رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم بيسو وليد
رواية جعفر البلطجي 3 البارت الحادي والسبعون
رواية جعفر البلطجي 3 الجزء الحادي والسبعون
رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة الحادية والسبعون
من سواك يحمى من يلوذ بحماه،
أمَّن يُجيب المضطر إذا دعاه،
ألم تجعل السفينة لنوح من قوارب النجاة،
ألم تجعل الحوت ليونس تأمينًا على الحياة،
ألم تنقذ أيوب من بلواه،
ألم تسمع ليعقوب في شكواه،
ورددت إليه يوسف وأخاه،
وبرحمتك وعنايتك ارتد بصيرًا،
وعادت إلى النور عيناه.
_نصر الدين طوبار.
_______________________________
لم تكُن تُدرك أن بعض القلوب لا تُشفى، بل تُتقن فن التظاهر بالعافية، تمضي الأيام؛ وتتعلم أن تضحك، أن تتحدث؛ أن تُما’رس الحياة كما لو أنها نسيت لكنها لا تنسى، هناك و’جع لا يُغادر، فقط يهدأ؛ ويختبئ في الزوايا الهادئة من القلب، إلى أن يعود – بغتةً – حين تراه، لحظة اللقاء ليست مجرد عودة، بل ارتباكٌ في النبـ.ـض، وانكسا’رٌ في كل ما بُني بعده، كانت تمشي نحوه؛ لا لتبدأ من جديد، بل لتعرف هل ما زال هناك شيء يستحق البقاء … أم أن الحب كان وهمًا جميلاً في زمنٍ مؤ’لم..
<“دامت لحظات الفرح، رُسِمَت البسمة.”>
مرّ الوقت سريعًا وكأنه يختبر قدرة تحمُلهم،
كانوا يجلسون فوق المقاعد المتراصة حول الطاولات في جلسة لطيفة جمعت العائلتين، كانت صوت الضحكات يعلو بين الحين والآخر وكُلّ واحدٍ مِنهم يُشارك في هذا الحديث المفتوح، وضعت “خديجة” آخر صحنٍ أمام “محمود” الذي بقربها تجمّـ.ـد جسـ.ـده لوهلة وأصا’به قربها بالتوتر، ظن أن الأمر عاديًا في البداية ولكن بعد ذلك لم يكُن كذلك، أبتـ.ـلع غُصَّته وتنفس براحة بعد أن أبتعدت عن مرماه..
نظر لها مِن فوق أهدابه يُتابع حركاتها الخفيفة بين الجميع، ويرى فرحتها بصديقتها ويرى كيف تتجاوب مع الجميع وتنشر عبقها المُميّز بين الجميع وبأقل مجهو’دٍ مِنها، تنهد بعمقٍ وجذ’ب أنتباهه صوت “أحلام” والدة “أمل” التي قالت بنبرةٍ هادئة ووجهٍ مبتسم:
_أتفضلوا بألف هنا على قلوبكم، أتمنى الأكل يعجبكم.
جلست بجوار زوجها وبدأوا جميعًا بتناول الطعام، ولكن لم تنتهي أحاديثهم بعد بعد أكملوا بحما’سٍ يشهده البعض لأول مرَّة، أجلس “يوسـف” صغيرته “ليان” فوق قدمه اليُسرى وقد منحها قبلة حنونة فوق خَدِّها الصغير ومِن ثمّ بدأ يُطعمها، بينما كان يُداعب صغيرته الأخرى “لين” حينما تُهيء نفسها للبكاء وإر’هاق والدتها التي أصبحت لا تعلم كيف لها أن تُرضيها..
بينما كان “سـراج” يجاور زوجته “مهـا” يتحدث معها ويشاركها ما يحدث خلال ساعات عمله دون أن تشعر بالملل، تستقبل كلماته بصدرٍ رحب وتشاركه أفكاره، بينما “جـاد” يجاور “كايلا” ويتحدث معها عن أحلامها معًا ويخططان ليوم زفافهما الذي شارف موعده، فلم يتبقى سِوى أيامٍ قليلة ستجمع بينهما فيما بعد إلى الأبد، وكانت “شاهي” تجاور “عليا” التي كانت وحدها بعد أن ادعى “زايد” بأعماله الكثيرة التي تنتظره كي لا يذهب معها..
وعلى طاولة أخرى منفـ.ـصلة عن طاولة الشبا’ب، كان “راضي” يجاور زوجته “وجيدة” وإلى يساره “عماد” الذي كانت تجاوره “هناء” وكلاهما يتبادلان أطراف الحديث بعد أن بدأت “هناء” تشعُر بالراحة أكثر تجاهه وبدأت الحو’اجز بينهما تُهد’م، كُلّ واحدٍ مِنهم يجاور زوجته أو خطيبته ولا تتوقف أفواههم عن الحديث..
نظر “عامـر” إلى “أحلام” وقال بوجهٍ مبتسم يُثني على طعامها الطيب:
_بصراحة تسلم إيدك، الأكل زي العسل.
نظرت إليه “أحلام” وقد ابتسمت لهُ وقالت بنبرةٍ حنونة:
_بألف هنا على قلبك يا حبيبي.
كان “يوسـف” يتناول الطعام ويستمع إلى “مؤمن” الذي كان يروي موقفًا طريفًا قد حدث معهُ لشبا’ب العائلة حتى جذ’ب انتباهه صوت صغيرته الرقيق قائلة:
_بابا.
نظر لها “يوسـف” الذي كان يبتسم وهو يتابعه لتقترب هي مِنْهُ تهمس في أذنه للحظات، نظر لها قليلًا ثمّ حملها على ذراعه ونهض واقفًا تحت نظرات “بيلا” التي سألته بنبرةٍ قـ.ـلقة:
_في إيه يا “يوسـف” واخدها ورايح على فين؟.
نظر لها ثمّ انحنى بنصفه العلوي نحوها يخبرها بالقرب مِن أذنها ثمّ بعدها تحرّك مبتعدًا بها دون أن ينتبه لهُ أحد، وبعد أن بدأ الهدوء يسيـ.ـطر على المكان أنزلها وجلس أمامها على حجـ.ـرٍ ر’خامي وبدأ يتفحص ذراعها بعد أن رفع يَد الفستان قليلًا حيث توجد العلا’مة التي كانت تُشبه أ’فعى..
نظر في عيناها الخضـ.ـراء الممزوجة بلمعة تُريد أن تنبـ.ـض بالحياة ولكنها مُقيّـ.ـدة بسلا’سل حد’يدية يصعُـ.ـب كسـ.ـرها حتى هذه اللحظة، مسّد فوق ذراعها ذاك برفقٍ وقال بنبرةٍ خافتة وعيناه مثـ.ـبتتان على عيناها اللامعة:
_هانت خلاص يا حبيبتي، كام يوم بس هظبط فيهم الدُنيا وهنروح هناك، ومش هنرجع إلّا لمَ نخلص وترجعي كويسة وزي الفُل، تقدري تستحملي الكام يوم دول؟.
لم تُجيب الصغيرة فورًا، بل أطالت النظر في عيناه لبضع ثوانٍ ثمّ أعطته الجواب بهزّة صغيرة مِن رأسها، أبتسم لها بحنوٍ ثمّ ضمها إلى د’فء أحضانه يُلثم رأسها بقبلة لطيفة محاولًا تخفيف الأ’لم عنها حتى يحين موعد شفا’ءها، أبعدها بعد لحظات ونظر في عيناها وقال:
_أوعي حد يعرف الموضوع دا، مفيش غيري أنا وماما وعمتو وعمو “سـراج” وعمتو “عليا”، حد تاني يعرف لا يا “لولو” مهما حصل، أتفقنا؟.
هزّت رأسها برفقٍ ثمّ قالت بنبرةٍ هادئة:
_حاضر يا بابا، مش هقول لحد خالص.
ضمها إلى أحضانه محاوطًا إياها بذراعيه ومِن ثمّ حملها على ذراعه وعاد إليهم مِن جديد بمعالم وجه هادئة حتى لا يكون موضع شـ.ـكٍ لأي فردٍ مِنهم، جاور شقيقته هذه المرة بعد أن أخذت والدته مكانه، نظر لها حيث كانت هادئة ويبدو عليها أنها تُفكر في شيءٍ ما، مدّ كفه الأيسـ.ـر وضم كفها برفقٍ تزامنًا مع قوله الهادئ:
_مالك يا “عليا”، تعبا’نة أخدك ونرجع البيت؟.
بدأ الخو’ف يطرق بابه بعد أن رأى الإر’هاق يسكُن ملامحها الهادئة، وإن كان بداخله شـ.ـكٍ ولو بنسبة ضئـ.ـيلة تجاه مر’ضها فلن يتها’ون، نظرت إليه “عليا” وابتسمت في وجهه وقالت بنبرةٍ هادئة:
_متخا’فش عليّا يا حبيبي أنا بخير.
نظر إلى عينيها مباشرةً وكأنه ينتظر أن يرى أيُ مؤشرٍ يدل على تأ’لُمها وقال بنبرةٍ جادة:
_”عليا” بجد لو تعبا’نة يلا نمشي، أصلًا الخطوبة خلصت بس دي مجرّد قعدة عائلية … وبعدين هو “زايد” مجاش معاكي ليه؟.
نظرت إليه وأجابته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_قالي إنُه جاله شغل مُهم ولازم يروح، فعشان كدا مقدرش ييجي.
ترقّب “يوسـف” ردها بتأهبٍ حينما سألها قائلًا:
_وهو لحد دلوقتي متصلش بيكي أو أتطمن عليكي؟.
نَفَـ.ـتْ قوله بهزّة صغيرة مِن رأسها تزامنًا مع قولها الهادئ:
_لا، يمكن مشغول ومعندهوش وقت، عادي بتحصل.
بدأ الشـ.ـك يزيد بداخله تجاه علا’قة شقيقته مع هذا الر’جُل الذي يكون في عيناه معدو’م المسؤولية، الأمر مر’يبًا فبرغم أنَّهُ يرى حُبّ شقيقته إليه وتضـ.ـحياتها لأجله لم يفعل لها شيئًا في المقابل ودومًا يتعمـ.ـد تجا’هلها، بدأ يشعر بالضيـ.ـق تجاه هذا الأمر ولكنهُ لم يُحبذ أن يُظهر لها ذلك ولذلك أبتسم في وجهها وحاوطها بذراعه الأيسر بعناقٍ لطيف لها وكأنه يو’اسيها سرًا، وبنفس الوقت يتو’عد إلى الآخر بالهلا’ك.
___________________________
<“جاءت ليلته المنتظرة، حان وقت ظهور نجمها.”>
٢٠٢٥/٧/٢٥ – يوم الجمعة،
في مدينة شرم الشيخ – في إحدى القاعات الكبرى،
التوافد يزداد داخل القاعة، والمقاعد تمتلئ والترقُب مسيـ.ـطرًا في الأجواء، أحاديث مختلفة بين الوافدين تلوح في الأفق وتنظيمٍ يتم مِن قِبَلْ المشرفين على أعلى مستوى..
في إحدى الغرف المغلقة،
كانت “مهـا” تقف أمام “سـراج” تهندم لهُ حُلته الكحـ.ـلية، كانت ترتدي فستانًا بُنيًا أنيقًا وتترك خصلا’تها محـ.ـررة خلف ظهرها، كانت هادئة ومبتسمة؛ وكان هو ينظر لها وعيناه تبتسم قبل شفتيه، يرى إهتمامًا خاصًا هذه الليلة يختلف عن الليالي الماضية، أخرج زفرة عميقة ثمّ كسـ.ـر حِدَّ’ة هذا الصمت بقوله الهادئ:
_أهتمامك النهاردة زايد عن كُلّ يوم.
نظرت إليه نظرة سريعة ثمّ عادت تنظر إلى ما تفعله قائلة:
_أكيد يا “سـراج”، الليلة دي إحنا أستنيناها بقالنا كتير، ولمَ تيجي طبيعي أكون مهتمة أوي كدا، شوية وهتطلع تقدم مشروعك وسط حضور كبير وناس كُبار سواء محليين أو حتى على مستوى عالمي، يعني لازم تكون أنيق وهيبة.
اتسعت بسمتهُ فوق شفتيه وقال بنبرةٍ هادئة:
_لو أعرف إن هيكون الاهتمام بالشكل دا كُنت أتمنى يكون عندي تقديم مشروع كُلّ يوم.
نظرت تلك المرة نظرةٍ ذات معنى ثمّ قالت بعد أن استفـ.ـزها حديثه:
_”سـراج” بطّل غلا’ظة، بتحسسني إني واحدة مهمـ.ـلة ومبهتمش بيك، دايمًا تحب تستفـ.ـزني بكلامك، وعلى فكرة أنا سـ.ـت بتهتم بأصغر تفاصيل حياتها يعني كونك مش شايف دا فدي مش مشـ.ـكلتي، أساسًا أنا بجا’دلك ليه.
تبسم ضاحكًا بعد أن رأى كيف بكلماتٍ بسيطة مِنْهُ أثا’رت غـ.ـيظها في غضون ثوانٍ، تنهيدة هادئة خرجت مِنْهُ ثمّ نظر لها لثوانٍ معدودة وقال بنبرةٍ هادئة:
_أبسط الكلمات بتستفـ.ـزك لدرجة إنها بتخليكي فلحظة ممكن تد’مري المكان مِن حواليكي، على فكرة أنا كُنت بستفـ.ـزك مش أكتر، لقيتك ساكتة وهادية عن كُلّ يوم فقـ.ـلقت، بس دلوقتي أتطمنت.
نظرت إليه تلك المرة مِن فوق أهدابها لثوانٍ معدودة ثمّ قالت:
_أصلًا دي عادتك ولا هتشتريها، تستفـ.ـزني وتخرّج أسو’أ ما فيّا وبعدين ترجع تقول أصلي كُنت بهزر وبحب أضا’يقك، غريب.
أبتسم بعد أن شَعَر بلُذّة النصـ.ـر عليها ثمّ قال بنبرةٍ هادئة ووجهٍ مبتسم بعد أن قرر تغيير مجرى الحديث بينهما:
_طيب خلاص أنسي، قوليلي حاسّة بإيه فاللحظة دي.
نظرت إليه “مهـا” قليلًا بعد أن أ’لقى سؤاله وأنتظر سماع الجواب، في هذه اللحظة كانت تتدا’همها مشاعر كثيرة، لا تعلم كيف ستصف لهُ ما تشعُر بهِ في هذه اللحظة ولكنها حاولت حينما قالت بنبرةٍ هادئة ووجهٍ مبتسم:
_حاسّة بمشاعر كتير، مبسوطة وحاسّة إني طا’يرة مِن الفرحة، مبسوطة لأنك تـ.ـعبت عشان توصل للمرحلة دي، صحيح المشوار كان طويل ومليان مطـ.ـبات بس في الأخير وصلنا سوى لخط النهاية، فخورة بيك ومتحمسة أشوفك وأنتَ واقف عالمسرح بتشرح مشروعك، وكمان عارفة إن اللحظة دي فارقة كتير بالنسبالك، واثقة فيك وعارفة إنك هتقدم مشروعك بالطريقة اللي تليق بيه.
كلماتها أسعدته للغاية، جعلته يشعُر بلُذّة النصـ.ـر قبل تحقيقه، كلماتها وكأنها عقار تشـ.ـفي جرو’حًا غير مرئية، تُعطي حياة وتبعث أملًا بداخله، فصـ.ـل المسافة الفا’صلة بينهما محاوطًا إياها بذراعيه إلى د’فء أحضانه، وكأنه يُكافئها على كلماتها بفعلٍ يُغني عن الآف الكلمات التي لن تصف شعور تلك اللحظة..
_حُبّي ليكي مش مِن فراغ، “مهـا” أنتِ مرايتي اللي بشوف نفسي فيها، وطالما مرايتي شايفاني ناجح واستاهل، فأنا هصدقها على طول حتى لو أنا ضـ.ـد الرأي، بحبك.
صارحها بما يشعُر بهِ وأصبح يراه بوضوحٍ، وختم حديثه بهمسة د’افئة صادقة تفـ.ـشي لها عن ما يكمُن داخله مِن مشاعر صادقة، لم تتحدث؛ فلا تجد كلماتٍ أخرى تصف جمال تلك اللحظة، ولكن عناقٍ كذلك يقول ما يُخفى داخل القلوب، وكأنه متحدث صامت..
في ساحة القاعة الكبيرة..
كان “يوسـف” الرفيق الأقرب لقلب الرَ’جُلُ الناجح يجلس في مقدمة الصف، وأرتصوا بقيتهم بجوار بعضهم بعضًا، وقد حضر شبا’ب العائلة وجميع الأحباب لمساندته ومشاركته تلك اللحظة المرتقبة، لحظات وساد الصمت في المكان بعد أن دقت الساعة وجاءت اللحظة الحا’سمة، أُغلقت الأضواء وبقيّ الخافت مِنها يعمل، جلست “مهـا” بجانب والدتها بوجهٍ مبتسم وفي غضون لحظات فُتِحَتْ الستار وكشفت عن المخبو’ء..
كان المقدم يقف بثباتٍ وعلى مسافة وجيزة مِنْهُ روبوت متطور، افتتح هذا المعرض وبدء خطابه، يُمسك بمكبر الصوت قائلًا:
_مساء الخير على جميع الحضور، في البداية بشكركم لتواجدكم معانا النهاردة ومشاركتكم معانا فاليوم الافتتاحي لمعرضنا، دايمًا بنسأل نفسنا ونقول ليه إحنا مش عارفين ناخد خطوة لقدام، ليه مش قادرين نحقق ولو إنجاز صغير يكون كفيل إنُه ينقلنا بعيد زي أي شخص بيتقدم ببلده، يمكن لأن محدش بيهتم بأحلام الشبا’ب الصغير، مش قادرين ندي فرصة حقيقية للجيل دا إنُه يثبت نفسُه بجد، الجيل دا النهاردة محتاج الفرصة دي، عندهم أفكار حلوة وقادرة تخلينا نتقدم خطوات مش خطوة واحدة بس، النهاردة يُسعدني إني أقدملكم نموذج مُشرف للجيل دا، شخص قدر يطور آ’لية مُعينة قادرة تستمر معانا لسنين قدام بدون ما تفقـ.ـد أداءها بسرعة، الشا’ب دا اشتغل كتير أوي على نفسُه وعمل كتير أبحاث وتجارب عشان يوصل للحل الأمثل فمشروعه..
المشروع دا هو جزء أساسي فالعصر الحالي فحياتنا، الـ AI؛ طبعًا دلوقتي الناس كُلّها بقت تستعين بيه فأي حاجة، شغل، دراسة، معلومات، أسئلة مختلفة، حتى إنُه بياخد مِنك وصف لأجواء محددة ويخرجهالك فصورة، إحنا بقينا فالعصر الحديث يا سادة، عصر الـ AI؛ ولأن دا بقى بشكل أساسي فحياتنا فلازم نعرف أزاي نستخدمه بطريقة إيجابية، وبصراحة الشا’ب دا استغـ.ـل الـ AI وصنّع روبوت بمواصفات لا تخطر عالبال، الشا’ب دا نموذج مُشر’ف ويستحق الشُكر والاحترام على مجهو’ده، تعالوا نرحب مع بعض بالبشمهندس “سـراج الدالي”.
تعالت أصوات التصفيق تر’ج القاعة، تزامنًا مع ظهور “سـراج” في الصورة مبتسم الوجه، كان “يوسـف” يقوم بتوثيق تلك اللحظات منذ بداية الافتتاح وحتى هذه اللحظة، وبسمتهُ ترتسم فوق شفتيه وعيناه تلمعان بفخر، كانوا جميعًا سعداء برؤيته يقف فوق المسرح لتقديم مشروعه الذي بذل فيه قصا’رى جهـ.ـده حتى يظهر اليوم في تلك الصورة، وعلى رأسهم “زينة” التي كانت تنظر إليه بفخرٍ وعيناها تزرفان دموع الفرحة..
وقف بشموخه المعتاد ممسكًا بمكبر الصوت وانتظر لحظات حتى عاد الهدوء يسيطـ.ـر على المكان، بدأ حديثه الطويل بقوله الهادئ:
_مساء الخير عليكم جميعًا، فعاكم “سراج الدالي” مهندس برمجة، عندي ٣٣ سنة، يُعتبر زي ما بنقول شا’ب لسّه بيبدأ يدوّر على نفسُه وسط الناس، ويدوّر جوّاه ويشوف إيه المهارة اللي عنده تميزه عن غيره، وأنا فسِن المراهقة كُنت بحب أي حاجة ليها علا’قة بالبرمجة، مع الوقت شغفي ليها زاد، ولمَ كُنت فالثانوية العامة تعر’ضت لانتقا’دات كتير أوي، وكلام سـ.ـلبي أتقالي عشان يحـ.ـبطني، أينعم كُنت بتأ’ثر وبز’عل بس برجع أقول لا أنا عارف أنا مين وعارف قدراتي كويس أوي، وهقدر أحقق اللي نفسي فيه، ومع تشجيع والدتي ليّا ووقوفها جنبي ودعمها المستمر ليّا وفضل ربنا أولًا الحمدلله وقتها نجحت وجبت ٩٣ ونص فالمية، ودخلت كلية أحلامي وكُنت الأول عالدفعة فالأربع سنين..
عشان أوصل للحظة اللي واقف معاكم فيها دي أنا تـ.ـعبت أوي والمشوار مكانش سهل، بس طالما عندك عزيمة وإصرار هتقدر حتى لو ١٠٠٠ واحد حاول يحبـ.ـطك، مِن سنة بالظبط بدأت تصنيع الروبوت دا، يمكن تقولوا إيه اللي يفرق الروبوت دا عن أي روبوت شوفتوه قبل كدا، أسمحولي أقولكم إن الروبوت دا مختلف تمامًا عن غيره، ويفيد رجا’ل الأعما’ل أكتر مِن حيث تجميع جميع المعلومات عن الخصـ.ـم، فخلال ٥ دقايق بس الروبوت دا بيكون مقدملك ملف شامل عن الشركة المنا’فسة مِن أول ما ظهرت حتى وقتنا الحاضر، كمان الروبوت دا الداتا بتاعته كبيرة ومش هتضطـ.ـر إنك تشيـ.ـل الداتا القديمة عشان تخزن الجديدة..
يقدر يحددلك إذا كانت الصفقة دي ينفع تدخلها ولا لأ، هل هتكون مُربحة ليك برضوا ولا لأ، غير إنك تقدر تعتمد عليه فشغلك وأنتَ مطمن وبسبب أغلب الموظفين اللي بيسو’ءوا لسُـ.ـمعة الشركة أو بيسر’قوا الروبوت هيغنيك عن الموظف دا وهيكون عينك اللي بتشوف بيها، كمان سرعة استجابته عالية ومبياخدش وقت طويل فالشحن، ولمَ بيخلّص شحن بيشيـ.ـل نفسُه تلقائيًا مش محتاج إنك تتابع معاه طول الوقت، كمان يقدر في نهاية السنة المالية لأي شركة يعملها الجرد بتاعها، الروبوت دا مزود بتقنيات حديثه وضـ.ـد الميَّة فحالة لو لقدر الله حاجة و’قعت عليه بدون قصد..
وزي ما أنتم شايفين مبياخدش مساحة فالبيت، زيه زينا بالظبط هتحطه فمكان مُعيّن هيفضل فيه أي حد مثلًا يؤ’مره إنُه يروح مكان تاني مبيُلبيش النداء إلّا لصاحبه، لكن نفترض إن حضرتك مش موجود فالبيت وكانت المدام بتنـ.ـضف الشقة ومحتاجة تحركه مِن مكانه وقتها تقدر تفعّل خاصية فيه بتلبية النداء لتاني أقرب حد ليك، وآ’من جدًا على الأطفال بجانب إنُه عملي فهو شيء ترفيهي لأولادك، يقدر برضوا يعلمهم الصح مِن الغـ.ـلط بطريقة بسيطة ولطيفة متخليش الطفل يعا’ند أو يشوف إن هو الصح، وعشان نثبت كُلّ دا هنطبق الكلام دا كُلّه عملي.
ألتفت خلفه مشيرًا إلى شا’بٍ آخر كان عينه اليُمـ.ـنى طيلة الوقت أثناء العمل على هذا المشروع، كان “يوسـف” يجلس وهو يشعُر بالفخر لأجله وكأنه هو مَن حقق هذا الإنجاز الفريد مِن نوعه وليس رفيقه، بينما كان “يعقوب” يجاوره وعيناه مثبتتان فوقه، برغم أن العلا’قة بينهما مازالت متوترة والطرف الآخر مازال لا يرغب بتواجده ولكن هذا لا يمـ.ـنعه بأن يفخر بهِ ويسعد لهُ..
كان “سـراج” يقوم بتجربته أمام الحاضرين ويعرض عليهم ما قام بشرحه، وأعين الأحباب تلمع بفرحة عا’رمة وفخر، وبعد مرور ما يُقارب الساعة ونصف كان “سـراج” قد تم تكريمه مِن قِبَل القائمين على هذا المعرض، وها حُلمه قد تم تحقيقه بعد سنواتٍ طويلة مِن المعا’فرة وبذ’ل مجهو’دٍ لا آخر لهُ، ها هو يصل إلى المرحلة الأخيرة والتي ستجعله ينتقل إلى نقطةٍ أخرى بعيدة..
كان يُمسك بشهادة تقدير موّثقة وجائزة ذهبية كانت تستحق شخصٍ مثله يسعـ.ـى للتقدم دومًا، في هذه اللحظة نظر إلى “مهـا” التي نهضت مِن مقعدها وتقدمت مِن المسرح بخطى هادئة وبسمتها ترتسم فوق شفتيها، توّد مشاركة حبيبها تلك اللحظة السعيدة وأن تكون جزءًا صغيرًا مِن هذا الإنجاز الكبير، عانقته بفرحةٍ كبيرة بينما ضمها هو إلى أحضانه مبتسمًا، فتلك ستكون أسعد لحظاته ولن تُنسى مهما حدث..
_أنتِ جزء كبير أوي مِن اللحظة دي يا “مهـا”، أنتِ اللي فضلتي فضهري ومشجعاني عشان أكمل، أنا بحبك أوي.
هكذا همس إليها بنبرةٍ د’افئة ثمّ أبتعد عنها قليلًا ومدّ يَده لها بالجائزة دون أن يتحدث، وكأنها دعوةٌ صادقة مِنْهُ، وبالفعل أخذتها بوجهٍ مبتسم وتفحصتها بفرحة طفلة صغيرة لا تُصدق، تقدموا جميعًا منهما وعلى رأسهم “يوسـف” الذي قال مبتسمًا:
_بالمناسبة الحلوة دي لازملنا كُلّنا صورة مع البشمهندس قبل ما يبدأ يتكبـ.ـر علينا وبعد كدا نشوفه بمواعيد سابقة.
نظر إليه “سـراج” بوجهٍ ضاحك وقد رد عليه قائلًا:
_يا عيـ.ـب الشو’م عليك يا أخي، أنا مش مستعد أرد عليك دلوقتي.
وقف “يوسـف” بجانبه وقال بنبرةٍ با’ردة دون أن ينظر إليه:
_متردش، أحسن لينا لو فضلت ساكت.
ر’ماه “سـراج” نظرةٍ حا’دة بعد أن أستطاع “يوسـف” إثا’رة غـ.ـيظه، بينما ضحك الآخر وحاوط كتفيه بذراعه تزامنًا مع قوله ضاحكًا:
_بهزر معاك يا’ض مالك بقيت تقفـ.ـش كدا ليه، ولا فاكرني مش هعرف أرد عليك بقى عشان فمكان بتاع ولا’د ناس لا متحلمش أنتَ عارفني كويس مبتفر’قش معايا.
_مستفـ.ـز أقسم بالله.
همس بها “سـراج” بنبرةٍ مغتا’ظة وهو يتجـ.ـنب النظر لهُ، بينما نظر إليه “يوسـف” بطرف عينه مبتسمًا ثمّ ربّت برفقٍ فوق ذراعه وقال:
_خلاص متـ.ـقلبش كدا، أفر’د وشك يلَّا وأحضني أنا وأختي بدل ما أفضـ.ـحك وأخلي اللي ما يشتري يتفرج.
نظر إليه “سـراج” باستنكا’رٍ تام لِمَ سَمِعَه وقبل أن يعترض أوقفته كلمات “يوسـف” الذي قال:
_لو حضنت أختي ومحضنتنيش يمين بالله لفضـ.ـحك وهخلي شكلك عِـ.ـرة وأنتَ لسّه مكملتش ٥ دقايق متكرم.
وبحركة سريعة جذ’به “سـراج” بحركة عـ.ـنيفة بعض الشيء ضاممًا إياه إلى أحضانه والضـ.ـيق واضحًا على معالم وجهه، بينما نظر لهُ “يوسـف” نظرةٍ ذات معنى وقال:
_بحنيّة شوية ياض بدل ما أز’علك.
_دا اللي عندي لو كان عاجبك.
رد عليه بنبرةٍ مغتا’ظة ليتلقى قهقات رفيقه الذي قال بنبرةٍ استفـ.ـزته كثيرًا:
_مش عاجبني، بس هتعوضني بغيره عشان أنا بصراحة استحملت قر’فك كتير ومش هتعدي عالفاضي كدا زي ما أديتك تديني يا رو’ح خالتك.
منحه “سـراج” ضر’بة عـ.ـنيفة بعض الشيء فوق ذراعه تزامنًا مع قوله الحا’د:
_إكـ.ـتم شوية بقى، خلينا ناخد أم الصورة دي.
ضم “مهـا” برفقٍ إلى د’فء أحضانه بذراعه الآخر وتجمعوا حوله كُلّ ثنائي يقف، وجمعيهم ينظرون إلى الكاميرا ويبتسمون ضاحكين ليتم إلتقاط الصورة بعد أن ضم “سـراج” رفيق دربه ضاحكًا إلى أحضانه، وكأنها لوحة فنية أبدع الرسّام في رسمها.
__________________________
<“ها هي الفرحة تقترب، أصبحا في نهاية الطريق.”>
بعد أن مضى أربعة أشهرٍ،
أصبح الوقت المتبقي ثلاثون يومًا فقط على حفل زفاف هذا الثنائي اللطيف، طيلة تلك المدة التي مضت كان “جاد” منشغلًا بتجهيز شقته وجلب ما تبقى حتى لا يسر’قه الوقت، كانت الضحكة لا تُفا’رق وجهه والفرحة تكاد تأخذه وتُحـ.ـلِّق بهِ بعيدًا، كان يجلس في الحديقة مع أخيه وأولاد عمومته وعمّه وصوت ضحكاتهم يملئ المكان..
تحدث “محمـود” ضاحكًا بعد أن مازحه أخيه ردًا على ما قاله:
_لا يا حبيبي معلش، أنا أعيـ.ـش سنجل بكر’امتي آه إنما أتجبـ.ـر على جوازة وأعيش زي المجا’نين بعدها لا معلش، أنا جرّبت قبل كدا الدور عليك.
جاوبه “جاد” في هذه اللحظة بوجهٍ مبتسم قائلًا:
_لا أنتَ كدا خا’يب، أختار صح وهتعيـ.ـش ملك بعدها ومتدلع كمان.
نظر إليه “محمود” وقال ساخرًا:
_خليك أنتَ كدا، السـ.ـكينة سر’قاك وحلاوة البدايات عمـ.ـياك.
أبتسم “جاد” بتهكمٍ واضح بعد أن أستمع إلى حديثه الذي بالطبع لم يروق لهُ، نظر “مؤمن” الذي كان يجلس بشكلٍ أريحي فوق المقعد الخشبي إلى ابن عمّه “عامـر” الذي كان يجلس مثله ويستند بقدمه إلى الطاولة ويقوم بمراسلة “أمل” مبتسم الوجه دون أن يعي أهمية إلى تلك المشا’جرة الكلامية بين أخيه وابن عمّه..
أبتسم بتهكمٍ واضح وقال بنبرةٍ هادئة متعمـ.ـدًا إلقا’ء الحديث عليه:
_صا’بت وخا’بت صحيح.
كان “عامـر” لا ينتبه إليه، كان تركيزه منصـ.ـبًا فوق هاتفه وبسمته تتسع فوق شفتيه بين الحين والآخر، نظر إليه “رابح” وقال:
_متحاولش، هو عقـ.ـله فعالم تاني خالص.
هزّ “مؤمن” رأسه بقلة حيلة ثمّ نظر إلى أخيه وقال بنبرةٍ متسائلة:
_حجزت بدلتك وظبط أمورك ولا لسّه؟.
نظر لهُ “جاد” وقد جاء جوابه على بساطٍ أحمدي حينما قال:
_لا عيـ.ـب عليك، حجزتها إمبارح بس كُنت عايزك معايا إمبارح.
ربّت “مؤمن” فوق فخـ.ـذه برفقٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_حقك عليا مشاغـ.ـل وأنتَ عارف يا “جاد”، هشوفها عليك يوم الفرح إن شاء الله.
تحدث “رابح” في هذه اللحظة بقوله الهادئ:
_البدلة يا “مؤمن” تُحفة بمعنى الكلمة، أول ما شوفتها قولتلته البدلة دي بتاعتك وش وأهو عندك اسأله.
تفاجئ “مؤمن” الذي نظر إلى أخيه تزامنًا مع قوله المذهول:
_للدرجة دي حلوة كدا.
جاوبه “جاد” بنبرةٍ هادئة وهو يقول:
_أوه يا عمّي، جامدة إيه بس دي هي اللي أتعملها مصطلح فالجمدان، أوصفله شكلها يا “جاد”.
نظر “جاد” إلى أخيه في تلك اللحظة والذي بادله نظرته منتظرًا سماعه، أبتسم “جاد” واعتدل في جلسته بحركةٍ سريعة تزامنًا مع قوله:
_شوف يا عمّ، طبعًا بادلة سو’دا، بنطلونها وقميصها الأبيـ.ـض وفوقيه بليزر أسو’د شكله تُحفة يا “مؤمن”، هو عادي بس مدي شكل حلو أوي للبدلة، وفوقيه الچاكيت بتاعها وفيه من عند الجيب اللي ناحية الصد’ر دا لحد مكان الزراير زي أكسسوار كدا لو’نه فضـ.ـي يعني عشان يدي شكل للبدلة، شوفتها يا “مؤمن” قولت البدلة دي بتاعتي وش ومِن غير ما أخد لفة أنا أخترتها وخلص الحوار.
لمعت عينان “مؤمن” الذي شَعَر بالسعادة لأجل أخيه الصغير ولذلك قال بنبرةٍ هادئة:
_مِن غير ما أشوفها خلاص، مُبارك عليك يا حبيبي ربنا يتمملك على خير وأشوفك مبسوط العُمر كُلّه، المهم إنها عجبتك، أجهز بقى مفاضلش كتير.
شَعَر “جاد” بالحما’س ولذلك قال بنبرةٍ غمرتها السعادة:
_مبسوط أوي فوق ما تتخيّل يا خويا واللهِ، أنا خلاص يُعتبر خلصت حاجتي وهي لسّه مكلماني إمبارح حجزت الفستان هي كمان والميكب آرتست يُعتبر حاجتها أصلًا جاهزة الشقة بس تتفرش وأتفقت مع “رمـزي” على إنُه اللي هيكتب كتابنا مش هتنا’زل وهو مأ’ثرش بصراحة بدأت أجهز الورق المطلوب وخير إن شاء الله متقلـ.ـقش مِن حاجة يعني.
اتسعت البسمةُ فوق شفتي “مؤمن” الذي أخرج تنهيدة عميقة وقال بنبرةٍ هادئة:
_ما شاء الله عليك، بقى أنتَ “جاد” اللي كُنا هاين علينا نبوس رأسك عشان تقوم تساعدنا فحاجة واحدة بس، سُبحان الله عالأيام.
قهقه “جاد” بخفة ثمّ قال بوجهٍ مبتسم وهو ينظر لهُ:
_أيوه يا عمّ الإنسان بيتغيّر برضوا، إحنا مش أي حد برضوا.
وافق الآخر على حديثه مبتسمًا ثمّ ألتزم الصمت، بينما صدح رنين هاتف “جاد” ليرى المتصل هي ولذلك نهض واقفًا واستأذنهم مبتسمًا مبتعدًا عنهم بخطى وا’سعة ومتلهـ.ـفة تحت نظراتهم إليه، أبتسم “محمود” ساخرًا وعاد يعـ.ـبث في هاتفه قائلًا:
_صدقوني دي حلاوة البدايات بس، أستنوا لمَ يدخلوا فالجَد.
أخرج “مؤمن” تنهيدة عميـ.ـقة وقد رد عليه بنبرةٍ هادئة:
_يا عمّ الله يصلحلهم الحال ويجعل المحبة فقلوبهم على طول، الركع عالعـ.ـبيط اللي معرفش يختار.
أنهى حديثه وهو يتعمـ.ـد إثا’رة غـ.ـيظه ولذلك نظر إليه “محمود” هُنَيهة ثمّ أبتسم بسمةٌ ساخرة وقال:
_واللهِ مهما حاولت تضا’يقني مش هتعرف.
أبتسم “مؤمن” بزاوية فمه ثمّ قال بنبرةٍ خـ.ـبيثة:
_مسيرك تقـ.ـع يا ابن “راضي” وترجع تعمل نفسك بر’يء وتقول لا واللهِ أصل دي جَت صدفة.
نهض “محمود” واقفًا يُهندم قميصه مجيبًا إياه بنبرةٍ ما’كرة:
_تيجي هي بس، ومش هعرف أشكالكم العكـ.ـرة دي تاني.
تركه ورحل تجاه القصر بخطى هادئة، بينما نظر إليه “مؤمن” وقال بنبرةٍ عالية:
_نا’كر للجميل يا ند’ل، هفضـ.ـحك قدامها يالا وأقولها المستخبـ.ـي ..!!.
أشار إليه “محمود” وكأنه لا يُبالي بكلماته وأكمل طريقه، بينما هزّ “مؤمن” رأسه بقلة حيلة وتو’عد لهُ خـ.ـفيةً، ولكنهُ لا يُنكـ.ـر في نفس الوقت بسعادته إليه حينما شَعَر أنَّهُ بدأ يتقبل الفكرة ويُفكر بها حتى ولو للحظات معدودة، فلم يكف عن الدعاء إليه طيلة الوقت، وهو على يقينٍ تام بأن ربه سيعوضه بامرأة أخرى تكون أكثر حنوًا عليه وتهتم بهِ، فهذا ما يُريده ابن عمّه، وبالتأكيد سيحصل على ذلك.
___________________________
<“كان الشـ.ـر متر’بصًا إليه.”>
في منتصف اليوم،
كان “يعقوب” يسير بين أولاد حارته وهو يتحدث في الهاتف منذ ما يُقارب العشر دقائق، وفي تلك اللحظة رأى “سـراج” أمامه على بُعد خطواتٍ قليلة، وقد بدأت خُطاه تسـ.ـلُك طرقاتٍ أخرى بعيدة عن مرئى الجميع وثمة شخصٍ ما مجهو’لًا يَتَبْع خطواته دون أن يشعُر، تعجب “يعقوب” كثيرًا ولذلك شَعَر بشيءٍ يُنذ’ره بالخطـ.ـر تجاهه..
أضطـ.ـر إلى إنهاء المكالمة وإتباعه دون أن يشعُر، بينما كان “سـراج” يسير في الأز’قة بخطى هادئة وخلفه هذا المُلـ.ـثم ويليه “يعقوب” الذي صدق حدسه ولذلك أتخذ الطرقات أسهلها بعد أن رأى الآخر بدأ يقترب مِنْهُ بشكلٍ يُثيـ.ـر الشـ.ـكوك، سَـ.ـلَك “يعقوب” طريقًا مختصرًا يؤدي إلى موقع “سـراج” في المقدمة وتابعه بعيناه دون أن يُثيـ.ـر إنتباه أحدهما..
كان المُلـ.ـثم ماهرًا لجعل نفسُه متخـ.ـفيًا بتلك الطريقة حتى لا يشعُر بهِ أحدهم، ولذلك رأى أن تلك فرصة ذهبية لتنفـ.ـيذ مهمته، أخرج مُد’يته بخفة وقام بفتـ.ـحها وهو ينظر إلى “سـراج” بأعينٍ كالصقـ.ـر ترصد حركاته بدقة، وفي لحظة إند’فع “يعقوب” تجاهه في نفس اللحظة التي هجـ.ـم فيها المُلثـ.ـم على “سـراج” مِن الخلف غد’رًا يردع فعله ويقف في وجهه كالحصـ.ـن المنيـ.ـع ممسكًا بذراعه..
شَعَر “سـراج” بشيءٍ ما يحدث خلفه خصيصًا بعد أن رأى ظلًا على الأر’ض أمامه لشخصين، نز’ع سماعته وألتفت ينظر لهما ليرى “يعقوب” يقف خلفه ويمـ.ـنع هذا القا’تل مِن قـ.ـتله، كانت مفاجئة مد’وية بالنسبة إليه وقبل أن يستوعب عقـ.ـله ما يحدث أو يقول شيئًا با’غته “يعقوب” بحركةٍ خا’طفة وأصبح القا’تل في لحظة تحت قبـ.ـضته ومُد’يته على عـ.ـنقه، كان “سـراج” مصد’ومًا في هذه اللحظة والكلمات تهرُ’ب مِن على شفتيه..
نظر إليه “يعقوب” في هذه اللحظة وقال:
_ماشي ولا على بالك إن في واحد ماشي وراك ناوي على مو’تك، طب دا كويس بقى إني شوفتك ساعتها وإلّا كُنا زمانا بنتر’حم عليك.
تيّبـ.ـس جسـ.ـد “سـراج” مكانه وجحـ.ـظت عيناه بصدمةٍ واضحة على وجهه بعد أن أدرك عـ.ـقله أخيرًا ما كاد يلحق بهِ دون أن يشعُر بشيءٍ، في لمح البصر سـ.ـدد “يعقوب” ضر’بة رأ’س قو’ية إلى المُلـ.ـثم الذي دا’هم الأ’لم الشـ.ـديد رأسه وار’تطم جسـ.ـده بالأرض الأسمنـ.ـتية الصـ.ـلبة، انحنى “يعقوب” بنصف جسـ.ـده نحوه ممسكًا بقميصه قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_وعرش ربنا لو ما قولت مين اللي باعتك لأقطـ.ـعك حتت وهر’ميك لكلا’ب الشوارع تنهـ.ـش فلحـ.ـمك، قول ياض بدل ما أعمـ.ـلها معاك.
بينما كان هذا القا’تل يُحاول استيعاب ما يحدث حوله بعد أن تلقى تلك الضر’بة القو’ية على رأسه جعلت عقـ.ـله يغيب للحظات عن الو’اقع، تقدّم “سـراج” في هذه اللحظة مِنْهُ وجسى على رُكبته نحوه وقال بنبرةٍ صا’رمة:
_وعهد الله لو ما أتكلمت لأشـ.ـرحك.
أنهى حديثه ومِن ثمّ أخرج مُد’يته وبحركةٍ سريعة قام بفتـ.ـحها ووضعها على نحـ.ـره كتهـ.ـديدٍ صريحٍ ومباشرٍ مِنْهُ، تحدث بنبرةٍ حا’دة تلك المرة وكلماته تحمل الو’عيد لِمَ سيفعله بهِ:
_لو نازل ومتعرفش حارة درويش فلازم تبقى عارف أوي مين اللي جاي عشان تقتـ.ـله، أنتَ جاي عايز تقـ.ـتل واحد مِن كـ.ـتيبة نمو’ر مفتر’سة ياض، يعني مع كُلّ واحد فينا عين ز’يادة بترا’قب اللي بيحصل حواليها، أنطـ.ـق لمصلحتك يا تنطق الشهادة.
شَعَر القا’تل بالر’هبة والهلـ.ـع بعد أن رأى “يعقوب” يُحـ.ـكم قبـ.ـضته عليه ويضع هو الآخر مُد’يته على شطر وجهه، وفي أعينهم تهـ.ـديدٍ صريح وصرا’مة لا يُرافقها لينٌ، ولم ينتظر لأن يُفكر مرتين فبالطبع لن يُضـ.ـحي بحيا’ته لأجل آخرٍ ما سيحظى بهِ في الأخير هو النعيم، ابتـ.ـلع غُصَّتهِ وقال بنبرةٍ يظهر فيها هـ.ـلعه:
_خلاص خلاص واللهِ هقول على كُلّ حاجه، بس عشان خاطر ربنا أنا واحد عنده عيال صغيرين وبجر’ي على أكل عيشي عشان أأ’كلهم لقمة حلا’ل، أنا عملت كدا وأنا مجبو’ر أقسم بالله ومستعد أقول على كُلّ حاجه بس مش عايز أتئذ’ي بالله عليكم.
تبادل “يعقوب” مع “سـراج” نظرته والتي كانت تحمـ.ـل الكثير مِن الأحاديث الصامتة، نظرا إليه مجددًا ليتحدث “يعقوب” بنبرةٍ حا’دة بعض الشيء قائلًا:
_قول مين باعتك وطلب مِنك إيه بالتفصـ.ـيل وكلمة را’جل محدش هيقربلك حتى لو كان العفر’يت الأزر’ق.
نظر لهما وكأنه يشـ.ـك بأمرهما، فلن يكون فر’يسة بينهم مهما حدث ومهما كان المبلغ الذي سيقـ.ـبضه كبيرًا، فحيا’ته بالنسبةِ إليه في المقام الأول، لحظات استغرقها في التفكير ثمّ بعدها قال بنبرةٍ حذ’رة:
_طب وأنا إيه اللي يضـ.ـمنلي إني لو قولتلكم على كُلّ حاجه أنتوا مش هتأ’ذوني، ما أنا مبشتريش سمك فمـ.ـيَّه برضوا لمؤ’اخذة.
جاوبه “سـراج” بنبرةٍ جادة بعد أن راق لهُ حديثه قائلًا:
_كلام معقول برضوا، اللي يضمـ.ـنلك إنك و’قعت فإيد ٢ زينا، في واحد تاني برّه لو كان هو اللي لمـ.ـحك كان زمانه شا’رب مِن د’مك دلوقتي، فأنتَ تحمد ربك إن اللي قـ.ـفشك الرا’جل دا، بس هضـ.ـمنلك إن محدش هيقربلك وأنا المسؤول بس تقول كُلّ حاجه بالتفصيل المُمل وليك عليّا اللي باعتك نفسُه مش هيقربلك.
عاد الرَ’جُل يُفكر مجددًا في حديثه بشكلٍ أكثر جدية ورأى في عيناه صدقٍ لم يراه مِن قبل في أعين أحدٍ مِن قبل، ولذلك قرر أن يقول كُلّ شيءٍ يعلمه حتى يخرج مِن هذه الور’طة التي أدخل نفسُه بها، ابتـ.ـلع غُصَّته بتروٍ وقال:
_واحد معاكم هنا فالحارة أسمه “فتوح الجز’ار” هو اللي كلمني وبعتني عشان أقـ.ـتلك أنتَ بالأخص.
تبدلت ملامح الثنائي في لحظة بعد أن ألتقت أذنهما أسم الفاعل ليتبادلا نظرة سريعة بينهما قبل أن يسأله “يعقوب” هذه المرة مترقبًا:
_مقالكش ليه عايزك تقتـ.ـله؟.
صمتٌ ثقـ.ـيلٌ خيَّـ.ـم على المكان بعد أن سأله “يعقوب” هذا السؤال الذي سيكون بمثابة شـ.ـرارة صغيرة ستُحدث إنفجا’رًا ضخـ.ـمًا بعدها، لحظات وجاوبه الرَ’جُل بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_لأ بصراحة هو مقالش عالسبب بس قالي لو قتـ.ـلته هديك مبلغ عُمرك ما حلمت بيه، بس قبل ما أمشي دخل واحد كدا شكله أكبر مِنْهُ بشوية وسمعته بالصدفة بيقوله يعني إن مرات حضرتك داخله د’ماغه وكدا، هو بصراحة شكله كدا بتاع نسو’ان ولمَ فكرت فيها قولت برضوا أنا عندي ولايا ومرضهاش لمراتي فأكيد مش هقبلها على غيرها فطالما أنتم أدتوني كلمة رجا’لة فأنا قولت أهو هو عايز إيه على بلا’طة.
نظر “يعقوب” إلى “سـراج” بعد أن أستمعا إلى ما كانا يُريدان سماعه، وقد رأى الشـ.ـر يقد’ح في عيناه بعد أن أستمع إلى كلماتٍ هي بمثابة شُـ.ـعلة خفيفة في حقـ.ـلٍ مِن الألغا’م، ترقّب “يعقوب” حركاته بنظراتٍ حذ’رة وقال بنبرةٍ حذ’رة:
_”سـراج”، العقـ.ـل زينة.
وبلحظة مجـ.ـنونة د’فع “سـراج” الرَ’جُل بحركةٍ عنـ.ـيفة بعد أن تراقصت شيا’طينه أمام أعينه وانتصـ.ـب واقفًا وكُلّ ما يدور في عـ.ـقله كلمات الرَ’جُل وعلمه بنوايا “فتـوح” تجاه زوجته، عاد مِن جديد كالإعصا’ر وهو يتو’عد إليه بالمو’ت وخلفه “يعقوب” الذي حاول إيقافه وتوعيته قبل أن يرتكب جر’يمة فجـ.ـة في حق حقيـ.ـرٍ كهذا:
_”سـراج” متتهو’رش، هو عايزك تغـ.ـلط فحقه عشان تلبسها أنتَ فبيستفـ.ـزك، “سـراج” أعقـ.ـل وفكّر بعقـ.ـلك شوية ..!!.
وكما توقّع لم يتلقى ردًا على حديثه ولذلك سرعان ما أخرج هاتفه مِن جيب بنطاله مقررًا مهاتفه “يوسـف”، أول مَن خطـ.ـر في ذ’هنه والوحيد الذي يستطيع أن يقف في وجه “سـراج” وهو في هذه الحالة، لحظات مِن الإنتظار قطـ.ـعه صوت “يعقوب” الذي قال بنبرةٍ حا’زمة:
_”يوسـف” أنزل بسرعة “سـراج” مش شايف قدامه وناوي على مو’ت “فتـوح” الليلة دي، حوار كدا “فتـوح” كعادته عمّال يتر’بصله وبعتله واحد مِن شوية عشان يقـ.ـتله بس أنا لحـ.ـقته فالوقت المناسب يعني، الرا’جل قال على كُلّ حاجه تحت التهـ.ـديد مِني ومِنُه واللي جـ.ـنن “سـراج” أكتر إن “فتـوح” عيـ.ـنه على أختك، أنزل عشان مش هقدر عليه لوحدي وهو فالحالة دي.
أنهى المكالمة ولَحِقَ بـ “سـراج” الذي توجّه مباشرةً إلى محل “فتـوح” الذي كان يجلس بداخله خلف مكتبه يقوم بتدوين بعد الحسابات الخاصة بآخر طلبية وصلت إليه، اقتحـ.ـم المكان عليه مِمَّ جعله يرفع رأسه لرؤية الوافد، ولكنه لم يُمهله الفرصة وإنها’ل عليه بلكـ.ـمة قو’ية في وجهه مُحـ.ـمَّلة بعنـ.ـفٍ يشهده “يعقوب” لأول مرَّة والذي بدوره أقترب مِنْهُ وحاول إيقافه خو’فًا عليه:
_يا عمّ أعـ.ـقل كدا غـ.ـلط صدقني دا اللي هو عاوزُه.
د’فعه “سـراج” بعنـ.ـفٍ عنهُ وهو يصر’خ بهِ بإنفعا’لٍ محذ’رًا إياه:
_أبعد عن وشي أنتَ كمان، أنتَ هتيجي تعلمني الغـ.ـلط، إبعد بدل ما أأ’ذيك أحسنلك ..!!.
كان “يعقوب” ينظر إليه مصدومًا بعد أن فاجئه “سـراج” بردّة فعله الغير متوقعة بالنسبةِ إليه، لأول مرَّة يرى هذا الكم مِن الشـ.ـر الكامن بداخله، وهو الذي يخشى عليه؛ الآن يُعامل بتلك الطريقة، عاد “سـراج” ينظر إلى “فتـوح” الذي بدأ ينهض مجددًا واضعًا كفه على شطر وجهه الأيسر بعد أن تلقى تلك اللكـ.ـمة القو’ية..
قـ.ـبض “سـراج” على قميصه وجذ’به بعنـ.ـفٍ وهو يصـ.ـق على أسنانه قائلًا بنبرةٍ لا تُنذ’ر بالخير:
_بتبعتلي واحد عشان يقـ.ـتلني يا “فتـوح”، معرفتش تعملها معايا بعت حد عشان يخلّـ.ـص عليّا؟ بس على مين، قاعد على قـ.ـلب اللي خـ.ـلفوك يا رو’ح أمك، دي وممكن أعديها عادي عشان أنتَ عيل، بس تشوف مراتي بنظراتك القذ’رة دي وتحطها فد’ماغك وتسـ.ـعى عشان تطول مِنها حاجة دي مش هتعدي حتى لو فيها مو’تي.
أبتسم “فتـوح” في هذه اللحظة ونظر إليه نظرةٍ ما’كرة ثمّ قال بنبرةٍ خـ.ـبيثة:
_براڤو عليّا بجد، قادر أتحكـ.ـم فيك وأحركك بأبسط الطرق وأسهلها، وقادر أصحي أبسط غـ.ـرايزك وأنا فمكاني، ولو أنا فعلًا عيني عليها وشايف نفسي مكانك هتعمل إيه؟ كانت هتكون سعيدة وهي معايا برضوا، بس أنتوا غِـ.ـلكم عا’مي على عيونكم.
_”فتـوح” ..!!.
صر’خ بهِ “سـراج” بعـ.ـنفٍ وقبـ.ـض بكفيه على قميصه بعد أن وجّهه عقـ.ـله إلى ما يجب عليه أن يفعله، تشنـ.ـجت أطر’افه بسبب إنفعا’لاته الواضحة على هيئته، بينما بدأ “فتـوح” يضحك بعد أن استطاع تنفيـ.ـذ ما كان يسعى إليه، وللحق هذا أستفـ.ـز “سـراج” كثيرًا والذي بدوره لم يستطع أن يتحـ.ـكم أكثر مِن ذلك في نفسُه ولذلك أول ما فعله كانت لكـ.ـمة قو’ية يُسددها إليه يُفر’غ عن طريقها غـ.ـضبه وجـ.ـنونه..
وبعدها لم يرى شيئًا أمامه ولم يستمع إلى “يوسـف” الذي ولج لتوه وحاول إبعاده عنهُ حتى لا يقـ.ـع في المصا’ئب، ساعده “يعقوب” على إبعاده ولكن “سـراج” في هذه اللحظة لا يسمع أو يرى سِوى كلمات هذا الحقيـ.ـر تتردد في أذنيه ونظراته إليه، حاوط “يوسـف” جسـ.ـده مِن الخلف وحاول إبعاده عنهُ ولأول مرَّة يرى “سـراج” في هذه الحالة المجـ.ـنونة..
وفي الأخير أستطاع أن يُبعده عنهُ بمساعدة “يعقوب” الذي كان ينظر إليه مذهولًا، وحتى هذه اللحظة يرفض “سـراج” تركه مِمَّ جعل “يوسـف” يصر’خ بهِ قائلًا:
_أهدى يا “سـراج” بقى ..!!.
ألتفت إليه “سـراج” يصر’خ هو أيضًا بهِ بإنفعا’لٍ قائلًا:
_أهدى إيه، أهدى إيه والـ*** دا بيفكر فمراتي وشايف نفسُه مكاني، أنتَ أتجـ.ـننت يا عمّ “يوسـف” ولا إيه أقسم بالله ما هسيبه، هخليه كُلّ ما يفكر بس يفكر فيها يفتكر اللي هيحصله دلوقتي ..!!.
_”مهـا” أختي أنا؟.
نطـ.ـق بها “يوسـف” وكأن عـ.ـقله مازال يُحاول استيعاب ما يحدث وأن مَن يتحدث عنها شقيقته وليست بأخرى، فكان يظن “يعقوب” يمزح معهُ، لم يكُن يتوقّع أن يكون المُراد وسبب تلك المشا’جرة العنـ.ـيفة هي نفسها شقيقته، نظر مجددًا إلى “فتـوح” الذي كان طر’يح أرضه ولوهلة تبدلت تعبيرات وجهه في لحظة، هذا ليس “يوسـف”؛ تلك النظرات لا تُنسب إليه، عاد مجددًا بفضل “فتـوح”، لقد عادت أسو’أ نسخة شهدوا عليها..
وقبل أن يفعل شيئًا ألتفت إلى “يعقوب” وأشهر سبابته في وجهه قائلًا بنبرةٍ تحذ’يرية:
_أقسم بالله لو فكرت بس مجرد تفكير تمنـ.ـعني مضـ.ـمنلكش أنا ممكن أعمل إيه.
لم يكُن “يعقوب” متفاجئًا مِن هذا التحو’ل أو تلك النظرة التي ر’ماه بها، فقد رآها كثيرًا مِن قبل ويعلم ماذا سيفعل صاحبها جيدًا في تلك الأثناء فسبق وأن تذوّق هذا مِن قبل، واليوم هو سيكون طرفًا للحق وو’اقيًا للشـ.ـر، ألتفت “يوسـف” إلى “فتـوح” مجددًا وتلك المرة الشـ.ـر أصبح رفيقًا لهُ، رأى “فتـوح” هذا التحا’لف بينهما ضـ.ـده، بدايةً مِن نظرتهما إليه مرورًا بتقدمهما مِنْهُ بتلك الطريقة المُـ.ـريبة، إلى نهاية تنتظره يجهـ.ـلها هو حتى الآن..
لا مهر’ب اليوم مِن جحـ.ـر العد’و، ولا عابر سبيل سوف يقوم بإنقا’ذه الليلة مِن أيديهم، فيوم الحساب الذي طال تأ’جيله مرارًا ها هو اليوم يُرحب بهِ ويفتح ذراعيه على وسعهما لاستقباله، ز’حف للخلف مشهرًا سبابته في وجههما تزامنًا مع تحذ’يره المبطـ.ـن بخو’فٍ تستطيع الفر’ائس أشـ.ـتمامه:
_محدش فيكم يقرّب، لو قربتوا أو فكرتوا تأ’ذوني أنا هرفع محضـ.ـر ضـ.ـدكم وهيكون معايا الحق، والدليل هيكون واضح قدام البو’ليس وساعتها أنتوا الاتنين هتدخلوا السجـ.ـن ومش هتنفـ.ـدوا مِنها مهما عملتوا.
لم يؤ’ثر حديثه ولو للحظة بهما، بل وكأنه لا يتحدث بالنسبةِ لهما، ظل الوضع كما هو لا جديد يُمكن أن يظهر ويأخذ صفه هذه المرة، ولكن يومًا لم يعلم غاية لليأ’س ولذلك حاول مجددًا بنبرةٍ ظهرت بها رُ’عبه مِنهما فمنذ زمنٍ وكلاهما يُشكلان خطـ.ـرًا وهيبة، أما اليوم هو يرى النهاية الأسو’أ في حياته بأم عينه، أبعد هذا كُلّه ستكون نها’يته على أيدي أعد’اءه..
تفحص المكان مِن حوله بشمولية وعـ.ـقله يُفكر ماذا عليه أن يفعل الآن وكيف يُمكنه الهر’ب مِنها وهما في تلك الحالة التي لا تُنذ’ر إلّا بالخـ.ـراب، رأى أنَّهُ يستطيع الهر’ب بسهولة والخروج بسهولة مِن المحل ولذلك نظر لهما مجددًا بترقبٍ، فليس هو مَن يستسـ.ـلم لهم بتلك السهولة بعد تلك المعا’رك التي دامت بينهما لسنواتٍ طويلة، فلن يقبل أن يكون الطُعم في تلك اللُعبة..
لحظات مِن الترقب دامت قبل أن يحدث كُلّ شيءٍ، ركض “فتـوح” إلى الخارج وهو يظن نفسُه حُـ.ـرًا، ولكن ما لم يظنه أن الجحيـ.ـم نفسُه ينتظره في الخارج، كان “يعقوب” أمام باب المحل، يسـ.ـد منفـ.ـذ الهر’ب الوحيد إليه بعد أن عَلِمَ نو’اياه الحقيـ.ـرة إلى أين تقوده، مقابلة ليست متوقعة؛ مقابلة بين طرفين كانوا في الأمس أصدقاءًا..
_رايح على فين يا “توحة”، دا الحفلة لسّه مبدأتش، هتعجبك أوي.
نطـ.ـق بها بنبرةٍ مستفـ.ـزة وبسمةٌ صفـ.ـراء مرتسمة فوق شفتيه، وعيناه تملئها المكـ.ـر الشـ.ـديد، “فتـوح” يعلم ما يكمُن داخل تلك النظرات جيدًا، ابتـ.ـلع غُصَّته بخو’فٍ واضح ونظر إليه ليعلم أنَّهُ وأخيرًا قد سقـ.ـط في الحفـ.ـرة.
_____________________________
<“لم يكُن يومًا ذو الوجه البر’يء، إن د’هست على حـ.ـقٍ لهُ.”>
ضو’ضاء وأصوات ضحكات تنتشـ.ـر في المكان، إنَّهُ وقت الراحة؛ كان “رمـزي” يجلس في غرفة المُعلِّمين يقوم بتصحيح اختبارات طلابه، يجلس وحده بعيدًا عن الجميع مثلما أعتاد دومًا حتى يجتنب الغنيمة، يجلس بعيدًا وبرغم ذلك يستمع إلى همهمات تختر’ق أعر’اض الغائب، وهذا ما يجعله دومًا يمقـ.ـت جلستهم، أخرج زفرة عمـ.ـيقة وأستغفر ربُّه سـ.ـرًا وحاول صـ.ـب تركيزه فيما يفعله..
أخذ كراس لأحد الطلبة وبدأ يرى كيف قام هذا الطالب بحل هذا الإختبار، لحظات وجاوره شا’بٌ في نفس عُمره قائلًا:
_السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا قدوة.
ر’فع “رمـزي” نظره ونظر إليه مبتسم الوجه ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته يا أستاذ “تيَّام”، كُلّ دا تأخير مش قولت مش هتأخر ٥ دقايق وأكون عندك، بقالك ساعة.
أبتسم “تيَّام” وجاوبه بنبرةٍ هادئة يفسر إليه طبيعة ما حدث:
_ما بصراحة كدا، أنا أول ما خرجت مِن عندك روحت صليت العصر بعدين جاتلي مكالمة مِن البيت خدتلها رُبعاية كدا عُقبال ما الحمدلله ربك فرجها وأتحلت، بعدين جاتلي وَليَّة أمر تشتـ.ـكي مِن “غريب”، مستقصـ.ـد أبنها وعلى طول منقّـ.ـصه درجات كتير لدرجة إن أبو الولد دا أفتكر إن أبنه فاشـ.ـل والعيـ.ـب فيه، بس الولد اللهم بارك عليه بصراحة بس مِنُه لله “غريب” مصمم يحطه فدايرة الفشـ.ـل والولد را’فض إنَّهُ يبقى فاشـ.ـل، قولتلها تشتـ.ـكي للمدير وهو يتصرف معاه بمعرفته.
أخرج “رمـزي” زفرة عمـ.ـيقة وأستغفر ربُّه مجددًا وقال بنبرةٍ هادئة:
_”غريب” دا مفيش فايدة فيه، مبيتعـ.ـظش أبدًا يعني الأسبوع اللي فات برضوا ضر’ب بنـ.ـت بعـ.ـصايا خشـ.ـب ٣ مرات على إيد واحدة قال إيه بحِجة إنها مبتسمعش الكلام، واتبهـ.ـدل آخر بهـ.ـدلة، الإنسان مبيتعلمش مِن غـ.ـلطاته بجد ربنا يهديه.
لحظات وتم استدعائه مِن أحد الزملاء الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_”رمـزي” المدير طالب يشوفك فالمكتب دلوقتي.
نظر إليه “رمـزي” ثمّ نظر إلى “تيَّام” الذي أبتسم وقال:
_شكلك هتصحح للولد ولا إيه والمدير أختارك أنتَ، أصل أنتَ أكتر واحد فيهم هنا عنده ضمير.
أبتسم “رمـزي” ثمّ تحوّلت إلى ضحكات خفيفة، انتصـ.ـب واقفًا ومنحه ضر’بة خفيفة فوق كتفه ورحل تاركًا إياه ينظر إلى إثره، إتجه “رمـزي” إلى مكتب المدير بخطى هادئة حتى وصل وطرق فوق الباب بخفةٍ ثمّ ولج بهدوءه المعتاد قائلًا:
_السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رأى امرأة محـ.ـتشمة ويجاورها زوجها ويرافقهما طفلٌ صغير أقل ما يُقال عنهُ أنَّهُ مثالًا للجمال، ردوا عليه تحية السلام وجاء قول المدير:
_هطلب مِنك طلب بسيط يا أستاذ “رمـزي”.
نظر إليه “رمـزي” وقال بنبرةٍ هادئة مهذبة:
_أتفضل خير إن شاء الله.
مدّ المدير يَده بكراس إلى هذا الطفل وقال بنبرةٍ هادئة:
_دي كراسة “معتز”، فيها جميع إختبارات الشهور اللي فاتت لحد الشهر دا اللي أمتحنتوه للطلبة مِن يومين، عايزك تعيد تصحيحهم كُلّهم قدامنا عشان نعرف هل فعلًا مستر “غريب” مستقصـ.ـد “معتز” ولا “معتز” مش شاطر زي ما مستر “غريب” بيقول، ممكن؟.
لوهلة شَعَر “رمـزي” بالتو’تر، يخشى أن يُعيد تصحيح جميع الإختبارات أمامهم ويتضح أن زميله تعمّـ.ـد فعل ذلك ويلحق بهِ الضـ.ـرر، ولكن حينما تذكّر أيضًا مُعاملة الأب لطفله آ’لمه قلبه فإن كان الطفل بالحق متفوقًا في دراسته فسيكون ظـ.ـلمًا لهُ إن صمت عن شيءٍ كهذا، ولأنَّهُ دومًا يقف مع الحق وافق على طلب المدير وأخذ الكراس بالفعل وجلس أمام المدير وأمام الأم والأب وبدء بإعادة تصحيح جميع الإختبارات..
نظر المدير إلى الأب والأم وقال بنبرةٍ هادئة:
_الأستاذ “رمـزي إبراهيم” مِن أحسن المُدرسين عندي، يعني مفيش أي داعي للخو’ف ولو ثبت فعلًا إن الأستاذ “غريب” مستقصـ.ـد “معتز” أنا هتخذ الإجر’اء المناسب ضـ.ـده.
هزّ الأب رأسه برفقٍ ونظر إلى “رمـزي” الذي كان مندمجًا في تصحيح الإختبارات ولم يتحدث، بينما كان “معتز” يتابعه بعيناه وهو في صر’اعٍ عـ.ـنيفٍ بداخله، يُريد التحدث إليه ولكنهُ لا يستطيع وقد حاول فعل ذلك العديد مِن المرات ولكن جميعهم باءوا بالفشـ.ـل حتى أن “رمـزي” قد أنتبه لذلك..
وبعد مرور الوقت انتهى “رمـزي” مِن تعديل التصحيح، رفع رأسه ونظر إلى الأب والأم أولًا ثمّ إلى “معتز” الذي كان يتابعه بعيناه دون أن يتحدث، وفي الأخير نظر إلى المدير وأعطاه إياها قائلًا:
_مكُنتش بصراحة أتمنى إني أقول كدا أو أصحح ورا زميل، بس هو فالحقيقة “معتز” بسم الله ما شاء الله عليه المفروض يكون مقفِـ.ـل الإختبارات كُلّها، معرفش إيه الغاية إنَّهُ يعمل كدا يعني.
في هذه اللحظة تحدثت والدة “معتز” ترد على سؤاله قائلة:
_في الحقيقة هو قال لـ “معتز” كذا مرَّة إنَّهُ ياخد معاه درس، بس “معتز” مكانش حابب ياخد معاه عشان حصل موقف قبل كدا هو كان بيسأل الطلبة نفسهم يطلعوا إيه فالمستقبل وأول ما الدور جه على “معتز” قاله إنَّهُ عايز يطلع دكتور وساعتها قعد يتر’يق عليه هو والطلبة وضحكوا عليه ساعتها رجع معيّط ور’فض يروح المدرسة تاني حتى طلب مِني أنقله فصل حضرتك بس منفعش ساعتها، ومِن ساعتها هو مستقصـ.ـده.
أخرج “رمـزي” زفيرة عمـ.ـيقة وقال بنبرةٍ هادئة:
_لا حول ولا قوة إلا بالله، مش سبب يخليني أبتـ.ـز طفل صغير ولا أجبـ.ـره على حاجه هو مش عايزها.
تدخّل المدير في هذه اللحظة بقوله الهادئ:
_وعشان كدا يا أستاذ “رمـزي” جبتك عشان نحط حد للموضوع دا، أنا هستدعي مستر “غريب” وهاخد الإجر’اء اللازم معاه، وبطلب مِن “معتز” أنا موافق إنَّهُ يتنقل للفصل بتاعك، ولا عندك أعتر’اض؟.
نظر “رمـزي” إلى “معتز” في هذه اللحظة وقد أيقن أخيرًا ما كان يسـ.ـعى الصغير لقوله ولم يستطع، أبتسم لهُ ثمّ قال:
_هعتر’ض أزاي بس، “معتز” متفوق بسم الله ما شاء الله عليه وفصلي كُلّه طلبة متفوقين أزاي ميبقاش لُه مكان وسطهم، معنديش أي أعتر’اض هينورنا.
وكأن إثر الكلمات و’قع على قلبه كإناءً مِن العسل الحلو، غمرته الفرحة عندما تحقق حُلمه ولذلك اتسعت البسمةُ فوق شفتيه، نظر إلى والدته ولمعت عيناه بفرحة طفلٍ صغير تمت مكافئته، عاد ينظر إلى “رمـزي” مِن جديد ثمّ با’غت الجميع بتقدُمه مِنْهُ ومعانقته دون أن يتحدث، فقط مشاعره وقـ.ـلبه الصغير هما مَن حركانه..
تفاجئ الجميع وعلى رأسهم “رمـزي” الذي رأى محبة الصغير لهُ حتى دون أن يعلما بعضهما بشكلٍ جيد، ولكنهُ أبتسم وضمه إلى د’فء أحضانه ومسـ.ـح فوق ظهره ولثم رأسه بحنوٍ دون أن يتحدث، في هذه اللحظة تحدث والد “معتز” موجّهًا حديثه إلى زوجته قائلًا بنبرةٍ خافتة:
_”معتز” شكله حابب المُدرس دا أوي.
نظرت إلى صغيرها الذي كان يتحدث مع “رمـزي” ويخبره عن أحلامه بشغفٍ طفولي وقد أبتسمت حينما رأت حما’س صغيرها وشغفه لأحلامه عاد يتجدد مرَّةٍ أخرى بعد أن حطـ.ـم هذا الغريب آماله بالكامل، وقد أيقنت أن “رمـزي” سيكون د’افعًا كبيرًا لصغيرها لمواصلته وسـ.ـعيه لتحقيق أحلامه، كان دومًا رمزًا للتفاؤل.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)