رواية هواها محرم الفصل الثامن 8 بقلم آية العربي
رواية هواها محرم الفصل الثامن 8 بقلم آية العربي
رواية هواها محرم البارت الثامن
رواية هواها محرم الجزء الثامن
رواية هواها محرم الحلقة الثامنة
أحياناً يتمنى الإنسان أن يختفى ليس حباً في الاختفاء ولكنه يسعى لانتشال لحظات اهتمام قسراً ممن حوله .
أحياناً يبحث عن وسيلة خاطئة ليستعطف مشاعرهم المتلبدة
وأحياناً يكمن سر راحته في الابتعاد دون النظر للوراء ، دون انتظار أي انتصار
فلا هم أحبة ولا أنت عزيزاً على قلوبهم .
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
قبل أيام
وخلال الساعات الأولى منذ خروجه من قسم الشرطة كان قد وصل إلى مكانها الجديد على الفور ولم يكن ذلك بالعسير عليه ، بدأ يخطط ويرتب مستخدماً حسه الإجرامي ومعارفه السابقة كي لا يثير شكوك صقر .
كل ما يهمه هو أن يبعد عيون صقر ورجاله عن طريقه أما الآخرون فأمرهم لا شيء أمام إصراره .
نظم ورتب لكل شيء ليحقق ما تمناه منذ أشهر ، لأول مرة يتمنى شيئاً ولا يحصل عليه فوراً ، نعم حدث ذلك بسبب ذاك البهجت ولكن الآن ستصب الأمور جميعها في نهر رغبته .
يعترف أنها باتت تمتلك سطوة مخيفة على قلبه ، يعترف أنها ليست كأي إمرأة ، مميزة في كل شيء خاص بها ، مميزة في عينيه فلم يرَ طوال حياته مثلها لذا فهو يشتهيها بطريقة يخشى عليها منها ، ولكن ليحدث ما يحدث يكفي أن تظل جواره للأبد ومن ثم سيأتي عشقها له ، ستدمنه وهو يعلم جيداً كيف يجعلها تدمنه .
يعلم جيداً أنها أحبته ، يرى ذلك في عينيها البريئة النقية التي لا ترى خبثه ووقاحة أفكاره لذا فهو لن يتنازل عنها مهما كلفه الثمن .
اخترق الكاميرات التابعة للمنزل الجديد والشوارع من حوله وسلط جنوده ليراقبون له الأجواء وانتظر اللحظة المناسبة التي ستطمئن فيها الشاة لينقض هذا الثعلب عليها ملتهماً وجبته بتلذذ .
والشاة هنا لم يكن سوى بهجت الذي ظن أنه نجى من خطره وجنونه ، لذا فهو ينام بمأمن في غرفته ولم يشعر به وهو يتلصص إلى الفيلا بخطواتٍ أخف من الريشة متجهاً إلى غرفتها ودلفها على الفور .
تحرك نحوها والضوء الخافت من نافذتها يتسلل كخيطٍ رفيعٍ متوهج ينير وجهها أمام عينه .
لأول مرة يرى خصلاتها السوداء تنام جوارها منفردة كأنها داخل لوحة تسكن جدران متحفٍ رتيب .
اقترب منها وابتلع ريقه بصعوبة ثم انحنى يتكيء على ركبيته وظل يطالعها بنظراتٍ متفحصة ، مستكشفة لتفاصيلها عن قرب .
ملامحها طبيعية بريئة كطفلة لم ترَ قسوة الحياة بعد ، أهدابها كثيفة وأنفها صغيرٌ وشفتاها متكنزة ناعمة يشتهي تذوقها برغبةٍ تجعله كالبركان الذي يهدد البلدة المسكينة بالإنفجار .
عاد يبتلع ريقه حتى جف حلقه وهو ينظر لكفها القابض على الغطاء ليعلم أنها تعاني من البرودة ، آهٍ لو أمتلك الحق في تدفئتك الآن لكنتِ بين ضلوعي في ضمة ربمَا لن تشعري بالبرد بعدها أبداً ، ولكن تمهل ماركو فكل ما تريده سيأتي منها طواعية ، اهدأ حتى توقعها في شباكك كما فعلت تلك الملاك بعفويتها وبراءتها .
أظافرها ناعمة لامعة يظهرها شعاع الضوء وعلى ما يبدو أنها تهتم جداً بجمالها وهو يهتم بأدق تفاصيلها ، أعجبته بل التمعت عيناه بوميض قاتم قيده بصعوبة في حضرتها ، قيده لعلمه التام بأنها محصنة لا تشبه غيرها .
أنفاسه تعالت وخرجت من رئتيه حارةً تشبه كوب قهوةٍ صُب للتو في ليلةٍ شتوية باردة .
جاهد رغبته وجموحه ودس يده يخرج إبرةً ما تحتوي على سائلٍ مخدرٍ ثم نزع غطائها وتأكد من عدم وجود هواء بها .
امتدت يده يزيح بهدوءٍ مميت هذا اللحاف الحراري عن ذراعها ليظهره أمام عينيه وبدون تردد غرز تلك الإبرة في عضلة ذراعها العلوية يضغط على محتوياتها التي توغلت إلى أوردتها في الحال .
أجفلت مستيقظة وانتفض جسدها وهي تلمحه وتمسد على ذراعها عند موضع الإبرة قائلة بصدمة أذابت نعاسها :
– إنت ؟ إنت بتعمل إيه هنا ودخلت هنا إزاي .
تحدث بنبرةٍ مأخوذة بها ويده في طريقها إلى خصلاتها :
– اهدئي .
– ابعد عني .
قالتها بوهن وانتفضت مبتعدة قبل أن تطالها يده تنظر له بذعر بحدقتين تسعى لفتحهما وتتلحف بغطائها بحماية وذعر ، يعلم أنها بعد ثوانٍ ستغيب عن وعيها لذا لم يحاول تقييدها أو تكميمها ولن يحاول .
بدأ مفعول المخدر يسري في جسدها الذي تحميه بالغطاء منه ولم تصمد كثيراً وارتخت قبضتيها وهي تميل غائبة عن الوعي بعدما توقف عقلها عن الدفاع .
ظل يتفحصها وامتدت يداها تتلمس وجنتها الناعمة وعيناه تتعمق فيها .
تناقض قاتل يعتليه بين تقبيلها وعدم الاقتراب منها ، تناقض بين مشاعره الجامحة وقلبه العاشق ليقطع هذا التناقض بعدما انتابته رغبة كادت تفجر سدود عشقه ولكن انتصر العشق لذا نهض ودثرها بالغطاء ثم اتجه نحو خزانتها يبحث عن مبتغاه ووجده لذا عاد إليها يبتسم بانتصار ثم انحنى يدثرها في الغطاء جيداً وحملها بين يديه ليصبح الغطاء فاصلاً بينهما ثم تحرك بها نحو الخارج ليأخذها معه إلى مكانٍ لن يصل إليه بشراً سواهما .
❈-❈-❈
انقشع الليل وأنارت الشمس دروب المدينة .
استيقظت نارة باكراً بسبب تفكيرها طوال الليل في هذا اللقاء .
بالرغم من رغبتها الملحة منذ زمن في معرفة أهلها إلا أنها متوترة قلقة تخشى رؤيتهم والتعرف عليهم .
خاصة وحديث صقر عنهم لا يجعلها متفائلة ، نعم تكتفي بأسيا أماً وبمايا شقيقة ولكنها دوماً سألت عن أبيها وأمها كيف كانا وما هي اسماءهما وأين صورتهما ولمَ تركاها في ملجأ ؟
اليوم موعد هذا القاء وكلما تذكرت هذا انقبض قلبها بعدة تساؤلات أهمها كيف ستكون حياتها بعد التعرف عليهم .
لذا فهي مستيقظة بجسدٍ ثابتٍ مستكين بين ذراع صقر ولكن عقلها وعيناها لا يغفيان .
استيقظ صقر الذي كان ينام على بطنه ويحاوطها بذراعٍ يلتف حول معدتها والآخر يختفي أسفل وسادته بينما وجههُ يختبيء في منحنى رقبتها ليصبح احتوائهما لبعضهما كمثل قطعتين لا تكتمل الصورة سوى بضمهما .
كانت يدها غارقةً في خصلاته تفركهما بشرود حتى نبهه عقله لحركتها لذا فتح عيناه ورفع رأسه يطالعها بنعاسٍ فوجدها شاردة حتى لم تنتبه له .
عاد يدفن رأسه في عنقها وتحدث بأنفاسٍ ساخنةٍ يتمتم باستمتاع من هذا المبيت :
– بتفكري في إيه ؟
قشعرتها أنفاسه الدافئة وحركة شفتيه الناطقة لذا مالت قليلاً نحو رأسه ثم تحدثت بهدوءٍ وحب تخفي أفكارها :
– ولا حاجة يا حبيبي ، قلقت بس فجأة .
سحب يده التي تختفي أسفل الوسادة ثم اعتدل ليصبح ممدداً على جانبه الأيسر ثم اتكأ يستند برأسه على ذراعه يطالعها بتفحص وعيون محب فرأى أفكارها كأنها تجسدت أمامه بوضوح وكيف لا تتجسد وعشقه لها عشق روحٍ ووطنٍ وحياة .
لذا نطق بصوتٍ متحشرج محب يغلبه النعاس :
– قلقانة من مقابلة النهاردة ؟ ، تحبي نلغيها ؟
التفتت تطالعه بشرود وتفكر في عرضه ولكن لم تعتد الهروب لذا تنهدت تجيبه بهدوء :
– لا مينفعش ، كدة كدة هقابلهم وهتعرف عليهم .
أضافت متسائلة بترقب :
– بس ليه وافقت اللقاء يبقى عندهم يا صقر ، يعني لو كنا استقبلناهم هنا مش كان أفضل ؟
تنهد يلتقط كفها ثم رفعه إلى فمه يلثمه بحب وتابع وهو يتلاعب بأصابعها بين كفه قائلاً :
– محبتش إنهم ييجوا هنا غير لما اتعرف عليهم الأول ، دخولهم لحياتنا مش سهل وسؤالهم عنك في الوقت ده سايب علامات استفهام كتير مش هتوضح غير لما أشوفهم واتكلم معاهم ، وهما في مكانهم هيبقوا مرتاحين أكتر وعلى طبيعتهم أكتر .
حديثه لم يُرِحها بل زاد من توترها لذا تساءلت بملامح منزعجة وهي تضيق عيناها وتطالعه :
– صقر هو إنت شاكك في حاجة ؟ ، لو تعرف حاجة قول لي ؟
زفر ثم اعتدل يرفع وسادته قليلاً ليستند عليها ويصبح مجاوراً لها ثم سحبها بذراعه إليه وذراعه الآخر ارتكز فوق جبهته قائلاً بغموضٍ كي لا يزيد من خوفها :
– لو فيه حاجة أكيد هعرفها وهقولك عليها .
زفرت بشرود لثوانٍ ثم ابتعدت قليلاً تطالعه بحب وأبدلت الحديث المزعج هذا قائلة :
– مش هتروح الشركة ولا إيه ؟ .
أومأ لها ونهض يترجل من جوارها قائلاً وهو يتجه نحو حمامه :
– هنطلع نفطر برا سوا وبعدين هروح الشركة أخلص شوية مقابلات وأجي علطول نروح .
أومأت له ونهضت هي الأخرى نحو النافذة تفتح ستائرها لتتسلل خيوط الشمس إلى هذه الغرفة المغمورة بالحب .
❈-❈-❈
استيقظ عاطف منذ قليل واغتسل وها هو يقف أمام مرآته يهندم نفسه بعناية .
تململت أميرة في فراشها حينما توغل عطره النفاذ إليها فلاحظ حركتها لذا تحدث وعينه على صورته المنعكسة :
– أظن من يوم ما اتجوزنا مافيش مرة صحيتي معايا وجهزتيلي فطار أو على الأقل حسستيني باهتمامك .
استمعت له فهي لم تعد تنام نوماً عميقاً منذ أن تزوجته ، حُرمت من النوم ومن الراحة ومن كل شيء يمكنه إدخال السرور إلى قلبها ، يسألها لمَ لا تعطهِ حقوقه وهو خير من يعلم ؟
أولم يقبل بزواجها برغم إدراكه جيداً عدم حبها أو تقبلها له يوماً ، لقد كانت تعامله كأخٍ والآن يطالبها بحقوقٍ لم تستطع إعطائها له مهما حاولت .
نعم حاولت ولكن عصاها قلبها وزاد عصيانه وتمرده حينما قسى عليها وتجبر مثله مثل الجميع .
لا ، لا تريد أن تتذكر الماضي الآن ، لذا تمسكت بكفيها تقبض على عقلها بقوة كأنها تعاقبه على عودته للوراء فيكفيها ألماً وحطام روح .
زفر بقوة وضيق ثم تحرك نحوها وانحنى يقبض على الغطاء وينتشله عنها فجأة ليظهر جسدها أمامه فابتسم بينما هي أسرعت تتكور على نفسها وتردف معنفة بحدة :
– عاطف بطل استفزاز بقى .
ضحك وقال وهو يلقي بالغطاء أرضاً ثم انحنى إليها قائلاً بهمس يشعرها بالتقزز :
– إيه رأيك لو نخرج نفطر برا سوا ؟
ابتعدت عن همسه واعتدلت تزفر بقوة ثم ارتعش جسدها برداً والتفتت تطالعه بعيون تطلق شرراً فقهقه واعتدل واقفاً ثم التفت يقول :
– إيه موافقة ولا أروح أفطر في الشركة ؟
كان يعلم أنها ستقابل عرضه بالرفض ولن تهتم بفطوره حتى لو ذهب يفطر عند تلك التي تعشقه ولكنها خالفت ظنه حينما أردفت بقبول :
– موافقة .
التفت يطالعها بوجههُ رافعاً حاجبيه في تعجب ثم قال :
– فاجئتيني .
زفرت بقوة وتحدثت بفتور وهي تنظر أمامها :
– خلاص لو مش عايز بلاش .
لم تعد ترغب بأي شيء وكأنها تعاني من مرضٍ خبيثٍ باتت مستسلمة له وللمصير الذي سيقودها إليه ، ربماً وافقت نسبةً للملل الذي تعانيه في هذه الفيلا بمفردها ولكن لا يهم إن لم تذهب .
زفر ببعض الضيق وتحدث وهو يلف ساعته حول معصمه :
– يالا يا أميرة قومي ألبسي .
زفرت وترجلت من فراشها واتجهت نحو الحمام لتستعد وتركته ينظر لأثرها من خلال المرآة ثم عاد ينظر لانعكاسه بتباهي ما لبث أن تحول لضيق وغضب وقد عاد هذا اليوسف إلى عقله مجدداً يبتسم بتشفي ويخبره أنها لن تحبه يوماً .
اسودت نظرته فجأة ولم يجد ما ينفث به عن غضبه الذي يجتاحه في لحظاتٍ عند تذكره سوى زجاجة عطرٍ رطمها بظهر يده فسقطت أرضاً متهشمة حول قدميه فأجفلت من في الداخل ولكنها اعتادت على هذه الأفعال منه لذا زفرت وأكملت تفريش أسنانها .
أما هو فتحرك يغادر الغرفة وشياطينه تتراقص أمامه بانتصار .
❈-❈-❈
عند الجامعة
توقف عمر بالسيارة ثم نظر عبر المرآة لتلك التي تطالعه بحزن فأبعد عيناه عنها ينظر نحو النافذة .
هو لم يعطها أي اهتمام منذ ذلك اليوم ، لم يهتم برفضها لأمير ، لم يخبرها بحبه مجدداً كأنه كان ينتظر أي خلافٍ بينهما ليبتعد .
حتى طوال الطريق ظل صامتاً لا يعُرها اهتماماً كأن السيارة خالية منها ، وهذا يفتت قلبها ويضغط على روحها مسبباً لها احتراقاً في عينيها تجاهده يومياً حتى لا تبكي أمامه ولكن الآن لم تعد تحتمل تجاهله وجموده معها .
كان ينتظرها أن تنزل كعادتها ولكنها أطالت الجلوس لذا نظر لها عبر المرآة مجدداً فوجدها تخفي عيناها عنه وتخفض رأسها .
آلمه قلبه عليها ولكنه تحدث بثبات يخفي حنينه قائلاً بصوتٍ رخيم :
– وصلنا يا آنسة مايا .
لم تحتمل هذا اللقب ، لم تحتمل تلك النبرة التي يتحدث معها بها كالبقية ، هي ليست مثل الجميع لذا رفعت رأسها فظهرت دموعها أمامه وهي تقول بغضب من بين أسنانها :
– أنا مش آنسة مايا ، متعاملنيش على إننا أغراب يا عمر أنا مبقتش مستحملة ، إيه القسوة اللي في قلبك دي ؟ ، معقول حبك ليا راح ، اتبخر !؟
زفر يخفي عيناه ويعاود النظر من خلال النافذة ثم أدرك أين هما لذا عاد يتحدث وهو يتمسك بالمقود قائلاً بنبرة باردة :
– انزلي دلوقتي ونتكلم بعدين الناس بتبص علينا .
نظرت حولها فوجدت حقاً العيون تلاحقهما والأفواه تتهامس خبثاً ، منذ أمس وهي تلاحظ تهامزهم وهمسهم وهم ينظرون نحوها ولكن هذا آخر همها .
انتابها غضباً كاد أن يتجسد ويحركها لتترجل وتصرخ أمام الجميع أنها تحبه وأن ما فعلته لم يكن إلا لحظة انتقام وغضب لم تحرق أحدٍ سواها ، هي من تتألم ويمزقها الندم سواءً كان على والدتها أو على حبه .
ليتها تظل تصرخ إلى أن يرأف بحالها ويعود كما كان ولكنها تماسكت بقوة كي تحافظ على كبرياءها وأنوثتها .
أنوثتها التي تعد ثروتها الثمينة والتي يحطمها هو بصمته وبروده .
بلعت غصتها وتحدثت بحدة لاذعة انتقاماً لمشاعرها :
– تمام يا عمر هنزل بس خليك فاكر كل أفعالك دي كويس أوي لإن أنا عمري ما هنسى .
فتحت الباب وترجلت تصفعه بقوة ثم خطت نحو الداخل تحت أنظاره التي تتبعتها إلى إن اختفت فتنهد تنهيدة عميقة يدعم بها رئتيه ويفكر في جملتها ؛ هل حقاً لن تنسى أم أنه تهديد طفلة مدللة يسعى لترويضها قبل أن يغمرها بعشقه .
زفر والتفت يلاحظ النظرات المصوبة عليه والهمسات بين الفتيات فلم يرتَح قلبه لمَ يحدث ولكنه قرر التحرك وقاد عائداً إلى عمله لحين الانتهاء من محاضراتها .
❈-❈-❈
تقف نسرين تعد الفطور بشرود ، منذ أن جاءت إلى هذا المكان وهي تشعر بالضيق ولكنها تخفيه عن زوجها حتى لا يحزن وهي تراه مطمئناً هنا .
زفرت واتجهت لترى الموقد وتعجبت من نوم خديجة إلى هذا الوقت لذا نادت على ابنها قائلة من وسط انشغالها :
– مااااازن ، روح خبّط على خديجة وصحيها الساعة هتبقى عشرة .
أطاعها مازن الذي كان يقف في الخارج يساعد والده في تبديل الستائر الخفيفة بأخرى سميكة .
تحدث بهجت وهو يتناول منه الحلقات الدائرية :
– سيبهم أنت يابني وروح صحي اختك يالا .
تحرك مازن نحو غرفة شقيقته التي تختفي في ردهة جانبية ودلف يطرق بابها وينادي فلم تجبه لذا لف المقبض وفتح الباب يدخل رأسه ليراها ولكنه تفاجأ بأنها ليست في الداخل .
فتح الباب على مصراعيه ودلف يناديها ويطرق باب الحمام علها تكون في الداخل ولكنها ليست هناك أيضاً .
تعجب وعاد نحو الخارج ينادي حتى وصل إلى والده قائلاً بغرابة :
– خديجة مش في أوضتها يا بابا !
انقبض قلبه وجف حلقه فجأة كأنه شعر وهو يلقي ما بيده أرضاً ويخطو ليتأكد بنفسه قائلاً :
– يعني إيه مش في أوضتها أومال راحت فين ؟
أسرع يركض بقلبٍ ملتاع ويبحث عنها في الغرفة والحمام فلم يجدها .
نظر لسريرها فلم يجد لحافها عليه ونظر للكومود فوجد هاتفها كما هو فانسحبت أنفاسه وتوسعت مقلتيه ثم اتجه لدولابها يعبث بأغراضه حتى تجمد مكانه وتبخرت الدماء من وجه فأصبح شاحباً تماماً .
ركض للخارج يبحث ويلتفت وينادي كالمجنون :
– خديـــــــــــجة ، خديـــــــجة .
خرجت نسرين تطالعه بنغزة لم يسلم قلبها منها حينما سمعت صراخه وتساءلت بذعر استشفته منه :
– راااحت فين يا بهجت ، رااااحت فين خديجة .
نظر لها بضياع كأنه لا يراها ثم اندفع إلى غرفته ليتفحص كاميرات المراقبة بيدٍ مرتعشة بل جسده بالكامل ينتفض رعباً وهو يصور له أسوأ السيناريوهات فقد بدأ يصور ما حدث .
انسحبت الدماء من وجه الذي بات يحاكى وجوه الموتى وهو يرى أمامه التسجيلات معطلة بالكامل ليتأكد أن ابنته اختطفت ، لقد تأكد من تشغيلها أمس ككل ليلة والآن هي معطلة .
التفت ليجد نسرين تقف خلفه دموعها منسابةً ووجهها بارداً وهي تسأله بريبة وصراخ :
– خطفها ؟ ، خطف بنتي من وسطينا يا بهجت ؟
نظر لها بضياع ثم نظر لابنه الذي يجاورها مصدوماً وهو يقول :
– يعني إيه يا بابا ؟ ، يعني فعلاً خطف خديجة ؟ ، طب إزاي دخل هنا أصلاً ؟
حالة من الضياع والتشتت وقعت على عقله فلم يشعر بنفسه إلا وهو يتحرك نحو المطبخ وينزع سكيناً من أحد الأدراج متجهاً بها نحو الخارج وكل ما يتفوه به كلمةً واحدةً فقط يرددها :
– هقتله ، هقتله .
أسرع مازن يلحق بوالده الذي استقل سيارته وهو يردد كلمته وجاوره وانطلقا أما نسرين فظلت تبكي بنشيجٍ حاد وهي تبحث عن هاتفها بالرغم من وجوده أمامها ولكن عينيها وحواسها مخدرة .
التقطته أخيراً تعبث به وكأن الأرقام تعاندها كلما ضغطت على أحدهم ظهر غيره على الشاشة ، جسدها يرتعش بقوة وهي تحاول مراراً حتى نجحت في الاتصال على نارة .
أجابتها نارة التي تجلس مع زوجها يتناولان الفطور وتحدثت ببعض التعجب قائلة :
– طنط نسرين ؟ ، أزيك .
وصلها نشيجها فأجفلت وهي تنظر إلى صقر الذي يرتشف قهوته فتساءلت بقلقٍ ملحوظ :
– مالك يا طنط فيه إيه ؟
تحدثت نسرين متلعثمة تستجمع أحرفها :
– خـ خديجة اتخطفت يا نارة ، خالد خطفها ، قولي لصقر يعمل حاجة حاسة إني هموت .
انتفضت تردف بحدة أمام نظرات صقر :
– إيه ؟ ، خطفها إزاااااي ؟
أغمض صقر عينيه وكور قبضتيه غضباً بينما تحدثت نسرين وهي ترتطم بالمقعد وبكاءها يزداد وقلبها بات في قدمها :
– معرفش ، معرفش ، بهجت أخد سكينة وخرج ، هاتولي بنتي حااالاً ، هاتولي خديجة .
اسمعت إليها وباتت في حالة من الفوضى والحزن والقلق ولكنها رسمت في صوتها التروي كي تطمئنها قائلة :
– اهدي يا طنط واطمني خديجة هترجع أكيد .
أغلقت الهاتف ونظرت إلى زوجها تقول بعيونٍ لامعة ونبرة غاضبة :
– لازم نلاقيها يا صقر ، لازم نرجعها واللي خالد عمله ده هيتحاسب عليه .
نزع هاتفه ووقف يترك بعض العملات ثم تحرك معها نحو سيارتهما وهو يحاول الوصول إليه ولكن بالطبع هاتفه مغلق .
استقلا السيارة وبدأ يقود ويفكر أين يمكن أن يذهب بها بينما تحدثت نارة ببكاء وقلبٍ منقبض متسائلة بأمل :
– أخدها على فين ياصقر ؟ ، أكيد إنت هتعرف صح ؟
كانت تسأله وتريد الحصول على إجابة تريحها ولكنه لم يمتلكها ، هو لا يعلم أين ذهب بها وليس من السهل أن يعلم مادام خالد لا يريد .
السيء هنا أن كلٍ منهما يعلم جيداً كيف يفكر الآخر لذا فمن المؤكد أن خالد سيتوقع كل خطوات صقر ولكنه سيحاول .
تحدث بثبات وعينيه لا تفارق الطريق :
– اهدي يا نارة ، خالد مش هيأذيها .
هزت رأسها تردف بارتجاف وحزن :
– خلاص يا صقر هو سببلها أذية فعلاً ، بمجرد ما دخل البيت وخطفها سببلها أذية صعب تنمحي .
نعم يعلم ذلك جيداً كما يعلمه خالد لذا فهو يقود بضيق وغضب داخلي لا يعلم أين يذهب وهذا الوضع جديداً عليه .
تذكرت ما أخبرتها به نسرين لذا قالت بلهفة :
– عمو بهجت أخد سكينة وخرج ، ممكن يكون راح على بيته ، خلينا نروح نشوفه .
أومأ لها ولف طريقه ينعطف إلى منزل خالد ربما يحصل على أي تفاصيل تدله على مكان هذا المجنون .
❈-❈-❈
في فيلا حسن العدلي
يستعد يوسف ليذهب إلى صديقيه ليتناولون الفطور سوياً كما أخبراه .
يقف أمام مرآته يهندم خصلاته ويرفعها للخلف وللحظة مرت على عقله ، لقد كانت تخبره أنها تحب رؤيته بتلك الهيأة .
تألم قلبه أسفل ضغطة الوجع حينما تذكرها ، منذ أن تزوجت يحاول نسيانها بكل الطرق الممكنة والغير ممكنة ولكن في كل مرة سمع عنها أمراً انقلبت موازينه رأساً على عقب .
خاصةً وأن أمس حينما كان يود الدخول لغرفة شقيقته سمعها تتحدث معها لذا تأخرت أقدامه ولف طريقه إلى غرفته دون أن تلاحظه .
يعلم أنها أُجبرت على هذا الزواج ويعلم جيداً القسوة التي عانتها نسبةً لكره والدتها الشديد لوالدته وبرغم محاولاته إلا أن عائلته وقفت له بالمرصاد حتى والدته ليستيقظ ذات يومٍ على قبولها بالزواج من ابن خالتها رجل الأعمال .
ليعلن أنه استيقظ في ذلك اليوم وإلى الآن لم ينم عقله ولم يرتح فؤاده .
سلبت منه راحته وأحلامه التي كان يشيدها معها وحين اعترض وقفوا له نِداً مستخدمين حججاً واهية .
انقلبت موازين عائلته فباتوا يشكلون ديناً خاصاً بهم ولولا رحمةُ الله على والده لكان مثلهم ولكنه الأضعف بينهم .
زفر باختناق وألقى المشط من يده ينظر لهيأته وتحدث معاتباً كأنه يتكلم مع رفيق دربه :
– إيه يا يوسف ، انساها بقى ، هي دلوقتي متجوزة ميصحش أبداً تفكر فيها .
هكذا يحاول إقناع عقله الذي لم يهدأ كحال قلبه .
مسح على وجهه بكفيه ثم تحرك للأسفل ليجد والده في انتظاره يناديه قائلاً :
– متتأخرش يا يوسف ، إنت عارف إن بنت عمك شريف هتيجي مع جوزها النهاردة ، أنا كلمت أعمامك أكدت عليهم وإنت لازم تبقى موجود .
أومأ له بهدوء ونظرته غائمة لم تخفَ على والدته التي تجاور زوجها ثم قال قبل أن يخطو للخارج :
– تمام يا بابا هكون موجود بإذن الله ، عن اذنكوا .
تحرك بعدها يغادر فزفرت والدته ونظرت لزوجها قائلة بقلب أمٍ ملتاع :
– هنعمل إيه مع يوسف يا حسن ، ابني هيفضل تعبان كدة ؟ ، الله يسامحهم أخوك ومراته ، كسروا خاطر ابني وعمري ما هسامحهم .
انكمشت ملامحه بامتعاض وقال وهو يشير بكفه :
– خلاص بقى يا مشيرة مبقاش ييجي منه ، كل شيء قسمة ونصيب .
زفرت بقوة وشردت تفكر في ابنها وكيف تريحه وتريح قلبه المتألم هذا ، ليته يستمع إليها ويجد ابنة حلال تنسيه آلام قلبه ولكن كيف ، كيف تقنعه .
❈-❈-❈
كانت تجلس مع زوجها في مطعمٍ هاديء خاصةً في هذا الوقت الصباحي .
تتلاعب بالطعام ولم تشتهيه وهو يرتشف قهوته ويطالعها تارة وينظر يمينه نحو النيل تارة ثم تحدث ليحصل على انتباهها :
– فيه خبر عرفته امبارح عن عيلتك .
لم تهتم ولم تعطِ أي رد فعل فزفر وتابع بعيون متفحصة :
– وعن مرات محمد عبدالله .
لم تتذكر الإسم للحظات ثم انتبهت ورفعت نظرها إليه تردف بتساؤل هاديء :
– قصدك نارة ؟
لم يعجبه اهتمامها بتلك المرأة خاصة وأنه لمح الود بينهما وهو لا يريد لها أن تكوّن علاقات مع أي شخص لذا تحدث بنبرة متعمدة :
– بالضبط ، طلعت بنت عمك اللي مات زمان ، والنهاردة رايحة تتعرف على اعمامها .
أصابتها البلاهة تطالعه بجبين مقتضب ثم هزت رأسها تردف :
– بنت عمي ؟ ، عمي مين ؟
هز منكبيه يجيب ببرود يشبه صقيع قلبه :
– عمك اللي اتوفي في حادثة هو ومراته الأجنبية .
التفتت تنظر للمياه وتفكر ، نعم تعلم أن لها عماً توفي منذ زمنٍ بعيدٍ حتى أنها لم تكن قد ولدت بعد أو ربما كانت صغيرةً جداً ولكن كيف يكون له ابنة وأين كانت طوال تلك الفترة ؟
عادت تطالعه وتساءلت باهتمام جديد عليها :
– أنا مش فاهمة حاجة ؟ ، إنت عرفت إيه بالضبط .
تحدث بملل وهو يعاود ارتشاف قهوته :
– لو عايزة تعرفي كلمي مامتك أسأليها ، هي اللي تعرف كل حاجة .
صمت وتركها كالعادة وسط تساؤلاتها ولم يُرحها حتى في هذا الأمر الذي بدأه هو لتزفر بقوة وتعاود النظر للمياه وبرغم زحمة أفكارها إلا أنها لن تسأله مجدداً ، ولكن سؤالاً يغلب كل أسألتها ، هل نارة تلك ابنة عمها حقاً ؟
لم تنتبه لدخول يوسف وصديقيه يتقدمون من إحدى الطاولات يجلسون عليها .
لم ترهُ حتى ولا هو يراها بل من رآه هو عاطف الذي تحول هدوؤه إلى فوران وغليان مفاجيء لدمائه خاصة حينما وجده يبتسم لصديقيه ويجلس على طاولةٍ أمامه ليصبح وجهيهما متقابلان .
زفر يوسف ولف نظره لينادي النادل فتفاجأ به يطالعه بغضب ، للحظة الأولى لم يرَ أميرة حيث كانت تواليه ظهرها ولكن حينما لمح عاطف لمح من تجلس أمامه أيضاً .
كانت تنظر للمياة بالتفاتة جانبية لذا فقد رأى جزءاً من وجهها ليلتفت سريعاً إلى صديقيه ويسعى للإنشغال معهما ساحقاً قلبه الذي يتضخم بقوة كادت تحطم قفصه الصدري .
أما عاطف فقد نطق من بين أسنانه بغضبٍ أعمى وشكٍ قاتل :
– علشان كدة وافقتي تيجي ؟
التفتت تطالعه باستفهام وملامح منكمشة قائلة :
– إيه ؟
رمى بذقنه نحو طاولة يوسف قائلاً بفحيح وملامح مخيفة أرعبتها :
– وافقتي تيجي هنا علشان عارفة إنه جاي .
هكذا صور له عقله المريض فيلماً سنيمائياً كان هو منتجه ومخرجه ولم تعلم هي عنه شيئاً .
التفتت تنظر حيث أشار بذقنه ولم تكد ترى حتى تألمت بفعل قبضته القوية التي اعتصرت يدها فأسرعت تطالعه بعيون غائمة مذعورة وتحاول نزع يدها ولكن لم تفلح حيث كانت قبضته حادة مؤلمة وهو يقول بوعيد :
– قومي معايا حالاً .
شعرت أن كفها كاد أن ينفصل عن ذراعها فأردفت ببكاء وهو تحاول نزعها بنبرة عالية :
– اااااه ، سيييب إيدي إنت اتجننت .
انتبها صديقيّ يوسف على صوتها وعلى نظراته فالتفتا يطالعان تلك المستنجدة فعرفاها على الفور بينما يتابع يوسف ما يحدث بغضب يتصاعد داخله وكاد أن يتوقف خاصة وهو يراه ينهض ويسحبها خلفه بقبضة تؤلمها ولكن أسرع صديقه عادل يوقفه قائلاً بتروٍ :
– يوسف أقف مينفعش إنت تتدخل خالص .
توقف يوسف ضاغطاً على أعصابه وهو يراها تركض بفعل سحبته لها كأنها بَهيمة تجر من قبل جزارها لتذبح وهو يقف مقيداً يشاهد فقط .
فتح عاطف سيارته وألقاها داخلها بقوة فارتطم جسدها بالمقعد متألماً فصرخت وبكت وهي تدلك يدها التي ستعاني من أثر ما فعله بها .
بينما هو التفت يستقل مكانه ويقود ليبتعد من هنا أولاً ثم ليرى ماذا هو فاعلٌ بها .
❈-❈-❈
في الجامعة .
خرجت مايا من المدرج واتجهت نحو الكافتريا لتشرب مشروباً ساخناً وتنتظر محاضرتها التالية .
اتجهت تجلس بمفردها على طاولة جانبية فرآها أمير فأخذته قدماه إليها وسحب كرسي قائلاً بسماجة :
– ممكن أقعد معاكي ؟
رفعت نظرها إليه وتوترت ثم أومأت بضيق فجلس يطالعها بتفحص ثم تساءل بعيون هائمة :
– هو ممكن نبقى أصحاب ، يعني حتى لو إنتِ مش حابة فكرة ارتباطنا دلوقتي على الأقل نبقى أصحاب ، أنا أقولك على اللي مضايقني أو مفرحني وإنتِ كمان تحكيلي .
قابلته بالصمت فأضاف وهو يفرد نفسه بتباهي تمثيلي :
– ها إيه رأيك في العرض الممتاز ده ، يعني مستعد أكون معالج نفسي وأسمعك من غير ولا مليم .
قالها بمرح بعدما لاحظ عبوسها طوال الصباح فتنهدت وابتلعت ريقها ثم ابتسمت بتكلف قائلة بفتور :
– متشكرة جداً يا أمير هو عرض حلو جداً بس أنا حقيقي مش حابة أتكلم .
زفر بيأس ثم شرد لثوانٍ وعاد إليها يردف بترقب :
– تمام مش مشكلة ، إيه رأيك لو أتكلم أنا وإنتِ تسمعيني ؟
لم تكن في مزاجٍ جيد لتسمعه ، كل ما يتردد على عقلها هو عمر وتصرفاته معها ولكنها لم ترد رده لذا أومأت له بملامح يعتليها الضيق تجاهلها أمير وبدأ يسرد عليها القليل من معاناته مع والده خاصةً بعد رفضها له .
كانت تستمع له بضيق ولكن عينيها كانت مسلطة على إيمان التي تجلس متمركزة على إحدى الطاولات وحولها عدة فتيات تتجمعن في دائرة النم وكل نظراتهن مسلطة نحو مايا وحديثهن يؤكد لها أنها الهدف .
اعتلاها لغضبٍ والضيق وهي تراهن تارةً تتلامزن وتارةً تضحكن وقد تجمع معهن بعض الشباب أيضاً .
من جهة نظراتهن وهمساتهن ومن جهة صوت أمير وحديثه المزعج .
تجمع كل هذا في عقلها لينتجا خليطاً قوياً من الغضب الذي تضخم وأرغمها لتنهض فجأة متجهة نحو تلك الطاولة تحت أنظار أمير المتعجب منها .
وصلت إليهن وباغتتهن بنظرة شاملة ثم تساءلت بعيون مشتعلة وهي تتكتف :
– سمعوني بقى كنتوا بتتكلموا عني تقولي إيه ؟
نظرن لها ثم عم الصمت لثوانٍ ليتركن الحديث لقائدتهن التي قالت بعلو وبنوعٍ من الوقاحة والبرود :
– كنا بنتكلم عن واحدة هنا ، عيلة صغيرة بلغت زميلها إنها موافقة ترتبط بيه بعد ما طلب ايدها ، ولما راح لهم البيت هو وأهله رفضته ، بجد موقف وحش أوي ، بس تعرفي عملت كدة ليه ؟
انقشع إحمرار الغضب من وجه مايا وأصبح باهتاً وأسدلت ذراعيها وهي تستمع لتلك الخبيثة حين استرسلت تسرد بابتسامة لعوب :
– عملت كدة علشان طلعت بتحب السواق بتاعها ، ضحك عليها بكلمتين وصدقته وواقعة لشوشتها في هواه وهو أصلاً ولا بيحبها ولا نيلة ده بيحب فلوسها ، بس بصراحة معاه حق ، مين هيحب واحدة زي دي عيلة ملهاش شخصية ولا ليها كلمة ، أنا مش عارفة زميلها ده حبها على إيه .
أنهت حديثها واعتدلت تنظر للفتيات اللاتي قهقهن وهن يتطلعن على مايا الشاحبة ، حتى الشباب كانوا يبتسمون بخبث ومن بينهم أيمن .
سلطت الأنظار عليها ووقفت كأن أحدهم جردها من ثيابها أمامهن ، حتى أمير ابتعد بضيق بعدما انتشر خبر رفضها له بينهم .
تجسد أمامها الانتقام لتتلبسه وتتحامى فيه من نظراتهم وهي تردف لترد لها الصاع صاعين :
– ليه ؟ ، هو إنتِ مفكرة كل الناس زيك ولا إيه ؟ ، بلاش إنتِ تتكلمي عن حد وخليكي في نفسك ، والسواق بتاعي ده أشرف من الوقح اللي إنتِ مصحباه وعمال يغفلك ويسحب منك فلوس بحجة إنه بيحبك وإنتِ مصدقاه ، شكلك هيبقى وحش أوي لما يظهر على حقيقته .
استطاعت إشعال فتيل الحقد والغل في جسد إيمان وكذلك أيمن .
لم تحتمل الأولى أو تفكر مرتين حيث اندفعت نحوها تقبض عليها صارخةً وهي تلقيها أرضاً :
– تعاليلي بقى وأنا أوريكي شكلي الوحش على حق .
انهالت عليها بالضربات ومايا تحاول الدفاع عن نفسها ولكن لتلك الإيمان شراسة موروثة عن والدها حتى أن الجميع ابتعدوا وباتوا يشاهدون ما يحدث بصدمة .
كانت مايا تتلقى الضربات وتحاول أن تجابهها ولكنها لا تفلح مع تلك الهمجية التي أخرجت كل طاقة الغضب والحقد منها إلى أن خرج أمير يسرع نحوهم بعدما استمع إلى صرخات مايا وحاول نزع إيمان من فوقها ولكنها كانت عنيفة فلم يستطع ردعها إلا بعدما جاءتا مشرفتان من الداخل على صوتهما .
انتزعتاها من عليها ووقفت هي تزفر بعنف وغل وتطالع مايا المشعتة التي جرحت شفتها واحمرت جبهتها وهي تبكي بشدة عما حدث معها الآن وهو مالم تتخيله أبداً خاصةً أمام مرآى ومسمع من الجميع .
سحبتاهما المشرفتان إلى الداخل وفُضت المعركة بفعل أمن الجامعة ووقف أمير يطالعها بحزن ثم قرر مهاتفة أسيا لذا رفع هاتفه يطلب رقمها ولكنها لم تجبه ففكر قليلاً ثم اهتدى لمهاتفة محمد زوج شقيقتها .
رن هاتف صقر وهو يجاور نارة وفي طريقهما إلى فيلا خالد فأجاب صقر على عجالة :
– ألو ؟
تحدث أمير بنبرة متلهفة :
– أيوة يا أستاذ محمد أنا أمير صديق مايا في الجامعة ، ممكن حضرتك تيجي الجامعة حالاً ! ، فيه بنت ضربت مايا دلوقتي قدام الجامعة كلها .
نظر صقر إلى نارة التي صُدمت وارتفع ضغطها أكثر فقال صقر متسائلاً باهتمام :
– مايا فين دلوقتي ؟
تحدث أمير بترقب :
– جوة في مكتب العميد .
– تمام
أغلق صقر بعدها وتحدث وهو ينعطف :
– متقلقيش يا نارة أنا هكلم عمر يروحلها حالاً .
باتت بين شقي الرحى فعلى ما يبدو أن المصائب لا تأتي فرادى .
زفرت بقوة وهى تراه يتحدث مع عمر ويخبره بمَا حدث .
❈-❈-❈
وصل بهجت إلى فيلا خالد وترجل مسرعاً تاركاً باب السيارة مفتوحاً ثم تحرك نحو البوابة يطرقها ويصرخ بغضب عاصف :
– افتحوااا ، هاتووولي بنتي ، هقتلك يا خااااالد ، هقتلك يا خاااالد .
كان مازن يقف مشتتاً مصدوماً من حالة والده التي يراها للمرة الأولى ولكنه يلتمس له كل الأعذار فالحدث جلل .
جاء الحارس إلى بهجت وفتح له البوابة كما أُمر من قبل فاندفع بهجت نحو الداخل وتبعه مازن حيث كان باب الفيلا مفتوحاً على مصراعيه .
دلف ينادي بصراخٍ ويبحث في الأرجاء بغير هدى ومازن يحاول تهدأته عبثاً ولكنه بات يخشى عليه من حدوث مضاعفات .
ظل لدقائق يبحث ويصرخ حتى انتهى من الطابق الأرضي وصعد للطابق العلوي يبحث به وفي قرارة نفسه يعلم أنه لن يجدها هنا ولكن مع ذلك يبحث ويصرخ بضياعٍ .
انهارت قواه عند آخر مكان بحث فيه وخر على ركبتيه يبكي بنشيجٍ حاد وأنفاسٍ غير متزنة قائلاً بهمس خائب وانكسار :
– إنتِ فين يا خديجة ، إنت فين يا بنتي .
أدمع مازن على حال والده وانحنى يربت على كتفه قائلاً بحزنٍ بالغ :
– اهدى يا بابا وهنلاقيها ، أكيد خديجة مش هتسمحله يقربلها .
زادت تلك الكلمة من جنونه وانتفض يقف عائداً للأسفل ومنه إلى الخارج لا يعلم أين يبحث وأين يذهب .
خرج من الفيلا فوجد صقر يتوقف بسيارته ويترجل منها فأسرع إليه يقبض على تلابيبه ويرطمه بظهر سيارته بقوة أجفلت نارة وهو يصرخ فيه :
– إنتوا إيييه ؟ ، دخلتوا حياتنا من أنهي داهية ، جيتولنا منيييين إنتوا ، خد صاحبك وغوروا من حياتنااااا ، بس هاتلي بنتي .
لم يمنعه صقر بل تركه ينفس عن غضبه وقهره خاصةً وأنه نطق الأخيرة بضعفٍ تجلى في نظرته ونبرته فأسرعت نارة إليه تحاول تهدأته بجانب مازن قائلة وهي تبعد زوجها عنه بدفاع :
– عمو بهجت أنا مقدرة جداً حالتك وإحساسك بس صقر مالوش دخل في اللي حصل ، اهدى وهنلاقي خديجة وهنرجعها .
نظر لهما بشتت وترك ياقة صقر ثم التفت يتطلع حوله كأنه يبحث عن أحدٍ يساعده فلم يجد سوى الفِلل والطرقات والأشجار .
شعر بالاختناق ودوراناً يصيب رأسه فاختل توازنه فأسرع صقر يسنده مع مازن ثم تحركا به نحو سيارته وأجلساه والتفت ينظر إلى زوجته قائلاً بنبرة عاجلة :
– كوباية ماية يا نارة .
أومأت وأسرعت تدلف فيلا خالد ثم عادت بعد قليل تحمل كوب المياء وتناولها لبهجت الذي يضع رأسه الدائر بين كفيه قائلةً برأفة وحزن على حاله وما يحدث :
– اشرب يا عمو بهجت .
لم يتناول منها ولم يبال بحالته بل يردد بصدرٍ مكلوم :
– مش عايز حاجة ، عايز بنتي وبس ، هاتولي خديجة .
تنفست تنظر لزوجها بحزن وتستنجده أن يجد حلاً لذا نظر إلى بهجت وتحدث بثباتٍ :
– هنلاقي يا أستاذ بهجت صدقني .
توقف بهجت عن حركته الاهتزازية وأنزل كفيه عن رأسه يطالعه بصمت وشرود كأنه وجد فكرةً غابت عن عقله لذا أومأ عدة مرات وتحدث وهو يعتدل داخل سيارته :
– اركب يا مازن ، اركب هنطلع ع المركز .
بالفعل أسرع مازن يجاوره بينما ابتعدا صقر ونارة عن السيارة وتركاه ينطلق إلى وجهته .
وقفت نارة تنظر إلى زوجها الذي اندفع نحو حارس خالد حينما لاحظ توتره وحركة يده نجو جيبه .
وصل إليع ويمد يده وقال بنظرة يدخرها لتلك المواقف ونبرة صارمة لا تقبل اعتراض :
– هات التليفون .
تحدث الحارس متلعثماً :
– ب بس يا صقر بيــ،،،،
– بقولك هات التليفون .
قالها من بين أسنانه فأذعن الآخر لطلبه وناوله الهاتف فتفحصه صقر ليتأكد أنه هاتفاً لاسلكياً ثم أخذه وتحرك عائدا ينظر نحو نارة قائلاً :
– اركبي يالا .
استقلا السيارة وبدأ يقود ثم تناول الهاتف وطلب الرقم الوحيد الموجود على قائمة الاتصالات فأتاه صوت خالد قائلاً بترقب :
– هل جاء والدها ؟
تحدث صقر من بين أسنانه بغضب :
– متى أصبحت حقيراً هكذا ؟
صمت لثوانٍ يدل على صدمته ثم ضحك قائلاً ببرود مستفز :
– الحقارة في عائلتنا منذ عهد يا رفيق .
تحدثت نارة بحدة معنفة :
– أعد خديجة إلى بيتها يا خالد وإلا حدث مالا تحمد عقباه .
تحدث ببرود تام :
– سيحدث يا زوجة أخي لا تقلقي ، كل مالا يُحمد عقباه سوف يحدث .
تأججت نيران صقر وصرخ به بغضبٍ وهو يلكم طارة القيادة :
– حين أراك سأقتلع رأسك المختل هذا ، انتظرني .
أغلق خالد الهاتف فنظرت نارة إلى صقر متسائلة بريبة :
– صقر هو ممكن يأذيها ؟ ، ممكن يتعرضلها ؟
كور فمه ونفخ أنفاسه الساخنة وشرد يفكر في سؤالها ، إن كان هذا نفسه خالد الذي يعلمه جيداً فإنه وبرغم كل سيئاته لن يؤذيها ، ولكن ما يخشاه أن يكون قد تحول إلى وحشٌ مفترس خاصةً بعد كل ما عاشاه .
❈-❈-❈
في وقت قياسي وصل عمر إلى الجامعة وترجل يركض للداخل ليرى ماذا حدث فقد أتى متلهفاً بعد مكالمة صقر له .
لا يعلم كيف قاد ولكن كان قلبه هو من يقود ليصل وها هو يخطو وفي طريقه قابل أمير فسأله بترقب :
– فين مايا ؟ ، وإيه اللي حصل ؟
تعجب أمير من مجيئه وتملكه الضيق ولكنه تحرك معه نحو الداخل وهو يخبره بتجهم :
– مايا وايمان جوة في مكتب العميد ادخل وهتعرف .
أخذه إلى مكتب العميد فطرق عمر الباب ثم فتحه ودلف يبحث بعينيه عنها ولكنه توقف حينما تساءل العميد بتهكم :
– إنت مين ؟
نظر للعميد قليلاً ثم تحرك بعينيه باحثاً عنها وحينما رآها أعتلاه غضباً تجلى على ملامحه وتحدث بضيق واضح :
– أنا خطيب مايا .
أجفلت مايا برغم حالتها الواهنة ونظرت له بصدمة فلم ينظر نحوها بل تابع متسائلاً وهو يشبك كفيه :
– ممكن أعرف إيه اللي حصل ده وازاي خطيبتي تنضرب كدة قدام كل زمايلها ؟ .
نظر العميد إليهما وتحدث ببعض التوتر :
– زميلتها هي اللي عملت كدة وطبعاً ده تصرف مش مقبول أبداً ، بس إحنا تواصلنا مع والدها وهو جاي في الطريق .
نظرت لهم إيمان بضيق وغضب وقلقٍ من ردة فعل والدها فهي تدعي أمامه الفضيلة ومن المؤكد ستنال توبيخاً لا تتمناه خاصةً أمام هؤلاء .
أما عمر فنظر نحو مايا وغلبه حنينه حين وجد شفتيها تنزف وملامحها باكيةً فتحدث بترقب :
– ممكن أخدها تغسل وشها ؟
سمح له العميد فنظر لها قائلاً بحنو :
– تعالى يا مايا .
تحررت قيود ساقيها أخيراً بعدما حاولت المشرفة مساعدتها ورفضت هي رفضاً قاطعاً ولكن أتى من يستطيع أن يخفف من وطأة الحزن المتراكم فوق قلبها .
خطت معه نحو الخارج تحت أنظار بعض الزملاء لذا أخفضت رأسها بخجل فتحدث وهو يجاورها بنبرة آمرة حنونة :
– ارفعي راسك .
بكت وهي تتكتف ورفضت رفع رأسها فالتفت يطالعها بحزن وتركها حتى وصلا إلى الحمام فتوقف أمامه قائلاً بحنو :
– ادخلي اغسلي وشك وأنا مستنيكي هنا .
أومأت له دون النظر إليه وتحركت نحو الداخل تقف عند الحوض ثم رفعت أنظارها إلى المرآة تنظر لهيأتها ووجهها الباكي وملامحها المنتحبة .
طفلة ، هي حقاً طفلة مسكينة ومدللة دلالاً فاسداً ولا تصلح أن تكون حبيبة أحدهم ، إيمان محقة بشأنها ، من الذي يمكنه الوقوع في حبِ فتاة مثلها حياتها عبارة عن تمرد وعناد ومشاكل دائماً .
هكذا حدثت نفسها فأغمضت عينيها وتنفست بقوة كأنها تستنجد بالهواء ليسعفها ثم فتحت صنبور المياة وبدأت بملء يديها ودفقهما على وجهها بعنف كأنها تعاقب نفسها على ما وصلت إليه .
توقفت بعدها تنتشل عدة محارم ورقية من جانبها وجففت ملامحها بحدة ثم حاولت تمشيط شعرها بأصابعها وتحركت بعدها عائدة إليه تردف دون النظر نحوه :
– خلصت .
تعمق في ملامحها واطمئن بعدما غسلت الدماء عن شفتها ثم تساءل بترقب وصوتٍ رخيم حنون تملأه العاطفة :
– إيه اللي حصل ؟
تنفست بقوة ثم نظرت له بعيون غائمة تجيب بسؤال :
– مين اللي قالك ؟
مد يده يستند على الحائط المجاور وهو يثني ساقه قليلاً على الأخرى ثم تحدث وعينيه تطالعها باهتمام :
– صقر كلمني ، احكيلي بقى اللي حصل بالضبط علشان أعرف اجبلك حقك .
أومأت له وبدأت تخبره ما حدث دون زيادة أو نقصان ومع كل حرفٍ تنطقه تسقط دموعها متذكرة ومتألمة وهو يتضاعف غضبه وتوعده .
انتهت تتنهد فتحدث وهو يتحرك نحو غرفة العميد مجدداً بنبرة متوعدة على ما أصابها من قهرٍ وظلم :
– تعالى ورايا .
خطت خلفه وسارا حتى وصل إلى الغرفة التي طرق بابها وفتحها ليدلف ويجد أمامه سمير العدلي
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)