رواية الأربعيني الأعزب الفصل السادس 6 بقلم آية محمد رفعت
رواية الأربعيني الأعزب الفصل السادس 6 بقلم آية محمد رفعت
رواية الأربعيني الأعزب البارت السادس
رواية الأربعيني الأعزب الجزء السادس
رواية الأربعيني الأعزب الحلقة السادسة
أباد ضوء الشمس الساطع ظلمة الليل الكحيل، وحينما احتضنت عقارب الساعة السادسة صباحاً، حتى إستيقظ “عاصي” ليركض بحديقة القصر مثلما اعتاد وفور إنتهائه إتجه لغرفة مكتبه من الباب الزجاجي الخارجي، فوجدها تستكين على مقعده كالملاك، اقترب منها “عاصي” وعقله مشدوهاً بها، فزارت شفتيه إبتسامة شبه ساخرة، فمن يرى جمالها الهادئ لا يصدق بأنها تلك المشاغبة التي أضافت شيئاً لحياته، مسح وجهه بيديه ثم اقترب منها ليرفع صوته حتى يزعجها:
_”لوجين”.
فتحت نصف عين، وهي ترد بنومٍ:
_ها.
سيطر على ضحكاته بصعوبةٍ، ليشير إليها بحزمٍ:
_ورايا شغل لازم أخلصه قبل ما أروح الشركة.
أتاه صوتها المنزعج:
_ما تخلصه أنا مسكتك يا عم!
إنتصب بوقفته ثم هز رأسه ساخراً:
_هخلصه إزاي وإنتي تقريباً نايمة على اللاب!
وجدت ما يقوله غريباً بعض الشيء، ففتحت عينيها لتتأمل المكان الذي غفلت به، فنهضت عن مقعد مكتبه وهي تلملم خصلات شعرها المبعثرة بحرجٍ:
_أنا مش عارفة نمت هنا إزاي!
حدجها بنظرةٍ مشككة، قبل أن يتبعها خشونة نبرته:
_إنتي أي حتة بتنامي فيها!
زمت شفتيها وهي تجيبه:
_لما ببقى عايزة أنام مبيفرقش معايا أنا فين؟
ضحك رغماً عنه، ثم أشار لها تجاه الدرج بمزحٍ:
_أوكي، إطلعي السلم هتلاقي أوضتك على الشمال وإتاكدي من الأوضة لأطلع ألقيكي نايمة المرادي في خزنة هدومي.
رسمت ضحكة مستهزئة رغم حدة نظراتها الشرسة تجاهه:
_مبتضحكش على فكرة، أنا مش مسطولة للدرجادي يا حضرت.
وأبعدت المقعد عنها فوجدته يعيق طريقها بوقفته القريبة منها، فأشارت له بضيقٍ:
_وسع كده.
رفع يديه للأعلى وهو يتراجع للخلف بخوفٍ مصطنع، حتى مرت من جواره وصعدت للأعلى بعصبيةٍ كادت بإبادته، فردد بعدم تصديق والإبتسامة مازالت مرسومة على وجهه:
_مجنونة!
*******
عبقت رائحة القهوة التي يعشقها من صنع يدها منزله، فنهض “غيث” ليجدها تصنع له الطعام بحبٍ لطالما عهده منها، راقبها ببسمةٍ عشقت تفاصيلها، فشعرت من توليه ظهرها بوجوده، وكأنه مرهون بدقاتٍ قلبها النابضة داخل صدرها، إستدارت “عائشة” للخلف ببسمةٍ رسمت برؤياه:
_الفطار جاهز.
سؤاله المعتاد في كل صباح جمعهما، فكانت تسرع دوماً بإجابته مثلما فعلت اليوم، تحرك “غيث” تجاهها ليضمها من الخلف، ثم همس لها بإنفاسٍ كادت بحرق رقبتها:
_الأهم من الفطار إني أشوفك قبل ما أنزل كل يوم الشغل.
دفعته بعيداً عنها وهي تشير إليه بتحذيرٍ:
_على فكرة أنت إتاخرت ولازم تنزل بسرعة.
اقترب ليسد طريقها وهو يغمز بخبثٍ:
_مش مهم.
إنحنت “عائشة” من أسفل ذراعيه ثم أسرعت تجاه الطاولة:
_أنا لازم أنزل حالاً عشان رايحة مع “إيمان” و”لوجين” نشتري شوية حاجات للبيبي.
مرر يديه على ذقنه النابتة بضيقٍ:
_لحقتوا تتفقوا على خروجات من دلوقتي!
ضحكت وهي تجذب المقعد للخلف لتجلس جواره:
_وده يضايقك في أيه بس ما أنت بتكون في الشغل وأنا لوحدي.
غمس قطعة الخبز بالجبن ثم تناولها قبل أن يشدد عليها:
_روحي بس خلي بالك من نفسك.
وضعت يدها بين يديه الموضوعة على الطاولةٍ وبحبٍ أظهرته إليها بحدقتيها قالت:
_بأحب خوفك عليا ونفس الكلمة اللي بتقوليهالي كل ما بقولك إني خارجة.
قرب يديه الأخرى ليحتضن كفها،وعينيه تغمز لها بمكرٍ:
_في كلام تاني كتير محوشه ليكي بس أنتي اللي مش مدياني الفرصة.
سحبت يدها سريعاً، ثم جذبت كوب الحليب لترتشفه في محاولةٍ للهرب من نظرات رغباته التي تفضحه، وحينما وجدته مازال يتطلع لها غمغمت وهي تشيح بوجهها بعيداً عنه:
_بعدين يا “غيث”.
عاد ليتناول طعامه ببسمةٍ هادئة تلاشت تدريجياً حينما قرب شاشة هاتفه إليه ليرى من يتصل به بالصباح الباكر، خمنت”عائشة” كناية المتصل، فتساءلت بإرتباكٍ:
_ماما؟
أجابها باقتضابٍ عابس:
_أيوه.
كظمت إنزعاجها، فرغماً عنها تتذكر ما فعلته بها لتنهي هذا الزواج بالرغم من أنها بذلت ما بوسعها لتنال حبها، ولكنها كانت تكن لها كراهية وعداء لا تعلم “عائشة” سببه، فكانت تظن بأنها ستلين حينما تجدها تعاملها بلطفٍ، فسيطرت على التغير الجذري الذي طرأ على تعابير وجهها فور تأكدها بأنها المتصلة ثم أضافت متسائلة:
_طب أيه مش هترد؟
صمته المطول جعلها تستميله بحديثها:
_دي مهما كانت والدتك يا “غيث” ، رد عليها يمكن في حاجة مهمة.
حملق فيها بصدمة مذهولة حتى إن تفكيره إضطرب كلياً، فردد في عدم تصديق:
_بعد كل اللي عملته فينا وعايزاني أرد!
هزت رأسها محتجة:
_أنا بس كنت آآ..
بتر كلماتها على لسانها حينما نهض عن مقعده الذي سقط أرضاً من قوة دفعه له:
_أنا مش عايزك تتدخلي في الموضوع ده تاني يا “عائشة”، سامعة؟
أومأت برأسها دون أن تنطق بحرفٍ واحد، فعاد ليكمل بنفس اللهجة المتعصبة:
_ أنا اللي يطعن في شرف مراتي كأنه طعني أنا ويارتها كانت من حد غريب!
وتركها وإتجه لعمله دون أن ينبس بحرفٍ واحد..
******
استشاطت “سمية” غضباً من تجاهله لمكالماتها فصاحت بتهورٍ بعدما جرفتها مشاعر السخط تجاهها:
_أكيد هي اللي ملت دماغه من نحيتي بعد ما نصبتلي الفخ.
وضغطت على شفتيها بقسوةٍ وهي تردد بوعيدٍ لها:
_طب والله لأوريكي يا لمامة يا تربية الملاجئ، إما خلتك تقولي حقي برقبتي!
على صوت جرس بابها، فحواطتها مشاعر متدفقة بالسرور والبهجة، لظنها بأن ابنها قد أتى إليها، فنهضت عن الأريكة بسرعةٍ لا تتناسب مع عمرها، ثم إتجهت لتفتح بابها، حافظت “سمية” على إبتسامتها وإن كانت شبه مصطنعة حينما خاب أملها بالطارق، فرددت بترحابٍ زائف:
_”عاصي” تعالى يا حبيبي.
وتنحت جانباً حتى مر للداخل، فتبعته للداخل ثم أشارت له بالجلوس:
_إقعد يا حبيبي بقالي كتير مشفتكش.
جلس “عاصي” بهدوءٍ رغم شعوره بالنفورٍ مما فعلته خالته، فساد بينهما صمت على غير عادتهما باللقاء، فكان يبحث عن كلمات لائقة لا تجرحها، أما هي فتتهرب من مواجهة حتماً ستحدث بينهما، إلى أن قرر قطع حبال الصمت المطولة:
_أنتي أكيد عارفة أنا جاي هنا النهاردة ليه يا خالتي، فمفيش داعي إني ألف وأدور عليكي.
وفرت عليه ما سيقول وقالت مباشرة:
_لو جاي عشان تدافع عن تربية الملاجئ إنت كمان يبقى بلاش تتكلم يا “عاصي”.
رد عليها بتعابير مشدودة:
_لا مش جاي أتكلم عن تربية الملاجئ، أنا جاي أتكلم عن بني أدمة زيك وزيي، وتبقى مرات ابنك وأم حفيدك اللي أنتي مشككة في نسبه.
ردت عليه بنزقٍ:
_ليا حق أشك في نسبه مهو في النهاية ابن واحدة ملهاش لا أب ولا أم.
أخرج زفيراً مطولاً من صدره قبل أن يرد عليها:
_هو أحنا اللي بنختار حياتنا، محدش بيختار لنفسه الوحش يا خالتي.
ثم استكمل بصوتٍ حزين:
_بلاش تخسري ابنك الوحيد بسبب عمايلك دي.. إنتي أكتر واحدة عارفة اد أيه هو عنيد.
أتاه ردها فاتراً:
_وأنا أعند منه ومش هتقبل اللي في بطنها غير لما تعمل التحليل.
أوشك على فقدان آخر ما تبقى بطاقة صبره، وبصعوبة شديدة كبح إنفعالاته:
_يبقى هتخسري وهتخسري كتير.
زمت شفتيها معلقة في سخطٍ:
_ده ابني، يعني مهما عمل في النهاية مستحيل هيتخلى عني.
أجابها بعقلانية بعدما استقام بوقفته ليستعد للرحيل:
_ابنك مبقاش صغير بقى راجل والراجل أكتر حاجة توجعه إن حد يطعنه في عرضه وشرفه.
نظرة مترددة تكونت في عينيها، أخافها بما قال عن عمدٍ بما قال ليتنحنح بعدها مردداً بهدوءٍ:
_فكري كويس قبل ما تضيعيه من إيدك.
وتركها شاردة بما قال ثم هبط ليصعد لسيارته التي كان سائقها بإنتظاره، ليتجه به للشركة على الفور.
******
فتحت الحاسوب بلهفةٍ لترى نتائج ما فعلته بالأمس، فارتسمت إبتسامة رضا على وجهها حينما رأت نتائج مبهرة لما فعلته، فصفقت بيدها وهي تمدح نفسها:
_براڤو “لوجي”.. كده بقى ضميري هيكون مرتاح من نحيته!
فرحتها كانت غامضة وغير مفهومة، ولكن بعد ساعات مبسطة صارت علني للجميع على وسائل التواصل الإجتماعي، مما جعل”عمر” يسرع بالإتصال “بغيث”، فأخبره بما حدث ثم أكد عليه قائلاً:
_بلغه بسرعة بكلامي ده وخليه يتصرف بسرعة قبل ما نتفضح.
أجابه”غيث” بنبرةٍ ساخرة:
_أبلغ مين أنت مصدق إنه يعمل الهبل ده!
_”غيث” الموضوع مش هزار، إلحق بسرعة بلغ “عاصي” يمكن يتصل باللي نشر الكلام ده ويتراجع.
ببسمةٍ خبيثة أخبره:
_أنا أفضل إنك تبلغه بنفسك.
وأغلق الهاتف وهو يراقب ما أرسل إليه بصدمةٍ وعدم إستيعاب لما سيحدث حينما يعلم “عاصي” بالأمر.
******
بمكتب “عاصي”..
إنزعج من الإتصالات المتعددة التي يتلاقها هاتفه من”عمر”، فرفعه وهو يجيب على مضضٍ:
_ كل دي مكالمات على الصبح!
أتاه صوته الذي بدى إليه منصدماً بعض الشيء:
_أنا عارف إنك بتمر بأزمة عاطفية من وقت وفاة” هند” وكلنا كنا بندعيلك إنها تعدي على خير، وتقطع وعدك بالعزوبية وتتجوز بس اللي أنت عملته ده كان صدمة بكل المقاييس!.
واستكمل ساخراً:
_أنا قولت لأختك أكتر من مرة إنك خبيث بس هي مكنتش مصدقاني، بس أكيد لما تشوف اللي شوفته هتصدق كل حرف قولتهولها.
مرر يديه على جبينه ليحارب صداع رأسه الذي يهاجمه فور سماع صوته، ثم قال بفتورٍ:
_يا ابني والله ما فايق لألغازك دي على الصبح، إنجز وقولي مالك؟
أجابه بحدةٍ، وكأنه لا يصدق بأنه لا يعلم مغزى حديثه:
_بعتلك الخبر على الواتس روح وشوف بنفسك.
أغلق”عاصي” مكالمته ثم فتح لينك الموقع الذي قام “عمر” بإرساله إليه، فقرأ بعدم إهتمام المدوت من أمامه، جحظت عينيه في صدمةٍ حقيقية، فاعتدل بمقعده سريعاً ليعيد القراءة مرة أخرى ببطءٍ وإهتمام
«رجل الأعمال الشهير “عاصي سويلم”، يبحث عن فتاة أحلامه، ويضع شروط خاصة لذلك، فمن ترى نفسها تليق بالأربعيني الأعزب الوسيم تملي تلك الاستمارة وسيتم اختيار عدد لمعاينة مقابلة سريعة في قصره الخاص»
فتح الاستمارة الموضوعة أسفل الإعلان، فصعق حينما وجدها عبارة عن أسئلة متعلقة بالوزن والطول، ولون البشرة وطول الشعر وآخرى متعلقة بالعلاقات السابقة والمؤهلات التعليمة، أغلق الهاتف وهو يردف بتعصبٍ شديد:
_” لــــــوجين”… عملتي أيه يا مجنونه!
ونهض عن مقعده ثم جمع ملفاته الهامة ليسرع بالخروج، فوجد أمامه السكرتير يسرع بإخباره حينما وجده يستعد للخروج:
_”قاسم” باشا بره من فترة وعايز يقابل حضرتك.
إتجه للدرج وهو يشير إليها بإنزعاجٍ:
_مش فاضيله دلوقتي، بلغي “غيث” وخليه يقابله مكاني.
وهبط للأسفل سريعاً، ليتجه بسيارته للقصر على الفور، والدماء تفور داخل أوردته، فما أن توقفت السيارة حتى أسرع بالهبوط ومن ثم ولج للقصر باحثاً عنها بغضبٍ عاصف، فإهتدت عينيه على الخادمة التي تنظف الطاولة القريبة منه، فصاح بصوتٍ جمهوري:
_فين المجنونه دي؟
ارتعبت الخادمة من ملامحه المتعصبة، فأسرعا بالإشارة بإصبعها المرتجف تجاه مكتبه، تجهمت معالمه وهو يتساءل بدهشةٍ:
_بتعمل أيه لسه في مكتبي؟
عادت لتشير بكتفيها بقلة حيلة، فتركها واستكمل طريقه للداخل، فتفاجئ بها تجلس على مقعد مكتبه وتضع قدميها على حافته ، وبين يدها ثلاث من هواتفه الهامة، فبدت حائرة بالرد على أي منهما، فرفعت سماعة إحداهما ثم قالت بابتسامةٍ واسعة:
_أهلاً بكي في قصر الاربعيني الاعزب، أنا “لوجين” سكرتيرته الخاصة… وأنتي مين؟
انصتت للجهة الاخرى بعنايةٍ، فإنتفضت بجلستها وهي تردد بصدمةٍ:
_ أيه 120كيلو، لا يا حبيبتي أنا بقترح عليكي تعملي ريجيم قاسي، وبدل ما تتصلي بينا إتصلي بنادي رياضي ينفعك.
وأغلقت الهاتف وهي تهمس بسخريةٍ:
_دي عايزة حزام ناسف مش عريس!
وأمسكت القلم من أمامها ثم وضعت علامة «×» أمام الاسم المطروح أمامها، وعادت لترفع السماعة المجاورة لها لتستقبل مكالمة أخرى، فإرتسمت إبتسامة مصطنعة وهي تردد:
_الصوت مبشر بس قوليلي بسرعة كده وزنك أد أيه؟ لو طلع أزيد من 100هزعل.
ارتخت تعابير وجهها الرقيق حينما استمعت لما قالته، ثم قالت بحماسٍ:
_طبعاً بعد اللي سمعته ده تقدري تيجي بكره لمقابلة “عاصي سويلم”..
وأغلقت الهاتف بإبتسامة متعجرفة ثم رددت بثقةٍ:
_حاسة كده إن مشكلة المعقد على وشك أنها تتحل.. ويمكن لما نعالج مشكلته حال القصر الكئيب ده يتعدل لما يتجوز بنت كويسة.
_وأنا كنت إشتكيتلك!
كلمات انطلقت من فاهه بعصبيةٍ شديدة، جعلتها ترتد عن مقعدها بفزعٍ، فرفعت يدها على صدرها وهي تتحكم بدقاتها المتسرعة:
_خضتني، إنت متعرفش تتكلم بصوت واطي أبداً!
أنهى المسافة بينهم، حتى أصبح قريباً منها وبصوتٍ كالرعد قال:
_هو أنتي لسه شوفتي حاجة، اللي جاي أبشع من اللي بيحصل هنا دلوقتي.
ومن ثم جذبها من تلباب قميصها الوردي وهو يصرخ بانفعالٍ:
_قوليلي حالاً أيه الجنان اللي أنت عملتيه ده، وعروسة أيه اللي بتدوري عليها دي!
قالت بابتسامةٍ واسعة:
_أنت متعرفش حاجة عن حل الامور المعقدة اللي أنت بتمر بيها، أنت محتاج بنت عشان تقدر تتخطى أزمتك دي، بنت تكون جميلة ورقيقة كده هي اللي هتقدر تساعدك وتصنع المعجزات..
جز على أسنانه ومن ثم شدد من ضغطه على خصلات شعره قبل أن يقول:
_وانتي اللي هتقرري بدالي أيه اللي محتاجله!
أجابته بكل غرور:
_أيوه أنا.
لعن ذاته في تلك اللحظة على تقديمه المساعدة لتلك الحمقاء، فتشبث بأخر ذرة أعصاب يمتلكها ثم قال:
_اسمعيني إنتي هنا ضيافة فإتصرفي على الأساس ده، ولأخر مرة هقولك متتدخليش في حياتي الشخصية لإن ده مش من إختصاصك.
وكاد بالخروج من الغرفة، فاتبعته وهي تشير له بحماسٍ:
_اختيار شريكة حياتك مش أمر خاص بيك لوحدك، سيبلي المهمة دي وأوعدك أختارك بنت كويسة تليق بيك يا وسيم..
استدار تجاهها ليحدجها بنظرةٍ قاتلة، فجذبت لوحة الاسماء ثم جلست تتابع عملها وهي تردد بصوتٍ منخفض بعض الشيء:
_أنت ساعدتني إني أتخلص من “قاسم” الملزق ده عشان كده لازم أساعدك إنك تتخلص من عقدتك دي وتتجوز في أسرع وقت.
أطبق على شفتيه بقوةٍ كادت بأن تبترهما، فاستكمل طريقه للاعلى هامساً بحنقٍ:
_أنا اللي عملت في نفسي كده.
*******
بعيادة الدكتور “عمر أيوب” الخاصة بالعلاج النفسي.
ارتشف كوب قهوته التي تعدت السابعة، وهو يتأمل خبر الموقع للمرة التي نسى عددها، ليهمس بقلقٍ:
_يا ترى أيه اللي حصله؟
وأردف بعد مهلة من التفكيرٍ:
_أكيد البت الغريبة دي هي السبب في جنونه،عشان كده بقى بيدور على عروسة علناً بعد ما كان عامل إعتصام عشر سنين.
وأغلق حاسوبه وهو يدندن بسخريةٍ:
_مراتي دايماً شايلة هم أخوها العانس وهو قايم بالواجب وبيدور على عروسة على النت، حاجة بجد يدعو للفخر.
وجذب الهاتف الموضوع لجواره ثم صاح بضيقٍ:
_هاتيلي فنجان قهوة كمان ودخلي أول حالة.
وبالفعل سمحت بدخول أول حالاته، فتمدد المريض على السرير المريح ومن ثم بدأ بأول جلساته، فأذا بضوضاء تأتي من الخارج ليتبعه صوت اصطدام قوي، تعجب “عمر” فحاول التعرف على مصدر الصوت فلم يكن سوى باب المكتب الذي دفعته “إيمان” بقوةٍ، لتدنو من زوجها الماسد جوار مريضه ثم صاحت بحدةٍ:
_قول للممرضة الهبلة دي متمنعنيش تاني من الدخول، أنا أجيلك في الوقت اللي أنا عايزاه أنت فاهم؟
تحولت نظراته لتلك الممرضة البائسة التي تعاني من تسلط هرمونات زوجته التي توشك على الولادة، وكلما شعرت بتعبٍ بسيط هرعت اليه وكأنه طبيب متخصص بالنسا والتوليد، وضعت “إيمان” يدها حول خصرها وهي تتأوه بألمٍ:
_أنا مش عارفة أنت هتحس بيا وبالتغب اللي أنا فيه أمتى؟
سلطت نظراته على المريض المستلقي أمامه، ثم قال بحرجٍ من طريقتها:
_وطي صوتك يا حبيبتي، هتضيغي مسيرة سنين دراستي بالطب بسبب أفعالك الجنونية دي!
لوت شفتيها بسخطٍ، وهي تصرخ بوجهه:
_ده كل اللي يهمك؟ شهاداتك والمرضى!
هز رأسه بخفوتٍ، فجزت على أسنانها بغيظٍ، ثم تركته واتجهت للتخت لتلكز المريض بغضبٍ:
_أنت إتعميت زي الدكتور بتاعك، نايم ومتهني ولا كأنك شايف قدامك ست حامل وعلى وش ولادة، خلي عندك دم وقوم.
ودفعته بعيداً عن الفراش ثم تمددت وهي تشير لزوجها المنصدم مما يحدث:
_إكشف عليا بسرعة وقولي مالي؟
وتنهدت ببطءٍ وهي تخبره بوجعٍ:
_حاسة إن ابني مش كويس وبالذات لما خلصت غسيل الهدوم اللي كل بقعة فيها أد كده بسببك..
عبث بعينيه وهو يجيبها بإستهزاءٍ:
_متقلقيش يا روح قلبي أنا هبطل ألبس هدوم خالص، هعلم نفسي إني أتكيف على المشي عريان عشان سلامتك إنتي والولد.
وسألها بثباتٍ مصطنع:
_مبسوطة كده؟
أومأت برأسها بابتسامةٍ نصر، ثم قالت:
_بدأت أبقى مبسوطة، ودلوقتي بقى إطلبلي عصير عشان أهدي أعصابي لحسن حاسة إني مش تمام.
تحكم بانفعالاته الثائرة، ثم أشار للممرضة بابتسامةٍ يرسمها بالكد:
_هاتيلها كوبيتين عصير يا “سالي” ، وأوعي تتأخري لحسن تبلعني وأنا واقف بالبلطو كده.
كبتت السكرتيرة ضحكاتها وهي تسرع بالخروج لتنفذ طلبه، فجذب “عمر” المقعد ثم قربه منها وهو يناديها بخوفٍ:
_بقيتي كويسة دلوقتي؟
هزت رأسها بابتسامة واسعة، فلعق شفتيه الجافة بارتباكٍ مما سيقول:
_طيب يا حبيبتي، أنا عايزك تسمعيني كويس بس بقلبك، لو فضلتي تجيلي هنا كتير وتطردي المرضى بالشكل ده هنجمع فلوس ولادتك منين!
ضيقت عينيها بضيقٍ من حديثه، ثم قالت:
_يعني أعمل أيه يا “عمر”، لما بحس بوجع بخاف يكون معاد ولادتي قرب عشان كده بجيلك جري..
اصطنع ابتسامته، ثم قال بهدوءٍ:
_يا روحي إتصلي بيا بس وأنا أوتدك هسيب كل حاجة في إيدي وهجيلك جري بدل الفضايح اللي بتحصل هنا دي.
احتدت نظراتها الشرسة تجاه، فصرخت بعصبيةٍ:
_أنت تقصد أيه بكلامك ده، أنا اللي بعملك فضايح!
ابتلع ريقه بخوفٍ وهو يجيبها:
_لا يا حبيبتي انا بس كنت آآ..
ابتلع كلماته حينما وجدها تحتضن بطنها وتصرخ بجنون:
_آآه.. “عمر” ، بطني مش قادرة..
واتبعها صرخة أكثر ارتفاعاً وقولاً يلاحقه:
_الحقني يا “عمر” أنا بولد .
حملها “عمر” ثم هرول للاسفل ركضاً، فوضعها بسيارته ثم حمل هاتفه ليطلب “عاصي” الذي أجابه بتأففٍ:
_أيه تاني!
أتاه صوته المتقطع من فرط أنفاسه اللاهثة:
_أنا أسف لو بزعج جناب الاربعيني الأعزب الوسيم، والله ما عايز أعطلك عن مقابلاتك الهامة اللي تخص مستقبلك الوردي بس كنت عايز أقولك إن أختك بتولد، فلو عرفت تيجي يبقى ده كرم منك كبير.
رد عليه بنبرة حادة حملت وعيداً سيحققه ذات يوماً:
_سقتلك في يوم من الأيام، خليك فاكر ده كويس.
ثم أغلق الهاتف بوجهه وهو يلعن هذا اليوم الغامض في حياته الذي بدأ بما فعلته تلك الحمقاء وانتهى بشقيقته وزوجها، فجذب جاكيته وأسرع للدرج ليتجه بالهبوط، فتفاجئ بها تختبئ خلف أحد المقاعد وهي تشير له بالأقتراب، أطبق شفتيه ببعضهما بغيظٍ، فإنحنى إصبعها تجاه الطابق السفلي وهي تهمس برعبٍ:
_”قاسم”..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الأربعيني الأعزب)