روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت الثالث والعشرون

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الثالث والعشرون

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الثالثة والعشرون

أتت جيهان للمشفى ولكنها فوجئت بأحدى الممرضات وهي تأتي لها وتخبرها قائلة :
_ دكتور وجيه مستني حضرتك في مكتبه
تعجبت جيهان وقلقت ، فوجيه ليست عادته أن يتحدث معها بهذا الوقت المبكر من اليوم … لابد أن هناك شيء هام ، وعندما ذهبت له وجدته جالسا على مكتبه يتفحص جريدة يومية ، وعندما رآها أعطاها الجريدة دون مقدمات وقال :
_ أقري المكتوب ..
أخذت جيهان الجريدة وحينما وقعت عينيها على العنوان فغرت فاها من هول الصدمة .. ويبدو أن أكرم لم يأخذ الكثير من الوقت ليرد لها الضربة!.
مظهر الصدمة عليها جعل وجيه في حيرةً من أمرها، حتى تسائل بجدية :
_ قبل ما اكلم المحامي واخد أي إجراء قانوني ضد الصحفي اللي كتب الكلام ده عايز أعرف منك حقيقة علاقتك بأكرم حجازي !.
وقفت عينان جيهان بذهول على فقرة مكتوبة بالصحيفة وكانت .. ( ويبدو أن ظروف طارئة جعلت سيدة المجتمع المعروفة تغادر القصر الجنوبي المجهول التابع لحبيبها بعدما أتفقا على المساكنة وقضيا فترة أختفائهما الماضية معاً!!)
تمتمت جيهان الكلمة الاخيرة بنفضة اجتاحت أوصالها:
_ مساكنة ؟! … أنا أعمل كده ؟!
نظر لها وجيه وطرح عليها سؤالا بحدة :
_ أنتي كنتي قاعدة معاه في قصره برضاكي ومن غير أي صلة ما بينكم تديكي الحق في كده .. تسمي ده إيه ؟
التهب غضب جيهان أكثر وهتفت قائلة :
_ حتى أنت يا وجيه ؟!
تنفس وجيه محاولا السيطرة على نفسه كي لا يحتد معها :
_ أنا بتكلم بالعقل وبالمنطق يا جيهان ! .. والمنطق بيقول أن مافيش أي مسمى تاني يخليكي تقعدي معاه غير كده .. لكن معرفتي بيكي مخلتنيش أصدق أنك بالأخلاق دي!.
شحب وجه جيهان بوجود غصة متكورة بحلقها تقيدها عن شرح كافة التفاصيل التي بالأساس لم تبيض وجهها عن تلك الظنون التي تحوم بغموض حول فترة إقامتها بالقصر الجنوبي !.. فقالت بعصبية :
_ أنا هروحله وهعرف منه مين اللي ورا الخبر ده ولو اتأكدت أن هو ..
صمتت فجأة وانتظر وجيه أن تتابع تهديدها ولكنها لم تفعل، فنهض وقال :
_ أنا اللي هروحله وهعرف مين ورا الخبر ده بس عايز أفهم الأول سر علاقتك بيه عشان أقدر اتصرف صح.
ابتلعت جيهان ريقها بصعوبة ولم تقو على الاعتراف بحقيقة مشاعرها، نظرا لسابقتها مع وجيه وأنه سيعتبرها امرأة ساذجة مثيرة للشفقة تستعطف من البعض الأهتمام والحب !.
فقالت :
_ بعد ما عربيتي اتسرقت واحد من المجرمين كان عايز يعتدي عليا، بس الحمد لله ربنا نجدني منه وبعتلي ٦٠ شبح
ضيق وجيه عينيه بدهشة، حتى ابتسمت جيهان بمرارة وأشتياق عندما تذكرت أن تلك هي نظرتها الأولى للصغار فشرحت :
_ أقصد ٦٠ طفل .. اتلموا حواليه وضربوه لحد ما هرب منهم واخدوني للقصر الجنوبي .. ووقتها أكرم مكنش موجود ، وعيشت معاهم أجمل أيام عمري .. لحد ما وصل هو فجأة.
راقب وجيه عينان جيهان المتلمعة بالدموع والحنين وهي تتذكر تلك الأيام الماضية .. وتابعت :
_ مكنش قدامي حل غير أني اتنكر في شكل ولد من ضمن الولاد .. لإنه بيرفض يستقبل اي غريب في قصره خصوصا لو ست .. وعملت كده لحد ما الاقي طريقة ارجع بيها القاهرة.
شك وجيه فيما تقول وسأل:
_ ولما اتنكرتي في شكل ولد هو صدق لما شافك ؟!!
ابتسمت جيهان بصدق رغم دموعها وهي تتذكر عدة تفاصيل فائتة وأجمل لحظات مرت بعمرها وأجابت :
_ كان شاكك بس سابني .. وأول ما حد من قرايبه وصل هربت ورجعت معاه في عربيته.
شعر وجيه أن هناك الكثير لما تقوله جيهان فقال :
_ أظن بدأت أفهم سبب موقفه منك رغم أنه أنقذك من ورطة سرقة العربية .. مافيش راجل يحب أن ست تستغفله وتستغله حتى لو كانت ما تهموش.
وصمتت جيهان أمام جملته الأخيرة، وأكتفى وجيه بهذا القدر نظرا لإنها بحالة نفسية سيئة وقبل أن يتركها قال بلطف :
_ أبعدي أنتي وأنا هتصرف معاه ..
وشردت جيهان بجملته كثيرا، فالرجل يفهم ما يفكر فيه بني جنسه .. هل تلك اجابة مختصرة ومرادف لمَ يفعله أكرم ؟!.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
انهارت سمر وشعرت ببرودة أطرافها إثر معرفتها بحقيقة حالة أمجد، وذلك عندما ذهبت للطبيب المعالج المشرف الأول على حالته وصممت أن تعرف كل ما يخص حالة زوجها المرضية .. فنظر لها الطبيب ببعض الشفقة وقال بمواساة:
_ لازم تبقي قوية يا سمر .. وأحمدي ربنا أن ما جرلهوش حاجة الحادثة كانت بشعة ونسبة النجاة منها تكاد تكون منعدمة .. فقدان الذاكرة أهون بكتير من حاجات تانية مكنتيش هتقدري تواجهيها.
فهمت سمر ما يقصده الطبيب ومسحت عينيها من الدموع وهي تقول :
_ الحمد لله يا دكتور أنا راضية .. بس هو يقوم من تاني على رجليه بس.
تحدث الطبيب بصدق وأجاب :
_ الإصابة الأخطر كانت في المخ .. وإصابات جسمه مع الوقت والعلاج الطبيعي بإذن الله هتشفى مهما طالت المدة، أنما مش عايز اديلك أمل كداب وأقولك أن ذاكرته ممكن ترجع … أمجد اصابته كانت خطيرة جدًا وفضل ساعات في أوضة العمليات بين الحيا والموت .. بالنسبالي كدكتور أن انقاذه من الموت أفضل مليون مرة من فقدان ذاكرته.
فقالت سمر برضا :
_ عندك حق يا دكتور .. هو بالنسبالي وجوده قدامي أهم من أي حاجة تانية .. حتى لو مافتكرنيش.
حذرها الطبيب وأكد:
_ متحاوليش تضغطي عليه الفترة دي وتفكريه بأي شيء ، هو لسه بيفوق ببطء وحالته لسه تحت المراقبة فمش عايزين تأثيرات سلبيه عليه .. عامليه كأنك غريبة عنه.
صمتتسمر وأثر الجملة الاخيرة كان مؤلما عليها، حتى أنها بكت بحرقة بعدما انصرف الطبيب المعالج وذهب لمتابعة عمله مع مرضى آخرين .. ونظرت للغرفة بألم شديد ودموع، وعندما كادت أن تدخل تذكرت ملاحظة الطبيب لها فتراجعت خطوتين بحيرة وحزن .. وجلست على المقاعد المعدنية تفكر كيف تراه دون أن يسبب رؤيتها له أي أثارا سلبية عليه .. وانقذها فكرها وأتى لها بحيلة مثمرة وسرعان ما ذهبت لاحدى الغرف الخاصة بالممرضات التي كانت تستعملها وتتشاركها من قبل مع زميلاتها في العمل وقررت استئناف عملها كممرضة مرةً أخرى … ولكن ممرضة لمريضا واحد فقط.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
واستيقظت فرحة بهذا اليوم متأخرًا، وعندما فتحت عينيها شعرت بأن الرؤية أمامها ضبابية بعض الشيء ودوار خفيف يضرب رأسها، ولكن ما صدمها هي تلك المنشفة الصغيرة المبللة بالماء والملتصقة بجبينها كأنها مرت بحالة حمى بالساعات الفائتة.
اعتدلت فرحة بفراشها وهنا تأكدت أنها منذ أن خرجت من مياه البحر بالأمس عندما كانت تظن أن زايد يغرق بجوف المياه واسرعت لإنقاذه وهي حتى لا تعرف كيف تسبح وهي مريضة !
شعرت بثقل شديد بجسدها وعادت مستلقية على الفراش وهي تتنهد وتنظر حولها بتمعن .. ولحظتها دخل زايد بصينية طعام يبدو من رائحتة أنه لذيذ جدًا وشهي ومعد بمهارة … نظر لها مبتسما ببهجة ووضع الصينية على منضدة قريبة .. ثم جلس قربها وجذبها من ذراعها لتعتدل وترتمي بين ذراعيه معانقا اياها في ضمة شديدة الدفء … وهمس :
_ عيشتيني في خوف الكام ساعة اللي فاتوا .. حرارتك ارتفعت فجأة وتوهتي في حمى، جبتلك دكتور الفجر وبقيت زي المجنون من الخوف عليكي ..
ابتعدت فرحة قليلا ونظرت لعينيه القريبة بدهشة، وظلت هكذا للحظات صامتة وناظرة له بدقة كأنها تتعرف عليه للمرة المليون من جديد .. وجها آخر وشخصية شديدة اللطف والدفء يستطيع من خلالها سلب قلبها بلحظة .. ابتسمت لا إراديا وقالت ببلاهة :
_ كان نفسي أشوفك وأنت خايف عليا بالشكل ده.
تعمقت نظرة زايد بعينيها قائلًا بمنتهى الصدق والحب دون أن يجاهد في إخفاء ما بداخله واصابعه تتخلل اصابعها في تشابك رقيق :
_ ما تسبنيش لوحدي يا فرحة .. أنا ببقى لوحدي من غيرك، لكن معاكي ببقى مكتفي بيكي ومش محتاج مخلوق .. جربي تصدقيني وتديني فرصة أخيرة.
تطلعت فيه فرحة وحاولت أن تخبره لأول مرة أنها تصدقه وتريد أن تبقى .. ولكن قطع حديثهما أتصال هاتفي، تعجبت فرحة لوهلة عندما تركها زايد ونهض ليرد على الهاتف وبدا عليه الضيق والعصبية .. ولكنه تفاجأ بأن المتصل هو شقيقه الصغير فادي ، وهو الوحيد الذي لديه هذا الرقم الخاص للشاليه … رد زايد على الإتصال ليتفاجأ بأن فادي تقريبا يبك ويقول :
_ أنت فين يا زايد ؟
تسمر زايد للحظة ثم رد بحدة متسائلا بقلق :
_ مالك يا فادي في ايه ؟!
رد فادي بصوتٍ مرتعش من البكاء :
_ بابا تعب ووقع فجأة ونقلناه المستشفى .. كان كويس والله معرفش ايه اللي حصله، المهم دلوقتي أنه عايز يشوفك ضروري ومحدش يعرف مكانك غيري.
شحب وجه زايد وجف ريقه من الصدمة، فنهضت فرحة تسأله بقلق :
_ في ايه يا زايد ؟!
نظر لها زايد بكسرة وخوف وقال ببطء :
_ أبويا في المستشفى و…
وسكت زايد بنظرة تائهة خائفة من الفقدان فربتت فرحة على يده بقوة وقالت :
_ هيبقى كويس بإذن الله .. جهز نفسك عشان هنسافر دلوقتي.
قال لها بقلق :
_ بس أنتي تعبانة .. !
صممت فرحة وهي تفتح حقيبة ملابس صغيرة قد أحضرها لها مع ملابسه الجديدة وقالت :
_ لأ بقيت كويسة الحمد لله .. يلا جهز نفسك عشان ما نتأخرش.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دخلت سمر غرفة أمجد وهي ترتدي زي الممرضات حتى أوقفتها صديقتها منى قائلة بنظرة تعجب :
_ أنتي هترجعي الشغل وأنتي في الحالة دي يا سمر؟!.
أجابت سمر وعينيها على الممدد على فراشه وعينيه المرهقة من المرض تنظر أمامه في يأس وتيهة بعدما استعاد وعيه واستفاق كليًا:
_ هفهمك بعدين .. وعموما أنا اتصلت بدكتور وجيه واستأذنت منه افضل جنب جوزي في العناية .. بس كأنني ممرضة.
لوهلة لم تفهم منى معنى ما تقصده صديقتها سمر، ولكن عندما تركتها سمر وفكرت منى قليلا بدأت تفهم ما يحدث .. خصيصا عندما تذكرت ما قاله الطبيب المشرف على حالة ” الدكتور أمجد ” وفقدانه للذاكرة وتشوش ذاكرته بالكامل بتلك المرحلة .. تنهدت منى واشفقت على صديقتها المسكينة سمر التي يركض الشقاء خلفها خطوة بخطوة !.
بينما اقتربت سمر لأمجد الذي حينما رآها أجفل بعينيه في غرابة وهو تقريبا معظم جسده مغطى بالشاش والجبيرة البيضاء بسبب الإصابات والكسور .. حاولت سمر أن تبتسم له وقالت بصوتٍ مبحوح :
_ حمد الله على سلامتك.
نظر لها أمجد بنظرة طويلة ثم ذهب بنظرته لجهة أخرى دون أن يجيبها وكأنه يريد لو يتركه الجميع وشأنه وتيهة نفسه وأفكاره .. تجاهلت سمر صمته وابتسمت رغما عنها وهي تتظاهر بقراءة تقريره اليومي المعلق على أطراف سريره الطبي وقالت بتفائل :
_ لا ده أحنا اتحسنا خالص وقريب هتخرج من المستشفى على خير بإذن الله.
اغمض أمجد عينيه ولم يجيبها أيضا، نظرت له سمر بألم واعتقدت أنه يرفض الحديث معها ويتظاهر بالنوم ، فتركت لدموعها العنان بينما فتح أمجد عينيه فجأة وظل ينظر لها في حيرة … وتفاجئت للحظة وحاولت أن لا تقلقه نحوها فابتسمت وهي تمسح عينيها وقالت :
_ حاجة دخلت في عيني معلش .. عموما أنا هفضل هنا لو احتجت حاجة .. دكتور وجيه مدير المستشفى بعتني ليك مخصوص.
وتمنت أن يطرح الاسئلة ويتحدث، ولكنه بحالة غريبة من الصمت والنظرات التائهة الضائعة كأنه فقد شيء ثمين ويحاول البحث عنه ولا يعنيه من حوله .. جلست سمر بجانب فراشه على مقعد وعينيها ظلت مثبته عليه متفهة أي شعور مؤلم يدور بداخله الآن وعشرات الاسئلة التي تقف أمام عينيه تصرخ مطالبة بالإجابة!.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بعد ساعاتٍ من طريق العودة للقاهرة ..
وقفت سيارة زايد أمام بوابة المشفى الكبير الذي قد تم نقل والده فيه .. ولحظات وكان زايد وفرحة يقفان مع الجميع أمام أحدى غرف العناية المركزة ..
وبمجرد أن لمح فادي شقيفه زايد ركض نحوه واترمى بين ذراعيه باكيا وخائفا كالطفل الصغير، فربت على كتفه زايد برفق وقال :
_ ما تقلقش هيبقى بخير أن شاء الله.
نظرت نوران لهم في احتقار وعادت تنظر أمامها في ثبات ودون أي مظاهر للحزن على ما يحدث لزوجها !.
تلك كانت ملاحظة فرحة بنظرة سريعة وعادت تشد على ذراع زايد قائلة بتأكيد :
_ متخافش كله هيبقى تمام والله.
كلمات بسيطة ولكنها دعمته نفسيا بحق فأسند ظهره على الحائط وظل يدعو لوالده للحظات .. وعندما خرج الطبيب أعلن عن إصابة والد زايد بعدة جلطات منتشرة بجسده وقد سببت مضاعفات خطيرة بحالتة الصحية التي اهملها بالآونة الاخيرة .. لم يكن حديث الطبيب مطمئنا ، بل جعل فادي يجهش من البكاء، وتلقي زايد الصدمة في حالة من الصمت الظاهري فقط .. ونوران كان بكائها مفتعلا زائفا وواضحا للعيان لم يتأثر به حتى الغرباء حولهم !.
نظرت فرحة لتجمد زايد والخوف الذي التهب بعينيه رغم ثباته الظاهري، وسرعان ما وضعت يدها على كتفه داعمة :
_ والله ما تقلق ، أنا كنت بشتغل في مستشفى وعندي خلفية شوية عن الحالات دي، هيبقى كويس بإذن الله وهيقوم بالسلامة وبكرا تشوف..
وضمته فرحة وهي تتحدث وتطمئنه بينما تمنى زايد من كل قلبه أن لا تدخل نيران الفقد حياته من جديد وحاول أن يبدو أكثر ثباتا وقوة حتى لا ينهار شقيقه أكثر من ذلك ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أخذ وجيه عنوان منزل ” أكرم حجازي ” من محاميه الخاص وتوجه مباشرةً نحو العنوان دون تردد.
بينما كان يجلس أكرم في غرفته المظلمة عدا نور مصباح صغير بعيدًا عنه وبالكاد يكسر تلك الظلمة بعض الشيء .. يجلس وحيدا وحزينا أكثر مما كان عليه بالشهور الماضية.
لم يصدق أنه سيعود للصغار بدونها، ولم يتخيل أنه سيستطيع البقاء بذلك القصر التي ملئته بالذكريات واللحظات الدافئة بينهما ! .. كل شيء سيذكره بها !
وحتى وأن ذهب لمكانً آخر هناك قلبه الذي لم يكف عن السؤال عنها !
ماذا يفعل ؟!
تنهد أكرم بهما ثقيل حتى انتبه لنقر على باب غرفته، وعندما سمح بالدخول وجد أحد الخدم يخبره بوجود رجل يطلب مقابلته بشكل هام ! .. سأله أكرم بعصبية :
_ مين ده ؟! .. أنا مش عايز أقابل حد !.
رد الخادم وقال بتوتر :
_ هو قال أنه الدكتور وجيه ..
انتفض أكرم من مكانه وتملّك منه الغضب بمجرد سماعه ذلك الاسم ! .. كيف يجرؤ ويأت إلى هنا؟!
ولحظات بسيطة وكان أكرم يقف أمامه بالردهة الواسعة بقصره ولم يكترث كثيرا لحسن الضيافة وهو يجمد حضور وجيه عند المدخل ليس اكثر !
وقال له بنظرة نارية كأنه يستعد لبدء معركة ضارية :
_ عايز إيه ؟!
دهش وجيه للحظات من عدائية هذا الرجل له دون أسباب مقنعة وتجاهل سوء خلقه مجيبا وهو يوجه له صفحة الجريدة المليئة بأخباره :
_ الخبر ده أنت المسؤول عنه ؟!
نظر أكرم للجريدة وقرأ سريعا العنوان العريض للمقال الساذج ثم نظر لوجيه بكراهية وقال بعصبيةٍ:
_ أنا يوم ما هرد مش هيكون بخبر عبيط زي ده مش هيفيدني بحاجة .. لما أحب أخد حقي هأخده بإيدي ومحدش هيقدر ساعتها يقف قصادي ..
شعر وجيه أن هذا الرجل يتخذه خصما وعدوا لدود ولم يفهم لمَ، فقال له بتحذير صريح حاسما :
_ هعتبر إنك صادق رغم إني مش فاهم بقية كلامك وتقصد بيه ايه بالضبط .. لكن اللي يهمني في كل ده هي جيهان ، ومش هسمح لمخلوق يأذيها مهما كان هو مين .. واللي هيفكر بس يقربلها مايلومش غير نفسه.
احمرت عينان أكرم بعدائية وعنف شديد، ووقف أمامه وجيه متحديا أي رد فعل منه .. بينما أتى خالد شقيق أكرم راكضا قبل أن يحدث أي شجار بينهما مثلما ظهر على أكرم أنه يستعد لذلك .. وقال وهو يجذب شقيقه بقوة :
_ الحقني يا اكرم في مصيبة هتحصل ..
لم يكترث له أكرم كثيرا وظل ناظرا لوجيه بشراسة، ولكن خالد استطاع بأعجوبة ابعاد أكرم عن وجيه وتجنب وقوع كارثة حتمية …
ونظر له وجيه بتحدٍ رغم عشرات الاسئلة بداخله وحينما ابتعد أكرم من أمامه خرج وجيه من هذا المنزل وعاد بطريقه للمحامي.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وقف أكرم متسائلا بعصبية :
_ مصيبة ايه اللي هتحصل ؟!
تنهد خالد بارتياح وجلس وهو يبتسم لشقيقه واجاب :
_ الحمد لله محصلتش وربنا ستر.
لم يفهم أكرم شيء وصاح بشقيقه :
_ تقصد ايه ؟!
تحدث خالد بلطف :
_ المصيبة اللي كنت هتوقع نفسك فيها ، انا راقبتك بمجرد دخول دكتور وجيه وكنت خايف من رد فعلك لأني عارف موقفك منه ايه ، بس انت يا أكرم مش عارف ده يبقى مين؟!
يعني أي مشكلة معاه هتبقى فعلا مصيبة وأنت مش ناقص مشاكل !!.
أغتاظ أكرم منه وأحمرت عينيه من الغضب:
_ يعني كدبت عليا عشان تبعدني عنه؟! أنت فاكرني جبان وخايف منه ؟!
وقف خالد أمامه وقال بصدق :
_ أنت لا جبان ولا خايف منه، أنت الغضب ماليك وبعدين ماتلومنيش أني بقيت بخاف عليك ! .. مافيهاش حاجة لو كنت الاول بكرهك ودلوقتي بقيت بحبك وبقيت بطمن بوجودك ومش عايزك في مشاكل ! … ما تنساش يا أكرم إننا في الآخر أخوات ومن دم واحد !.
تفاجأ أكرم من حديث شقيقه بتلك اللغة الجديدة بينهما وارتبك للحظات .. حتى ابتسم خالد وهو يربت على كتفه وقال :
_ أنا مش هستأذنك عشان احميك من نفسك .. وأنت لو مكاني كنت عملت كده وأكتر .. وارجوك فكر في كلامي كويس ،مشاكلك مع طليقها مش هيخليها ترجعلك ! .. مش ده الحل يا أكرم !
ولا ده الشخص اللي ينفع تدخل معاه في مشاكل اصلًا ..
التهمت النيران قلب أكرم أكثر، أذا كان الغريب يره هكذا، فماذا عن جيهان التي كانت زوجة ذلك الرجل بيوم من الأيام ؟!
ليس غريب أنها تستخدم كل الاساليب لتعود اليه!.
سرى الغضب بداخله ولم يهدئه حديث شقيقه بل جعله يثور أكثر ويجن جنونه !.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبعد ساعاتٍ أتى وقت الزيارة وقرر زايد أن يدخل ليرى والده بمفرده .. ورغم اعتراض نوران وفادي ولكن زايد صمم على ذلك دون الحاجة لموافقة أحد ..
وبداخل الغرفة الطبية دخل زايد ليجد والده متصلة الأجهزة الطبية بجسده الشبه عارِ وينظر له بإعياء ووهن .. اقترب زايد منه وقال برفق :
_ الدكتور طمني ما تقلقش
نظر ممدوح لأبنه بحسرة وقال بعتاب:
_ قررت تمشي من الفيلا وتسيبني ؟ .. أنا عرفت من السكرتير بتاعك أنك بترتب البيت اللي اشتريته عشان هتسكن فيه أنت ومراتك .. كنت فاكرك بس اشتريته تقضي فيه اجازاتك ..
غضب زايد من افصاح سكرتيره بهذا الأمر، ولكن قال لوالده بصدق وهدوء :
_ أنا حتى لو سيبت الفيلا مكنتش هيسبك .. وأنت عارف أني لازم أبعد مراتي عن جو الفيلا واللي موجودين هناك ..
رد ممدوح بعصبية وهو يتحدث بصعوبة :
_ أنا طردت هيثم من الشركة بمجرد ما مسكت عليه غلطة ، ولو صبرت عليا كنت هعمل كده من البيت كمان ، انا عارف موقفك منه بعد اللي عمله في فرحك .. بس صدقني يابني أنا بكرهه اكتر منك وكنت هعاقبه بطريقتي .. ما هو مش معقول حد هيأذي أبني وهسكتله !.
ربت زايد على كتف ابيه بلطف وقال :
_ قوم بس أنت بالسلامة وبعدين نشوف الموضوع ده ، لو عايزني ارجع الفيلا صحيح يبقى تخف بسرعة وتفرحني …
ابتسم والده بأمل :
_ يعني هترجع في قرارك ؟
ابتلع زايد ريقه بصعوبة ولم يستطع التعهد بهذا الامر، وتدخلت فرحة بعدما دخلت منذ لحظات دون أن ينتبه احد وقالت :
_ اكيد طبعا يا بابا مش هنسيبك ..
نظر زايد لها سريعا بحدة، بينما ابتسم ممدوح لها وقال معتذرا :
_ كنت فاهمك غلط .. حقك عليا يابنتي.
ابتسمت فرحة بلطف وهي تقترب منهما وقالت :
_ ما تعتذرش أنت مغلطتش في حاجة .. اللي يهمنا كلنا دلوقتي إننا نشوفك بخير.
وبعد دقائق دخلت نوران مع فادي وهي ترمق كلا من فرحة وزايد بكراهية وحقد، وأخذ زايد فرحة من يدها وأنسحب من الغرفة .. وبالممر الخارجي أوقفها بعصبية قائلا :
_ أنا قولت عايز أبقى لوحدي دخلتي ليه ؟!
وبعدين أزاي تقرري عني قرار زي ده ؟! .. أنا مش عايز أقعد في الفيلا و…
وضعت فرحة يدها على فمه كي تكتم صوته المرتفع ، ثم قالت بغيظ منه :
_ بذمتك ده مكان نتكلم وتزعق فيه ؟! .. وبعدين أنت شايف أبوك تعبان وفي حالته دي الحاجة الوحيدة اللي محتاجها هي اننا نكون جانبه .. مش نقهره ونبعد !
أنزل زايد يدها وقال بحدة :
_ مش هبقى مطمن عليكي وانا سايبك مع مرات أبويا وأبنها .. خلينا نبعد يا فرحة .. وأبويا هيزعل شوية وهيتعود.
ضيقت فرحة عينيها بتهديد وقالت :
_ لا مرات أبوك ولا ابنها ولا مليون زيهم يخوفوني ؟! .. ولو شاكك فيا سيبني معاها كام يوم وشوف هجبلها كام جلطة ! .. أنا في كيد النسوان معنديش يمه ارحميني !.
نظر لها لثوان ولم يكن سبيلا أمامه غير أن يبتسم ثم قال :
_ أنا عارف ومتأكد أنك مستفزة وعنيدة .. بس برضه مقدرش أسيبك كل يوم معاهم لوحدك.
قالت فرحة باقتراح خبيث :
_ وليه تسيبني لوحدي ؟! .. ما انا هبقى سكرتيرتك برضه ، ولا أنت كنت هتجيب حد مكاني !
سألته بعصبية، فضيق زايد عينيه بمكر وقال :
_ انا في الأساس عندي سكرتير مكنتش محتاج لسكرتيرة ، مكانك أنا وجدتهولك عشان تبقي جانبي .. مش عشان محتاج لسكرتيرة!.
اخفت فرحة ابتسامتها وقالت بجدية :
_ ولسه عايزني جانبك ؟
رد بمراوغة :
_ هفكر ..
تمتمت فرحة بشيء من غيظها وراقبها زايد بابتسامة رغم ما يثقل قلبه من هموم وأحزان وقلق ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أظلم الليل صفحة السماء وغابت الشمس كليًا للقاءً قريب.
ومع نسمات الهواء وأنتهاء مرور الأطباء لهذا اليوم .. تعهدت سمر لزملائها الممرضات بالعناية التامة لأمجد .. وتركها معه بمفردهما أقلا بتلك الساعات الهادئة من الليل .. لتبدأ خطة التواصل معه والتعرف عليه من جديد.
وكان أمجد تائها بغفوة عميقة لعدة ساعات، وكانت سمر تراقب غفوته وتمتمته بكلمات متقطعة غير مفهومة أثناء نومه .. وعندما تألم من إصابات جسده اقتربت منه سريعا وتأكدت أنه يتألم حتى أثناء نومه .. اطرفت عينيها بدمعة وشعرت بغصة مؤلمة بقلبها ثم اقتربت منه وقبلّت رأسه برقة شديدة وحميمية وهي تهمس بحزن شديد ..
وعندما ابتعدت صدمت بعينيه المفتوحتان بدهشة من قربها له ! .. ابتلعت سمر ريقها بارتباك شديد وهي تنظر لعينيه القريبة بعمق وتوتر .. بينما كان أمجد ينظر لها بنظرة غريبة مليئة بالأسئلة … ابتعدت سمر بنفضة سريعة وحاولت أن تبدو أكثر ثباتا … وحدثته دون أن تنظر له :
_ الدكتور طمني عليك الحمد لله وحالتك بتتحسن .. لو محتاج حاجة أنا هنا.
وجمدها سؤاله المفاجئ وصوته الذي خرج قويا رغم الوهن الذي يبدو عليه :
_ أنتي مين ؟!
سمرها سؤاله للحظات واستدارت له ببطء قائلة :
_ أنا سمر .. ممرضة.
نظراته الغامضة تقول أنه لم يقتنع بإجابتها كثيرا .. وظلت عينيه تنظران لها طويلا ولاحظت سمر وكأنه يكافح محاول التذكر أين رآها من قبل ؟!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
ظلت جيهان بمكتبها منذ أن رأت الجريدة وصدمت بالمنشور فيها، حتى أتت لها احدى الممرضات وأخبرتها :
_ يا مدام جيهان .. المريض اللي سأل عن حضرتك قبل كده رجع تاني ، بس رجع وايده فيها جرح كبير ومصمم يتحجز في المستشفى رغم أن الجرح مش محتاج اكتر من خياطة بسيطة !
توترت جيهان وبدا وجهها شاحبا بعنف ، وقالت :
_ هو قال حاجة ..سأل عني تاني يعني ؟!
أجابت الممرضة :
_ الصراحة لأ .. بس حبيت أقول لحضرتك والفت نظرك.
حذرت جيهان الممرضة وقالت :
_ ما تجبيش سيرة لحد بالمريض ده ولا حتى دكتور وجيه أنتي فاهمة ؟
وافقت الممرضة ولم تكترث للأمر كثيرا ثم خرجت من المكتب بهدوء .. فانفعلت جيهان وقالت :
_ لا مش ههرب تاني يا أكرم ومش هخاف منك ومن تصرفاتك .. لما أشوف عايز توصل لايه بعد اللي عملته !.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
حجز أكرم لنفسه غرفة بالمشفى الخاص التابع لوجيه الزيان .. تحدٍ واضح لكلاهما هذه المرة … وكأنه يخبره أنه اتى لعنده ويفعل ما يستطيع !.
نظر ليده الملفوفة بالشاش الأبيض ثم نظر للباب وقرر الذهاب لمكتبها .. فهو قد سأل بمراوغة احدى الممرضات وعرف منها أن جيهان لا زالت بالمشفى وبمكتبها خصيصا .. وأن وجيه خرج منذ ساعات وقد أنهى جميع مهامه الطبية لهذا اليوم بالمشفى .. إذن الفرصة سانحة لمقابلتها.
توجه أكرم نحو نافذة الغرفة الزجاجية المطلة على الشارع الرئيسي شرد لبعض الوقت .. حتى لمح جيهان وهي تخرج من المشفى وتجلس بسيارتها .. ففتح زجاج النافذة وقابلها الاصوات المزعج للطريق .. وانتبهت لنظراته جيهان عندما قررت أن تنظر جانبا للمبنى ..
ونظر لبعضهما لبعض الوقت ولدهشته لاحظ أنها خرجت من السيارة وعادت للمشفى من جديد.
فابتسم بسخرية وعاد لداخل الغرفة …
وبينما كانت جيهان تستشيط غضبا من نفسها ومنه وتخطو ذهابا وايابا داخل مكتبها .. اقتحم هو المكتب وأغلق الباب عليهما وعينيه لاتنذر بالخير …..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

‫40 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *