رواية هواها محرم الفصل الثالث عشر 13 بقلم آية العربي
رواية هواها محرم الفصل الثالث عشر 13 بقلم آية العربي
رواية هواها محرم البارت الثالث عشر
رواية هواها محرم الجزء الثالث عشر
رواية هواها محرم الحلقة الثالثة عشر
قبل قليل في سيارة صقر وبعد عدة اتصالات أجراها زفر يتحدث مع بهجت قائلاً وهو ينظر أمامه :
– أستاذ بهجت إنت هتاخد خديجة وترجع بعربيتي وأنا هتعامل مع خالد .
أومأ له بشرود بعدما تحدث مع ابنته ، شارداً يعيد حديثها في رأسه ويقارنه بحديث زوجته له فعاد قلبه يوخزه دون رحمة وهو يجد نفسه خاضعاً أمام قدرٍ كان يود الهرب منه .
تابع صقر حديثه بتريث :
– أنا مقدر موقفك جداً ، ويوم بعد يوم بتخيل لو عندي بنت مستحيل أديها لواحد زيي أو زي خالد ، بس خليني أكلمك عن خالد اللي أعرفه .
مسبقاً لم يكن يرغب في معرفته ولا معرفة أي ماضٍ عنه ولكن بعد ما حدث مؤخراً خاصة بعد حديث ابنته له هو مجبر على سماع أي شيءٍ عنه قادرٌ على بث ولو ذرة طمأنينة به .
استرسل صقر بعدما لاحظ عدم رفض بهجت للحديث قائلاً :
– خالد محتاج مساعدة ، محتاج يحس بالحب في حياته لإن دي الحاجة الوحيدة اللي اتحرم منها ، علشان كدة بيدافع باستماتة عن حبه لخديجة ، وخليني أقولك إنه بيحبها بجد مش مجرد نزوة أو حالة عايشها ، يعني إنت محتاج تراجع قرارك بخصوص جوازهم لإن خديجة كمان بتحبه ، ماقدرش اطمنك إن الحياة بينهم هتكون وردي وأظن إن إنت عارف كويس إن الحياة مش دايماً وردي ، وأكيد معاك حق في خوفك على خديجة بس هي الوحيدة اللي هتقدر تغيره ، يمكن يكون طريقة حبه مختلفة تماماً عن حياتكوا ونظامكوا بس دي نقطة تقدر خديجة تتحكم فيها لما يتجوزوا ، صدقني الحب لسة بيصنع المعجزات بس لازم يكون فيه شوية صبر وحكمة وافتكر تاني إن خديجة بتحبه .
كررها أمامه فـ نكس بهجت رأسه بحزن من تلك الحقيقة التي كان يتهرب منها كلما نظر في عين ابنته ولكنها أكددتها له منذ قليل بكل صدق .
عاد صقر يتحدث بنبرة تحمل قراراً مؤكداً :
– أنا وخالد هنكون عندك بليل نطلب إيد خديجة تاني بس المرة دي هتوافق يا أستاذ بهجت .
تنهد بهجت بعمق ورفع رأسه عالياً يستنجد بربه ثم قال بحزنٍ واستسلام :
– تمام .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ وقف صقر يشير برأسه للرجلين فابتعدا عن خالد الذي استسلم حتى بعدما ابتعدا ، لم يحرك ساكناً كأنه أصبح تمثالاً آيل للسقوطِ سيهدم على رأس من يقترب منه .
رحل الرجلان بناءاً على رغبة صقر الذي تقدم منه ثم انحنى يمد يده إليه قائلاً بنبرة صلدة آمرة :
– هيا قف .
بعد ثوانٍ مد يده له ووقف ناهضاً يطالعه بعيون تجسد بهما وحشاً كاسراً وهو يقول من بين أسنانه :
– أنت خُنتني صقر .
طالعه صقر بلا مبالاة ووقف يتكتف قائلاً بتساؤل :
– حسناً ماذا ستفعل ؟
باغته بنظرة متوعدة يقول بجمود :
– سترى .
زفر صقر والتفت يميناً لثوانٍ ثم عاد إليه وأسدل يديه يردف بنبرة قمعية :
– أيها الغبي ، هل ستتزوجها عنوةً ؟ ، هذا يسمى زواجاً باطلاً لن تجني منه سوى الغضب والتعاسة .
لم يكن يستمع إليه بل أنه يبغض صوته الآن وكل ما يريده هو الانتقام وأخذها عنوةً بأي طريقة ، أدرك صقر ذلك فتابع ليحصل على انتباهه :
– خديجة هاتفت والدها قبل قليل وطلبت منه أن ينقذها منك ، هي لا ترغب في الزواج بك هكذا ، هل تعلم ماذا يعني ذلك ؟ ، يعني أنك كنت ستتزوجها بالإجبار والقوة ، هل هكذا تريدها أيها الغبي ؟ ، هل تود أن تكون نسخة مصغرة من ميشيل ؟ .
احتدت ملامح ماركو وتجسدت شياطينه أمامه وهو يتحدث باستنكار ويبصق الأحرف كأنه ينزع عنه شيئاً مقززاً :
– لا تذكر اسم ذاك المخنث أمامي ، أنا لا أبغض في الكون سواه .
– ولكنك كنت ستصبح مثله ، تجبر وتعذب وتغتصب النساء ، أنسيت ما فعله بوالدتك ؟
تعمد صقر مواجهته بأكثر الأشياء ثقلاً على صدره ولكنه لا يرغب في التوغل في هذا الأمر أبداً ، لا يرغب في تذكره أبداً لذا أسرع يلكم صقر في كتفه بغضب صارخاً :
– كفى صــقــــــــــــر .
ترنح صقر قليلاً ولكنه لم يتوقف بل هاجمه بلكمة لم تكن قوية ولكنها كانت كفيلة لتظهر ضعفه الذي يخفيه عن الجميع وهو يرتد ويسقط على مقعد اليخت ويطالع صقر بعيون مشتعلة بدأ يتلاشى وهجها شيئاً فشيئاً حينما قال بنبرة تجلى فيها اليأس :
– أنا أريدها صقر ، إن لم أحصل على خديجة سأتحول حقاً لنسخة من ذاك القذر وأنا لا أريد ذلك .
توقف صقر أمامه يتعمق في ملامحه بدقة وقد تفهم أن صديقه يعاني معاناة تشبه معاناته بل أشد قسوةً منه حيث أن أمره كان سهلاً حينما سلك سبيل العودة ، أما ماركو فهو يتعلم الحبو في درب الالتزام وهو بحاجة لمن يسانده تارةً ويسقط معه تارةً ويتعثر لأجله تارة أخرى حتى يشتد عوده ، زفر صقر بقوة وتحدث بنبرة تحمل بين طياتها اللين برغم جديتها وهو يحثه على الوقوف :
– هيا سنعود بسيارتك ، وسنذهب مساءاً إلى منزل بهجت لنطلب لك خديجة ، بشكلٍ رسمي وصحيح ، هذه المرة سيقبل بهجت ، فخديجة أخبرته أنها تحبك ، ولكن بشكلٍ يليق بها أيها العبثي ، إذا كنت حقاً تحبها يجب أن تعزز قيمتها .
تركه وتحرك بثبات يغادر اليخت وجلس خالد يستدعي أنفاساً تهديء نيرانه المتأججة التي كادت تلتهم الأخضر واليابس ، ربما سيأخره ما حدث عن تحقيق رغبته وفشل خطته ولكن في نهاية الأمر سيحصل عليها ، ويقسم من الآن أن فور حصوله عليها سينتقم من كل من وقف في طريقه حتى لو كان صقر .
❈-❈-❈
في سيارة صقر .
يقود بهجت وتجاوره خديجة تبكي يطالعها تارة ويطالع الطريق تارة أخرى ثم تحدث بحزن مما أصابها .
– خلاص يا خديجة ، ربنا ستر يابنتي ، ماتعيطيش .
كانت سابحة في أفكارها وفيه تأنيب الضمير الذي بات يراودها دائماً وفي هيأته وهو يطالعها بخيبة كأنها هي من خانت ثقته بها .
ليعاود بهجت التساؤل بترقب ونبرة مهزوزة مرتعبة :
– يعني إنت بتحبيه يا بنتي صحيح ولا قلتي كدة بسبب تهديده ولا عملك حاجة ؟ ، فهميني يا خديجة ؟
سؤاله لم يزِد صدرها إلا ثقلاً ولكنها جاهدت لتتحدث بتريث قائلة بنبرة دفاعية نابعة من أيسرها الباكي :
– معمليش أي حاجة يا بابا ، ولا هددني ولا فكر يئذيني .
عقلها يصرخ مستنجداً بأنها كاذبة حيث يعيد عليها طرح ما حدث كأنه يذكرها حينما كاد يقبلها عنوةً ولكنها تقنع نفسها بأنه توقف ، لم يرغب في أذيتها وتوقف .
لذا تنهدت بعمق وخجلٍ ناكسة رأسها من مراوغتها ولكن كيف تخبره بأمرٍ هي على يقين أنه لن يتقبله أبداً .
أما هو فـ لف وجهه يطالعها بتعجب من حديثها الذي يحمل نوعاً من الغموض وتساءل مكرراً :
– بتحبيه ؟
لم تجِبه بل نظرت في عينيه نظرة تشرح بها ما تريده دون التفوه ببنت شفة وفهم عليها جيداً لذا أومأ والتفت يكمل طريقه بصمتٍ وقيد يلتف حول عنقه يجبره على الخنوع والتفتت هي تستند برأسها على النافذة بصمتٍ مطابق لصمته إلى أن وصلا
❈-❈-❈
مساءاً وبعد عدة ساعات
يجلس في فيلته يرتدي حلة رسمية وينتظر مجيء صقر الذي أوصله وغادر .
كان يحمل في يده كأس مشروب يطرق بأصابعه عليه ويفكر فيمَ حدث وفي الخطة التي أفشلها صقر ، غاضباً وبشدة ولكن ما جعله يرضخ ويرفع راية الاستسلام هو ركضها إلى والدها حينما رأته ، عناقها واحتمائها في والدها أكدا له أن ما كان على وشك الحدوث كان خطأً مخبأ أسفل قشرة شغفه بها .
هو لا يستطيع صبراً خاصةً بعدما كان قريباً جداً منها والآن عليه أن يعيد ترتيباته ويطلبها بشكلٍ مزعج لعين لا يعلم ما الفائدة منه .
هو يحبها وهي تحبه لمَ هؤلاء المسلمون يعسرون الأمور دوماً هكذا ؟ ، أي لعنة وعن أي قيمة يتحدثون ؟ ما الفائدة التي ستعم على حياته إن تزوجها برسمية أم بعبثية فكلاهما زواجاً عن حب وهذا الأهم .
تجرع كأسه دفعةً واحدةً ثم تركه على الطاولة المجاورة وهو يردف متوعداً :
– حسناً خديجة سأفعلها لأجلكِ فقط .
نهض حينما رن جرس منزله يعلن عن وصول صقر فتحرك نحو الخارج ومنه إلى سيارة صقر التي تصطف أمام الفيلا .
فتح الباب وركب دون نطق حرف ينظر أمامه فانزعج صقر من رائحة المشروب برغم رائحة عطره المميزة وتحدث بضيق :
– هل تناولت مشروباً ؟
لم يكن سؤالاً بل كان توبيخاً فلم ينظر له بل تحدث بضيق معني :
– ليته ينسيني ما فعله بي صديقي اليوم .
غضب صقر منه وتحدث معنفاً :
– أفعالك جميعها صبيانية هوجاء ، قلت أنك ستتوقف عن تناوله .
لف يطالعه وابتسم بخبث قائلاً بتصحيح :
– قلت أنني حينما أتزوج خديجة سأتوقف ، كف عن الثرثرة وتحرك .
زفر صقر يهدء من غضبه ثم دس يده في جيبه يخرج عبوة منتول طبيعي ثم ناولها إياه قائلاً :
– ضع واحدة في فمك ، أتريد أن تصيب بهجت بوعكة صحية بسبب أفعالك تلك ؟ ، نحن بالكاد أقنعناه .
ابتسم خالد ساخراً وهو يهز رأسه ثم نزع منه العبوة وانتشل منها واحدة يضعها في فمه ويلوكها قائلاً :
– أقنعناه ؟ ، تقصد بات مرغماً ، ولو اعتمدت عليك لكانت خديجة تزوجت من مخنثٍ تبغضه .
قالها وهو يحترق لا يتخيل فكرة تزويجها من غيره فزفر صقر بضيق وتحدث بنبرة موبخة :
– لا تتباهى بخطفك لها أمامي ، يكفي أنك لأول مرة تفعل أمراً دون علمي .
قهقه عليه وتحدث ساخراً :
– وكأنني ذاهب إلى المدرسة مع والدي ، هيا تحرك .
زفر صقر وتحرك بسيارته يقود نحو منزل بهجت الجديد حيث لم يعد بعد إلى منزله الأصلي .
❈-❈-❈
تجلس أميرة في غرفتها تدوّن ما يجول على خاطرها كعادتها مؤخراً .
منذ أن تحدثت معه وهي لم ترَ وجهه ولا يهمها ذلك ولكن اتصال نهلة بها منذ قليل كان غريباً بعض الشيء ، فهي تعمدت رمي معلومة أنه لم ينم في منزل والدته ليلة أمس حتى تجعلها تغار .
ابتسامة ساخرة متألمة مرت على ملامحها وهي تفكر ، هل تغار عليه ؟ ، هل تشعر بنهشة تخدش قلبها من أجله ؟ ، هل تشعر ولو بهفوة عشقٍ تجاهه ؟.
إذا لمَ لا تتألم في غيابه بل تتوغلها الراحة والسكينة ! ، لمَ لا تنزعج من تصريح شقيقته بل لا يهمها أمره من الأساس ! ، لمَ تتمنى أن ينشغل قلبه بأخرى ويعتقها ؟
لم تحبه بمقدار ذرة حتى ، تبحث عن شيءٍ داخلها نحوه ولم تجد سوى النفور والضيق والغضب مما جعلها تعيشه وتشعر به معه ، لقد كان يمتلك عدة فرص ليجعلها تحبه ولكنه استغل عجزها وقسوة عائلتها ليطمس هويتها بل كان أشد عنفاً منهما وتعمد استعمال أسمى طريقة للتعبير عن الحب بشكلٍ تبغضه لذا فلا حب له عندها ولن يكون أبداً .
نفضت رأسها من تلك الأفكار وعادت تعنف نفسها ، لقد اتخذت عهداً ألا تفكر بأمورٍ سلبية ، لتعاود التفكير في حديثها مع نارة ابنة عمها ، تلك الجميلة اللطيفة التي شعرت بالدفء في الحديث معها وها هي تدون في دفترها ما تشعر به نحوها .
❈-❈-❈
يجلسان أمام بهجت الحزين الذي يجاوره ابنه مازن ويطالعهما بضيق ويجلس خالد بأريحية مستفزة أمام أعينهم بينما تحدث صقر قاطعاً هذا الصمت :
– أستاذ بهجت زي ما إنت عارف سبب الزيارة ، خلينا نتفق ع الأمور المعروفة واختار معاد مناسب لكتب الكتاب والزفاف .
– بئد يومين .
نطقها خالد وهو يطالع بهجت بنظرة تحدي صريحة فباغته صقر بنظرة محذرة ثم عاد يتطلع إلى بهجت متسائلاً بنبرة متفهمة ودية :
– رأيك إيه يا أستاذ بهجت ؟
رفع بهجت رأسه ونظر نحو خالد نظرة كارهة لو تجسدت لانتقمت منه على كل ما عاناه هو وأسرته بسبب هذا البلاء اللعين ولكن قابله الآخر بنظرة منتصرة وملامح باردة يغزوها الاستفزاز ، ود لو قام من مكانه وأبرحه ضرباً حتى يخفي معالم تلك الملامح المستفزة ولكنه زفر بقوة يهديء من روعه وضيقه وتحدث بنبرة عاجزة انهزامية :
– يومين قليلين جداً ، خليها بعد شهر نلحق نجهز نفسنا .
صاح خالد معترضاً يقول بغلظة وعنجهية :
– لا شهر كتير جداً ، كل هاجة كانت جاهزة مافيش دائي لكلامك ده .
نهض بهجت واقترب منه مندفعاً فلحق به صقر يبعده عن خالد الذي جلس يطالعه مبتسماً بغيظ بينما بهجت يردف بغضب وهو يشير إليه بسبابته :
– اسمع اما اقولك يا بني آدم إنت ، ربنا وحده اللي يعلم أنا ضاغط على نفسي إزاي ومتحمل قعدتك قدامي بعد عملتك السودة اللي عملتلها وخطفك لبنتي من غير ما تحللك ، نجدك مني يومها أني مالقتكش قدامي وإلا كان ربنا وحده اللي عالم هيحصل إيه ، وكفاية أوي إن بنتي من وقت ما جت وهي منهارة ورافضة الأكل بسبب واحد زيك .
كانت ملامحه باردة غير مبالية إلى أن علم حالتها التي أسقطت قناع بروده وخدشت صميم قلبه فـ وقف يجابهه قائلاً بوجه متجهم غاضب :
– لأنها بتهبني ورفضك ليا مأذبها ، خديجة في الهالة دي بسببك إنت مش أنا .
وقف بهجت يطالعه بأنفاس هادرة ويقول مندفعاً :
– مهو من دخلتك الفقر على حياتنا ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، هتخليني أقول كلام غلط .
تحدث مازن الذي نهض يهدء والده قائلاً بتروٍ وهو يحاول إعادته إلى مكانه :
– يا بابا ماينفعش كدة ، مش إحنا قولنا علشان خاطر خديجة ! ، اقعد يا خالد إنت كمان لو سمحت ، اهدوا يا جماعة مش كدة ده اتفاق جواز مش خناقة .
أيده صقر في حديثه وهما يحاولان إبعاد كلٍ منهما عن الآخر فعاد بهجت يجلس ناكساً رأسه فحديثه صحيح ، ابنته تتألم بسبب رفضه وليتها تدرك ما هي منساقة خلفه ، ليتها تدرك .
أسبل جفنيه ثم عاد يطالع صقر كارهاً النظر في ملامح هذا الخالد وقال بخضوع لرغبة ابنته التي لم ولن يكن سبباً في حزنها :
– خلينا نكتب الكتاب بعد يومين بس الفرح يكون بعد شهر .
نظر صقر نحو خالد الذي أومأ بقبولٍ على مضض ثم قال بترقب :
– تمام ، آيز أشوف خديجة دلوقتي .
تحدث بهجت بهدوء تلك المرة قائلاً :
– خديجة نايمة تعبانة ، مش هتقدر تشوف حد النهاردة .
لم يتقبل هذا الرفض فكيف سيغفو دون رؤيتها بعدما باتت لا تغلق جفونه إلا بتفحصها ؟
كيف له أن يغادر مكاناً هي فيه دون أن يستنشق هواءها إلى رئتيه ؟ ، لذا تحدث ضاغطاً على أحرفه يردف بثبات :
– هتقدر ، هتقدر تشوفني بس إنت ابئد أنها .
تتعالى نبضات بهجت شيئاً فشيئاً غيظاً من هذا الخالد السئيل ويتجلى الضيق على ملامحه بشكلٍ ملحوظٍ وهو يجيبه :
– دي بنتي ، مستحيل أبعد عنها ، وزي ما قلتلك هي مش هتقدر تقابل حد دلوقتي .
كاد أن يعترض ولكن تحدث صقر وهو يلتفت له محذراً بعدما استشف توتراً جديداً على وشك التفاقم :
– تمام يا خالد يالا نمشي دلوقتي .
زفر ونهض مجدداً يغلق زر حلته ويتطلع على بهجت بنظرة يغمرها التحدي والثبات ثم تحرك نحو الخارج بخطوات ثابتة يغادر وتبعه صقر بعدما ودع بهجت .
أما في غرفة خديجة فكانت تجلس تتحدث مع نارة وتخبرها بكل ما حدث معها في رحلة اختطافها ، لم تخفِ عنها أمراً حتى عندما صفعته وكاد يأخذها عنوةً .
تمالكت نارة نفسها حتى لا تسبه أمامها قائلة بنبرة حانقة من ذاك الخالد يغلفها الهدوء :
– أفضل حاجة إن صقر وعمو بهجت لحقوه ، مكنش ينفع تتجوزوا خالص يا خديجة بالطريقة دي ، عمو بهجت وطنط نسرين كانوا هيتوجعوا أوي .
تنهدت خديجة بعمق وقالت بنبرة حزينة هادئة تخبرها ما يعتلي صدرها :
– أنا حاسة إن بابا زعلان مني يا نارة ، أنا صارحته إني بحب خالد ودي كانت حاجة مستحيل أقولها ، بس أقولك على حاجة .
تنبهت نارة لمَ ستقوله فتنهدت خديجة مجدداً تعتزم جرأتها قائلة باستفاضة :
– بغض النظر عن المشاعر اللي جوايا نحيته بس أنا وهو كنا في مكان منعزل لوحدنا يا نارو ، ولمسني وإيده لمستني ودي حاجة خنقاني أوي وحاسة إني مذنبة والإحساس ده مضايقني أوي ، فهماني ؟
تتفهم جيداً إحساسها ، خاصة مع شخصية خديجة الملتزمة ، حتى أنها تفهم رضوخ بهجت لطلب الزواج بعد رفضه القاطع لهذا قالت بنبرة لطيفة :
– هوني على قلبك يا ديجا ، إن شاءلله اللي جاي خير واللي حصل ده كان غصب عنك مش ذنبك خالص .
تعلم خديجة أنها لم تكن مذنبة ولكن انجراف مشاعرها وأحاسيسها خلفه يعد ذنباً تتمنى لو تطهره بالزواج منه وبشكلٍ يرضي عائلتها ويريح قلب والدها ، زفرت نارة وشردت لثوانٍ ثم تابعت بنصح :
– بس لازم تدخلي العلاقة دي وإنت عارفة هتقدمي إيه وهتتعاملي معاه إزاي ، لازم تحطي النقط كلها على الحروف بعد كتب الكتاب وقبل الجواز يا خديجة ، أي شروط هتقوليها قبل الجواز هتكون عهد عليه وهيلتزم ينفذها ، ولازم تكوني قوية يا خديجة ، خالد مش زي صقر ، خالد مفتقد الحب تماماً وحياته قبل كدة كانت كلها قسوة ، اديه الحب اللي هو محتاجه بس أوعي تبقي ضعيفة ، لازم هو اللي يكون محتاجلك مش العكس علشان إنتِ الصح .
استمعت لها وهي تنظر أمامها بشرود وتفكر في كلمات نارة بتأني وتدبر كأنها تغزلها حول عقلها لذا تنفست وتحدثت بعد لحظات قائلة بسكينة راودتها :
– صح يا نارو ، كلامك كله صح .
طرقات على بابها جعلتها تنتبه وتسمح للطارق بالدخول ظناً منها أن والدها أتى ليخبرها بمَ حدث ولكنها كانت والدتها التي دلفت تطالعها بهدوء فابتسمت لها وتحدثت عبر الهاتف :
– تمام يا نارو أنا هقفل معاكِ دلوقتي ونتكلم وقت تاني .
ودعتها نارة وأغلقت معها فوقفت خديجة تردف بترقب والتساؤلات تتراقص في عينيها :
– اتفضلي يا ماما .
اتجهت نسرين تجلس أمامها وتطالعها بعيون متفحصة ثم زفرت قائلة بهدوء حزين تجاهد لتخفيه :
– بابا اتفق معاهم يا خديجة ، كتب الكتاب بعد يومين والفرح بعد شهر .
يفترض أن تسعد بهذا الخبر ولكن هناك عصرة قبضت على قلبها فلم تتوقع أن تتم الأمور بهذه السرعة خاصة وأن والدها لم يأتِ كعادته ليخبرها لذا سقطت دمعة من عينيها وهي تتساءل بترقب حزين :
– هو بابا زعلان مني ؟
هذا جل ما يهمها الآن ، ابتلعت نسرين ريقها ومدت يدها تربت على يد ابنتها مردفة بحنو ولين :
– لا يا حبيبتي مش زعلان ، بابا كل اللي هامه هي راحتك يا خديجة ، بس اللي حصل في اليومين دول كان كتير عليه ، هو خايف عليكِ من خالد وأتمنى إنه يخيب ظنونا فيه ويسعدك ويقدر قيمتك ، إنتِ قيمتك غالية أوي عندنا يا ديچا .
أسرعت تعانق والدتها بقوة ، تحتاج كثيراً لهذا العناق وتحتاج لدعمٍ قوي ويدٍ تربت وقلبٍ يطمئنها لمَ هي مقبلة عليه .
يومان فقط وستكون زوجته شرعاً وقانوناً وبموافقة أهلها كما تمنت ودعت ربها لذا فهي برغم السعادة التي تتراقص حول قلبها إلا أنها خائفة بل مرتعبة من هذه الفكرة خوفاً من رسوبها في امتحان حياتها الذي وضعته بنفسها لنفسها .
بادلتها نسرين العناق بحب وحنو ثم ابتعدت تنهض قائلة وهي تتعمق في ملامحها :
– يالا نامي وارتاحي ، النهاردة كان يوم صعب ، واعملي حسابك إن بكرة إن شاء الله هنرجع بيتنا تاني ، بابا قالي أبلغك تجمعي حاجتك .
أومأت لوالدتها فتركتها وتحركت تغادر وجلست هي على المقعد تفكر مجدداً ، التفتت تنظر لهاتفها الموضوع على الكومود ثم أسرعت إليه تغلقه قبل أن يحاول مهاتفتها ، ليس لديها ما تقوله له هذه الليلة ، يكفيها أن تنام فقط بعد كل تلك الأحداث .
وضعت الهاتف مكانه بعد أن أغلقته ومدت يدها تطفئ إضاءة الغرفة ثم تسطحت على الفراش تدس نفسها به وتغمض عيناها لتنام ولتترك تكملة الأفكار غداً .
❈-❈-❈
في الصباح
استيقظ عاطف على رنين جرس شقته التي اشتراها لنفسه .
تحرك نحو الباب يفتحه فوجدها ( چيچي) تلك الفتاة التي تحبه وتسعى لرضاه دوماً ، تقف أمامه في أبهى صور الأنثى الجميلة المغرية ، ترتدي أفخم الملابس الضيقة التي بالكاد تخفي مغرياتها ، وجهها منحوتاً وبشرتها بيضاء وشعرها أشقر لامعاً منسدلاً وكل ما بها لا تشوبه شائبة حتى رائحة عطرها النفاذ الذي يخترق الأنوف .
كور فمه يزفر بضيق ثم تحرك يبتعد عن الباب ويردف بضيق ونعاس :
– إيه اللي جابك هنا ؟ ، مابتزهقيش ؟ ماردتش عليكِ يبقى خلاص مش عايز أشوفك .
دلفت تغلق الباب خلفها وتخطو خلفه ثم جلست أمامه تضع ساقاً فوق الأخرى قائلة ببرود وهي ترى حالته بالقليل من الفرحة خاصة عندما تجده ينعزل في هذا المنزل :
– لاء مش بزهق ولا بستسلم يا عاطف وهفضل وراك لحد ما تبعد عنها خالص .
نظر لها شزراً وتحدث بنبرة حادة محذرة :
– ماتلعبيش في عداد عمرك .
ابتلعت لعابها خوفاً من هيأته وتحدثت بحزن تجلى في نبرتها :
– ليييه ؟ ، ليه كل ده ؟ ، علشان بحبك ومستعدة أعمل أي حاجة علشانك ؟ هي عملت علشانك إيه ؟ ، من يوم ما اتجوزتها وانت بتعاني معاها ، طلقها يا عاطف ونتجوز أنا وأنت !.
قالتها بترجي فابتسم بتهكم ساخراً ثم نظر لها نظرة شملتها من رأسها حتى أخمص قدمها قائلاً بنبرة مهينة أصابتها في مقتل :
– اتجوزك إنتِ ؟ ، إيه يا چيچي الكلام ده ، ما كلهم عارفين إنك مش بتاعة جواز .
صرخت به بحدة وقلبٍ متألم :
– كلهم عارفين إني مش بتاعة جواز علشان أنا ضحيت بسمعتي علشانك ، اخترت إنهم يتكلموا عني أنا بس محدش يجيب سيرتك ، فضلتك على نفسي علشان اسمك يلمع وسط رجال الأعمال ، علشان بحبك يا عاطف .
صمت لثوانٍ يتأملها ، ضحية أخرى له يستغلها لصالحه ، استغل حبها الساذج وجعلها كالخاتم في أصبعه يحركها كيفما يريد .
استغل حبها ووحدتها ومعارفها ليلقيها في طريق كل من يريد أن يسحقه وبالفعل أتت له بثمارٍ جيدة وتسجيلات لرجال أعمال استطاع من خلالها وضع أعناقهم في قبضته وهو ينتشل منهم الصفقات واحدة تلو الأخرى بكل سهولة .
يعلم جيداً أنها صاحبة فضلٍ كبيرٍ عليه فيما وصل إليه ، حتى تلك السمعة الجيدة التي شيدها حول نفسه كانت خلفها تضحية بسمعتها ليتحاكى الناس بحبها لرجل الأعمال عاطف سليمان الذي لم يعِرها أي اهتمام .
حينما وجدته شارداً بها نهضت تتحرك كأفعى ماكرة نحوه حتى وصلت إليه ثم انحنت تميل عليه بإغواء قائلة بقلبٍ تباطأت نبضاته وهي على وشك تقبيله :
– أنا ماحبتش في حياتي راجل غيرك يا عاطف ، إنت وبس .
نطقتها بضعف وهي تلصق شفتاها في خاصته ليتجمد للحظات ويتركها تعزز من هيمنته وتعطيه ذاك الشعور الذي لم يحصل عليه ممن أحبها ، امتدت يداها تتحسس صدره وتبدأ بفتح أزرار قميصه وقبلاتها تتعمق أكثر وهو يترك نفسه لسطوها الذي أعجبه وتمنى في تلك اللحظة لو تقتحم أميرة هذا المنزل وترى ما يحدث لربما اشتعلت نار الغيرة بصدرها نحوه .
ابتعدت بشفتيها عنه وفرت دمعة من عينيها سقطت على وجنته وهي تقول بنبرة متحشرجة هامسة يتجلى فيها الترجي :
– قول إنك بتحبني ، قولها يا عاطف وصدقني بعدها هنسيك اسمها حتى .
نفضها فجأة عنه كمن ينفض شيئاً مقززاً فارتدت تسقط أرضاً عند قدميه وتطالعه بغضب وقهر فنهض يتجه نحوها ثم انحنى ورفع كفه يتحسس وجنتها ببطء ويبتسم كأنه يمتلك شخصيتين قائلاً بنبرة لينة ظاهرياً :
– مش هتقدري يا چيچي ، كل مرة بتفشلي تخليني أنساها حتى لثواني ، أنا نفسي حاولت وماعرفتش .
ابتعد عنها يزفر بقوة لا يعلم أتخرج منه أنفاساً أم نيراناً ولكنه عاد يتابع بصدرٍ محترق :
– أنا وانتِ هنفضل نتعذب كدة ، أنا حاسس بيكِ جداً بس مش هعرف أريحك .
لملمت شتات روحها وجمعت أشلاء كرامتها المهدورة ونهضت تبتلع غصة حلقها المريرة وهي تقول بقهرٍ واضحٍ :
– لما ييجي اليوم وتسيبك وقتها مش هتلاقي غير صدري تبكي عليه ، وللأسف بردو هتلاقيني موجودة ومستنياك ، ولحد ما ييجي اليوم ده أنا مش هستسلم بردو .
تحركت تغادر من حيث أتت وتركته يرتد على مقعده ويضع رأسه في راحته ويفكر فيها ، للمرةِ المليون أو أكثر يفكر في السؤال الذي لم يجد له إجابة ، كيف يجعلها تحبه ؟
❈-❈-❈
في وكالة العدلي
يجلس سمير خلف مكتبه يتفحص بعض الدفاتر الخاصة بالمنتجات .
رن هاتفه برقمٍ مسجلٍ حديثاً فتحمحم ينظر حوله ثم نهض يخطو نحو الباب الخلفي ويخرج منه متجهاً نحو ركنٍ قريبٍ من مخزن الوكالة وعيناه تلتفت هنا وهناك وحينما اطمأن أجاب قائلاً بنبرة خافتة :
– إيه عملت إيه ؟
أجابه الطرف الآخر بمَ حدث معه فاحتدت ملامحه وتناسى نفسه وهو يردف بغيظ موبخاً :
– يعني إيه حواليه حراسة ؟ ، يطلع مين الكلب ده يعني ؟ ، ماتشوف حل وتربيه هو أنا هدفعلك شوية ؟
استمعت له سوسن واخترق صوته أذنها ، صوته الذي تبغضه ولكنها تتوق لسماع أي شيءٍ يدينه وها هو يأتي لها على طبقٍ من ذهب لذا تنبهت حواسها وتركت قماشة التنظيف ووقفت متصنمة خلف باب المخزن تسمعه وهو يعاود خفض نبرته قائلاً بتجهم :
– كل ده ماليش فيه ، الواد ده لازم يتعلم عليه ويعرف كويس هو لعب مع مين ، قدامك يومين بالضبط واسمع أخبار عدلة وإلا في مليون غيرك هياخدوا نص المبلغ ده وينفذوا .
أغلق الخط وتحدث بغضب وتوبيخ لنفسه :
– قال حراسة قال ، حتة عيل زي ده يعمل فيا أنا كدة ؟ ، ابن مين ده علشان يعلم على سمير العدلي ، بس وشرفي لـ اربيه .
كاد يتحرك ولكنه استمع إلى ارتطام شيئاً ما في المخزن فاتسعت عيناه وتحرك نحو الباب يفتحه فتفاجأ ب سوسن تقف تواليه ظهرها وتدعي تنظيف الكراتين فتحدث بنبرة حادة قاسية :
– إنتِ واقفة عندك بتعملي إيه .
أجفلت برعبٍ من صوته ثم تحلت بالشجاعة وهي تلتفت له وتطالعه بنظرة جعلتها ثابتة وتقول :
– بشوف شغلي يا حاج سمير ، كنت محتاج حاجة ؟
دقق النظر في عينيها بنظرات متفحصة ليتأكد هل استمعت أم لا وعندما لم يستدل على إجابة تطمئنه تساءل بقلقٍ :
– إنتِ سمعتي حاجة ؟
تعثرت في أحرفها أمامه وقالت بتوترٍ ملحوظ :
– لـ لاا أبداً ، حاجة إيه ؟
بدأ يتأكد من شكه بها لذا اقترب منها حتى كاد أن يلتصق بها وتحدث بنبرة خافتة تحمل تهديداً واضحاً :
– جدعة ، أحسن حاجة تعمليها هنا إن ودنك وعينك ميشتغلوش علشان تفضلي بخير ، ماشي يا حلوة ؟
أومأت له مراراً وتكراراً فابتسم لها ابتسامة متلاعبة وهو ينظر لها نظرة وقحة تبغضها وتمنت في هذه اللحظة لو نفذت خطتها وأحرقته حياً ولتحترق معه لا يهم ولكن عليها التروي قليلاً لتأخذ حق صغيرها أولاً .
تركها وتحرك عائداً من حيث أتى فزفرت بقوة تطلق أنفاسها التي حبستها في حضوره .
❈-❈-❈
مر اليومان سريعاً
في المسجد القريب من منزل خديجة والذي قرر بهجت أن يقام كتب كتاب ابنته فيه .
تجمع بهجت مع القليل من أصدقائه وأقاربه وجاء صقر وعمر مع خالد وحضر المأذون .
على مقربةٍ منهم تقف نسرين وتجاورها شقيقتها وزوجة أخيها التي أخبرتهما أمس وتقف خديجة مع نارة ومايا وبنات خالها وخالتها .
أجواء تعمها السعادة والمباركات وهم يرون المأذون يبدأ بـ فتح كتابه وإلقاء خطبة الزواج وبعض الآيات القرآنية والأحاديث حيث جلس بهجت على يمينه وخالد على يساره وصقر شاهداً من طرف خالد وصديق بهجت من طرفه .
كان يتمسك المأذون بمكبر الصوت وهو يتحدث بطريقة اعتيادية ثم بدأ يردف موجهاً حديثه لبهجت :
– قول ورايا يا أستاذ بهجت .
أومأ بهجت بابتسامة باهتة تكاد تختفي ويحل محلها الحزن والخوف والقلق ولكنه يجاهد ليظهرها أمام أعين الجميع فتابع المأذون :
– إني استخرت الله العظيم وزوجتك موكلتي وابنتي خديجة بهجت عبد الرحمن .
نظر بهجت نحو خالد يدقق في عينيه وسبح بأفكاره للحظات مرت عليه كالدهر استعاد فيها عمر ابنته معه هل سيتخلى عنها ويزوجها لشخصٍ كهذا ؟ ، هل هذا هو نصيبها حقاً ؟
عاد المأذون يردد جملته بنبرة متعجبة فتحمحم بهجت يسبل أهدابه ثم تحدث قائلاً بنبرة كأنه يبصق الكلمات في وجهه :
– إني استخرت الله العظيم وزوجتك موكلتي وابنتي خديجة بهجت عبد الرحمن .
تحولت نظرة خالد من باردة إلى متأثرة بمَ يحدث معه ، قلبه يرتجف عنوةً وهو يستمع إلى هذا الزواج والرباط المتين . خاصة وكف بهجت يعانق كفه ونظراته تسعى للبحث عن الاطمئنان فما كان منه إلا أن يرضخ مجبراً ويعطيه الأمان ويخبره بعينيه أنه يعشق ابنته عشقاً خالياً من الخوف والقسوة ، بات متعجباً من هذه الأقوال وما يقوله هذا الشيخ وكل هذه الأحداث الجديدة عليه .
تابع المأذون باقي جملته وهو ينظر إلى بهجت ليردد خلفه :
– على كتاب الله وعلى سنة رسول الله وعلى الصداق المسمى بيننا .
كرر بهجت جملته وعينه لا تفارق خالد الذي يتعمق بأفكاره في كلمات الشيخ ليعاود المأذون يتابع :
– عاجله وآجله والحضور شهود على ذلك والله خير الشاهدين .
– والله خير الشاهدين .
انهى بهجت جملته ليبلغه بنظراته أن الله سيكون شاهداً عليه إن أحزن ابنته أو آلمها أو حطم قلبها يوماً وهذا ما قرأه خالد جيداً في عينيه لذا كانت نظرته ثابتة تؤكد له أن ما يعتقده لن يحدث أبداً .
التفت المأذون إلى خالد وتحدث بترقب ورسمية :
– وإنت يا أستاذ خالد قول ورايا .
أومأ له خالد بتنهيدة قوية تدل على تأثره بكل ما يحدث معه فتابع المأذون :
– إني استخرت الله العظيم وقبلت زواج موكلتك خديجة بهجت عبدالرحمن .
ابتلع ريقه ونظر في عين بهجت قائلاً بنبرة هادئة تنافي صخب نبضاته كأنه يسابق رياحاً عاتية :
– إني استخرت الله العظيم وقبلت زواج موكلتك خديجة بهجت أبدالرهمن .
تابع المأذون قائلاً :
– على كتاب الله وسنة رسول الله وعلى الصداق المسمى بيننا .
رددها خالد بنفس حالته ليعاود المأذون قائلاً :
– عاجله وآجله والحضور شهود على ذلك والله خير الشاهدين .
رددها خالد أيضاً بثباتٍ لينطق المأذون بملامح تشوبها البهجة :
– بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .
أبعد بهجت يده في نفس توقيت خالد وهو يسحبها ثم وقعا على عقد الزواج ووقع صقر الذي يشعر بالفرحة تغمره وكذلك وقع صديق بهجت ثم قال المأذون بترقب :
– نادوا على العروسة علشان توقع هي كمان .
وقف والدها يتجه نحوها حيث كانت تقف تتابع كل ما يحدث بقلبٍ تجزم أنه سيتوقف وعيون تغزوها غيمات السعادة ، ساقيها كأنهما هواءاً لولا نارة التي تدعمها وتتمسك بها ، سعادتها وصلت عنان السماء وهي ترى يد والدها تحتضن يد خالد في مشهدٍ مؤثرٍ جعل عينيها تتلألأ باكية سواءاً هي أو نارة أو نسرين .
وصل والدها إليها وتوقف أمامها يطالعها بعيون ملتمعة يخبرها بصمت ( أتشعرين بالسعادة الآن يا ابنتي ؟ )
أخفضت رأسها قليلاً فاقترب منها وسحبها إلى حضنه يعانقها بقوة لا يتقبل فكرة أنها أصبحت ملك رجلٍ لم يكن يتمناه لها يوماً ، ابنته وقرة عينه باتت غريبةً عنه ، لولا الحضور لبكى بكاءاً حاداً ولكنه يتماسك لأجلها ولأجل الجميع .
ابتعد يتحمحم قائلاً وهو يخفي عينيه اللامعة عنها :
– تعالي يالا علشان تمضي على القسيمة .
تحركت معه بخطوات متمهلة بينما قلبها يركض كالفرس العربي الحر السعيد ، كان يجلس يتابعها بعيون متفحصة وهي تتقدم مع والدها ولم ترفع عينيها في عينه ، تخشى النظر إليه ، يكفيها نبضاتها التي تجزم أنه يسمعها بل ويراها وهي تتقافز داخل أضلعها .
وصلت إلى طاولة المأذون الذي بارك لها فابتسمت له بلطف فناولها القلم وطلب منها التوقيع والبصم ففعلت لذا ابتسم ونظر نحو خالد قائلاً ببشاشة :
– قوم سلم على عروستك بقى يا عريس .
رفع خالد نظره يطالعها فوجدها تفرك أصابعها بتوتر وخجل جعلها لا تناظره بل تناظر والدها الذي يجاورها ويتمسك بها كأنه لا يود تركها أبداً لذا توقف يقترب منها حتى وقف أمامها وقال بنبرة سعيدة صدرت من أعماق قلبه :
– مبروك .
أردفت بهمس متلعثم دون النظر إليه :
– الله يبارك فيك .
بمنتهى الحنان واللطف تحركت ذراعيه تلتفان حول خصرها ليلصقها به ويسحبها من جوار والدها إلى داخل مبيته الآمن ، يعانقها عناقاً يعبر به عن مدى شوقه وعشقه لها .
أجفلت وتوقف قلبها لثوانٍ وهربت الدماء من وجهها الذي أصبح يشبه صفحة كتابٍ بيضاء لا تصدق أنها جُذبت بفعله وترتكز داخل أحضانه وأمام أنظار الجميع وخاصة والدها .
بداية العناق صدمة بالنسبة لها ولكن بالنسبة له كان رحلةً لم يجربها قط ، مكاناً ساحراً لم يذهب إليه أبداً ، توغل لمشاعر مفاجئة وحديثة اجتاحت كل خلية به فـ لم يتوقع أو يتخيل أن يشعر بمثيلها يوماً ، باقة فريدة من الأحاسيس تشبه باقة الورود الطبيعية النادرة توغلت إلى أعماقهما سوياً .
ليبدأ التواصل بينهما وتتسرب إليها مشاعره فتشعر بمثيلتها لذا فقد أصبح قلبها ينبض بعنف بعد تجمده يضخ الدماء التي عادت بقوة تورد وجهها خجلاً .
اقترب من أذنها وهمس بنبرة متحشرجة يغزوها التأثر بجسدها المستكين داخله حينما لاحظ سكونها وثباتها :
– بادليني خديجة ، سيظنون أنكِ مجبرة على زواجنا .
لا تعلم كيف فعلتها وأي جرأة تملكتها حينما رفعت ذراعيها تطوق رقبته ولكنه يفوقها طولاً لذا لم تستطع تطويق رقبته فما كان منه إلا أن حملها من فوق الأرض وطاف بها المكان بسعادة غير عابىءٍ بأي شخصٍ يطالعه بضيقٍ وقهرٍ حتى لو كان بهجت .
تعلقت برقبته ورأسها مختبئاً في عنقه وقلبها ينبض بعنف يجرب كمية مشاعر تشبه الخمر اللذيذ .
توقف بعد دقيقة من الزمن ينزلها أرضاً ويتنفسها بقوة ويداه تعتصرها ولكنها تعلقت به خوفاً من سقوطها بعدما شعرت بالدوار فاحتفظ بها يبتسم لها بل يضحك بسعادة كاد أن يصدق أنها أكذوبة لن تتحقق يوماً .
تعالت المباركات والتصفيقات من حولهما إلا بهجت الذي وقف يتابعهما بنفس النظرة اللامعة وهو يتمنى ويدعو الله أن يكون مخطئاً في شأنه .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
تجلس خديجة في غرفتها على مكتبها المرتكز في الركن الهاديء تقرأ كتاباً بتمعن واندماج مع كلماته وبين سطوره .
كتاباً عن كيفية التعامل مع شريك الحياة المستجد في الإسلام .
كيف تقدم له النصيحة بشكلٍ سحري يجعله يتقبلها بصدرٍ رحب ، كيف تتقبل تصرفاته في الفترات الأولى من علاقتهما وكيف تتعامل مع أسئلته وتجيب عليها .
ربما حماسها يقودها إلى احتمالية استكشاف حياة أكثر سعادة وهدوءاً تريد صنعها معه ولكنه مجرد احتمال .
لقد تناست عن عمد أو دون عمد ماضيه وعالمه ، تناست تماماً سبب إسلامه الحقيقي ، لقد تمنت أن تجري الرياح بمَا تشتهي السفن لذا فحماسها جعلها تشبه سفينة أخذها الحماس والعشم وسبحت في بحرٍ لم تختبره من قبل ولم تستطع مع نصيحة والدها صبراً لذا أبحرت وتركت التفاوض مع البحر لأوانه .
جملةً ما في الكتاب جعلت وجنتيها تتورد ثم رفعت وجهها عن الكتاب وتحدثت بهمس خجول :
– طب أنا هقدر أعمل كدة إزاي ؟ هو أكيد ميعرفش حاجة زي دي .
تشتت عقلها عن الكتاب والتهى بما تفكر فيه ، أمراً هاماً خاصةً وأنه أصبح مسلماً ولكن كيف ستخبره ؟ ، أمراً راق لها كأنثى خاصة وهي تجاهد كل وسائلها الدفاعية كي لا تهفو على خاطرة ذكرى علاقاته السابقة ، تلك الذكرى التي ما إن مر ريحها من بعيد على قلبها فـ قد ترك وقعاً مميتاً لا يتقبل عقلها حتى التطرق له لذا فما إن تشعر بتلك الرياح على وشك القدوم إليها تسرع بإغلاق نوافذها الفكرية بشكلٍ تام ، ولكن إلى متى ؟
لذا فإن هذا الأمر يروق لها ويبقى نفس السؤال عالقاً في ذهنها ، كيف ستخبره بهكذا أمرٍ مخجلٍ .
أنار عقلها فجأة يعطيها الجواب لتصدر صوتاً بأصبعيها قائلة بابتسامة متلألأة :
– نارة .
تناولت هاتفها على الفور وطلبت رقم نارة التي أجابت بعد ثوانٍ قائلة بهدوء وترقب :
– ديچا ، عاملة إيه ؟ .
زفرت خديجة بقوة تستدعي طاقتها لتستطيع إخبار نارة بهذا الأمر الثقيل جداً على لسانها فعادت نارة تتساءل بقلقٍ بعدما طال صمتها :
– خديجة إنتِ كويسة ؟
تحمحمت وقالت بهدوء ونبرة خجلة :
– أيوة يا نارة إزيك ، أنا بخير الحمدلله ، إنتِ عاملة ايه ؟
استشفت نارة أمراً تود خديجة الإفصاح عنه لذا قالت بانتباه :
– أنا كويسة جداً يا حبيبتي ، قوليلي بقى عايزاني في إيه ؟ ، أكيد الموضوع خاص بخالد .
قضمت خديجة شفتيها بخجل ثم قالت بنبرة حرجة :
– هو أنا بقيت مكشوفة أوي كدة ؟
ابتسمت نارة وقالت بود ولطافة حتى تمحي توترها :
– يمكن بالنسبالي لأني فاهمة مشاعرك كويس نحيته ، يالا قوليلي إيه اللي حصل ؟
عادت تسحب أنفاسها تدعم رئتيها ثم تحدثت بتوتر وخجل جعل وجهها كحبة طماطم ناضجة وهي تقول :
– فيه أمر مهم بالنسبالي قرأت عنه ومهم إن خالد يعمله قبل الجواز بمَ أنه أسلم وكدة بس أنا مستحيل هقدر أتكلم مع أي حد في حاجة زي دي غيرك ، يعني عملية جراحية بسيطة ، لو ممكن إنتِ تتكلمي مع صقر يكلمه ؟ .
شردت نارة لثوانٍ فقط حيث توقف عقلها عن الفهم ثم اتسعت مقلتيها وقد فهمت ما تقصده خديجة فتحمحمت هي الأخرى بحرجٍ وقالت بهدوء ينافي خجلها كي لا تلاحظ خديجة :
– قصدك Circumcision ؟ ، أيوة فعلاً يا خديجة الموضوع محتاج عملية جراحية ، بس إيه ازاي خطرلك فجأة كدة ؟ أعتقد ده كدة الفرح يتأجل !
تنهدت خديجة بقوة ثم تحدثت باستفاضة وشجاعة اكتسبتها مما قرأته مسبقاً والآن :
– بصي يا نارو هو ده أمر واجب على المسلم التزاماً بالشريعة الإسلامية وبسيدنا إبراهيم عليه السلام ، سيدنا إبراهيم أختتن وهو ابن الثمانين عام ومن بعدها ده بقى حكم على كل مسلم موحد بالله عز وجل ، قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ) صبغة الله هي الحنيفية ، وبتتمثل في صبغة الأبدان بخصال الفطرة زي الختان وقص الشارب وتقليم الأظافر والمضمضة والاستنشاق والسواك والاستنجاء وأمور تانية كتير ، ده غير إن الختان ليه أسباب صحية كتير جداً زي الوقاية من السرطان والالتهابات والأمراض الجنسية زي والعياذ بالله الإيدز وكمان فيه وقاية للزوجة نفسها من سرطان الرحم ، يعني الموضوع ديني وعلمي وصحي في نفس الوقت ، فهماني .
أومأت نارة تردف مؤكدة كأنها تراها :
– أكيد فهماكي جداً ، وحقيقي الحمدلله على نعمة الإسلام ، بس لازم خالد يكون موافق وعايز يعمل كدة .
صمت تام من جهة خديجة متعجبة من حالها كيف تحدثت باستفاضة هكذا ولكنها حقاً تريد البدء معه بأسلوبٍ مميز متجهاً نحو الإسلام لذا تابعت نارة بتريث :
– بصي أنا هتكلم مع صقر وهو يقنعه بطريقته ، أنا فهماكِ جداً على فكرة ومؤيدة تفكيرك .
ابتسمت تردف بهدوء ومازال خجلها قائماً :
– شكراً يا نارو بجد ، وأنا بعتذر لو ضايقتك .
نهرتها معنفة بنبرة أخوية تقول :
– بطلي بقى رخامة دا أنا منتظرة الفرح بفارغ الصبر ، ربنا يتمملك على خير يا ديچا ويقدر خالد يديكي السعادة اللي تستحقيها .
استعادت خديجة ثباتها وقالت بهدوء يغلفه السعادة :
– اللهم آمين يارب ، تسلميلي يا نارو .
أغلقتا بعد دقائق قليلة قضيت في الحديث المشترك بينهما وعادت هي لكتابها ولكن لم يعد التركيز حليفها بل شردت تفكر في من سلبها جم أفكارها ومشاعرها .
لثوانٍ فقط شردت فيه وفي عناقه أمس وفي رائحته وكلماته التي استيقظت عليها صباحاً ، تفكر في حبه وشغفه وحنانه ومرحه ووقاحته ، زفرت بقوة ثم نهرت نفسها وتحدثت موبخة :
– عيب عليكِ كدة استغفري ربنا وقومي صلي يالا .
نهضت كأنها اثنتين في الغرفة إحداهما ضميرها قائم يعمل دوماً والثانية تطيع الأولى دون اعتراض .
اتجهت إلى الحمام تتوضأ ثم عادت ترتدي اسدالها وتقف في غرفتها تصلي قيام الليل وتسجد لتطيل سجدتها وتدعو ربها أن يمنحها السلام في هذه العلاقة .
❈-❈-❈
مساءاً بعد عودة صقر إلى منزله .
استقبلته نارة بترحابٍ محببٍ ثم دلفا سوياً إلى المطبخ كي تفاجئه بمَ حضرته منذ قليل .
كانت تسحبه معها ثم سحبت له مقعداً وهي تجلسه بحماس وحب قائلة بنبرة تتقافز منها الفرحة :
– اقعد هنا بقى علشان تشوف المفاجأة .
استنشق بأنفه متفحصاً ثم قال بابتسامة :
– أنا شامم ريحة ـــــــــ .
أسرعت تكمم فمه قائلة بعيون مترجية :
– لا يا صقر وحياتي متقولش ، استنى بس عايزة أشوف ريأكشنك أول ما تشوفها .
زفر مستسلماً ومبتسماً لها يردف بإذعان وهو يشير بيده على حواسه :
– تمام ، أنا لا أسمع لا أرى لا أتكلم إلا لما تقولي..
ابتسمت ووضعت قبلة خاطفة على صدغه ثم تحركت نحو الفرن الكهربائي وفتحته تتمسك بالقابض السليكون ثم مدت يدها داخله تخرج صينية الخبز التي تحتوي على فطيرة ملتوية الشكل تحمل لونين البيج والكاكاو .
تحركت إليه ووضعتها أمامه ثم نظرت لعينيه قائلة بترقب وحماس :
– إيه رأيك ؟
تعمق في الصينية ومحتواها ولم يتعرف على اسم هذه الوصفة ولكنه رفع حاجبيه بإعجاب قائلاً :
– ممتاز ، شكلها تحفة ، تسلم ايدك .
زفرت باحباط أصابها قائلة بحزنٍ كاذب :
– مش عجباك ؟
تعجب من إصرارها الغير معتاد ولكنه قال بحب وهو يهز رأسه :
– لاء طبعاً كفاية إنها من ايدك .
نظرت له بشك تضيق عيناها ثم قالت بإصرار مبالغ به :
– لاء يا صقر مش عجباك فعلاً ، على فكرة دي اسمها طاقية السلطان ووصفتها مشهورة جداً ، كنت حابة اعملك العشا بنفسي بس شكلها مش عجباك .
زفر وتحدث معترضاً بهدوء :
– يا نارو بجد عجباني جداً ، أنتِ والسلطان وطاقيته في قلبي .
نظرت له بمكر وهي تتحرك عائدة للخلف نحو الموقد ثم التفتت وتناولت قدرٍ ما وعادت تتقدم منه ثم وضعته أمامه قائلة بخبث وهي تلتقط صحناً وملعقة :
– طب ودي ؟
قالتها وهي تملأ الملعقة وتصبها في الصحن أمام عيناه التي تسلطت على الملوخية الخضراء الشهية التي يجزم أن طعمها وصل إليه دون لمسها ، تعلم جيداً أنه يعشق تلك الأكلة وخاصة إذا كانت بهذا اللون النضر ومعها التقلية الذهبية الشهية ، تعيده هذه الأكلة لذكريات والدته الغالية .
امتدت يده تتناول رأس نارة وهو يسحبها إلي صدره يعانقها كعقابٍ قائلاً وهو يعض على شفتيه :
– بقيتي نصابة .
ضحكت بخفة وارتفت تعاود تقبيله ثم ابتعدت تصب له من القدر كميةً مناسبةً وناولته الصحن ثم اتجهت تحضر لها صحناً وخبزاً واتجهت تجلس معه يتناولان هذه الأكلة بشهية خاصة صقر الذي ما إن وضعها في فمه حتى أسبل جفنيه باستمتاع ولذة من طعمها الرائع وهو يصدر من جوفه صوتاً يدل على تلذذه بينما هي تبتسم بفخر وسعادة على هيأته التي تثبت لها أنه سعيد .
نظرت له بحبٍ وإعجاب ، مجرد أكلة قادرة على رسم السعادة على وجهه .
زفرت براحة وتحدثت بحب :
– قول لي بقى يومك مر إزاي ؟
زفر براحة وهو يتناول من صحنه ثم طالعها بعيون لامعة ببريق الحب وقال بنبرة صادقة :
– أوله جمييييل وآخره جمييييل مش مهم الباقي ، المهم إني بصحى على وجودك جنبي وبنام في حضنك .
نظرت له بهيام ثم تناولت كفه الأيسر وانحنت تقبل باطنه ثم اعتدلت تتمسك به بين راحتها وتنهدت تردف بحب :
– ربنا يديم وجودك في حياتي .
تناول هو كفها يلثمه بحب ثم زفر وعاد يتناول لقماته أما هي فزفرت بترقب لتطرح عليه أمر خديجة قائلة :
– فيه موضوع خديجة كلمتني فيه وأنا قلتلها إني هكلمك وإنت تتكلم فيه مع خالد .
تنبه لها بإمعان متسائلاً قبل أن يلتهم لقمته باستمتاع :
– خير يا حبيبتي ؟
وضع اللقمة في فمه يلوكها بينما هي عبأت رئتيها بالهواء ثم تحدثت بحرجٍ قائلة :
– خديجة كانت عايزاك تبلغ خالد يعمل Circumcision قبل الجواز .
أجفل يسعل فجأة بعدما توقفت اللقمة في حنجرته من وقع الكلمة فأسرعت نارة إليه تربت على ظهره ثم خطت تتناول كوب مياه وتمده إليه قائلة بحنو وندم :
– سلامة قلبك ، أنا أسفة كان لازم استنى لما تاكل .
تناول كوب المياه وارتشف منه جرعةً يهدئ بها سعاله وأصبح يتحمحم ثم ابتسم بل ضحك وكلما مرت الكلمة أمامه زادت ضحكاته حتى أصبحت نارة تقهقه هي الأخرى عليه متسائلة بحرج :
– صقر فيه إيه ؟ ، على فكرة ده أمر طبيعي بمَ أنه أسلم وهيتجوز خديجة .
أومأ متفهماً يجاهد ليكتم ضحكاته ثم تحدث بشماتة :
– فاهم أيوة ، بس الموضوع مكانش في دماغي ، إنما لو على خالد فهو يستاهل ، هكلمه أكيد .
عاد يضحك فلكزته معنفة بخفة تقول :
– صقر خلااااص ، قفل ع الموضوع ده .
أومأ وعاد يتناول جرعة مياه أخرى ثم ترك الكوب أمامه قائلاً من بين ضحكاته :
– صح خلينا في الملوخية بتاعتنا ، هههههههه هموت أشوف وشه وأنا ببلغه .
❈-❈-❈
صباحاً في شركة صقر يجلس على مكتبه شارداً في أعماله .
اقتحم خالد مكتبه بعدما هاتفه واتجه يجلس أمامه واضعاً ساقاً فوق الأخرى يقول بتهكم نسبةً لاستيقاظه باكراً :
– ماذا تريد ؟ .
زفر صقر وهو منكباً على أوراق عمله ثم قال بملامح عابسة ماكرة :
– لستُ أنا من يريد ، إنها خديجة .
تنبهت حواس خالد جميعها ونظر له بتعجب ونوعٍ من الغيرة والتملك تجلى في نبرته حين قال :
– وأين لك من خديجة ؟
رفع صقر عيناه إليه وبنفس الثبات والمكر قال :
– أرادت أن أبلغك أمراً ما عن طريق زوجتي ، لا تريد الزواج بك قبل أن تفعله .
ابتسم خالد بثقة وقال بثبات من بين تساؤلاته :
– حتى أنها أصبحت ، لنرى من يمكنه إيقافي بعد ذلك ، هيا قُل ما الذي يجب عليا فعله ؟ .
هز صقر رأسه منه باستسلام ثم عاد ينظر في ورقه ويردف بنبرة باردة مانعاً بها إظهار شماتته وهو يقول :
– Circumcision
دلفت الكلمة إلى مسامع خالد كسهمٍ اخترق رأسه لم يستوعبه لثانيةٍ قبل أن ينتفض واقفاً يطالعه بملامح منكمشة مستنكرة وهو يقول :
– ماذا ؟ ، ماذاااااااا ، أجننت ؟ ، يا محتال يا فاسق هذه كذبة منك ، مستحيل أن أخضع لهذا الأمر ، ثم أن خديجة لا يمكنها طلب هذا .
نطقها بثقةٍ في حبيبته البريئة ليهز صقر كتفيه قائلاً بهدوء مميت أصابه في مقتل :
– حسناً كما تريد ، سأخبرها أنك لم تقبل .
انحنى يتكئ بكفيه على المكتب ويتساءل بعيون متفحصة وترقب كأنه شك في الأمر :
– هل حقاً قالت هذا لزوجتك ؟
رفع صقر عيناه يطالعه بنظرة شامتة ثابتة ويردف بمغزى :
– نعم قالت ، لا تنسى أن خديجة وأسرتها يتبعون الشريعة الإسلامية وهذا إحدى شروطها ، هيا خالد افعلها لخاطر زوجتك المستقبلية ، الأمر بسيط للغاية .
نهض يبتعد عن المكتب ويشير بيده قائلاً بصياح :
– إخرس ، اللعنة عليك وعلى بهجت ، أنتما اتفقتما عليَّ ، هل أنا مراهق أمامك ؟
شبح ابتسامة مر على ثغر صقر قبل أن يخفيه ويتابع بتريث :
– توقف عن الحماقات واسمع جيداً ، خديجة محقة في طلبها ، لا تنسى ماضيك المشرف .
نظر له بغيظ وصمت ، لديه الكثير من الكلمات لبصقها في وجهه ولكنه اكتفى بنظرة غاضبة ثم اندفع يغادر المكتب .
بعد دقائق كان يخرج من باب الشركة ويستقل سيارته يقودها بسرعة منطلقاً كالصاروخ .
بدأ يهدئ سرعته وهو يتناول هاتفه ثم طلب رقمها وانتظر إلى أن تجيبه فطال انتظاره ثم فُتح الخط وردت بنعاس قائلة بنبرة متحشرجة يضاف لها التعجب :
– خالد ؟
تحدث دون مقدمات والضيق يعتليه :
– إيه ده يا خديجة ، إزاي تطلبي هاجة زي دي ؟
تعجبت ولم تدرك بعد وقالت ببلاهة من أثر نومها :
– حاجة إيه ؟
زفر بقوة ونطق بغيط ووقاحة يعود للإنجليزية :
– Circumcision ، هذا سيعطل زواجنا .
لم يجد منها رداً سوى صوت صافرة الإغلاق فزفر بضيق وأومأ يردف متوعداً بتعجب :
– تهربين ؟ ، أنتِ خديجة ؟ ، كيف تنطقينها ؟ ، حسناً انتظريني .
عاد لسرعة قيادته متجهاً إلى منزلها كي يراها ويرى طلبها العجيب هذا ، من المؤكد أنه لن يرضخ لهذا الطلب أبداً .
❈-❈-❈
في وقت قياسي
وصل إلى منزل بهجت الذي يقابل منزله .
ترجل يخطو نحو البوابة ويضغط على جرس الباب ووقف ينتظر حتى ظهر بهجت يطالعه من بعيد من خلف قضبانها .
عندما رآه ظهر الضيق على وجهه وزفر مستغفراً ثم تقدم منه حتى توقف خلف البوابة يردف بتعجب وتجهم :
– خير يابني ع الصبح ؟ .
وضع خالد كفيه في جيبي بنطاله وتحدث بثبات برغم تعثر أحرفه وهو يرفع ذقنه :
– آيز أشوف خديجة .
عاد بهجت يلتفت يميناً مستغفراً ثم تحدث بهدوء وفتور :
– وهو اللي يشوف حد يشوفه دلوقتي ؟ ، يصح يعني ع الصبح كدة ؟
تحدث خالد بنفاذ صبر وبرود :
– هي دلوقتي مراتي ، أشوفها في أي وقت .
أسبل بهجت جفنيه يستدعي الصبر ثم تنهد وفتح له البوابة فاندفع للداخل ووقف يطالعه بتجهم فقال بهجت يحثه على التقدم بنبرة متأفأفة :
– اتفضل .
دلف معه إلى الداخل فاستقبلته نسرين بترحابٍ هادئ فهو بات زوج ابنتما وعليها التعامل معه بود مهما كانت الأسباب لذا تحدثت بنبرة لطيفة :
– أزيك يا خالد ، نورت يابني .
تعجب من لطافتها ولكن قلبه أحب نبرتها لذا أُجبر على التبسم لها وقال بنبرة هادئة :
– شكراً .
اتجه بهجت إلى غرفة الصالون وتبعه خالد ثم أضاء الغرفة وتحدث بتريث :
– اقعد وأنا هطلع أصحيها .
تحرك يجلس بأريحية على إحدى الأرائك ولم يتحدث بينما خطى بهجت عائداً فأوقفته نسرين قائلة بتعجب وخفوت :
– في إيه يا بهجت وليه جاي دلوقتي ؟
هز كتفيه يستغفر قائلاً بتعجب خافت :
– معرفش يا نسرين ، بيقول عايز خديجة بس باين كدة حصل حاجة .
انفرجت ملامحه فجأة وهو يضيف بتمني :
– تفتكري ممكن يفشكلوا .
ظهرت الدهشة على ملامحها ثم قالت بتروٍ تهدئه :
– وحد الله بس يا بهجت هما لحقوا ، ادعي بس ربنا يهديه ويهدي سرها معاه ، اطلع صحيها وأنا هدخل أعمل الفطار علشان يفطر معانا .
تنهد وأومأ على مضض ثم تحرك للأعلى نحو غرفة خديجة التي استيقظت منذ اتصال خالد ونهضت تصلي وتقرأ أذكارها وتكمل قراءة كتابها لتتناسى ما أخبرها به عبر الهاتف .
انتبهت لطرقات على الباب فسمحت للطارق ففتح بهجت الباب يطالعها متسائلاً بحنو :
– خديجة ؟ ، صاحية يا حبيبتي .
ابتسمت تقف تستقبله قائلة باحترام :
– اتفضل يا بابا .
دلف يقف قبالتها قائلاً وهو يشير بوجه نحو الخارج :
– خالد تحت ، عايز يشوفك .
توترت وتورد وجهها خجلاً وهي تعلم سبب مجيئه ثم تحمحمت وأومأت تقول :
– تمام يا بابا هلبس وانزله .
نظر لها بشك وتساءل بفضول واهتمام :
– هو حصل حاجة بينكوا ولا إيه ؟
تعمقت في عينيه قليلاً ثم نطقت بمَ ينافي نظرتها قائلة بهدوء :
– لا أبداً يا بابا ، بس يمكن عايز يتكلم في تفاصيل الفرح وكدة .
زفر باستسلام فيبدو أنها باتت تتعامل بحذر قليلاً منذ أن أصبحت زوجته لذا تحدث بهدوء يخفي حزنه وهو يخطو نحو الخارج :
– تمام يابنتي ، هبلغه إنك نازلة .
خرج وتركها تقف متوترة مشتتة لا تعلم كيف ستتحدث معه عن أمرٍ كهذا والخجل يتآكلها ولكن توقفت عن التشتت فجأة عندما اهتدت إلى كلمات نارة لها .
تلك الكلمات التي ستقوي عزيمتها وتجعلها تحدد نقاط مهمتها معه ، لتقوى قليلاً ولتخبره بكل ما تريده منه ولتضع الأمور بينهما على طاولة التفاوض .
لتستعمل القوة قليلاً وتلقي بمطالبها جميعها الآن ، الآن الكرة في ملعبها لتحقق هدفاً قبل موعد الزفاف .
عزمت أمرها وحفزت نفسها بهذه الكلمات الداخلية ثم اتجهت إلى غرفة الملابس تحضر فستاناً أنيقاً لتقابله ، دون حجاب .
❈-❈-❈
كان يجلس يهز ساقه اليسرى بتوتر فقد مر نصف ساعة ولم تأتِ .
منذ أن أخبره صقر بمَ تريده وهو يفكر في الأمر ، الأمر ليس سيئاً بالنسبة له ولكن كان عليها أن تخبره بنفسها ، لماذا تزوجها إذا إن كانت ستلجأ لوسيطٍ بينهما ؟
هذا الثعلب الماكر يريدها أمامه وعيناها في عينيه حينما تخبره بمَ تريده .
يريد أن يبدد حالة الخجل التي تحيطها حينما تكون معه ، هذا الخجل الذي تسبب في إسقاط قلبه وكيانه لها ورفع من شأن مشاعره ورجولته أمامها .
زفر بضيق ونظر في ساعة يده ثم نهض يلتفت ليغادر ولكنه تجمد حينما وجدها تخطو إلى الغرفة بفستانٍ راقٍ محتشم وأنيق .
وجهها ملائكي وكل ما بها يشع ضوءاً كما لو كانت آتية من نجمٍ يسكن الفضاء وليس من غرفتها ، وما زاده انبهاراً وزاد عيناه لمعةً هي خصلاتها المائلة للون البني والمنسدلة حولها بطريقة سلبته لبه وفؤاده .
وقف شارداً للحظات يفكر ( هل هذا الملاك ملكي ؟ ، هل هي لي حبيبتي وزوجتي ! ، ما هذا النعيم الذي وقعتُ فيه بعدما ظننتُ أن مصيري جحيماً ) .
كان حابساً أنفاسه ثم عاد يتنفس بقوة وتقدم منها يقتحم جسدها بذراعيه ويعانقها بدون مقدمات ، هكذا هو ترحيبه لا سلام ولا كلام بل عناقاً قاسياً كاسحاً من قِبل عضلاته يسحق به جسدها بين ضلوعه .
تفاجئت به بل تجمدت للحظات قبل أن تتوتر وتردف بخجل وهى تتملل دون أن تبادله :
– خالد لو سمحت .
لم تكن تشعر حينها بالسحق بل بالدفء واللين والحب الذي يتضخم في قلبها شيئاً فشيئاً ، لم تبادله ولكنها مستمتعة بدفئه وبسماع نبضات قلبه لذا ابتعد يطالعها بتعمق ثم زفر فتحمحمت وتركته تتجه نحو أريكة مجاورة له وجلست عليها برقي قائلة بنبرة ثابتة تخفي توترها ومشاعرها من عناقه :
– اتفضل خلينا نتكلم .
عض شفتيه بغيظ من طريقتها الباردة معه ثم اتجه يجلس أمامها فارداً جسده يطالعها بخبث حيث كانت عيناها تناظره ثم أسبلت حينما لمحت المكر في عينيه ولكنه لم يرأف بحالتها وتساءل بنبرة خبيثة :
– تمام نتكلم ، كنتِ أيزة إيه ؟
تنهدت بقوة تستجمع كامل طاقتها وقوتها ثم تحدثت بجدية متناهية وشرعت بفرد ستار الثبات الذي تخفي خلفه نافذة التوتر :
– زي ما صقر بلغك ، دي حاجة إسلامية وبمَ إنك دخلت الإسلام فلازم منها .
زفرت بعدما انتهت ثم أسرعت تتابع قبل أن يتحدث في شأنها :
– وحاجة كمان مهمة جداً بالنسبالي ، بعد جوازنا مش هقبل أعيش معاك بفلوس عيلتك يا خالد ، إنت عارف كويس الفلوس دي أساسها إيه وأنا مستحيل أقبل أبدأ معاك حياة نضيفة بفلوس كلها دم .
ضيق عيناه متفاجئاً من نبرتها وطلبها الثاني الذى غطى على الأول كأنه لم يسمعه ثم قال باستفهام :
– يئني ؟
تعمقت في عينيه قائلة بتأكيد وثبات بعدما غابت شمس توترها :
– زي ما سمعت يا خالد ، لو عايز نبدأ حياتنا مع بعض صح اشتغل شغل بعيد عن فلوس عيلتك ونصرف منه على نفسنا .
عم السكون الغرفة لثوانٍ وهي تنتظر رده الذي كان عبارة عن نظرات دالة على غضبه ثم تحدث بالانجليزية بعد وقتٍ يقول :
– أخشى أنكِ من أولئك اللاتي تظهرن على حقيقتهن بعد الزواج ، تمزحين أليس كذلك ؟
زمت شفتيها وبنفس النظرة الثابتة هزت رأسها بلا فتبخر بروده واشتعل جسده غضباً وهو يقول متجهماً وبانتفاضة مفزعة :
– كيف أترك ما هو حقي ؟ ، عن أي دمٍ تتحدثين ؟ ، أنتِ لا تعلمين شيئاً عن حياتي ، حياتكِ وردية منعمة أما أنا فتذوقت القسوة حد الظمأ ، تذوقت العذاب بجميع أشكاله ، حُرمت من حنان الأم الذي يقولون عنه ، حرمتُ أن أكون إنساناً ، هذه الأموال حقي ، سأفعل بها ما لم أستطع فعله طوال حياتي ، وأنتِ ليس لكِ الحق في قول هذا ، أتفهمين خديجة .
كانت على وشك البكاء فلم تعتد أن يحدثها أحدهم هكذا ولكنها تعلم يقيناً أنها محقة لذا فالقوة كانت في جبعتها وتحدثت بتصميم وهدوء وبالانجليزية المماثلة وقد ملأت الدموع عينيها :
– ولكنها أموال جنيت من القتل والدمار وسفك الدماء ، لست بحاجتها خالد صدقني ، لا نحتاج إليها ، ستظل تلاحقنا كاللعنة إن استخدمناها .
هز رأسه رافضاً يردف باستنكار موضحاً بمراوغة :
– من قال لكِ هذا ؟ ، تعلمين أن عائلتي كانت تعمل بشكلٍ رسمي في بيع السيارات ، نعم كان هناك أعمالاً خفية ولكن معظم الأموال تلك من بيع السيارات ، كيف أتركها ؟ .
تحدثت بنبرة لينة عله يستجيب :
– من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، يكفي أن تعم البركة حياتنا .
تحدث بملامح منكمشة وجمود رافضاً تقبل الفكرة :
– توقفي خديجة ، حقاً توقفي ولا تتطرقي لهذا الأمر مجدداً ، هذا المال حقي .
مسحت بكفها على وجهها تستغفر وتستدعي التروي والصبر ثم عادت تطالعه بعمق وتلبسها رداء الحق وهي تضع حبها وزواجها على المحك قائلة :
– إما هذا الأمر أو فسخ عقد الزواج .
صدم من نطقها لهذا الحديث وباغتها بنظرة تأكيدية فرأى التصميم في عينيها ، ثابتة لا تعطي أي رد .
يريد أن يغضب ، أن يثور ، أن يخرج طاقته التي تراوده الآن لذا نهض دون تفكير يندفع نحو الخارج ليغادر بعدها المنزل بأكمله تحت نظرات بهجت المتعجبة حيث كان يجلس في بهو المكان كي يبقى قريباً منهما .
نهض بهجت واقفاً فخرجت نسرين من مطبخها بعدما رأته من النافذة وهو يغادر وتساءلت بتعجب :
– أومال خالد مشي ليه فجأة كدة ؟
لم يستطع إجابتها لذا التفت نحو الغرفة التي ظهرت منها خديجة يطالعانها بتساؤل حيث كانت ملامحها حزينة ولكنها اقتربت منهما ونظرت لوالدها قائلة بعيون لامعة :
– أنا أخدت أول خطوة صح يا بابا ، بلغته إني مش هقبل أعيش معاه بفلوس عيلته .
ابتسم لها بهجت وفرد ذراعيه فاستقرت في عناقه فضمها يؤيد قرارها قائلاً بحنو :
– عين العقل يا خديجة ، لو بيحبك بجد هيعملك اللي إنتِ عايزاه .
ابتسمت والدتها أيضاً مشجعة تردف وهي تربت على ظهرها :
– برافو يا خديجة ، هو ده الصح يا حبيبتي .
هدأت قليلاً بعد تشجيع والديها لها وابتعدت تطالع والدها بترقب وتساءلت بقلق :
– هيوافق يا بابا صح ؟
وقف حائراً بين عقله وقلبه وضميره ، ربمَا تمنى أن يبتعد ذلك الخالد عن ابنته ولكنه يتمنى أيضاً أن يلبي لها شرطها الأول والذي كان يفترض أن ينفذه فور دخوله الإسلام لذا وجد نفسه يردف بتريث :
– اعتبريه اختبار لحبه يا خديجة ، وقتها هترتاحي وهتعرفي إنك مخسرتيش أي حاجة .
❈-❈-❈
وصل إلى فيلته ودلف يقف في منتصف المكان ينظر حوله بضيق ، كل شيء حوله يزعجه ، حديثها يتردد على أذنه مراتٍ ومرات كأنها أشباحاً تلاحقه .
لمَ في طرفة عين انقلبت الأمور رأساً على عقب هكذا ؟ ، وكيف استطاعت تحديه ومن أين أتتها تلك القوة والصمود أمامه ؟
سيجن ، حتماً سيجن ، يكفي أيتها الحياة اللعينة ، يكفي سحقاً لروحي ، يكفي جنوناً لعقلي أيتها الملعونة البائسة ، ألن تريحني أبداً ، ألن أحصل على السلام منكِ بعد كل ما رأيته ؟
لم يجد ما ينفث به عن غضبه سوى مزهرية مزخرفة رطمها بكفه لتسقط متهشمة وتناثرت أجزائها في كل مكان من حوله كحال قلبه المتهشم وعقله المتزاحم .
اتجه يخطو بحذائه فوق القطع الكريستالية حتى وصل إلى المطبخ وفتح أحد أرففه يتناول منه زجاجة مشروب ليتجه ينتشل كوباً من جواره ويبدأ في صب القليل ثم تجرعه دفعةً واحدةً ثم عاد يملؤها تلك المرة بكمية أكبر من ذي قبل ويتجرعها وهكذا حتى شعر بحرق حلقه فكور قبضته حول الكوب ينتظر ليرى هل انمحى حديثها بفعل المشروب أم ظل معلقاً في ذهنه وعندما هاجمته كلماتها مجدداً لم يجد ما يسكت صوت عقله غير الكوب البائس وهو يرطمه أيضاً بعنفٍ في الجدار المقابل له ووقف يتنفس بقوة كأنه آلة هدر الأنفاس .
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)