رواية الاختيار الاخير الفصل الرابع 4 بقلم ناهد خالد
رواية الاختيار الاخير الفصل الرابع 4 بقلم ناهد خالد
رواية الاختيار الاخير البارت الرابع
رواية الاختيار الاخير الجزء الرابع
رواية الاختيار الاخير الحلقة الرابعة
أنتِ فعلاً حياتك كويسة من غيره ولا ده مجرد كلام! انا احترت معاكِ يا زينة، أوقات بحس إنك قدرتي تتجاوزيه وفعلاً شيلتيه من قلبك ومبسوطة من غيره، واوقات بحس إنك لما بتشوفيه عينك بتتملي حنين واشتياق، مبقتش فهماكِ بجد.
ابتسمت بالكاد، تلك الابتسامة التي لا تنم عن أي مرح وهي تقول:
_ أنا فعلاً مبسوطة من غيره، بس مشلتوش من قلبي، واوقات ببقى عاوزه اجري اترمي في حضنه من اشتياقي له.
قطبت “سمر” حاجبيها بتعجب وعقبت:
_ دي فزورة دي!
_ لا خالص، دي المعاناة الي بتعيشها كل ست قررت تنفصل وهي بتحب جوزها، حبه بيفضل جواها، لكن كرامتها وراحتها بتبقى أهم، أنا بحبه، وبحبه اوي وعمري ما هقدر احب حد غيره، بس كمان عمري ماهقدر اكون معاه، مش هقدر انسى معاملته ليا طول سنين جوازنا، مش هقدر انسى ظلمه ليا لما راح اتجوز واحده تانية، واتخلى عني، مش هقدر اعيش معاه من غير ما اشك فيه الف مره انه مبيحبنيش ومجبر عليا عشان ولاده، فهمتِ حل الفزورة؟
حركت “سمر” رأسها بشفقة وهي تخبرها:
_ فهمت للأسف، ربنا يكون في عونك يا زينة.
وبقوة امرأة تحملت الكثير كانت تخبرها:
_ أنا هعيش، وهنجح، وعزوتي ولادي، هربيهم صح، واطلعهم نماذج كويسة للمجتمع، وهعمل لنفسي كيان خاص بيا، أنا مش ناقصني حاجة عشان اكملها براجل..
_________________
عام كامل مرَ، والعام إثنى عشر شهرًا.. تغير فيهم الكثير..
سمعت منذُ ثلاثة أشهر عن مشاكل كثيرة بينه وبين زوجته، ومنذُ شهر تقريبًا سمعت خبر طلاقهما، ستكذب إن قالت أنها لم تهتم، أو لم يعنيها طلاقه في شيء، بل لقد طيب قلبها، وهدأ نير*ان الغ*ضب التي كانت تأكلها، شعرت انه أخذ جزائه، ليس جزاء ظلمها، بل جزاء تركه لها ولبيته من أجل أخرى، بالتأكيد هو نادم الآن على تسرعه في الارتباط بالأخرى، فلو يعلم الإنسان القادم لاختلفت اختياراته بكل تأكيد، فإن علِمَ انه بعد أشهر سينفصل عنها ولن يكمل حياته معها كما توقع لِمَ ترك اولاده وزوجته من أجل نزوة عابرة..
وللغريب أنه لم يخبرها بشيء حيال الأمر، لا بطريقة مباشرة ولا بطريقة غير مباشرة، لم يتحدث معها عن الموضوع أساسًا رغم رؤيته لها يوميًا حين يأتي ليرى أولاده.
_________________
_ زينة أنتِ بجد مش فارق معاكِ طلاقه! أنا فكرت لما تعرفي هتفرحي.
هتفت بها “سمر” بشك، لتوضح لها “زينة” وهي تخبرها:
_ مين قالك إني مفرحتش، أنا فرحت جدًا، وحسيت براحة رهيبة، بس مش عشان السبب الي جه في بالك، أنا مفرحتش عشان كده بقالي فرصة معاه، او في احتمال انه يحاول يردني تاني، انا فرحت عشان حسيت إن جزء من حقي اتردلي، وعشان متأكده انه ندم بعد مالاقى نفسه خسر مراته وبيته عشان واحده مكملش معاها اصلاً، يعني خسر كل حاجة من الآخر.
_ أول مرة اشوفك شمتان في خسارة حد يا زينة، ورغم إن معاكِ حق في احساسك، لكن مش عاوزاكي تتغيري يا زينة.
_ متخافيش انا متغيرتش غير على الي اتغير عليَّ، ومبشمتش غير في الي كان السبب في وجعي.
حاولت “سمر” تجاوز الأمر لتسألها:
_ المهم قوليلي عملتي ايه في الي متقدملك ده.
_ سمر، انا ابقى عبيطة فعلاً لو فكرت اتجوز تاني، انا حاليًا حرة، بعمل كل حاجه واي حاجه تيجي على مزاجي، الحمد لله الاتيلية بقى بيتعرف وناس كتير بدأت تجيلي مخصوص، وانا متأكده ان مع الوقت هيكبر اكتر، وبعمل كل الي اقدر عليه دلوقتي مع ولاده عشان اطلعهم احسن من اي حد، انا بجد حاسه اني مرتاحه في حياتي، مرتباها كويس وعارفه بعمل ايه وحاسه بسلام نفسي، ليه بقى اجازف واتجوز تاني ويمكن يكون شخص كويس ويمكن لأ.
_ الي تشوفيه يا زينة، الي شايفة في راحتك اعمليه.
____________________
منذ نصف ساعة وهو يجلس أمامها بعدما طلب ان يحادثها على انفراد وقد طلب من طفليهِ الدلوف لغرفتهما، هي تفهم ما يحاول قوله لكنها تدعي عدم الفهم..
_ اوقات الانسان بيكون متخيل ان راحته وسعادته في حاجة ميعنة، وللأسف بعدها بيكتشف انه كان غلطان، وانه حسبها غلط، وقتها بيحس بمر’ارة الند’ م على اختياره الغلط، واحيانًا بيحاول يصلح الخطأ الي عمله، وهو من جواه متمني لو يقدر يصلحه.
تنهدت بملل وهي تخبره:
_ ايوه وايه علاقتي بكل ده؟ انتَ قولتلي عاوزك في حاجة مهمة، ومن وقت ماقعدنا عمال تكلمني عن الإنسان واختياراته وندمه، انا مالي بكل ده.
زفر انفاسه بتوتر بلغ الحلقوم:
_ انا.. يعني قصدي.. انتِ عارفة ان كل انسان بي..
بلغ السأم منها مبلغه وهي تقول:
_ معاذ، ياريت تقول الي عاوزه من غير مقدمات.
نفسًا عميقًا، واستعداد واهٍ، قبل أن يردف بتوتر:
_ فرصة تانية، احنا محتاجين فرصة تانية، وصدقيني هي…
قاطعته بحاجبين مقطبين وهي تردد بغرابة:
_ مين الي محتاجين! مين قالك إني محتاجة فرصة تانية!..
طافت سحابة الندم في عيناه وهو ينظر لها بنظرات حزينة صادقة:
_ انا عارف اني جيت عليكِ، بس صدقيني مكنتش وقتها حاسس بقيمة البيت وقيمتك، حاولت احبك وفشلت، بس كان المفروض على الأقل اعاملك بالحسنى والود، مش الطريقة الي كنت بعاملك بيها، انا اكتشفت اني حتى محاولتش احبك زي ماكنت بقنع نفسي، انا للأسف كنت مالي فكري بافكار غلط، اني اتجوزتك لمجرد الجواز، واني لسه بحب ايناس، ومش قادر انساها، واني حاولت احبك ومعرفتش، دي كلها افكار غلط مليت دماغي بيها لحد ما السنين عدت بينا وبرضو مفوقتش…
سألته بملامح بارده:
_ ودلوقتي ايه؟ عرفت تحبني عشان كده عاوز ترجعلي؟
تنهد بقوة قبل أن يخبرها:
_ هكدب عليكِ لو قولتلك اه، بس مبقاش جوايا الاحساس بتاع زمان، اني مجبور على العيشة معاكي، او وجودك معايا روتين عادي، بالعكس دلوقتي حاسس ان انا الي عاوز وجودك ده، مش هقدر اقولك اني بحبك، بس اقدر اقولك ان في مشاعر حلوه جوايا ليكي، في الكام شهر الي فاتوا وبعدي عنك، خلاني اشوفك بمنظور تاني، واحس بيكِ بدون اي حواجز، انا النهارده اقدر اقولك ان انا الي رايد رجوعنا لبعض، عاوز ارجع احس بالدفا وجو العيلة الي محستش بيه غير لما بعدت.
طالعته بأسف وهي تقول:
_ متأخر اوي يا معاذ، متأخر اوي فوقانك ده، دلوقتي عرفت قيمة العيلة والبيت! دلوقتي عرفت انك عمرك ما حاولت تحبني وانك ظلمتني معاك، بس للأسف انا عمري ما هآمن على نفسي وياك تاني، وظلمك ليا مش هقدر اتجاوزه ونرجع زي الاول، كل إنسان وله قدره وانا قدرتي متسمحش اني ارجع.
ابتسم بحزن على الحالة التي وصلا إليه بسببه هو لا بسبب غيره، ونظر لها ببعض الخوف وهو يسألها بحذر:
_ أنتِ بطلتِ تحبيني يا زينة؟
ابتسمت له بسمة واسعة وهي تخبره بهدوء تام:
_ عرفت ازاي احب نفسي اكتر.
وجملتها اوشت له بأنها لن تفعل شيء بهِ احتمالية اذيتها، لن تتهاون في حق نفسها، ولن تأتي على كرامتها..
_____________
عشرة اعوام مرت…
والوضع لم يختلف كثيرًا، سوى انهما اصبحا صديقان بحق، وللعجب! نجحت صدقتهما لان الدافع الاساسي لها هو خلق علاقة طيبة بينهما لصالح طفليهما…
_ بابا أنتَ وماما مفيش أمل ترجعوا لبعض؟
سأله “ساجد” الجالس أمام والده في أحد المطاعم، بعدما تناولوا الغداء وقد قامت “زينة” و”فاطمة” لغسل ايديهما، تنهد “معاذ” بتعب حقيقي من الحديث في هذا الموضوع وهو يخبره ولأول مره:
_ انا الي قطعت الأمل ده يا ساجد، انا عارف ان مامتك دايمًا بتقلكوا أن الغلط كان مننا احنا الاتنين ومتفقناش عشان كده سبنا بعض، لكن الحقيقة عكس كده، انتَ دلوقتي ١٨ سنة يعني ماشاء الله شاب وهتفهم كلامي، انا الي كنت اناني وحسبتها غلط، انا الي فرط في والدتك عشان آمال واهية، كنت راسم حياة وردية تانية بعيد عنها فوقت لما لقيتها سودا مش وردي، مامتك مكانتش سبب في انفصالنا بأي شكل، بالعكس هي عملت كل حاجة عشان نكون سوا، بس أنا الي غلطت..
اخذ نفسًا اخر قبل أن يقول بحزن ظهر في نبرته:
_ عشان كده عاوز انصحك نصيحة يا ساجد، اي خطوة هتاخدها هتغير كتير في حياتك لازم تحسبها صح الف مرة، وتشوف اي نتايجها الوحشة قبل الحلوة، وتقدر الي بيقدرك يابني، مش كل الي بنعوزه بناخده، احيانًا اختيارات ربنا لينا بيكون احسن كتير بس احنا الي اغبية، انا مقدرتش النعمة الي كانت في ايدي عشان كده ربنا جزاني لما خلى جوازتي تفشل وبعدها كان حقها والدتك مترضاش ترجعلي، ده اقل من حقها كمان، واحده غيرها كانت مبصتش في وشي اصلاً، لكن هي عشان بنت ناس وطيبة قبلت نكون صحاب زي مانت شايف كده.
_ اتاخرنا عليكوا!؟
اردفت بها “زينة” بابتسامة خفيفة، نقلت عدوى الابتسام ل”معاذ” الذي أصبح يبتسم تلقائيًا لبسمتها..
بعد دقائق تركهما طفليهما ليأخذان جولة بالنادي القريب من المطعم، لتبقى هي معه، فابتسمت بهدوء وهي تقول:
_ معاذ.
_ عيوني.
أردفها بتلقائية، لتبتسم بحرج، وقد توتر هو أيضًا من رده التلقائي، وقررت هي تمرير الأمر كي لا يسبب حرجًا لهما أكثر:
_ مكانش في داعي تقول الي قولته لساجد.
اتسعت عيناه بدهشة وهو يسألها:
_ أنتِ سمعتي!!
اومأت مؤكدة:
_ مسمعتش كله، بس سمعت اخر كلامك..
تنهد بحزن وهو يخبرها:
_ حبيت انصحه، واعرفه ان في مثال حي قدامه، غير اني مش حابب كونك بتشيلي نفسك جزء من الغلط قدامهم وانتِ معملتيش ده.
صمتت لثواني قبل أن تردف بابتسامة:
_ اتغيرت اوي يا معاذ..
اومئ بحسرة خفية لتأخره في التغير كما تقول فهو لم يتغير سوى من بعد انفصالهما، قبل أن يرفع رأسه وهو يسألها سؤاله المعتاد:
_ لسه اختيارك الأخير هو البُعد؟
وبنظرة خاصة مليئة بالحب له كانت تخبره بعكس نظراتها:
_ أنتَ أب عظيم يا معاذ، بجد الي بتعمله مع الولاد من زمان مش اي حد يعمله، انا نجحت بجدارة اختار اب لولادي، وصديق كويس جدًا، ومرتاحه جدًا في صداقتي معاك، لكن زوج… اعتقد لو قررنا نعمل ده هنخسر التقدم الي وصلناله دلوقتي، ووقتها هنضيع صداقتنا الجميلة دي ومش هننجح في حياتنا، ويمكن ساعتها نطلع من التجربة بعلاقات بايظة فعلاً مش زي دلوقتي.
حاول اقناعها كالعادة وهو يخبرها بنفس جملته:
_ ويمكن ننجح..
رفعت منكبيها بسأم:
_ ويمكن لأ…
_ وليه منجازفش؟
ابتسمت بيأس منه:
_ لسه مُصر تجازف! متعلمتش ان المجازفة اوقات بتخسرك كل حاجة! مفيش مجازفة في العلاقات يا معاذ.. الوقعة فيها بفورة..
وأدرك “معاذ” انه خسر هذه المرة جولته معها في الإقناع، لكنه لن ييأس عمومًا! فما أكثر الجولات بينهما..
_ تيجي اجبلك ايس كريم؟
ضحكت بجلجلة وهي تقف معه مرددة:
_ اه وماله يلا، وبعدها نكلم بعض بالمشاورة بعد ما يجيلنا التهاب حلق في الجو التلج ده.
سار معها ضاحكًا وهو يقول:
_ مفيش اجمل من الايس كريم في البرد يا زوزو.
وانطلقت ضحكاتهما وقد انضما اليهما الصغيران وقد جلب لهم “معاذ” الايس كريم، ليكن التهاب حلق جماعي..!!
ليست كل النهايات مرضية لتخيلك، وليست كلها ياما حزينة ياما سعيدة، هناك نهايات هي مجرد بدايات، لحياة اخرى، مختلفة، تتبع منطق الحكمة اكثر من اتباعها للأحاسيس والأمنيات، “زينة” كان اختيارها الأخير حاسمًا غير قابلاً للمجازفة او الاحتماليات، فقد تعلمت من تجربتها ان المجازفة في معظم الأحوال تعني خسارة فادحة.. وهي ليست مستعدة لها،فشلا كزوجين، وللعجب نجحا كصديقين، ونجحا في خلق بيئة دافئة لأولادهما رغم الانفصال… وهذا هو الفوز الحقيقي..
“تمـــــت بحـــــمد اللــــه”
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الاختيار الاخير)