روايات

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل العاشر 10 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل العاشر 10 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون البارت العاشر

رواية كسرة وضمة وسكون الجزء العاشر

كسرة وضمة وسكون
كسرة وضمة وسكون

رواية كسرة وضمة وسكون الحلقة العاشرة

وأتى يوم عقد القران بمنزل الفتاتان بعد إتمام الترتيبات اللازمة له بالساعات الماضية.
مضت الساعات الفائتة على رقة سريعة وبآنً واحد بطيئة جدًا، ولكن ما كدر مزاجها هو أنشغال أشهد عنها تمامًا، حتى أنه أجرى عدة مكالمات هاتفية سريعة ليتأكد أن كل شيء على ما يرام … فقط !!.
وجهزت شهد المنزل لاستقبال عدد قليل من المدعووين المقربين من الفتاتان فقط .. وأتى أشهد بأفخم سيارة لديه .. وتبعه شقيقه حازم بسيارته ومعه خالته وأبنتيها .. وقالت نرمين بسخرية قبل أن يصلون لبيت رقة :
_ وأنت مش ناوي بقا تعرفنا على تعيسة الحظ اللي هتبقى خطيبتك ؟!
رد حازم بعد وقتٍ طويل وقد أستفز ذلك نرمين وقال :
_ عندها امتحانات .. وبعدين ده بمزاجي .. يوم ما أنوي هعرفها على الكل .. اكتمي بقا!.
لوت سميحة زاوية شفتيها وقالت باشمئزاز وهي تنظر لطرقات المنطقة العشوائية التي تسكن فيها رقة :
_ احنا اتكتمنا من غير حاجة من الريحة المقرفة اللي في المكان ده … هي عايشة فين دي ؟!
رد حازم بسخرية :
_ والله يا خالتي الناس مش بيتحكم عليهم من مكان سكنهم، ياما ناس زبالة وما عندهمش دم وعايشين في مناطق نضيفة !.
وغمز عبر المرآة لنرمين التي شعرت بالغليان والغيظ منه ليقينها أنه يقصدهن بالحديث .. فضحك حازم عندما نجحت رميته وقال لهن :
_ كل واحد حر ..
تمتمت سميحة بشيء لم يسمعه حازم، ولكن يبدو أنه سباب وشتائم .. وبعد دقائق وقف بسيارته خلف سيارة أشهد التي توقفت للتو وسط أنظار الكثير من سكان الحي الفقير… وكأنه الأمير الذي أتى بالحفل لمنزل السندريلا!.
(وبشقة الفتاتان … )
صاح الصبي “حموكشة” وقال لوالدته التي كانت مشغولة بترتيب الحلوى بالأطباق :
_ العريس وصل يمه ومعاه المأذون .. العريس وصل ..
دق قلب رقة التي كانت تسلم وجهها للـ ” ميك أب ارتيست” بغرفتها، وقد تبقى لحظات بسيطة وتنتهي تماما،
وبتلك اللحظة أخذت شهد يدي شقيقتها بين يديها وقالت بدموع فرحة صادقة :
_ كلها دقايق وهياخدك مني.
تمسكت رقة بيد شقيقتها وقالت بعتاب ونظرة حنونة :
_ محدش يقدر ياخدني منك .. هفضل معاكي لآخر نفس ..
ابتسمت شهد وهي تمسح عينيها وقالت :
_ لأ أنا عايزاه ياخدك وتفرحي وتتبسطي .. أنتي تستحقي اكتر من كده بكتير أوي ..
وهنا انتهت الفتاة الخبيرة من تزيين رقة التي بدت كحورية البحور السبع .. وشهقت بسعادة عندما وقفت ونظرت لنفسها بالمرآة .. قائلة بدهشة :
_ أنا دي ؟ .. لا مش معقول !!
ضمتها شهد وهي تبك بسعادة وتقبلها بحنان .. وارتفعت بعد ذلك أصوات الزراغيد وطوى الأكف عندما دخل أشهد مع المأذون وتبعه حازم والبقية .. وبعد دقائق خرجت رقة وارتفعت اصوات الزراغيد مجددًا عاليًا..
وكان أشهد جالسًا بالكاد يبتسم للجميع .. شاردا فيما يحدث ويشعر بالغرابة من كل شيء ! .. كأنه يحلم ولحظات وسيستيقظ ليوم عمل شاق.
حتى رآها … تسمر مكانه ودهش للوهلة الأولى، وسلب عقله مظهرها الشديد الأنوثة مع مساحيق تجميل غلفت وجهها بنعومة ساحرة ..
وتصبغ وجه رقة بالحياء والابتسامة العميقة الصافية وأزواج العيون مُسلطة عليها.
بينما هو ظلت عينيه عليها معلقة في حرب صامتة لشوق جارف اليها، وشيء غامض ينبض بقلبه كلما وقعت عينيه على عينيها .. وبدأ المأذون يعقد القران .. وكانت عينيه عليها وهو يردد خلف المأذون بابتسامة ونظرة عين بها لهفة عنيفة للقرب..
وكلماتٍ وهمسات …بمفردهما.
وأخيرًا تعالت دقات قلبها بسعادة شديدة عندما استمعت لكلمات المأذون وهو يقول :
_ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ..
نهضت تستقبل التهاني والمباركات من الجمع حولها، وتعالت الزراغيد مجددًا حول رقة .. وعندما ضمتها شهد بسعادة غامرة لاحظت شهد غمزة ماكرة من عين حازم وابتسمت بخفاء لتلك النظرة الماكرة .. بينما حازم ضيق عينيه بتسلية وابتسامة خبيثة وهمس عندما وقف قربها :
_ جايلك يوم يا حلو .. أما هيبقى حتة يوم ..
ابتسمت شهد سرًا، بينما تظاهرت باللا مبالاة .. وتجاهلته، وقد اغتاظ منها حقًا ..
وظل أشهد ورقة يتلقون التهاني من الجميع لبعض الدقائق .. حتى صافحته سميحة وأبنتيها بجفاءً شديد دون ابتسامة وقالت له قبل أن تغادر :
_ مبروك يا حبيبي .. عقبال الفرح .. أبقى هات عروستك تسلم على أمك بقا عشان مشيرة ما تزعلش .. كفاية إنها مقدرتش تحضر ..
انتبهت رقة للحديث وقالت لها بابتسامة :
_ أنا مقدرة تعبها .. شوية وأشهد هياخدني أنا وأختي وام بسنت ونزور ماما مشيرة ..
لوت سميحة شفتيها بسخرية وتمتمت :
_ ماما مشيرة !! .. طيب !
ولاحظت رقة سخرية سميحة، فابتلعت ريقها بحرج وحمدت ابتعاد سميحة ومغادرتها مع أبنتيها من المنزل .. بينما عانق حازم شقيقه الأكبر بقوة وقال له بنظرة فهمها أشهد:
_ مبروك يا أشهد .. الف مبروك.
ابتسم أشهد له بثبات وقال :
_ الله يبارك فيك .. عقبالك يا حازم.
اعترض حازم بقوة وقال بنفور من فكرة الزواج بتلك الطريقة :
_ بعد الشر .. لا مش عايز كده ..
واعتقد الجميع أنه ينفر من رابطة الزواج، بينما أشهد قد فهم ما خلف رده وأعتراضه، فانكمشت تعابير شهد ودهشت من إجابته للحظات .. ويبدو أن حازم راقه صدمتها وقال ليستفزها أكثر :
_ مقابلتش اللي تدخل دماغي لسه ..
تنفست بعمق وابتعدت عن محيطه، فاتسعت ابتسامة حازم بتسلية وتتبعت عيناه خطواتها المبتعدة نحو صديقتها نور وشابا آخر يرافقها !!.
وفجأة شعرت رقة بأصابع تتخلل أصابعها في دفء وقوة .. حتى ضم أشهد أصابعها كليًا بقبضته .. فأنتشرت قشعريرة بجسدها وتسحبت ابتسامة على شفتيها وهي تنظر له جانبًا .. وبعدما غادر المدعويين القليلون … أخذت ام بسنت رقة لغرفة الجلوس الصغيرة وأشارت لأشهد ليأت إليهما .. وقالت بابتسامة عريضة :
_ اقعدوا مع بعض شوية .. وأنا هعشي حنفي والعيال وراجعة بسرعة ..
خرجت المرأة وتركت عدد ليس بكبير بالشقة ..
(وبغرفة الجلوس …)
دخل أشهد بابتسامة ونظرة عين جعلت رقة ترتجف من الحياء والخجل .. اقترب بعدما أغلق الباب خلفه وقال :
_ أظن دلوقتي من حقي اقعد معاكي من غير محرم … بقيتي مراتي رسمي ..
ابتسمت رقة بسعادة زلزلت قلبها ورفعت عيناها له سريعا وهي تقول بحياءً شديد:
_ مبروك يا أشهد .. مبروك يا زوجي العزيز.
هز أشهد رأسه بابتسامة يتخللها الاعتراض والمرح وقال بمكر :
_ ما ببتقالش كده في يوم زي ده ..
وقبل أن تفكر رقة في رده وتسأله جذبها من ذراعيها اليه، وهمس وهو يقبّل جبينها ببطء ورقة متناهية جعلتها ترتجف حياءً :
_ بتتقال كده.
ولأول مرة تنظر لعيناه السوداء الساحرة بذلك القرب الخطر، انتشر بجسدها رعشة عنيفة حتى ابتعدت بحياء شديد عندما شعرت بالخطر .. ابتسمت رقة وهي تقترب من نافذة وهمت لتفتحها قائلة :
_ شوية هوا ..
ضيّق أشهد عينيه عليها وراقة ذلك المكر الذي لا يظهر كثيرًا فيها، فأقترب منها من جديد وقال بخفوت :
_ ما احنا هنخرج شوية… هتيجي عندي البيت عشان تشوفي أمي …
انتبهت رقة لنبرته الماكرة وعينيه اللمعة فاستدارت وقالت له :
_ هاجي معاك عشان أشوفها .. وأختي هتيجي معايا هي وام بسنت وعيالها وجوزها .. مش هنكون لوحدنا.
رد أشهد بسخرية ونظرة خبيثة :
_ ولو بقينا لوحدنا يعني ..! … أنتي ناسية إنك دلوقتي مراتي !.
اتسعت إبتسامة رقة بسعادة لنطقه لتلك الكلمة المحببة لقلبها، ثم قالت بلطف :
_ مقدرش أنسى … بس من هنا ليوم الفرح مش هنكون لوحدنا .. أنت يتخاف منك!.
اختفت الابتسامة من وجه أشهد ورفع حاجبه بحدة لردها ! .. بينما أتى ردها على نقطة عميقة في نفسه، متوجسا من مواجهتها، يعترف بالذنب في عدم التحدث عنها .. ولكنه لم يستطع، فقد تذكر أشهد التشوه المخيف الذي يغطي منتصف جسده، إثر حادث مروع تعرض له قبل سنوات وخرج منه حيًا بفضل الله وإرادته، كلما أراد التحدث في هذا الأمر والاعتراف لها لم يستطع .. فأمتلأت عينيه بألم وهو يطالعها بصمت ويفكر بتوجس بالآت … قالت رقة بإعتذار وقلق من صمته :
_ مقصدش أزعلك والله .. أنا بهزر معاك ..
ظل أشهد يطالعها في صمت وتيهة للحظات، وبكل لحظة يتصارع مع نفسه لينطق بما يؤرقه ويخيفه من ردة فعلها … فهمست رقة وعينيها غارقة بالاعتذار والخوف وهي تقترب وتضع يدها على صدره :
_ أشهد ..
تنفس أشهد بعمق وظهر عينيه التوتر وهو يلمس يدها على صدره ويقول :
_ تعالي معايا نروح لأمي عشان ما نتأخرش عليها ..
ظلت تنظر له بقلق حتى سألته :
_ أنت زعلت مني ..؟
رد عليها بصدق وبوجه بتعابير مبهمة :
_ مافيش سبب يزعلني منك ! ..
سألته مرةً أخرى بحيرة :
_ يبقى مالك ؟!
تطلع أشهد بعينيها للحظات صامتة، ثم رفع يديه على كتفيها بلمسة حنونة وقال بعاطفة :
_ في حاجة جوايا عايز أقولهالك ..
سألته رقة بلهفة :
_ إيه هي ؟
أجاب أشهد وعينيه مليئة بألم لم تفهم سببا له:
_ أنا محتاجلك .. محتاجلك أنتي بالذات مش أي واحدة غيرك، محتاج لصدقك وبراءتك وحنيتك في حياتي .. أنا بلاقي نفسي القديمة معاكي .. مهما أتقالك عني … ماتبعديش.
أختفت معالم الخوف والقلق من وجه رقة، وتسحبت ابتسامة لشفتيها وهي تنظر له بمحبة شديدة، حتى وضعت يدها على فمها غير مصدقة بسعادة كسعادة الصغار عند المفاجآت، ثم قالت بتلك الابتسامة وهي تنظر لعيناه بثقة:
_ ما اللي يقول يقول .. المهم أنت بتقول إيه .. صحيح، قول اللي أنت قولته كده تاني ؟
ابتسم أشهد لها ولفرحة عينيها الصافية البريئة ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وقفت شهد تودع صديقتها نور التي أتت مع شقيقها الأكبر ” تانر” لعقد القران عند مدخل باب الشقة .. بينما قالت شهد لصديقتها بابتسامة واسعة :
_ عقبالك يا نوري لما نفرح فيكي وتتجوزي.
شاكستها نور وقالت بضحكة :
_ لا مش دلوقتي خالص .. الشهادة والوظيفة الأول وبعدين نشوف الجواز بيقول ايه !.
ضحكت شهد وقالت :
_ بيقول كل خير ما تقلقيش.
رد تامر بابتسامة ونظرة إعجاب واضحة لشهد وقال :
_ الغريبة إني أعرف كل صحاب نور أختي .. لكن عمري ما شوفتك ولا مرة معاها .. كنت اسمع عنك بس .. مش غريبة دي ؟! ..
أجابت شهد بلطف :
_ حصل خير ..
للوهلة الأولى استفز تامر اختصارها في الحديث معه، حتى قال مجترًا معها حديثا آخر بنظرة ماكرة:
_ هو خير أن شاء الله .. خير أوي.
لم يروق لشهد نظرات ذلك الشاب وكلماته، ولكنها اضطرت أن تظهر ابتسامة بسيطة مجاملة لصديقتها نور .. وبعد قليل انتبهت شهد لاقتراب حازم منهم وتعابير وجهه لا تنبأ بالخير، حتى قال بصوتٍ حاد موجها الحديث لتامر :
_ سايب الرجالة وواقف مع الحريم ليه يا سطا؟! .. مش عيب ؟!
دهش تامر من العنف الواضح بهذا الجدار البشري الذي يقف أمامه ويحدثه هكذا دون حتى معرفة سابقة وسأله بتعجب :
_ حريم أسطا ؟! .. أنت بتكلمني كده ليه ؟!
ابتسم حازم ابتسامة تخفي أنفعال شديد وأجاب بعصبية :
_ أنا اتكلم زي ما أنا عايز .. إيه مش عاجبك ؟
توجهت شهد لحازم بغيظ وقالت :
_ هو عمل ايه عشان تكلمه كده ؟ .. هو واقف على راسك ؟!
زم حازم شفتيه بغضب مكبوت وهو يرمقها بنظرة عنيفة .. حتى رد عليها بتحذير :
_ أنتبهي لكلامك معايا يابت أنتي ؟! أنا ثانية كمان وهساوي وشه بالجدار!.
هتفت شهد به وقالت بعصبية :
_ أنت مالكش كلمة لا عليه ولا عليا عشان تسكتنا ؟! .. ولا فاكرني هخاف منك ؟!
سحبت نور شقيقها بالقوة وغادرت الشقة قبل أن ينشب شجارا حاد بينه وبين ذلك الثور الهائج حازم .. فتنفست شهد بغيظ وقالت :
_ احرجتني قدام صاحبتي وعمال تعلي صوتك معرفش على ايه … هو أنت فاكر الناس كلها زي المجرمين اللي بتتعامل معاهم ؟!
نظر لها حازم ولأول مرة يتحدث بتلك الجدية معها وقال :
_ لأ .. أنا اللي كنت فاكرك حاجة تانية، لكن دلوقتي شايفك عادية .. زيك زي كتير أوي .. صفر.
تسمرت شهد من تلك الكلمات التي رغم أنها لم تكن سبابا أو شتائم صريحة، ولكنها تحمل الكثير من الإهانة .. وقال حازم تلك الكلمات وخرج من باب الشقة وتركها تقف متجمدة ..
وحينما خرجت رقة وهي تتأبط ذراع أشهد بابتسامة تخصه بها وحده، لاحظت بعد قليل تشتت شهد وعينيها اللامعتان بدموع محبوسة .. فتطلعت بها بنظرة متسائلة وقلق، فأومأت لها شهد بابتسامة باهتة بأن لا شيء يقلق ..
حتى قال أشهد لهن:
_ العربية مستنيانا تحت .. يلا بينا.
قالت رقة سريعا :
_ طب وأم بسنت و..
قاطعها أشهد بلطف :
_ هنستناها تحت .. يلا بينا بقا عشان منتأخرش …
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
خرجت سميحة وأبنتيها من سيارة “حازم” وعلى وجوههن التهكم والأنفعال أمام البوابة الضخمة للمنزل .. ونظر اليهن متكدرًا وظل بعض الوقت بسيارته يحدث نفسه بتعجب :
_ البت دي غبية أوي .. ده أنا لأول مرة ابتدي أعجب بواحدة بجد !! .. عموما كويس أنهم بس شوية إعجاب وراحوا لحالهم … نشوف شغلنا بقا ..
ابتسم حازم بسخرية من نفسه، ثم خرج من السيارة ودخل المنزل متوجهاً لغرفة والدته مباشرةً…
(وبغرفة مشيرة ..)
انتبهت مشيرة للذي فتح الباب ووقف أمامها مبتسما بمرح قائلًا :
_ اليوم كان ناقصه حاجة كبيرة أوي …
تحدثت مشيرة وتحكمت بدموعها التي نزفت لساعاتٍ وقالت بعناد :
_ محدش هيجبرني اروح مكان مش عايزاه .. خصوصا بعد اللي البت دي عملته.
دهش حازم وسألها سريعا :
_ تقصدي رقة !… هي عملت ايه؟!
اشتعلت مشيرة غيظا وقالت :
_ الحيوانة كلمتني في التليفون النهاردة الصبح … وحايلتني كتير عشان احضر كتب الكتاب .. بس رفضت، ووأنا بتكلم معاها بعصبية جبت بالصدفة سيرة الحادثة بتاعة أشهد .. لقيتها ما تعرفش أن نص جسمه متشوه .. وقفلت التليفون في وشي .. قليلة الأدب !.
صدم حازم مما سمعه، فكان يظن أن أشهد قد أخبرها ولو نبذة عن هذا الحادث، ولكن يبدو أنها لا تعلم عن الامر شيئًا، عوضا عن ذلك التصرف السيء مع والدته .. فقال بشك :
_ هي جاية مع أشهد في الطريق … أبقي عاتبيها يمكن في سوء فهم !.
رفضت مشيرة أي مناقشة معها وقالت :
_ ولا اعاتبها ولا عايزة أشوفها أصلًا .. أنا حتى ما اهتمتش أقول لأخوك .. أصلها خلاص شكلها كلت بعقله حلاوة وأبني ضاع مني زي ما ضاع قبل كده ..
جلس حازم على فراش والدته وقال لها بصدق :
_ هتصدقيني لو قولتلك أني خايف عليها هي من أشهد ؟! .. البنت دي غلبانة أوي بجد .. بكرا هتتأكدي من كلامي.
سخرت نظرة مشيرة مما سمعته، حتى دخلت شقيقتها سميحة وأبنتيها بعدما بدلان ملابسهن .. وقالت سميحة بإستياء ومقت :
_ بقا ده يبقى كتب كتاب شاب زي الورد زي أشهد بمكانته ؟! …ده أنا حمدت ربنا أن مافيش حد من بقية العيلة معزوم .. حاجة تكسف !.
ودخلت بالمناقشة هدير وقالت :
_ والله يا خالتو المكان اللي ساكنين فيه بشع جدًا وكله زبالة وريحة قذرة والناس اللي هناك كأنهم مساجين ومجرمين ! … هو أشهد بيعمل في نفسه كده ليه ؟!
اغتاظ حازم وقال :
_ والله كلنا طلبنا منك قبل كده تخليكي في حالك ومافيش فايدة !.
صاحت سميحة بوجهه وقالت بعصبية :
_ في حالها أزاي بعد اللي شوفناه ده ؟! ..ما تبقاش منافق لأخوك وقول الحق يا حازم .. دي جوازة تعر !
اشتعل غليان مشيرة أكثر حتى رد حازم بغضب وقال :
_ محدش ليه حق أنه ينطق بحرف في حياتنا أنا وأخويا ويقول رأيه اللي محدش طلبه أصلًا .. واللي يزعل يوفر الزعل لنفسه ويخليه في نفسه.
حدجته سميحة بغل وقالت لشقيقتها بغضب :
_ شايفة رد أبنك يا مشيرة ؟! .. يعني ده جزائي أني زعلانة على بخت أبني وحزينة على الواقعة اللي وقع نفسه فيها ؟! .. هو مش أشهد ده زي أبني برضه ولا إيه ؟!
وقبل أن تعنفه مشيرة رد حازم وقال بتحذير :
_ أنا مش هكرر كلامي تاني .. مرات أخويا محدش يضايقها بكلمة .. وخليكوا فاكرين أن من النهاردة ده بيتها .. يعني لما تدخل هتكون صاحبة بيت مش ضيفة!.
ردت سميحة وقالت بسخرية وحقد :
_ آه .. تقصد يعني أننا نغور ما احنا الضيوف بقا عند ست هانم !.. ده أظاهر أنها ما استكفتش باللي لهفته وناوية أختها تكمل، ما بقت زيطة بقا!… ولا أنت فاكرني عامية مش واخدة بالي ؟!.
صدمت مشيرة وقالت :
_ تقصدي البت اللي اسمها شهد دي ؟! … ده يبقى حصل في عقله حاجة ؟!
تحدث حازم بعصبية وقال :
_ مالها شهد مش فاهم ؟! … وعموما ارتاحوا .. أحنا الأتنين مابنطقش نشوف وش بعض اصلًا .. ده احنا لسه مهزقين بعض من ساعة !…
قالت نرمين تتهمه بغيظ :
_ أومال عينك ما اتشالتش من عليها ليه ؟! ..
ضغط حازم على نواجذه من الغضب وتحكم بأعصابه، ثم خرج من الغرفة قبل أن يلقي تلك الحقودة نرمين من النافذة ويستريح ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وفي الطريق ..
عادت الحيرة بقلب رقة عندما راقبت صمت أشهد المريب وهو يقود السيارة، صمته بتلك التعابير القاتمة على وجهه لا تمت بصلة لأي سعادة من المفترض أنه يشعر بها اليوم !!
وعندما وقفت سيارته أمام بوابة منزله تنهد بعمق كأنه على وشك خوض معركة ضارية، وعندما لاحظت رقة ذلك رغما عنها وضعت يدها على يده برقة متناهية دون أن ينتبه من بالمقعد الخلفي.. وتفاجأ أشهد من ذلك الأمر وظل ناظرا لأصابعها التي تشابكت مع أصابعه في لمسة حنونة دافئة، ثم رفع نظره إليها .. فقابلته رقة بابتسامة صافية .. كأنها تريد بث الأمان بقلبه … تشابكت نظراتهما للحظات بابتسامة مشتركة مطمئنة … حتى خرج الجميع من السيارة لمقابلة سيدة هذا المنزل ..
وبمساحة الصالون الفسيحة ..
جلست شهد وجارتها أم بسنت وحنفي زوجها .. بينما أخذ أشهد رقة لمقابلة والدته بغرفتها العلوية .. فنهضت شهد قائلة :
_ أنا جاية معاكم ..
وقصدت شهد ذلك لعدم ترك شقيقتها بمفردها، فوافق أشهد وأخذهما لغرفة والدته، بينما همس حنفي لزوجته أم بسنت وقال :
_ ما روحتيش معاهم ليه ؟!
أجابته أم بسنت بصوت خافت :
_ مش عايزة أسبب احراج للبنات، خصوصا أني مقربلهمش ويا دوب جارتهم .. رغم أن ربنا شاهد أني بعتبرهم زي بناتي … المهم أننا جينا معاهم وماسيبناهمش لوحدهم.
نظر حنفي حوله بإنبهار وقال :
_ يابت المحظوظة يا رقة .. دي محدش هيعرف يكلمها بعد كده . ايه العز ده كله ؟!
ضيقت أم بسنت عينيها بغيظ وقالت :
_ يا راجل قول ما شاء الله وأتمنالها الخير !! .. دول بنات غلابة وربنا عوضهم بعد سنين يتم وغلب ! .. ربنا يحفظهم من لسان اللي زيك ..
سخر حنفي وقال :
_ أومال لو سمعتي الكلام عندنا في الحته هتعملي إيه ؟ .. ده ما بقاش في سيرة غير سيرة جوازها من الباشا ده ..
غضبت أم بسنت وقالت :
_ ما أنتوا منطقة ما ورهاش غير اللت والعجن والبص في أرزاق بعض .. ما تسيبوا البت في حالها وارحموها من قلبكم الأسود ده ؟ ..
لم يكترث حنفي لما قالته وقال شيء تذكره للتو :
_ آه صحيح .. ده بيقولوا أن شوقي خرج النهاردة ..
سخرت أم بسنت وقالت :
_ ما يخرج ولا يروح في ستين داهية .. خلاص مابقتش أخاف على رقة منه، دي متجوزة بيه قد الدنيا .. يعني لو شوقي بس فكر يبصلها محدش هيعرفله طريق .. ولا أنت ناسي أن حضرت الضابط حازم يبقى دلوقتي سلفها كمان !!
اقتنع حنفي بما قالته زوجته ولكنه قال بقلق :
_ ما أنا عارف كل ده، بس اللي قلقني أن شوقي طالما خرج ومظهرش في المنطقة يبقى ناوي على شيء .. شوقي بيحب البت دي ومعلقة معاه من صغرها ومش بسهولة هيسكت وينسى ..
دب القلق بقلب أم بسنت وقالت :
_ ولا هيقدر يعمل حاجة، ما تخوفنيش بقا يا راجل أنت وسيبني أفرح!.
صمت حنفي وظل يمتع نظره بالفخامة والثراء البارز بكل زاوية حوله ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وقف أشهد وبجانبه رقة وشهد أما فراش والدته مشيرة الجالسة بنظرة غاضبة بعيدًا عنهم … تنفس اشهد بعمق وتمنى أن تتحكم والدته بغضبها ريثما حتى بوجود شهد … وعندما أقترب منها هتفت مشيرة وأشارت له بتهديد وتحذير ليبتعد :
_ ما تقربليش .. كفاية اللي …
وصمتت مشيرة للحظات ثم تابعت لرقة بعصبية :
_ كفاية اللي مراتك عملته .. بقا أنا يتقفل في وشي التليفون ؟!
دهش أشهد مما سمعه، فاقترب رقة بابتسامة من الفراش، وقالت وهي تأخذ يد مشيرة بين يديها بضمة حنونة، ثم قالت :
_ والله العظيم ما قفلت .. ده التليفون وقع من ايدي وأتكسر ومعرفتش اتصل بيكي اعتذرلك .. طب هقفل ليه وأنا اللي متصلة بيكي أطمن عليكي ؟! .. وجتلك لحد عندك عشان نكمل فرحتنا معاكي .. يا أمي.
تفاجئت مشيرة من الكلمة الأخيرة ونظرت لها وكادت أن ترفض تلك الرابطة، فتابعت رقة بابتسامتها ودفء عينيها:
_ من زمان ماقولتش يا ماما .. هقولهالك على طول.
للحظة رق قلب مشيرة ونظرت لها بارتباك، ثم قالت بعد ذلك بحدة وهي تسحب يدها من يد رقة :
_ أنا خدت الدوا بتاعي وعايزة أنام ..
شعرت رقة بالحرج، حتى وضع أشهد يده على كتفها بلمسة رقيقة وقال لوالدته :
_ اكيد مش قصدها ..
سخرت مشيرة وقالت :
_ ما يمكن اتصدمت لما قولتلها على الحادثة بتاعتك واللي حصلك .. اللي واضح انها ماتعرفش عنهم أي حاجة!!.
صدم أشهد من تصريح والدته القاس، وكيف وضعته بهذا الموقف أمام الآخرين .. ريثما أنها واجهته بأكثر نقطة تؤلمه ويريد أخفائها عن الجميع .. احمرت عينيه من الصدمة وتحاشى النظر لرقة التي استدارت له سريعا … وبلحظات قليلة كان خرج من الغرفة والغضب يكسو وجهه .. انتفضت رقة ومعالم الغضب على وجهها والدموع تملأ عينيها وقالت :
_ ليه تحرجيه وتجرحيه بالشكل ده ؟! ..
وقالت رقة ذلك واسرعت خلفه باحثةً عنه .. بينما كادت شهد أن تتحدث معاتبة مشيرة رغم دهشتها من الأمر الذي يبدو
أن رقة تعرفه تفصيليا ولم تخبرها، ولكنها وجدت مشيرة قد تحولت من الجبروت للضعف والانهزام والدموع وهي تتمتم :
_ كان ينقطع لساني قبل ما اوجعك يابني ..
أشفقت شهد على حالتها واقتربت منها برفق، ثم جلست وربتت على يدها ولم يكن لديها كلمات لتقولها ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أسرعت رقة خلفه بينما قد نزل أشهد بخطوات واسعة سريعة ودخل مكتبه ثم صفق الباب خلفه بقوة ..
تجاهلت رقة قلق أم بسنت وزوجها من بعيد وهما ينظران لها، ودقت على باب المكتب كثيرًا حتى فتح الباب قليلا .. نظرت للباب لبرهة، ثم دفعته لتدخل .. وقعت عينيها عليه وهو يسير ليقف أمام النافذة مرةً أخرى .. فتنفست بقوة ثم اغلقت الباب خلفها .. وحينما اقتربت منه كان أشهد يخلع جاكته ورباط عنقه بحركة غاضبة وصوت أنفاسه العال يدل على الحالة السيئة الذي يمر بها …
وعندما وقفت خلفه وكادت أن تقول شيء استدار أشهد بعدما فك أزرار قميصه العلوية جميعها وأظهر لها نصف جسده المشوه .. وهتف بها بعينان معذبة :
_ أحنا لسه فيها .. لو عايزة تمشي مش همنعك، بس أنا مكنتش عايز أخبي عنك .. لكن غصب عني مقدرتش اتكلم في الموضوع ده .. وعارف أني غلطت ..
نظرت رقة له بابتسامة بين دموعها وقالت وهي تنظر له بعتاب :
_ أنا عارفة من قبل ما يتكتب الكتاب يا أشهد .. والدتك قالتلي وبشكرها أنها قالتلي ..
نظر لها أشهد ولم يفهم تماما مقصدها، فقالت وهي تسحب راحة يده وتضمها بين يديها بأمان وعاطفة ثم تابعت :
_ بشكرها عشان اثبتلك أني مفرقش معايا الشيء البسيط ده .. مقللش فرحتي بيك .. مفكرتش فيه لحظة .. وبعدين في حاجة افتكرتها دلوقتي ..
سألها أشهد بنظرة عميقة :
_ حاجة إيه ؟
ابتسمت له بعينان عاشقتان وهمت تغلق أزرار قميصه من جديد وهي تقول :
_ زمان كانت أمي تقول .. الواحدة لما بتحب جوزها بتفضل تحبه حتى لو بقا عضم في أوفة .. بتبقى ستره وغطاه، أثر جروح إيه اللي تقلقك بالشكل ده مني؟! ..
وقبل أن تقفل رقة الزر الأخير لقميصه، أخذت قلما باللون الأحمر من على المكتب سريعا ورسمت أسفل رقبته بقليل من بداية التشوه تقريبًا اسمهما وبينهما شكل قلب … وقالت مبتسمة بسعادة وهي تسحبه من معصم يده لمرآة صغيرة بالغرفة وأوقفته أمامها :
_ شوف بقا خطي حلو .. مش كده ؟
نظر أشهد بشيء زلزل كيانه لاسمهما وتلك الرسمة البسيطة على أعلى صدره التي جعلته لأول مرة تقع عينيه على ذلك التشوه ويبتسم من عمق قلبه .. !
ونظر اليها ببطء وهنا فقط بدأ يعترف لنفسه بشيء .. أنه يحب، والأخطر .. أن تلك الفتاة البسيطة جدًا … جعلته يدرك حقيقة أنه لم يحب من قبل .. وأنه لأول مرة بعمره يحب حقا … والجنون بها آتٍ أو ربما أتى بالفعل، امتلأت عينيه بعاطفة عنيفة و….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كسرة وضمة وسكون)

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *