رواية أسد مشكى الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى البارت الثامن والعشرون
رواية أسد مشكى الجزء الثامن والعشرون

رواية أسد مشكى الحلقة الثامنة والعشرون
الثامن والعشرون | خطاب ووعيد |
قبل القراءة صلوا على نبي الرحمة
ــــــــــــــــــــــــــــ
” افتحــــــوا الأبــــــواب….ملــــــك سفيــــد ”
صيحات انطلقت منذ الصباح تنبأ بوصول إيفان والذي وصل للمملكة منذ بداية اليوم وقد قضي ليلته كلها في الطريق لمشكى بعدما انتهى من أموره العالقة داخل سفيد .
وخلفه يتبعه دانيار بحصانه الخاص ومعهم موكب الملكة كهرمان وكذلك رفيقتها المقربة والتي أبت جعلها تأتي وحدها ” زمرد ” .
توقفت الأحصنة في منتصف الساحة وهبط إيفان بسرعة كبيرة يتحرك صوب الموكب الخاص بكهرمان يساعدها على النزول بهدوء، ومن ثم نظر لها وهو يهمس بصوت منخفض :
_ سوف أذهب لاتفقد الأمور مع أخيكِ المجنون كهرمان ارتاحي ريثما أعود رجاءً .
_ لكن إيفان، أي راحة تلك التي تتحدث عنها ؟! أنا جئت اطمئن على أخي وزوجته و….
قاطعها إيفان وقد كانت الأمور في هذه اللحظة غير مستقرة تمامًا :
_ كهرمان رجاءً اسمعي ما أقول وحينما انتهي من بعض الأمور العالقة هنا مع أخيكِ سأستدعيكِ لتفعلي ما تريدين، لكن الأمور في هذه اللحظة غير مستقرة، لذا رجاءً اسمعي لما اقول .
نظرت له دون فهم لما يحدث ورغم ذلك هزت رأسها بحسنًا وهي تنظر خلفها صوب زمرد التي هبطت بمساعدة دانيار وقد اندمجت معه في حديث قصير ومن ثم تحركت لها :
– إذن ماذا سنفعل ؟!
نظرت كهرمان لإيفان دون فهم ومن ثم نظرت لها تقول :
_ سوف نذهب لغرفتي الآن زمرد حتى تستقر الأمور ومن ثم نذهب لزوجة أخي، هيا تعالي معي .
ختمت حديثها تودع زوجها بهزة رأس تسحب معها زمرد بعيدًا عن الجميع، بينما دانيار اقترب من إيفان يراقب الأجواء مرددًا ببسمة صغيرة وهو يضيق عيونه :
_ اشتم رائحة غريبة في الأجواء.
ابتسم له إيفان بسمة جانبية ساخرة وهو يتحرك صوب غرفة الإجتماعات كي يلحق بالجميع يشير لأحد الحراس بإشارة يعلمها الاخير تمام العلم، مجيبًا سؤال دانيار :
_ نعم، أرسلان يحضر لحفلة شواء، الجميع مدعو عليها، فالوليمة ستكون طازجة …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استيقظت تنظر حولها وهي تحاول معرفة مكانها الحالي وكأنها كانت في غفوة طويلة لم تعي ما حدث بها، لتبصر أول ما تبصر جسد المعتصم الذي كان يقف بالقرب من الفراش يراقبه بأعين ملتمعة .
رفعت عيونها بعدم فهم :
_ يا المعتصم أين أنا ؟!
_ في غرفتي .
نظرت له ثواني قبل أن تنتفض بصدمة كبيرة وهي تنظر حولها بفزع، تتحرك عن الفراش هلعة وهي تنظر له بصدمة تنفض ثيابها تحت عيونه وقد تشنجت ملامحه بعدم فهم، وهي فقط نظرت للفراش قبل أن تعدل من وضعية الغطاء، ومن ثم نظرت له بتوتر وهو فقط يتابع حتى يبصر ما تفعل، وحينما ابصرها وقد انتهت ردد بعدم فهم :
_ ماذا ؟؟
نظرت له بتوتر ومن ثم للفراش، قبل أن ترفع عيونها له مجددًا :
_ لقد نمت في فراشك ؟!
_ و ؟؟؟
_ فراشك يا المعتصم .
هز رأسه بعدم فهم :
_ ومن ثم؟! لقد نظفته بالفعل قبل نومك عليه.
رمشت بخجل وهي تحاول أن تتحدث بكلمات مفهومة صغيرة تجنبها موجة الخجل التي تكاد تغمرها كلما تخيلت أنها قضت ليلتها بين أحضان فراشه الشخصي، لذا ابتلعت ريقها تهمس بصوت منخفض :
_ هذا …فراشك الشخصي يا المعتصم لا يجوز أن أنام بفراش رجل غريب هذا …عيب و….
أوقفها المعتصم وهو يدور حول الفراش يحاول معرفة ما تقوله إذ أن صوتها كان منخفضًا بشكل كبير، يتوقف أمامها:
_ ماذا قلتي فاطمة، رجاءً ارفعي صوتك إذ يبدو لي أن سمعي أصبح ضعيفًا هذه الأيام..
رفعت عيونها له بخجل زاد بعد رؤيتها لقربه منها :
_ لا يجــ …يجوز .
_ فاطمة عزيزتي …
رفعت عيونها له ببسمة ليميل هو عليها :
_ هل نسيتي مجددًا ؟!
_ نسيت ماذا ؟!
_ من أنا يا فاطمة ؟!
_ أنت المعتصم .
_ نعم وهذا المعتصم، العبد الفقير إلى الله ما مكانته في حياتك ؟!
نظرت له بخجل وقد بدا أنها نست كلماتها في الأمس والتي كانت ترددها بخوف منه وحزن وضيق، تقول بصوت منخفض مسموع بصعوبة ولولا شدة قربه لها ما كان سمع منها كلمة واحدة، رفعت يدها وهي تشير له ليبتعد قليلًا بخجل :
_ يا المعتصم هذا لا يجوز و…..
حرك المعتصم يده وهو يمسك خاصتها يصيح بصدمة :
– والله كلامك هو الذي لا يجوز، ما الذي تهزين به يا امرأة ؟! ما الذي لا يجوز بالتحديد ؟!
نظرت ليده التي امسك بها بيدها لتتسع عيونها وتحمر وجنتيها ترمش وهي ترفع عيونها له :
_ يا المعتصم أنت…هذا …هذا لا ….
وقبل التحدث بكلمة قاطعها هو ببسمة جانبية:
_ لا يجوز ؟!
هزت رأسها بنعم ليبتسم هو لها :
_ حسنًا فاطمة معكِ حق، هذا لا يجوز، أعتذر منكِ لأنني تخطيت حدودي مع آنسة بمثل اخلاقك البريئة، لذا دعيني أعتذر لكِ بشكل لائق رجاءً آنستي .
اومأت له ببراءة شديدة تردد بصوت لطيف وهي تحرك كفها أمامها برفض :
_ لا بأس يا المعتصم صدقني، أنا لست غا….
_ لا والله، وجب عليّ الاعتذار بشكل لائق آنستي .
_ لا بأس أنـ…
وقبل إكمال كلماتها كان هو يميل عليها يقبل وجنتيها بحنان شديد، اتبعهم بتقبيل جبينها بعدما أسر رأسها بين كفيه، من ثم اعتدل ينظر لها ببسمة واسعة يضم كفيه أمامه وهو يردد بصوت هادئ كتلميذ جاد مخطئ :
_ أرجوكِ اقبلي اعتذاري وقبلاتي آنستي .
أما عن فاطمة فاتسعت عيونها بصدمة كبيرة وهي تتحسس وجنتيها تراقبه بعدم فهم، بينما هو قال ببراءة :
_ اتمنى ألا تحملي في قلبك تجاهي شيئًا سوى الحب آنستي .
ختم حديثه يراقبها تقف أمامه وهي تذوب من قبلاته الصغيرة وكأنها المرة الأولى التي يفعلها، ومن يدري فربما تظنها بالفعل الأولى.
تركها تتجرع صدمتها وهو يتحرك صوب الخزانة الخاصة به يخرج حقيبة صغيرة يضع بها بعض الثياب أمام عيونها والتي كانت لا تدرك ما يحدث حولها إلا حينما سمعت صوته يردد بهدوء :
– إذن فاطمة هل يمكنك أن تعديني أنني سأعود لأجدك هنا في انتظاري داخل القصر؟؟ صدقيني لولا أن ذهابي الآن ضروري ما تركتك وحدك هنا، لذا أرجوكِ لا تخرجي وحدك أو تخرجي من الأساس، المرة القادمة لن تمر على قلبي بخير .
رفعت عيونها له تتحدث ببراءة وكأنها لم تكد تصيبه بجلطة دماغية منذ يوم تقريبًا بسبب اختفائها المفاجئ، تستنكر حديثه الغريب
– وأين سأذهب يا المعتصم ؟! أنا لا اتحرك من هنا .
تشنجت ملامحه المعتصم :
_ أوه نعم صحيح، ربما اتخيل تدركين أن صحتي العقلية مؤخرًا أصبحت سيئة للغاية .
نظرت له بقلق شديد من كلماته :
– ربما تحتاج لاستشارة طبيب، ألا تمتلك صديقًا يعمل طبيبًا ؟!
ترك المعتصم الاغراض من يده وهو ينظر لها بصدمة متشنجًا :
– حقًا أصبحت أنا الذي يحتاج لعلاج الآن ؟!
_ أولست أنت من قال ذلك ؟!
_ أوه نعم صحيح، يبدو أنني أنسى كثيرًا .
_ نعم وهذا شيء آخر تحتاج لعلاجه، صدقني أنا لا أقصد شيئًا أنا فقط قلقة عليك يا المعتصم وعلى حالتك العقلية .
ابتسم لها المعتصم بحب على لطفها ذاك يقترب منها بحب شديد يضمها له دون الاهتمام بأي شيء يقبل رأسها بحنان :
– لا بأس حبيبتي فقط اعتقيني لوجه الله وتوقفي عن ارعابي كل ثانية عليكِ وستكون صحتي النفسية على خير ما يرام .
رفعت عيونها له بعدم فهم، ليبتسم هو ويربت عليها :
_ عديني أن تعتني بنفسك فاطمة لحين عودتي .
_ هل ستتأخر ؟!
_ لنأمل أنه لا .
_ ستكون بخير ؟!
_ قلقة عليّ؟!
نظرت له بحب شديد وهي تهمس :
_ بل أموت قلقًا عليك فما لي سواك يا المعتصم، أرجوك عد لي لا تحرمني رؤياك .
تنهد المعتصم هائمًا بكلماتها يزيد من ضمها بحب شديد وهو يهمس لها بصوت خافت عاشق :
_ فقط ننتهي من هذا فاطمة، ننتهي من هذا كله حبيبتي ومن بعدها صدقيني سأمنحك حياتي إن طلبتها ..
رفعت عيونها له تهمس بصوت منخفض وحب يشوبه بعض القلق :
_ أريدك أنت يا المعتصم .
_ كلي لكِ عزيزتي ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ومن ثم نادتني بأخي، هل تراني ولدك مولاي لتناديني ابنتك بأخي ؟! اخي حقًا ؟!
كان يتحدث وهو يطحن بعض الأعشاب أمامه، بغضب شديد يحاول أن يضع كل غضبه داخل ضرباته للأعشاب :
_ أرجوك لا تفهمني بشكل بخاطئ، أنا لا اقلل منك مولاي، يشرفني أن تعتبرني ابنك إن قبلت بالفعل، لكنني بالطبع لا أقبل أن تتخذني ابنتك اخًا، بالله عليك أي أخ هذا ؟! ابنتك هذه ينقصها عقل مولاي لتفكر .
_ هل تشكوني لأبي الآن ؟!
انتفض جسد نزار والذي لم يعي بدخولها في غمرة ضيقه وحنقه، يستدير لها بسرعة ولم يكد يتحدث حتى اتسعت عيونه بشدة يراقبها ترتدي فستان واسع من اللون الاسود الذي يشبه الليل في صفائه، تخفي جميع ملامحها بلثام متدلي من حجابها تاركة عيونها فقط لتصيب من تصيب من الرجال بسحرها .
اتسعت عيونه من هيئتها وهو يبتلع ريقه وقد فقد النطق لثواني يستوعب الآن أنه لم يبصرها منذ البارحة حينما وصفته بأخي.
وعند هذه الفكرة أبعد عيونه عنها بسرعة يستفيق لحالته، أما عنها فشعرت بوجهها بالكامل يشتعل وهي تتحرك صوب النوافذ الخاصة بوالدها وقد تفاجئت من وجوده منذ الصباح لدى والدها .
فتحت النافذة تسمح بأشعة الشمس القليلة والتي هربت من بين أسر السحاب بصعوبة بالدخول لتبتسم مرحبة بنسمات الهواء العليلة، ومن ثم استدارت صوب نزار الذي كان يراقبها ببسمة بلهاء لتفرع هي حاجبها له، فانتفض هو حينما أمسكت به متلبسًا يعود لطحن الاعشاب يتظاهر بانشغاله بها، لكن يبدو أن بقايا سحرها ما يزال يسيطر على عقله فأصاب إصبعه بضربة قوية أثناء طحن الاعشاب .
أطلق صرخة فزعة أكثر منها متألمة، فتحركت هي بسرعة صوبه متسعة الأعين تتحدث بعدم فهم :
_ نزار ؟! ما بك ؟؟
شعر نزار بأن أعصابه قاب قوسين من الانهيار ليصرخ بقلة حيلة :
_ سأكون بخير فقط إن تركتيني وشأني سمو الأميرة ؟!
اتسعت عيون توبة وهي تتراجع بعدما اقتربت خطوات بلهفة خائفة، ترفع له حاجبها بضيق :
_ ماذا ؟؟ هل تهزي أنت ؟! ماذا فعلت أنا لك ؟!
رفع عيونه لها بضيق وغضب ولم يتجرأ على الإجابة، فجديًا هي لم تفعل شيء سوى أنها فتنته وأصابته بالجنون حتى أصبح يهيم ليلًا نهارًا يبحث عن طيفها بين الجميع، وقد ازداد الأمر حتى أضحى يخاف أن ينام يومًا ليستيقظ ويراها تجلس أمامه بدلًا من الوليد .
_ لا شيء فقط دعيني وشأني لأعمل ولا تقفزي لي كل ثانية هنا .
_ حقًا ؟؟ تتحدث وكأنني مغرمة بالنظر لوجهك البهي وعيونك الساحرة، أنا هنا لأجل ابي .
نظر لها بملامح جادة جامدة وهو يعود للعمل دون أن يحييها بكلمة واحدة ، يتمتم بصوت منخفض :
_ لكنني كنت اتمنى أن تأتي هنا لأجل وجهي البهي وعيوني الساحرة .
نظرت له توبة بضيق :
_ ماذا قلت أنت ؟!
امسك نزار فك الملك بارق بعدما ارتدى قفازه، يمسك حفنة من الاعشاب التي كان يطحنها منذ ثواني يديها أسفل لسانه :
_ استغفر الله .
_ نعم سيكون هذا جيدًا لك، أكثر من الاستغفار، فأنت تحتاج للأستغفار أكثر من غيرك .
ارتفع صوت نزار بالاستغفار والضيق واضح في صوته :
_ استغفرك ربي و اتوب إليك .
ابتسمت عليه وقد سعدت أن أوصلته لحافة الغضب، ولا تدري السبب، لكن الأمر كان ممتعًا لها، تتحرك صوبه وهي تجلس على طرف الفراش الفسيح من الجهة الأخرى :
_ إذن كيف حال أبي ؟!
_ سيكون بخير إن شاء الله .
وكأنها نست أنها كانت لتوها تشاكسة وتسعد لإغضابه، فكررت وهي تردد برجاء :
_ حقًا نزار ؟!
رفع نزار عيونه لها يطيل بها النظر، ثم ابتسم لها بسمة لطيفة حنونة :
_ إن شاء الله سيكون بخير حال قريبًا، مؤشراته كلها تشي بذلك .
نظرت له بامتنان شديد :
_ لا يسعني سوى شكرك ليل نهار لمساعدتك لي نزار، صدقني أدين لك بحياتي، فقط اخبرني كيف أرد لك جميلك وسأفعل .
خلع نزار قفازه وهو ينظر للملك بارق طويلًا، قبل أن يزفر بصوت مسموع، يرفع عيونه لها مرددًا بصوت مرهق وكأنه قضى ليالي طويلة يناجي راحة لا يصل لها :
_ فقط…… ارحميني توبة …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استيقظت على صوت طرق باب غرفتها لينتفض جسدها بفزع وهي تنظر حولها ثواني بأعين زائغة وكأنها ما تزال سجينة ذلك المنزل الغريب .
تنفست بصوت مرتفع وهي تحاول أن تتحكم بردات فعلها تلقي الغطاء جانبًا تدور بعيونها في المكان لتدرك أنها باتت ليلتها في فراش أرسلان وبلمحة سريعة لذكرياتها تذكرت أنها باتتها كذلك بين أحضانه.
فجأة ارتسمت بسمة واسعة على فمها وهي تعيد خصلاتها للخلف تتنهد نصف تنهيدة لم تكتمل بسبب شدة الطرق على الباب، نظرت صوب الباب بتعجب وهي تعتقد أن أرسلان هو من بالخارج ويخجل من الدخول لها دون طرق.
يخجل من الدخول دون طرق ويضمها بين أحضانه طوال الليل، عجيب هذا الأرسلان .
تحركت صوب باب الغرفة الخاصة بالجناح وبمجرد أن فتحتها، فتحت فمها كذلك للتحدث، لكن اندفاع جسد خالد للداخل بقوة جعلها تتوقف بفزع عن نطق أيًا مما كانت على وشك نطقه .
اندفع صوبها يضمها لصدره بقوة وهو يردد برعب وحب شديد وبلغته التي اعتادها منذ كان طفلًا :
_ يا ويلي سول عزيزتي، ما الذي حدث لكِ، أين ملامحك الجميلة التي كنت اتغزل بها كل يوم، أين هي فاتنة سجون البرازيل، اصبحتِ أقرب لمجرمي سجون البرازيل .
اتسعت عيون سلمى وهي تحاول دفعه للخلف قليلًا، لكنه كان كالصخرة لا يتزحزح خطوة واحدة وهو يضمها بقوة، وفوق كتفها يجلس موزي الذي دخل معه ليقفز فوق رأسها يضمها له .
فكان الوضع كالتالي، خالد يلتصق بجسدها وهو يعانقها حتى كاد يخنقها، وموزي يضم رأسها بحب وبقوة حتى كاد يخلعها عن جسدها .
وهي تحاول أن تخرج حية من بينهما .
صوت موزي وهو يطلق كلمات وصرخات مرتفعة وصوت خالد وهو يتحدث بكلمات متتالية دون توقف، كل ذلك كان كافٍ لتتمنى لو أنها لم تنجو من بين يدي ذلك الوسخ .
تحدثت بصوت منخفض :
_ اللعنة لود، تكاد عيوني تخرج من شدة ضغطك أنت وذلك الاجرب، دعني اتنفس بشكل طبيعي .
بكى خالد بخوف حقيقي وهو يضمها بحب وبشكل أشد:
_ كنت أموت رعبًا والله، قلت أن هذه المرة لن تنجي منها، خفت ألا أراكِ مجددًا سول .
ربتت سلمة على كتفه وهي تتحدث بصعوبة بسبب ضغطه على صدرها، ورغم أنه هو من كان يكبرها بشهور قليلة، إلا أنها طوال حياتها كانت الأخت الكبيرة والمرشدة له، وخالد كان الفرع الطائش في عائلتها.
_ أنا بخير عزيزي لا تقلق، ليست المرة الأولى التي يحدث لي هذا .
مسح خالد دموعه وهو يضمها وموزي ما يزال مصرًا على الاحتفاظ برأسها بين قبضتيه لنفسه :
_ نعم لكن هذه المرة مختلفة، هؤلاء ليسوا مرضاكِ لتتعاملي معهم، مسكينة يبدو أنكِ ضُربتي حتى كادت عظامك تتحطم تحت أيديهم ولم تقدري على رفع إصبع في وجوههم حتى .
ابتسمت بسمة ساخرة وهي تجيبه بصوت خافت :
_ نعم صحيح، لقد كنت مسكينة للغاية يا أخي….
فجأة تجلت رحمة الله عليها على هيئة يد جذبت جسد خالد بعنف شديد عنها وألقته بعيدًا دون اهتمام، لتلتقط وأخيرًا أنفاسها وهي ترفع عيونها صوب صاحب اليد والذي لم يكن سوى أرسلان الذي رمى خالد بنظرة باردة، ومن ثم تحرك يمسك موزي من شعيراته الخلفية بأطراف أصابعه ينتزعه عن رأس زوجته ثم ألقاه على الفراش دون اهتمام ينفض ثياب سلمى، ومن ثم رتب خصلات شعرها بهدوء شديد وحنان .
ثم استدار صوب خالد وموزي اللذين علت نظرات الحنق وجهيهما والضيق بدأ يُخط على نظراتهما.
لكن هل يهتم أرسلان ؟؟ لا لا يفعل .
_ هيا خذ ذلك الاجرب وخارج غرفتي، أخبرتك أنه يمكنك الإطمئنان عليها لدقائق معدودة وبشكل لطيف وليس أن تتسبب في ضيق تنفس لها .
رفع خالد حاجبه باستنكار لكلمات أرسلان:
_ مهلًا، هل تمنعني عن أختي ؟!
_ لا، لا أفعل والدليل أنني سمحت لك أن تدخل غرفتي مع ذلك الاجرب الذي يتناول فاكهتي هناك دون اهتمام بشيء، وتعانقها وترحب بها، والآن انتهينا، هيا للخارج ويمكنك العودة لاحقًا، وخذ معك ذلك القرد كذلك .
اعترض خالد وقد تشنجت ملامحه يتحرك صوب سلمة بسرعة يضمها بين يديه :
– هذا لن يحدث فلم اطمئن بالكامل عنها بعد، أنت بهذا الشكل تمنعني أختي وأنا لن اسمح، وكذلك موزي لن يسمح .
حرك أرسلان يده بحركات عصبية تشي أنه يكبت غضبه عن خالد، لذا تحدث بصوت مرتفع وهو ينادي الحراس من الخارج :
_ أحضروا لي تيّـــم …
اتسعت عيون خالد برعب وهو يستدير حوله بخوف :
– لا لا أرجوك أنا لم أفعل شيئًا، لقد …كنت فقط أرحب بها اقسم لقد خفت عليها فهي أختي كذلك و….لا تحضر تيم سوف أرحل من هنا، وإن أردت سأخرج موزي معي .
ختم حديثه يبتسم لأرسلان بسمة واسعة متملقة وهو يتحرك صوب فراشه ينتزع عنه موزي الذي كان قد بدأ يلوثه بالفعل بسبب الفاكهة التي يتناولها بشكل مبعثر، يمسكه خالد بين يديه، ثم نظر لسلمى يبتسم لها بسمة واسعة :
_ حمدً لله على سلامتك حبيبتي سوف أعود لكِ حينما يرحل ذلك الطاغية .
ومن بعد تلك الكلمات اختفى عن أنظار سلمى التي كانت تراقب ما يحدث دون فهم، تستدير صوب أرسلان الذي تحرك خلف خالد يغلق باب الجناح بالكامل خلفه ومن ثم دخل غرفة النوم يتحرك صوبها مبتسمًا بسمة لطيفة يرتب خصلاتها بحنان يميل عليها مقبلًا رأسها بلطف :
– صباح الخير حُلوتي، عسى ليلتك كانت هانئة.
أغمضت سلمى عيونها تستمتع بتلك اللحظات بقربه ليبتعد عنها هو بهدوء يراقب مبتسمًا بمشاعر عديدة، ثم رفع كفه يربت على وجنتها والتي كانت الجروح تملئها .
يتحرك صوب العلبة الخاصة بالاعشاب يجذب يد سلمى معه يجلسها أمامه، ثم بدأ يغمس أصابعه في الاعشاب يمررها بهدوء على وجهها مبتسمًا بسمة لطيفًا يتذكر ذكريات قديمة وهو يعالج جروح كهرمان التي كانت تنتج عن تدريباته لها .
ويبدو أنه سيقضي حياته يعالج جروح كل من يقترب منه، وجروحه يتركها علّ الزمان يشفق به ويحنو عليه ويعالجها بنفسه .
يمرر أصابعه على جروحها العديدة والتي كانت تخفي ملامحها بالكامل، حتى وصل لآثار الصفعات التي كانت تزين وجهها فتوقف واسودت عيونه بشكل مرعب وهو يتخيل في عقله ما سيفعله، افكار سوداوية لو أدركت سلمى قطرة واحدة منها، لركضت بعيدًا عنه لآخر الأرض، لكنه والله لن يتراجع عما خطط له ولو أحضروا له العالم بأكمله يعيق طريقه .
_ من ذلك تيم الذي تخيف به خالد ؟!
رفع عيونه لها وقد بدا أنه أفاق فجأة من أفكاره الغريبة التي كانت تدور داخل عقله :
_ هذا أحد قادة الجيش بعد المعتصم، اوكلته البارحة بأن يتولى بنفسه تدريب أخيكِ، ويبدو أن تيّم ورغم إصابته أتقن ما طلبته منه على أكمل وجه .
نظرت له بعدم فهم وهي تبتسم بسمة صغيرة :
_ البارحة مساءً تقصد ؟! ومتى بدأ التدريب ليصيب خالد بكل هذا الرعب ؟!
_ فجر اليوم بدأ معه .
اتسعت عيونها بصدمة وهي تمسك يد أرسلان توقفه عما يفعل :
_ فجر اليوم ؟؟ خالد استيقظ فجرًا ؟؟ كيف حدث هذا ؟!
اتسعت بسمة أرسلان:
_ نحن لا نستأذن جنودنا للاستيقاظ، بل نوقظهم رغم كل الاعتراضات، حان الوقت ليخشوشن أخوكِ قليلًا.
ابتسمت هي بسعادة لكنها صمتت تفكر ثواني :
_ يبدو هذا جيدًا لكن أرجو ألا تقسو عليه كثيرًا فخالد طيب القلب ولديه قابلية ليصبح رجل جيد رغم كل مساوئه التي كان يفعلها قديمًا، إلا أنني أدرك أنه رغم كل شيء ما يزال يحمل بذرة صالحة في صدره .
جذب كفه بهدوء من بين يديها والذي كانت قد نسته في غمرة حديثها، ثم رفع يده النظيفة يربت على خصلاتها يردد بحنان :
_ يُكرم لأجلك سليمى، ثم لا تقلقي لن نقسو عليه كثيرًا، نحن نتعامل معه معاملة المراهقين الذين انضموا حديثًا للجيش، أو ربما اقسى قليلًا …
ختم حديثه ينهض عن مكانه وهو يتحدث بجدية :
– لقد وصل إيفان مع كهرمان وزوجة دانيار، سوف اطمئن عليكِ واذهب لأرحب بجوهرتي ومن ثم سيأتون للاطمئنان عليكِ، أم تريدين تأجيل الأمر ؟!
تجاهلت هي كل ما ينطق به تقول بشرود :
– جوهرتك ؟! كهرمان تقصد ؟!
ذهب هو لغسل كفه من الاعشاب، ثم خرج يجففه يهز رأسه بنعم وهو يبتسم بحب شديد متحدثًا عن كهرمان :
– نعم، كهرمان جوهرتي الحبيبة .
_ وأنا ؟!
كانت كلمة خرجت منها تلقائيًا دون شعور، لم تبتغي من خلفها مقارنة بينها وبين كهرمان، تدرك قرب العلاقة بين أرسلان وكهرمان بالفعل، لكنها فقط رغبة عميقة في صدرها لمعرفة أين وصلت مكانتها لدى أرسلان، أين هي في حياته، هل يمنحها مكانة كتلك التي تمنحه هي إياها ؟!
ويبدو أن أرسلان أدرك ما يدور داخل رأسها، إذ اقترب منها بهدوء مبتسمًا يجلس أمامها على ركبتيه يتحدث بهدوء وهو يمسك كفيها :
_ هي كهرمان أختي وصغيرتي والجزء الوحيد الذي كان يدفعني لإكمال حياتي، ربيبة يدي وابنتي التي تركت جزءًا فارغًا في صدري حينما رحلت، وأنتِ …
رفع كفها يقبله بحنان شديد وقد كانت سلمى ما تزال مصدومة من انحناءه أمامها وجلوسه بهذا الشكل، شيء لم تكن تتخيل أن أرسلان بكل كبرياءه كان قادرًا على فعله .
_ أنتِ هي سليمى، زوجتي وضلعي الذي عشت حياتي أبحث عنه ليؤنس قلبي داخل صدري، المرأة التي على استعداد لأحارب العالم لأجل بسمة منها، وسأفعل، أنتِ حلوتي الوحيدة في حياتي البائسة الآن سلمى آنيستي وسكني الجزء الذي مهما رأيت من مآسي خلال يومي ابتسم لأن يومي سينتهي بنظرة منكِ .
مد كفه يربت خصلاتها بحنان شديد وسلمى تراقبه بأعين ملتمعة وبشدة تدرك الآن يقينًا أن ذلك الرجل يخفي فيضانات من الحنان خلف سد قسوته، ويبدو أن قربه لكهرمان في طفولتها علمه كيف يتعامل جيدًا مع من يخصه من النساء كما كان يردد .
_ هي شقيقتي وأنتِ زوجتي، من يخصني من نساء هذه الأرض حاليًا، لا امرأة ثالثة اهتم بها عداكما، ولكلٍ مكانتها التي لا ينالها غيرها سُليمى فلا يمكنني وضعك بمكانة كهرمان كشقيقة وابنة لي، ولا يمكنني وضع كهرمان بمكانتك كزوجة وشريكة، ربما تشاركك في جزء أنني اعتبر كلاكما ابنتيّ، ووالله لن تشاركما امرأة هذا القلب عدا ابنتي الحبيبة في المستقبل إن شاء الله .
صمت يتنفس بحب، ثم نهض يساعدها لتغتسل :
_ هيا توضئي وتعالي لتصلي حتى أحضر لكِ الفطور سلمى .
تحركت سلمى بخدر صوب المرحاض ولم تكد تتحرك له، حتى توقفت فجأة تنظر له ثواني ومن ثم تحركت له بسرعة تضم خصره وهي تهمس بحب شديد :
_ أنت أكثر رجال الأرض حنانًا أرسلان، شكرًا لأنك من بين الجميع اخترتني .
ضمها أرسلان بحب شديد وهو يتنفس رائحتها لا يصدق أنها بين يديه يزيد من ضمها كلما تذكر ما تعرضت له :
_ بل شكرًا لأنكِ من بين كل الرجال قبلتي بي سُليمى ……
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هبط عن حصانه يتحرك بين ممرات القصر بوجه متجهم وهو يبعد طرف معطفه الملكي عن طريقه يمسك حافة السيف الخاص به وكأنه على وشك خوض حرب ما يرفع يده في وجه الجميع أثناء الحركة نحو قاعة الاجتماعات .
وبمجرد أن وصل حتى فتحها بقوة جعلت الجميع في الداخل يُصدم منه، لكنه لم يمنح لهم فرصة التعليق حتى على ما يفعل :
_ والله جيد أنكم أصبحتم تخفون عني ما يحدث هنا، هل غرتكم خصلات الشيب هذه ؟؟ أصبح العجوز آزار لا قيمة له ليحدث كل هذا من خلف ظهري ولا اعلم سوى برسالة بعدما ينتهي كل شيء سالار ؟؟
نهض سالار بسرعة وهو يتحرك ليستقبل خاله :
_ العفو يا خالي والله لا يحدث شيء سوى ويصلك الخبر قبل حتى أن يحدث فأنت كبيرنا هنا، لكن ما حدث لم نستوعبه بعد، كل شيء حدث بسرعة كبيرة .
ختم حديثه وهو يتقرب من آزار يمسك كفه مقبلًا إياه ومن ثم قبل رأسه يسترضيه، بينما الأخير لان في ثواني وكيف لا وهذا ابن عائش الحبيبة ونقطة ضعفه في هذه الحياة، رفع كفه يربت على كتفه، ثم نظر صوب إيفان الذي كان يجلس جوار دانيار يرحب به برأسه، لينهض له إيفان وهو يتحرك صوبه يميل عليه مقبلًا رأسه باحترام :
_ لا عاش من يغضب الملك آزار، مقامك كبير لدينا مولاي، لكن كما أخبرك سالار حدث كل شيء في ثواني ولم نعي إلا منذ ساعات قليلة حينما عادت زوجة أرسلان.
ابتسم له آزار وهو يربت على كتفه ينظر صوب دانيار والذي كان يراقبهم من بعيد :
– إلى ماذا تنظر أنت اقترب يا فتى لأرحب بك .
ابتسم له دانيار وهو يقترب منه بسرعة كبيرة يعانقه ليضحك آزار بصوت منخفض يربت على كتفه بحنان :
_ كيف حالك دانيار ؟!
_ الحمدلله بخير حال دامك كذلك جلالة الملك .
تنهد آزار وهو يتحرك مع الجميع صوب طاولة الاجتماعات يتحدث بجدية بعدما خلع معطفه واكتفي بزية المتكون من بنطال بني اللون قماشي وسترة بيضاء يرفع اكمامه:
_ إذن أخبروني ما حدث بالضبط وما فعل أرسلان، أخشى أن يكون قد قتل أحدهم اثناء بحثه عن زوجته .
نظر الجميع لبعضهم البعض وقد صعب عليهم وصف ما حدث فحتى هم لم يصدق أحدهم ما حدث حتى الآن..
لكن كان إيفان هو أول من تحدث وهو يضم كفيه على الطاولة متحدثًا بهدوء شديد :
_ في الحقيقة ردة فعل أرسلان هي المخيف في الأمر، فهو حتى الآن لم يصرخ ولم يغضب ولم يحطم عظام أحدهم ولم يسحب جيشه ويذهب ليحارب من يقف في طريقه كما كان يفعل في العادة حينما يجن جنونه .
هز سالار رأسه مبتسمًا بعدم تصديق :
– يبدو أن زوجته روضته بشكل لم نتوقعه حتى .
كان آزار يتابع ما يقال بعدم فهم، ومن ثم حينما انتهى الاثنان من أخباره ما حدث قال بعدم استيعاب :
_ لا افهم ما قيل، أرسلان لم يغضب لخطف زوجته ؟!
هز سالار رأسه، لينفخ آزار وهو يمسح وجهه :
_ هذا مرعب هدوء شياطينه مخيف أكثر من جنونها .
تحدث إيفان بغموض وهو يتذكر ما قصه له سالار منذ ثواني حول خطة أرسلان في الانتقام منهم :
– سيخيفك أكثر ما يخطط له أرسلان، لقد خرج أرسلان وعقله عن سيطرة المنطق وازال أي عوائق أو تعقل قد يمنعه عن تحقيق انتقامه منهم كما يريد ويتخيل ….
نظر له آزار بتفكير وقبل أن يضيف أحدهم كلمة فُتح الباب ليطل عليهم صاحب الرداء الاسود يلحقه المعتصم وهو يحمل حقيبة ظهر ويسير معه .
تحرك أرسلان للداخل وهو يبتسم بسمة غريبة غامضة يفتح ذراعيه لآزار :
_ العجوز آزار هنا في قصري، يالسعادتي ..
نهض آزار وهو يتحرك صوب أرسلان يعانقه مرحبًا به، ومن ثم ربت على ظهره متحدثًا باحترام شديد :
_ أنرت القصر بأكمله جلالة الملك .
بادله آزار العناق بمواساة وهو يدري ما يقبع داخل صدره في هذه اللحظة فأرسلان لطالما ذكره بنفسه في كل شيء .
_ بأهله أرسلان، عساك بخير وكذلك زوجتك بني .
_ بخير لا تقلق .
ختم حديثه يتحرك صوب إيفان الذي ابتسم له بحنان وهو يفتح له أحضانه يستقبله بها يضمه بحب اخوي شديد :
_ حمدًا لله على سلامتك يا عزيزي، سعيد لرؤيتك مشرق الوجه هكذا، الله وحده يعلم كم كنت أخشى أن ينالك سوء أثناء رحلة بحثك عن زوجتك .
ضحك أرسلان بخفة ضحكة صغيرة :
– لا تقلق فالعم سالار لم يكن يدعني أفعل شيئًا سيئًا، كنت أحسن التصرف، صحيح عم سالار ؟!
ختم حديثه بسخرية لاذعة مشيرًا لتصرفات سالار الحادة معه وهو يراقبه حتى لا يؤذي نفسه، بينما سالار هز رأسه وهو يقترب منه يمد يده يداعب خصلاته بمزاح وكأنه يلاعب صغير :
_ نعم إيفان كان أرسلان فتى جيد، أعتقد أنه يستحق حلوة كمكافأة له .
رفع أرسلان عيونه ببطء صوب خصلات شعره السوداء حيث تقبع يده سالار، ومن ثم نظر لسالار بشر ليطلق الأخير ضحكات مرتفعة وهو يبصر أرسلان يبعد يده بقوة ضاربًا إياها، ومن ثم مد يده صوب خصلاته الحمراء يبعثرها بضيق :
_ لا تمزح معي مثل هذا المزاح السخيف، لم تكن سنوات قليلة تلك التي تجعلك تنصب نفسك كبيرًا عليّ يا هذا .
– أكبر منك بيوم يعلم عنك بدهر أرسلان يا صغيري .
رفع أرسلان حاجبه ولم يكد يتحرك صوب سالار ليهجم عليه، حتى توقف إيفان بينهما بسرعة يمنع قتال وشيك رغم بسمته الواسعة التي كانت مرتسمة على فمه وهو يبصر روح أرسلان وقد رُدت إليه بعدما كان فاقدًا للحياة تقريبًا .
ليتأكد في هذه الحياة، أن روح أرسلان أضحت وبلا شك مرتبطة بها، فإن كانت هي كان هو، وإن غابت هي ضاع هو ….
_ وقت مستقطع رجاءً ودعونا نتحدث فيما جئنا لأجله.
نظر أرسلان نظرة شر أخيرة صوب سالار الذي ابتسم له بهدوء وجمود بعض الشيء، ثم تحرك ليجلس جوار الملك آزار وكذلك جلس الجميع كلٌ في مقعده .
لتحدث إيفان وهو يشير لدانيار :
_ طلبت أن أحضر دانيار معي .
رفعت أرسلان عيونه لدانيار ليدرك أنه لم يبصره من جاء، لذا نهض يرحب به مبتسمًا :
– اعذرني دانيار، لم ابصرك منذ جئت.
عانقه وبادله دانيار العناق مبتسمًا :
_ حمدالله على سلامة جلالة الملك مولاي .
– اشكرك دانيار للطفك، وشكرًا لتلبيتك الدعوة .
جلس مجددًا يشير لدانيار أن يجلس ثم تحدث بجدية :
_ تعلم دانيار أن لا أحد في الأربعة ممالك يضاهي مهارتك في رمي السهام صحيح ؟!
نظر له دانيار بعدم فهم ورغم ذلك ابتسم له بهدوء :
– لي الشرف بكلماتك مولاي .
أشار أرسلان صوب المعتصم والذى كان يجلس بهدوء شديد جانبه :
– احتاجك في رحلة سريعة لسبز رفقة المعتصم، ستؤمن ظهره أثناء إيصال رسالة لأصلان.
نظر له دانيار ثواني بعدم فهم ورغم ذلك هز رأسه بهدوء :
_ بالطبع مولاي، لي الشرف لأفعل، طالما يمكنني المساعدة فلن اتأخر.
ابتسم له أرسلان بامتنان ثم نظر صوب المعتصم وهو يتحدث بجدية :
– وأنت يا المعتصم ستكون رسولي لأصلان توصله رسالتي وترحل بهدوء وبسلام دون فعل شيء له .
لم يفهم المعتصم كثيرًا ورغم ذلك هز رأسه:
_ طالما أننا نعلم مكانه لماذا لا نهجم عليه ؟؟
_ ليس بهذه السهولة، دعنا نلاعبه قليلًا، فانتظار الموت يا المعتصم اسوء وأشد وطئًا من الموت نفسه .
تحدث إيفان وهو يحاول معرفة ما يدور داخل رأس أرسلان:
_ أي رسالة هذه ؟؟
اخرج أرسلان رسالة يحملها في جيب سترته يلقيها صوب المعتصم وهو يخبره أن يسلمها إلى اصلان .
بينما آزار تحدث بفضول شديد :
_ ما الذي كتبته في هذه الرسالة ؟!
عاد أرسلان بظهره على المقعد خلفه وهو يرفع كوب الماء يرتشف منه بهدوء شديد وبرود، قبل أن ترتسم بسمة على جانب شفتيه يهتف بنبرة سوداء وعيون غامضة :
_ لا استطيع اخبارك كي لا اخدش حياء الجالسين …….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظرت لنفسها في المرأة تتحسس الحجاب الذي وضعه أعلى رأسها مبتسمة، ليس لأجل الحجاب بل لأجل من ساعدها في ارتدائه .
فجأة سمعت صوت الحارس من خارج الجناح يستأذن لدخول الملكة كهرمان ورفيقتها .
خرجت سلمى من غرفة النوم الخاصة بها بسرعة كبيرة تتحرك صوب الجناح من الخارج حيث البهو تستقبل كهرمان بالاحضان، وقد هرولت لها كهرمان تستقبلها بين احضانها :
– سلمى عزيزتي، حمدًا لله على سلامتك، هل أنتِ بخير ؟!
تحدثت زمرد والتي كانت تقف خلفها تراقب ملامح سلمى جيدًا مشيرة لها بسخرية :
_ بخير ماذا يا ابنتي، انظري للفتاة، لا يوجد في وجهها موضع صفعة إضافية .
اقتربت من سلمى التي عقدت حاجبيها من تلك الغريبة، والتي لم تهتم بشيء وهي تمسك وجه سلمى بين يديها تديره يمينًا ويسارًا وهي تتأتأ بشفقة :
_ يا الله هذا سييء حقًا، تحتاج هذه الجروح لثلاث أسابيع على أقل تقدير لتُشفى .
ضربت سلمى كف زمرد مبعدة إياه عن وجهها وهي تحاول فهم من تلك الفتاة التي تتحدث بهذه الطريقة، تنظر لكهرمان تنتظر منها تفسيرًا عما يحدث لتبتسم لها الأخيرة وهي تشير صوب زمرد التي رمت سلمى بنظرات مخيفة :
_ اعذريها سلمى فزمرد لطالما كانت هكذا، على كلٍ هذه زمرد صديقتي وزوجة قائد الرماة في جيش سفيد .
حركت سلمى عيونها صوب زمرد التي كانت تضم يديها لصدرها بينما تولت كهرمان باقية التعريف :
_ وهذه هي سلمى زوجة أخي وملكة مشكى .
نظرت لها زمرد من أعلى لاسفل لترفع لها سلمى حاجبيها بسخرية وهي تضم ذراعيها لصدرها متحدثة بهدوء :
_ عساه خيرًا، ما سبب نظراتك تلك ؟؟
نظرت زمرد صوب كهرمان وهي تتحدث بجدية مستفزة سلمى :
_ أخوكِ هذا المرعب لم يجد سوى هذه الفتاة ليتزوج بها؟! نعم لم يكن هناك من سيتحمله، لكن ما كان عليه أن يلقي بنفسه بين أحضان هذه الـفتاة، هي لا تروق لي .
قلبت كهرمان عيونها بضيق من أفعال زمرد والتي تبدأ جميع صديقاتها بعداوة :
– زمرد نصف اصدقائنا لم يروقوا لكِ في البداية، المسكينة برلنت اصبتيها بالمرض حتى قبلتي الاعتراف بها صديقة، وتبارك كدتي تصيبيها بمرض نفسي وتؤدي بها للتوحد حتى تقبلتيها .
هزت لها زمرد رأسها:
– نعم لكن هذه مختلفة، هذه لا تروقني .
أشارت عليها سلمى وهي ترفع حاجبها باستهانة تردد بلاتينية متقنة ساخرة :
_ أخبريني مجددًا من هذه الحمقاء وما سبب وجودها هنا على أية حال ؟!
تشنجت ملامح زمرد وهي تنظر صوب كهرمان بشر تهمس لها بضيق :
_ ما الذي قالته تلك المرأة للتو ؟!
هزت كهرمان كتفها بعدم فهم :
– وما ادراني أنا ؟؟
نظرت زمرد صوب سلمى ثواني، ومن ثم اقتربت منها تراقبها من أعلى وأسفل، تميل عليها تهمس بشر وغضب وقد بدأ اللون الأسود يلوح أمامها بوضوح :
_ هل تريدين قتالًا يا امرأة ؟؟
تحركت كهرمان تجذب زمرد للخلف بسرعة فبمجرد أن يسير عقلها في طريق القتال لا تبصر أمامها حتى تحقق غايتها، وسلمى لا تبدو أكثر براءة منها وقد علمت الكثير عنها من أخيها، الفتاة تنظر لزمرد بتعابير أشبه بالمجرمين .
_ ما بكما يا ويلي، وأنا من ظننت أنكما ستكونان مقربتان ونسيت أن الاشباه تتنافر.
تشنجت ملامح سلمى وهي تنظر لزمرد التي تبذلها كهرمان لبعيد بصعوبة، بينما الأخيرة تحاول الإفلات منها والهجوم على سلمى التي كانت تضم ذراعيها لصدرها ببرود شديد تراقبها بكل استفزاز تمتلكه وكأنها تعامل أحد مرضها :
_ بالله عليك لا تشبهيني بهذه المريضة هنا، هي تشبه أكثر المجرمين الذين اعالجهم .
تحدثت زمرد وهي تصرخ بجنون تحاول الإفلات من بين قبضتي كهرمان :
_ والله لن تجدي طبيبًا يعالج ما سأتركه على وجهكِ فقط إن تركتني كهرمان .
جذبتها كهرمان وهي تهمس في أذنها :
_ زمرد بالله عليكِ توقفي أخي لن يرحمنا إن مس الفتاة خدشًا واحدًا والله سيُسقط القصر أعلى رؤوس من به .
أشارت زمرد صوب سلمى صارخة باستنكار :
– أي خدش يا ابنتي الفتاة لم يعد في وجهها مكانٍ لخدشٍ واحد، لذا لا تقلقي لن ينتبه لخدوشي بين كل هذه الخدوش .
ختمت حديثها تحت أنظار سلمى التي كانت تتابع ذلك كله بهدوء :
_ دعيها كهرمان فامثال هذه الفتاة مسدسات صوت لا أكثر.
نظرت كلٌ من كهرمان وزمرد لبعضهما البعض بعدم فهم، قبل أن تهمس لها زمرد :
– أشعر بأنها اهانتني للتو، ليتنا احضرنا تلك الغبية تبارك على الأقل كانت ترجمت لنا لغة المفسدة هذه .
_ سمعتك .
_ اسمعيني وهل تظنيني خائفة ؟؟
نفخت سلمى بضيق وهي تخلع حجابها وقد بدأت تشعر بالضيق تفرد خصلاتها تتحرك في المكان تجلس على الأريكة بهدوء وهي تشير لكهرمان بالقدوم :
_ دعيها كهرمان وتعالي هنا .
نظرت لها زمرد بسخرية وهي تدفع كهرمان جانبًا تتحرك صوبها بكل استفزاز، ثم جلست في المكان الذي أشارت به سلمى لكهرمان تضع قدم على الأخرى تحت أعين سلمى التي قلبتها بسخرية :
_ حمقاء .
_ سمعتك .
_ اسمعيني وهل تظنيني خائفة ؟؟
مسحت كهرمان وجهها وقد شعرت حقًا بفظاعة ما ارتكبت حينما أحضرت معها زمرد .
_ هيا يا فتيات دعونا نجلس جلسة نسائية ودية لطيفة، وزمرد أنا احضرتك لنخفف عن الفتاة وليس لنزيدها عليها و….
كانت تتحدث وهي تتحرك صوب سلمى مبتسمة تحاول إقناع زمرد بأن تخفف من وطأة ما تفعل على سلمى، لكن فجأة انتفضت سلمى بعدما تذكرت شيء مفاجئ حينما سمعت حديث كهرمان :
_ يا ويلي لقد نسيت .
نظرت لها كهرمان بعدم فهم لتتحرك سلمى بسرعة تلتقط حجابها وهي تردد :
_ رجاءً انتظروني لحين أعود، لن اتأخر سأحضر أحدهم واعود …
ختمت حديثها تتحرك بسرعة صوب باب الجناح تحت أعين الاثنتين المتعجبتين لما تفعل ..
أما عن سلمى فقد تحركت بسرعة صوب جهة محددة وهي تدعو الله أن تكون الصغيرة بخير ….
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثواني من الاستيعاب لم تكن كافية لتوبة كي تدرك ما يقصد هو، وهو لم يكن بالكريم ليمنحها أكثر من ثواني، إذ سارع ونهض من مكانه يخلع قفازاته يلقي بها جانبًا في سلة المهملات، يتحدث ببسمة صغيرة :
_ انتهينا لليوم سمو الأميرة.
ختم حديثه يتحرك بهدوء صوب الباب لتوققه هي دون أن تعلم ما يجب قوله حقًا :
_ مهلًا …
توقفت أقدامه واستدار لها ببطء شديد يطالعها بترقب وعدم فهم رغم سعادته الداخلية بطول لقائهما، وهي فقط ظلت تحدق به محاولة معرفة ما كانت تود قوله، لكن هي ثواني قبل أن تفقد كل ما كان من المقرر قوله .
_ نعم !؟
وقد كانت كلمته بمثابة دفعة صغيرة منه لها صوب ما تريد قوله، ولا يبدو أن تلك الدفعة كانت كافية إذ أنها ظلت صامتة مترددة فيما يجب قوله، ولم تجد بدًا من الحديث حينما شعرت بطول صمتها:
_ هل ….هل عاد ….الوليد ؟!
نظر لها بعدم فهم وهي رمقته بنفس النظرة وقد شعرت بالغباء وهي تحاول معرفة سبب ذلك السؤال وكيف خطر على بالها، إلا أنها أكملت جملتها وقد أبت التراجع :
_ لقد كان مختفيًا، فهل عاد ؟!
_ عفوًا ؟!
ويبدو أن الأدوار انقلبت إذ أن البلاهة أضحت من نصيب نزار الذي رمقها بعدم فهم متتظرًا أن تخبره ما تريد من الوليد وسبب اهتمامها به .
أما عنها فلم تدرك ما يقصد أو ما يدور برأسه وفقط أكملت ببساطة :
_ هل علمت أين كان الوليد ؟!
_ عفوًا وما سبب اهتمامك الشديد بمكان وليد سمو الأميرة ؟!
_ ما الذي تقصده بكلمة اهتمامي!! أنا لست مهتمة به بالطبع بقدر ما أود التأكد أنه لا يضمر السوء فما تفسيرك باختفائه الغريب هذا ؟!
ضيق عيونه عليها وهي تتحدث بينما توبة شعرت بالتوتر، لكنها اسكتت توترها حينما وجدت أنها تحسن صنيعًا في حجتها تلك .
أما عن نزار فقط نظر لها ثواني ثم قال ببساطة :
_ كان الوليد يستطلع بعض الأخبار في الجحر ليعلم ما آلت إليه الأمور .
_ وما الذي حدث ؟!
نظر لها ثواني ثم همس بهدوء شديد وهو يتحرك خارج المكان :
_ افضل الاحتفاظ بما حدث لنفسي .
ابتسمت بعدم تصديق وهي تتحرك صوبه بسرعة تحرك يديها في الهواء بسخرية :
_ تحتفظ بماذا لنفسك ؟! هل تمزح معي ؟؟ نحن لا نلعب هنا نزار و….
صمتتت ثواني قبل أن تضيق عيونها وهي تنظر له بشك غريب جعله يتحدث بتخمين :
_ نعم أدرك هذه النظرة التي ستخرجين بعدها كلمات كالسهام .
وقد صدق تخمينه واقتربت هي منه ترفع يديها في الهواء تقول ببسمة غير مصدقة :
_ هل ….هل تخدعني نزار ؟؟ لا تقل أنك تلعب من خلف ظهري وتحضر لمكيدة مع ذلك الوليد ؟! لا تقل أنك كل ذلك تخدعني وكان اختفاء الوليد مجرد غطاء لتصل لمبتغاك والذي ساعدتك أنا به كالحمقاء ويسرت لك بقائك داخل سبز دون أي مجهود منك حتى .
نظر لها نزار ثواني قبل أن يضرب كف بكف صارخًا بجنون وضيق من أفكارها المريبة :
_ ما بكِ يا امرأة صنعتي في ثواني مكيدة وقصة ذات حبكة متقنة فقط لأنني أخبرتك ألا تدخلي نفسك في هذه الأمور، كي اجنبك أي مشاكل ؟! ما بال عقلك أنتِ ؟!
رفع يده وقد كاد يضرب رأسها من الجانب، لولا أنها عادت برأسها للخلف بصدمة، وهو أوقف يده في آخر ثانية وقد أدرك في ثواني ما كاد يفعل يضغط على قبضه :
_ اذهبي للنوم رجاءً وتجبني السهر لساعات طويلة وتناولي بعض الخضروات التي تحتوي على العناصر الهامة لأجل سلامة عقلك سمو الأميرة .
ختم حديثه يتحرك تاركًا إياها تقف وحدها مصدومة في المكان فاغرة الفاه تحاول أن تدرك ما قاله منذ ثواني، وقبل خروجه بالكامل أوقفته تردد بصدمة :
_ هل اهنتني للتو نزار ؟!
توقفت أقدام نزار واستدار لها ببطء يزفر بضيق ولم يكد يتحدث بكلمة واحدة حتى، اقتربت منه تحرك يديها في الهواء تصيح بجنون :
_ إن كنت نسيت نفسك ونسيت مع من تتحدث فدعني اذكرك أنك تتحدث الآن مع ….
قاطعها نظرا وهو يحرك يديه في الهواء بجنون منها :
_ سمو الأميرة توبة ابنة الملك بارق وأميرة سبز، المرأة الحديدية والسيدة التي لا تُقهر وملكة جمال الممالك الأربعة، وماذا أيضًا هل هناك صفات أخرى تريدين إضافتها لقاموس صفاتك الذي احفظه عن ظهر قلب توبة ؟!
اتسعت عيون توبة وهي تفتح عيونها بصدمة من هجومه عليها تضم يديها التي كانت تشيح بها في وجهه منذ ثواني، تضمها لصدرها وهي تنظر له بحذر .
بينما هو ابتسم لها بسمة واسعة يقترب منها خطوات يتحدث بغيم :
_ أنتِ يا امرأة تحتاجين لمن يؤدبك من جديد، وكم أتوق لأكون هذا الشخص، من يدري لربما امنحك لقبًا اضافيًا تتفاخرين به أثناء رحلة تأديبك .
رمشت بعدم فهم وهي ما تزال تضم يديها لصدرها تراقبه بأعين مصدومة فابتسم غامزًا لها :
_ زوجتي ما رأيك ؟؟
شهقت توبة بصوت مرتفع وقد شعرت بقلبها يكاد يتوقف ولم تكد تتحدث كلمة واحدة حتى انتفض جسدها وكذلك جسد نزار حين ارتفع صوت تمتمات في الخلف جعلت الأجساد تتصنم بصدمة .
تنفست توبة بصعوبة وهي تهمس بصوت منخفض :
_ أبــــــــــــــي ؟؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحركت صوب باب الجناح الخاص بزوجها وهي ترهف السمع للطرق الذي بدأ يعلو منذ ثواني تحاول معرفة صاحب الطرق تهمس بصوت شبه مسموع :
_ هذا أنت يا المعتصم ؟!
لكن لم يصل لها أي إجابة من الطارق، لتشعر بالريبة وهي تتراجع وقد قررت ألا تجيب على الطارق، ولم تكد تبتعد خطوة واحدة عن الباب الخاص بالغرفة حتى سمعت صوت يعلو في المكان :
– هذه أنا سلمى يا فاطمة، بحثت عنكِ واخبروني أنكِ هنا جميلتي، هل أنتِ بخير ؟؟
ضيقت فاطمة ما بين حاجبيها تحاول أن تدرك هوية تلك السلمى، فقط كانت ثواني أخذتها ليضربها الإدراك سريعًا، ذكرى قريبة صغيرة ضربت عقلها لفتاة جميلة تضع لها زهرة في حجابها وتطرب سمعها بكلمات لطيفة، ومن ثم رفيقة لها داخل المشفى تعتني بها، ذكريات سريعة مرت على عقل فاطمة والتي فتحت الباب بسرعة مبتسمة تردد بسعادة :
– سلمى ؟؟
اتسعت بسمة سلمى وهي تفتح ذراعيها تردد بحب وحنان :
– حبيبتي الغالية اشتقت لكِ .
ألقت فاطمة نفسها بسرعة بين أحضان سلمى التي ضمتها بقوة وهي تربت عليها بحنان شديد تشكر ربها أنها بخير :
_ الحمدلله أنكِ بخير خفت أن أعود فاجدك تعانين من شيء .
ابتعدت عنها فاطمة وهي تنظر لها بحب شديد وقد كانت سلمى في هذه اللحظة تمثل الجزء الصغير الحنون في حياة فاطمة، ولم تكد تتحدث بكلمة حتى شهقت بصوت منخفض تراقب وجه سلمى المدمر :
– ماذا هذا ؟! من الذي فعل هذا بكِ ؟؟
رفعت سلمى يدها تتحسس وجهها تتنهد بصوت منخفض متعب :
– مجرد حادثة صغيرة عزيزتي لا تهتمي، سعيدة أنكِ بخير عزيزتي، إذن هل تريدين المجئ ومشاركتي والفتيات جلستنا ؟!
نظرت لها فاطمة بعدم فهم لتجذب سلمى يدها بهدوء شديد صوب جناحها وهي تردد بلطف :
_ تعالي سأعرفك بالجميع، أعتقد أنكِ ستحبين كهرمان كثيرًا، فهي في غاية اللطف مثلك تمامًا .
_ أنا لطيفة ؟؟
_ بل أنتِ اللطف فاطمة .
اتسعت بسمة فاطمة بقوة وقد سارت خلف سلمى دون نقاش أو اعتراض، بينما سلمى تحمد ربها أنها الآن بخير حال، وقد أصابها الرعب حينما تذكرتها وتذكرت الفترة التي تركتها بها خوفًا أن تكون حالتها قد تدهورت، ولم تدري ما يخفي سكون فاطمة الآن.
وصلت بفاطمة صوب غرفتها وبمجرد أن دخلتها حتى رفعت يدها تعرفها على الجميع :
_ انظري فاطمة هذه هي صديقتي كهرمان .
كانت تتحدث متجاهلة زمرد تجاهل تام وكأنها ليست موجودة، لكن الغريب أن ردًا لم يصدر من جهة زمرد أو حتى كهرمان التي كانت تقف جوار زمرد في شرفة سلمى ينظرن صوب مشهد أمامهن متسعتان الأعين بصدمة كبيرة مما يحدث أمامهما .
لم تفهم سلمى ما يحدث تنادي كهرمان، لكن فجأة توقفت كلمتها على باب شفتيها حين سمعت صوت سيوف عنيف يصدر من الاسفل، وكأن هناك حرب نشبت في الاسفل .
تحركت بسرعة صوب النافذة تكاد تقسم أن أحد أطراف تلك المعركة التي تدور في الاسفل هو زوجها بغض النظر عمن يحارب، فأرسلان لن يتخلى عن كونه طرفًا ثابتًا في جميع المعارك .
تحركت خلفها فاطمة والتي كانت تسير معها دون فهم لتتوسط النساء الأربعة الشرفة الكبيرة يراقبن ما يحدث، بينما سلمى تفتح عيونها بصدمة مما يفعل أرسلان، تتحدث بصوت منخفض :
_ هل هذا زوجك في الاسفل كهرمان والذي يكاد أرسلان يقطعه لجزيئات صغيرة ؟؟
_ للأسف الشديد نعم، هذا زوجي والآخر أخي…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحرك سيفه بقوة في الهواء وقبل أن يستوعب أحدهم ما يحدث كان جسده يندفع بقوة صوب إيفان يعطيه ضربة أدت لتراجع الأخير للخلف بقوة وهو يضغط على شفتيه يرفع عيونه صوب أرسلان الذي رفع يده بسرعة يلملم خصلاته السوداء في ربطة صغيرة في الخلف، ثم ابتسم بسمة واسعة مخيفة :
– دورك إيف …
ابتسم له إيفان بسمة صغيرة وقبل أن يتخذ أرسلان ردة فعل ثانية كان سيف إيفان يكاد يقسمه نصفين لولا أنه انحنى بسرعة كبيرة يراقب السيف يمر من أعلاه، يرفع حاجبه لإيفان :
_ حقًا ؟؟
_ نعم، حقًا .
وفي الاعلى كانت سلمى تتمسك بالشرفة برعب شديد وهي تكاد تقفز منها تشهق شهقات متتالية مرتعبة، كلما وجه إيفان ضربة صوب أرسلان، تضع يديها على فمها بخوف شديد :
_ يا لطيف زوجك يكاد يقتله كهرمان، هذا ليس تدريبًا، بل حرب .
استدار لها الجميع يصدمة كبيرة وقد تشنجت الملامح بعدم فهم لكلمات سلمى والتي لم تنتبه حتى لنظرات الفتيات اللواتي ينظرن لها بصدمة كبيرة، بينما فاطمة ولشدة الخوف الواضح على ملامح سلمى على زوجها، ظنت أن زوجها هو إيفان إذ كان إيفان هو الشخص الذي يدافع فقط وارسلان هو من يكاد يقطع رأسه لشدة ضرباته :
_ هذا مخيف، كيف يسمح لذلك الرجل أن يتعامل معه بهذه الطريقة أوليس زوجك هو نفسه ملك مشكى ؟؟ لماذا يسمع لذلك الرجل اللئم بتوجيه كل تلك الضربات له دون أن يتكلم ؟! أين المعتصم ليساعد الملك ؟!
صمتت ثم نظرت لسلمى التي كانت تراقب بصدمة متسعة الأعين :
_ هل أذهب وأخبر الحراس أن ذلك المتجبر الذي يعقد خصلاته للخلف يحاول قتل زوجك ؟!
استدار الجميع صوب فاطمة التي كانت تدافع في هذه اللحظة عن الطرف المظلوم في هذه الحرب _ من وجهة نظرها_ والذي كان هو نفسه إيفان.
ابتسمت زمرد بسخرية وهي تربت على فاطمة :
– عزيزتي زوجها هو نفسه المتجبر الذي يعقد خصلاته للخلف، الملك إيفان هو من يحتاج للمساعدة في هذه اللحظة، أين هو القائد سالار على أية حال ليتدخل قبل أن يقتل أحدهما الآخر ؟!
وعند سالار في هذه اللحظة كان يجلس أسفل شجرة بالقرب من ساحة التدريب يستظل بفروعها، وهو يحمل قطعة قماش ينظف بها سيفه بهدوء شديد دون أن يهم بالدماء التي تكاد تتناثر بعد ثواني، ولم يعطي اهتمامًا لأصوات السيوف التي تعلو جواره، وهو ينظف سيفه باهتمام شديد يتحدث للملك آزار الذي كان يناقشه في بعض الأمور الخاصة بالبلاد .
تحدث آزار بهدوء شديد وهو يتناول بعض الفاكهة بهدوء شديد :
– إذن هذا رأيك، زراعة القطن افضل من القمح في هذه الآونة ؟!
هز له سالار رأسه يحمل ما يفعل باهتمام :
– نعم هذا رأيي الشخصي وفي النهاية الرأي الأخير لك مولاي وللمختصين في هذه الأمور .
_ أنت تدرك أنني أثق بك أكثر من نفسي سالار .
ابتسم له سالار بحب، ورفع عيونه صوب القتال الذي كان يلعب به أرسلان دور المهاجم، بينما إيفان وبكل هدوءه يدافع فقط ويمنح أرسلان كامل الوقت ليخرج كل ما يعتمر صدره من غضب، إذ كان أكثر الناس معرفة به وبأنه يحترق في هذه اللحظة وبأن صبره على انتقامه، ما هو إلا مقدمات لجحيم سيجعلهم يتمنون لو أنه انتقم منهم بوقتها.
أما عن أرسلان فقد كانت اعينه مشتعلة بالغضب لا يبصر أمامه سوى خطته التي ستعيد حق زوجته، وقد شعر بالكسر داخله لم يبرأ بعد، ما تزال الكلمات التي كتبها في خطابه ترن داخل أذنه، رغم أن سلمى قصت عليه كل شيء إلا أن نيران رجولته تأبى الانطفاء قبل إحراق الجميع بلهيبها .
بدأ العرق يتصبب من الإثنين بعد وقت طويل في القتال دون توقف أو استسلام أحدهم، وقد شعر إيفان أن أرسلان لن يتوقف عن القتال إن لم يوقفه هو، لذا رفع سيفه بحركة سريعة يضرب سيف أرسلان مستغلًا حالة الغضب التي اعمته، يسقط سيفه ارضًا، ثم أسقط سيفه بجواره يردد بهدوء :
– يكفي قتالًا لليوم فأنا لا أود قضاء المتبقي من حياتي اقاتلك .
نظر له أرسلان ثواني وقد بدا أنه يحارب نفسه في هذه اللحظة، ينظر لسيفه دون كلمة واحدة، قبل أن يهز رأسه بشكل غريب ويتحرك بعيدًا عن الساحة تاركًا إيفان يراقبه بعدم فهم وسالار ينظر له بعين ضيقة، أما عن آزار فقد ردد بجدية شديدة :
– دعوه يتخبط قليلًا، فهو لن يهدأ الآن بأي شكل من الأشكال حتى وإن أدعى عكس ذلك ..
أبصر الجميع من الاعلى ما حدث لتشعر كهرمان بالوجع على أخيها، تدرك أن مايمر به في هذه اللحظة سببه الاول والأخير هو المرأة التي تقف جوارها تراقبه بحزن، والتي هي علاجه كذلك، لذا استدارت صوب الجميع تبتسم لهم بهدوء :
_ يبدو أن أخي سيأتي للراحة قليلًا، دعونا نخرج لتركه يرتاح .
ومن بعد هذه الكلمات أمسكت يد فاطمة والتي كانت لا تفهم شيء مما يحدث، تجذبها معها بلطف وكذلك زمرد تاركة سلمى ما تزال تثقف بالشرفة لا تعي ما يحدث سوى ما أبصرت من أرسلان في الاسفل .
ولم تعي إلا على صوت غلق الباب، نظرت صوب باب الجناح وهي تنظر له بتعجب تحاول إدراك ما حدث، ولم تكد تتحرك لتبحث عن الفتيات، حتى أبصرت أرسلان يدخل المكان بهيئة مدمرة وكأنه خرج من معركة حقيقة وليس مجرد تدريب، ولم تستوعب أنه بالفعل خرج لتوه من معركة مع ذاته قبل أن تكون مع إيفان.
نظر لها ثواني وهو يتنفس بصوت مرتفع، يغلق الباب بهدوء، ثم تقدم منها بتردد تحت عيونها وقد كانت لا تفهم شيئًا مما يحدث، اقترب منها أكثر حتى توقف أمامها يرفع كفه يتحسس جروحها التي كانت تملئ وجهها وكأنه بذلك يحافظ على شعلة غضبة موقدة .
يتحسسها بلطف يهمس لها بصوت منخفض :
_ تؤلمك ؟؟
شعرت بكل الوجع الذي يدور داخله في هذه اللحظة وقد أبصرت كل ذلك واضحًا داخل عيونه، لتشفق عليه هذا الحمل، تميل على كفه تجيبه بحنان :
_ لا أرسلان، لا تؤلمني .
ابتسم لها بسمة موجوعة وقد أبصرت ألمًا عميقًا داخل عيونه وهو يهمس بنبرة مذبوحة مكسورة :
– لكنه يؤلمني أنا سلمى .
تأوهت سلمى من كلماته، تبتلع ريقها تحاول الحديث بكلمة تخفف عن مقدار العذاب الذي تبصره في عيونه، وهو فقط يراقبها بعجز يريد أن يريح صدره أنهم لم يؤذوها للدرجة التي تقتله حيًا، لم يتمادوا لهذه الدرجة، يشفق أن يثقل عليها بهكذا سؤال لن يقبل أن يُوجه لزوجته ولو كان منه .
أما عنها كانت تبصر مقدار العذاب الذي يلتمع في عيونه لا تقدر على التحدث بكلمة، ولا تدرك ما يوجعه بهذا الشكل، غير مدركة أن أرسلان في هذه اللحظة كان في أشد حالاته انكسارًا ليهمس لها برجاء :
_ عانقيني سليمى ….
وكان له ما أراد إذ جذبته سلمى بلهفة وحنان شديد تضمه بقوة لها، وكأنها أم تستقبل ولدها بعد يوم دراسي شاق، تضم رأسه لها بحب شديد، بينما هو أخفض نصف جسده لها يضمها له يحاول التنفس بشكل طبيعي، وقد عجز عن نطق السؤال الذي يؤرقه مكتفيًا بهمسة متوعدة :
_ قسمًا برافع السموات سأذيقهم ضعف ما أذاقوكِ ولن اكتفي بالموت لهم سبيلًا للراحة سليمى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ساعات:
كان يراقب الجيوش تستعد لخطوته التالية، البسمة تشق وجهه، خطوته الاولى ورغم بساطتها يدري يقينًا أنها كانت مدوية وبقوة لأرسلان، انتصار بسيط وخطوة كبيرة صوب انتصار فشل به من سبقه .
لكن الآن ومع رجاله الأشداء وعقله الحربي والذي يدرك يقينًا كيف يفكر هؤلاء الملوك كان النصر بين قبضته، يحتاج فقط لأن يغلق أصابعه ويزيد من الضغط كي يحكم عليه ويضمنه بشكل كامل .
ومن بين أفكار أصلان المتلاطمة، سمع صوتًا خلفه لأحد الرجال يردد بنبرة قوية متعجبة ومصدومة :
– سيدي أبصر الرجال على حدود الغابة بعض الرجال يتحركون صوب الجحر ويبدو أنهم من مشكى .
استدار أصلان بتعجب صوب المتحدث ينظر له مطولًا وكأنه يسأله توضيحًا أكثر عما قال، لكن من أين له ذلك التوضيع وهو لا يدرك حتى ما يحدث وكيف وصل هؤلاء الأشخاص لهذه المسافة من الجحر .
تحرك أصلان مع الرجل بعيدًا عن الجيش الخاص به، يردد بعدم فهم وهو يتأكد من وضعية سيفه :
– رجال من مشكى يتحركون صوب المكان هنا ؟؟ وكيف بالتحديد علموا المكان؟! هل هم بضعة رجال أم جيش كامل ؟؟
سار خلفه الرجل خلفه بخطوات مسرعة وهو يتحدث بنبرة ثابتة رغم اهتزاز صدره من القلق فما يحدث يبدو كمكيدة واضحة :
_ أربعة رجال تحديدًا، وهذا ما يجعلني أشعر بوجود ريب ما، ولا أعلم كيف وصلوا لنا، وحسب آخر ما وصل لي فلا بد أنهم الآن على حدود الجحر، هل نتخلص منهم .
ضاقت عيون أصلان وقد ارتسمت بسمة غريبة لا تلائم الموقف بأي شكل من الأشكال على الموقف يتحدث بصوت غريب :
_ كما هو متوقع من أرسلان، لن ينتظر كثيرًا حتى يعود لي بردٍ، لا تفعل لهم شيئًا دعهم يمرون لننظر بما جاءوا .
تعجب الرجل من ردة فعله، لكن ما يدور بعقل أصلان صعب الوصول له، وما هي إلا ثواني وقد حشد الكثير من رجاله على بداية الجحر ينتظر وصول رجال أرسلان الذين اقتربوا بالفعل منه بثياب سوداء وكأنهم يقيمون حداد، وفي الحقيقة كان اللون الاسود هو الزي الرسمي لجيش مشكى واللون الأكثر شهرة في المملكة ومن هنا اكتسبت مشكى اسمها مشكى ( الاسود )، لتميز شعبها باللون الاسود في الملابس والأعلام.
اقترب الجيش الصغير والذي كان مكونًا من أربعة رجال فقط يقودهم المعتصم وهو يسير بينهم بملامح جامدة وعيون حادة يوجه النظرات صوب أصلان بشكل جعل الأخير يتحفز، وجعل رجاله يتململون في وقفتهم وقد بدأت أيديهم تتحرك صوب السيوف لولا يد أصلان الذي أشار لهم بالتوقف يراقب المعتصم حتى توقف أمامه يراقبه بهدوء شديد وبسمة صغيرة بدأت ترتسم على وجهه، يحرك عيونه باستهانة على أصلان ومن معه .
أما عن أصلان فكبت فضوله الشديد الذي كان يلح عليه لسؤاله عن كيفية معرفة الجحر .
لم يهتم المعتصم بما يدور في عيون المعتصم بل هبط عن حصانه بهدوء وقوة يتحرك صوب أصلان رافضًا التحدث معه وهو يجلس على حصانه، يقف أمامه وجهًا لوجه يرفض أن يحتمي بحصانه حتى .
كان المعتصم يضاهي أصلان طولًا، ليبتسم له الأخير رافعًا حاجبه وهو يحرك عيونه على المعتصم باستهانة :
_ المعتصم صحيح ؟! أنت قائد جيوش مشكى على حسب ما اتذكر صحيح يا صغير ؟؟
أما عن المعتصم فقط ابتسم بسمة صغيرة وهو يمد يده يخرج الخطاب الخاص الذي جاء به من مشكى يفتحه دون اهتمام بكلمات أصلان وهو يردد بصوت منخفض وصل للجميع :
_ دعك من أساليب الصغار هذه وتعامل كما الرجال و…. أوه آسف نسيت مهيتك واختلط الأمر عليّ، على كلٍ جئتك برسالة من ملك مشكى أوصلها وارحل .
ختم كلمتها يفتح الرسالة أمام أعين أصلان الذي أخفى كافة انفعالاته يظهر لا مبالاة يُحسد عليها وكأن المعتصم لا شيء أمامه، يضم يديه لصدره مبتسمًا بسمة مستصغره يشير له بعيونه أن يتحدث بما جاء لأجله، أما عن المعتصم، فلم يهتم بما يصدر منه وكأنه لا شيء وقد بدأ يقرأ الرسالة بكل هدوء ولأول مرة يطلع على ما بها وقد بدا أن أرسلان قد خطّ كل كلمة بها بغضب ساحق يظهر على احرفه:
” إلى أصلان؛ وريث الخنازير وولي عهد مدعيي الرجولة، تفردك بقيادة الخنازير ليس انتصارًا تتفاخر به، بل خزي تدفن به نفسك، تهدد وتسخر مني وأنت تعلم وأنا أعلم واسلافك جميعهم يعلمون من أكون، إن فاتتك رؤيتي في ساحات الحرب لأنشغالك بحصد محاصيل سبز سابقًا، فلا بأس امنحك الفرصة لتفعل، لكن هذه المرة كخصم وليس حليف، اجمع من استطعت من بقايا ذكورك وواجهني رجلًا لإنسان عديم الهوية في ساحات الحرب وتوقف عن الاختباء خلف النساء، وعلى ذكر النساء فلا تعتقد أن كلماتك الغبية التي ذكرتها في خطابك الأخير لي تعني شيء فأنا أكاد اقسم بالله الواحد الأحد، أن آثار ضربات زوجتي العزيزة ما تزال مطبوعة على وجه اتباعك …
توقف المعتصم عن قراءة الرسالة وهو يرفع عيونه يمررها على رجال أصلان والذين كان بعضهم يحمل علامات ضرب واضحة على وجهه، ليبتسم بسمة واسعة تحولت لضحكة خافتة يكمل قراءته :
” ولأجل ذلك، أرسلت لكم بعض الأعشاب سريعة المفعول، ليس لرحمتي بكم معاذ الله أن تأخذني بكم رحمة أو شفقة، بل لأنني لا أقبل أن ينال ذكورك شرف الاحتفاظ بذكرى من زوجتي ولو كانت تلك الذكرى ضربات، لذا إليك بعض الأعشاب مع تمنياتي بزوال آثار ضربات زوجتي قبل أن أعيد أنا رسمها على وجوهكم، وهذه المرة سأتكأد بنفسي ألا تزول إلا بتحلل أجسادكم”
ختم المعتصم كلماته وهو يخلع حقيبته يخرج منها حقيبة اصغر مليئة بالاعشاب، يلقيها على أصلان الذي تلقاها بجمود يغمض عيونه بغضب تاركًا الحقيبة تتدحرج ارضًا أسفل أقدامه، وقد استطاعت كلمات أرسلان أن تشعل غضبًا فشلت به كلمات المعتصم منذ دقائق .
أكمل المعتصم وهو ينظر له بطرف عيونه وهناك بسمة واسعة قد بدأت تخط على فمه :
” كان يمكنني إرسال رسالة بنفس طريقتك الغبية التي فعلتها سابقًا، لكنني لست جبانًا ألقى ما أريد بسهمٍ، رغم أنني أستطيع أن اثقب اجسادك ورجالك في هذه اللحظة وقد احطت الجحر بأكمله بجيشٍ من رماة السهام، فلا تفكرن حتى في إخراج سيفك، كما أنني كان يمكنني أن آتيك بجيوشٍ لا قبل لك بمواجهتهم وابيد شعبك عن بكرة أبيه، لكنني لا أقبل لكم ميتة هينة، وخاصة أنت لي معك قصاص وعهدٍ أخبرتك به زوجتي ووالله لن اخلفه ولو كان آخر ما أفعل، وتذكر جيدًا ما فعلته بزوجتي، كل تفصيلة صغيرة، ستحتاجها لتعلم ما ينتظرك، وأخيرًا لديك اسبوع تحدد به أين الملتقى ومتى، وإلا باغتك وشعبك بغارة تحيل المنازل رمادًا أعلى رؤوسكم كما سبق وفعلتم بأهل مشكى، واعتبر هذه الزيارة الصغيرة مجرد إشارة مني لما يمكنني فعله، ولا تحاول الهروب، فوالله لو هربت مع شعبك لأقاصي الأرض لوجدتك وأريتك من جحيمي ما لا يحتمله عقلك ”
مع كامل حبي وشوقي لرؤيتك :
الملك أرسلان.
وفي نفس اللحظة التي كان المعتصم يتلو عليهم خطاب أرسلان، كانت خطة أرسلان التي وضعها تُنفذ بحذافيرها وبكل هدوء بعيدًا عن أعين أصلان أو رجاله، خطة يقودها دانيار ومن تبقى معه من الرجال………
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
_ هل أنت بخير ؟!
استدار أرسلان صوب سلمى يبتسم لها بسمة صغيرة، يهز رأسه بهدوء شديد بينما الأخيرة اقتربت منه بتردد :
_ أرسلان.
ابتسم وهو يراقب السماء من شرفته باندماج كبير :
_ تدللي …
اتسعت بسمتها وقد خففت كلمته تلك من قلقها وهي تقترب منه تقف جوارها تحاول أن تجد مدخلًا لما تريد، ويبدو أن لحظات الشجاعة غادرتها حينما رأت نظراته تلك لها وقد خشت أن تفسد تلك اللحظة بينهما، لكنها في النهاية تحدثت :
_ هناك ما تريد التحدث عنه وتأبى ذلك، هل حدث شيء ؟؟
اطال لها أرسلان النظر وقد شعر أنه شفاف أمامها يراقب نظراتها وقد علم تمامًا ما تقصده، لكنه رغم ذلك رفض التصريح بما يدور بخلده، بل فقط تحدث بغموض واعين تلمع بنظرات غريبة وبسمة مرعبة ارتسمت على وجهه جعلتها تشعر بالرغبة :
_ وعدتك وعدًا سليمى، آن أوان تحقيقه حلوتي ………
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفى بوعده وتبقى الوعيد .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أسد مشكى)