روايات

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الرابع والثمانون 84 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الرابع والثمانون 84 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 البارت الرابع والثمانون

رواية أحببتها ولكن 7 الجزء الرابع والثمانون

أحببتها ولكن 7
أحببتها ولكن 7

رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة الرابعة والثمانون

مولايا قد نامت عيونٌ،
وعيون رحمتك لا تنامُ،
يغشى البريةَ جفوةٌ،
ويبيت وحدَك لا تنامُ،
سبحانك، اللهم إني سائلٌ،
أتراك ترحم من عصاك وجار؟،
إني دعوتك يا كريمُ تكرُّماً،
فاقبل دعائي يا مجيب دعاء.
_نصر الدين طوبار.
__________________________
مسكينًا يا مَن ظننت أن الأسد يمو’ت،
مسكينًا يا مَن ظننت أن الملك يسـ.ـقط ولا يعود،
مسكينًا يا مَن ظننت أن الضعيف دومًا مهزو’م،
مسكينًا يا مَن ظننت أن القوي سيضعف على المدى البعيد،
مسكينًا يا مَن ظننت أن الثأ’ر يصمت عن حقٍ مسلو’ب،
مسكينًا يا مَن ظننت أن اللُعبة لها طرفًا واحد مسيطـ.ـرًا،
مسكينًا يا مَن ظننت أنكَ المنتصر وأنتَ الخاسر الوحيد،
ستظل المسكين الذي ينخد’ع دون أن يشعُر، الذي يتلقى الغد’ر دون أن يدري، تلك كانت لُعبة الكبار وأنتَ مَن أردت خوضها، فلا تحزن، لأن نتيجتها ستكون لصالح مالكيها..
<“جاء اليوم الموعود، وتم دفع الثمن غا’ليًا.”>
هكذا كان طريق الشـ.ـر،
وهكذا كانت النتيجة النهائية بهِ، الخسارة الكبرى، لحظةٌ لم يكُن يتمناها قط، ولكن تلك كانت قوانين اللُعبة، وتلك كانت قوانين الحياة..
توّجه “شريـف” لوجهته الثالثة بخطى باردة بعد أن قرر أن يثأ’ر مِن الجميع واستعادة حقوق المساكين الذين تلقوا العذ’اب منذ عامٍ مضى وعجـ.ـز هو عن إنقا’ذهم، اليوم هو في حضرة هذا الفسا’د، يُحا’ربه حتى يزو’ل، وتعود الأرض تحيـ.ـا مِن جديد، المكان كان عبارة عن مخزن كبير، يضم بداخله عددًا مهولًا مِن الأطفال الصغار بأعمارٍ مختلفة..
كان يقف بالقربِ مِن هذا المخزن شامخًا، كفه يُعانق كف هذا الصغير الذي كان بعُمر السابعة يعيش طفولته البر’يئة بعينٍ وا’حدة بعد أن أفقـ.ـده هذا الو’حش عينُه اليُسرى بدون ر’حمة، عيناه الحا’دة تكاد ترشـ.ـق جدران هذا المخزن اللعـ.ـين، هذا المكان الذي هو جزءًا مِن الأرض، يُعذَ’ب بهِ آلآف الأرو’اح دون أن يعلم العالم عنهم شيئًا، يلقون مصير المو’ت ولكن كان المو’ت هُنا بطيئًا للغاية..
_هو أنتَ جبتنِ ليه هنا تانِ يا عمو “شريـف” أنا مبحبش المكان دا وبخا’ف أوي مِنُه، بفتكر اللِ حصلِ.
صوته طفولي وجميل، يُشبه معزوفة الناي التي تُطرب الأُذُن بنغماتها اللطيفة، نظر إليه “شريـف” في هذه اللحظة ومنحهُ بسمةٌ هادئة وجاوبه قائلًا:
_جبتك عشان تشوف حقك وهو بيرجعلك، أنا مقدرتش ألحـ.ـقك المرة اللِ فاتت وحاسس بالذ’نب مِن ناحيتك، بس المرة دي أنا قررت أرجعلك حقك وأخليك تشوفه وهو بيرجعلك عشان تكون راضِ ومرتاح، عايز تشوف حقك وهو بيرجعلك؟.
سكنت الفرحة قلبه وتوهجت عيناه بوميضٍ كسـ.ـر عتمة الليل في عيناه، وكأن الليلة هي ليلة العيد، قفز بفرحةٍ وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_آه طبعًا، أنا هكون مبسوط لمَ ألاقِ حقِ بيرجع، وهكون مبسوط أكتر عشان أنتَ اللِ هترجعهولِ.
شـ.ـقت البسمةُ ثَغْر “شريـف” حينما رأى سعادة هذا الصغير، انحنى بنصفه العلـ.ـوي حاملًا الصغير على ذراعه يُلثم خَدِّه الصغير بحنوٍ، عزم على الانتقا’م ولن يهدأ إلا حينما ينتـ.ـقم وتعود الحقوق لأصحابها، بينما في الداخل كانت صوت صر’خات الصغير ترن في المكان وهو يتلقى العذ’اب بلا ر’حمة مِن ر’جلٍ معد’وم الإنسانية يتلذذ بتعذ’يب الأطفال..
أما عن بقية الصغار فقد كانوا يقفون بعيدًا منكمـ.ـشون بأنفسهم تكاد أجسا’دهم الصغيرة تلتـ.ـصق بالحائط مِن شـ.ـدة خو’فهم، عَبراتهم تتسا’قط على صفحات وجوههم الصغيرة كالشلا’لات وهم يشاهدون رفيقهم يكاد يمو’ت بين يَدي هذا السا’دي الذي زاد مِن عنـ.ـفه..
_لسه زي ما أنتَ، معد’وم الرحمة والقلب.
كان صوته رحمة لهذا الصغير الذي كان ممددًا على الأرضية الصـ.ـلبة الباردة جسـ.ـده يد’مي ويرتجف بعنـ.ـفٍ وصوت أ’نينه يكاد يُسمع، آ’لمه قلبه حينما رأى حالة هذا الصغير، غلفت العَبرات مُقلتيه وأكتسـ.ـتهما الحُمـ.ـرة وتشنـ.ـجت عـ.ـضلات وجهه بغضبٍ كان واضحًا كأشعة الشمس..
_وجودك مش مُرحب بيه.
لحظات ونقل بصره إلى الآخر الذي كان يُطالعه بنفو’ر، أنزل “شريـف” الصغير على الأرض ثمّ استقام في وقفته وتقدم مِن الأخر بخطى هادئة قائلًا بنبرةٍ كانت تحمل الشـ.ـر والو’عيد:
_ولا أنا مرحب بيك بس أعمل إيه بقى، وحشتني قولت أجي أزورك وأعمل بأصلِ معاك، مع واحد معد’وم الأصل زيك.
وقف في مواجهته ينتظر ردًا على قوله جامدًا، ولكن لم يأخذ مِنْهُ سوى النظرات الساخرة والنفو’ر، كانا عدِّ’وان دومًا كيف سيكون اللقاء؟ أشار تجاه الصغير وهو يُحاول تما’لُك نفسُه قائلًا:
_دا منظر طفل صغير، غايتك إيه فإنك تخـ.ـطفهم مِن أهاليهم وتحر’ق قلوبهم عليهم وتقعد تعذ’ب فيهم لحد ما يمو’توا، دا أنتَ حتى كلمة سا’دي قليلة عليك وأتكسف أنسبها ليك.
_أنتَ جاي تديني درس فالقيم والأخلاق ولا إيه؟ غو’ر فد’اهية بدل ما أعملها معاك وأخليك عا’هة مستد’يمة ..!!
متبجـ.ـح وسـ.ـليط اللسان، مجر’د مِن الإنسانية والرحمة وكأن قلبُه فو’لاذي، ظن أنَّهُ سيرى الخو’ف والتهر’ب مِنْهُ، ولكن كانت المفاجأة عندما باغته “شريـف” وسـ.ـدد لهُ ضر’بة رأسية ومعها لكـ.ـمة عنـ.ـيفة يستقبلها وجهه، سـ.ـقط أرضًا متأ’وهًا ليبدأ “شريـف” يحوم حوله كالذ’ئب الجا’ئع الذي يُراقب فر’يسته منتظرًا اللحظة الحا’سمة، لمح بطرف عينه جسـ.ـد الصغير متكو’مًا وهذا جعله يأخذ هذا الحز’ام الجـ.ـلدي المـ.ـتين..
_هقولها تانِ يمكن عقول الحميـ.ـر دي تفهم، كُلّ ساقِ سيُسقى بما سقى … ولو بعد حين يا “عزيز”.
همس بكلماته الأخيرة متعمدًا بث الرُ’عب في قلبه، لحظة وبدأ يُسـ.ـقط الحز’ام على جسـ.ـده بلا رحمة يُذيقه نفس العذ’اب الذي أذاقه إلى هذا الصغير قبل مجيئه، برغم صر’خات الآخر العا’لية والتي لا تتوقف لم تُطـ.ـفأ نير’انه المـ.ـلتهبة بل زادت وكأن هذه الصر’خات هي البنز’ين الذي يُلـ.ـقى عليها فيزيد اشتعا’لها أكثر..
غضبٌ مكتو’م، وحـ.ـقدٌ مسمو’م تمـ.ـلّك مِن القلب وجعل صاحبه وجهًا آخر، لم يكتفِ مِن هذا التعذ’يب بل أراد إكمال ما جاء لأجله، أ’لقى الحز’ام أرضًا واستقام في وقفته وهو يلهث بعنـ.ـفٍ وصوت أنفاسه مسموعة وكأن الهواء قد استنفـ.ـز مِن حوله في هذه اللحظة، جاء بحق واحد ولكن مازال ينتظره الآخر، انحنى نحوه يقبـ.ـض بكفه على سترته التي كانت متسـ.ـخة بد’ماءه وأجبـ.ـره على الوقوف..
_فاكر مِن سنة ونص عملت إيه قدامِ؟ أنتَ مِن سنة ونص كتبت نها’يتك بإيدك يا “عزيز”، لمَ أتسـ.ـببت فعا’هة مستد’يمة لطفل مرحمتهوش وضـ.ـيعتله عينه، أظن دلوقتِ عرفت أنا هعمل فيك إيه مش كدا برضوا؟.
بروده د’ب الرُ’عب في قلب “عزيز” وجعل عقلُه يُصوِّر لهُ العديد مِن المشاهد المأ’ساوية لهُ على يَد هذا السـ.ـفاح الذي كان مجيئه إلى هُنا ليس شيئًا مفروغًا مِنْهُ، تسارع نبـ.ـضه داخل صدره وجـ.ـف حلقُه بعد أن رأى الوجه الأسو’أ مِن “شريـف” الذي بقلبٍ با’رد باغته وقام بضر’به بأ’داة حا’دة في عينه وأ’لقاه أرضًا تاركًا إياه يصر’خ عا’ليًا وينو’ح..
كان الصغير في حالة مِن الذهول بعد أن رأى حقه يعود بكُلّ سهولة مِن هذا البطل الذي أعاده اليوم إلى الحياة بعد أن استسـ.ـلم ور’فض البقاء بهذه الحالة الصـ.ـعبة التي تتآ’كله كُلّ يوم بلا رحمة:
_كدا أنا متراضِ عالآخر، حق طفلين غلابة رجع والباقِ هيرجعوا لأهلهم تانِ ومتفتكرش إنها خلصت لحد هنا يا “عزيز”، لسه مستنيك السجـ.ـن عشان ياخدك بالأحضان، أصلك وحشته أوي.
أختتم حديثه بسخريةٍ لا’ذعة وهو ينظر لهُ مُتهكمًا ثمّ تركه واقترب مِن هذا الصغير الذي أجتمعوا حوله الأطفال ليرى جسـ.ـده يد’مِ ويعتـ.ـليه علامات بنفـ.ـسجية كثيرة تُعبر عن نز’يفُه الداخلِ وتشو’يه رو’حه الطيبة، جلس القرفصاء أمامه متفحصًا إياه تحت نظرات الصغار المشفقة، ومِنها الحزينة..
_حقك رجعلك فساعتها، متخا’فش هتبقى كويس وهتقوم تانِ زي الفُل.
هذا ما أستطاع قوله إليه، فهو يعجـ.ـز أمام هيئته تلك عن التحدث فما رآه ليس سهلًا عليه، تركهم واقترب مِن الآخر الذي كان مبتسم الوجه والسعادة تظهر على تعبيرات وجهه الصغير، سأله “شريـف” بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_إيه رأيك يا معلم؟ مبسوط طبعًا.
_أنا طا’ير مِن الفرحة، شكرًا يا عمو “شريـف” أنتَ بجد فرحتني أوي.
سعادته هي مَن كانت تقوده في تلك اللحظات، عانقه الصغير بسعادةٍ طا’غية ممتنًا لهُ على تلك اللحظة التي لم يكُن يتخيّل أنها ستأتِ لهُ بهذه السرعة وتُربت على قلبٍ دا’مِ لا يستطيع التعا’يش مع هذا العالم القا’سِ، وبعد مرور القليل مِن الوقت كانت رحلته تنتقل إلى مكانٍ آخر، فتلك كانت أشبه بمملكة متسلسلة مرتبطة ببعضها وكأنها يَدٌ واحدة..
هذا المخزن، أو الهلا’ك بمعنى أدق، والذي يجمع جر’يمتين معًا كُلّ واحدةٍ مِنهما لها عذ’ابها الخاص، فئة تقوم بتجارب أدوية مسمو’مة على البشر، والأخرى تقوم بالإتجا’ر في الفتيا’ت الصغيرات لأعمالٍ مشبو’هة، ومَن تر’فض يكون مصيـ.ـرها المو’ت في الحال بتلك الأدوية المسمو’مة، كان “شريـف” يقف خلف الجدار ينظر لهم نظرة قا’تلة تتو’عد بالهلا’ك والجحيـ.ـم لهم..
بينما كان هو يقف أمام الفتا’ة بعد أن ر’فضت الذهاب لأي مكان ووقفت تتحد’اهم حتى تحـ.ـمي نفسها وشـ.ـرفها، يُحاول إعطاءها هذا السُـ.ـم القا’تل بأيا طريقة بعد أن عا’رضته وبدأت تقا’ومه وتر’فض شُربه..
_أخلصِ يا رو’ح أمّك أنا مش فاضيلك عندي مصالح أهم مِنك، مش ر’فضتِ تروحِ مع الخواجة يبقى حلّك التانِ المو’ت.
نبرته قا’سية ونظرته أشـ.ـد قسو’ة، وكأن الرحمة تجر’دت مِن قلوبهم وأصبحت غا’بة بلا قوانين تحـ.ـكمها، قبـ.ـضته فو’لاذية على وجهها، يكاد فـ.ـكها ينكـ.ـسر بسببها، عَبراتها تسـ.ـقط على صفحة وجهها وهي تصا’رع للبقاء حيـ.ـة أمام هذا الذ’ئب المفتر’س، كانت هذه هي لحظته، حان وقت تدخُله الآن لتلقينه إليهم درسًا قا’سيًا في الحياة، جذ’به بعـ.ـنفٍ بَلَـ.ـغَ أشُـ.ـده إلى الخلف مسـ.ـقطًا إياه فوق الأرض الصـ.ـلبة الا’سمنتية..
عادت الفتا’ة إلى الخلف وهي تأخذ أنفاسها الها’ربة وتنظر بعينان باكيتان إلى “شريـف” الذي كان كالثو’ر الها’ئج في هذه اللحظة، أخرج مُد’يته بحركةٍ خا’طفة مِن جيب بِنطاله وفتحها بحركةٍ سريعة وهو ينظر لهُ بعينان تنطـ.ـقان بالشـ.ـر والو’عيد..
_هنخلصها بما يُرضي الله، ولا أخّلـ.ـص أنا عليك بما يُرضي الله؟.
و’حشه الذي كانوا يظنوه يومًا لا وجود لهُ حضر في هذه اللحظة لا ينتوي على الخير معهم، أخرج الزجا’جة الصغيرة مِن جيب سترته ببطءٍ وهو ينظر إليه بوجهٍ مبتسم، أشهرها أمام عيناه قائلًا بنبرةٍ قا’تلة:
_مش دي برضوا نفس إزازة السـ.ـم الها’ري اللِ بتديه للعيال والبنا’ت دي على إنُه دوا مُر’خص مِن الصحة وبيعالج مِن أول مرَّة، طب ما تيجي نجرّب مع بعض الدوا دا اللِ جبته أول إمبارح عليك ونشوف الحوار هيرسى على إيه مع بعض.
جحظت عينان الآخر بهـ.ـلعٍ بائن بعد أن أخبره “شريـف” ما ينتوي عليه، ظهرت بسمةٌ ما’كرة على ثَغْره بعد أن رأى حالة الهلـ.ـع الذي تلبَّـ.ـسه وحاول الهر’ب مِن حصا’ره، كلما حاول الهر’ب كان حصا’ر “شريـف” يمتد معهُ يمنـ.ـع عنهُ طرق الهر’وب، ليصبح في منتصف الدائرة لا يعلم كيف يسهرُ’ب مثلما أعتاد دومًا..
فتح “شريـف” الزجاجة واقترب مِنْهُ بخطى هادئة وعيناه تنـ.ـطقان بالشـ.ـر، ز’حف الآخر بظهره إلى الخلف وهو ينظر لهُ بهـ.ـلعٍ بعد أن عَلِمَ مصيـ.ـره في هذه اللحظة، فصـ.ـل “شريـف” المسافة بينهما في لحظة وهو يقبـ.ـض على فـ.ـكه بعنـ.ـفٍ تزامنًا مع همسه القا’تل:
_مش عيب عليك لمَ تبقى بشنبك دا ومتعرفش حاجة عن الرجو’لة، بنـ.ـت زي دي ذ’نبها إيه تبقى ضـ.ـحية لأمثالك، وعشان تعا’قب تعا’قب بالدوا دا؟ الدوا المسـ.ـمم اللِ بيغـ.ـلي فالبطـ.ـن وياكل فالجسـ.ـم مِن جوّه، بس زي ما عملت وقولت لزمايلك مش هبخل عليك أنتَ كمان، كُلّ ساقِ سيُسقى بما سقى ولو بعد حين، بالشفا يا ***.
قاو’مه الآخر ور’فض الاستسلا’م لهُ ولكن أبى “شريـف” تركه ولذلك استعان بمُد’يته التي في لحظة كانت مستقرة في فخـ.ـذه ولذلك أجبـ.ـره على الصر’اخ، أفر’غ الزجا’جة بداخل فمه وشـ.ـدد مِن قبـ.ـضته على فـ.ـكه وهو يقول بنبرةٍ حا’دة:
_أبـ.ـلع يالا، أبـ.ـلع يا رو’ح أمّك دي نها’يتك، مش أخترت الـ***** أهي دي أخرتها.
أبتـ.ـلع الآخر ر’غمًا عنه ما في فمه ليشعُر بترا’خِ قبـ.ـضة “شريـف” عن فـ.ـكه الذي شُـ.ـل عن الحركة، نهض هو واقفًا وهو ينظر لهُ مبتسمًا بسخرية لا’ذعة يراه يُصا’رع المو’ت على أرضية المكان الصـ.ـلبة، هندم سترته وشـ.ـد عو’ده وهو يُتابعه يصا’رع المو’ت مثلما كانت الفتا’ة قبل عامٍ ونصف..
_أنا كدا مرتاح ومَرضي عالآخر، اللِ جيت عشانه تم خلاص.
هكذا أخبر نفسُه بعد أن أتمم مها’مه ثمّ تحرّك مِن المكان قبل أن يصل أحدًا ويراه، مثلما جاء متخفيًا، رحل متخـ.ـفيًا وكأنه لم يفعل شيئًا قبل قليل مِمَّ جعله سعيدًا، شاعرًا بالرضا عن نفسُه.
___________________________
<“سعيٌ آخر ورحلة أخرى لتحقيق العدالة.”>
في قسم الشرطة – غرفة التحقيقا’ت،
كان الجَو متو’ترًا، والقلوب تحتر’ق، والأعين تشتعـ.ـل غضـ.ـبًا، كانوا ثمانيتهم في الغرفة ووجوههم تحمل الإر’هاق ونظرات الحز’ن على عزيزٍ في صر’اعٍ بين الحياة والمو’ت، ينظرون إليهم وهم في صر’اعٍ مع أنفسهم لكـ.ـبح غـ.ـضبهم الذي كان كالو’حش الغا’ضب الذي يسعى لكسـ.ـر حوا’جزه والانقضا’ض عليهم، يجلسون بجانب بعضهم مكبّـ.ـلين بالاصفا’د، بعضهم ينزُنف، وبعضهم يتظاهر بالبرود ولكن لم يستطيعوا إخفاء الخو’ف عنهم..
أخرج “علي” زفرة عميـ.ـقة وتحدث بصوتٍ خـ.ـشن وهو ير’ميهم بنظراته القا’تلة:
_كنتم فاكرين إيه؟ كنتم فاكرين نفسكم شاطرين لمَ تضر’بوا نا’ر على “حُـذيفة” ومِن ضهره، فاكرين إن رصا’صة جبا’نة مِن سلا’حكم هتو’قعه وتقـ.ـضي عليه زي ما بتحلموا؟ بس لا بقى معلش إحنا نشـ.ـد خط عريض ونحط أمل تانِ بتتمنوا ميحصلش، هيقوم وعهد بينِ وبينكم ما هتخرجوا مِنها، مش مشيتوا ورا كلام سي الباشا “جمال”، يبقى مترجعوش تعيطوا فالآخر.
طرق “أحمـد” بعـ.ـنفٍ فوق سطح الطاولة يكسـ.ـر حِدَّ’ة تلك الأجواء، كانت نظراته مسمو’مة بالغضـ.ـب، قلبه يحتر’ق على صديقه الذي يرقد بين الحياة والمو’ت في المشفى، خرج صوته حا’دًا بقوله:
_مش هتعدي، حق “حُـذيفة” مش هيروح أوعوا تفكروا فالاحتمال دا مهما حصل عشان مش هيحصل، ولا حق “ليل” اللِ قدامكم دا، وبالمناسبة دا الفرق اللِ بينا وبينكم، فمتحاولوش تبرروا أفعالكم عشان هي خلاص أتقفـ.ـلت على تجميعتنا الحلوة دي فالأوضة دي.
لحظة، وضحك رئيسهم بسخرية حينما أستمع إلى حديثه الذي كان فارغًا مِن منظوره، نظر لهُ بابتسامة مستفـ.ـزة وجاوبه بقوله:
_وأنتَ فاكر إنكم أول ناس نحطهم تحت التُر’اب؟ “حُـذيفة” مش الأول، ولا هيكون الأخير ..!!
إنقـ.ـض “علي” عليه بعد أن استطاع إشعا’ل غضـ.ـبه بسهولة لير’دعه سريعًا “مينـا” الذي أبعده مجددًا، كان يُحاول لجـ.ـم غضـ.ـبه ولكنه الآن يكاد يتما’لك نفسُه، تدخل “أحمـد” يقول بنبرةٍ حا’دة:
_لو القانون مكنش هياخد حقنا، كُنت وريتك إزاي الد’م بيرُد بالد’م.
تحدث “علي” متو’عدًا مشهرًا بسبابته أمام وجهه وهو يقول بنبرةٍ قا’سية:
_القانون هيجيب حق “حُـذيفة” وحق كُلّ اللِ أذ’يتوهم، وصدقني، السجـ.ـن هيبقى أرحم ليكم مِن اللِ كنتوا هتشوفوه لو كانت المسألة شخصية.
كانت الضر’بة قد أصا’بت هدفها هذه المرة حينما بدأ الخو’ف يتسـ.ـلل إلى قلوبهم، كانت نظرتهم تكفي لإحر’اقهم مكانهم، تحدث “حسـام” هذه المرة وهو يوجّه حديثه إلى العساكر بقوله الصا’رم:
_خدوهم عالحجـ.ـز، وبُكرة الصبح أول جلسة تحقيق، بس أحب أطمنكم … إحنا اللِ ماسكين القضـ.ـية، وهنفضل وراكم لحد ما تاخدوا جز’اءكم كامل.
نظراتهم كانت متو’عدة، تُقسم على السعي وراءهم حتى أن ينا’لوا مِنهم جميعًا ويعودون بحقوقهم كاملة مِن أفو’اههم، قلوبهم لا تعرف الر’حمة في مواجهة الظلـ.ـم والفسا’د، وفي الخلفية يُجرّ’د أفراد العصا’بة واحدًا تلو الآخر نحو مصيـ.ـرهم المحتو’م بين أربعة جُدران حتى تُستكمل التحقيقات ويتم معا’قبتهم، صر’خت قلوبهم بقسمٍ صامت، قسمًا سيكون كالعهد بينهم لن يرتاحوا حتى يُحققون العدالة، ليس فقط لـ “حُـذيفة” بل لكُلّ رو’حٌ بر’يئة جاهـ.ـدت في الأرض لحما’ية تُر’ابها حتى نا’لت الشهادة..
بممر الز’نازين،
كانوا يسيرون بخطى مثقـ.ـلة في الممر، ولكن كانت أنفاسهم كجمـ.ـرة النا’ر الملتـ.ـهبة، صوت صر’خات المسا’جين تصدح في الأروقة في الخلفية متجا’هلين صرا’خهم عمـ.ـدًا، وخلفهم كانت أفراد العصا’بة تُجـ.ـرّ مكبّـ.ـلين بالاصفا’د وقد بدأ غرورهم يتبدد ويسكُن الخو’ف والقـ.ـلق قلوبهم، كسـ.ـر حِدَّ’ة هذا الصمت القا’تل صوت “علي” الذي كان صا’رمًا بقوله:
_أر’ميهم فزنز’انة لوحدهم بعيد عن باقي المسا’جين اللِ هنا، لحد ما نشوف أخرتها إيه مع أبوهم الليلة دي عشان شكلنا هنطوّل فالقعدة الحلوة دي معاهم كتير، مش عايز مشا’كل، ومتحلموش إنكم هتعرفوا تهر’بوا عشان صـ.ـعبة أوي، ولا حابب أسمع نَفَس زيادة زيكم زي الحيطة، لا أسمع لا أرى لا أتحدث.
وقفوا بجوار بعضهم يُر’اقبوهم بأعينهم وهم يدخلون داخل الزنزا’نة الحد’يدية واحدًا تلو الآخر حتى وَلَجَ آخر فرد بهم وأُغـ.ـلق الباب خلفه مِن قِبل العسكري، را’قبهم “أحمـد” بعيناه السو’د’اء التي كانت تُنا’فس د’كونة قلبه في هذه اللحظة، تحدث “علي” بنبرةٍ حا’دة وهو ينظر إليهم قائلًا:
_هنستحمل بعض عالهداوة كدا ومِن غير شوشرة وكلام كتير لحد ما نشوف أخرتها إيه، هتفضلوا هنا لحد ما تتحا’كموا، وصدقوني دي مش النهاية، دي البداية.
أبتسم ز’عيمهم بسمةٌ ساخرة بزاوية فمه والذي يُدعى “رشاد” لينظر لهُ رافعًا يَديه المكبّـ.ـلتين بوجهه را’فعًا كتفيه قليلًا وهو يستفـ.ـزه بقوله:
_إحنا مش أول ناس تدخل السجـ.ـن، بس مين قال إننا هنفضل فيه ..!!
ومرة أخرى أستطاع أستفـ.ـزاز “علي” الذي قطـ.ـع المسافة الفا’صلة بينهما بخطوتين كانتا كسرعة البر’ق ماددًا يَديه جا’ذبًا إياه مِن سترته بعـ.ـنفٍ حتى كاد جسـ.ـده يلتصـ.ـق بالقضبا’ن الحد’يدية صا’رخًا بوجهه كانفجا’ر البركان في لحظة هدوء وصفاء:
_أنتَ فاكر نفسك مين يا رو’ح أمّك؟ أنتَ فاكر إن حق “حُـذيفة” هيضـ.ـيع وهو لحد دلوقتي لسه بيصا’رع، ولا “ليل” اللِ كان هيروح فيها لولا ستر ربنا عليه ساعتها وعد’م نجاح مخـ.ـططكم الشيطا’ني لقتـ.ـل “ليل” وكُلّ دا ليه … عشان ربنا كبير ومش هيخلّي أمثالكم ينتصـ.ـروا علينا إحنا، الأرض دي ملكنا إحنا بقالنا سنين بند’افع عنها مش هييجوا حبة أشكال زيكم ياخدوها كدا ويملوها فسا’د.
تدخل “مينـا” مجددًا يُبعد رفيقه عنهُ وهو لا يقل شيئًا عنهُ ولكنه يعلم جيدًا إيلاما يسعو’ن ولذلك لا يُريد أن يُحقق رفيقه غايتهم، ولذلك تحدث بنبرةٍ هادئة وقال:
_”علي”، أهدى … إحنا هنا عشان نحقق العدالة، مش عشان نخلّيهم يحسّوا إنهم انتصـ.ـروا.
تحدث “عـزام” هذه المرة بنبرةٍ هادئة وبسمةٌ باردة ترتسم على ثَغْره قائلًا:
_عجباني شجا’عتكم اللِ أنا و’اثق إنها ملهاش وجود أصلًا بس بتكا’بروا عالفاضي، عمومًا عندكم ٤ حيطان أحلى مِن بعض ممكن تختار أي حيطة وتر’زع د’ماغك فيها وترتاح وتريحنا مِنك، بس المكا’برة دي صدقني مش فصالحكم خالص … أنتم دلوقتي المفروض تكونوا بتدعوا.
تقدَّم “ليل” هذه المرة بعد أن قرر كسـ.ـر هذا الصمت الذي يُلا’زمه منذ وقتٍ طويل يقف أمامه مباشرةً ينظر لهُ نظرةٍ باردة قائلًا بنبرةٍ حَمَـ.ـلَت الو’عيد في ثناياها:
_الفرق بينا وبينكوا إننا مش بناخد حقنا بالقذا’رة اللِ أنتوا بتستخدموها، بس صدقني العدالة هتوصلكم حتى لو هر’بتوا للأرض.
تركوهم بعدها وتحركوا جميعًا نحو الخارج حيث الممر الطويل الذي يحتوي على ز’نازين لا حصر لها، ولكن قبل أن يبتعدوا تمامًا أتاهم صوت “رشاد” الذي قال بنبرةٍ تملؤها الحـ.ـقد والكر’اهية:
_القـ.ـضية لسه مخلصتش، ولسه في جولة تانية، مش كده يا باشا؟.
توقف “علي” وألتفت لهُ ير’ميه نظرةٍ باردة مجيبًا إياه قائلًا:
_لأ، أنتهت، وأنتَ مش هتشوف شمس الحُـ.ـرية تاني.
أنهى حديثه ثمّ ضر’ب باب الز’نزانة بقبـ.ـضته بعـ.ـنفٍ أر’تج الحد’يد على إثره، أستدار ورحل بخطى واسعة وقد ألتحـ.ـقوا بقيتهم بهِ، تاركين هذه العصا’بة خلفهم في الز’نزانة يُحدّثون في بعضهم البعض بوجوه متو’ترة لأول مرَّة، وكأنهم يُدركون أن اللُعبة بدأت تخرج عن سيطـ.ـرتهم.
في المستشفى – أمام غرفة العناية،
كانت تقف أمام النافذة الزجا’جية الكبيرة تنظر لهُ مِن خلالها بعنيان تلمعان بسائلها الشفا’ف الذي كَوَن طبقة عا’زلة على مُقلتيها، كانت تُجاهـ.ـد نفسها طيلة الوقت كي لا تنخر’ط في وصلة بُكاءٍ لا تعلم إلى متى سيستمر معها، ترى جسـ.ـده الراقد على الفراش باستسلا’مٍ تام والأجهزة الحيو’ية موصولة بجسـ.ـده، وجهاز التنفـ.ـس الصناعي يُعانق وجهه، أنفاسه كانت مثـ.ـقلة وكأن الهواء برغم تكا’ثره كان كالعب’ء على صدره..
نظرت إلى كفه الأيسر لترى الإ’برة مغر’وزةً بهِ وجهازٌ صغير يُعانق سبابته، كلما تذكّرت حديث الطبيب يزداد خو’فها وأ’لم قلبها أكثر تجاه مصيرٍ يُنذ’رها باحتمالية عدم النجا’ة:
_إحنا عندنا شـ.ـك بسيط إن الرصا’صة ممكن تكون لامست النخا’ع العـ.ـظمي، موضعها صـ.ـعب أوي واللِ ضا’ربه بيها عارف كويس أوي إن المكان دا خطـ.ـير ويمكن يعجـ.ـز بني آدم فلحظة طول العُمر، عشان نقـ.ـطع الشـ.ـك باليقين هنستناه لمَ يفوق، هو حاليًا فغيبو’بة مؤقتة أول ما يصحى هنعرف مِنُه هو حاسس بجسـ.ـمه وقادر يحركه ولا لا وبعدها هنتطمن كلنا، أنا كُنت صريح معاكم مِن الأول وقولتلكم مكانها صـ.ـعب ودا خلّانا نطول معاه حرصًا على سلامته، أدعوله الكام ساعة الجايين دول، الدعاء مفتاح الفرج.
لم تستطع التما’سُك أكثر مِن ذلك، أعلنت استسلا’مها وسمحت للخو’ف بالسيطـ.ـرة عليها، تسا’قطت عَبراتها على صفحة وجهها باكية فهي ليست مستعدة لخوض هذه المعركة مجددًا وهو بالتأكيد لن يستطيع هذه المرة تقبُل الأمر مثلما فعل في الماضي، ليس هـ.ـينًا عليها رؤيته عا’جزًا أمامها لا يقدر على الحرا’ك، اسندت رأسها إلى النافذة الزجا’جية وتركت اليأ’س والقلـ.ـق يتلـ.ـبسانها..
شَعَرت بكفٍ يُربّت على ذراعها برفقٍ وصوتٍ دا’فئ تغلغـ.ـل بين تلك المشاعر السـ.ـلبية كالعقار الذي يتغلغـ.ـل بالمر’ض كي يقـ.ـضِ عليه:
_أنا عارف إنك خا’يفة عليه ومش هلو’مك، عيطِ زي ما أنتِ عايزة عشان ترتاحِ شوية.
رفعت رأسها برفقٍ وألتفتت تنظر لهُ بوجهٍ باكِ تراه أمامها قد حضر حتى يكون الساند والداعم والطمأنينة لها، ضمها إلى د’فء أحضانه يمسح بكفه على طول ذراعها بحنوٍ دون أن يتحدث، بينما وضعت هي رأسها على صدره باستسلا’مٍ تام مغمضة الأعين، نظر “زين” إلى زوج شقيقته وابن عمُّه الذي كان طر’يح فراشه لا يعلم حتى الآن ما هو مصيره..
وبعد مرور القليل مِن الوقت،
حضروا جميعهم للاطمئنان على رفيقهم الحبيب، كان “ليل” يجلس فوق المقعد المعد’ني ويجاوره كُلًّا مِن “حسـام” و “مينـا” وبقيتهم يقفون أمام النافذة يُرا’قبون رفيقهم الغا’ئب عن عالمهم، تحدث “ليل” بعد أن قرر كسـ.ـر هذا الصمت بقوله الحزين:
_مش قادر أشوفه كده، “حُـذيفة” طول عُمره أقوى من كده.
نظر لهُ “حسـام” ليرى الحزن يسكُن رفيقه فهو أكثرهم علمًا بمدى قُربهما ببعضهما، أخذ نفسًا عميقًا ثمّ مد كفه مربتًا على كف الآخر، نظرته كانت حا’زمة لكنها تحمل حزنًا دفينًا، وكانت نبرته أكثر حزنًا حينما قال:
_هيقوم، لازم يقوم لأنه أقوى منهم، وأقوى مِن أي رصا’صة جبا’نة.
جاوبه “عـزّام” بنبرةٍ هادئة ساخرًا مِن معتقداتهم الفارغة:
_فاكرين نفسهم كدا جامدين ومفيش مِنهم ٢ عالمجرة كُلّها، حاجة تحزن واللهِ.
دام الصمت بينهم هُنَيْهة، وكُلّ واحدٍ مِنهم يسـ.ـبح في أفكاره، كانت الضر’بة قو’ية ومباغتة، ولكنها لن تجعلهم يستسلـ.ـمون أبدًا بل ستزُيد مِن رو’ح العزيمة والإصر’ار بداخلهم، قطـ.ـع هذا الصمت صوت “أحمـد” الذي قال بنبرةٍ هادئة تلك المرة:
_مش هنخليهم يفرحوا، ولا يحسّوا إنهم أنتصـ.ـروا علينا، ولا هيدوقوا طعم الراحة مِن الليلة دي، عشان إحنا المرة دي إدا’سلنا على طرفين مش طرف واحد.
وكأنه يُجبـ.ـرهم وليس يُخيرهم بما قرر فعله، وهكذا كان الأمر بالفعل، هذه المرة ستكون إجبا’رية، هذه المرة ستكون مسألة حياة أو مو’ت فإن تهاو’نوا مِن قبل، فهذه المرة ستكون الرد بها أقوى بكثير، هزّوا رؤوسهم بالموافقة، بينما يثبتون أعينهم على غرفة “حُـذيفة”، وكأنهم يُرسلون لهُ وعدًا صامتًا … فلن ينتهي هذا الأمر حتى تتحقق العدالة.
_________________________
<“أصا’به الحزن بُغتةً، وتُرِكَ وحيدًا معهُ.”>
منذ أن تلقى هذا الخبر السـ.ـيء وهو ليس بخير،
وكأنه هو الذي يُصا’رع المو’ت وليس أخيه، أنزوى عن الجميع في المخيم وجلس وحيدًا يُحاول استيعاب ما حدث وما آل بأخيه حتى هذه اللحظة، العَبرات سـ.ـجينة عينيه تأبى النز’ول حتى أصا’بتها بالحُمـ.ـرة، أنفاسه مـ.ـثقلة وكأن الهواء أصبح عـ.ـبئًا على صدره، يقبـ.ـض على كفه بعـ.ـنفٍ منذ قرابة العشرون دقيقة حتى أبيَّـ.ـض كفه وأنسـ.ـحبت الد’ماء..
كانا كُلًّا مِن “وهيـب” و “مُـهاب” يقفان على عتبة تلك الخيمة الكبيرة يرانه منزويًا بنفسُه منذ قرابة الساعتين، أ’لمتهما قلوبهم عليه ولذلك أقتربا مِنْهُ بخطى هادئة حتى جاورانه بكُلّ هدوء، جلس “وهيـب” أمامه ومعهُ “مـهاب” الذي قرر كسـ.ـر هذا الصمت بقوله الهادئ:
_”يزيـد” أنتَ كويس.؟
كان الجواب هو الصمت التام، لم يتغيّر شيئًا بسؤاله، حاول معهُ مجددًا واضعًا كفه على رُكبته قائلًا:
_أنا عارف أنتَ حاسس بإيه دلوقتي ومحدش هيقدر يلومك ولا يعتب عليك عشان دا حقك ودا أخوك وشيء طبيعِ تزعل عليه وتخا’ف، بس لازم تتكلم معانا، أنتَ حا’بس نفسك عننا بقالك ساعتين ودا مش صح صدقني، أتكلم معانا قول أي حاجة، ز’عق واتعـ.ـصب وانفعـ.ـل محدش هيلومك، بس الكتما’ن دا و’حش يا صاحبِ ومش حاجة سهلة، قولنا طيب هو إيه اللِ حصله لحد دلوقتي إحنا منعرفش حاجة وحالتك دي بتقول إنها حاجة مش سهلة، طمنا طيب.
لا بأس في المحاولة مرَّة واثنتين وثلاثة، فهو لن ييأ’س حتى يجعله يخرج مِن تلك الحالة القا’سية التي تَلَبَـ.ـسْتهُ دون سابق إنذ’ار:
_أتكلم يا “يزيـد” وقول كُلّ اللِ جواك أنا عارف إنك مش فأحسن حالاتك دلوقتي بس الكلام أكيد هيريحك شوية، إحنا سامعينك.
حاول “وهيـب” الضـ.ـغط عليه حتى يتحدث ويُخبرهم بما آل بهذا المسكين، فحالته ليست بمطمئنة بالنسبةِ إليهم ولذلك هذا كان الحل الأمثل في منظورهما، سـ.ـقطت عَبرات “يزيـد” على صفحة وجهه كالشلا’لات المنهمـ.ـرة التي لا تتوقف طيلة الوقت وتسارعت وتيرة أنفاسه بشكلٍ ملحوظ وكأنه يُصا’رع نفسُه في الداخل..
نظر “مُـهاب” إلى قبـ.ـضته التي كانت تشتـ.ـد بعـ.ـنفٍ أكثر ليَمُد كفه ممسكًا بهِ ثمّ نظر إليه بعد أن عَلِمَ تلك الحالة التي تُسيطـ.ـر على رفيقه الآن، فكانت تلك الحالة ترافقه دومًا ويعلم كيف يتعامل معها ويُسيطـ.ـر عليها، ولذلك قال بنبرةٍ هادئة:
_أرخي إيدك يا “يزيـد”، كدا غـ.ـلط مينفعش تعمل كدا مش فصالحك، أرخي إيدك يا صاحبِ عشان الد’م يرُد تانِ.
رد “يزيـد” في المقابل يفصح عن ما في جعبته بعد أن فقـ.ـد السيطـ.ـرة على نفسُه وقرر قول ما يُريد، كانت نبرته مذ’بذبة، بين صر’اعين مختلفين، أحدهما عا’جزًا، والآخر متأ’لمًا، وهو بين الصوتين كان تا’ئهًا:
_أخويا بيضـ.ـيع وأنا عا’جز، عا’جز ومش قادر أعمل حاجة، ولا كُنت جنبه ساعتها، ولا عارف هو هيخلص مِن كُلّ دا أمتى، مكانش فد’ماغِ حاجة زي دي هتحصل وقولت خلاص خلصت، بس الظاهر مخلصتش ومش هتهدى غير لمَ تخلّـ.ـص علينا كُلّنا.
نظرا الرفيقين إلى بعضها قليلًا ثمّ نظرا لهُ مجددًا وقال “وهيـب” هذه المرة بنبرةٍ هادئة يسأله عن حالة أخيه:
_طب طمني هو إيه اللِ حصله بالظبط.؟
جاوبه “يزيـد” تا’ئهًا بعد أن فقـ.ـد قدرته على الصمود أكثر مِن ذلك وترا’خت قبـ.ـضة يَده أسفل ناظريهما:
_خدوه على خوا’نة وضر’بوه بالنا’ر فضهره، وابن عمّي خرج عشان يلـ.ـحقه أضر’ب هو كمان طلـ.ـقة فكتفه، كانت مقصودة بمو’تهم، والدكتور قالهم ميقدرش يطمنهم عشان مكان الرصا’صة خطـ.ـر، وهو قالِ هطمنك وهبعت خبر للقائد ولحد دلوقتي مفيش أي جديد وأنا همو’ت مِن الخو’ف عليه.
والآن عَلِمَ الأمر بشكلٍ أكثر وضوحًا ولذلك نظرا لهُ واقتربا مِنْهُ يضمانه معًا في محاولةٍ مِنهما لمدا’واة جرو’حه وطمئنة قلبه المر’تعد على أخيه، تحدث “وهيـب” بنبرةٍ هادئة وهو يُربّت برفقٍ على صدره قائلًا:
_متخا’فش هيقوم وهيبقى زي الفُل، مش رصا’صة جبا’نة هترقده فالسرير على طول، هو قدها وإن شاء الله يفوق وتسمع صوته وهو بيطمنك عليه، أخوك قوي يا “يزيـد” صدقني وقد أي حاجة.
وافقه “مُـهاب” القول وأضاف على حديثه بقوله:
_”وهيـب” كلامه كُلّه صح ولازم تهدى شوية وتسند طولك عشان لو هو وقف تانِ مراته تلاقي أخوه والعكس، أنا متعشم فربنا خير إنُه هيقوم ويبقى زي الفُل ولا كأن حصله حاجة.
بكلماتٍ بسيطة تُسعد المرء وتُطمئن القلب قليلًا، عناقٍ دا’فء يُريح القلب وتسكُن لهُ الرو’ح، وهذا ما وجده “يزيـد” مع رفيقيه الآن اللذان حاولا طمئنته ولو قليلًا، مضى القليل مِن الوقت ليأتي قائدهم يقف على عتبة الخيمة يجذ’ب أنتباههم بقوله:
_أنتباه يا حضرات.
نهضوا ثلاثتهم بعد أن وصلهم صوته ورأوه يقف على عتبة الخيمة ينظر لهم بجدية، أدوا التحية وألتزموا الصمت، نظر القائد إلى “يزيـد” الذي جـ.ـفف عَبراته بكفيه عن صفحة وجهه وهو يعتذر مِنْهُ بقوله:
_آسف يا فندم لو تغـ.ـيبت فجأة بدون إذن مِن سعتك، غصـ.ـب عني.
أخرج القائد زفيرة عميقة وجاوبه بنبرةٍ هادئة:
_أنا متفهم الوضع اللِ بتمُر بيه يا “يزيـد”، وعارف إن الخبر مش سهل عليك وعارف إن علا’قتك بأخوك قوية، أنا عارف كُلّ حاجة عنك وعن أخوك وعارف الظرف اللِ بيمُر بيه سيادة اللو’ا، الوضع مش سهل و “حُـذيفة” أنا بعتبره أبني أنا برضوا أب وبخا’ف على ولادي، أنا تواصلت شخصيًا بالعقيد “عبدالله” عشان دا واجب عليا و “عبدالله” صديق عزيز عليا، قولت أجي أطمنك شوية خصوصًا إن دا كان طلب شخصي مِن والدك.
أستطاع جذ’ب أنتباهه بكُلّ سهولة بكلماته البسيطة، رأى التركيز عليه مِنْهُ ينتظر سماع ما سيقوله عن أخيه بفراغ الصبر فهذه اللحظة ستكون كطو’ق النجا’ة بالنسبةِ إليه، أخذ الضابط نفسًا عميقًا ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_أخوك خرج مِن العمـ.ـليات مِن نُصْ ساعة تقريبًا، هو حاليًا محطوط فالعناية المركزة بس هو فغيبو’بة دلوقتي، غيبو’بة مؤقتة وطبيعية متستدعيش القلـ.ـق بس الدكتور قالهم ميقدرش يقرر الحالة دلوقتي إلا لمَ هو يفوق ويقول اللِ حاسس بيه، زي ما قالولك الرصا’صة فمكان خطـ.ـير وخا’يفين تكون سـ.ـببت مضا’عفات عشان كدا هيستنوا لحد ما يفوق.
أرتسمت البسمةُ على ثَغْري رفيقيه حينما وصلتهم أخبارًا جديدة عنهُ، نظرا لهُ فبرغم أن الوضع مازال لم يستقر بعد ولكن خروجه طمئنهم ولو قليلًا، شـ.ـقت البسمةُ ثَغْر “يزيـد” الذي ترقرق الدمع في مُقلتيه حامدًا ربُه، ربّت “وهيـب” على ظهره برفقٍ مبتسم الوجه ليأتيهم قول القائد الذي أبتسم لهم:
_أظن أنا شايف إننا نرجع مواقعنا تاني.
جاوبه “يزيـد” مبتسم الوجه قائلًا:
_أكيد يا فندم، شكرًا لحضرتك وآسف مرَّة تانية.
جاوبه القائد قبل أن يرحل قائلًا بوجهٍ مبتسم:
_أسفك مقبول يا “يزيـد”.
نظر إلى رفيقيه هذه المرة مبتسم الوجه والسعادة تظهر على محياه ليضمهما معًا هو هذه المرة دون أن يتحدث، فقد كانت حالته هي مَن توصف ما يشعُر بهِ في هذه اللحظة داعيًا المولى أن يستيقظ أخيه قريبًا ويعود إلى سابق عهده.
________________________
<“محاولة جـ.ـس النبـ.ـض، وردًا كان غير متوقع.”>
حاولت تقديم يَد المعو’نة برغم صدمتها،
كانت صدمتها حاضرة حينما أخبرها بمَن يُريدها جعلتها لا تقدر على التحدث قليلًا حتى أصا’بهما القلـ.ـق عليها..
كانت تجاور زوجها في الأمام وهو يجلس في الخلف يعبث في هاتفه، كان الصمت قائمًا حتى كسـ.ـره صوت رنين هاتفها الذي عَلَىٰ يُعلنها عن أتصالٍ هاتفي، جاوبتها قائلة بنبرةٍ هادئة:
_أيوه يا “رنيم”، لا يا حبيبتي قرّبت خلاص أهو، ٥ دقايق وهكون عندك.
أنهت حديثها ليأتيها صوت “شهـاب” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_أنا و “شُكـري” هنكون قريبين مِنك عشان لو حصل حاجة.
جاءه رد “شُكـري” في الحال حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_وليه منكونش مع بعض على ترابيزة واحدة وخلاص.
رفع “شهـاب” يَده يُحرك المرآة حتى تُظهر أخيه مجيبًا إياه بنبرةٍ حا’دة وهو ينظر لهُ مِن خلالها:
_عشان قـ.ـلة أدبك دي هتودينا فد’اهية قريب.
جاءه الجواب مِن “مَـرْيَم” هذه المرة حينما قالت بنبرةٍ هادئة:
_واللهِ يا “شُكـري” أنا أخا’ف عليها مِنك لو وافقت عليك بعد كدا.
_أنتِ بتقولي فيها أنا اللِ أسمي أخوه خا’يف مِنُه.
وافقته “مَـرْيَم” القول حينما قالت:
_عندك حق واللهِ يا “شهـاب”، ربنا يعديها على خير مفيش حاجة مقـ.ـلقانِ فاليوم دا غيره حسّاه هيتهو’ر ويبوّ’ظ كُلّ حاجة.
جاوبها “شهـاب” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى الطريق أمامه قائلًا:
_لا متخا’فيش أنا عينِ مش هتغفـ.ـل مِن عليه لحظة واحدة.
رفع “شُكـري” رأسه ينظر لهما نظرةٍ ذات معنى ثمّ قال بنبرةٍ حا’دة:
_أنتوا هتفضلوا تحد’فوني لبعض ولا إيه مش كدا يا جدعان أومال لو مش قاعد معاكم كنتم قولتوا عليا إيه ..!!
جاوبه أخيه هذه المرة بنبرةٍ هادئة وقال:
_واللهِ يا خويا أفعالك وتفكيرك بيخلونا نقول كدا يعني الغـ.ـلط عندك أنتَ.
_مِن أنهي زاوية عشان أظبطهولك يا سي السيد.؟!
سَخِرَ مِنْهُ وعاد ينظر إلى هاتفه مِن جديد ليأتي هذه المرة القول مِن “مَـرْيَم” التي قالت بنبرةٍ صا’رمة:
_إياك يا “شُكـري” المرة الجاية تفكر بس ولو مجرد تفكير جوّه عقلك تتريق على جوزي، أنتَ حُـ.ـر.
رفع “شُكـري” رأسه مجددًا وهو يزفر بضـ.ـيقٍ حينما رأهما أصبحا ضـ.ـده في لحظة، بينما أتسـ.ـعت البسمةُ على ثَغْر “شهـاب” الذي مد كفه يُمسك بكفها الدا’فئ قائلًا:
_حد عنده قمر زي اللِ عندي يدا’فع عنُه زي ما بيدا’فع عنّي كدا.
أنهى حديثه ثمّ رفع كفها نحو فمه يُلثمه بحنوٍ وهو ينظر لها نظرةٍ ذات معنى بطرف عينه، بينما نظرت هي لهُ في هذه اللحظة بوجهٍ مبتسم وخجو’ل ولم تستطع إجابته، ظنّت أنَّهُ سوف يترك يَدها بعدها ولكنه كعادته خا’لف كُلّ توقعاتها حينما شـ.ـدد مِن قبـ.ـضته عليه مِمَّ جعلها تلتزم الصمت وتتهر’ب مِن حصا’ر عيناه عليها بالنظر بعيدًا..
بينما كان “شُكـري” ينظر لهما في هذه اللحظة نظرةٍ ذات معنى وهو يُريد قول المزيد ولكن ثمة أشياءً عديدة تمنـ.ـعه، أخرج زفيرة عميقة ثمّ عاد ينظر إلى هاتفه بيأ’سٍ وهو يتمتم قائلًا:
_صبرًا، أتجوزها بس وساعتها هعرف أرد عليكم.
وبعد مرور القليل مِن الوقت،
ترجلوا ثلاثتهم مِن السيارة وتوسطت قبـ.ـضة يَدها على ذراعه وسار “شُكـري” بجانب أخيه على الجهة الأخرى، أحب إثا’رة غيـ.ـظها ولذلك أبتسم وقال بنبرةٍ مستفـ.ـزة:
_أوعي الجلالة تاخدك يا “مَـرْيَم” وتقعدي تفتـ.ـحي مواضيع معرفش بتيجي منين وتنسي موضوعنا الأساسي.
ولأنها تحفظه عن ظهر قلب أحبت أستفـ.ـزازه هي الأخرى وجاوبته بقولها:
_واللهِ يا “شُكـري” براحتي أعمل اللِ يريحني، مش كدا ولا إيه يا “شهوبتي”.؟
_”شهوبتي ..!!”
هكذا رد عليها “شُكـري” مستنكرًا ما تلقتهُ أُذُنيه في هذه اللحظة ثمّ نظر إلى أخيه نظرةٍ ذات معنى ينتظر الرد مِنْهُ، أبتسم “شـهاب” في هذه اللحظة وجاوبه دون أن ينظر لهُ قائلًا:
_متستناش مِني الرد عشان “شهوبتي” بتعملِ سلطنة أنتَ مش هتحس بيها.
وكان الرد حاضرًا مِن أخيه الذي ضر’ب بكفيه على وجهه قائلًا:
_أحيه يا “شهوبتي”، أحيه عالهيبة اللِ راحت ..!!
جاوبه “شهـاب” بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه يضرب أخيه الضر’بة الثانية:
_لو هتروح على إيديها أنا راضي، ياض دي قالتلِ “شهوبتي” بعد ٣ سنين صبر، دا أنا المفروض أعمل فرح.
_ولمَ أنتَ تعمل فرح عشان قالتلك “شهوبتي” بعد ٣ سنين، أنا المفروض هعمل إيه دا أنا بحالتي دي أتصدق.
ضحك “شهـاب” على حديث أخيه وقد وافقه القول قائلًا:
_بالظبط وأنا هتصدق عليك ببريزة.
نظر لهُ “شُكـري” وجاوبه منفعـ.ـلًا:
_لا وجاي على نفسك أوي ليه كدا ..!!
ضحك “شهـاب” مجددًا ليأتي هذه المرة القول مِن “مَـرْيَم” التي قالت حينما رأت صديقتها تجلس في إحدى أركان الكافيه:
_”رنيم” قعدة هناك أهي أنتوا هتقعدوا فين بقى.؟
نظر لها “شهـاب” ثمّ نظر حوله يبحث عن طاولة قريبة مِنهما، بينما نظر “شُكـري” لها في هذه اللحظة ها’ئمًا بعد أن رآها مجددًا بعد وقتٍ طويل حر’مته مِن طلتها البهية تلك، تحدث “شهـاب” بنبرةٍ هادئة بعد أن وجد طاولة قريبة مِنهما قائلًا:
_روحِ أنتِ وأنا و “شُكـري” هنقعد عالطرابيزة اللِ جنبكم دي.
نظرت “مَـرْيَم” نحو الطاولة ثمّ نظرت لهُ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_خلاص ماشي.
تركتهما وذهبت إلى “رنيم” بخطى هادئة وهي تبتسم لها، بينما تحدث “شهـاب” بنبرةٍ هادئة بعد أن تحرك تجاه الطاولة قائلًا:
_تعالى يا “شُكـري” لقيت طرابيزة.
ظل “شُكـري” واقفًا مكانه كالصنـ.ـم وبصره مثبتًا على “رنيم” التي نهضت تُرحب بصديقتها وتُعانقها ضاحكة الوجه، شَعَر “شهـاب” بعدم تواجد أخيه ولذلك ألتفت ينظر لهُ ليراه مكانه لم يتحرك وينظر إلى “رنيم”، أخذ نفسًا عميقًا ثمّ زفره بعمقٍ وتمتم بنبرةٍ حا’دة:
_يا “شُكـري” هتودينا فد’اهية بسبب سهتـ.ـمتك دي ..!!
عاد لهُ مجددًا يقبـ.ـض على رسغه يسحبه خلفه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أمشي يا “شُكـري” قدامي ومتبصلهاش عشان متوديناش فدا’هية خلّي “مَـرْيَم” تظبطلك الدُنيا.
أنهى حديثه وأجلسه فوق المقعد ثمّ جلس أمامه، نظر لهُ “شُكـري” وقال بنبرةٍ خا’فتة مبتسمًا:
_واد يا “شهـاب” البـ.ـت طلعت حلوة أوي.
_طب أهدى لحد ما نشوف “مَرْيَم” هتعمل إيه، متبصش ناحيتها خالص لحد ما نشوف إيه اللِ هيحصل.
جاوبه بنبرةٍ جادة بعد أن نظر لهُ ليوافق أخيه على قوله وبالفعل قرر أن يلتزم الصمت في تواجدها حتى يرى إيلاما سيصل الأمر بهِ، بينما نظرت “مَـرْيَم” إلى “رنيم” التي قالت بوجهٍ مبتسم:
_وحشتيني أوي بجد، أخيرًا جوزك حَن علينا وسابك شوية.
أتسعت البسمة على ثَغْر “مَـرْيَم” التي قالت بنبرةٍ هادئة:
_نعمل إيه بقى يا “رنيم”، منقدرش نتكلم ونقول حاجة.
أتسعت البسمةُ على ثَغْر “رنيم” التي قالت بنبرةٍ ممازحة:
_حقه بصراحة، هو صِبِر ونا’ل برضوا الرحلة مكانتش سهلة ولا هينة عليه.
وافقتها “مَـرْيَم” القول وأضافت على قولها:
_على رأيك، المهم كُنت عايزة أقولك على حاجة.
نظرت لها “رنيم” بأنتباه وسألتها بنبرةٍ هادئة قائلة:
_قولِ عايزة إيه، جيبالِ عريس.؟
_عرفتي منين.؟
هكذا سألتها “مَـرْيَم” بنبرةٍ مذهولة وهي تنظر لها، بينما تفاجئت “رنيم” التي صُدِمَت وقالت بنبرةٍ متسائلة:
_متهزريش يا “مَـرْيَم”، أنا بترول على فكرة أنتِ جيبالِ عريس بجد.؟
ضحكت “مَـرْيَم” وجاوبتها بنبرةٍ ضاحكة قائلة:
_آه واللهِ مش أنتِ قعدتي تقولِ عايزة عريس، أدي العريس جه مالك بقى غيرتِ رأيك ليه دلوقتي.
أُصـ.ـيبت “رنيم” بالذهول وجاوبتها قائلة:
_طب مين العريس دا، حد كويس يعني وموثوق فيه ولا هتلبسيني فالحـ.ـيط وخلاص.
أعتدلت “مَـرْيَم” في جلستها واسندت ذراعيها على سطح الطاولة ونظرت لها نظرةٍ ذات معنى وقالت:
_هتبقي سلفتي إيه رأيك.
هذه المرة نظرت لها “رنيم” مجحظة العينين وهي ترد عليها بقولها:
_نعم؟! سلفتك أزاي يعني، عايزة تجوزيني أخو جوزك ..!!
أجابتها “مَـرْيَم” بنبرةٍ هادئة وهي تنظر لها مبتسمة الوجه قائلة:
_أسمعي بس الأول، هو شخص كويس جدًا ويُعتمد عليه شغله كويس أوي مش أي حاجة يعني دا شغال محامي بس بقاله فترة بعيد عن المهنة عشان يفـ.ـصل، شكله حلو وأنا عارفاه أوي ولو في حاجة تعـ.ـيبه هقولك على طول، وبصراحة هو شافك قبل كدا ومِن ساعتها لاز’قلي أنا و “شهـاب”، شكله كدا الله أعلم حبك، بس أنتِ ليكِ رأيك برضوا حقك تقبلِ أو تر’فضِ.
كانت “رنيم” مذهولة لا تُصدق ما تسمعه، فكرت قليلًا بينها وبين نفسها، بينما كانت “مَـرْيَم” تنظر لها وحينما تنظر الأخرى بعيدًا تُلـ.ـقي نظرة خا’طفة نحو زوجها وشقيقه، بينما كانت “رنيم” تسبـ.ـح في بحو’ر أفكارها فقد فاجئتها صديقتها كثيرًا، عادت تنظر لها مجددًا هُنَيْهة ثمّ قالت بنبرةٍ هادئة:
_بقولك إيه يا “مَـرْيَم” أوعي تكوني بتهزري ولا بتضحكي عليا.
_متخا’فيش، صدقيني أنا بتكلم بجد مش بهزر، وهو مشد’ودلك أوي بدليل إنُه مبطلش زن عشان أقعد معاكِ القعدة دي.
أخرجت زفيرة عميقة وعادت تُفكر مجددًا فهي تشعُر بالتشـ.ـتت الآن ولا تعلم ما هو القرار الصحيح الذي يجب عليها أن تتخذه الآن، نظرت لها وأعادت جسـ.ـده للخلف تستند على ظهر المقعد وجاوبتها بنبرةٍ هادئة:
_محتاجة أشوفه، عايزة أعرف شخصيته عاملة أزاي وطباعه إيه، ولو أرتحتله أنا هديله ميعاد مع بابا ييجي ويتقدم بشكل رسمي غير كدا لا.
وافقتها “مَـرْيَم” القول دون تفكير بقولها الداعم:
_أنتِ بتفكري صح ودا حقك، هو جه معانا عشان ميكونش لوحده فالبيت عشان هو مِن النوع اللِ بيحب يتكلم ويروح هنا وهنا، لو حابة أقولهم ييجوا يقعدوا معانا مفيش مشكلة مش هقدر أجبـ.ـرك على حاجة.
وافقت “رنيم” على قولها بهزّة صغيرة مِن رأسها دون أن تتحدث، بينما أكدت عليها “مَـرْيَم” القول مجددًا قبل أن تستدعيهما:
_متأكدة ولا مترددة ومش حابة على فكرة لو مش مرتاحة مش مشـ.ـكلة بلا’ها خالص أهم حاجة راحتك أنتِ.
_لا لا أنا مرتاحة، جوزك شخص محترم وأكيد أخوه زيُه وأنتِ موجودة أهو فتمام.
كان هذا رد “رنيم” على حديثها وهي تبتسم لها بسمةٌ هادئة، بينما سَخِرَت “مَـرْيَم” مِن قولها حينما قالت:
_”شُكـري” دا شخصية محترمة جدًا، عارفة لمَ يكون في واحدة غريبة قعدة وكدا تلاقيه على القد وخجول، بأمانة هيبهرك.
أبتسمت “رنيم” ولم تنتبه لسخريتها ولذلك قالت بإعجاب:
_حلو دا، عشان لو حصل نصيب بينا أبقى ضامنة إن عينه مش هتيجي على واحدة كدا ولا كدا.
أشفقت “مَـرْيَم” عليها كثيرًا ولكنها لم تتحدث، أشارت إلى زوجها بالقدوم حينما رآها بطرف عينه ومعهُ أنتبه “شُكـري” الذي لاحت بسمةٌ و’اسعة على ثَغْره تزامنًا مع قوله السعيد:
_مراتك شكلها عملتها بجد ولا إيه، دي المفروض تشتغل خاطبة.
نهض “شهـاب” يشـ.ـد عوده ومعهُ أخيه الذي تحرّك خلفه والسعادة تكاد تجعله يرقص في هذه اللحظة، كان قلبه ينبـ.ـض بعنـ.ـفٍ داخل صدره وبرغم أنَّهُ شَعَر بالتو’تر ولكنهُ حاول السيطـ.ـرة على نفسُه والبقاء على طبيعته، نهضت “مَرْيَم” ومعها “رنيم” بعد أن وقف “شهـاب” بجانبها لتقوم بتعريفهم على بعضهم بوجهٍ مبتسم:
_”شهـاب” جوزي شوفتيه ساعة كتب الكتاب والفرح، “شهـاب” دي “رنيم” صاحبتي المقرّبة.
أبتسم “شهـاب” بسمةٌ هادئة بعد أن نظر لها وقال:
_أهلًا بيكِ يا آنسة “رنيم” أتشرفت بمعرفتك.
جاوبته “رنيم” بتو’تر خـ.ـفي بعد أن وجّه حديثه لها قائلة:
_فالحقيقة أنا اللِ أتشرفت بمعرفتك، مُبارك الجواز أنا عارفة إنها جاية متأخرة شوية بس أن تأتي متأخرًا خيرًا مِن أن لا تأتي.
جاوبها بنبرةٍ هادئة بعد أن نظر إلى زوجته وقال:
_الله يبارك فيكِ، وعُقبالك إن شاء الله لمَ ييجي الشخص المناسب اللِ يقدرك ويشـ.ـيلك جوّه عنيه.
أبتسمت “رنيم” بعد أن رأت نظرته إلى صديقتها ولذلك أحبت تلطيف الأجواء قليلًا بقولها:
_بس ليا عتاب صغير عليك يعني، كُنت عايزة أشوفها وأتطمن عليها وأباركلها، بس كُنت ما’نع الزيارة خالص.
أخذ نفسًا عميقًا ثمّ زفره بهدوءٍ شـ.ـديد وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_حقك عليا بس فالحقيقة يعني أنا شايف إنُه كان حقِ، جَت بعد كام سنة مِنهم سنة فالعذ’اب فأكتر وقت كُنت محتاجها فيه.
أقتنعت برده عليها وجاوبته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_حقك بصراحة، بس خلّينا نبُص لنُصْ الكوباية المليا’ن، الحمدلله رضيت عننا وخلّيتنا نشوفها، وفرصة سعيدة إننا أتقابلنا ومش هوصيك على “مَـرْيَم” دي أختي يعني زعلها هو زعلِ.
جاوبها “شهـاب” دون لحظة تفكير بنبرةٍ تملؤ’ها الثقة:
_لا متقلـ.ـقيش عليها، “مَـرْيَم” دي عيونِ ورو’حِ، مفيش حد بيوصي على رو’حه.
أبتسمت “رنيم” حينما رأت حُبّه إلى صديقتها وقد أطمئنت عليها في هذه اللحظة، قامت “مَـرْيَم” بتعريفها على “شُكـري” حينما أشارت نحوه قائلة بوجهٍ مبتسم:
_ودا “شُكـري” أخوه اللِ كلمتك عنُه.
ألتفتت “رنيم” في هذه اللحظة لهُ مبتسمة الوجه لتصطد’م عيناها بعيناه الخـ.ـبيثة التي كانت تُطالعها، كان مبتسم الوجه وهو يرى صدمتها حينما رأته، كانت مصدومة وهي لا تصدق ما تراه فحينما رأته تذكّرته يوم عقد القرآن ولذلك قالت بنبرةٍ تملؤها الذهول والصدمة:
_أنتَ ..!!
هكذا قالت بعد أن نظرت لهُ تحت نظرات التفاجؤ مِن “شهـاب” و “مَـرْيَم” التي نظرت لهُ متفاجئة، تحدث “شهـاب” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لهما مذهولًا:
_أنتوا تعرفوا بعض.؟!
نظرت لهُ “رنيم” في هذه اللحظة وجاوبته بنبرةٍ حا’دة:
_أعرفه أوي، البيه دا عا’كسني يوم كتب الكتاب ونظراته كانت قلـ.ـيلة الأدب.
كانت الصدمة مِن نصيبهما حينما أستمعا لها لينقلان بصرهما إلى “شُكـري” الذي أد’نى بأعترا’فه بوجهٍ مبتسم قائلًا:
_كانت حلوة ساعتها وأنا قولتلها رأيي غـ.ـلطت أنا يعني.؟
نظرت لهُ “رنيم” مذهولة مِن وقا’حته التي لم ترى مثلها مِن قبل، ومعها كانا كلًا مِن “مَرْيَم” و “شهـاب” اللذان حتى هذه اللحظة لا يستوعبان ما يحدث ويفعله “شُكـري” الذي جلس فوق المقعد واضعًا قدم فوق أختها وهو ينظر إلى الأخرى مبتسم الوجه دون أن يتحدث وكأنه يُخبرها أن هذه هي طبيعته، وتلك عادته، عادة الفتـ.ـى الو’قح.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *