رواية نعيمي وجحيمها الفصل التاسع 9 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها الفصل التاسع 9 بقلم أمل نصر
رواية نعيمي وجحيمها البارت التاسع
رواية نعيمي وجحيمها الجزء التاسع
رواية نعيمي وجحيمها الحلقة التاسعة
– نعم!
غمغمت بها بعدم تصديق وهي واقفة أمامه، أردف هو بتأكيد وتشديد على كل حرف يخرج من فمه، وملامح وجهه الصارمة؛ تخبرها بكل وضوح عن مدى جديته :
– خوديها قاعدة من دلوقتي يازهرة، انا مبعدتش كلامي مرتين، وانتِ سمعتِ كويس أوي انا قولت إيه؟ فاستوعبي بقى براحتك .
هتفت متوخية الحذر في نبرة صوتها رغم الغضب الذي الذي عصف برأسها وجعل الدماء على الفور تغلي بداخلها :
– يافندم انا مش فاهمة يعني، حضرتك لو تقصد عن غيابي اليومين اللي فاتوا فاانا قولتك السبب هو مرض جدتي، أما عن حكاية الهزار ولا الضحك، فاظن حضرتك يعني قبل ماترقيني عندك ، بالتأكيد طبعًا عرفت نبذة عن أخلاقي وشطارتي في الشغل، ولا انا هنا على أساس إيه بالظبط؟
اعتلت شفته ابتسامة غير مفهومة وهو يلتفت مائلًا بجذعه نحوها مرددًا :
– طبعًا عشان شطارتك يازهرة؛ امال هايكون عشان إيه تاني كمان !
توقفت قليلًا تنظر اليه بعدم فهم، وهو يبادلها النظرة بغموض؛ تود الجدال معه ولكن لا تملك الحيلة أو الطريقة أمام تحكمه وسيطرته، ثم مالبثت ان تتحرك لتجر أحباطها معها، وتستأذنه مغادرة :
– طب عن أذنك يافندم .
ذهبت من أمامه وهي تجزم بداخلها ان نظراته القوية نحوها تخترق ظهرها من الخلف ، حينما خرجت ولم تجد الفتيات سقطت على كرسيها الجديد تنفخ بعنف مرددة:
– أووووف ياساتر، دا إيه ابني أدم ده؟
استغفرت قليلًا قبل أن تستدرك عدم وجود الفتيات فالتفت برأسها تبحث في أنحاء المكتب مغمغة :
– ودول راحوا فين كمان ؟
…………………………..
– خاينة، ونعمة ربنا طلعتي خاينة .
هتفت بها غادة نحو كاميليا بالغرفة الكبيرة الخاصة بحمام النساء، بعد أن اغلقنه عليهن، زفرت كاميليا ترد على اتهامها متحلية بضبط النفس:
– بلاش كلامك المستفز ده ياغادة، يابنت الناس انا مش عايزة اخسرك ، ساعة دلوقتي بحايل فيكي عشان افهمك وانت البعيدة دماغك فيها جزمة قديمة، بتهلفطي في الكلام، ومش مدياني فرصة اَخد نفسي حتى.
هتفت غادة ببكاء تنتحب أمامها:
– يعني حتى الكلام اللي طالع من قهري مش متحملاه مني ياكاميليا ، لدرجادي انا تقيلة عليكم ، تطبخوها مع بعض، انت تترقي وتسحبيها هي مكانك وانا زي الأطرش في الزفة تخبوا عليا عشان اعرف زيي زي الغريب، وبعد دا كله اطلع انا برضوا الوحشة.
هزت برأسها كاميليا تستوعب رد فعل غادة الغريب فقالت بدهشة :
– أطرش إيه وزفة ايه اللي بتتكلمي عنهم؟ وليه البكا من الأساس؟ بنت خالك صدر قرار ترقيتها مع قرار ترقيتي، في وقت واحد، يعني محدش فينا اتدخل مع رئيس الشركة وهو بيمضي على القرار.
اقتربت برأسها منها تردف بتشكك
– ياسلااام ، وانتِ بقى عايزاني اصدق الكلام ده ؟ طيب ترقيتك انتِ ومعروفة ، عادي يعني وبتحصل ، لكن ترقية زهرة في انها تتحط مكانك، تيجي ازاي دي بقى؟ يعرفها منين هو؟ حتة موظفة صغيرة مكملتش اربع شهور في الشركة.
– معرفش!
اردفت بها كاميليا وتابعت بقوة نحو غادة:
– صغيرة ولا كبيرة حتة، دي كلها حاجات تخص رئيس الشركة، وانتِ مش من حقك على فكرة انك تزعلي في حاجة زي دي، لأنها ماخدتش مكانك ولا جارت حقك….
– لا حقي ياكاميليا.
صاحت بها غادة مقاطعة بحدة وأكملت:
– حقي عشان انا اللي استحق ، انا شغالة في العلاقات العامة يعني انفع واجهة، انا زكية ولبقة مع الكل ، مش خيبة وبتكسف من خيالي زي صاحبتنا دي اللي بتتكعبل في هدومها لو حد كلمها.
اجفلت كاميليا وهي تعود برأسها للخلف تنظر اليها جيدًا بتمعن، مصدومة من ملامح وجهها التي أظلمت أمامها وتغيرت، وكأنها واحدة أخرى، سألتها غادة بنفس الحدة:
– إيه ؟ بتبصيلي كدة ليه واكني واحدة مجنونة قدامك؟
صمتت كاميليا قليلًا ثم ردت بهدوء مع ابتسامة مستخفة:
– بصراحة مستغربة ، انتِ معصبة نفسك وقالبة الدنيا، على وظيفة زهرة كانت رافضاها بكل قوتها، وقبلت بيها بالعافية في الاَخر بعد ضغط
– ننننعم !
صدرت من غادة رافعة طرف شفتها بازدراء اثار التسلية لدى كاميليا .
– والله زي مابقولك كدة ياقلبي، انا عن نفسي بقالي يومين بحايل فيها عشان تقبل واقدر انا بعدها ان امشي بقى واستلم وظيفتي الجديدة !
اردفت بها كاميليا مستمتعة بمشهد غادة التي توسعت عيناها بشدة وهي تنظر اليها بذهول مع تجمد ملامح وجهها بشكل يثير الضحك.
اجفلن الاثنتان على طرقة خفيفة قبل ان يندفع الباب وتدلف زهرة اليهم ، قالت مخاطبة إياهم رغم اندهاشها من هيئتهم :
– إيه الأخبار ؟ كل دا قافلين عليكم الباب وبتتخانقوا ؟
أومأت لها كاميليا بتعب وقبل أن ترد سبقتها غادة وهي تسأل زهرة رافعة حاجبها المرسوم بدقة:
– انت فعلًا يابت كنتِ رافضة الشغل مع جاسر الريان ؟
أجابتها زهرة غير مبالية:
– أه ياختي، وكان عندي استعداد كمان اسيب الشغل، بس اعمل ايه بقى؟ قبلت عشان مايتقطعش عيشي في المخروبة دي.
صرخت غادة بحريق اشتعل بداخلها نحوهم :
– ولما هو كدة والبرنسيسة بتدلع عالشغل ، محدش قال اسمي انا ليه؟ خبيتوا انتوا الاتنين عليا لييييه؟
انتفضت زهرة تلتصق بالباب خلفها واقتربت كاميليا منها تهتف بنفاذ صبر:
– وطي صوتك الله يخرب بيتك هاتفضحينا، انتٍ أيه يابنت انتِ مجنونة؟ ارسي على حيلك بقى وليكي عليا في اقرب فرصة ححاول انا بنفسي اتوسطلك على ترقية كويسة، حلو كدة؟
صمتت غادة تكتم غيظها مع استمرار تلاحق انفاسها الغاضبة وهي تحدق بهم، أجفلن فجأة على دوي صوت هاتف زهرة والتي فتحت بسرعة هروبًا من غادة على الرغم من عدم معرفتها بصاحب الرقم .
– الوو… مين معايا ؟
– الوو .. يازهرة انتِ فين ؟
فغرت فاهاها بصمت وهي تشير بسبابتها لكاميليا بدهشة نحو الرقم ، وقد علمت صاحبه من صوته الأجش .
اجفلها مرة أخرى بصيحته :
– بقولك انتِ فين يازهرة ما تردي؟
انتفضت ترد سريعًا بتعلثم :
– أنا في حمام السيدات يافندم، انت عايز حاجة؟
– لا تمام ، بس حاولي متتأخريش .
انهى المكالمة بعد أن ختمها بجملته الهادئة، فالتفتت زهرة قائلة بحدة :
– ودي عرف رقمي منين ده؟ هو انا لحقت اغيب دقيقتين عشان يتصل بيا يندهلي؟
لوحت لها كاميليا بكفها قائلة :
– دا شئ عادي يازهرة ، رقمك بيبقى عنده في الملف بتاعك ولا انتِ ناسية ، واحنا كدة كدة لازم نخرج بقى ونمشي، انا اساسًا متأخرة على الوظيفة الجديدة.
تحركن للخروج ثلاثتهم فغمغمت من خلفهم غادة بحنق :
– اتحركي ياختي انتِ وهي على وظايفكم الجديدة ، الله يسهل لعبيده .
التفت اليها كاميليا برأسها ناظرة بيأس من طريقتها ، اما زهرة فهتفت مرددة لها:
– خديها يااختي الوظيفة الجديدة مش عايزاها، قال اللي خدتوا القرعة تاخدوا ام الشعور بلا هم .
……………………
في طريق عودة الفتيات نحو المقر الجديد لعمل زهرة ، بعد تفرق غادة عنهن وعودتها لمحلها في العمل ، توقفن على هتاف عماد الذي هلل أمامهن بمرح :
– ياهلا ياهلا بالناس اللي اترقت وهاتتكبر علينا ياهلا
تبسمت زهرة تكتم ضحكها أمامه ، وصدر الرد من كاميليا التي قالت بمزاح :
– اه نتكبر عليكم ونشوف نفسنا كمان ، حقنا ياأخي مش اترقينا .
رد هو الاَخر على مزاحها يلوح بسبابته لزهرة نحو الأخرى :
– شوفتي بقى يازهرة، انا كان قلبي حاسس من الأول ان البت دي مستنية بس فرصة، واخدة بالك؛ فرصة بس عشان تنزع بقى الوش الناعم ويظهر وشها الحقيقي .
قالتها كاميليا ردًا على مزاحه
– انا برضوا ياعماد ، ولا انت اللي السواد بقى مالي قلبك ياجدع .
– انا برضوا اللي السواد مالي قلبي ؟ ولا انتِ اللي طلعتي صفرا واحنا مكناش واخدين بالنا ولا إيه بس.
اصبح هو وهي يتبادلن المزاح ، وزهرة تضحك بينهم بخجل كالعادة، غير قادرة بحياءها الدائم على مجاراتهم في الحديث المرح، حتى انتفضت على دوي هاتفها برقمه مرة أخرى، فهتفت على كاميليا قبل ان تهرول اليه :
– دا بيتصل بيا يستعجلني من تاني ، انا ماشية بقى وانتِ ابقي حصليني .
نظر عماد في اثر زهرة يغمغم سائلًا لكاميليا:
– مين ده اللي بيتصل يتسعجلها من تاني؟
– قصدها على رئيسها الجديد جاسر بيه طبعًا، امال هايكون مين يعني ؟
قالت كاميليا قبل أن تستأذن هي الأخرى لتلحق بها قبل أن تغادر الشركة ، وتذهب لمحل عملها الجديد.
…………………………
– اتأخرتي ليه؟
هتف بها بأعين حمراء من الغضب ، فور أن دلفت اليه، خرج هي صوتها بارتعاش من هيئته :
– انا كنت في الحمام ، يعني شئ عادي لو حصل واتأخرت يافندم .
ضرب بكفه على سطح المكتب هادرًا بقوة جعلها تنتفض مجفلة:
– متأكدة يا زهرة ان تأخيرك كان في الحمام وبس ؟ يعني ماوقفتيش تضحكي ولا تهزري مع حد مثلًا :
قطبت جبينها تسأله بدهشة:
– قصدك ايه يافندم؟ انا مش فاهمة.
ضغط يجز على اسنانه وهو يتناول في الملفات يرميها نحوها على سطح المكتب بغيظ.
– اقصد ولا مقصدتش، اتفضلي الملفات دي كلها تراجعيها وتعملي تقارير مفصلة عنها فاهمة.
اومأت برأسها بقهر وهي تتناولهم بفزع من حجمهم وعلمها الأكيد بالساعات المرهقة التي ستقضيها في العمل حتى الإنتهاء منهم .
فور ان استدارت سمعته يهتف من خلفها :
– ومافيش بريك النهاردة يازهرة .
اومأت برأسها مرة ثانية ، تحتجز الدموع بعيناها.
تابع خروجها الحزين دون أسف، فور تذكره رؤيته لها بالشاشة وضحكاتها مع كاميليا وهذا الفتى ثقيل الظل وهو يتباسط في حديثه معهم ، لدرجة جعلته يتمنى التخلي عن وقاره ، ليذهب اليهم فارضًا الخصومات والجزءات عليهم، حتى لا يلتقوا مرة أخرى، تمتم فور خروجها بغيظ:
– ماشي يازهرة، ماشي ياعماد ال……
……………………..
في الخارج كانت كاميليا تلملم في متعلقاتها واشياءها الخاصة من فوق سطح المكتب والادراج، قبل مغادرتها الشركة نهائيًا ، لاستلام وظيفتها الجديدة، أجفلت على خروج زهرة بوجهها العابس وهذا الكم الهائل من الملفات التي اسقطتهم على سطح المكتب بعنف .
– إيه ده؟
سألتها كاميليا قاطبة وهي تشير بعيناها نحوهم ، أجابتها زهرة بابتسامة صفراء :
– دا الهم التقيل اللي أمرني الباشا اشتغل فيهم بعيد عنك، انا قولتلك الراجل ده مشغلني عنده عشان يطفشني ويطلع عليا عقده مصدقتنيش .
مطت شفتاها واهتزت كتفاها كاميليا بعدم معرفة تجيبها:
– مش حكاية مصدقتكيش، بس هو اساسًا نظام الشغل هنا بالشكل ده، دول عددهم كبير ، امتى بس هاتلحقي تخلصيهم ؟
سقطت زهرة على مكتبها تردد بغيظ:
– لما هو بيعمل معايا كدة من أول يوم ، امال بقية الايام هايعمل ايه بس؟ انا مش عارفة ايه طبيعة الراجل ده بصراحة؟ دا كل اللي عليه، بتضحكي وتهزري، بتضحكي وتهزري، فيه إيه هو هايكتم نفسي ولا إيه؟
تسمرت كاميليا وتوقفت عما تفعل وهي تنظر اليها مضيقة عيناها بتفكير مرددة :
– تضحكي ولا تهزري ! وهو ماله أساسًا ؟
رفعت زهرة اليها أنظارها تهتف حانقة:
– انا الدنيا اسودت في عنيا يا كاميليا وبقيت حاسة نفسي هاطرد قريب بسببه، تصدقي بالله دا منع عني حتى البريك العادي بتاع الموظفين هنا في الشركة.
هتفت كاميليا مرددة خلفها :
– كماااان !
………………………….
وفي الناحية الأخرى ، على مكتبها كانت تتلاعب بقلمها ، مطبقة شفتاها ، وعيناها تنظر في الفراغ بشرود، من وقت أن تركت الفتايات، ونيران صدرها مازالت مشتعلة ولم تهدأ بعد، عقلها يدور بلا هوادة نحو خيانتهم لها، وخططهم التي يدبرونها من خلف ظهرها، وهي التي كانت تظن انها اذكي من الاثنتان في التدبير والتخطيط؛ تستفيق الاَن على هذه الحقيقة المرة، انها كانت مغيبة في اللعب مع نفسها دون مساعدة ، في مقابل اتفاق كاميليا مع زهرة من خلف ظهرها، ليصبحن اعلى منها في التدرج ، بالإضافة الى راتبهم و الذي سوف يزداد لضغف راتبها هي، بالإضافة لازياد فرصهم في العثور على العريس الذي تحلم أو” اللقطة” كما تتخيل ، جزت على اسنانها وهي تردف لنفسها بصوت مسموع :
– لا وبيشقوطني لبعض ويقلولي ان البرنسيسة كانت رافضة كمان! ماشي، بقى انا افضل موظفة كحاينة في مكاني هنا ، وهما يسبقوني بمراحل في كله، ماشي ياكاميليا ، ماشي يازهرة. .
– غادة
التفت رأسها بحدة نحو زميلتها في الغرفة التي هتفت باسمها تنظر لها بصمت فتابعت الفتاة :
– انتِ بتكلمي نفسك ياغادة؟
– أكلم نفسي ولا اتجنن حتى، انتِ مالك انتِ؟
بها في وجه الفتاة جعلتها تتركها بخوف قائلة:
– خلاص يااختي ، اعملي انتِ عايزاه وانا مالي .
عادت غادة لنفسها وخططها تتوعد داخلها بالتقدم عليهم وسبقهم ، مهما حدث ومهما كان الثمن.
………………………….
في مكتب الرئيس الجديد كانت واقفة مكانها برهبة في انتظاره ، تنظر من النافذة الزجاجية الكبيرة نحو المناطق الصناعية حولها، وحركة المارة من العمال والموظفين؛ وهم يبدون كالنمل اسفل المبني الشاهق الإرتفاع، التفت رأسها فجأة على صوت الباب الجانبي الذي فُتح على اَخره ليدلف اليها هذا الرجل الذي رأته قريبًا يطول جسده الغريب، بالإضافة الى وسامة وجهه الغربية
– مساء الفل ، اتأخرت عليكي صح .
اردفت خلفه ترد التحية:
– مساء الخير يافندم، عادي ولا. ويهمك .
جلس بحماس على كرسيه يردد وهو يشير لها لتجلس امامه :
– اعملك ايه بقى ؟ ما انت لو جيتي من أول يوم، كان زمانك حاصرة معانا الإجتماع دلوقتي.
أومأت بابتسامة مجاملة:
– تتعوض يافندم ، الجيات أكتر من الريحات، المهم انا كنت عايزة اعرف فين مكتبي عشان احاول افهم النظام من دلوقتي.
اطلق ضحكة مدوية أجفلت من غرابتها قبل أن يردف لها :
– كدة عالحامي على طول ، دا صدق بقى جاسر لما قال انك زي القطر في الشغل .
لم تستجب لدعابته وقد ارتسمت الحيرة على ملامحها وجهها وهي لا تدري ان كان هذا مدح او سخرية ، انتبه هو فقال مصححًا :
– على فكرة انا مش بتريق ، انا قصدي انك بيرفكت يعني ودي حاجة ممتازة طبعًا ولا إيه ؟
اومأ غامزًا بعيناه الجريئة بنظرتها، وابتسامة ماكرة جعلتها تتوتر في حضوره ، حركت هي رأسها بموافقة مدعية الجدية كعادتها وقالت :
– تمام يافندم ممكن بقى اعرف مكتبي فين ؟
– تاني برضوا
اردف بها مطقًا ضحكة اخرى يردد معها:
– طب خدي نفسك حتى وقدريني شوية؛ تشربي معايا حاجة ساقعة أو سخنة ، مش احنا هايبقى معظم الشغل مابينا الأيام اللي جاية برضوا.
اومأت بالموافقة وقد أربكها بكلماته للمرة الثانية.
……………………………..
وعودة الى زهرة التي كانت منكفئة على الملفات المكدسة أمامها بتركيزٍ قد اوشك على النفاذ منها؛ بعد قضاءها عدة ساعات في العمل بها ، وهي لم تنهي نصفها بعد حتى ، رفعت رأسها عنهم بتأفف وقد اشتد اللألم في رقبتها وظهرها،
– روح ياجاسر ياريان الهي ما توعى تبربش بعنيك ياشيخ .
تمتمت بها بغيظ وهي تتناول هاتفها تتصل على جدتها :
– الوو… ايوة ياستي عاملة ايه دلوقت؟…………. البت صفية مرعياكي ولا سابتك ؟…………… طب كويس أوي ، اتغدتيتي بقى ولا لسة ………… ليه بس ياستي ماانا قايلالك من الأول اني هاتأخر………… والنبي ياشيخة ماتتعبي قلبي ، انا قولتلك اني هاتأخر يبقى خلاص بقى …….. لا مااضمنش هارجع الساعة كام؟ …………..تمام ياقلبي ولا يهمك بس ماتنسيش تدعيلي والنبي …….. ياروح قلبي، حاضر من عيوني هاجيبلك بسبوسة تحلي بقك بيها ، انت تؤمر ياقمر .
أنهت المكالمة بابتسامة كالعادة، تدخلها عليها رقية بخقة ظلها الدائمة ، ولكنها اختفت فور ان اصطدمت عيناها به، واقفًا بجوار باب مكتبه المفتوح ، واضعًا كفيه بجيبي بنطاله، وكأنه يراقبها!
قطبت تنهض عن كرسيها بامتعاض وقالت على مضض:
– حضرتك عايز حاجة يافندم ؟
تقدم بخطواته ليصل اليها قبل ان يرد بسؤال .
– كنتِ بتكلمي مين ؟
– نعم !
قالتها باستنكار ، فقال مبررًا :
– انا اقصد طبعًا، عشان الشغل اللي سيباه وراكي متكوم ده.
قال وهو يومئ بعيناه نحو الملفات ، ردت هي تجاهد للتحكم في غضبها :
– يافندم ما انا شغالة اهو ومابطلتش دقيقة ، جات يعني على اتصال صغير اطمن بيه على ستي؟ دا انا حتى ماخدتش البريك بتاعي ، ولا ريحت نهائي .
– صمت يحدق بها قليلًا بملامحه الصارمة ثم أومأ بعيناه نحو المكتب قائلًا :
– ماهي السندوتشات قدامك اهي ، ما اكلتيش ليه انتِ بقى؟
رمقت زهرة الشطائر التي وضعها عامل الكافتيريا أمامها على سطح المكتب منذ ساعات في خطوة غريبة، جعلتها تسأل العامل عنها فاأجابها ، بأنه أتى بأمر مباشر من رئيسها؛ رئيس الشركة.
– ما بتروديش ليه ؟ انا بكلمك .
سألها بصوته الأجش ، ردت زهرة كاذبة:
– متشكرة يافندم ، انا مش باكل حاجة برة البيت .
مال برأسه ساخرًا يقول:.
– غرببة يعني، مع ان اول مرة شوفتك فيها هنا في المكتب؛ وكان السندوتش في إيدك ساعتها!
احتدت عيناها وازداد توترها، لتذكيرها بها اللقاء الكارثي مع تذكره لتفصيلة صغيرة كهذه ، فقالت باعتزاز
– بتحصل يافندم، بس لما ابقى جعانة بقى ؛ لكن انا دلوقتِ مش جعانة ولا ليا نفس نهائي .
صمت مرة أخرى يعاود التحديق بها وهي واقفة بتملل، من سهام نظراته المصوبة نحوها ، ثم مالبث ان يرد بلهجة غامضة :
– تمام يازهرة ، روحي انتِ دلوقتِ وكملي بقى بكرة .
رفعت عيناها اليه تسأله بعدم تصديق :
– صح يافندم، يعني انا ممكن اروح دلوقتِ ؟
انتظرته قليلًا قبل أن يجيبها بتمهل وهو يضغط على كلماته :
– كام مرة هاقولك اني مبكررش كلامي يازهرة.
– تمااام .
اردفت بها مقتضبة وهي تومي برأسها بتفهم وعيناها تخفضها عن النظر نحوه، أجفلها بسؤاله :
– هاتروحي مع مين دلوقتِ وكاميليا مش موجودة؟
– هاتروح معايا انا ياجاسر باشا .
صدرت بغتة من الخلف جعلتهم ينتبهون على دلوفها اليهم ، وتابعت:
– انا غادة بنت عمتها ياجاسر ياباشا ، هو انت مش فاكرني؟
اكتفى بأن يلوح لها بكفه وهو يرتد عائدًا الى مكتبه دون ان يرد عليها ، تسمرت غادة قليلًا تتابعه حتى اختفى داخل مكتبه ، تغمغم بانبهار :
– القميص الابيض هاياكل منه حته وهو متقسم مظبوط على العضلات والجسم المفرود ، يخرررب بيت حلاوتك .
بعد انتهائها التفت لزهرة وجدتها جالسة ووجنتها مستريحة على قبضتها المستندة بها على سطح المكتب، تحدق بها مضيقة عيناها .
– ننعم !! بتبصيلي كدة ليه بقى؟
تجاهلت زهرة السؤال وردت بسؤال من عندها :
– انتِ برضوا لحقتي تظبطي مكياجك ؟ لا وتغيريه بالكامل كمان، لهو انتِ بتقضي يومك كله في الحمام يابنتي ؟
تبسمت غادة باستخفاف وهي تجلس أمامها :
– مافيش داعي اني اشرحلك واتعب نفسي ، عشان دي حاجات صعب عليكِ تتعلميها ياروحي ، ياللا بقى خلصينا عشان نعرف نروح ، عشان كمان تعرفي اني بعمل بأصلي رغم خستك وندالتك معايا، انت والمحروسة كاميليا ، لكني جيتلك اهو عشان اخدك تروحي معايا.
ردت زهرة بابتسامة ساخرة:
– كتر خيرك ياست غادة، اخجلتيني بتواضعك حقيقي يعني ، على العموم انا خمس دقايق كدة وهاخلص الملف اللي في إيدي، مش هاخليكي تتأخري أكتر كتير يعني.
– مطت شفتيها وهي تومئ لها بعيناها بعدم اكتراث، ومن داخلها تمتم :
– اصبر نفسي معلش وماله، مش يمكن يطلع من وراها المصلحة ولا الشبكة تلقط بسببها! ويجي الخير اللي بحلم بيه !
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)