رواية الأربعيني الأعزب الفصل الخامس 5 بقلم آية محمد رفعت
رواية الأربعيني الأعزب الفصل الخامس 5 بقلم آية محمد رفعت
رواية الأربعيني الأعزب البارت الخامس
رواية الأربعيني الأعزب الجزء الخامس
رواية الأربعيني الأعزب الحلقة الخامسة
حاولت “لوجين” النوم كثيراً، ولكنها لم تستطيع فهبطت للحديقة تتمشى جوار حمام السباحة، عل الهواء المنعش يساعدها على التفكيرٍ، فالمهلة أوشكت على الإنتهاء وعليها اللجوء لخطةٍ بديلة تحميها من “قاسم”، زفرت بضيقٍ فكلما شعرت بأنها وجدت الحل المناسب يسده عليها من جميع الإتجاهات، وكأن جميع العالم يصب لمصلحته، مرت أكثر من ساعتين ومازالت تجلس على الأريكةٍ المسطحة القريبة، حتى غفلها النوم فإستسلمت له وتمددت محلها، فإبتسم من يراقبها من الاعلى بسخريةٍ، ثم ولج لغرفته وجذب وسادة وغطاء، ليهبط إليها، فرفع”عاصي” رأسها ثم وضع الوسادة أسفلها، وداثرها بالغطاء جيداً، ثم جلس على الأريكة المجاورة لها يتأملها بشرودٍ قذفه لبقاعٍ الماضي المؤلم.
##
_”عاصي” أنا حاسة إن كده خلاص.
قالت كلماتها المتقطعة ببكاءٍ حاولت السيطرة عليه، ولكنها فشلت بذلك، فإحتضن يدها بين يديه وهو يعنفها:
_قولتلك ألف مرة متتكلميش كده تاني، إنتي هتقومي يا “هند”، هتخفي وهعملك فرح الدنيا كلها تحكي وتتحاكى عنه، فاهمة؟
أغلقت جفن عينيها بقوةٍ، وكأنها تحاول تحمل الآلآم التي تضرب جسدها الهزيل، فإرتعشت أصابعها المتعلقة به، فحاولت الحديث رغم إرهاقها:
_كان نفسي أحقق كل أحلامي وأنا جنبك يا”عاصي”، بس الموت سبقني وخطفني.
لمعت عينيه البنية بالدموعٍ، ومع ذلك يحاول السيطرة على نفسه، ليبدو صامداً أمامها:
_هترجعي تتكلمي في اللي ينرفزني تاني يا” هند”.
نهج صدرها بإندفاعٍ، وإحتدت حدقتيها التي باتت يكسوها حمرة مخيفة، فإلتقطت نفسها بصعوبةٍ وقد شحب وجهها للغاية، حتى جسدها هاجمته برودة غريبة، إتجهت نظراتها تجاهه وكأنها تودعه الوداع الأخير الذي شعر به “عاصي” فضمها لصدره وهو يبكي كالطفل الصغير، فمنح قدرة غريبة لحثها على نطق الشهادة، حينما هزها بين يديه وهو يردد بدموعٍ تسبقه:
_رددي الشهادة يا حبيبتي.
نطقتها بأحرافٍ متقطعة لحقها صمت جاف، وبعدها برودة قاسية إستهدفت جسدها وجسده، لتظل تلك الذكرى المؤلمة تلاحقه حتى تلك اللحظة.
إستند “عاصي” على جسد الأريكة وهو يزيح دمعات تذكرها، فكلما يتذكرها يدعو لها بالرحمة والمغفرة، ويتسابق لفعل المشاريع الخيرية لأجلها، فمن قال أن وصال الحب ينقطع بموت من أحببت، بل يظل حياً يرزق بداخلك، تستحضره أينما يريد فيتجسد أمامه كأنه روحاً من لحم ودم!
******
توسطت الشمس كبد السماء، فتسللت خيوطها الذهبية لتنسدل على سطح المياه فمنحته مظهر خلاب، فتعالى صوت زقزقة العصافير لتزعج تلك الناعسة، ففتحت جفن عينيها الثقيل بتكاسلٍ، رفعت “لوجين” يدها لتعصب عينيها من شدة الضوء التي تعرضت إليه، فبدءت تستوعب مكان نومها رويداً رويداً، فتذكرت جلوسها هنا بالأمس ولكن ما تعجبت لأمره ذاك الغطاء الموضوع من حولها، فاستدارت على يسارها فوجدته نائم على الأريكةٍ المقابلة لها، تأملته “لوجين” بإبتسامةٍ ساحرة، فاسندت وجهها على كفة يدها وهي تتأمل معالم وجهه الرجولي بوضوحٍ، ذلك الأربعيني الأعزب إكتسب إعجابها منذ موقفهما الأول، مجرد تخيلها لوجوده جوارها طوال الليل جعل وجهها يكسوه حمرة طفيفة، إختفت إبتسامتها الحالمة حينما وجدته يستيقظ من نومه، فأستدارت بوجهها بالإتجاه الأخر، نهض “عاصي” عن محله وهو يردد بصوتٍ ناعس:
_أنا نمت هنا إزاي؟
تطلعت إليه وهي تجيبه بسخريةٍ:
_وأنا هعرف منين وأنا سبقتك!
رمقها بنظرةٍ ساخطة، تتبعها قوله المستهزأ:
_ما أنتي السبب، ضاقت في وشك يعني وملقتيش غير المكان ده اللي تنامي فيه!
إقتربت منه لتشير له بغضبٍ:
_أنا حرة أنام في الحتة اللي تريحني أنت اللي جيت هنا ليه!
مشط شعره بتشتتٍ، فربما بحث عن إجابة يرد بها عليه، ولكنه لم يجد، فتهرب حينما تطلع لساعة يديه:
_أنا إتاخرت على الشركة ولأول مرة بسببك.
لحقت به وهي تردد بذهولٍ:
_ليه هو أنا اللي قولتلك نام جنبي هنا!
لم يجيبها “عاصي” وإستكمل طريقه حتى ولج لغرفته، فجذب بذلة رسمية، ثم إستدار ليتجه لحمامه الخاص، فوجدها خلفه، تساءل بدهشةٍ:
_إنتي بتعملي هنا أيه؟
تطلعت حولها بتفحصٍ، فتملكتها الحيرة التي لحقت بربكتها:
_معرفش أنا كنت ماشية وراك وفجأة لقيت نفسي هنا!
حك طرف أنفه وهو يجيبها بسخريةٍ:
_وماشية ورايا ليه عيلة صغيرة إنتي!
إدلت شفتيها السفلية بضيقٍ من لهجته، ثم قالت:
_كنت عايزة لاب أو موبيل، أي حاجة أسلي بيها وقتي.
جز على أسنانه بضيقٍ، ثم إتجه لخزانته الشخصية ليعود إليها بعد قليل بجهاز حاسوب وهاتف، حملتهم منه بإبتسامةٍ واسعة:
_متشكرة جداً ومتقلقش يا باشا هسلمهولك لما هجي أمشي زي مهما.. كن مطمئن.
ضحك رغماً عنه، ثم حاول رسم الجدية بأمره الصارم:
_طب ممكن بره بقى مش عايز أتأخر أكتر من كده.
إحتضنت ما تحمله بطفوليةٍ، ثم تخفت من أمام عينيه والبهجة والسرور تنير وجهها، تاركة بسمة هادئة دوماً ما تنجح برسمها على وجهه.
*******
بشقة “عمر”.
إنتهى أخيراً من جلي الأطباق، ثم خلع مريول المطبخ ليتفحص هاتفه الذي عاد ليدق للمرة الثالثة، ففتحه وهو يرد على مضضٍ:
_أيه يا”سالي” نازلة رن رن في أيه!
أتاه صوت الممرضة التي تستغيث:
_إنت فين يا دكتور “عمر”، في مرضى كتير هنا وأنا عمالة أقولهم على وصول لما قربوا يخنقوني.
زفر بضيقٍ شديد:
_هعمل أيه بس ورايا مسؤوليات بالنسبة للمدام أهم من تاريخي الطبي كله.
ثم استطرد بإنفعالٍ:
_إقفلي نصاية وجاي، ولو إتاخرت عن كده إتصلي بالبوليس.
وأغلق الهاتف ثم توجه لغرفته فأسرع بتبديل ملابسه، وجذب مفاتيح سيارته ليتجه للمغادرة، فلحقت به”إيمان” لتناديه بتعبٍ بدى عليها:
_”عمر” أنا هسبقك عند “عاصي” ، متنساش تيجي عشان نشوف موضوع “عائشة”.
أومأ برأسه بخفةٍ ثم غادر على الفور قبل أن توقفه مجدداً.
*******
بفيلا” قاسم خلدون”
فشل رجاله بالعثور عليها جعل غضبه ينفرد بنيرانه التي كادت بحرق كل من يقترب منه، فصرخ بعصبيةٍ مخيفة:
_بقالكم يومين بتحاولوا توصلوا ليها ومش عارفين، أنا لو مشغل معايا بهايم كانوا نفعوني أكتر منكم.
الصمت كان سجنهم ليحتموا من غضبه الشرس، فقطع أحد رجاله جلسته الخاصة، حينما هرع إليه ليضع من أمامه جهاز حاسوب صغير الحجم، ليعرض مقطع فيديو قصير، فتساءل “قاسم” بإهتمامٍ:
_ده أيه؟
أجابه الرجل سريعاً حتى يتلاشى غضبه:
_ده تسجيل للكاميرات الخاصة بالعمارة اللي قدام القاعة يا باشا.
ثم ضغط على زر التشغيل فوجد “عاصي” يصعد سيارته وبصحبته “لوجين”، سيطرت الصدمة عليه، بالدرجة التي جعلته لم يصدق ما تراه عينيه، فجذب شاشة الحاسوب تجاهه ليعيد عرض الفيديو مجدداً، فاشتعلت حدقتاه على الأخير ليصيح بإهتياجٍ أشد:
_إزاي يعمل كده!
قال أحد رجاله دون تفكير:
_” عاصي سويلم” مش من طباعه إنه يعمل كده.
زم “قاسم” شفتيه مؤكداً:
_فعلاً، الا لو هي أقنعته إني هتجوزها من غير رضاها..
وردد بنفس الصوت الهادئ:
_لازم أخد حذري في دخلتي ليه، ووقتها هفهم دماغه فيها أيه؟
*******
حل المساء سريعاً، وإجتمعوا سوياً أخيراً بالحديقة الخلفية لقصر “عاصي”، فقال “عمر” بحنينٍ للماضي:
_بقالنا كتير متجمعناش كده.
زوى “غيث” حاجبيه بضيقٍ مصطنع:
_على أساس إنك قاطع فينا أوي، إنت ليل نهار عندنا في الشركة يا ابني!
امتعض وجهه وهتف محتجاً:
_خلاص يا عم الاسطوانة اللي حمضت دي.
ازدرد “عاصي” ريقه متسائلاً في جدية، وقد ترك محله ليكون في مواجهة ابن خالته:
_سيبك منه وقولي عملت أيه إمبارح مع خالتي!
وكأنه نزع فتيل قنبلة ثورته، فانفجر هادراً بغضبٍ وقد انتفخت أوداجه:
_متفكرنيش باللي حصل يا “عاصي” ، أنا لسه لحد الآن مصدوم في اللي شوفته وسمعته!
تساء مستفهماً وهو لا يستطيع إخفاء دهشته:
_حصل أيه!
رد هامساً من بين شفتيه المضغوطتين:
_سمعتها وهي بتطلب من “عائشة” إختبار الDna.
برقت عينيه وهو يعاود التحديق نحوه بعدم تصديق، فكان يظن بأن المشاكل بينهما لن تصل لذاك الحد، صدمته في خالته وطلبها كان عظيماً، فشعر الآن بما يخوضه “غيث”، فسأله”عمر” بعينٍ تطالعه في قلقٍ:
_طب وناوي تعمل أيه؟
رد بعبوسٍ:
_والله ما أنا عارف يا”عمر”، الموضوع فعلاً صعب.
عاد السكون يغلف الأجواء للحظاتٍ، فمزقه “عاصي” حينما قال بشفقةٍ على حاله:
_فكر كويس قبل ما تأخد أي قرار تندم عليه بعدين يا “غيث”، متنساش إنها في النهاية والدتك.
ثم حثه على المشي لجواره وهو يشير إليه:
_يلا عشان الأكل هيبرد كده.
لحق بهما”عمر” للداخل، فوجد زوجته تجلس جوار “عائشة” بالصالون القريب من المائدة، تتهمسان كعادتهن كلما تجمعن بمكانٍ واحد، فإبتسم “غيث” وهو يردد ممازحاً:
_رجعيتوا إتلمتوا على بعض!
هز “عمر” رأسه في استنكارٍ، ليعلق على حديثه:
_ربنا يستر من اللي جاي، مش بتفائل بالحزب ده.
استفزتها كلماته، فدفعها لثورةٍ محتجة ولكن بصوتٍ خفيضٍ:
_ بقى كده يا “عمر”، ماشي..
تراجع على الفور مصححاً قبل أن يندلع غضبها:
_لا يا قلبي أنا أقدر، أنا أقصد إن التجمع ده بيبقى كله خير مش كده ولا أيه يا”غيث”.
كبت ضحكاته وهو يهز رأسه:
_بالظبط.
ثم تركه يواجه حربه بمفرده، وجلس جوار زوجته ثم قال وعينيه تفترسها:
_فين الأكل لحسن أنا واقع من الجوع.
أخفض”عاصي” سماعة أذنيه بعدما تأكد من إنتهاء ثورة المشاكسة بينهما:
_دقايق وهيكون على السفرة.
تفحصت “إيمان” الردهة من حولها، فقد أنستها رفقة صديقتها الوحيدة عدم وجود “لوجين” ، فسألت أخيها بذهولٍ:
_فين “لوجين” يا “عاصي”؟
طوف المكان بنظرةٍ متفحصة قبل أن يجيبها:
_معرفش جايز في أوضتها!
إتجهت لتصعد الدرج وهي تخبره:
_هطلع أشوفها.
وضعت”عائشة” كوب العصير عن يدها، لتسأله بدهشةٍ:
_مين “لوجين” دي، أنت إتجوزت ولا أيه يا “عاصي”؟
أومأ برأسه مؤكداً في لؤم خبيث:
_أيوه في السر ومعزمتش حد!
ضحك”غيث” على بلاهةٍ زوجته، فعلق عليها بتهكمٍ قاصداً التلميح بما يراود عقله:
_بندعي كلنا من قلبنا إننا نوصل حتى لمرحلة الإشاعات دي.
إستفرض “عمر” بالفرصةٍ حينما أضاف:
_والله تبقى مراتك جابت البشارة يا “غيث”.
نظر لهما “عاصي” شزراً، فقال “عمر” رافعاً كفه في لهواء موجداً لنفسه المبررات الواهية:
_ مش ده شرع ربنا يا ابني، هتحرمه كمان!
مال عليه “غيث” ناصحاً:
_كفايا زودت الدور ونهايتك هتبقى مخيفة.
تنحنح وهو يعتدل بجلسته، ليهمس إليه:
_كويس إنك نبهتني.
*******
بالأعلى.
طرقت عدة مرات على باب غرفتها، فولجت حينما استمعت لآذن الدخول، راسمة إبتسامة مشرقة على وجهها:
_الجميل صاحي ولا نايم؟
تركت “لوجين” الحاسوب من يدها، لتردد بفرحةٍ:
_”إيمان” أيه المفاجأة الجميلة دي.
وإحتضنتها بحبٍ، فربتت الأخيرة على ظهرها بحنانٍ، ثم عاتبتها قائلة:
_طب أما هي مفاجأة جميلة منزلتيش ليه تقعدي معانا تحت!
تجسد الخجل بوجهها، فجاهدت للحديث:
_كان نفسي والله بس أنا معيش هدوم كويسة..
وأكملت حديثها بمشاغبةٍ:
_أنا كل مرة بعمل حسابي وأنا هربانه من الملزق ده بس المرادي خدني على خوانة.
كركرت “إيمان” ضاحكاً، ثم قالت:
_ مش ممكن يا لوجي إنتي دمك شربات.
إكتفت برسم بسمة صغيرة، فغابت عنها ثم عادت بعد قليل حاملة فستان أسود ضيق من منطقة البطن ويتسع من الأسفل، فوضعته بيدها ونظراتها بدت مريحة نوعاً ما:
_لو كنتي قولتيلي كنت جبتلك حاجة من لبسي وأنا جاية، أو على الأقل كنا نزلنا عملنا شوبنج وجبنا الحاجات اللي على مزاجك، بس معلش تتعوض، حاولي تمشي نفسك بده.
جذبته منها ثم وقفت تقيسه على جسدها أمام المرآة، فسألتها بترددٍ:
_ده بتاع “هند” صح؟
زوت حاجبيها متسائلة بخوفٍ:
_هو مش عجبك!
ردت مؤكدت دون أن تهتز لها جفن:
_لا والله جميل، بس أنا خايفة “عاصي” ينزعج لما يشوفني لبساه.
عقبت على ما قالته:
_لا طبعاً أيه اللي هيضايقه، هدومها مركونة هنا وبعدين أكيد هيجي اليوم اللي هتسكن فيه القصر وقلبه واحدة غيرها.
حملقت فيها كالمبهوتة لثوانٍ، تستوعب ما قالته فشعرت بمسؤولية غريبة تجاهها وتجاه رغبتها الحالمة، تركتها “إيمان” لتبدل ثيابها ثم هبطت لتنتظرها بالأسفل.
*******
وضع الطعام الشهي على السفرة التي جمعتهم بعد وقتاً طويل، فوزعت “إيمان” الأطباق على الجميع، وشرعوا بتناوله في جو من الألفة والمحبة المتبادلة فيما بينهم، فإنتبهوا لمن تهبط الدرج محدثة بحذائها صوت لفت إنتباههم، إستدار “عاصي” تجاه الدرج، فتعلقت عينيه بما ترتديه، كان مألوفاً بالنسبة إليه، فتجسدت أمامه “هند”، وكأن هناك من استحضرها لتسكن هذا الجسد، هامت عينيه بها وهي تتبادل السلام مع”عائشة” وخاصة بعد أن عرفتها “إيمان” عليها، شعرت “لوجين” بالحرجٍ من نظراته حتى أن الجميع لاحظ ذلك، فتمنت لو إنتهت تلك الزياردة سريعاً حتى تبدل ثيابها، وبعد دقائق إنصرف كلاً منهما لمنزله بعد أن إتفقت “إيمان” مع “عائشة” للخروج بالغد للتنزه قليلاً وشراء بعد المستلزمات الخاصة بولادتهن.
وما أن تأكدت “لوجين” من مغادرة الجميع حتى إتجهت لمكتب “عاصي” بعدما فضل الجلوس به بمفرده، دقت على الباب قبل دلوفها رغم إنه كان مفتوح، فقال دون أن يرى من الطارق:
_تعالي يا “لوجين”.
خطت للداخل بإرتباكٍ، فكانت تقدم قدماً وتؤخر الأخرى، فجلست أمام مكتبه وبعد صمت طال بها أجلت حبالها التي علقت به الكلمات:
_أنا أسفة إني لبست من لبسها، بس”إيمان” والله اللي ادتهوني لإني مكنش عندي لبس أنزل بيه تحت.
توقعت أن تواجه غضب منه أو حتى عتاب، ولكنها وجدته يمنحها إبتسامة تذهب العقل، ليجيبها بصوته الرخيم:
_وأيه ممكن يزعلني في كده!
ثم نهض عن مقعده وإتجه ليجلس على المقعد الذي يقابل مقعدها:
_أنا فاتني الحتة دي بس إن شاء الله نجيبلك لبس يكون خاص بيكي أنتي.
أسرت بذوقه وإبتسامته الجذابة، فقالت بإرتباكٍ:
_مفيش داعي، أنا لسالي يوم واحد وهوفي بوعدي لاني مش عايزة أسببلك مشاكل مع “قاسم”.
بلل شفتيه السفلى بلعابه ثم قال:
_لا مش هتمشي من هنا.
تطلعت له بذهولٍ، فإستطرد بتوضيحٍ لها:
_لإنه عرف إنك عندي فعلاً.
اتسعت حدقتاها في عدم تصديق مرددة باستنكارٍ:
_إزاي!
رد مؤكداً:
_بعتلي رسالة بيطلب فيها يقابلني بكره، ومن طريقة كلامه فهمت إنه عرف.
هربت الدماء من وجهها ونظرت له بعينين متسعتين في توترٍ:
_طب هعمل أيه دلوقتي؟
علق مبتسماً قبل أن يترك مقعده ليتجه للأعلى:
_سيبي الملزق ده عليا.
وإستكمل طريقه وهو يشير إليها:
_روحي نامي يا”لوجين” ومتفكريش في حاجة تانية.
كلماته منحتها أمان لطالما إفتقدته بوجود عائلتها التي تهاب “قاسم” ورجاله، وبالرغم من خوفها الشديد الا أنها إبتسمت على وصفه بالكلمة التي تنسبها إليه كلما لعنته أو نال منها معزوفة من الردح الخاص به، فعبثت بخصلات شعرها بشرودٍ في ذلك الأربعيني الذي بدى خطراً على قلبها ومشاعرها التي باتت تنجرف تجاهه، فنهضت “لوجين” عن مقعدها ثم إتجهت لتجلس على مقعده الأساسي، فمددت جسدها عليه بأريحيةٍ والابتسامة تزين وجهها، فإحتضنت سطح مكتبه ومازالت كلماته تحاصرها فصنعت لها سحر إستحوذ عليها.
*******
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الأربعيني الأعزب)