رواية حب بين نارين الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم نورهان ناصر
رواية حب بين نارين الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم نورهان ناصر
رواية حب بين نارين البارت الحادي والعشرون
رواية حب بين نارين الجزء الحادي والعشرون
رواية حب بين نارين الحلقة الحادية والعشرون
كانت تحرك يديها بشرودٍ في شعره والتمعت عيناها بالدموع كل ما تذكرت ما فعله من يسمى بأبيها فيه وفيما أوصله ، كانت عبراتها تزداد كلما تذكرت انهياره بين يديها ، هذيانه بتلك الكلمات التي قطـ”ـعت قلبها ، وفجأةً فتحت عينيها بصدمة عندما التقطت أذنيها همسه الخافت بتلك الكلمة التي لم تتوقع أن تسمعها منه وعلى عكس أغلب الفتيات لم تفرح بسماعها بل أخذت تقضم شفتيها بقوة حتى لا تنفلت شهقاتها وتصل إليه أكمل مراد همسه بهذيانٍ
_ بــحــبك يا لـمـيس !
وضعت لميس يدها على فمها وانهارت في بكاءٍ مرير وهي تصرخ داخل عقلها :
_ لا متحبنيش أنا منفعكش أنا طريقي نار !
عاود مراد يهزي في أثناء نومه :
_ لـمـيس بنتي بحبك سامحيني !.
أخفضت يدها عن فمها ونظرت إليه بحزنٍ شديد ، يقصد أخته وليس هي ، كيف يحبك فيما تفكرين أجننتي؟ هل تتوقعي منه الاستمرار كيف بالله عليكِ؟ .
أنسيتي من تكوني ؟ أنسيتي ماذا فعل والدك به؟ أليس بشرًا ألا ترين أنه يتعـ”ـذب ؟ ألم يخبركِ من قبل أنه لا يطيق هذا الزواج ؟ ، لقد أُجْـبر على الموافقة ، لا تتوقعين منه أكثر ، موعد الرحيل قد آن آفيقي لنفسك أنتِ بالنسبة له نار مشتعلة كل مرة يراكي سيتذكر أخته ، كيف تخيلتي حياتك معه صعب بل مستحيل عزيزتي .
كانت تلك محادثة العقل ذو المنطق للميس ولأول مرة يوافق القلب الذي أخذت دموعه تنهمر وبدأ نزيـ”ـف روحه بعد ما سمعه ، فهتفت لميس بدموع وهي تخرس تلك الأصوات في داخل عقلها هي تعلم كل هذا ، ولكنه يبقى أمل :
_بس أنا بحبه آه يا قلبي حبيت الشخص الغلط ليه بتتعلق بالمستحيل ، أنا عارفه كل ده ومش شايفه مستقبل بس حبيته وحبي ليه مش كفايه ومش هقدر أنسيه إللي حصل وهيفضل ماضي أبويا يطاردني ويطارده ، مراد شايف أخته فيا .
قالت الأخيرة بحزن شديد ونبرة صوت مُنكسرة ضعيفة ، صمتت واجهشت في البكاء بشدة ، ولم تنتبه على دموعها التي أخذت تنهمر بقوة وتساقطت على وجهه ليستيقظ مراد مذعورًا ، نهض من على قدمها يطالع وجهها بعيون متفخصة قلقه ، في حين أغلقت لميس عينيها بتوتر شديد ، مد مراد يديه وهو يكوب وجهها بين كفيه فانتفضت لميس بخفه أثر لمسته تلك ، بدأ مراد بأطراف إبهاميه يمسح لها دموعها وهو يسألها بقلق :
_ مالك ؟ بتعيطي ليه؟
أنزلت يديه عن وجهها وقالت بدموع :
_ أنا تعبانه هدخل أنام شوي ممكن تبقى تصحيني على صلاة العشا !
_حاضر بس تعبانه من إيه؟ في حاجه بتوجعك حاسه بإيه؟ .
_ قلبي اللي وجعني !
قالتها لميس بداخلها بصمتٍ وهي تنظر لعينيه التي تفحصها بقلق بالغ ثم ابتسمت باصطناع تقول :
_مفيش بس حاسه بدوار هدخل أريح شوي !
_ طيب ماشي ! .
نهضت لميس سريعًا وكادت تذهب فاستوقفها صوته يهتف بابتسامه :
_إستني طيب استعنى على الشقا بالله !
عقدت حاجبيها باستغراب من حديثه وقبل أن تستوعب كلامه فوجئت بنفسها تحلق في الهواء ، أغمضت عينيها بحزن شديد لقد حمَّلها حتى لا تقع أثر دوار رأسها ، يا الله يريد راحتها بينما والدها نزع الراحة عن جفنيه وآرق مضجعه بفعلته التي لا تُغتفر .
نظر مراد لوجهها الذي تخبئه بعيدًا عنه وقال :
_قبل ما تنطقي ولا كلمة يلا من سكات هدخلك تنامي مش ناقص توقعي مني تاني ويغمي عليكِ.
وعلى العكس من ذلك توقع أن تعانده أن تعترض ولكن حدث خلاف ذلك وجدها تلتفت له ولم تنظر إليه بل دفنت رأسها في صدره وهي تخبئ وجهها فيه بحزن شديد فبعد أن اعترفت في داخلها وصرخت بها لتقطع ذاك الحديث الذي جلس عقلها يُسمعها إياه ولأول مرة يوافقه قلبها ، وتعترض نفسها وتقولها بكل صراحه نعم أنها تحبه ، تحب قربه منها تحب كل شيء به طيبته وحنيته حتى ضعفه وقوته ، تعلم أن نيران انتقامه قويه ولكن نيران حبها لن تستسلم بسهولة .
نظر مراد إليها مطولًا باستغراب من حالتها وصمتها المُريب بالنسبة له ولكنه ضمها إليه بحنان وسار بها باتجاه غرفتها وهي مازالت تخفي وجهها في داخل صدره ، توقف مراد عن السير فجأة ؛عندما شعر بمياه ساخنه تلامس جسده .
تبكي ! .
قالها بعقله ثم نظر إليها كانت تدخل رأسها به أكثر وتضع يديها حول عنقه بكل استسلامٍ ، شعر بانتفاضتها بين يديه أثر بكائها وشهقاتها المكتومة والتي تحاول جاهدة كتمها ، ولكنه شعر بها في صدره كما لم يغيب عن ناظريه أنها تتهرب من النظر في عينيه ، من طريقة تخبئة وجهها عنه .
حدث نفسه وهو يتابع السير هل تتهرب مني ؟ ولكن لماذا ؟ لماذا لا ترغب بالنظر في عيني؟ ماذا أصابها؟ لمَ تبكي ؟ ، تجاهل العقل حديثه ولم يحفل به ، وحاول قلبه أن يجد مبررًا لتصرفاتها ، ثم ومض بفكرة مجنونه هكذا أسماها مراد بعد أن تفوه القلب بما عنده .
همس مراد بخفوت وصدمة وهو ينظر إليها:
_ معقول بتحبني !
هز رأسه بعـ”ـنف وهو ينفي من داخله تلك الأفكار لا يعقل ، هذا ما قاله لنفسه وأوصله إلى قلبه حتى ينهي الكلام في هذا الموضوع ، فالأمر ببساطة مستحيل !.
كانت غافيه بين أحضانه ومتشبثة به بقوة لا تريد تركه أغمضت جفونها وغفت على صدره ، نظر مراد إليها بتوتر شديد وارتباك ثم همس وهو يبتلع ريقه بعد أن سرت قشعريرة في سائر جسده من تعلقها به بهذه الطريقة:
_لميس لميس اصحي يلا سيبي إيدك علشان انيمك !
حركة رأسها بنفي وادخلتها في صدره أكثر ورفضت ترك رقبته أكاد أجزم أن مراد سينفجر بسبب تشبثها به هكذا .
همس مراد مرة أخرى وهو ينظر إلى جانب وجهها الذي تحجب نصفه الآخر على صدره يقول وهو يبتلع لعابه بتوتر :
_ لميس هتخُنُقيني سيبي رقبتي طيب !
_ Hayır
_ لميس لميس اصحي .
أنهى حديثه وهو يحاول نزع يدها بعد أن جعلها تستلقي على الفراش ولازالت ذراعيها تقيدان حركته بشدة ، نظر إليها بينما هي غافيه:
_ أعملها إيه دي بقى ؟؟ اضربها يعني علشان تسيب رقبتي جرالها ايه؟؟ .
صمت لثواني قبل أن يكمل متهكمًا :
_ مكنتش بتطيق أقرب منها ودلوقت متشعلقه فيا سبحانه مغير الأحوال فعلا !.
أخذ ينادي عليها بصوتٍ مرتفع نسبيًا وحاول فك يدها عنه ، كان الموقف كله محرجٍ وصعب خصوصًا على مراد .
_ Sen seviyourm !.
نظر مراد لها بصدمه :
_ أنتِ بتقولي إيه؟ .
بدأت تنساب من عينيها الدموع بكثرة بينما لازالت نائمة ترى حُلمًا جميل ، كان يجلس على الرمال وظهره للبحر ويبني شيء ما اقتربت لميس منه ورأت ماذا يبني ثم هتفت ببسمة لطيفة:
_ مراد إنت بتعمل إيه؟
أجابها مراد وهو ينظر لعينيها بابتسامة صافيه:
_ ببني بيتنا!
قالت لميس بخجل:
_ بيتنا؟
رفع مراد يده لها وهو يقول :
_ أيوة مدي إيدك وتعالي ساعديني ! .
_ Evet
_هيبقى بيت أحلامنا أنا وأنتِ أنا عايز أقولك حاجه أنا بحبك أوي يا لميس !
عانقته لميس بخجل ودموع وهي تردف ببسمة عاشقة :
_ Sen seviyourm Murat !
قالتها لميس بلا وعي في حُلمها ولكنها خرجت من شفتيها ووصلت إلى مسامعه ، ابتعد مراد عنها كأن ثعباناً قد لدغه فأنزل يديها التي كانت تتوقّانهِ ووقف بالقرب من الباب ، بينما هي كانت تبكي بلا شعور منها ، شعر مراد بالحزن الشديد وكاد يقترب منها يخبرها .
صمت قليلًا وتابع في داخله يخبرها بماذا ؟ يعطي لها أمل كاذب ، يوهمها بشيءٍ مستحيل ، يخبرها أنه لا أمل ، يستحيل كيف يعيش معها كيف ؟ كلما نطق اسمها يتذكر أخته ، هو بالأحرى يرى أخته فيها .
نعم لا يرغب بتركها يشعر بشيء يجذبه لها وبقوة ، معها ينسى العالم بأسره معها ينسى نفسه ، عندما تضمه إلى صدرها ، يشعر كما لو كان العالم بأسره تحت قدمه وبين يديه ، ولكن تأتي صورة أخته لتقف حائلًا بين ذلك الحلم الجميل ، يتذكرها ويتذكر ما فعله والدها بعائلته يتذكر والده الذي سُـجن ظُـلمًا ومات تعيسًا حزينًا على أسرته دون أن يراه ، سيظل ما حدث يلاحقه طوال حياته ، لن يتمكن من نسيان ما مضى !.
بكت عينيه وجثى على الأرض قرب باب غُرفتها واحنى رأسه بين ركبتيه وأخذ عقله يصيح به قائلًا الحب وحده لا يكفي !
تمتم مراد بحزن شديد وهو ينظر نحوها وعينيه تسيلان منهما دموعٌ محرقة :
_ حبي ليكِ خيانه لأبويا سامحيني ،أنا آسف مش هقدر ، أيوة أنا بحبك ، بس حبك ده ، محرم عليا مش هقدر أسعدك ،مش هقدر أكون معاكِ ، أنا عارف إنك ملكيش ذنب بس …بس مش هقدر وأنتِ مش هتقدري هتحسي بذنب من ناحيتي لما تشوفيني بتعـ”ـذب قُـدامك .
أسند ظهره على الجدار خلفه ورفع إحدى ركبتيه يضع يده عليها ، والآخرى مددها أمامه ينظر نحو لميس بعيون باكيه وهو يقول :
_الانتقام مش بيريح ولا عمره كان بيريح حد بس على الأقل يخفف النار اللي هتحرقني يخفف وجـعي شوي وأنتِ عمرك ما هتنسي اللي عمله والدك .
صمت قليلًا ثم أردف بحزن عميق :
_ لما قولتلك بحبك وأنا راقد على رجلك كنت قاصدك أنتِ بس فوقت لنفسي مش لازم أحبك مش لازم إللي بينا دم وعمره ما هينتهي ، ده غير إني محبتش أعشمك بشيء أنا مش هقدر أعمله ، سامحيني أنا آسف يا لميس بس مش هقدر أعيش وانسى واتجاهل اللي حصل أو أنتِ بنت مين ؟ مقدرش أنسى كل ده.
مسح على عينيه بقوة وهو يبكي بوجع قلب كواه الحب كؤوس العذاب ألوانًا :
_ أنا بتعذب في نار جوايا مش راضيه تنطفي نار انتقامي ونار حبك ، لا مستحيل أخون أبويا أنا وافقت على جوازي منك بصعوبه علشان أحميكِ ماتتخيليش ده صعب عليا قد إيه أحمي بنت الراجل اللي دمر أختي وعيلتي كلها بلا أي رحمة أو شفقة .
تأوه مراد بوجع وهو يقول بنبرة معبئة بالألم:
_ وأنا رايح أحب بنته ، أنا مقدرش يارب ساعدني ، شيل حُبها من قلبي أنا مش هعرف أسعدها مش هعرف أنا هفضل طول عمري عايش في كوابيسي مش هعرف أخرج منها مش هعرف آه يا قلبي ليه اللي بحبها صعبه كده؟ ليه مش قادر أنسى وأعيش؟ ليه أحبك أنتِ من بين كل الناس ، أنا اوقات كتير بشوف نفسي معاكِ عندنا بيت جميل وبنوته قمر زيك وحياتنا جميلة نفسي نبقى مع بعض أوي بس مش قادر ، مش قادر سامحيني ، أنا شكل عقلي حصله حاجه .
أنهى حديثه ثم نهض واقترب منها نظر إليها كانت دموعها تنساب من عينيها بشدة وكأنها قد استمعت لحديثه ، انحنى مراد وأزال دموعها و قبَّل جبينها بحزن ثم ابتعد عنها وخرج من الغرفة بأكملها ونيران ملتهبة قد اشتعلت في قلبه ، نيران أتعبته وأحرقت روحه نيرانٌ لهيبها موجع ، نيران انتقامه ونيران عشقه لها ترى أي منهما سيحرقه أولًا .
______________________________
كان يجلس على الأريكة بتعب شديد وهو يستغفر الله على ما رآه ويدعو الله أن يخفف المصاب بينما ينتظر شخص ما ، آفاقه من شروده صوت جرس المنزل فتنهد ثم قام واتجه إلى باب شقته فتح الباب ليظهر شاب ذو لحية صغيرة وعلى وجهه ابتسامة بينما يعدل من وضعية نظارته الطبية .
ابتسم العم أحمد بوجهه واصطحبه نحو الصالة وهتف بحزن شديد بدى في صوته الذي خرج مبحوحًا واستشعره الآخر :
_ تعالى يا حسام يابني !
_ العقيد أحمد تحياتي ليك !
ضحك العم أحمد بخفوت ضحكة متألمة:
_ كان زمان يا حسام بقى !
_ولا زمان ولا حاجه أنت هتفضل في نظري العقيد أحمد مهما تمر السنيين !
تنهد العم أحمد يشير إليه صوب الأريكة:
_طيب يا سيدي المهم دلوقت تعالي ادخل بسرعه !
_أيوه بقا هنرجع لأيام زمان والشقاوة ؛
تمتم العم أحمد بسخرية وهو يعيد ما قاله الآخر:
_شقاوة !.
صمت قليلًا ثم أردف :
_ادخل يابني تعالى زي ما أنت متغيرتش !
_ يلا بينا يا كبير !
جلس حسام على الأريكة وأخرج اللاب الخاص به فقال العم أحمد بهدوء:
_ عايزك تشفرلي الفلاشة دي !
طالعه حسام باستغراب :
_ أشفرها ؟
_ أيوة حمل الفيديو اللي فيها وشفره شفرة سرية محدش يقدر يخترقها ويشوفه و آه افصلي المعلومات اللي فيه في فلاشه تانيه الملفات كُلها تحملها على فلاشه تانيه والموضوع ده محدش يعرف فيه فاهمني يا حسام !
قال حسام بهدوء:
_مش أول مره اشتغل معاك وعارف شغلنا كويس السريه أهم حاجه !
أنهى حديثه ثم بدأ بتشفير الفيديو بدون أن يراه لحساسية الموقف وهذه أعراض فتاة صغيرة .
_______________________
كان يبكي بشدة وهو يصلي ويدعو خالقه أن يغفر له كل أخطائه وما اقترفته يداه من ظلم وتزوير…
كان سعيد يتمتم بحزن شديد وهو ساجد ببحة صوت ضعيفه أثر بكائه:
_يارب أنت القائل” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” ، يارب أنا ندمان اغفرلي ، سامحني يارب ، على كل إنسان ظلمته على كل رشوة ، قبلتها على كل أعمالي يا رب أنا توبت يا رب اغفرلي !
أنهى صلاته وجلس على سجادة الصلاة وهو يدعو أن تكون ابنته بخير وألا تغيرها الأيام ، أن تبقى ابنته طاهرة نقية ، شرد وهو يتذكر اليوم الذي فقد فيه ابنته
عودة إلى الوراء
كان خارجًـا من غرفته وهو يـتأفأف بغضب اقترب من الباب وفتحه واعتلت الصدمة معالم وجهه يهتف بصدمة وهو يرى حالته :
_عز باشا إيه ده د….دم ….د…..م مين ده ؟
قام عز بدفعه إلى الداخل وهو يهتف بضيق شديد:
_أوعى من وشي يا محامي النحس إنت كانت ليلة مهببه على راسك !
أردف سعيد بتوتر وهو يطالع وجهه :
_ يا انهار اسود ليه إيه إللي حصل؟
تقدم عز نحوه وقام بغلق الباب وهتف بحدة وهو يدفعه من طريقه :
_ غور من وشي مش وقته كلامك الفاضي ده جهزلي الحمام بسرعه يلا غور !
_ حاضر !
ثم ذهب وجهز المرحاض_ عافانا الله وإياكم _ له وأخبره أن كل شيء جاهز ، فنزع الآخر سترته والقاها على وجهه واتجه إلى المرحاض .
أمسك سعيد بالسترة وكور قبضة يده بحنق وسـ”ـبه بداخله ثم أتجه إلى غرفة المعيشة وقام بانتزاع الكاميرا الصغيرة ، وادخلها إلى حاسوبه الخاص وقام بتحميل الفيديو وأخفى الكاميرا .
وتمر السنوات بعد هذه الحادثة وخلالها تلقى عز كم هائل من رسائل التهديد ، والابتزاز بالطبع ، إلى أن جاء اليوم الذي علم فيه من المسؤول طوال تلك السنوات عن إرعابه بإرسال رسالة تتضمن صور له مع الفتاة الصغيرة ، بأوضاع غير لائقة .
عندها اقتحم عز منزله وقام بضربـ”ـه بقسـ”ـوه بدون أن يعلمه سبب ضربـ”ـه بتلك الطريقة ، وفي منتصف الليل ، استيقظ على صوت نغمة هاتفه وكان رقم غريب بصوت أجش من النوم قال سعيد :
_ الو مين ؟
أجابه المتصل بنبرة صوت غليظة وهو يقول:
_ بنتك القمورة مشرفانا لحد ما تجيب المطلوب منك فاهم واظن إنك فاهم كلامي يا …يا متر !
جلس سعيد على ركبتيه وما كاد ينطق بحرف كان المتصل قد أغلق الخط في وجهه ، تمتم سعيد بقلق بالغ:
_ بنتي سمر !.
أمسك بهاتفه واتصل على ابنته ولم تجب عليه ازداد شعوره بالخوف وقال يحدث ذاته :
_ معقول عز عرف إني أنا اللي بهدده .
صمت قليلًا ثم وضع يده على رأسه بحزن عندما تذكر أنه انقض عليه صباح هذا اليوم بلا أدنى سبب واضح ، امسك الهاتف وضغط على الرقم الذي اتصل عليه توا ، مرت لحظات قبل أن يسمع الرد على اتصاله
_انتوا مين بنتي بنتي فين ؟ عايزين منها إيه؟
رد الآخر بسخرية :
_ اصلنا واقعين في مشكلة وعايزين القمورة تطلعنا منها !
قال سعيد بتوتر:
_ يابني أرجوك قولي انتوا مين وعايزين مني ومن بنتي إيه؟
أجابه بكلمة واحدة وهو يقول بتهـ”ـديد صريح:
_ اللعب مع الكبار غلط على اللي زيك غلطت يا متر راجع حساباتك وشوف أنت مزعل الباشا في إيه ؟ سلام يا محامي النحس على رأيه !
انسابت دموعه بشدة وأخذ يصيح بحدة:
_كله إلا بنتي سمر لا .
لم ينتظر حتى الصباح أخرج هاتفه وضغط على رقم ذاك البغيض وانتظر حتى سمع صوته الشامت من الطرف الآخر من الهاتف تصحبها أصوات ضحكاته الساخرة :
_بقى أنت يا نص متر أنت كنت معيشني في رعب طول السنيين دي كلها وانت عمال تمـُـص في دمـي يا حـقـير بتلعب على أسيادك يا ابن الـ….. !
غمغم سعيد بدموع :
_ هنفذ كل أوامرك بس أرجوك بنتي ملهاش ذنب …
قاطعه بغضب شديد وهو يقول بصوت مرتفع:
_ذنبها إن أنت ابوها ودلوقت هعمل معاك ديل تاخد بنتك يبقى تسلمني الفيديو !
_حاضر هاجيبه ليك دلوقت !
_لأ مليش نفس اقابل سحنـتك العكره دي دلوقت وأنا مبسوط الصبح هاجي بنفسي واخده منك وحذاري لو كنت عمله نسخ مش عايز أقولك هعمل في بنتك إيه وانت عرفني مبهددش على مفيش سامعني كويس !!
وبالفعل في الصباح الباكر كان عز يقف وهو ينظر للآخر الذي يحني رأسه للأرض وهو يبكي بشدة ، بينما عز يمط شفاهه بسخرية وهو يقلب في الكاميرا الصغيرة ثم قال بإعجاب:
_مش بطال كاميرا زي دي لا شغل عالي عجبتني !
إبتلع سعيد ريقه بتوتر ثم قال :
_يا عز بيه أنا آسف سامحني بس كنت عايز قرشين و …
منعته لكمـه قوية أطاحت به أرضًا فصرخ عز بهياج:
_ وأنا بقى بنك الحظ بتاعك خمس سنين وانت ملففني حوالين نفسي وعمال تسحب في فلوسي ومعيشني في رعب حقيقي ،وتقولي عايز قرشين يا ابن الـ….
تأوه سعيد بألم وقال يستعطفه :
_ بنتي لأ أنا قدامك أهو اعمل اللي عايزُ فيا بس سيب بنتي دي لسه يدوب داخله أولى كلية …
_وكفياها تعليم يعني هتطلع إيه؟ شريفة ، مدخلها حقوق قال يعني مش كفايه ابوها فاسد واحنا بقى كفايه علينا إنت مش هيبقى إنت ونسلك كده البلد هتخـ”ـرب اكتر مهي خربانه !
صرخ سعيد بدموع :
_يعني إيه كان فيه بنا إتفاق عطيتك الكاميرا ومعملتش نسخ أنا كنت بلقط صور وأنا بتفرج على الفيديو وابعتهالك لكن معملتش نسخ أرجوك رجعلي بنتي !
_خلاص بنتك مفيش أنسى على كده !
عودة إلى الواقع
كفكف دموعه وأخرج هاتفه واتصل على العم أحمد بتوتر ليرى إن كان قد توصل إلى شيء :
_الو سيادة العقيد وصلت لحاجه بخصوص بنتي !
وصله صوت العم أحمد من الجهة الاخرى من الهاتف يردف بتعب :
_لسه بدور إن شاء الله اسمعك أخبار حلوه !
أغلق العم أحمد معه ونظر إلى حسام الذي يركز في تلك الشاشه المضيئة أمامه :
_ها يا حسام يا ابني وصلت لحاجه بقالك ساعه مبحلق في الشاشه !
أجابه حسام دون أن يحيد بنظره عن شاشة الحاسوب :
_ ما أنا بدور أهو البنت دي ملهاش أي أثر خالص ولا حتى صورة بطاقة أي شيء أنا مستغرب ومش فاهم حاجه !
_ ولا أنا فاهم حاجه ! .
________________________
كان يقف عند سياج الباخرة يحدق في السماء بشرود ، يفكر بها باعترافها له وإن كانت غير واعيه ، رغمًا عنه تبسم وهو يتذكر كيف تعلقت برقبته بقوة لا تريده أن يبتعد عنها كانت مشاعر جميلة غمرته ولو لبعض الوقت ، كم أحزنه قلبه على رؤيته لها تبكي هكذا على حبٍ كُتب عليه الفشل وحكم عليه في المهدِ بالإعدام نار الانتقام ونار الحب لا يجتمعان .
_ آه .
خرجت تلك الاهة المتألمة من داخل قلبه ثم رفع رأسه ونظر للسماء وهو يدعو أن تمضي الأيام القادمة على خير ، وبلا شعور منه إنهمرت دمعة على خده شعر مراد بها ليزيلها سريعًا وهو يتمتم :
_ أنا مش قادر لا مستحيل مش هقدر أبدًا …
– مش قادر على إيه؟
ألتفت مراد لها كانت تبدو أحسن قليلًا تبتسم في وجهه بينما تنتظر إجابته على سؤالها ، اتكأ على السياج خلفه واجابها وهو يضع يديه في جيب بنطاله:
_ ها بقول مش قادر جعان جدا!
ابتسمت لميس بسمة صغيرة وكم بدت جميلة جدًا وفاتنه في عينيه وهي تقول بنبرة هادئة:
_أنا صحيت وجهزت أكلة خفيفة كده تعالى ناكل واحكي لي هتفضل مخبيني هنا لغاية ايمتى وقبل ما تقاطعني أنا فاهمه إن فيه حاجة علشان كده إحنا هنا .
_مفيش أنا بس حبيت أغير جو .
صمت قليلًا ثم أردف بنبرة مُـضحكة :
_ بقولك إيه يالا لحسن أنا كلاب بطني بتعارك مش بتصوصو !
ابتسمت لميس له واتجها إلى الأسفل ، تناولوا العشاء بصمتٍ وكلا منهم في عالمه الخاص به هائم في أفكاره التي يحتل كل شخص منهم جزءًا كبيرًا من تلك الأفكار إن لم يكن جُلها ، كانت لميس تفكر به لو أنها التقت به في ظروفٍ غير هذه وكانت علاقتهما هادئة وليست مشحونة بكل هذه المشاكل والتوتر .
بينما مراد كان يفكر في قلبه الذي يعانده وأحب المستحيل بعينه هكذا سمى حبه للميس المستحيل ، صحيحًا أن الحب والمشاعر نحن ليس لنا عليها سُـلطان وأنها أمرًا خارج إرادتنا ولكن هناك أمورًا تجبرنا على التخلي عن تلك المشاعر ودعسها تحت أقدامنا لأنها ستسبب لنا الألم والشعور بالتعاسه لذلك لابد من وئدها !
انتهوا من تناول الطعام وفرشت لميس المصلى بالأعلى وانتظرته حتى أتى ، ثم شرعوا في الصلاة بخشوع ، حتى انتهوا ، ونهضت لميس فجأة وهبطت إلى الأسفل وهي تركض .
فهتف مراد بقلق :
_لميس أنتِ كويسه ؟
أجابته وهي تهبط السلم على عجلٍ :
_ آه كويسه لحظة وراجعه خليك زي ما أنت متتحركش !
_ هتحرك أروح فين ؟ أنتِ رايحه فين ؟
قالت لميس بخجل:
_راجعه تاني بس خليك مكانك !
_ طيب !
غابت دقائق بالأسفل ثم صعدت إلى السطح حيث يجلس مراد على المصلى وكانت تحمل بيدها شيء ما ما إن وقع بصر مراد عليه حتى أعربت شفتاه عن ابتسامة واسعة :
_قرآن صح ؟
قالت لميس بخجل وسعادة وهي تنظر إلى جمال وجهه تحت ضوء القمر وبسمته الصافية :
Evet ,Sesin kuran çok güzel !!
«نعم،صوتك في القرآن جميل جدًا»
_ طيب ياستي هاتي نقرألك !
جلست مقابله ومدت يدها بالمصحف له وقالت وهي تبتسم بحب :
_ اقرأ سورة يوسف بتعلمنا الصبر على الإبتلاءات وإن عوض ربنا بيبقى أحلى وأحلى بس الإنسان يصبر بس وكمان دي السورة الأقرب إلى قلبي.
_ عندك حق بسم الله نبدأ .
أخذ مراد يتلو على مسامعها آيات سورة يوسف بهدوءٍ و بحةِ صوت جميلة جدًا وهي كانت تجلس تستمع إليه بإصغاءٍ شديد وعينيها تلمعان ، تحت جو هادئ والسكون يلف المكان من حولهما فقط صوت مراد هو الطاغي وهو يرتل بنبرة هادئة جميلة .
في حين كانت السماء صافية إلا من بعض السُحب القليلة ومُكتنزة بالعديدِ من النجومِ وكأنهم قد التفوا فوق باخرتهم في حلقةٍ دائرية يستمعون إلى تلك التلاوة العذبة المريحة للقلوب .
________________________
كانت تنظر نحوهم بغضب شديد وهي تركلهم بقسـ”ـوة شديدة ثم أخذت تصيح بغضب شديد:
_شوية أغبياء إنتوا شوية أغبياء معرفتوش تنفذوا مهمه بسيطة زي دي وأنا بقالي سنيين بدرب فيكم !
كانوا مجثيين على الأرض والدمـ”ـاء ترسم لوحات جماليه على سائر أجسادهم الضخمة ، أخذت تصيح بغضب وهي مستمرة في ضربـ”ـهم بقوة ، عندما قطع عليها ما تفعله صوت تعرفه عن ظهر قلب .
_ يخربيتك يا سمر إيه اللي أنتِ عاملاه ده ؟
ابتعدت عنهم وهي تنفض يديها وتنظر لهم بقرف ثم نظرت إلى ذاك الدخيل الذي قطع عليها ما كانت تفعله :
_مالك يا سيف صعبوا عليك ولا إيه؟
_ سمر هدي اللعب شوي النمر على آخره منك !
أجابته سمر بضيق وهي تقبض يدها وتبسطها:
_على نفسه وبعدين إيه الجديد يعني ! مهو طول عمره على كده مش فاهمه أنا!
_ شكلك مش رايقه دلوقت أنا هنضف المسخرة اللي عملتيها هنا وليا كلام معاكِ !
رمقته سمر بلامبالة وهي تتجه إلى غرفتها :
_اعمل اللي تعمله وسيبني دلوقت ! .
_______________________
كانت تنظر له ببسمة لطيفة وعندما تلى تلك الآيات لا شعوريًا انهمرت دموعها بشدة وهي تتأمل في معانيها بإصغاءٍ شديد …
_ ﴿وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) ﴾
توقف مراد عن التلاوة وصدق ثم أغلق المصحف ووضعه بجواره ومد يده وأزال دموعها بحنان ثم تراجع سريعًا وأبعد يده وهتف بتوتر :
_ لميس أنتِ مجهدة قومي نامي يلا !
نظرت لميس له بدموع :
_وقفت ليه ؟ الجزئية اللي جي جميلة جدا !.
_ها الوقت إتأخر نامي وبكره إن شاء الله أبقى اقرأهالك تاني يلا !
_ طيب !
ثم نهضت واتجهت إلى الأسفل وخانتها دموعها التي اختلطت بالهواء من حولها وتساقطت .
أغمض مراد عينيه بهدوء وهو يدعو الله من داخله أن يريحه من عذابـ”ـه وأن يزيلها من داخله فهو لا يقدر .
آفاقه من شروده إتصال كان ينتظره منذ مدة :
_ ده كله يا رامي !
جائه صوت رامي وهو يهتف بقلق بالغ:
_ مراد في مركب تبعهم هتعدي من ناحيتك لسه مبلغني دلوقت وبيعتذرلك إنه مش عارف يتواصل معاك !
هب مراد من جلسته مصعوقًا وهتف بإنزعاج:
_ رامي إنت بتهزر جي تقولي دلوقت إنت اتجننت أعمل إيه أنا دلوقت ؟
قال رامي بقلق :
_مش عارف إتصرف زمانهم على وصول !
كاد مراد يجيبه عندما سمع صوت صراخ لميس من الأسفل ، تمتم بخوف :
_ لميس !
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية حب بين نارين)