وحدق بفتاة ترتدي فستان من اللون الوردي عينيها على هاتفها وبيدها كوب من القهوة، حاول الإبتعاد عن طريقها أو أعطاء أي إشارة لها لكنها كانت بالفعل سلمت عليه سلامها الأول وجعلت من بذلته فنجان قهوة..
شهقت بفزع ثم رفعت عينيها إليه بتوتر مردفة:
_ سوري بجد مخدش بالي..
جميلة وتستحق العفو عنها، رفع يده إليها مردفاً:
_ معتز محمود علام..
إبتسمت إليه برقي ومدت يدها على الأخري قائلة:
_ وأنا سمية عمران…
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عطر سارة)