رواية ديجور الهوى الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فاطمة طه سلطان
رواية ديجور الهوى الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فاطمة طه سلطان
رواية ديجور الهوى البارت السابع والعشرون
رواية ديجور الهوى الجزء السابع والعشرون
رواية ديجور الهوى الحلقة السابعة والعشرون
أُحبك رُغم الغشاء الذي يُحيط بحياتي والسواد الذي يخيم عليها فجأةً بِلا مواعيد رغم تناقضاتي، ورغبتي المُلحه والضرورية في البكاء، رُغم الآلام، التي توالت على روحي لا أملكُ سوى حُلم وهو مُتعلقٌ فيك، أُريد أن أكون معك دومًا لأنني احتاجُك كثيرًا.
#مقتبسة
لم يكن الأمر عاديًا كما تظن، إنه أصبح عاديًا بعد ألف معركة في عقلي وألف كسرٍ في قلبي وكنت دومًا أردد لا بأس بينما كل البأس هُنا في قلبي .
— دوستويفسكي
وكيفَ أنساهُ والذكرى تُؤرّقُني وطيفُهُ في وُجوهِ الناسِ ألقَاهُ .
#مقتبسة
____________
بعد أن انتهى من ارتداء ملابسه وغادر الغرفة بخطوات خافتة حتى لا يوعجها أو تستيقظ، وبمجرد أن فتح باب الغرفة وجد فهد أمامه قائلا:
-صباح الخير.
ابتسم داغر تلقائيًا وهو يجيب عليه:
-صباح النور، ولو أن العصر أذن من بدري.
تمتم فهد بفطنة:
-أيوة بس باين على حضرتك أنك لسه صاحي.
عبث داغر في خصلاته ثم غمغم بهدوء:
-يعني لسه صاحي من شوية.
أخذ الصغير يثرثر أمامه:
-انا صحيت من بدري وفطرت مع ستو، وكنت عايز اجي اصحي ماما من بدري بس هي كانت بتقولي اسيبها تصحى براحتها.
أردف داغر بهدوء قبل أن يسير بضعة خطوات:
-هي نايمة لو عايز تدخل تصحيها، صحيها.
سأله فهد بعفوية ليتوقف داغر عن سيره:
-حضرتك رايح فين؟!.
تعجب داغر من هذا السؤال الذي ينبع من طفل صغير، ولكنه عقب عليه بهدوء، فلا يدري لما هو الوحيد الذي لا يغضب عليه، فهو كان يظن بأنه سوف يتعامل مع الأمر ومعه بحساسية أكبر:
-رايح مشوار كده.
قالها فهد قبل أن يلج إلى الحجرة، وكأنه يردد الكلمات التي تخبره أياها والدته دومًا:
-ماشي خلي بالك على نفسك.
تركه يشعر بالدهشة هذا الطفل خطر عليه؛ مثل والدته بالضبط.
“بداخل الغرفة”
استيقظت أفنان من نومتها على صوت طفلها..
“ماما، ماما اصحي بقا”.
فتحت أفنان عيناها ونظرت له، لتجد طفلها يجلس بجانبها على الفراش..
اعتدلت على الفراش لتجلس في نصف جلسة وتجول بانظارها في الغرفة التي تبدو أنها فارغة، حتى الشرفة مُغلقة باحكام كليلة أمس..
سألت أفنان (فهد) باستغراب:
-هو داغر فين؟!.
أجابها فهد بنبرة هادئة:
-لما جيت كان هو لبس وماشي قالي انه عنده مشوار وأنا قولتله ميتأخرش.
الكاذب..
أخبرها بأنه سيتحدث في الصباح معها، وعلى ما يبدو أنه يمزح، لما يهرب منها؟!..
أصبحت لا تفهمه حقًا، ساعة غاضب منها ويرفض الحديث معها تمامًا، في الليل يطلب منها النوم بجواره، وفي الصباح يذهب قبل أن تستيقظ، أحيانًا مراعي، وأحيانًا يقوم بتذكيرها بأخطائها وذنوبها..
ويحرجها
لا تتحمل حقًا تعدد طُرق تعامله معها..
وكأنها تتعامل مع أكثر من شخصية في الوقت ذاته.
ما الذي يريده؟!
قاطع أفكارها وضيقها صوت فهد وهو يقول:
-ماما.
ضمته أفنان إلى أحضانها مغمغمة:
-نعم يا قلب ماما.
هتف فهد بحماس وأدب:
-انا قابلت اللي اسمعا دعاء، وقالتلي ان بنتها هتيجي النهاردة علشان العب معاها، حضرتك موافقة؟!.
هزت أفنان رأسها في تأثر:
-طبعا يا حبيبي العب واعمل اللي أنتَ عايزه.
كان العجيب في الأمر بأنها لم تتخيل أن طفلها سوف يحب الحياة هنا، بل سيجد أصدقاء أيضًا وسيرغب في اللعب معهم، فهي كانت دومًا تخشى عليه فعل أي شيء، وهو كان منطوي أغلب الوقت بسبب خوف والدته عليه..
لم يكن لديه أصدقاء مقربين او حتى أطفال في عمره يرتاح معهم، فقط بعض الزملاء في المدرسة والتي لا يتواجد أحد منهم يسكن بجواره…
حياته كلها كانت أفنان، وثائر بالطبع…
غير خضوعة إلى العملية…
وتناوله الادوية الكثيرة التي كانت ترهقه، ولا تجعله يحيا طفولة طبيعية…
فهي سعيدة جدًا..
_______________
-بنتك مين؟!
خرجت منها ضحكة ساخرة ثم قالت بعد أن لوت فمها في تهكم:
-هتكون بنتي مين؟!! بنتي شمس يا عنيا؛ بنتي اللي خربت ليها دماغها؛ قولي بنتي فين بدل ما أفرج عليك الحتة كلها، ده انا ولية شلق أنتَ متعرفنيش.
هتف شريف (ثائر) بنبرة ساخرة:
-لا أنتِ اتجننتي وهبت منك على الآخر وجاية ترمي بلاكي عليا…
صاحت سوسن بغضب:
-بنتي اختفت وسابت البيت ومشيت بلاء ايه يا ابو بلاء، أنتَ لسه شوفت حاجة؟! والله لو مقولتش بنتي فين أنتَ حر في اللي هعمله فيك وليك هجرسك، أنتَ اللي بوظت دماغ البت وعصيتها على أمها…
لا يظن بأنه استمع إلى حديثها بعد أن علم وبدأ يستوعب حقًا اختفاء شمس إلى أين ذهبت تلك المعتوهة؟!!!…
ورغم قلقه وحيرته التي استطاعت أن تشعلهما بداخله إلا أنه هتف بجمود:
-بقولك ايه يا ولية أنتِ أنا ولا أعرف بنتك فين ولا ليا علاقة بيها، روحي دوري عليها في حتة تانية بدل ما أقل منك.
خرجت منها ضحكة مائعة وساخرة في الوقت نفسه وهي تقول:
-لا والله على أساس كلامك ده هيخيل عليا والمفروض اصدقه يا عنيا؟!…
-في ايه يا ثائر؟!.
كان هذا هو الصوت الرجولي الذي جاء من خلف سوسن الواقفة وتضع يديها في جانبيها، قطع صوت هلال تلك المهزلة التي تحدث.
أقترب منهما هلال قائلا وهو يخلع نظارته الشمسية، وينظر ناحية تلك المرأة الواقفة باستغراب ودهشة :
-مين الست دي يا ثائر؟!.
تحدثت سوسن قبل أن يتحدث ثائر قائلة بسخرية وهي تشير ناحية ثائر أثناء حديثها:
-الست دي تبقى ام البت اللي سابت بيت اهلها وطفشت، واللي اكيد الراجل ده هو اللي لاعب في دماغها وخلي بنتي تسيب البيت مهوا كل شوية معلقها معاه في الرايحة والجاية، خلاها تبقى عاصية لامها.
أردف ثائر وهو يكز على أسنانه قائلا بانفعال فهو لا يتحملها بالفعل:
-امشي من هنا علشان انا مش هستحملك كتير، بنتك معرفش هي فين ومليش علاقة بيها، روحي دوري عليها في حتة تانية وبلاش تجيبي لنفسك أنتِ الفضايح.
بدأ هلال يحاول أن يربط جميع الخيوط مع بعضها، ومعرفة هاويتها متحدثًا بجدية:
-يلا يا حجة روحي شوفي أنتِ رايحة فين ومتجبيش لنفسك المشاكل علشان مخليهوش يروح يعملك محضر، وروحي دوري على بنتك في حتة تانية.
لا تدري لما شعرت بالخوف من نبرته ولكنها قالت بنبرة جادة:
-ماشي أنا ماشية ومش علشان خايفة منك ولا من طرطورع بس ماشية ادور على بنتي ولو عرفت أن صاحبك ده عارف مكانها وساكت والله أنا اللي هوديه في ستين داهية.
تمتم هلال بنبرة ساخرة:
-لو عندك الجراءة تروحي تبلغي عنه في القسم روحي وساعتها ابقي اتكلمي متقوليش كلام أنتِ مش قده.
نظرت له سوسن بعدم تصديق من كلماته…
ذلك الرجل لا تعرفه ولكن يبدو أنه لا يمزح رغم هدوء نبرته…..
فوجه هلال حديثه إلى ثائر وهو يجعله يدخل إلى داخل المنزل:
-يلا يا ثائر ندخل احنا..
بالفعل ولج ثائر إلى داخل المنزل وبعدها ولج إلى الشقة التي تتواجد في الدور الأرضي ليبحث عن هاتفه ويتصل بها ليجد هاتفها مغلق مما جعله يشعر بالغضب أكثر، إلى أين ذهبت؟!!!
ومن دون اخباره؟!!!!…
أما هلال أغلق الباب في وجهها واتبع صديقه ليجد هيئته تلك فأخذ يصيح:
-الست دي ام شمس صح؟! اللي عايزني ادور على معلومات عنها؟!.
تحدث شريف بانزعاج شديد فهو لن يتحمل عتابه تحديدًا الآن، وهو يعرف بأنه يسأل سؤال يعتبر علم أجابته:
-هلال أنا مش ناقصك وسيبني في اللي أنا فيه، انا مش عارف اصلا هي راحت فين البت دي..
تمتم هلال بانفعال وحدة شديدة نادرًا ما تخرج منه ولكن ماذا يفعل؟! صديقه دومًا يراهن على أن يجعله يفقد عقله:
-ما تروح مطرح ما تروح، ايكش تروح في ستين داهية أنتَ هتفضل رابط نفسك برقاصة؟!! أنتَ اتجننت يا شريف ولا ايه حكايتك بالضبط؟!! الست دي كان لازم تخرج من حياتك ومن بدري كمان، لانها هتغرقك وهتخرب حياتك أكتر من اللي أنتَ فيه.
قال شريف بجدية صارخًا هو الآخر:
-انا عارف كل اللي بتقوله وبقوله لنفسي كل دقيقة بس انا مش عارف ابعد عنها يا هلال ده مش بايدي.
تمتم هلال بعناد ولا يتقبل تلك الاجابة السخيفة من وجهه نظره:
-مفيش حاجة اسمها مش بايدك.
تمتم شريف بنبرة متهكمة:
-علشان أنتَ بتقيس كل حاجة في حياتك قوانين، وبالمسطرة، لكن انا مش كده أنا مش بفكر زيك ومش بعرف اعمل كنترول على نفسي، لو كنت بعرف احكم عقلي وقلبي مش اللي متحكم فيا مكنش زماني هنا على الأقل، انا بعمل اللي حسيته.
صاح هلال بجنون:
-قتلت واحد علشان اغتصب اختك فقولت تصاحب رقاصة وتحبها؟!! ده تبع أنهي منطق ده؟!.
هتف شريف بنبرة ساخرة من حاله:
-مش ماشي تبع المنطق أصلا يا هلال، ومقولتش ان علاقتي بيها منطقية بس أنا مش عارف اعمل ايه؟!! ولا عارف اتحكم في نفسي ومش دي المشكلة قد ان المشكلة اني هتجنن علشان اعرف هي فين؟! ، اصلا مش عارف ليه تهرب مش كانت تستني الغبية لما نعرف اي حاجة عن أمها.
أردف هلال بنبرة عادية وهو يسرد المعلومات التي عرفها في الصباح:
-امها من اسكندرية وكانت متجوزة واحد، زوجة تانية واللي عرفته أن طليقها ده عنده أكتر من مطعم، وهو أساسا من بني سويف لسه الراجل قايلي الصبح المعلومات دي وهيبعتلي اسمه وعنوانه، اما امها ملهاش حد مقطوعة من شجرة كان ليها اخت واتوفت واهلها متوفين ملهاش الا خال وعايش برا وكان غير شقيق وملهوش علاقة بأي حد هنا.
تحدث شريف بلهفة:
-يعني ابو شمس عايش صح؟!.
تمتم هلال بنبرة جافة ولا مبالاة شديدة:
-معرفش يمكن ميطلعش ابوها الله اعلم امها دي شكلها مش مظبوطة ولما الراجل يبعتلي التفاصيل هبعتهالك، أنا عملت كده علشان أنتَ طلبت مني لا اكتر ولا أقل، بس يا شريف لو ما بعدت عن الست دي انا هقول لجدك ولاخوك يتصرفوا هما، لاني مش قادر عليك.
غمغم شريف بصوت منفعل وغاضب جدًا:
-جرا ايه يا هلال هو أنا عيل صغير قدامك؟!!.
أردف هلال بجدية:
-لا أنتَ مش عيل صغير يا شريف بس مش عارف مصلحتك، ولا راضي تمشي صح، في حاجات نفكر فيها أولى من الست شمس وامها ومشاكلهم، لازم نفكر ازاي نخلصك من هروبك الوقت ده كله ونحل الموضوع، لما تهدى وتعقل كلمني نتقابل افهمك هنعمل ايه في قضيتك مش في مشاكل الست شمس.
______________
بعد أن تناول الاثنان الغداء…
وساعدتها شمس للمرة الثانية في غسيل الأواني والصحون..
جلس الاثنان سويًا على الاريكة وأخرجت مريم من حقيبة يدها التي تتواجد على الطاولة هاتف قديم وعتيق كانت تضعه معه تستخدمه في بعض الأحيان عند أي عطل يصيب هاتفها الثاني الخاص بالعمل غير هاتفها الخاص..
فتمتمت مريم وهي توجه حديثها إلى شمس:
-ده موبايل كان معايا من سنين اول موبايل جبته ساعة ما بدأت اشتغل وكنت بحط فيه خط الشغل.
هتفت شمس بعدم فهم تلك المقدمة وهي ترمق الهاتف بنظرات مبهمة:
-مش فاهمة ماله يعني؟!.
أردفت مريم بتوضيح أكثر:
-أنا حطيت ليكي فيه خط معايا محدش يعرفه يعني خليه معاكي وهطلعلك الشاحن بتاعه علشان بقالي كتير ركناه فهدور عليه وهديهولك.
تمتمت شمس بدهشة من فعلتها فهي لم تطلب منها هذا الأمر:
-بس أنا مش عايزة أكلم حد، هعمل بيه ايه؟! ما أنا لو عايزة اعمل كده ما افتح تليفوني.
قالت مريم بنبرة عملية:
-معرفش بس حاسة لازم يكون معاكي خط لو أنا في الشغل او تحت بجيب حاجة وفي اي حاجة تقدري تكلميني، وكمان تليفونك وخطك أنتِ ممكن يجيبوكي عن طريقه، لكن دول لا، خليه معاكي مش هتخسري حاجة، المهم مش هنكلم الواد زيزو ده؟!.
أردفت شمس بغيظ وسخرية من حالها:
-هعمل ايه ياختي ما أنا مدياله رقمك وهو قالي اول ما الأمور تتظبط هيتصل بيا على رقمك بس من ساعتها ولا سمعنا حسه.
صاحت مريم باستنكار وعتاب شديد:
-ما أنتِ اللي مغفلة يا حبيبتي، دفعتي ليه تلت الفلوس كان لازم تستني شوية لما تشوفي الحوار هيرسى على ايه.
تنهدت شمس ثم قالت بارهاق:
-اعمل ايه يعني يا مريم؟! مهوا على ايدك قالي ان دي السياسة بتاعته، واغلب اللي بيسافروا برا ليهم دفعات بيدفعوها في الاول والنص والاخر، أصل أنتِ اللي تحت ضرسهم مش هما، ولازم نسمع كلامهم، ونحط الجزمة في بوقنا.
هتفت مريم بنبرة صادقة:
-بصراحة بقا انا مش مطمنة للحوار ده ولا للسفر بمركب، مفيش حلول تانية يعني؟.
أردفت شمس ساخرة من حالها:
-مفيش حلول تانية.
أبتلعت ريقها ثم تحدثت بسخرية:
-محسساني أن حياتي وردي وكل حاجة في حياتي ماشية عشرة على العشرة وأنا اللي بفكر اسيب البلد بحثًا عن مستوى أفضل، انا هنا رقاصة، والناس شافت وشي، فيديوهاتي تريند مبقتش فيديو واحد الناس كلها عرفتني، الراجل اللي بحبه ومحبتش غيره في الدنيا انا بالنسباله ولا حاجة وعنده حق.
خرجت منها ضحكة ساخرة ثم لوت فمها بتهكم وهي تقول:
-امي وجوزها بيستغلوني، ابويا وعيلته مش عارفة اعرف عنهم حاجة، هنا سواد ملهوش اخر لازم أخلص منه يا مريم، اكيد أنا مقلقة ومش عارفة الراجل ده صادق ولا لا، واكيد خايفة من السفر بالطريقة دي، وبرضو عارفة اني هروح هناك هتمرمط، بس اعمل ايه؟! انا عايشة هنا مليش لا بطاقة ولا شهادة ميلاد حتى تثبت انا مين، مفيش حل غير اني اسافر يا مريم..
تمتمت مريم محاولة أن تواسيها:
-والله انا عارفة كل ده بس صعبان عليا حالك، وبحاول افكر معاكي بصوت عالي يمكن نوصل لحل وسط او حاجة جديدة.
-صدقيني هي اتقفلت من كله، ادعيلي اخلص من اللي أنا فيه…
قالت مريم بتمني:
-ربنا يفك الكرب…
______________
في الشقة التي قام عبدة بتأجيرها..
كان عبدة يصيح…
وصل صوته للجيران أجمعين تقريبًا..
فمنذ أن أتت سوسن وأخبرته بما فعلته أخذ يصرخ كالمجنون في وجهها قائلا:
-يعني اقولك تدوري على البت تروحي توقعينا في مصيبة تانية؟!..
هتفت سوسن بخوف وتوتر:
-ما اعمل ايه يا عبدة، ما أنا احترت مش عارفة اعمل ايه ولا اروح فين؟!! وانا قولت اكيد البت دي راحت عنده.
تمتم عبدة بسخرية:
-بنتك هتروح في الاماكن اللي حضرتك بذكائك مش هتيجي على بالنا مش هتروح لاكتر واحد هتشكي فيه بدماغك دي، وبعدين ياست هانم هو هيجيب لنفسه بلوة؟! هو كبيره يقضي معاها وقت مش يتاويها عنده، مفيش راجل اهطل وعبيط و*** للدرجة دي.
قالت سوسن بحنق:
-طب فكر أنتَ ياخويا ممكن تكون راحت فين مدام مش عاجبك اللي بيجي على دماغك أنا واللي بعمله.
سحب نفس من سيجارته المتواجدة بين أصابعه ثم قال:
-ما انا بتنيل افكر هو انا ورايا حاجة إلا مصايب بنتك، ده احنا واخدين فلوس حجوزات من الشهر الجاي كمان والله لاوريها بنت *******.
________________
ارتدت فردوس بنطال قطني مريح اسود، وسترة شتوية من اللون الأزرق الفاتح وأخرجت حجاب باللون الأسود ولكنها كانت تصفف خصلاتها قبل أن ترتديه….
تستعد للهبوط لمقابلة والدة دعاء، وابنه دعاء..
كالعادة تشعر بالحيرة..
لا تدري هل تلك الأشياء الذي تركها في الغرفة ونومه هنا دليل على وجوده الفترة القادمة، أم لا؟!.
وحتى لو كانت تلك رغبته، هل هي حقًا تريد تلك الخطوة؟!! وجوده معها تحت سقف واحد سيقوم بتصعيب الأمر عليها وعليه..
لولا أنها تعرف نفسها لظنت أنها فعلت هذا من أجل حديث دعاء فقط ولكن الصدق أنها كانت راغبة في هذا ورُبما وجدت من يحفزها على فعله، ولكنها مازالت تجهل صحة تلك الخطوة…
غير أنها غاضبة كونها لم تشعر به، وغاضبة لأنها تعلم بأنه لن يأتي اليوم، والغد وبعد الغد سيكون في بيته الاخر، وهذا كفيل بأن يشعل غضبها…
انقسمت أكثر من قسم..
فردوس الراغبة بحبيبها..
فردوس التي تجد معه أكثر من حق للزواج عليها لأنها منذ سنوات حرمته من حقوقه..
فردوس العاشقة التي تجد أنه لا سبب يجعله يفعل هذا بها أو يلمس أمرأة غيرها..
فردوس التي ترغب في الانتقام وتخشى بأن تنسى حق شقيقها وتنشغل بشيء أخر..
غير أنها ترغب في الطلاق..
رُبما هذا هو الخلاص لهما…
تقوم بوضع القرط الذي يتناسب مع ملابسها، فهي مهووسة إلى حد كبير بتغيير الاقراط يوميًا بما يناسب ما ترتديه…
صدع صوت هاتفها يعلن عن اتصال من إيمان، قرأت اسمها حينما نظرت على الهاتف الموضوع أمامها على الطاولة الصغيرة، فأخذت الهاتف وأجابت عليها:
-الو.
“ايوة يا فردوس عاملة ايه يا حبيبتي؟!”.
عقبت فردوس تعقيب مختصر وهي تجلس على طرف الفراش:
-الحمدلله وأنتِ ايه اخبارك؟!.
“والله أنا مش كويسة من ساعة اللي عملته وسببته ليكي حقيقي مكنش قصدي ولو عايزاني اروح لكمال اتكلم معاه او اتصل بيه اعتذر معنديش مانع المهم…
أردفت فردوس مقاطعة أياها:
-ملهوش لزوم ولا تتكلمي ولا تعملي حاجة الموضوع منتهي.
“يعني ايه؟! هتطلقوا؟!”.
قالت فردوس ببساطة:
-أنا طلبت منه الطلاق بس لسه هو مش عايز فهنشوف هنوصل لأيه.
“انا كلمت طارق عبد الحكيم النهاردة، وسألته على حوار شريف”.
سألتها فردوس بلهفة حقيقية:
-وقالك ايه؟!.
قالت ايمان باحباط:.
“مقالش حاجة احبطني اوي، وقالي أن شكله خرج برا البلد لانه ملهوش أي اثر، استحالة يكون عايش في مصر السنين دي كلها وميغلطش غلطة واحدة حتى، فص ملح وداب يا فردوس، وكمان قالي أنه اكيد سافر لانه مش هيعرف يعيش حياته هنا، واضح انهم لقوا حد يسفره برا مصر في ساعتها”.
هتفت فردوس بفقدان أمل:
-شكله ممكن يكون حصل كده، معاه حق، انا فقدت الامل اني الاقيه..
جاءها صوت ايمان وهي تصيح بقهر وإصرار:
“مفيش حاجة اسمها فقدتي الأمل وحتى لو فقدتي الامل يا فردوس أنا مش هفقده وهفضل وراه لحد ما اجيبه ويدفع ثمن اللي عمله”.
تنهدت ايمان ثم أردفت بنبرة محاولة جعلها طبيعية حتى لا تغضب فردوس:
“ربنا معانا وان شاء الله الحق هيرجع، المهم هتيجي الجيم امته، مش عايزاكي تقعدي وتريحي لان كده لما تبدأي هتتعبي تاني كأنها اول مرة”.
قالت فردوس باستسلام:
-بكرا ان شاء الله، هقفل دلوقتي وهكلمك كمان شوية يلا باي.
“سلام”.
هكذا انتهت المكالمة بينهما…
وقامت فردوس بعقد خصلاتها بعقدة صغيرة ووضعت الحجاب فوق رأسها وأخذت تقوم بارتدائه ولكنها تذكرت تواجدها في منزل كمال بعد الحريق الذي شب في منزلها، وقبل زفافها بأيام معدود على الإصبع……………
….عودة إلى الماضي….
كانت فردوس تجلس في الغرفة في الايام التي تسبق حفل الزفاف، وقررت كعادتها كل يوم قبل النوم بأن تأتي بكل الصور التي تجمعها بكمال وتشاهدها، فهي تضعهم في ألبوم خاص بهما، تتأمل ملامحه، فهي منذ أسابيع أصبحت زوجته بعد أن عُقد القرآن ويفصلها أيام قليلة جدًا على حفل الزفاف…
تعشقه، تعشقه حد الجنون، لم تحب غيره منذ أن أدركت ما هو الحب لم تعرف رجلًا سواه، ولم يشغل قلبها أي شخص غيره، تذكرت قلقها الشديد في البداية حينما منذ عامين تقريبًا تقدم لخطبتها ووقتها كان شقيقها لا يرغب في تزويجها مخبرًا أياها بأنها مازالت صغيرة في مقتبل العشرينات لما العجلة؟!!..
لولا أن هي اقنعته هي ونجوى لم يكن ليوافق لا تدري لما كان يخشى أن تتزوج او حتى أن يقترب منها أي رجل؟!
لكنها كانت دومًا تفسر هذا بأنه شقيقها الوحيد وهي لديها مكانة مختلفة عنده، وبالتأكيد يخاف من الوحدة بعد ذهابها، واطمأنت قليلا حينما علمت بأنه هناك أمرأة في حياته “ايمان”
سمعت صوت طرقات على الباب، فسألت من الطارق اخبرها حسن بهاويته فاذنت بالدخول واعتدلت في الفراش وأغلقت الهاتف..
ولج حسن إلى الغرفة مبتسمًا…
وأغلق الباب خلفه وجاء ليجلس قبالتها في الفراش، فهو ينام في غرفة شريف الذي يتواجد في القاهرة بينما فردوس تنام في غرفة الضيوف..
سألها حسن بعفوية وتقليدية في الوقت نفسه:
-العروسة بتاعتنا عاملة ايه؟!.
أردفت فردوس بنبرة خجولة والسعادة تكاد تخرج من عيناها:
-انا الحمدلله كويسة، غريبة يعني راجع بدري النهاردة.
-يعني حسيت اني تعبان شوية فمحبتش اسهر.
سألته فردوس بلهفة:
-ليه مالك يا حبيبي بس؟ نروح للدكتور طيب؟!.
-لا مفيش حاجة ده شوية برد متقلقيش نفسك، انا بس جيت امسي عليكي واتكلم معاكي شوية.
تمتمت فردوس بفضول:
-تتكلم معايا في ايه؟!
-في كمال.
هتفت فردوس بعدم فهم:
-ماله كمال؟!.
أبتلع حسن ريقه وتحدث بنبرة جريئة بعض الشيء:
-يعني أنا كلمتك في الموضوع ده بعد كتب الكتاب وكلمتك فبه وقت الخطوبة؛ بس حابب أكد عليكي تاني يا فردوس، متخليش حد يكسر عينك ولا تخلي حد يكسر فرحتك، او تكسريني، متخليش حد يلعب في دماغك كل حاجة في وقتها حلو و……..
قاطعته فردوس بوجه أحمر من الخجل والغضب في الوقت نفسه، لا تدري لما دومًا يحذرها بتلك الطريقة التي تخجلها حقًا، وهل هذا أمر طبيعي؟!..
-حسن أنتَ بضايقني بجد، أنا تربيتك وتربية بابا علي الله يرحمه وماما، ليه متخيل اني عبيطة واني هيضحك عليا، أنتَ شايفني مش محترمة يعني ولا….
قاطعها حسن باستنكار:
-لا طبعًا انا مقولتش كده.
تحدثت فردوس بانفعال طفيف:.
-بس طريقتك وتحذيرك دايما بيضايقني وبيحسسني انك مش واثق فيا، مش واثق في اختك.
حاول أن يتحدث باقناع أكثر:
-بطلي عبط يا فردوس، انا مبثقش في الدنيا كلها غير فيكي أنتِ، أكتر ما بثق في نفسي انا بس من واجبي انبهك، الكلام ده في الغالب ممكن تقوله الام وتنصح بنتها بيه فأنا بعمل بدورها لو كانت الله يرحمها موجودة.
الله يرحمها.
وبعد ظقائق من الصمت، أردفت فردوس بنبرة متوترة من الحديث في تلك الأمور:
-انا عايزاك تثق فيا يا حسن، وكمان تثق في كمال، كمال شخص محترم وعمره ما يتعدى حدوده ودايما هو عارف حدوده في الكلام وفي كل حاجة، ولا عمره حتى عمل اي حاجة تقلقني منه، لو هو كان كده مهما كنت بحبه انا مكنتش كملت معاه، كمال بيتقي ربنا في اللي معاه، مش عارفة ليه أنتَ اللي مقلق..
…….عودة إلى الحاضر…….
لا تدري لما تذكرت هذا الحوار الذي دار بينهما..
ولكنه أتى في ذاكرتها فجأة..
خاطبت نفسها بأنه هذا ليس وقت البكاء والذكريات التي تفتك بها، من الأفضل أن تهبط لمقابلة والدة دعاء وابنتها، لعل الوقت يمر..
ما أن خرجت من الغرفة بعد أن اخذت هاتفها، وجدت من يركض واصطدم بها لتمسكه من ذراعه مانعة أياه من أن يسقط ولم يكن سوى فهد الذي يضحك ويلعب مع ابناء الخالة شيماء ومع ابنة دعاء…
ويركض ليختبأ منهما…
هتفت فردوس محاولة جعله أن يتزن:
-براحة يا حبيبي، هتقع وبعدين بلاش اللعب هنا عند الاوض وعلى السلالم انزلوا تحت في الجنينة أحسن.
هتف فهد بأدب:
-حاضر.
وبرد فعل تلقائي هبطت فردوس برأسها وانحنت قليلًا ووضعت قُبلة على رأسه، وهناك شعور غريب راودها عند فعل هذا ولم تفهمه…
ولم يمهلها فهد وقت للادراك بل استرسل في ركضه لتجد طفلة وصبي أخر يركضون خلفه..
-البيت اتقلب مرة واحدة كده ليه عيال بتجري؟!.
كان هذا تعقيبها الساخر اثناء هبوطها من الدرج…
________________
ولج هلال إلى المكتب بجسد منهك وغاضب…
بسبب افعال صديقه ولأن الحديث بينهما اليوم لم يسير بطريقة جيدة.
وحينما ولج إلى المكتب وجد من تسير خلفه تقول بجدية، وصوت لم يعتاد سماعها:
-يا متر، يا متر..
قاطعها هلال وهو يستدير متمتمًا:
-نعم، نعم هو أنا تايه؟!.
شعرت بشرى بالاحراج لتقول بنبرة مترددة:
-لا والله مش قصدي انا قولت بس الحق حضرتك قبل ما حضرتك تدخل المكتب.
تنهد هلال يبدو أنه أخافها، فهو يشعر بالضيق الشديد بسبب صديقه فحاول الحديث بنبرة هادئة ولكنها حازمة في الوقت نفسه:
-طيب في ايه؟!.
أردفت بشرى بتوضيح:
-مريم جوزها تعب فهي مشيت وقالتلي انها بعتتلك على الواتساب واتصلت بيك بس مردتش.
لم يكن لديه طاقة حتى لينظر في هاتفه من بعد مغادرته وطوال الطريق وبالطبع هاتفه كان الوضع الخاص به “صامت”
تمتم هلال بتفهم:
-ماشي في حاجة تاني؟!.
عقبت بشرى بحماس رهيب ونبرة طفولية بعض الشيء:
-في المكتب مستنياك الممثلة نجلاء الحسيني، مزة ما شاء الله في الحقيقة كمان مش باين عليها انها كسرت الاربعين…
لاحظت ما تقوله فهي تثرثر مع هلال!!.
هلال!!!!!!!!
فحاولت تصليح الأمر قائلة حينما وجدته ينظر لها نظرات لم تفهمها:
-ايه هي لسه مكسرتش الاربعين ولا ايه؟! شكل معلومات ويكيبيديا غلط.
هتف هلال بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-لا ازاي، هو ويكيبيديا هيكدب برضو.
تمتمت بشرى ببلاهة:
-انا قولت كده برضو.
هتف هلال بنبرة جافة:
-المهم يا بتاعة ويكيبيديا فين شهادة التخرج بتاعتك أنتِ وملك؟!.
ابتلعت بشرى ريقها بتوتر ثم قالت:
-اه موجودة.
سألها باستغراب:
-موجودة فين؟! جبتيها يعني؟!.
هزت رأسها ثم أردفت ببلاهة:
-لا في الجامعة.
شعرت بأنه على وشك أن يغضب عليها فغمغمت:
-يعني احنا روحنا وطلبناها بس طبعا مش بتطلع في ساعتها يعني قالولنا نيجي بعد اسبوعين ثلاثة، وان شاء الله اول ما نجيبها هديها لحضرتك.
هز رأسه بإيجاب ثم قال وهو يتوجه صوب غرفة مكتبه:
-ابقي ابعتي حد يشوفها تشرب ايه…
_______________
منذ أن أخذها من أمام منزل أهلها وهي تحاول اقناعه عن العدول عن قراره، وأنها اخطأت حينما تحدثت معه في هذا الأمر وها هي تتراجع وليتركا الأمور تسير كما هو مقدر ولكنه رفض وكأنه لا يسمعها..
مصمم..
مصمم بشكل كبير….
ولا يستمع إليها…
ليزيد من عتابها لنفسها..
ولجا إلى العيادة وجلس الاثنان ينتظرا أن يتم النداء عليهما حينما تصبح الطبيبة متفرغة لمقابلتهم.
وحينما ولجا كان كمال هو المتحدث الأول..
أخبر الطبيبة برغبتها في تأجيل الإنجاب وأخذت الطبيبة تسألهما بعض الاسئلة عن مدة زواجهما وأشياء تخص علاقتهما الخاصة، وقبل حتى أن تطلب منهما أي شيء رغبت في فحص داليا أولا……
بعد اسئلة أثارت ريبتها…
بالفعل نهضت داليل معها واستلقت على الفراش الخاص بالفحص بينما كمال جالس على مقعده منتظر ان تنتهي من فحصها وبعدها تستكمل حديثها معهما..
ولكن صوت الطبيبة التي تجلس على المقعد بجانب الفراش الخاص بداليا وهي تناديه:
-استاذ كمال تعالى.
لم تفهم داليا لما تناديه؟!…
ولكن بعد دقيقة تقريبًا أتى كمال ليقف بجانب الفراش الخاص بداليا منتظر التكملة..
بالتأكيد هناك تكملة أو على الأقل ستخبره لما قامت بمناداته..
فأردفت الطبيبة وحاولت ارضاء فضولهم..
-واضح أنكم اتاخرتم شوية في تفكيركم في تأخير الحمل، لأن مدام داليا حامل فعلا….
صمت..
صدمة…
_____________
منذ أن سمعا الخبر وتعليمات الطبيبة الكثيرة والتي أخبرتهم ببعض الإرشادات ورغبت في أن تراهم مرة أخرى بعد بضعة أيام…
طوال الطريق كان الصمت يحالفهما..
وكأن لا أحد يمتلك كلمات معينة قد تصلح أن يقولها، كلاهما شعرا بالصدمة تحديدًا كمال، رُبما داليا لم تشعر بالصدمة بشكل كبير مقارنة به بسبب حديث جهاد التي أخبرتها بأنها من الممكن أن تكون تحمل جنينًا في أحشائها بالفعل…
وبعد وصولهما إلى المنزل ذهبت هي لتأخذ حمام دافئ تحاول التفكير في البدء في المحادثة التي سوف تحدث بينهما…
بينما هو ظل جالس مكانه على الأريكة..
يحاول سؤال نفسه ما الذي أصابه منذ معرفته بالخبر؟!!..
يجب أن يكون سعيدًا..
هو ليس حزينًا، ولكنه لا يعرف ما هو الشعور الذي ينتابه، وكأنه فارغ، هل لأن هذا الخبر تأخر وقته مثلا؟!!!!!
أم أنه أتى بعد فقدانه للرغبة في أي شيء،؟!!! او لكثرة الضغوط المتواجدة في حياته لم يعد يفهم ما يحدث!
ورُبما لأن داليا اخبرته منذ أربعة ايام تقريبًا بأنها ترغب في تأجيل الإنجاب!!!!
تعددت الاسباب والنتيجة واحدة هي مشاعره المبهمة……..
أتت داليا من الداخل بعد أن بدلت ملابسها بأخرى منزلية، قطنية ومريحة، وكانت قد انتهت لتوها من تجفيف خصلاتها وأتت لتجلس بجانبه على الأريكة متمتمة بانزعاج جلي رغم حرصها على أن تتحدث بنبرة هادئة:
-مش شايف أننا المفروض نتكلم، حاسة اننا من ساعة ما خرجنا من عند الدكتورة واحنا واكلين سد الحنك.
غمغم كمال بنبرة خالية من التعبير:
-هنتكلم نقول ايه؟! هتلاقيكي مضايقة طبعا من ثلاث أيام بس كنتي عايزة تأجلي الموضوع كام شهر…
قاطعت داليا حديثه بضيقٍ:
-كمال أنتَ هتفضل ماسكلي حبل المشنقة؟! وماسكها عليا ذلة، على فكرة أنا مراتك ومن حقي لما اكون حاسة بأي حاجة اقولها ليك، من حقي اقولك اني عايزة كذا ومش عايزة كذا، حابة كذا ومش حابة كذا، اني اشاركك مشاعري.
ابتلعت ريقها وتحدثت بنبرة هادئة حاولت اخفاء ضيقها بها:
-وأنا مكنش قصدي اني اخلف بوعدي معاك زي ما أنتَ قولت، وبعدين أنا رجعت قولتلك أكتر من مرة ولغايت النهاردة قبل ما نروح للدكتورة قولتلك اني خلاص مش عايزة واعتبرني مقولتش حاجة، لكن أنتَ مصمم تحسسني اني غلطت.
تمتم كمال بنبرة واضحة وصريحة لا يرغب حقًا في الشجار، هناك أمر واضع يجب عليهما الحديث به:
-الحقيقة أن أنتِ غلطتي، بس خلاص بلاش نتكلم في النقطة دي، وخلينا نتكلم في الوضع اللي احنا فيه لأن إرادة ربنا كانت مختلفة عن اللي نفسك فيه.
هتفت داليا بوضوح وهي تشرح له مشاعرها:
-أنا غيرت رأيي ساعتها لأني كنت خايفة تسيبني مكنتش عايزة احس ان جوازك مني علشان الخلفة وبس، ومش عايزة احس إني مهددة دايما بأننا نطلق او ننفصل، علشان كده كنت عايزة اطمن الأول من النقطة دي وبعدين نفكر في الخلفة، لاني مش عايزة أخلف طفل وفجأة مثلا تحس اني كنت قرار غلط في حياتك.
أخبرته بكل شيء…
لعل هذا يشفع لها حديثها ويجعله يفهم ما أتى في مخيلتها بعد حديث جهاد..
هي ليست مغفلة، هي مدركة حبه لفردوس وحبها الكبير له، داليا نفسها لو كانت في مكان فردوس لم تكن ظلت في منزله وعلى ذمته ليلة واحدة حتى…
لا تفعلها الا أمرأة عاشقة من وجهة نظرها….
ولا تظن بأن هناك رجل سيتحمل أمرأة كل تلك السنوات وهي لا ترغب في الإنجاب منه إلا لو كان الأمر تخطى مرحلة العشق…
تمتم كمال بنبرة حاول بث الطمأنينة بها:
-أنتِ مش قرار غلط يا داليا، ومش متجوزة عيل صغير مش عارف هو بيعمل ايه، أنا عارف بعمل ايه كويس، وصدقيني أنا اخر واحد ممكن يظلم اي حد، ما بالك لو مراتي وعلى ذمتي؟!!! ولقدر الله لو انفصلنا في اي يوم لأي سبب من الأسباب اللي ممكن تحصل بين أي اتنين انا لا يمكن اظلمك برضو، وأنتِ مش نزوة في حياتي لو حد مخليكي تفكري بالطريقة ده.
على الرغم من أن حديثه أصاب جزء كبير بداخلها واستطاع بث الطمأنينة به، إلا أنه لم ينجح بالكامل هناك شيء مفقود لم تفهمه هي…
فمغمت داليا بنبرة مستسلمة:
-طيب يا كمال.
ثم أسترسلت حديثها بجدية:
-انا مش زعلانة اني حامل، الله اعلم الخير فين؛ يمكن ده الخير عن التأجيل، وكويس اننا روحنا واكتشفنا الموضوع بدري خصوصًا انها قالت الحمل ضعيف، واني هحتاج رعاية وغيره.
تمتم كمال بنبرة هادئة:
-اه الحمدلله، أنتِ أهم حاجة متعمليش أي مجهود تسمعي كلامها ولو حسيتي بأي حاجة نكلمها، وأنا هنزل اجيب الغداء واجيب الادوية اللي كتبتها ليكي وأحنا نلتزم بكل حاجة قالتها.
أردفت داليا بتردد:
-كمال.
-نعم.
-في حاجة عايزة اقولها وياريت متفهمنيش غلط.
هتف كمال بنزق:
-قولي يا داليا.
قالت داليا بنبرة عملية:.
-انا شايفة اني اقعد مع اهلي الفترة دي أفضل؛ اكون جنبهم ياخدوا بالهم مني، ومعملش مجهود لا اروح ولا اجي، علشان الحمل يثبت وفي نفس الوقت اكون جنب ماما انا مش هقدر اقعد في البيت ومنزلش اروح ليها، والدكتورة قالت متحركش ولا اروح حته غير للمتابعة.
تمتم كمال بنبرة عادية:
-أنا ممكن اجيب ليكي حد……
قاطعته داليا بوضوح:
-مش هكون مرتاحة لو جيبت ليا حد يخدمني في البيت، وفي نفس الوقت مرات اخويا مش هتعرف تجيلي لاني اكيد لو فضلت في البيت هنا هي هتكون مع ماما، انا شايفة ان انسب حل افضل هناك الشهور الأولى وأنتَ كمان ممكن تقعد معايا هناك يعني…
قاطعها كمال برفض واضح وصريح:
-انا مبقعدش عند حد يا داليا، أهلك على عيني وعلى رأسي بس أنا مش ببات غير في بيتي، سواء هنا او هناك، مبقعدش عند حد وده طبعي لا هكون أنا مرتاح وفي نفس الوقت اهلك مش هيكونوا مرتاحين.
صمت لدقيقة تقريبًا ثم أخذ نفس طويل وهو يخبرها بما توصل إليه:
-لو حابة أنك تقعدي عند أهلك وحاسة انك كده هتكوني مرتاحة، اقعدي وانا هجيلك حتى لو كل يوم، لكن بيات مش هبات، اهم حاجة تشوفي اللي هيريحك وانا معنديش مانع.
نظرت له داليا باستغراب…
لم ترى رجلا متفهم مثله، لم تسمع عن رجل دومًا يرغب في راحة المرأة التي تتواجد معه، حقًا هو مختلف..
حتى في غضبه ورفضه للأمور مختلف بشكل كبير…
هي تغرق في تفاصيله كل يوم عن اليوم الآخر..
لم تمنع نفسها من سؤاله:
-بس غريبة يعني حاسة أنك مش فرحان؛ يعني مش باين انك فرحان فرحة حد اشترط على عروسته الخلفة في اول قاعدة..
ابتسم كمال ثم قال بنبرة متعبة:
-يمكن الموضوع حصل بسرعة فعلشان كده مستغرب ويمكن علشان كلامنا من كام يوم، انا فرحان يا داليا بس انا مريت بحاجات كتير اوي ممكن متتخلنيش اعبر عن اللي جوايا كويس أو انك تحسي بفرحتي يعني فرحتي بتكون هادية، الحمدلله.
سألته داليا:
-هتقول لأهلك؟!.
هنا دق الخطر..
وهو يتذكر معرفة فردوس بالأمر…
بالتاكيد سوف تنزعج لكن لا يعلم أي ردة فعل ستعطيها لن يتحمل حزنها، ولن يتحمل ايضًا بأن تظهر أن الأمر لا يعني لها…
عقب كمال بنبرة هادئة:
-يعني أنا شايف نستنى اسبوع كمان ولا حاجة ونقولهم بعد المتابعة الجاية، والدكتورة تطمنا اكتر ان شاء الله.
-ان شاء الله، طب بكرا هتوديني عند اهلي صح؟!.
تمتم كمال بمرح طفيف:
-أنتِ لسه جاية من عندهم النهاردة استني حتى يومين اقعديهم معايا وبعدين هتفضلي عندهم فترة كويسة يعني.
-معاك حق.
نهض وترك قُبلة على جبهتها متمتمًا:
-انا هنزل اجيبلك العلاج والاكل وهرجع.
-ماشي..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ديجور الهوى)